أعمال الرسل – الإصحاح ١٣
بداية رحلة بولس التبشيرية الأولى
أولاً. دعوة الروح القدس لبرنابا وشاول وإرساليته لهم
أ ) الآية (١): الكنيسة في أنطاكية
١وَكَانَ فِي أَنْطَاكِيَةَ فِي ٱلْكَنِيسَةِ هُنَاكَ أَنْبِيَاءُ وَمُعَلِّمُونَ: بَرْنَابَا، وَسِمْعَانُ ٱلَّذِي يُدْعَى نِيجَرَ، وَلُوكِيُوسُ ٱلْقَيْرَوَانِيُّ، وَمَنَايِنُ ٱلَّذِي تَرَبَّى مَعَ هِيرُودُسَ رَئِيسِ ٱلرُّبْعِ، وَشَاوُلُ.
- وَكَانَ فِي أَنْطَاكِيَةَ فِي ٱلْكَنِيسَةِ: نعلم من أعمال الرسل ٢٥:١٢ أن برنابا وشاول ويوحنا مرقس مكثوا في أنطاكية بعد رحلتهم لتوصيل المساعدات المالية إلى الكنيسة في أورشليم (أعمال الرسل ٢٧:١١-٣٠). كان شاول وبرنابا من بين المعلمين والأنبياء هناك وكذلك سِمْعَانُ وَلُوكِيُوسُ وَمَنَايِنُ.
- سِمْعَانُ ٱلَّذِي يُدْعَى نِيجَرَ: بما أن كلمة نِيجَرَ تعني أسود (داكن اللون أو البشرة) فيمكننا القول أنه كان من أفريقيا وكان أيضاً عضواً في كنيسة أنطاكية. وربما كان هو نفسه سِمْعَانُ الذي حمل صليب يسوع (لوقا ٢٦:٢٣).
- وَمَنَايِنُ ٱلَّذِي تَرَبَّى مَعَ هِيرُودُسَ رَئِيسِ ٱلرُّبْعِ: يبدو أن مَنَايِنُ ترعرع مع هِيرُودُسَ رَئِيسِ ٱلرُّبْعِ وهو نفس هيرودس الذي قطع رأس يوحنا المعمدان وترأس واحدة من محاكمات يسوع (لوقا ٧:٢٣-١٢).
- نشأ هيرودس ومناين معاً ولكن مصيرهما كان مختلفاً تماماً. قتل أحدهم يوحنا المعمدان وترأس إحدى محاكمات يسوع قبل صلبه وأصبح الآخر مسيحياً مؤمناً وقائداً لكنيسة مفعمة بالحيوية في أنطاكية.
ب) الآية (٢): دعوة الروح القدس لبرنابا وشاول
٢وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ ٱلرَّبَّ وَيَصُومُونَ، قَالَ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ: «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ ٱلَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ».
- وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ ٱلرَّبَّ: كانت خدمة الرب ما هي إلا جزء مما كان يحدث في كنيسة أنطاكية. حيث كانوا يخدمون أيضاً بعضهم البعض: خدم برنابا وآخرون الشعب وخدم الشعب بعضهم البعض.
- أول مهمة لأي خادم هي خدمة الرب. فهو بهذا يقوم بوظيفة الكاهن بموجب العهد الجديد ويقدم نفسه كذبيحة حية لله (رومية ١:١٢). الخدمة الحقيقية هي أن يرضي الخادم الله ويكرمه في العبادة والصلاة عن طريق سماع صوته وتمجيده.
- كتب وليامز (Williams): “تستخدم ترجمات أخرى كلمة يَتَعَبَّدُونَ بدلاً من يَخْدِمُونَ وهي الكلمة المستخدمة عادة للإشارة إلى خدمة الكهنة واللاويين في الهيكل.”
- يَخْدِمُونَ ٱلرَّبَّ وَيَصُومُونَ: كانوا يصومون كجزء من خدمتهم للرب وربما لأنهم شعروا بتثقل لطلب الرب بطريقة خاصة.
- انطلاقاً من الدعوة الموصوفة في النص من المحتمل أنهم صلوا من أجل انتشار الإنجيل في كل الأرض.
- إذا افترضنا أنهم صاموا وصلوا من أجل خلاص العالم يمكننا أن نرى بسهولة استجابة الله لصلواتهم عن طريق استخدامه لهم. غالباً ما يرسل الله للخدمة من يتثقلون بالصلاة.
- يرغب الكثيرون بالبقاء في المقاعد الخلفية للخدمة وكل ما يفعلونه هو قول العبارة: “أنا مثقل بهذه الخدمة ولكن عليكم أنتم التنفيذ.” يرسل الله من لديه تثقل لأن يعمل لا من يتكلم فحسب.
- قَالَ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ: وبينما كانوا يخدمون تكلم الله معهم. كانت هذه دعوة لإرشاد بَرْنَابَا وَشَاوُلَ للقيام بخدمة معينة.
- قَالَ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ: نفترض عادة أن الدعوة أتت من الأنبياء في الكنيسة ولكن ربما أتت ببساطة من شخص شعر بتثقل داخلي من الروح القدس.
- كتب مورغان (Morgan): “لا أتصور للحظة أن شعب الكنيسة سمع صوتاً. وهذا خطأ نرتكبه دوماً. نحاول أن نرغم أنفسنا على الشعور بالنشوة كي نسمع الصوت ثم نتصور أننا قد سمعناه فعلاً!”
- أَفْرِزُوا لِي: قبل أن يتمكن برنابا وشاول من القيام بخدمة مهمة كان عليهم أن يخصصوا لله أولاً. يعني التكريس فصل الذات عن بعض الأمور.
- لا تستطيع قول ’نعم‘ لدعوة الله على حياتك إلا عندما تقول ’لا‘ للأشياء التي تبعدك عن تلك الدعوة.
- أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ: من المثير للذكر أن برنابا وشاول المدعوان للعمل المُرسلي كانا حسب معرفتنا من أكثر الرجال موهبة في كنيسة أنطاكية.
- لِلْعَمَلِ ٱلَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ: كان هناك عَمل محدد أعده الله لبرنابا وشاول. كتب بولس لاحقاً في رسالته إلى أهل أفسس ١٠:٢ “لِأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ لِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ ٱللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا.” دعا الله برنابا وشاول للقيام بهذه الأعمال الصالحة.
- أعلن الله عن دعوته لبولس في أعمال الرسل ١٥:٩-١٦ “هَذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ ٱسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. لِأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِي.” لم تكن دعوة مريحة لتضع بولس في مكان أفضل بل دعوة جادة للقيام بخدمة جادة.
- أَفْرِزُوا لِي: قدم الرب جدوله الزمني: أَفْرِزُوا لِي الآن. أعلن الله عن دعوته لبولس من خلال حنانيا ولكنه لم يحدد الزمن. تشير الجملة أَفْرِزُوا لِي أنه لا يجوز التأخير.
ج ) الآية (٣): إطلاق برنابا وشاول
٣فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا ٱلْأَيَادِيَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا.
- فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا: أرسلوهم بصوم وصلاة. تطلب هذا الاِتِّكَالُ الكامل عَلَى اللَّهِ وعبرت الكنيسة عن هذا الإتكال بالصوم والصلاة.
- وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا ٱلْأَيَادِيَ: كان وضع الأيدي هو التكليف الرسمي للمهمة. تم رسامة برنابا وشاول من قبل ولكنهما الآن يدخلان في مجال مختلف للخدمة.
- ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا: أرسلت الكنيسة في أنطاكية برنابا وشاول للخدمة كمرسلين مما يعني أنهم حصلوا على دعم وتعضيد من كنيسة معينة. ولم يحدث هذا قبلاً في تاريخ الكنيسة. خرج الكثيرون “كمبشرين بالصدفة” (كما هو الحال في أعمال الرسل ٤:٨ و١٩:١١) ولكن لم يحدث من قبل أن الجهود تكثفت لإرسال أحد لربح النفوس ليسوع بهذه الطريقة.
- يعتبر الكثيرون أن هذا الإرسال المتعمد من كنيسة أنطاكية كان أول عمل مُرسلي حقيقي للكنيسة. كتب بويس (Boice): “كلمة “مُبشر/مُرسل” لها علاقة بالإرسال والكلمة اللاتينية (mitto, mittere) تعني الإرسال.”
- يبدو أنهم فعلوا ذلك دون تقرير أي لجنة ودون تحليل ديموغرافي ودون مسح للتسويق ودون ما يسمى “بالخريطة الروحية.” إنطلق برنابا وشاول ومعهما دعوة وسلطان الروح القدس دون الحاجة لكل هذه الأمور.
ثانياً. الخدمة في مدن سَلُوكِيَةَ وسَلَامِيسَ وبَافُوسَ
أ ) الآية (٤): أول محطة: سَلُوكِيَةَ
٤فَهَذَانِ إِذْ أُرْسِلَا مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱنْحَدَرَا إِلَى سَلُوكِيَةَ، وَمِنْ هُنَاكَ سَافَرَا فِي ٱلْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ.
- فَهَذَانِ إِذْ أُرْسِلَا مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ: أرسلت كنيسة أنطاكية برنابا وشاول ولكن الأهم أنهما أُرْسِلَا مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. يمكن لأي مجموعة من المؤمنين أن ترسل شخص ولكن لن تكون الخدمة فعالة وتأتي بنتائج أبدية إن لم يرسله ٱلرُّوح ٱلْقُدُسِ.
- ٱنْحَدَرَا إِلَى سَلُوكِيَةَ: لا نعلم عن الخدمة التي قاموا بها في سَلُوكِيَةَ وهي مدينة بالقرب من أنطاكية. ربما ذهبوا هناك كونها الميناء القريب من أنطاكية ومن المؤكد خدموا هناك.
- بما أن سَلُوكِيَةَ لم تكن بعيدة عن كنيسة أنطاكية المزدهرة فعلى الأغلب كان فيها عدد من المؤمنين.
ب) الآية (٥): مدينة سَلَامِيسَ على الساحل الشرقي من جزيرة قبرص
٥وَلَمَّا صَارَا فِي سَلَامِيسَ نَادَيَا بِكَلِمَةِ ٱللهِ فِي مَجَامِعِ ٱلْيَهُودِ. وَكَانَ مَعَهُمَا يُوحَنَّا خَادِمًا.
- وَلَمَّا صَارَا فِي سَلَامِيسَ: لا نعلم لماذا ذهبوا إلى قبرص أولاً ولكننا نعلم أن برنابا نشأ في تلك الجزيرة (أعمال الرسل ٣٦:٤).
- نَادَيَا بِكَلِمَةِ ٱللهِ فِي مَجَامِعِ ٱلْيَهُودِ: أعطاهم المنبر المفتوح في المجامع اليهود الكثير العديد من الفرص للكرازة. فقد جرت العادة أن يُدعى أي رجل مثقف للتكلم مع الحاضرين في لقاءات يوم السبت.
- وَكَانَ مَعَهُمَا يُوحَنَّا خَادِمًا: قرأنا من قبل عن يوحنا هذا الملقب بيوحنا مرقس (أعمال الرسل ٢٥:١٢). مرقس الذي رافق برنابا وشاول في هذه الرحلة هو نفسه من كتب الإنجيل الذي يحمل اسمه.
- كان مرقس رفيقاً نافعاً لبرنابا وشاول. نشأ في أورشليم وكان شاهداً على العديد من الأحداث في حياة يسوع وكان قادراً على توصيل ما رآه لتعضيد خدمة برنابا وشاول والكرازة للآخرين.
ج) الآيات (٦-٧): لقاءهم مع الوالي في بَافُوسَ
٦وَلَمَّا ٱجْتَازَا ٱلْجَزِيرَةَ إِلَى بَافُوسَ، وَجَدَا رَجُلًا سَاحِرًا نَبِيًّا كَذَّابًا يَهُودِيًّا ٱسْمُهُ بَارْيَشُوعُ، ٧كَانَ مَعَ ٱلْوَالِي سَرْجِيُوسَ بُولُسَ، وَهُوَ رَجُلٌ فَهِيمٌ. فَهَذَا دَعَا بَرْنَابَا وَشَاوُلَ وَٱلْتَمَسَ أَنْ يَسْمَعَ كَلِمَةَ ٱللهِ.
- بَافُوسَ: تقع هذه المدينة على الساحل الغربي من قبرص وكانت تُعرف بشرها. واجه برنابا وشاول في هذه المدينة مزيج من الفجور والظلمة الروحية اللذين كانا شائعين في جميع أنحاء العالم الوثني للأمبراطورية الرومانية.
- كتب باركلي (Barclay): “اشتهرت بافوس بعبادة الزهرة وهي آلهة الحب وترمز للشهوة الرديئة.” أضاف سبيرجن (Spurgeon): “سمى أثناسيوس ديانته ’إله الشهوة‘ فلا يستطيع أي رجل أو إمرأة الذهاب إلى معبد الزهرة دون أن يتنجسوا ذهنياً وأخلاقياً.”
- ٱلْوَالِي سَرْجِيُوسَ بُولُسَ: كان هذا الرجل مهم للغاية. ٱلْوَالِي في العادة هو المسؤول عن مقاطعة بأكملها ولكن تحت إشراف مجلس الشيوخ الرومان.
- كتب وليامز (Williams): “هناك نوعين من المقاطعات في الأمبراطورية الرومانية: مقاطعة تحتاج لقوة عسكرية ومقاطعة لا تحتاج لقوة عسكرية. كان الولاة يحكمون الأخيرة تحت إشراف مجلس الشيوخ أما الأولى فكانت تحت أمرة الإمبراطور مباشرة.”
- كتب هيوز (Hughes): “قدم السير ويليام رامزي (Sir William Ramsay) تقريراً عن النقوش التي كانت تحمل اسم سَرْجِيُوسَ بُولُسَ والتي عثر عليها في قبرص، وأكد في التقرير أنه كان مؤمناً مسيحياً وأن عائلته كلها أصبحت مؤمنة أيضاً.”
