أعمال الرسل – الإصحاح ٢٠
بولس يُودع شيوخ مدينة أَفَسُسَ
أولاً. بولس في مُقاطَعَةِ مَكدُونِيَّةَ مرة أخرى
أ ) الآية (١): بولس يسافر إلى مكدونية من أفسس
١وَبَعْدَمَا ٱنْتَهَى ٱلشَّغَبُ، دَعَا بُولُسُ ٱلتَّلَامِيذَ وَوَدَّعَهُمْ، وَخَرَجَ لِيَذْهَبَ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ.
- وَبَعْدَمَا ٱنْتَهَى ٱلشَّغَبُ: أدت أعمال الشغب في أفسس (أعمال الرسل ١٩) إلى إقناع بولس بالمضي قدماً فذهب غرباً عبر بحر إيجة إلى مكدونية (اليونان الحديثة).
- دَعَا بُولُسُ ٱلتَّلَامِيذَ وَوَدَّعَهُمْ وَخَرَجَ: لم يتمكن بولس من المغادرة قبل أن يعبر عن محبته لإخوته في المسيح. قضى بولس عامين في خدمة مثمرة في أفسس ولكن آن الأوان للرحيل.
ب) الآيات (٢-٥): السفر عبر اليونان ومكدونية
٢وَلَمَّا كَانَ قَدِ ٱجْتَازَ فِي تِلْكَ ٱلنَّوَاحِي وَوَعَظَهُمْ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ، جَاءَ إِلَى هَلَّاسَ، ٣فَصَرَفَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ إِذْ حَصَلَتْ مَكِيدَةٌ مِنَ ٱلْيَهُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى سُورِيَّةَ، صَارَ رَأْيٌ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى طَرِيقِ مَكِدُونِيَّةَ. ٤فَرَافَقَهُ إِلَى أَسِيَّا سُوبَاتَرُسُ ٱلْبِيرِيُّ، وَمِنْ أَهْلِ تَسَالُونِيكِي: أَرَسْتَرْخُسُ وَسَكُونْدُسُ وَغَايُوسُ ٱلدَّرْبِيُّ وَتِيمُوثَاوُسُ. وَمِنْ أَهْلِ أَسِيَّا: تِيخِيكُسُ وَتُرُوفِيمُسُ. ٥هَؤُلَاءِ سَبَقُوا وَٱنْتَظَرُونَا فِي تَرُوَاسَ.
- وَلَمَّا كَانَ قَدِ ٱجْتَازَ فِي تِلْكَ ٱلنَّوَاحِي وَوَعَظَهُمْ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ: قضى بولس وقته في العمل مع الكنائس التي أسسها كما نرى في أعمال الرسل ١٦-١٧.
- كتب لونغنيكر (Longenecker): “أحد الأمور التي اهتم بها بولس بشكل خاص كان جمع التبرعات للمؤمنين الفقراء في أورشليم. نظر بولس إلى هذه الخدمة باعتبارها رمزاً للوحدة سيساعد المؤمنين الأمم التعبير عن تقديرهم واحترامهم للكنيسة الأم في أورشليم.”
- قد يساعد الوقت الطويل الذي صرفه بولس في هذه المنطقة على تفسير بعض الألغاز. قال بولس في رومية ١٩:١٥ “حَتَّى إِنِّي مِنْ أُورُشَلِيمَ وَمَا حَوْلَهَا إِلَى إِللِّيرِيكُونَ، قَدْ أَكْمَلْتُ ٱلتَّبْشِيرَ بِإِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ.” اللغز هنا أن سفر أعمال الرسل لم يذكر تحديداً زيارة بولس إلى إِللِّيرِيكُونَ ولكن قد يتناسب هذا هنا مع أعمال الرسل ٢:٢٠-٣ حيث كَانَ قَدِ ٱجْتَازَ فِي تِلْكَ ٱلنَّوَاحِي… فَصَرَفَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. تقع إِللِّيرِيكُونَ غرب مدينة تسالونيكي وكان يمر بها وبمقاطعة إِللِّيرِيكُونَ الرومانية طريق روماني شهير يدعى (Via Egnatia). مقاطعة إِللِّيرِيكُونَ في العصر الحديث هي نفسها مدينة ألبانيا التي تقع على الساحل الشرقي للبحر الأدرياتيكي (بحر البَنَادِقَة) ومدينة إيطاليا غرباً عبر المياه.
