سِفر يوئيل – الإصحاح ٢
يوم الرب واسترداد الرب
أولًا. جيش قوي سيجتاح يهوذا
أ ) الآيات (١-٥): ملامح هذا الجيش القوي.
١اِضْرِبُوا بِالْبُوقِ فِي صِهْيَوْنَ. صَوِّتُوا فِي جَبَلِ قُدْسِي! لِيَرْتَعِدْ جَمِيعُ سُكَّانِ الأَرْضِ لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَادِمٌ، لأَنَّهُ قَرِيبٌ: ٢يَوْمُ ظَلاَمٍ وَقَتَامٍ، يَوْمُ غَيْمٍ وَضَبَابٍ، مِثْلَ الْفَجْرِ مُمْتَدًّا عَلَى الْجِبَالِ. شَعْبٌ كَثِيرٌ وَقَوِيٌّ لَمْ يَكُنْ نَظِيرُهُ مُنْذُ الأَزَلِ، وَلاَ يَكُونُ أَيْضًا بَعْدَهُ إِلَى سِنِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ. ٣قُدَّامَهُ نَارٌ تَأْكُلُ، وَخَلْفَهُ لَهِيبٌ يَحْرِقُ. الأَرْضُ قُدَّامَهُ كَجَنَّةِ عَدْنٍ وَخَلْفَهُ قَفْرٌ خَرِبٌ، وَلاَ تَكُونُ مِنْهُ نَجَاةٌ. ٤كَمَنْظَرِ الْخَيْلِ مَنْظَرُهُ، وَمِثْلَ الأَفْرَاسِ يَرْكُضُونَ. ٥كَصَرِيفِ الْمَرْكَبَاتِ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ يَثِبُونَ. كَزَفِيرِ لَهِيبِ نَارٍ تَأْكُلُ قَشًّا. كَقَوْمٍ أَقْوِيَاءَ مُصْطَفِّينَ لِلْقِتَالِ.
١. لِيَرْتَعِدْ جَمِيعُ سُكَّانِ الأَرْضِ لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَادِمٌ، لأَنَّهُ قَرِيبٌ: في يوئيل ١، تحدث النبي عن الدينونة التي حلّت بالفعل على يهوذا (ضربة الجراد والجفاف). وفي يوئيل ٢، يبدأ بوصف الدينونة القادمة – جيش قوي مُهيّأ يزحف ضد يهوذا. وبما أن هذا كله جزء من “يَوْمَ الرَّبِّ” وليس “يوم الإنسان،” فقد وُصفه بأنه يَوْمَ الرَّبِّ.
• عندما نكون في علاقة سليمة مع الله، سنتوق لقدوم يَوْمَ الرَّبِّ. وسنشتاق لظهور قدرته، لأننا نعلم أننا نثبت فيه. ولكن عندما لا تكون قلوبنا مستقيمة، سيرهبنا يَوْمَ الرَّبِّ، لأنه عندما يُظهر الله قوته، فقد تعمل ضدنا. في زمن يوئيل، لم يكن يهوذا مستقيمًا أمام الله، لذا فبالنسبة لهم، لم يكن يَوْمَ الرَّبِّ إلا يَوْمُ ظَلاَمٍ وَقَتَامٍ.
٢. شَعْبٌ كَثِيرٌ وَقَوِيٌّ: من الصعب تحديد نوع الغزو الذي تنبأ به يوئيل هنا. ولكن يُرجَّح أنه حذّر من غزو وشيك لم يقع فعليًا لأن يهوذا تجاوبت مع دعوة التوبة، فأوقف الله هذا الجيش. والجدير بالذِكر أن حكم الملك يوآش، الذي دام في يهوذا أربعين عامًا بدأ بعد وقت وجيز من زمن نبوة يوئيل.
• يعتقد بعض المفسرين أن يوئيل كان يصف جيش الجراد السابق بطريقة شعرية. وهذا احتمال وارد، لكن يبدو من الأفضل – في المجمل – القول إنّه كان يكتب عن جيش بشري حقيقي على وشك الهجوم على يهوذا غير التائب. وهو مثل جيش الجراد، إن أتى، فسيكون هائلًا، مُدمِّرًا، ولا يمكن إيقافه
٣. قُدَّامَهُ نَارٌ تَأْكُلُ، وَخَلْفَهُ لَهِيبٌ يَحْرِقُ: لعلّ الطابع المُلِحّ لهذه النبوة هو ما دفع يهوياداع إلى الإطاحة بالملكة عثليا الشريرة وتنصيب يوآش ملكًا، رغم أنه كان في السابعة من عمره فقط (ملوك الثاني ١١: ٤-٢١). من المحتمل أن يهوياداع كان سينتظر حتى يكبر الصبي، لكن نبوة يوئيل أوضحت له أن التدخل يجب أن يكون فوريًا.
ب) الآيات (٦-١١): ماذا سيفعل الجيش القوي.