- فَهَذَا دَعَا بَرْنَابَا وَشَاوُلَ وَٱلْتَمَسَ أَنْ يَسْمَعَ كَلِمَةَ ٱللهِ: فُتِحَّ أمامهم باب غير متوقع أثناء خدمتهم في بافوس (ربما من خلال الكرازة في المجمع): التمس الوالي أَنْ يَسْمَعَ كَلِمَةَ ٱللهِ.
د ) الآيات (٨-١٢): مقاومة عَلِيمٌ ٱلسَّاحِر
٨فَقَاوَمَهُمَا عَلِيمٌ ٱلسَّاحِرُ، لِأَنْ هَكَذَا يُتَرْجَمُ ٱسْمُهُ، طَالِبًا أَنْ يُفْسِدَ ٱلْوَالِيَ عَنِ ٱلْإِيمَانِ. ٩وَأَمَّا شَاوُلُ، ٱلَّذِي هُوَ بُولُسُ أَيْضًا، فَٱمْتَلَأَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ وَشَخَصَ إِلَيْهِ ١٠وَقَالَ: «أَيُّهَا ٱلْمُمْتَلِئُ كُلَّ غِشٍّ وَكُلَّ خُبْثٍ! يَا ٱبْنَ إِبْلِيسَ! يَا عَدُوَّ كُلِّ بِرٍّ! أَلَا تَزَالُ تُفْسِدُ سُبُلَ ٱللهِ ٱلْمُسْتَقِيمَةَ؟ ١١فَٱلْآنَ هُوَذَا يَدُ ٱلرَّبِّ عَلَيْكَ، فَتَكُونُ أَعْمَى لَا تُبْصِرُ ٱلشَّمْسَ إِلَى حِينٍ». فَفِي ٱلْحَالِ سَقَطَ عَلَيْهِ ضَبَابٌ وَظُلْمَةٌ، فَجَعَلَ يَدُورُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَقُودُهُ بِيَدِهِ. ١٢فَٱلْوَالِي حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى مَا جَرَى، آمَنَ مُنْدَهِشًا مِنْ تَعْلِيمِ ٱلرَّبِّ.
- عَلِيمٌ ٱلسَّاحِرُ، لِأَنْ هَكَذَا يُتَرْجَمُ ٱسْمُهُ: عارض بولس شخص اسمه عَلِيم. كان اسمه الحقيقي بَارْيَشُوعُ (أعمال الرسل ٦:١٣) ويعني “ابن يسوع” وعلى الأرجح لم يحتمل لوقا أن يدعوه بهذا الاسم. حاول عَلِيم هذا (الذي كان نوعاً ما مستشاراً للوالي) إحباط خدمة برنابا وشاول التبشيرية.
- لا ينبغي أن نتأثر أو نتفاجأ من المقاومة. كتب سبيرجن: “أينما وجد النجاح ستجد أيضاً باباً مفتوحاً وخصماً مقاوماً. عليك أن تخشى من الفشل إن لم يكن هناك خصم. لن تتمكن الطائرة الورقية من التحليق عالياً إن لم تضربها الريح.”
- وَأَمَّا شَاوُلُ، ٱلَّذِي هُوَ بُولُسُ أَيْضًا: كان مألوفاً أن يحمل الشخص أسماء متشابهة ولكن مختلفة لتتلائم مع اللغة أو الثقافة التي يعيش فيها. لا بد أن شَاوُلُ كان اسمه عند الولادة وهو اسم يهودي كناية لأول ملك حكم إسرائيل، أما اسمه الروماني فكان بُولُسُ ويعني “القليل” ويشبه في نطقه الاسم “شاول.”
- كتب لينسكي (Lenski): “أعطوا شاول عند الولادة اسم روماني وآخر لاتيني لأنه كان مواطناً رومانياً ويتمتع بكل حقوق الإمبراطورية الرومانية. كان للطفل اسمين منذ الطفولة. عندما دعاه والده كان يقول: ’شاول!‘ وعندما كان أصحابه اليونانيين يلعبون معه كانوا يدعونه: ’بولس!‘”
- فَٱمْتَلَأَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ… وَقَالَ: «أَيُّهَا ٱلْمُمْتَلِئُ كُلَّ غِشٍّ وَكُلَّ خُبْثٍ!: أعلن بولس دينونة الله على عليم مستخدماً تمييزه الروحي وإيمانه (فَتَكُونُ أَعْمَى).
- لا بد وأن بولس تذكر تجربته مع الله عندما أصبح عَلِيم أعمى. أصبح بولس أعمى وقت اهتدائه على الطريق إلى دمشق (أعمال الرسل ٩:٩). فمن يقاوم الله هو أعمى روحياً، أصاب الله عليم بالعمى الجسدي لأنه يتماشى مع عماه الروحي. لا نسمع لاحقاً للأسف إن طلب عَلِيم التوبة يوماً كما فعل بولس.
- فَٱلْوَالِي حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى مَا جَرَى، آمَنَ: كان بولس قاسياً في مواجهته لعَلِيم لأن مصير الوالي الأبدي كان على المحك.
- إن أراد أحدهم الانتحار روحياً فلا بأس ولكن لا يجوز أن يعثروا الآخرين معهم. إن أردت التخلي عن أمور الله وأن تسمح للمرارة أن تنمو في قلبك فهذا اختيارك. ولكنها خطية ثقيلة أن تسحب شخص آخر معك بكلماتك أو تصرفاتك.
- كتب مورغان (Morgan): “إن أقسى كلمات في الكتاب المقدس في العهدين القديم والجديد محفوظة لأولئك الذين يقفون حائلاً بين الإنسان والحق وبين الإنسان والله… فالقلب الذي تحدث بغضب مع عليم الساحر لا بد وأنه نفس القلب المليء بالمحبة نحو سَرْجِيُوسَ بُولُسَ.”
- لَمَّا رَأَى مَا جَرَى: بوسعنا أن نقول أن الوالي رأى شيئاً ما في بولس ورأى شيئاً آخر في عليم الساحر.
- رأى الوالي شجاعة بولس. ورأى رجلاً يملك إيمان جريء وراسخ ومستعد للدفاع عن إيمانه بأي شكل من الأشكال.
- رأى الوالي أيضاً النتيجة العادلة لخطيئة عليم الساحر: العمى الجسدي الذي يتطابق مع عماه الروحي. ينبغي للمتاعب التي تأتي على من يرتكبون الخطية أن تساعدنا على السعي وراء الله بأكثر جدية.
- مُنْدَهِشًا مِنْ تَعْلِيمِ ٱلرَّبِّ: كان إصابة عليم بالعمى مدهشاً ولكن الأخبار السارة التي سمعها الوالي من بولس كانت أروع. كانت دهشته مِنْ تَعْلِيمِ ٱلرَّبِّ (أي التعليم عن عطية الله الكريمة للإنسان في شخص يسوع المسيح على الصليب) وليس من العمل المعجزي الذي حصل أمامه.