- تذكرنا الإشارة إلى مقاطعة إِللِّيرِيكُونَ في رومية ١٩:١٥ بأن سفر أعمال الرسل رغم روعته لا يسجل كل الأحداث التي صنعها الله من خلال شعبه في القرن الأول. فهناك الكثير الذي لم يوصف من حياة الرسول بولس ناهيك عن حياة وعمل الكثيرين.
- ثُمَّ إِذْ حَصَلَتْ مَكِيدَةٌ مِنَ ٱلْيَهُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى سُورِيَّةَ، صَارَ رَأْيٌ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى طَرِيقِ مَكِدُونِيَّةَ: أراد بولس القيام برحلة مطولة من اليونان إلى سوريا عن طريق البحر (حيث كنيسته المُرسلة في أنطاكية) ولكن بسبب مكيدة اليهود المعادين للمسيحية سلك الطريق البري عبر مكدونية وبرفقته بعض الأصدقاء.
- كتب ويليامز (Williams): “ربما خططوا لمهاجمته على متن السفينة خاصة إذا كانت تعجُّ بالحجاج اليهود من عيد الفصح أو عيد العنصرة.”
- سُوبَاتَرُسُ ٱلْبِيرِيُّ… وَمِنْ أَهْلِ تَسَالُونِيكِي: أَرَسْتَرْخُسُ وَسَكُونْدُسُ… وَغَايُوسُ ٱلدَّرْبِيُّ… وَمِنْ أَهْلِ أَسِيَّا: تُرُوفِيمُسُ: كان هؤلاء هم رفقاء بولس في السفر وربما الممثلين عن الكنائس التي أرسلت المعونات المالية مع بولس إلى أورشليم. وكانوا سفراء أيضاً للكنائس التي أسسها بولس بين الأمم وليشهدوا عن نزاهة بولس فيما يتعلق بالتقدمات المتجهة إلى أورشليم.
- كان أَرَسْتَرْخُسُ وَسَكُونْدُسُ من أهل تسالونيكي. كان اسم أَرَسْتَرْخُسُ مرتبطاً بالطبقة الأرستقراطية الحاكمة ومن المحتمل أنه جاء من عائلة ثرية وقوية. وكان اسم سَكُونْدُسُ اسماً مألوفاً لأجير أو لعبد ويعني “الثاني.” وغالباً لا يطلق على العبيد بأسماءهم الحقيقية. فكان العبد من الدرجة الأولى يدعى “بريموس” (الأول) والعبد من الدرجة الثانية يدعى سَكُونْدُسُ (الثاني). من الجميل أن نفكر كيف اجتمع المؤمنون من كل طبقات المجتمع المرموقة منها والمتدنية ليخدموا الرب معاً من تسالونيكي وليقدموا المساعدة للرسول بولس.
ثانياً. العودة إلى تَرُوَاسَ ومقاطعة آسيا الصغرى (تركيا اليوم)
أ ) الآية (٦): الوصول إلى مدينة تَرُوَاسَ
٦وَأَمَّا نَحْنُ فَسَافَرْنَا فِي ٱلْبَحْرِ بَعْدَ أَيَّامِ ٱلْفَطِيرِ مِنْ فِيلِبِّي، وَوَافَيْنَاهُمْ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ إِلَى تَرُوَاسَ، حَيْثُ صَرَفْنَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ.
