سِفر يوئيل – الإصحاح ٣
دينونة في وادي القضاء
أولًا. تحذير للأمم
أ ) الآيات (١-٣): وعد بإرجاع إسرائيل المُشتّت والمُسَاء إليه.
١«لأَنَّهُ هُوَذَا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ، عِنْدَمَا أَرُدُّ سَبْيَ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ، ٢أَجْمَعُ كُلَّ الأُمَمِ وَأُنَزِّلُهُمْ إِلَى وَادِي يَهُوشَافَاطَ، وَأُحَاكِمُهُمْ هُنَاكَ عَلَى شَعْبِي وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ بَدَّدُوهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ وَقَسَمُوا أَرْضِي، ٣وَأَلْقَوْا قُرْعَةً عَلَى شَعْبِي، وَأَعْطَوْا الصَّبِيَّ بِزَانِيَةٍ، وَبَاعُوا الْبِنْتَ بِخَمْرٍ لِيَشْرَبُوا.
١. فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ: تواصل نبوة يوئيل الحديث عن الزمن المُشار إليه في يوئيل ٢: ٢٨ بعبارة ’وَيَكُونُ بَعْدَ ذلِكَ‘. وهذه العبارة تشير إلى فترة الأيام الأخيرة، بمعناها الواسع، والتي بدأت بصعود المسيح وولادة الكنيسة في يوم الخمسين.
• يظن الكثيرون خطأً أن “الأيام الأخيرة” تشير فقط إلى السنوات أو الأشهر القليلة التي تسبق مباشرة عودة يسوع بمجد إلى الأرض أو اختطاف الكنيسة. لكن من منظور كتابي، يمكننا أن نفهم “الأيام الأخيرة” على أنها حقبة زمنية بدأت بميلاد الكنيسة في يوم الخمسين. ومنذ ذلك الحين، لم تكن الكنيسة تُسابق الزمن نحو حافة زمنية بعيدة تُجَسِّد اكتمال كل شيء، بل هي قد وصلت إلى تلك الحافة يوم الخمسين، وهي تسير بمحاذاتها لما يزيد عن ألفي عام.
٢. عِنْدَمَا أَرُدُّ سَبْيَ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ: لقد تحقق هذا في عودة إسرائيل من السبي البابلي، بمعنى جزئي ومحدود. لكن هذا سيتحقق، بالمعنى الأعظم والنهائي، في الأيام الأخيرة عندما يجتمع شعب إسرائيل مجدّدًا، إلى أن تصل الأمور إلى تلك اللحظة التي يقول فيها إسرائيل المُنتظر: “مبارك الآتي باسم الرب” (متى ٢٣: ٣٩)، ويأتي الخلاص لكل إسرائيل (رومية ١١: ٢٦-٢٧).
٣. أَجْمَعُ كُلَّ الأُمَمِ وَأُنَزِّلُهُمْ إِلَى وَادِي يَهُوشَافَاطَ: يصف يوئيل هنا الجمع الأخير للأمم المتمرّدة على الله في معركة هَرْمَجَدُّون (رؤيا ١٢:١٦-١٦). ولا يوجد مكان في إسرائيل يُعرف باسم وَادِي يَهُوشَافَاطَ، لكن معنى اسم يَهُوشَافَاطَ هو: ’الرَّبُّ يَقْضِي.‘ إذًا، فهو يصوّر مكان دينونة الله.
• “لا يوجد وادٍ بهذا الاسم في أرض يهوذا؛ ومن هنا نفهم أن الاسم رمزي. فهو يشير إلى دينونة الله، أو أن يَهْوَهْ يَقْضِي.” كلارك (Clarke)
• هذه دينونة موجّهة إلى كُلَّ الأُمَمِ. لقد كُتب سفر يوئيل في وقت اجتاحت فيه ضربة الجراد المُدمِّرة أرض يهوذا جالبة دينونة الله على شعبه. وفي أوقات كهذه، من الطبيعي أن يتساءلوا: “يا رب، ها أنت تعاملنا بقسوة، ولكن ماذا عن الأمم الشريرة؟ قد نكون خطاة، لكنهم أسوأ مِنّا بكثير. ألا تبالي بهم؟” ويرد الله في يوئيل ٣، ليُطمئن شعبه بأن الأُمَمِ الأخرى لن تُترك دون حساب.