٦مِنْهُ تَرْتَعِدُ الشُّعُوبِ. كُلُّ الْوُجُوهِ تَجْمَعُ حُمْرَةً. ٧يَجْرُونَ كَأَبْطَال. يَصْعَدُونَ السُّورَ كَرِجَالِ الْحَرْبِ، وَيَمْشُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي طَرِيقِهِ، وَلاَ يُغَيِّرُونَ سُبُلَهُمْ. ٨وَلاَ يُزَاحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. يَمْشُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي سَبِيلِهِ، وَبَيْنَ الأَسْلِحَةِ يَقَعُونَ وَلاَ يَنْكَسِرُونَ. ٩يَتَرَاكَضُونَ فِي الْمَدِينَةِ. يَجْرُونَ عَلَى السُّورِ. يَصْعَدُونَ إِلَى الْبُيُوتِ. يَدْخُلُونَ مِنَ الْكُوَى كَاللِّصِّ. ١٠قُدَّامَهُ تَرْتَعِدُ الأَرْضُ وَتَرْجُفُ السَّمَاءُ. اَلشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يُظْلِمَانِ، وَالنُّجُومُ تَحْجُزُ لَمَعَانَهَا. ١١وَالرَّبُّ يُعْطِي صَوْتَهُ أَمَامَ جَيْشِهِ. إِنَّ عَسْكَرَهُ كَثِيرٌ جِدًّا. فَإِنَّ صَانِعَ قَوْلِهِ قَوِيٌّ، لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ عَظِيمٌ وَمَخُوفٌ جِدًّا، فَمَنْ يُطِيقُهُ؟
١. وَلاَ يُغَيِّرُونَ سُبُلَهُمْ… يَمْشُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي سَبِيلِهِ: من خلال شِعر حيّ ومهيب، يصوّر يوئيل انضباط هذا الجيش وفعاليته. إن سُبُلَهُمْ التي لا تتغير (أي انضباطهم) ونشاطهم المستمر (يَتَرَاكَضُونَ فِي الْمَدِينَةِ) يجعلان هجومهم على يهوذا ساحقًا ومدمّرًا.
• إذا اعتبرنا شعب الله جيشًا – كما تُلمّح الصور العسكرية التي كتبها بولس في رسائله – فإن هذا المقطع يسلّط الضوء على مفتاحين لفاعلية هذا الجيش: أولًا، الحفاظ على النظام، حيث يحتفظ كل جندي بمكانه في الصف. وثانيًا، الخدمة بجد، حيث يخدم كل جندي بنشاط.
٢. وَالرَّبُّ يُعْطِي صَوْتَهُ أَمَامَ جَيْشِهِ: رغم أن هذا الجيش يبدو مهيبًا، إلا أن يوئيل يريد من يهوذا ألا ينسى أن قوّة هذا الجيش الحقيقية ليست منه، بل من الله الذي أرسله. فهذا الجيش ليس سوى أداة بيد الله لتنفيذ الدينونة على يهوذا – ما لم يتب.
• عندما اجتاحت ضربة الجراد والجفاف يهوذا، كان من المُتوَقع أن يُقدّم يوئيل كلمات تشجيع، كأن يقول: “اصمدوا! الأمور سيئة، لكنها ستتحسن. الأوقات الصعبة لا تدوم، لكن الأقوياء يدومون.” ولكن بدلًا من ذلك قال لهم يوئيل: “أتعتقدون أن هذا كان سيئًا؟ الأسوأ قادم إن لم نتب.”
ثانيًا. وعد بالعون ليهوذا التائب
أ ) الآيات (١٢-١٧): النبي يدعو شعب الله إلى التوبة.
١٢« وَلكِنِ الآنَ، يَقُولُ الرَّبُّ، ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ. ١٣وَمَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ». وَارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ لأَنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّأْفَةِ وَيَنْدَمُ عَلَى الشَّرِّ. ١٤لَعَلَّهُ يَرْجعُ وَيَنْدَمُ، فَيُبْقِيَ وَرَاءَهُ بَرَكَةَ، تَقْدِمَةٍ وَسَكِيبًا لِلرَّبِّ إِلهِكُمْ. ١٥اِضْرِبُوا بِالْبُوقِ فِي صِهْيَوْنَ. قَدِّسُوا صَوْمًا. نَادُوا بِاعْتِكَافٍ. ١٦اِجْمَعُوا الشَّعْبَ. قَدِّسُوا الْجَمَاعَةَ. احْشُدُوا الشُّيُوخَ. اجْمَعُوا الأَطْفَالَ وَرَاضِعِي الثُّدِيِّ. لِيَخْرُجِ الْعَرِيسُ مِنْ مِخْدَعِهِ وَالْعَرُوسُ مِنْ حَجَلَتِهَا. ١٧لِيَبْكِ الْكَهَنَةُ خُدَّامُ الرَّبِّ بَيْنَ الرِّواقِ وَالْمَذْبَحِ، وَيَقُولُوا: «اشْفِقْ يَا رَبُّ عَلَى شَعْبِكَ، وَلاَ تُسَلِّمْ مِيرَاثَكَ لِلْعَارِ حَتَّى تَجْعَلَهُمُ الأُمَمُ مَثَلاً. لِمَاذَا يَقُولُونَ بَيْنَ الشُّعُوبِ: أَيْنَ إِلهُهُمْ؟».