- وَأَمَّا نَحْنُ فَسَافَرْنَا فِي ٱلْبَحْرِ مِنْ فِيلِبِّي… وَوَافَيْنَاهُمْ… إِلَى تَرُوَاسَ: سافر بولس عبر بحر إيجة شرقاً إلى مقاطعة آسيا الصغرى الرومانية.
- فَسَافَرْنَا فِي ٱلْبَحْرِ… حَيْثُ صَرَفْنَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ: حول لوقا الكلام من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم ثانية عندما أشار إلى لقاءه مع بولس في فيلبي وثم السفر بحراً مع بولس إلى ترواس حيث التقى رفقاء بولس في السفر. ترك بولس لوقا في فيلبي في أعمال الرسل ٤٠:١٦.
ب) الآيات (٧-١٢): موعظة طويلة وقيامة أَفْتِيخُوسُ من الأموات
٧وَفِي أَوَّلِ ٱلْأُسْبُوعِ إِذْ كَانَ ٱلتَّلَامِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِيَكْسِرُوا خُبْزًا، خَاطَبَهُمْ بُولُسُ وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمْضِيَ فِي ٱلْغَدِ، وَأَطَالَ ٱلْكَلَامَ إِلَى نِصْفِ ٱللَّيْلِ. ٨وَكَانَتْ مَصَابِيحُ كَثِيرَةٌ فِي ٱلْعِلِّيَّةِ ٱلَّتِي كَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِيهَا. ٩وَكَانَ شَابٌّ ٱسْمُهُ أَفْتِيخُوسُ جَالِسًا فِي ٱلطَّاقَةِ مُتَثَقِّلًا بِنَوْمٍ عَمِيقٍ. وَإِذْ كَانَ بُولُسُ يُخَاطِبُ خِطَابًا طَوِيلًا، غَلَبَ عَلَيْهِ ٱلنَّوْمُ فَسَقَطَ مِنَ ٱلطَّبَقَةِ ٱلثَّالِثَةِ إِلَى أَسْفَلُ، وَحُمِلَ مَيِّتًا. ١٠فَنَزَلَ بُولُسُ وَوَقَعَ عَلَيْهِ وَٱعْتَنَقَهُ قَائِلًا: «لَا تَضْطَرِبُوا! لِأَنَّ نَفْسَهُ فِيهِ!». ١١ثُمَّ صَعِدَ وَكَسَّرَ خُبْزًا وَأَكَلَ وَتَكَلَّمَ كَثِيرًا إِلَى ٱلْفَجْرِ. وَهَكَذَا خَرَجَ. ١٢وَأَتَوْا بِٱلْفَتَى حَيًّا، وَتَعَزَّوْا تَعْزِيَةً لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ.
- وَفِي أَوَّلِ ٱلْأُسْبُوعِ إِذْ كَانَ ٱلتَّلَامِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِيَكْسِرُوا خُبْزًا: كان هذا أول مثل نراه لتجمع المؤمنين معاً في اليوم الأول من الأسبوع للشركة ودرس الكلمة. ويبدو أنهم اجتمعوا مساءً لأن يوم الأحد كان يوم عمل طبيعي بالنسبة لهم.
- خَاطَبَهُمْ بُولُسُ… وَأَطَالَ ٱلْكَلَامَ إِلَى نِصْفِ ٱللَّيْلِ: شعر بولس بحاجته للوعظ لفترة طويلة لأنه مُزْمِعٌ أَنْ يَمْضِيَ فِي ٱلْغَدِ. كان يعلم أنه قد لا يرى هؤلاء المؤمنين ثانية لهذا خاطبهم لمدة ست ساعات متواصلة.
- وَكَانَ شَابٌّ ٱسْمُهُ أَفْتِيخُوسُ… فَسَقَطَ مِنَ ٱلطَّبَقَةِ ٱلثَّالِثَةِ إِلَى أَسْفَلُ وَحُمِلَ مَيِّتًا: الوقت المتأخر والحر الشديد ودخان المصابيح أدى إلى نوم أَفْتِيخُوسُ. لا بد وأن سقوطه وموته عكر مزاج الجميع.