٤. وَأُحَاكِمُهُمْ هُنَاكَ عَلَى شَعْبِي: إن اتهام الله ودعواه ضد الأمم هو إساءتهم إلى شَعْبِه. وبينما يشير هذا في المقام الأول إلى كيفية معاملة الأمم لإسرائيل، إلا أنه يمتد أيضًا إلى معاملتهم للكنيسة. فعندما يُساء إلى شعب الله، فإن الله يأخذ ذلك الأمر بشكل شخصي – وسينتقم له.
• في دينونة الأمم التي وصفها يسوع في متى ٢٥: ٣١-٤٦، لا يكون معيار الدينونة هو الإيمان بيسوع المسيح، بل كيفية معاملة الأمم لشعب إسرائيل – أي لإخوة يسوع. وتحدث هذه الدينونة على الأرض بعد عودة يسوع في مجده، وتحدّد مَن سيُسمح لهم بدخول إلى أرض المُلك الألفي، ومن سيُرسلون مباشرة إلى الدينونة.
• وَأَلْقَوْا قُرْعَةً عَلَى شَعْبِي: من السيئ أن يستهين الإنسان بحياة أي إنسان، ولكن الأسوأ أن يستهين أحد بشَعْبِ الله. الله لا ينسى مثل هذه الإساءات – إنه يتذكرها، وسيجازي.
ب) الآيات (٤-٨): الله يحذّر الأمم بأنه سيرد عليهم ما فعلوه بشعبه.
٤«وَمَاذَا أَنْتُنَّ لِي يَا صُورُ وَصَيْدُونُ وَجَمِيعَ دَائِرَةِ فِلِسْطِينَ؟ هَلْ تُكَافِئُونَنِي عَنِ الْعَمَلِ، أَمْ هَلْ تَصْنَعُونَ بِي شَيْئًا؟ سَرِيعًا بِالْعَجَلِ أَرُدُّ عَمَلَكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ. ٥لأَنَّكُمْ أَخَذْتُمْ فِضَّتِي وَذَهَبِي، وَأَدْخَلْتُمْ نَفَائِسِي الْجَيِّدَةَ إِلَى هَيَاكِلِكُمْ. ٦وَبِعْتُمْ بَنِي يَهُوذَا وَبَنِي أُورُشَلِيمَ لِبَنِي الْيَاوَانِيِّينَ لِكَيْ تُبْعِدُوهُمْ عَنْ تُخُومِهِمْ. ٧هأَنَذَا أُنْهِضُهُمْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي بِعْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ، وَأَرُدُّ عَمَلَكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ. ٨وَأَبِيعُ بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ بِيَدِ بَنِي يَهُوذَا لِيَبِيعُوهُمْ لِلسَّبَائِيِّينَ، لأُمَّةٍ بَعِيدَةٍ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ».
١. هَلْ تُكَافِئُونَنِي عَنِ الْعَمَلِ: إنها دعوة مفتوحة من الله للمواجهة معه أو مع شعبه. وهو ينذر بأن يردّ عَمَلَهُم وانتقامه عَلَى رُؤُوسِ كل من يعتدي عليه أو على شعبه.
• ربما تكون الدينونة هي الجانب الوحيد في خطة الله عبر العصور الذي يبدو منطقيًا. أما نعمة الله ورحمته فهما يتحديان المنطق من المنظور الإنساني. والخلاص بالنعمة بواسطة الإيمان لا يتوافق مع منطقنا الفطري. إن المكانة السامية والمصير الأبدي الممنوح للمؤمنين بيسوع أبعد ما يكون عن المنطق بحسب مقياس البشر. لكن الدينونة – أي أن يعطي الله للرافضين له ما يستحقونه – فهي منطقية تمامًا. وكأن الله يقول للأشرار: “لقد رفضتم رحمة السماء ونعمتها، فسأعاملكم الآن بمنطق الأرض البسيط: ستنالون ما تستحقونه أمام محكمة عدالتي المقدسة.”
٢. وَأَبِيعُ بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ بِيَدِ بَنِي يَهُوذَا: لقد احتقرت الأمم شعب الله ولم تعترف بقيمتهم، لذلك سيجازيهم الله بالاحتقار الذي ألحقوه بشعبه، ووعدهم قائلًا: أَرُدُّ عَمَلَكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ.