١. وَلكِنِ الآنَ… ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ: على شعب الله أن يتوب لأنهم سمعوا تحذير الدينونة. وحتى إن كانت توبتهم بدافع الخوف، فالأهم هو أن يرجعوا إلى الرب بقلب صادق، والله يبين لهم الطريق.
• التوبة الحقيقية الصادقة هي الرْجِوع إلى الله، وبالتالي الابتعاد عن الخطية.
• التوبة الحقيقية الصادقة هي الرجوع إلى الله بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ وبتسليم كامل.
• التوبة الحقيقية الصادقة تتسم بالأفعال (بالصَّوْمِ)، وبالمشاعر (الْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ). وليست كل توبة بالضرورة تكون مصحوبة بالصَّوْمِ والْبُكَاءِ، لكن إن غاب الفعل وغابت المشاعر أيضًا فلا تكون التوبة حقيقية.
٢. مَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ: كان تمزيق الثياب أحد أشكال التعبير عن الحزن في الثقافة اليهودية، ولا يزال. وكان ذلك بمثابة تعبير للقول: “لقد غمرني الحزن لدرجة أنني لا أبالي بثيابي المُمزقة أو بمظهري السيئ.” عرف يوئيل أنه يمكن للإنسان أن يمزّق ثيابه دون أن يمزق قلبه، ولذلك وصف هنا نوع التوبة التي تُرضي الله حقًا.
• يروى سبيرجن (Spurgeon) قصة امرأة بدت عليها علامات الحزن العميق، وادّعت أنها خاطئة عظيمة. لكنه شك في صدق توبتها. فقال لها: ’حسنًا، إذا كنتِ حقًا خاطئة، فلا بد أنكِ قد كسرت ناموس الله. دعينا نقرأ الوصايا العشر لمعرفة أي واحدة منها التي كسرتِ.‘ وبدأ بالوصية الأولى: ’لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي.‘ وسألها إن كانت قد كسرتها يومًا. فأجابت: ’أبدًا، لا، ليس على حدّ علمي.‘ ثم تابع: ’لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا – هل كسرت هذه الوصية يومًا؟‘ أجابت: ’أبدًا، يا سيدي.‘ استمر سبيرجن في استعراض الوصايا العشر كلها، لكنها لم تعترف بكسر أي واحدة منها. وهكذا تأكدت شكوك سبيرجن. لم تكن تلك المرأة ترى نفسها خاطئة، وكانت توبتها ظاهرية فقط، وقد قامت بها لأنها كانت تعتقد أن هذا هو ما كان مُتوقَّع منها.
٣. ارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ لأَنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّأْفَةِ وَيَنْدَمُ عَلَى الشَّرِّ: إن إدراك صلاح الله ورحمته هو دافع آخر للتوبة الحقيقية. فنحن نأتي إليه واثقين من أنه سيشفي ويغفر، وأنه قد يرفع الدينونة التي أعلنها.
• نحن لا نتوب بدافع الخوف قائلين: “الله قاسٍ جدًا وسأهلك حتمًا إن لم أرجع إليه.” بل نتوب من منطلق أننا عالمين أن “الله رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّأْفَةِ مستعد أن يعفو عن خطيتي إن رجعت إليه.” ففي النهاية، ما يجذبنا إلى التوبة هو صلاح الله (رومية ٢: ٤).
٤. لِيَخْرُجِ الْعَرِيسُ مِنْ مِخْدَعِهِ وَالْعَرُوسُ مِنْ حَجَلَتِهَا: بالإضافة إلى نفس نمط التوبة الذي قدّمه يوئيل في ١: ١٤، يضيف النبي هنا صورة لها ارتباط بالْعَرِيس وَالْعَرُوس. والفكرة من هذه الصور هي أن وقت التوبة لا يسمح باستمرار الشعب في الحياة “العادية.” ففي الظروف العادية يكون الْعَرِيس في مِخْدَعِهِ، وَالْعَرُوس في حَجَلَتِهَا، لكن ليس هذا هو الوقت الآن – فالوقت وقت توبة. إن التوبة الحقيقية لا تُبقي الأمور على حالها.
٥. لِيَبْكِ الْكَهَنَةُ خُدَّامُ الرَّبِّ بَيْنَ الرِّواقِ وَالْمَذْبَحِ: ينبغي لقادة شعب الله أن يكونوا أول من يقود التوبة، فلا يمكنهم أن يأتوا بعقلية أن “الشعب” هو الذي يحتاج إلى التوبة، بل عليهم أن يروا أنفسهم جزءًا من الشعب، وأن يكونوا قدوة في التوبة.