- سيطمئن كل واعظ حينما يقرأ أن أحدهم قد نام أثناء عظة الرسول بولس. غير أن بولس علمهم لساعات طويلة وبعد يوم عمل شاق وطويل لمعظم الحاضرين. هناك بعض الأدلة على أن أَفْتِيخُوسُ بذل ما في وسعه محارباً النوم. كتب هيوز (Hughes): “تشير الأفعال اليونانية أن أَفْتِيخُوسُ المسكين غلبه النعاس تدريجياً رغم كفاحه للبقاء مستيقظاً.”
- ولكن غلبه النعاس في النهاية. أضاف هيوز: “الكلمة المترجمة ’نَوْمٍ‘ هي الكلمة التي نستمد منها الكلمة الإنجليزية hypnosis أي التنويم المغناطيسي.
- لَا تَضْطَرِبُوا! لِأَنَّ نَفْسَهُ فِيهِ!: تلقى بولس مرة أخرى عطية الإيمان من الله وشعر بأن الله سيقيم هذا الشاب من الأموات وهذا ما حصل بالفعل.
- كتب مارشل (Marshall): “يشير تعليق بولس: ’نَفْسَهُ فِيهِ‘ إلى حالة الشاب بعد أن شفاه. وإلا لما ضيع لوقا وقته في الكتابة عن قيامة شخص لم يموت في الأساس.”
- وَتَكَلَّمَ كَثِيرًا إِلَى ٱلْفَجْرِ: من الواضح أن بولس استرعى انتباههم ثانية واستمر في الكلام حتى الفجر.
ثالثاً. بولس يخاطب شيوخ كنيسة أفسس
أ ) الآيات (١٣-١٧): وصل بولس إلى مِيلِيتُسَ واستدعى شيوخ كنيسة أفسس
١٣وَأَمَّا نَحْنُ فَسَبَقْنَا إِلَى ٱلسَّفِينَةِ وَأَقْلَعْنَا إِلَى أَسُّوسَ، مُزْمِعِينَ أَنْ نَأْخُذَ بُولُسَ مِنْ هُنَاكَ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ رَتَّبَ هَكَذَا مُزْمِعًا أَنْ يَمْشِيَ. ١٤فَلَمَّا وَافَانَا إِلَى أَسُّوسَ أَخَذْنَاهُ وَأَتَيْنَا إِلَى مِيتِيلِينِي. ١٥ثُمَّ سَافَرْنَا مِنْ هُنَاكَ فِي ٱلْبَحْرِ وَأَقْبَلْنَا فِي ٱلْغَدِ إِلَى مُقَابِلِ خِيُوسَ. وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلْآخَرِ وَصَلْنَا إِلَى سَامُوسَ، وَأَقَمْنَا فِي تُرُوجِيلِيُّونَ، ثُمَّ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلتَّالِي جِئْنَا إِلَى مِيلِيتُسَ، ١٦لِأَنَّ بُولُسَ عَزَمَ أَنْ يَتَجَاوَزَ أَفَسُسَ فِي ٱلْبَحْرِ لِئَلَّا يَعْرِضَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ وَقْتًا فِي أَسِيَّا، لِأَنَّهُ كَانَ يُسْرِعُ حَتَّى إِذَا أَمْكَنَهُ يَكُونُ فِي أُورُشَلِيمَ فِي يَوْمِ ٱلْخَمْسِينَ. ١٧وَمِنْ مِيلِيتُسَ أَرْسَلَ إِلَى أَفَسُسَ وَٱسْتَدْعَى قُسُوسَ ٱلْكَنِيسَةِ (أو شُيُوخِ الكَنِيسَةِ).