هـ) الآية (١٣): مِنْ بَافُوسَ إِلَى بَرْجَةِ
١٣ثُمَّ أَقْلَعَ مِنْ بَافُوسَ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ وَأَتَوْا إِلَى بَرْجَةِ بَمْفِيلِيَّةَ. وَأَمَّا يُوحَنَّا فَفَارَقَهُمْ وَرَجَعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ.
- ثُمَّ أَقْلَعَ مِنْ بَافُوسَ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ: أصبح اسم مجموعة الكرازة الآن “بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ.” كان اسم المجموعة في السابق: “برنابا وشاول” (كما نراه في أعمال الرسل ٧:١٣). وابتداءً من هذه النقطة ستصبح قيادة بولس واضحة.
- وَأَتَوْا إِلَى بَرْجَةِ: غادروا جزيرة قبرص وأتوا إلى برجة أي تركيا.
- وَأَمَّا يُوحَنَّا فَفَارَقَهُمْ وَرَجَعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ: لا نعرف بالضبط لماذا عاد يوحنا مرقس إلى بيته في أورشليم. ربما شعر بحنين للوطن أو كان يخشى مخاطر السفر عبر الجبال أو ربما استاء من تغيير اسم مجموعة ابن عمه “برنابا وشاول” (أعمال ٢٥:١٢) لتصبح الآن بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ أو ربما فقد الإيمان والثقة لأن بولس كان يعاني من مشاكل صحية (حسب غلاطية ١٣:٤).
- سيتضح لنا من أعمال الرسل ٣٦:١٥-٤١ أن بولس لم يكن مسروراً برحيل يوحنا مرقس ويبدو أنه فَقَدَ ثقته به إلى حدٍ ما كرفيق للخدمة وكعضو في الفريق. فبقدر ما كان هؤلاء الرجال عظماء وبقدر ما كانت خدمتهم رائعة كانوا يعانون من المشاكل أيضاً.
ثالثاً. العظة في أَنْطَاكِيَةِ بِيسِيدِيَّةَ
أ ) الآيات (١٤-١٥): الدعوة المألوفة في المجمع أعطت بولس الفرصة للكرازة بيسوع
١٤وَأَمَّا هُمْ فَجَازُوا مِنْ بَرْجَةَ وَأَتَوْا إِلَى أَنْطَاكِيَةِ بِيسِيدِيَّةَ، وَدَخَلُوا ٱلْمَجْمَعَ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَجَلَسُوا. ١٥وَبَعْدَ قِرَاءَةِ ٱلنَّامُوسِ وَٱلْأَنْبِيَاءِ، أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُؤَسَاءُ ٱلْمَجْمَعِ قَائِلِينَ: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِخْوَةُ، إِنْ كَانَتْ عِنْدَكُمْ كَلِمَةُ وَعْظٍ لِلشَّعْبِ فَقُولُوا».
- وَأَمَّا هُمْ فَجَازُوا مِنْ بَرْجَةَ وَأَتَوْا إِلَى أَنْطَاكِيَةِ بِيسِيدِيَّةَ: يقع ميناء بَرْجَةَ على الساحل وتصلها السفن من بافوس. تبعد أَنْطَاكِيَةِ بِيسِيدِيَّةَ ٢٢٠ كيلومتر عن اليابسة شمالاً. عرفت تلك المنطقة باسم غلاطية وكتب بولس رسالة للكنائس هناك أضيفت للعهد الجديد.
- كتب بويس (Boice): “تقع مدينة أنطاكيَة الَّتي فِي بِيسِيدِيَة على سلسلة جبال بارتفاع ٣٦٠٠ قدم. وبما أن بولس كتب في رسالته إلى أهل غلاطية عن مرضه في ذلك الوقت افترض بعض المفسرين أن بولس ربما أصيب بمرض الملاريا بينما كان يعيش على سواحل مدينة مْفِيلِيَّةَ ولهذا أصر أصدقائه الانتقال للمنطقة الجبلية ليستفيد من المناخ الجبلي الصحي.”
- وَدَخَلُوا ٱلْمَجْمَعَ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَجَلَسُوا. وَبَعْدَ قِرَاءَةِ ٱلنَّامُوسِ وَٱلْأَنْبِيَاءِ: كانت خدمة ٱلْمَجْمَع في القرن الأول تتبع ترتيباً معيناً. يبدأ الإجتماع أولاً بالصلاة الإفتتاحية وثم قراءة مقطع من ٱلنَّامُوسِ (كتب موسى الخمسة من العهد القديم) ومقطع من ٱلْأَنْبِيَاءِ. ثم وإن كان هناك شخص مُتعلم في الوسط كانوا يطلبون منه أن يشرح القراءات.
- «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِخْوَةُ، إِنْ كَانَتْ عِنْدَكُمْ كَلِمَةُ وَعْظٍ لِلشَّعْبِ فَقُولُوا»: طلب رُؤَسَاءُ ٱلْمَجْمَعِ من بولس أن يعلمهم فقبل بولس الدعوة بسرور.
ب) الآيات (١٦-٢٣): بدأ بولس عظته في المجمع موضحاً عمل الله عبر التاريخ حتى مجيء يسوع
١٦فَقَامَ بُولُسُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِسْرَائِيلِيُّونَ وَٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ ٱللهَ، ٱسْمَعُوا! ١٧إِلَهُ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ هَذَا ٱخْتَارَ آبَاءَنَا، وَرَفَعَ ٱلشَّعْبَ فِي ٱلْغُرْبَةِ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَبِذِرَاعٍ مُرْتَفِعَةٍ أَخْرَجَهُمْ مِنْهَا. ١٨وَنَحْوَ مُدَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ٱحْتَمَلَ عَوَائِدَهُمْ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ. ١٩ثُمَّ أَهْلَكَ سَبْعَ أُمَمٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ وَقَسَمَ لَهُمْ أَرْضَهُمْ بِٱلْقُرْعَةِ. ٢٠وَبَعْدَ ذَلِكَ فِي نَحْوِ أَرْبَعَمِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً أَعْطَاهُمْ قُضَاةً حَتَّى صَمُوئِيلَ ٱلنَّبِيِّ. ٢١وَمِنْ ثَمَّ طَلَبُوا مَلِكًا، فَأَعْطَاهُمُ ٱللهُ شَاوُلَ بْنَ قَيْسٍ، رَجُلًا مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، أَرْبَعِينَ سَنَةً. ٢٢ثُمَّ عَزَلَهُ وَأَقَامَ لَهُمْ دَاوُدَ مَلِكًا، ٱلَّذِي شَهِدَ لَهُ أَيْضًا، إِذْ قَالَ: وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلًا حَسَبَ قَلْبِي، ٱلَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي. ٢٣مِنْ نَسْلِ هَذَا، حَسَبَ ٱلْوَعْدِ، أَقَامَ ٱللهُ لإِسْرَائِيلَ مُخَلِّصًا، يَسُوعَ».
- أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِسْرَائِيلِيُّونَ وَٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ ٱللهَ: خاطب بولس مجموعتين في ٱلْمَجْمَعِ ذلك اليوم: اليهود و”المعتنقين اليهودية” أي الأمم الذين اعتنقوا الديانة اليهودية ولكنهم لم يعتنقوها بالكامل بعد.
- حَسَبَ ٱلْوَعْدِ، أَقَامَ ٱللهُ لإِسْرَائِيلَ مُخَلِّصًا، يَسُوعَ: ركز بولس في هذا المسح السريع لتاريخ شعب إسرائيل على الأحداث الهامة: اختيار الآباء وخلاص الشعب من مصر والتوهان في البرية والانتصار في كنعان وفترة القضاة وبداية فترة الملوك وكيف قاد كل هذا لمجيء يسوع.
- تظهر هذه النظرة العامة على تاريخ شعب إسرائيل بأن لله خطة في التاريخ وعلينا أن نعرف أننا جزء من تلك الخطة. يسوع هو هدف التاريخ ولأننا في يسوع فنحن جزء من خطة الله الرائعة لخلاص البشر.
ج) الآيات (٢٤-٢٩): وضح بولس باستخدام أمثلة مثل يوحنا المعمدان والقادة اليهود كيف يمكن للناس قبول أو رفض يسوع
٢٤إِذْ سَبَقَ يُوحَنَّا فَكَرَزَ قَبْلَ مَجِيئِهِ بِمَعْمُودِيَّةِ ٱلتَّوْبَةِ لِجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ. ٢٥وَلَمَّا صَارَ يُوحَنَّا يُكَمِّلُ سَعْيَهُ جَعَلَ يَقُولُ: مَنْ تَظُنُّونَ أَنِّي أَنَا؟ لَسْتُ أَنَا إِيَّاهُ، لَكِنْ هُوَذَا يَأْتِي بَعْدِي ٱلَّذِي لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ أَحُلَّ حِذَاءَ قَدَمَيْهِ. ٢٦«أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِخْوَةُ بَنِي جِنْسِ إِبْرَاهِيمَ، وَٱلَّذِينَ بَيْنَكُمْ يَتَّقُونَ ٱللهَ، إِلَيْكُمْ أُرْسِلَتْ كَلِمَةُ هَذَا ٱلْخَلَاصِ. ٢٧لِأَنَّ ٱلسَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ وَرُؤَسَاءَهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا هَذَا. وَأَقْوَالُ ٱلْأَنْبِيَاءِ ٱلَّتِي تُقْرَأُ كُلَّ سَبْتٍ تَمَّمُوهَا، إِذْ حَكَمُوا عَلَيْهِ. ٢٨وَمَعْ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا عِلَّةً وَاحِدَةً لِلْمَوْتِ طَلَبُوا مِنْ بِيلَاطُسَ أَنْ يُقْتَلَ. ٢٩وَلَمَّا تَمَّمُوا كُلَّ مَا كُتِبَ عَنْهُ، أَنْزَلُوهُ عَنِ ٱلْخَشَبَةِ وَوَضَعُوهُ فِي قَبْرٍ».
- وَلَمَّا صَارَ يُوحَنَّا يُكَمِّلُ سَعْيَهُ جَعَلَ يَقُولُ (قالَ يُوحَنّا وَهُوَ يُكمِلُ مَهَمَّتَهُ): تجاوب يوحنا المعمدان مع يسوع بالطريقة الصحيحة. أعد قلوب الآخرين لاستقبال يسوع وعرف تماماً حقيقة يسوع وأنه أعظم من الكل وأعظم من أي معلم وعرف أنه الرب الإله الذي سنقف أمامه لتقديم الحساب يوماً.
- ٱلَّذِي لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ أَحُلَّ حِذَاءَ قَدَمَيْهِ: يظهر هذا التصريح أن يوحنا المعمدان أدرك أن يسوع أعلى مكانة منه. لم يكن غريباً في تلك الأيام أن يتبع بعض التلاميذ معلمهم العظيم وكان من الطبيعي أن يخدم هؤلاء التلاميذ المعلم بشتى الطرق. ولكن أساء المعلمين القادة هذا الترتيب وصاروا يطلبون أموراً مهينة يصعب على المعلم طلبها من تلاميذه. وقرروا لاحقاً أن حل رباط الحذاء مثلاً كان أمراً مهيناً للغاية. ولكننا نرى هنا أن يوحنا المعمدان يعلن أنه ليس مستحقاً حتى أن يفعل هذا مع يسوع.
- لِأَنَّ ٱلسَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ وَرُؤَسَاءَهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا هَذَا: رفض الذين لا يعرفون الكُتب المقدسة يسوع وأسلموه إلى بيلاطس ليُعدم. كان هذا صحيحاً رغم أنهم كانوا يَسكُنُونَ فِي أُورُشَلِيمَ وكانوا رُؤَسَاءَ بين اليهود وبالتالي صُلب يسوع ووضع في قبر.
- أَنْزَلُوهُ عَنِ ٱلْخَشَبَةِ وَوَضَعُوهُ فِي قَبْرٍ: اِستَمَدَّ بولس فكرة ٱلْخَشَبَةِ من سفر التثنية ٢٢:٢١-٢٣. نقرأ في النص أن كل مَنْ يُعَلَّقُ عَلَى خَشَبَةٍ يَكُونُ تَحْتَ لَعْنَةِ اللهِ. أراد بولس أن يوصل فكرة أننا نلنا البركة لأن يسوع صار لعنة لأجلنا (غلاطية ١٣:٣).
د ) الآيات (٣٠-٣٧): بشارة بولس عن يسوع المُقام
٣٠وَلَكِنَّ ٱللهَ أَقَامَهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ. ٣١وَظَهَرَ أَيَّامًا كَثِيرَةً لِلَّذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ مِنَ ٱلْجَلِيلِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، ٱلَّذِينَ هُمْ شُهُودُهُ عِنْدَ ٱلشَّعْبِ. ٣٢وَنَحْنُ نُبَشِّرُكُمْ بِٱلْمَوْعِدِ ٱلَّذِي صَارَ لِآبَائِنَا، ٣٣إِنَّ ٱللهَ قَدْ أَكْمَلَ هَذَا لَنَا نَحْنُ أَوْلَادَهُمْ، إِذْ أَقَامَ يَسُوعَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ أَيْضًا فِي ٱلْمَزْمُورِ ٱلثَّانِي: أَنْتَ ٱبْنِي، أَنَا ٱلْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. ٣٤إِنَّهُ أَقَامَهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ، غَيْرَ عَتِيدٍ أَنْ يَعُودَ أَيْضًا إِلَى فَسَادٍ، فَهَكَذَا قَالَ: إِنِّي سَأُعْطِيكُمْ مَرَاحِمَ دَاوُدَ ٱلصَّادِقَةَ. ٣٥وَلِذَلِكَ قَالَ أَيْضًا فِي مَزْمُورٍ آخَرَ: لَنْ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَادًا. ٣٦لِأَنَّ دَاوُدَ بَعْدَ مَا خَدَمَ جِيلَهُ بِمَشُورَةِ ٱللهِ، رَقَدَ وَٱنْضَمَّ إِلَى آبَائِهِ، وَرَأَى فَسَادًا. ٣٧وَأَمَّا ٱلَّذِي أَقَامَهُ ٱللهُ فَلَمْ يَرَ فَسَادًا.