٦. اشْفِقْ يَا رَبُّ عَلَى شَعْبِكَ، وَلاَ تُسَلِّمْ مِيرَاثَكَ لِلْعَارِ: يضع يوئيل صلاة توبة قوية على ألسنة كهنة الله، وكأنما ينبغي للكهنة أن يصلّوا وفي قلوبهم هذا التساؤل: “كيف يمكننا أن نلتمس رحمة الله ونجتذبها؟”
• اشْفِقْ: تشير هذه الكلمة ضِمنًا إلى أن شعب الله يستحق الدينونة، لكنهم يتضرعون لطلب الرحمة.
• شَعْبِكَ: هذه الكلمة هي لتذكير الله بأنهم ينتمون إليه، ويُشكِّل دافعًا آخر للرحمة.
• وَلاَ تُسَلِّمْ مِيرَاثَكَ لِلْعَارِ: تُخبر هذه العبارة الله أن رحمته لشعبه ستجلب له المجد بين الأمم، وأن الدينونة قد تُسِيء إلى اسمه.
ب) الآيات (١٨-٢٠): الله يَعد بالدفاع عن شعبه التائب ضد الجيش القوي.
١٨فَيَغَارُ الرَّبُّ لأَرْضِهِ وَيَرِقُّ لِشَعْبِهِ. ١٩وَيُجِيبُ الرَّبُّ وَيَقُولُ لِشَعْبِهِ: «هأَنَذَا مُرْسِلٌ لَكُمْ قَمْحًا وَمِسْطَارًا وَزَيْتًا لِتَشْبَعُوا مِنْهَا، وَلاَ أَجْعَلُكُمْ أَيْضًا عَارًا بَيْنَ الأُمَمِ. ٢٠وَالشِّمَالِيُّ أُبْعِدُهُ عَنْكُمْ، وَأَطْرُدُهُ إِلَى أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَمُقْفِرَةٍ. مُقَدَّمَتُهُ إِلَى الْبَحْرِ الشَّرْقِيِّ، وَسَاقَتُهُ إِلَى الْبَحْرِ الْغَرْبِيِّ، فَيَصْعَدُ نَتَنُهُ، وَتَطْلُعُ زُهْمَتُهُ، لأَنَّهُ قَدْ تَصَلَّفَ فِي عَمَلِهِ».
١. فَيَغَارُ الرَّبُّ لأَرْضِهِ وَيَرِقُّ لِشَعْبِهِ: عرف يهوذا أن الله سيلاحظ من السماء توبة شعبه الصادقة. حينئذٍ ستتحرك غيرته ورأفته نحوهم.
٢. هأَنَذَا مُرْسِلٌ لَكُمْ قَمْحًا وَمِسْطَارًا وَزَيْتًا… وَالشِّمَالِيُّ أُبْعِدُهُ عَنْكُمْ: وعد الله أن يُعيد الازدهار الاقتصادي ليهوذا التائب، وأن يهزم الجيش القوي القادم من الشمال. ولأن هذا الجيش قَدْ تَصَلَّفَ فِي عَمَلِهِ، فإن الله سيُحوّل دينونته بعيدًا عن شعبه، ويوجّهها ضد هذا الجيش القوي.
ج) الآيات (٢١-٢٧): الثقة في وعد الله بالاسترداد.
٢١لاَ تَخَافِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ. ابْتَهِجِي وَافْرَحِي لأَنَّ الرَّبَّ يُعَظِّمُ عَمَلَهُ. ٢٢لاَ تَخَافِي يَا بَهَائِمَ الصَّحْرَاءِ، فَإِنَّ مَرَاعِيَ الْبَرِّيَّةِ تَنْبُتُ، لأَنَّ الأَشْجَارَ تَحْمِلُ ثَمَرَهَا، التِّينَةُ وَالْكَرْمَةُ تُعْطِيَانِ قُوَّتَهُمَا. ٢٣وَيَا بَنِي صِهْيَوْنَ، ابْتَهِجُوا وَافْرَحُوا بِالرَّبِّ إِلهِكُمْ، لأَنَّهُ يُعْطِيكُمُ الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ عَلَى حَقِّهِ، وَيُنْزِلُ عَلَيْكُمْ مَطَرًا مُبَكِّرًا وَمُتَأَخِّرًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، ٢٤فَتُمْلأُ الْبَيَادِرُ حِنْطَةً، وَتَفِيضُ حِيَاضُ الْمَعَاصِرِ خَمْرًا وَزَيْتًا. ٢٥«وَأُعَوِّضُ لَكُمْ عَنِ السِّنِينَ الَّتِي أَكَلَهَا الْجَرَادُ، الْغَوْغَاءُ وَالطَّيَّارُ وَالْقَمَصُ، جَيْشِي الْعَظِيمُ الَّذِي أَرْسَلْتُهُ عَلَيْكُمْ. ٢٦فَتَأْكُلُونَ أَكْلاً وَتَشْبَعُونَ وَتُسَبِّحُونَ اسْمَ الرَّبِّ إِلهِكُمُ الَّذِي صَنَعَ مَعَكُمْ عَجَبًا، وَلاَ يَخْزَى شَعْبِي إِلَى الأَبَدِ. ٢٧وَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي وَسْطِ إِسْرَائِيلَ، وَأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ وَلَيْسَ غَيْرِي. وَلاَ يَخْزَى شَعْبِي إِلَى الأَبَدِ.