• يقدم تراب (Trapp) تفصيلًا عن المآسي التي حلّت بالأباطرة العشرة للإمبراطورية الرومانية الذين اضطهدوا المسيحيين:
فقد نيرون ٣٠ ألفًا من رعاياه بسبب الطاعون، وتعرّضت جيوشه لهزيمة ساحقة في بريطانيا، وشهد ثورة في أرمينيا، وكان مكروهًا من مجلس الشيوخ الروماني لدرجة أنهم دفعوه للانتحار.
ذُبح دوميتيان على يد جنوده.
مات تراجان بسبب مرض خبيث.
مات سيفيروس ميتة شنيعة أثناء حملة عسكرية في بريطانيا.
قُطِّع مكسيموس هو وابنه إربًا.
مات دقيانوس منفيًا في بلد بعيد.
جُلِد فاليريان حتى الموت كأسير عند ملك فارس.
قُتل أوريليان على يد جنوده.
سمّم دقلديانوس نفسه.
شنق مكسيميانوس (مكسيميان) نفسه.
• “لا يمكنك أن تدوس أصغر إصبع في جسد المسيح الروحي دون أن يصرخ الرأس من السماء: لماذا تؤذيني؟” تراب (Trapp). وقد اكتشف بولس هذه الحقيقة في طريقه إلى دمشق، حين سأله يسوع: «شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟» (أعمال الرسل ٤:٩).
ثانيًا. إعلان للأمم
أ ) الآيات (٩-١٣): جمع الأمم لحرب الدينونة.
٩نَادُوا بِهذَا بَيْنَ الأُمَمِ. قَدِّسُوا حَرْبًا. أَنْهِضُوا الأَبْطَالَ. لِيَتَقَدَّمْ وَيَصْعَدْ كُلُّ رِجَالِ الْحَرْبِ. ١٠اِطْبَعُوا سِكَّاتِكُمْ سُيُوفًا، وَمَنَاجِلَكُمْ رِمَاحًا. لِيَقُلِ الضَّعِيفُ: «بَطَلٌ أَنَا!» ١١أَسْرِعُوا وَهَلُمُّوا يَا جَمِيعَ الأُمَمِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَاجْتَمِعُوا. إِلَى هُنَاكَ أَنْزِلْ يَا رَبُّ أَبْطَالَكَ. ١٢«تَنْهَضُ وَتَصْعَدُ الأُمَمُ إِلَى وَادِي يَهُوشَافَاطَ، لأَنِّي هُنَاكَ أَجْلِسُ لأُحَاكِمَ جَمِيعَ الأُمَمِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ. ١٣أَرْسِلُوا الْمِنْجَلَ لأَنَّ الْحَصِيدَ قَدْ نَضَجَ. هَلُمُّوا دُوسُوا لأَنَّهُ قَدِ امْتَلأَتِ الْمِعْصَرَةُ. فَاضَتِ الْحِيَاضُ لأَنَّ شَرَّهُمْ كَثِيرٌ».
١. قَدِّسُوا حَرْبًا: لقد تحدّى الله الأمم لكي يقَدِّسُوا حَرْبًا، أي يستعدوا للحرب ضده. وسوف يفعلون هذا فعلًا في يوم من الأيام (رؤيا ١٦: ١٢-١٦)، لكن الله سيضحك ببساطة على استعدادات الأمم التافهة والعقيمة (مزمور ٢).
• اِطْبَعُوا سِكَّاتِكُمْ سُيُوفًا: إن كنت تنوي أن ترفع السلاح في وجه الله، فالأفضل أن تحشد كل ما تملك من أسلحة، وتستجمع أقصى ما لديك من تفكير إيجابي، لدرجة أن تقول: لِيَقُلِ الضَّعِيفُ: «بَطَلٌ أَنَا!». ومع ذلك، فحتى أقوى مواقف الثقة بالنفس لا تُجدي نفعًا حينما يقف الإنسان في مواجهة خالقه. وكما عبّر أحد عروض برودواي بعنوان: “ذراعك أقصر من أن تُلاكم الله.” تلك هي الحقيقة المروّعة التي تجهلها الأمم – لكنها ستتعلّمها بالطريقة الصعبة.
٢. أَجْلِسُ لأُحَاكِمَ جَمِيعَ الأُمَمِ: رغم أن الأمم ستتجمع ضد الله ومسيحه بكل ما لديها من أسلحة وستتبنّى أفضل ما بداخلها من تفكير إيجابي، فسيكون ذلك كله عبثًا. سوف يُجرفون كحصاد ناضج ويُسحقون تحت وطأة الدينونة الإلهية.