- وَلَكِنَّ ٱللهَ: يا لها من كلمات رائعة. بذل الإنسان قصارى جهده لمحاربة الله حتى أنهم صلبوه وَلَكِنَّ ٱلله الأعظم من خطية الإنسان وتمرده، أقام يسوع من القبر منتصراً على الخطية والموت.
- وَلَكِنَّ ٱللهَ أَقَامَهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ: قدم بولس كل الحق بهذه الكلمات البسيطة ومن أدلة شهود العيان أيضاً (وَظَهَرَ أَيَّامًا كَثِيرَةً لِلَّذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ).
- يجب ألا نفوت تركيز بولس على الأحداث في عظته هنا فيمكن تفويتها رغم وضوحها. ركز بولس على وقائع حدثت بالفعل وليس على أمورٍ فلسفية أو حتى لاهوتية. كتب بويس (Boice): “المسيحية ليست مجرد فلسفة أو مجموعة من الأخلاق رغم أن الأمر ينطوي على هذه الأمور. جوهر المسيحية هو الإعلان عما فعله الله.”
- إِنَّ ٱللهَ قَدْ أَكْمَلَ هَذَا لَنَا نَحْنُ أَوْلَادَهُمْ: استخدم بولس حقيقة قيامة يسوع ليبرهن على أنه ابن الله الوحيد (مزمور ٧:٢) وليبرهن على كماله حتى في عمله على الصليب (مزمور ١٠:١٦).
هـ) الآيات (٣٨-٤١): استخدم بولس حقيقة يسوع وما فعله لأجلنا مقدماً وعد وتحذير
٣٨فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَكُمْ أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِخْوَةُ، أَنَّهُ بِهَذَا يُنَادَى لَكُمْ بِغُفْرَانِ ٱلْخَطَايَا، ٣٩وَبِهَذَا يَتَبَرَّرُ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ مَا لَمْ تَقْدِرُوا أَنْ تَتَبَرَّرُوا مِنْهُ بِنَامُوسِ مُوسَى. ٤٠فَٱنْظُرُوا لِئَلَّا يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ مَا قِيلَ فِي ٱلْأَنْبِيَاءِ: ٤١اُنْظُرُوا أَيُّهَا ٱلْمُتَهَاوِنُونَ، وَتَعَجَّبُوا وَٱهْلِكُوا! لِأَنَّنِي عَمَلًا أَعْمَلُ فِي أَيَّامِكُمْ. عَمَلًا لَا تُصَدِّقُونَ إِنْ أَخْبَرَكُمْ أَحَدٌ بِهِ».
- أَنَّهُ بِهَذَا يُنَادَى لَكُمْ بِغُفْرَانِ ٱلْخَطَايَا: صار لنا من خلال يسوع وعمله لأجلنا الوعد بغفران الخطايا المجاني وسيتبرر كل من يؤمن من الخطية التي لم يتمكن الناموس من تبريرنا منها (بِهَذَا يَتَبَرَّرُ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ مَا لَمْ تَقْدِرُوا أَنْ تَتَبَرَّرُوا مِنْهُ بِنَامُوسِ مُوسَى).
- لا يمكننا أبداً تبرير أنفسنا أمام الله وإن فكرنا بهذه الطريقة نحن نفترض أن مقاييس الله تتأثر وتتغير وفقاً لضعفاتنا وبأن الخلاص يعتمد علينا بدلاً من القول ببساطة: “لِأَنَّكُمْ بِٱلنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ بِٱلْإِيمَانِ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ هُوَ عَطِيَّةُ ٱللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلَا يَفْتَخِرَ أَحَدٌ” (أفسس ٨:٢-٩).
- يرفض البعض قبول خلاص يسوع لأنهم يريدون خلاصاً على طريقتهم وأن يكسبوا خلاصهم بالأعمال الصالحة.
- كتب بولس رسالة إلى أهل غلاطية بعد بضعة أشهر من هذه الأحداث وتكلم فيها عن التبرير بنعمة الله وليس بحفظ الناموس.
- يَتَبَرَّرُ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ: لا يغفر يسوع الخطايا فحسب بل يَتَبَرَّرُ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ به. يهتم الغفران بدين الخطية والتبرير يضع في حسابناً أمام الله رصيداً إيجابياً.
- فَٱنْظُرُوا (فَاحذَرُوا): يحذر بولس من عدم قبول عمل يسوع لأن هذا يجعلنا مُتَهَاوِنُونَ ويؤدي إلى هلاكنا. اقتبس بولس من سفر حبقوق الذي يتكلم عن الدينونة القادمة على أورشليم وعلى كل من يرفض عرض الله لغفران الخطايا من خلال عمل يسوع.
- كتب بويس (Boice): “نعيش الآن في عصر النعمة ولكن الله هو إله الدينونة وسيحكم على الخطية إن لم يُكَفَّرَ عنها عمل المسيح.”
- يشتكي بعض المفسرين أن بولس قدم نفس العظة تقريباً كما فعل بطرس يوم الخمسين. يا لها من شكوى غريبة. فهذا يبرهن على أن رسالة الإنجيل هي نفسها ولم تتغير حتى بعد مرور خمسة عشر عاماً من يوم الخمسين. نادى كليهما بنفس الإنجيل الذي نادوا به في اليوم الأول.
- يشير آخرون إلى أوجه التشابه بين عظة بولس هنا وعظة استيفانوس في أعمال الرسل الأصحاح ٧. سمع بولس تلك العظة عندما كان لا يزال يكره اسم يسوع. ولعل خطبة أول شهيد في الكنيسة كانت لا تزال ترن في آذان الرجل الذي ترأس إعدامه.
رابعاً. التجاوب مع العظة في أَنْطَاكِيَةِ بِيسِيدِيَّةَ
أ ) الآيات (٤٢-٤٣): صرح العديد من الناس (يهود وأمم) عن اهتمامهم بعظة بولس
٤٢وَبَعْدَمَا خَرَجَ ٱلْيَهُودُ مِنَ ٱلْمَجْمَعِ جَعَلَ ٱلْأُمَمُ يَطْلُبُونَ إِلَيْهِمَا أَنْ يُكَلِّمَاهُمْ بِهَذَا ٱلْكَلَامِ فِي ٱلسَّبْتِ ٱلْقَادِمِ. ٤٣وَلَمَّا ٱنْفَضَّتِ ٱلْجَمَاعَةُ، تَبِعَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْيَهُودِ وَٱلدُّخَلَاءِ ٱلْمُتَعَبِّدِينَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا، ٱللَّذَيْنِ كَانَا يُكَلِّمَانِهِمْ وَيُقْنِعَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي نِعْمَةِ ٱللهِ.