١. ابْتَهِجِي وَافْرَحِي لأَنَّ الرَّبَّ يُعَظِّمُ عَمَلَهُ: كان يوئيل يتطلّع إلى الاسترداد الذي وعد الله به، ودعا يهوذا لأن يتطلع لما هو آتٍ بالإيمان، وأن يُسبّح الله على الاسترداد المُرتَقب الذي وعد به – حتى قبل أن يراه.
٢. فَإِنَّ مَرَاعِيَ الْبَرِّيَّةِ تَنْبُتُ، لأَنَّ الأَشْجَارَ تَحْمِلُ ثَمَرَهَا: بعين الإيمان، استطاع يوئيل أن يرى الأمر وكأنه قد حدث بالفعل. رأى حوله المراعي الخضراء والأشجار المثمرة التي أعادها الله بعد الدمار الذي أحدثه الجراد.
٣. لأَنَّهُ يُعْطِيكُمُ الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ عَلَى حَقِّهِ… وَمُتَأَخِّرًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ: في نهاية سفر يوئيل الإصحاح الأول، رأى النبي الدمار الذي أحدثه الجفاف. والآن، بعين الإيمان، يرى الله يُعيد المطر الْمُبَكِّرَ والْمُتَأَخِّر إلى إسرائيل.
• كانت إسرائيل القديمة تعتمد كليًا على الأمطار في سقي محاصيلها، إذ لم تكن لديهم أنظمة ري أخرى. وفي أوقات الجفاف، لم يكن ينمو أي شيء. لكن الله وعد بأن يُعيد الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ (الذي يسقط في الخريف) والْمَطَرَ الْمُتَأَخِّر (الذي يسقط في الربيع). ومع عودة هذه الأمطار، ستفيض بيادر يهوذا بالحنطة، وتمتلئ معاصرهم بالخمر.
• استُخدم هذا النص، إلى جانب نصوص أخرى مثل تثنية ١١:١٤ وهوشع ٦:٣، لإطلاق اسم “حركة المطر المتأخر” التي بدأت عام ١٩٤٨ على يد ويليام برانهام. وقد أثّر برانهام في جيل من الوعاظ الخمسينيين، من بينهم شاب كان يُعتبر تلميذه، أورال روبرتس. وقد تميزت هذه الحركة بتعاليم وممارسات غريبة وشاذة، ومع مرور الوقت تراجعت مكانتها، خاصة بعد وفاة برانهام في حادث سير سببه سائق مخمور عام ١٩٦٥. توفي برانهام ليلة عيد الميلاد، واعتقد أتباعه أنه سيقوم من الموت، فتأخروا في دفنه عدة أيام. ومع ذلك، استمر تأثير حركة المطر المتأخر، إذ ساهمت في نشر العديد من المعتقدات والاتجاهات التي لا تزال بارزة في بعض حركات النهضة اليوم:
مفهوم “الخدمة الخماسية” و”استعادة دور الرسل والأنبياء”
“الحقائق الأساسية” المذكورة في عبرانيين ٦: ١-٢.
التركيز على الآيات والعجائب كعلامات للنهضة الحقيقية.
التشديد القوي على الوحدة.
لاهوت الاستبدال، الذي يستبدل إسرائيل بالكنيسة.
لاهوت السيادة، الذي يقول إن الكنيسة ستنتصر وتحكم العالم.
اتجاه يميل إلى التميّز، ويروّج لفكرة وجود “المؤمنين المتفوقين” أو “المُميّزين” روحيًا.
• يعتقد العديد من الباحثين – وكثيرون منهم داخل هذه الحركات الحديثة نفسها – أن حركات “النهضة” المعاصرة ما هي إلا امتداد لحركة “المطر المتأخر.” جماعات مثل “جيش يوئيل،” “أبناء الله الظاهرون،” و”حركة السيادة،” و”أنبياء مدينة كانساس،” و”بركة تورنتو،” و”نهضة بينساكولا،” جميعها لها صلات بحركة “المطر المتأخر.” على سبيل المثال، كان بول كين – الذي عاد للظهور لاحقًا عام ١٩٨٩ كقائد لأنبياء كانساس سيتي – قد رافق ويليام برانهام، وصرّح عنه قائلًا إنه “أعظم نبي عاش على الإطلاق.”