• يُعبّر المزمور ٢ بإتقان عن حماقة الأمم وانتصار الرب: لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الأُمَمُ، وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ فِي الْبَاطِلِ؟ قَامَ مُلُوكُ الأَرْضِ، وَتَآمَرَ الرُّؤَسَاءُ مَعًا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ، قَائِلِينَ: «لِنَقْطَعْ قُيُودَهُمَا، وَلْنَطْرَحْ عَنَّا رُبُطَهُمَا». اَلسَّاكِنُ فِي السَّمَاوَاتِ يَضْحَكُ. الرَّبُّ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ. حِينَئِذٍ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِمْ بِغَضَبِهِ، وَيَرْجُفُهُمْ بِغَيْظِهِ. «أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي». (مزمور ١:٢-٦)
٣. أَرْسِلُوا الْمِنْجَلَ لأَنَّ الْحَصِيدَ قَدْ نَضَجَ. هَلُمُّوا دُوسُوا لأَنَّهُ قَدِ امْتَلأَتِ الْمِعْصَرَةُ: يستخدم سفر الرؤيا ١٧:١٤-٢٠ أيضًا صورة مَعْصَرَةِ غَضَبِ اللهِ الْعَظِيمَةِ هذه لوصف دينونة يسوع على الأمم في معركة هَرْمَجَدُّون.
ب) الآيات (١٤-١٧): يوم الرب في وادي القضاء.
١٤جَمَاهِيرُ جَمَاهِيرُ فِي وَادِي الْقَضَاءِ، لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ فِي وَادِي الْقَضَاءِ. ١٥اَلشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَظْلُمَانِ، وَالنُّجُومُ تَحْجُزُ لَمَعَانَهَا. ١٦وَالرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ يُزَمْجِرُ، وَمِنْ أُورُشَلِيمَ يُعْطِي صَوْتَهُ، فَتَرْجُفُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ. وَلكِنَّ الرَّبَّ مَلْجَأٌ لِشَعْبِهِ، وَحِصْنٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. ١٧«فَتَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ، سَاكِنًا فِي صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي. وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مُقَدَّسَةً وَلاَ يَجْتَازُ فِيهَا الأَعَاجِمُ فِي مَا بَعْدُ.
١. جَمَاهِيرُ جَمَاهِيرُ فِي وَادِي الْقَضَاءِ: نظر يوئيل إلى وادي يَهُوشَافَاط في معركة هَرْمَجَدُّون، ورأى جَمَاهِيرُ جَمَاهِيرُ تواجه مصيرها الأبدي – لقد كان حقًا وَادِي الْقَضَاءِ، وأولئك الذين كانوا ضد الرب ومسيحه وقفوا على الجانب الخطأ في وَادِي الْقَضَاءِ، وقد تحقق مصيرهم في النهاية في معركة هَرْمَجَدُّون.
• كثيرًا ما استُخدمت فكرة وَادِي الْقَضَاءِ في الاجتماعات الكرازية لتوضيح أن الناس يقفون في وَادِي الْقَضَاءِ، وعليهم أن يختاروا بين قبول يسوع أو رفضه. ولكن في سياق ما ورد في سفر يوئيل، فالمعنى معاكس تمامًا. فبينما يقف البشر بالفعل في وَادِي الْقَضَاءِ، إلا أن القرار هناك ليس بأيديهم، بل هو قرار الله. إنه وادي الدينونة، واختيار أن نتبع يسوع يجب أن يكون الآن، حتى لا نضطر أبدًا إلى الوقوف في وَادِي الْقَضَاءِ هذا.
٢. فَتَرْجُفُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ: يعود يوئيل هنا لوصف الكارثة الكونية التي ذكرها قبلًا في يوئيل ٢: ٣٠-٣١. وفي خضم هذا الاضطراب، سيكون الرَّبَّ مَلْجَأٌ لِشَعْبِهِ، وَحِصْنٌ لِبَنِي إِسْرَائِيل، وسيردّ المجد إلى شعبه وإلى مدينته معًا.
ج) الآيات (١٨-٢١): بركة لشعب الله، وخراب للأمم.