- وَبَعْدَمَا خَرَجَ ٱلْيَهُودُ مِنَ ٱلْمَجْمَعِ جَعَلَ ٱلْأُمَمُ يَطْلُبُونَ إِلَيْهِمَا أَنْ يُكَلِّمَاهُمْ بِهَذَا ٱلْكَلَامِ فِي ٱلسَّبْتِ ٱلْقَادِمِ: تجاوب كل من في المجمع يهوداً وأمم بطريقة إيجابية ولكن ركز لوقا أكثر على تجاوب ٱلْأُمَمُ الحاضرين.
- نعتقد أن الكثيرين آمنوا لسببين:
- أولاً: لأن كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْيَهُودِ وَٱلدُّخَلَاءِ ٱلْمُتَعَبِّدِينَ تَبِعَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا. كان هناك اهتمام مستمر برسالتهم.
- ثانياً: لأن بولس وبرنابا أقنعوهم أَنْ يَثْبُتُوا فِي نِعْمَةِ ٱللهِ، مما يعني أنهم وضعوا ثقتهم بنعمة الله.
- نعتقد أن الكثيرين آمنوا لسببين:
- وَيُقْنِعَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي نِعْمَةِ ٱللهِ: الثبات في النعمة لا يقل أهمية عن البدء بالنعمة. لا ينبغي أن نتخلى عن هذا المبدأ الأساسي في علاقتنا مع الله. يعتقد الكثيرون أن النعمة هي مجرد المقدمة لحياة الإيمان المسيحية ولكن الله يريد للنعمة أن تبقى الأساس في حياتنا معه.
ب) الآيات (٤٤-٤٥): زادت الغيرة المقاومة في السبت التالي
٤٤وَفِي ٱلسَّبْتِ ٱلتَّالِي ٱجْتَمَعَتْ كُلُّ ٱلْمَدِينَةِ تَقْرِيبًا لِتَسْمَعَ كَلِمَةَ ٱللهِ. ٤٥فَلَمَّا رَأَى ٱلْيَهُودُ ٱلْجُمُوعَ ٱمْتَلَأُوا غَيْرَةً، وَجَعَلُوا يُقَاوِمُونَ مَا قَالَهُ بُولُسُ مُنَاقِضِينَ وَمُجَدِّفِينَ.
- وَفِي ٱلسَّبْتِ ٱلتَّالِي ٱجْتَمَعَتْ كُلُّ ٱلْمَدِينَةِ تَقْرِيبًا لِتَسْمَعَ كَلِمَةَ ٱللهِ: اجتمعت المدينة بأكملها لسماع رسالة الإنجيل من بولس في السبت التالي.
- كتب بويس (Boice): “تتدفق المعلومات على الناس من كل ناحية في وقتنا الحالي، فلدينا الإذاعة والتلفاز والصحف والمجلات. ولكن لم يملك الناس أي من هذا في ذلك العصر. فعندما يأتي شخص جديد من مدينة أخرى كان الناس تتجمهر حوله باعتباره مصدراً ثميناً للمعلومات. كان هؤلاء المبشرين يعلنون عن أمر جديد.”
- جاء الناس ليس لأنهم سمعوا أمراً مبتكراً بل لأن قوة كَلِمَةَ ٱللهِ جذبتهم. أكد لوقا على ذلك عدة مرات.
- اجتمعت المدينة كلها لسماع كلمة الله (أعمال الرسل ٤٤:١٣)
- قدم بولس وبرنابا للناس كلمة الله أولاً (أعمال الرسل ٤٦:١٣)
- تجاوب الأمم مع كلمة الله (أعمال الرسل ٤٨:١٣)
- انتشرت كلمة الله في المنطقة (أعمال الرسل ٤٩:١٣)
- فَلَمَّا رَأَى ٱلْيَهُودُ ٱلْجُمُوعَ ٱمْتَلَأُوا غَيْرَةً: الاستجابة الفورية أثارت غيرة قادة المجمع. وهذا أمرٌ متوقع من أشخاص يهتمون أكثر بالشهرة من خدمة الله. ٱمْتَلَأُوا غَيْرَةً عندما نال غيرهم شعبية أكبر. لا يمكننا جميعاً أن نصبح مشهورين على نفس المستوى ولكننا نستطيع أن نخدم ونرضي الله على نفس المستوى في يسوع المسيح.
- وَجَعَلُوا يُقَاوِمُونَ مَا قَالَهُ بُولُسُ مُنَاقِضِينَ وَمُجَدِّفِينَ: وفجأة أصبح هناك من يعترض على كلام بولس وتحول الأمر وكأنه مناظرة وصار خصومه يُعَارِضُون (مُنَاقِضِينَ) وَيَشْتِمُون (وَمُجَدِّفِينَ) الله.
- قد يكون التجديف المذكور هنا بسبب اللغة المسيئة والمهينة (من وجهة نظرهم) التي استخدمها بولس للتكلم عن يسوع.
- يُقَاوِمُونَ مَا قَالَهُ بُولُسُ: يبدو غريباً أن هؤلاء اليهود المتدينين الذين انتظروا المسيا وقتاً طويلاً يرفضونه الآن عند السماع عنه. أحد الأسباب الرئيسية لرفضهم كان رغبتهم في الحفاظ على الفجوة بينهم وبين الأمم. ففكرة أن يسوع هو مخلص العالم كله كانت مرفوضة تماماً بالنسبة لهم.
- كتب ويليامز (Williams): “رفضوا ببساطة قبول أي تعليم سيفتح أبواب الخلاص أمام الأمم. لا يمانعون سماع رسالة من الله ولا يمانعون بعض التغيير في تعاليمهم وطقوسهم ولكنهم لا يتحملون أو يقبلون مساواة الأمم بشعب الله القديم.”
- كتب بووله (Poole): “لم يحتمل اليهود فكرة مساواة اليهود معهم وكان قلقهم من ارتفاع شأن الأمم كقلقهم من الاضطهاد.”
- يرفض بعض الناس أحياناً يسوع لأنه يغير علاقاتهم مع الآخرين ويفضلون التمسك بالمرارة والعِداء بدلاً من اللجوء ليسوع والمصالحة مع الآخرين.
ج) الآيات (٤٦-٤٨): تجاوب بولس وبرنابا مع المقاومة اليهودية
٤٦فَجَاهَرَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَقَالَا: «كَانَ يَجِبُ أَنْ تُكَلَّمُوا أَنْتُمْ أَوَّلًا بِكَلِمَةِ ٱللهِ، وَلَكِنْ إِذْ دَفَعْتُمُوهَا عَنْكُمْ، وَحَكَمْتُمْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُسْتَحِقِّينَ لِلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ، هُوَذَا نَتَوَجَّهُ إِلَى ٱلْأُمَمِ. ٤٧لِأَنْ هَكَذَا أَوْصَانَا ٱلرَّبُّ: قَدْ أَقَمْتُكَ نُورًا لِلْأُمَمِ، لِتَكُونَ أَنْتَ خَلَاصًا إِلَى أَقْصَى ٱلْأَرْضِ». ٤٨فَلَمَّا سَمِعَ ٱلْأُمَمُ ذَلِكَ كَانُوا يَفْرَحُونَ وَيُمَجِّدُونَ كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ. وَآمَنَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ.
- فَجَاهَرَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا: كان لبولس وبرنابا غيرة رائعة على أمور الله. ولن يسمحوا لهذا التحدي دون رد لأنهم آمنوا بحقيقة يسوع.
- وَلَكِنْ إِذْ دَفَعْتُمُوهَا عَنْكُمْ، وَحَكَمْتُمْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُسْتَحِقِّينَ لِلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ، هُوَذَا نَتَوَجَّهُ إِلَى ٱلْأُمَمِ: وبخوا كل من رفض يسوع وأخبروا اليهود عن الامتياز الذي كان لهم لتصلهم رسالة الله أولاً ومع ذلك رفضوا هذا الامتياز.
- عندما تريد أن تخبر الآخرين عن يسوع ابدأ بمجموعتك الخاصة. ولكن إن لم يقبلوا البشارة أو عندما يرفضونها، لا تتوقف عن نشر الأخبار السارة للآخرين واِبْحَث عن آخرين مفتوحين لسماعها.
- فَلَمَّا سَمِعَ ٱلْأُمَمُ ذَلِكَ كَانُوا يَفْرَحُونَ وَيُمَجِّدُونَ كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ. وَآمَنَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ: قدم بولس وبرنابا المزيد من الخدمة للقلوب المفتوحة. توجهوا الآن للأمم طاعة لأمر الرب (رومية ١٦:١) وتحقيقاً للنبوة (الاقتباس من إشعياء ٤٩:٦).
- تجاوب الأمم مع دعوة بولس بإيمان مليء بالحماس وفرحوا عندما عرفوا أن الله لا يكرهم بل قدم الخلاص لهم في يسوع.
- كان بولس حكيماً في عدم صرف الكثير من الوقت في إقناع القلوب المتصلبة. نعلم بكل تأكيد أنه كان يصلي بلجاجة من أجل خلاص إسرائيل (رومية ١:١٠) حتى بعد أن تحول إلى الخدمة بين الأمم. قضى بولس معظم إرساليته يخدم النفوس المفتوحة.
د ) الآيات (٤٩-٥٠): البركة والمقاومة
٤٩وَٱنْتَشَرَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ فِي كُلِّ ٱلْكُورَةِ. ٥٠وَلَكِنَّ ٱلْيَهُودَ حَرَّكُوا ٱلنِّسَاءَ ٱلْمُتَعَبِّدَاتِ ٱلشَّرِيفَاتِ وَوُجُوهَ ٱلْمَدِينَةِ، وَأَثَارُوا ٱضْطِهَادًا عَلَى بُولُسَ وَبَرْنَابَا، وَأَخْرَجُوهُمَا مِنْ تُخُومِهِمْ.
- وَٱنْتَشَرَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ: انتشرت الكلمة نتيجة جهود بولس وبرنابا ولكن ما ساعد في انتشارها أيضاً حياة الناس التي تغيرت بالإيمان بيسوع المسيح.
- من اللافت للانتباه هنا أن نرى كنيسة ولدت في أسبوع. وعظ برنابا وشاول أحد أيام السبت في المجمع وكانت الاستجابة رائع. أما في الأسابيع التالية كانت الاستجابة مختلطة: البعض تجاوب بعداء والبعض بقبول كبير. بدأوا كنيسة بالذين قبلوا الكلمة ودامت تلك الكنيسة مئات السنين وٱنْتَشَرَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ فِي كُلِّ ٱلْكُورَةِ من خلالها (أعمال الرسل ٤٩:١٣).
- تتحقق أمور الله العظيمة أحياناً بسرعة هائلة وعلينا أن نفرح بتلك المواسم التي تسير فيها خدمة الله بسرعة.
- وَلَكِنَّ ٱلْيَهُودَ حَرَّكُوا ٱلنِّسَاءَ ٱلْمُتَعَبِّدَاتِ ٱلشَّرِيفَاتِ وَوُجُوهَ ٱلْمَدِينَةِ، وَأَثَارُوا ٱضْطِهَادًا عَلَى بُولُسَ وَبَرْنَابَا، وَأَخْرَجُوهُمَا مِنْ تُخُومِهِمْ: كلما حدثت نهضة روحية من جهة يغضب الشيطان من جهة أخرى. كانت مقاومة اليهود قوية للغاية مما دفع بولس وبرنابا على الخروج من تخومهم.
هـ) الآيات (٥١-٥٢): ردة فعل بولس وبرنابا نتيجة طردهم من أَنْطَاكِيَةِ بِيسِيدِيَّةَ
٥١أَمَّا هُمَا فَنَفَضَا غُبَارَ أَرْجُلِهِمَا عَلَيْهِمْ، وَأَتَيَا إِلَى إِيقُونِيَةَ. ٥٢وَأَمَّا ٱلتَّلَامِيذُ فَكَانُوا يَمْتَلِئُونَ مِنَ ٱلْفَرَحِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ.
- أَمَّا هُمَا فَنَفَضَا غُبَارَ أَرْجُلِهِمَا عَلَيْهِمْ: يُظهر تصرف بولس وبرنابا هنا أنهما سيتعاملان مع المدينة وكأنها مدينة وثنية رفضت الله.
- كان على اليهودي أن ينفض الغبار عن قدميه عند مغادرة مدينة أممية إن اضطر المرور بها وكأنه يقول: “لا أريد أن آخذ شيء معي من هذه المدينة الوثنية.” وبنفس المعنى تقريباً قال بولس: “لا أريد آن آخذ أي شيء منكم أيها المتدينين الذين رفضتم يسوع.”
- لم يأخذ بولس وبرنابا هذا الرفض بصورة شخصية وعرفوا أن المشكلة تكمن في الذين قاوموهم وليس فيهم.
- وَأَتَيَا إِلَى إِيقُونِيَةَ: ذهبوا إلى إِيقُونِيَةَ واستمروا في الخدمة. كثيراً ما نفشل بسبب الرفض والمعارضة أثناء الخدمة أما بولس وبرنابا فاستجابوا بعزمٍ رائع.
- فَكَانُوا يَمْتَلِئُونَ مِنَ ٱلْفَرَحِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ: الامتلاء بالفرح وبالروح القدس أمران يسيران معاً. امتلك بولس وبرنابا فرحاً يتناقض تماماً مع ظروفهما.
- طبق بولس وصيته “ٱمْتَلِئُوا بِٱلرُّوح” بصورة رائعة للغاية (أفسس ١٨:٥).
- كتب كلارك (Clarke): “لا تكمن سعادة المؤمن الحقيقي في الأمور الأرضية المضطربة ولا تتأثر بالتغييرات والصدف التي تتعرض لها الأمور الفانية. بل يتمتع الشهداء بفرح أعظم وسط النيران من فرح مضطهديهم أثناء النوم بأمان.”