٤. وَأُعَوِّضُ لَكُمْ عَنِ السِّنِينَ الَّتِي أَكَلَهَا الْجَرَاد: وعد الله باسترداد ما سُلِبَ منهم في مرحلة التأديب. ورغم أن الدمار الذي سببه الجراد بدا شاملًا ونهائيًا، فقد وعد الله شعبه بأنه قادر حتى على استرداد السِّنِينَ الَّتِي أَكَلَهَا الْجَرَاد.
• “سيتضح لك على الفور أن الجراد لم يأكل السنين نفسها، بل أكل ثمارها – ثمار الجهد والتعب، وحصاد الحقول؛ لذا فإن معنى استرداد السنين لا بد أن يكون استرداد تلك الثمار وتلك المحاصيل التي أكلها الجراد. فبالطبع، لا يمكنك استرجاع الزمن، غير أن الله، بطرقه العجيبة والمذهلة، يستطيع أن يردّ لك البركات المُهدَرة، والثمار التي لم تنضج (أو تتحقق) في تلك السنين التي كنت تنوح عليها. فقد يحدث لاحقًا أن تصبح ثمار السنين الضائعة ملكًا لك من جديد.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (٢٨-٣٢): الاسترداد النهائي ويوم الربّ الأخير.
٢٨« وَيَكُونُ بَعْدَ ذلِكَ أَنِّي أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَحْلَمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى. ٢٩وَعَلَى الْعَبِيدِ أَيْضًا وَعَلَى الإِمَاءِ أَسْكُبُ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، ٣٠وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، دَمًا وَنَارًا وَأَعْمِدَةَ دُخَانٍ. ٣١تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ، وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الْمَخُوفُ. ٣٢وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَنْجُو. لأَنَّهُ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ تَكُونُ نَجَاةٌ، كَمَا قَالَ الرَّبُّ. وَبَيْنَ الْبَاقِينَ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ.
١. وَيَكُونُ بَعْدَ ذلِكَ: بعد الاسترداد الذي تكلّم عنه يوئيل سابقًا في هذا الإصحاح، سيأتي وقت للاسترداد والبركة النهائيين. وسيتميّز هذا الزمن الأخير بانسكاب روح الله عَلَى كُلِّ بَشَرٍ – وليس على رجال مُختارين في أوقات محدّدة ولمهام خاصة فقط.
• للعهد القديم سجلٌّ غنيٌّ لعمل الروح القدس، ولكنه لم يُسكب عَلَى كُلِّ بَشَرٍ في إطار العهد القديم. بل كان الامتلاء بالروح مقصورًا على رجال معيّنين، في أوقات محدّدة، ولمهام خاصة فقط. كان الأمرُ انتقائيًا إلى حدٍّ كبير:
يوسف امتلأ بروح الله (تكوين ٤١: ٣٨).
الصنّاع الذين بنوا خيمة الاجتماع امتلأوا بروح الله (خروج ٣١:٣).
يشوع امتلأ بروح الله (عدد ٢٧: ١٨).
عُثْنِيئِيل امتلأ بروح الله (قضاة ٣: ١٠).
جدعون امتلأ بروح الله (قضاة ٦: ٣٤).
يفتاح امتلأ بروح الله (قض ٢٩:١١).
شمشون امتلأ بروح الله (قضاة ١٣: ٢٥، ١٤: ٦، ١٤: ١٩، ١٥: ١٤).
شاول امتلأ بروح الله (صموئيل الأول ٩:١٠-١٠).
داود امتلأ بروح الله (صموئيل الأول ١٦: ١٣).
• هنا، تطلع يوئيل إلى العهد الجديد المجيد، حين يُسكب روح الله عَلَى كُلِّ بَشَرٍ. حتى أن بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ… شُيُوخُكُمْ… شَبَابُكُمْ سيمتلئون من روح الله.
• تحققت هذه النبوة في يوم الخمسين، حين اجتمع التلاميذ في العُلّية، منتظرين في أورشليم انسكاب الروح القدس، كما وعدهم يسوع (أعمال الرسل ١: ٤-٥). وعندما حلَّ الروح القدس، امتلأ جميع أتباع يسوع، وعددهم نحو مئة وعشرين، بالروح القدس، وبدأوا يُسبِّحون الله بألسنة أخرى. وكانت أورشليم مزدحمة بالزوار في ذلك الوقت بسبب عيد الخمسين، فاجتمع الناس سريعًا بسبب الضجيج. وعندما سبح التلاميذ الله بلغات غريبة، بدأ بعضهم يسخر منهم، مُدّعين أنهم سكارى. ولكن بطرس وقف بجرأة وأوضَّح الأمر: لم يكن التلاميذ سكارى، بل هذا هو تحقيق لنبوة يوئيل العظيمة عن انسكاب الروح القدس.