- مُزْمِعًا أَنْ يَمْشِيَ: يبدو أن بولس فَضَلَ السير على الأقدام من تْرُواسَ إلى أَسُّوسَ بدلاً من السفر بحراً مع مجموعته. ولكنه سافر معهم من أَسُّوسَ إلى مِيلِيتُسَ بحراً (أَخَذْنَاهُ… ثُمَّ سَافَرْنَا مِنْ هُنَاكَ فِي ٱلْبَحْرِ).
- كتب بروس (Bruce): “بقيَّ بولس هناك لآخر لحظة ممكنة، وربما للتأكد من عودة أَفْتِيخُوسُ لحياته الطبيعية، ثم أخذ طريقاً مختصراً براً للانضمام إلى السفينة في أَسُّوسَ.”
- لِأَنَّ بُولُسَ عَزَمَ أَنْ يَتَجَاوَزَ أَفَسُسَ: لم تكن نية بولس أن يقلل من شأن الكنيسة في أفسس ولكنه كان يعلم أن الزيارة لن تكون قصيرة هناك وكان يريد أن يسرع حَتَّى إِذَا أَمْكَنَهُ يَكُونُ فِي أُورُشَلِيمَ فِي يَوْمِ ٱلْخَمْسِينَ.
- وَمِنْ مِيلِيتُسَ أَرْسَلَ إِلَى أَفَسُسَ وَٱسْتَدْعَى قُسُوسَ ٱلْكَنِيسَةِ (أو شُيُوخِ الكَنِيسَةِ): عَلِمَ بولس أنه غير قادر على زيارة الكنيسة في أفسس ولكنه أراد أن يشارك بما على قلبه مع قادة الكنيسة في أفسس. ولهذا طلب من قُسُوسَ ٱلْكَنِيسَةِ أن يقابلوه في مِيلِيتُسَ.
ب) الآيات (١٨-٢١): بدأ بولس خطبته الوداعية لشيوخ أفسس بالحديث عن خدمته بينهم
١٨فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ قَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ دَخَلْتُ أَسِيَّا، كَيْفَ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ ٱلزَّمَانِ، ١٩أَخْدِمُ ٱلرَّبَّ بِكُلِّ تَوَاضُعٍ وَدُمُوعٍ كَثِيرَةٍ، وَبِتَجَارِبَ أَصَابَتْنِي بِمَكَايِدِ ٱلْيَهُودِ. ٢٠كَيْفَ لَمْ أُؤَخِّرْ شَيْئًا مِنَ ٱلْفَوَائِدِ إِلَّا وَأَخْبَرْتُكُمْ وَعَلَّمْتُكُمْ بِهِ جَهْرًا وَفِي كُلِّ بَيْتٍ، ٢١شَاهِدًا لِلْيَهُودِ وَٱلْيُونَانِيِّينَ بِٱلتَّوْبَةِ إِلَى ٱللهِ وَٱلْإِيمَانِ ٱلَّذِي بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.
- فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ: رأينا بولس عبر صفحات سفر أعمال الرسل كالكارز ولكننا نراه هنا في الأصحاح ٢٠ بصورة فريدة: بولس الراعي. كان مهماً بالنسبة له أن يكون قائداً وراعياً لشعب الله.
- كتب بروس (Bruce): “كان هذا خطاب بولس الوحيد الذي وجهه للمؤمنين والذي سجله لوقا. ومن غير المستغرب أن نرى تشابهاً كبيراً بين هذا الخطاب وبين رسائله (خاصة الأخيرة منها).”
- أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ دَخَلْتُ أَسِيَّا، كَيْفَ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ ٱلزَّمَانِ (تَعْلَمُونَ كَيْفَ كَانَ تَصَرُّفِي مَعَكُمْ طَوَالَ الْمُدَّةِ الَّتِي قَضَيْتُهَا بَيْنَكُمْ): قدم بولس نفسه أولاً كمثل. ليس كمثل بديل عن يسوع بل لأنه تشبه بيسوع. لم يتصرف بولس كزعيم ديني مشهور ولم يتوقع من الآخرين أن يخدموه ويعظموه، كلا… كل ما أراد أن يفعله هو أن يخدم ٱلرَّبَّ بِكُلِّ تَوَاضُعٍ.