١٨«وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الْجِبَالَ تَقْطُرُ عَصِيرًا، وَالتِّلاَلَ تَفِيضُ لَبَنًا، وَجَمِيعَ يَنَابِيعِ يَهُوذَا تَفِيضُ مَاءً، وَمِنْ بَيْتِ الرَّبِّ يَخْرُجُ يَنْبُوعٌ وَيَسْقِي وَادِي السَّنْطِ. ١٩مِصْرُ تَصِيرُ خَرَابًا، وَأَدُومُ تَصِيرُ قَفْرًا خَرِبًا، مِنْ أَجْلِ ظُلْمِهِمْ لِبَنِي يَهُوذَا الَّذِينَ سَفَكُوا دَمًا بَرِيئًا فِي أَرْضِهِمْ. ٢٠وَلكِنَّ يَهُوذَا تُسْكَنُ إِلَى الأَبَدِ، وَأُورُشَلِيمَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. ٢١وَأُبَرِّئُ دَمَهُمُ الَّذِي لَمْ أُبَرِّئْهُ، وَالرَّبُّ يَسْكُنُ فِي صِهْيَوْنَ».
١. أَنَّ الْجِبَالَ تَقْطُرُ عَصِيرًا… وَجَمِيعَ يَنَابِيعِ يَهُوذَا تَفِيضُ مَاءً: بعد انتصار الرب الأخير، ستعمّ الوفرة، وتغدو أيام الجفاف مجرد ذكرى بعيدة. في المقابل، مِصْرُ تَصِيرُ خَرَابًا، ومعها سائر أعداء الرب وشعبه.
• وَمِنْ بَيْتِ الرَّبِّ يَخْرُجُ يَنْبُوعٌ: يصف حزقيال ٤٧ مياهًا تنبع مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ في الزمن الذي يلي عودة يسوع الظافرة، في عصر المُلك الألفي. كما يتحدث زكريا ٨:١٤ عن تدفّق عظيم للمياه من أورشليم، يصب في البحر الميت والبحر المتوسط معًا.
• كان وَادِي السَّنْطِ (وَادِي شِطِّيم) موضعًا مرتبطًا بالهزيمة والانتصار معًا. يقع على الجانب الشرقي من نهر الأردن، شمال البحر الميت. وفيه أرسل ملك موآب نساءه الشابات لإغواء رجال إسرائيل للسقوط في عبادة الأوثان والانحلال الجنسي (عدد ٢٥: ١-٣). لكنه كان أيضًا نقطة انطلاق لجيوش إسرائيل حين خرجوا لغزو أريحا وكنعان في أيام يشوع (يشوع ٢: ١ و٣: ١). حين تجري المياه مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ إلى وَادِي السَّنْطِ، فإنها دلالة على أن نعمة الله وتدبيره يغطيان الماضي (كل خطية وكل نصر يُغطيهما الرب).
٢. وَلكِنَّ يَهُوذَا تُسْكَنُ إِلَى الأَبَدِ… وَالرَّبُّ يَسْكُنُ فِي صِهْيَوْنَ: سيُظهر الله رحمة لشعبه ويمنحهم الغفران. هذه النبوة في سفر يوئيل، التي بدأت بضربة الجراد اليائسة، تختتم بوعد بالاسترداد والفداء.
• هذا هو الوعد الأخير، لكنه ليس الأقل شأنًا. يقول دانايوس (Danaeus)، أن هذا الوعد يشير إلى تجسّد المسيح، الذي صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، كونه الله الظاهر في الجسد… إذ هو يسكن مع كنيسته إلى الأبد، كما ورد في الآية السابقة، فإنه يجعلها بحقّ يَهْوَهْ شَمَّهْ – أي الرَّبُّ هُنَاك، كما تُدعى في حزقيال ٤٨: ٣٥.” تراب (Trapp)
• “هذا النبي، الذي تتشابه نبوءاته في كثير من المواضع مع حزقيال، يختم نبوءته بطريقة شبه متطابقة: يشير حزقيال إلى مجد الكنيسة قائلًا: يَهْوَهْ شَمَّهْ، أي الرَّبُّ هُنَاك. ويقول يوئيل: (يهوة شُوخِن بِصِّيُوْن Yehovah shochen betsiyon)، أي الرَّبُّ يَسْكُنُ فِي صِهْيَوْن. وكلا التصريحين يشيران إلى سُكنى المسيح الدائم في وسط شعبه.” كلارك (Clarke)