• في البداية، بدت فكرة امتلاء ١٢٠ من أتباع رجل مصلوب بالروح القدس فكرةً سخيفة لمعظم اليهود. فبحسب فهمهم للعهد القديم، “هؤلاء المئة والعشرون ليسوا ملوكًا ولا أنبياء ولا كهنة؛ فالله لا يسكب روحه إلا على أشخاص مميزين ولمهام خاصة. أما هؤلاء، فهم أناس عاديون، والله لا يسكب روحه على أمثالهم.” لكن بطرس استخدم نبوة يوئيل ليشرح لهم أن الأمور تغيّرت الآن، تمامًا كما قال الله. فالروح القدس يُسكَب الآن على كل من يؤمن ويقبل بالإيمان، حتى الناس العاديين. لقد قدّم الله عهدًا جديدًا، ومن سمات هذا العهد الجديد انسكاب الروح على كل من يقبل بالإيمان.
• تُظهر عظة بطرس في يوم الخمسين أيضًا أنه لا يوجد أبدًا أي تعارض بين عمل الروح وعمل الكلمة. فعندما امتلأ بطرس من روح الله وسط آيات وعجائب لم يختبر مثلها من قبل، ماذا فعل؟ قال: “لنفتح كتبنا المقدسة على سفر يوئيل.” وقدم دراسة كتابية علّمت التلاميذ المئة والعشرين (ففهموا اختبارهم من منظور كتابي أفضل)، ودعا الضالين إلى الخلاص.
• نلاحظ أيضًا أن دعوة بطرس كانت هي ذاتها دعوة النبي يوئيل: تُوبُوا. قال يوئيل: ’وَلكِنِ الآنَ، يَقُولُ الرَّبُّ، ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ. وَمَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ. وَارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ‘ (يوئيل ١٢:٢-١٣). وقال بطرس: ’تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ‘ (أعمال الرسل ٣٨:٢).
٢. وَعَلَى الْعَبِيدِ أَيْضًا وَعَلَى الإِمَاءِ: في هذه الأزمنة الأخيرة، سيمتلئ جميع عبيد (خُدام) الرب بروحه بهذه الطريقة الفريدة والقوية. ففي ظل العهد الجديد، يمكن لكل مؤمن أن ينال كُلِّ مِلْءِ الروح، وأن يُستخدم بطريقة خاصة وعجيبة.
• أحيانًا كل ما يريده مرتاد الكنيسة العادي هو مبنى للعبادة، وخدمة ممتعة لا تتحدّاه كثيرًا، وعظة جيدة، وبعد ذلك يقول: اتركوني وشأني. لكن هذا ليس هو جوهر مسيحية العهد الجديد، التي ترى أن مسؤولية الخدمة تقع على عاتق جميع المؤمنين، وليس فقط “رجال الدين.”
• لقد بالغ البعض في مفهوم كهنوت جميع المؤمنين، زاعمين: “لسنا بحاجة إلى قساوسة أو رجال دين، فكل مؤمن هو كاهن. لذا لا مكان لأي وظيفة رسمية في الكنيسة.” إلا أن هذا الرأي يتجاهل تعاليم الكتاب المقدس الواضحة. فبينما الخدمة حقٌّ لجميع شعب الله، تُوضح رسالة أفسس ٤: ٧-١٦ أن الله قد عيّن أدوار وخدمات محدّدة لتأهيل القديسين لهذا العمل. ولأن كل مؤمن مدعوٌّ للخدمة، فقد عيَّن الله وظائف روحية وقادةً لتدريب وإعداد كل القديسين ليتمموا أدوارهم. ويُقدم سفر أعمال الرسل ٢: ٤٢-٤٧ صورةً رائعةً لهذا المبدأ عمليًا.
٣. وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ: هذا الوقت من الانسكاب العظيم لروح الله سيبلغ ذروته بظهور علامات كونية مروّعة في السماء وبمجيء يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الْمَخُوفُ.
• في يوم الخمسين، تحققت نبوة يوئيل، وإن لم تكتمل بعد بشكل نهائي. أدرك بطرس بحق أن ما حدث كان انسكابًا فريدًا رائعًا لروح الله، أُعطي مجانًا لكل من يؤمن ويَقبَل، تمامًا كما وعد الله في العهد الجديد (حزقيال ١١: ١٩؛ ٣٦: ٢٤-٢٨). كانت نبوة يوئيل مناسبة بشكل خاص لأن يوم الخمسين شكّل بداية زمن “الأيام الأخيرة” وتأسيس كنيسة العهد الجديد. ومنذ ذلك الحين، لم تكن الكنيسة تُسابق الزمن نحو حافة زمنية بعيدة تُجَسِّد اكتمال كل شيء، بل هي قد وصلت إلى تلك الحافة يوم الخمسين، وهي تسير بمحاذاتها لما يزيد عن ألفي عام.
٤. وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَنْجُو: هذا وعد مجيد آخر يرتبط بالزمن الذي قال عنه يوئيل: ’وَيَكُونُ بَعْدَ ذلِكَ.‘ في هذا الزمن الذي يُسكب فيه روح الله، لن يكون الخلاص بالانتماء إلى إسرائيل كأُمَّة، بل كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَنْجُو – أيًّا كانت الأمة التي ينتمي إليها.
• هذه دعوة مفتوحة وشاملة – كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَنْجُو. “ربما تقول: ’آه، ليت اسمي كان مكتوبًا في الكتاب المقدس.‘ لكن هل كان هذا سيُعزيك فعلًا؟ لو كان مكتوبًا في الكتاب المقدس اسم شارلز هادون سبيرجن سيخلُص، فلستُ واثقًا أني كنت سأجد في ذلك عزاءً كبيرًا؛ لأني سأتساءل إن كان يقصدني أنا أم شخصًا آخر، وربما أعود إلى دليل لندن لأتأكد إن كان هناك شخص آخر يحمل الاسم نفسه أو شيئًا قريبًا منه. فما بالك بعائلات مثل سميث وبراون!‘ ويتابع: ’لا، يا إخوتي، لا تطلبوا أن تروا أسماءكم في الكُتب المقدسة، بل اكتفوا بما ترونه فيها، وهو صفاتكم! عندما يقول الكتاب: ’كل من،‘ فلا يمكنك استثناء نفسك من هذا.‘” سبيرجن (Spurgeon)
• هذه دعوة للصلاة – كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَنْجُو. “لا يُمكن أن تهلك إن كنت مُصليًا؛ لم يحدث هذا من قبل. ستكون أعجوبة جديدة في الكون إن هلكت وأنت رجل صلاة. إن وجود روحٍ تصلي في الجحيم أمرٌ مُستحيلٌ تمامًا. أو أن شخص يدعو الله فيرفضه! إن مجرد تخيّل مثل هذا الأمر لا يُقبَل أو يُحتَمل. الوعد هو أن كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَنْجُو. ولكي يرفض الله أن يستمع لصرخة خاطئ مسكين يدعو باسمه، فعلى الله أن يُكذّب نفسه، ويتخلّى عن طبيعته، ويتنازل عن رحمته، ويُدمّر صفته كإله مُحب.” سبيرجن (Spurgeon)
• هذه دعوة للاقتراب من الإله الحي – كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَنْجُو. فالاقتراب من إله مزيف، من صنع خيالك، لن يُجديك نفعًا. فالإله الذي يصوغه الإنسان بحسب أهوائه لا وجود له، ولا يقدر أن يُخلّصك. لا بدّ أن تأتي إلى إله الكتاب المُقدس. “المأساة هي أن معظم الناس اليوم يعبدون إلهًا من صنع خيالهم، هم لا يصنعونه من طين أو ذهب، بل يشكّلون إلهًا في أذهانهم بحسب أهوائهم وأفكارهم الخاصة. يتجرّؤون ويحكمون على ما يجب أن يكون عليه الله، ولا يقبلونه كما هو. وما هذا إلا صنم مثل أصنام الأمم؟ وما الذي يمكن أن يكون أكثر شرًّا من أن يتخيّل الإنسان إلهًا ’أفضل‘ من الإله الحقيقي الحيّ؟ وبما أن إله خيالك لا وجود له، فلا أنصحك أن تضع ثقتك فيه.” سبيرجن (Spurgeon)
• هذه دعوة للاقتراب إلى الله بِتَعَقُّل – كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَنْجُو. “والآن، ما نقصده هنا بكلمة ’اِسْم‘ هو شخص الرب وصفاته. فكلما ازدادت معرفتك بالرب، وكلما فهمت اسمه بشكل أعمق، لدعوت اسمه بوعي وإدراك أكثر. فإن كنت قد اختبرت قدرته، ستدعو هذه القدرة لتعِينك. وإن كنت قد اختبرت رحمته، ستتوسّل إلى نعمته كي تُخلّصك. وإن كنت قد اختبرت حكمته، فستطمئن لأنه يعلم ما تمرّ به من صعوبات، ويقدر أن يُعينك على اجتياز هذه الصعوبات.” سبيرجن (Spurgeon)
• هذا وعد مؤكد – كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَنْجُو. قد تظل كيفية رفض البعض لهذا العرض العجيب سرًا عميقًا، لكن النص يُخبرنا أن ’بَقِيَّة‘ فقط هم من يقبلون (وَبَيْنَ الْبَاقِينَ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ). ومع ذلك، كل من يأتي إليه يخلص بالتأكيد. “تخيّل، ولو للحظة، أننا نحن الذين آمنا بيسوع وحده، قد هلكنا – ماذا بعد؟ نعم، سنفقد أرواحنا، لكن الأعظم من ذلك، أن ذلك سيجلب عارًا أبديًا على اسم الرب الذي اتّكلنا عليه. تصوّر أحدنا في الجحيم يقول: ’آمنت في وعد المخلّص، واتكلت على الرب، ومع ذلك هلكت.‘ أيها السادة، لو حدث هذا، لكان كفيلًا أن تُظلم السماوات ذاتها، وينطفئ بريق مجد الله! لكن هذا مستحيل. إن وثقت بالرب الإله القدير، فسيخلّصك بالتأكيد كما وعد بقدر ثبوت ألوهيته.” سبيرجن (Spurgeon)