- يمكننا نحن أيضاً أن نكون قدوة جيدة تعكس الحياة المسيحية الحقيقية، فليس هناك أي سبب يجعلنا لا نفعل ذلك. حتى المؤمنين حديثي الإيمان يستطيعوا أن يكونوا قدوة جيدة للتابع الحقيقي.
- كَيْفَ لَمْ أُؤَخِّرْ شَيْئًا مِنَ ٱلْفَوَائِدِ إِلَّا وَأَخْبَرْتُكُمْ بِهِ: لم يخجل بولس في أن يقول لشيوخ كنيسة أفسس: مَا قَصَّرْتُ فِي شَيْءٍ يُمْكِنُ أَنْ يَعُودَ عَلَيْكُمْ بِالْفَائِدَةِ (كَيْفَ لَمْ أُؤَخِّرْ شَيْئًا مِنَ ٱلْفَوَائِدِ إِلَّا وَأَخْبَرْتُكُمْ بِهِ) ولم يعلمهم فقط المواضيع التي تحلو له بل علمهم كل ما لديه.
- شَاهِدًا لِلْيَهُودِ وَٱلْيُونَانِيِّينَ: لم يقيد بولس رسالته ولم يقيد جمهوره بل أراد أن يكرز كل الكلمة ولكل الناس.
- وَفِي كُلِّ بَيْتٍ: مما يعني أن كنيسة أفسس لم تملك مبنى وأن الاجتماعات كانت تعقد في البيوت. ربما قاد كل شيخ مجموعة بيتية. كان الشيوخ حينها يهتمون بخدمة الاجتماعات البيتية أكثر من أيامنا هذه حيث نرى شيوخاً يترأسون شعب كنيسة معينة فقط.
ج ) الآيات (٢٢-٢٤): حديث بولس عن مستقبله
٢٢وَٱلْآنَ هَا أَنَا أَذْهَبُ إِلَى أُورُشَلِيمَ مُقَيَّدًا بِٱلرُّوحِ، لَا أَعْلَمُ مَاذَا يُصَادِفُنِي هُنَاكَ. ٢٣غَيْرَ أَنَّ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ يَشْهَدُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ قَائِلًا: إِنَّ وُثُقًا وَشَدَائِدَ تَنْتَظِرُنِي. ٢٤وَلَكِنَّنِي لَسْتُ أَحْتَسِبُ لِشَيْءٍ، وَلَا نَفْسِي ثَمِينَةٌ عِنْدِي، حَتَّى أُتَمِّمَ بِفَرَحٍ سَعْيِي وَٱلْخِدْمَةَ ٱلَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، لِأَشْهَدَ بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ ٱللهِ.
- أَذْهَبُ إِلَى أُورُشَلِيمَ مُقَيَّدًا بِٱلرُّوحِ، لَا أَعْلَمُ مَاذَا يُصَادِفُنِي هُنَاكَ: لم يعرف بولس ما الذي كان ينتظره هناك ولكنه توقع الأسوأ، ولكن لم يزعجه هذا لأنه تعلم تسليم أموره للرب. أصلي أن يزداد عدد المؤمنين الذين يقولون: “وَلَكِنَّنِي لَسْتُ أَحْتَسِبُ لِشَيْءٍ.”
- لم يضطرب بولس من عدم اليقين. وعلى الرغم من عدم معرفته لما سيصادفه هناك (لَا أَعْلَمُ مَاذَا يُصَادِفُنِي هُنَاكَ) لم يحيد عن دعوته. كان بإمكانه أن يرنم هذه الكلمات من كل قلبه: جَعَلْتُ ٱلرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ، لِأَنَّهُ عَنْ يَمِينِي فَلَا أَتَزَعْزَعُ (مزمور ٨:١٦).
- ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ يَشْهَدُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ قَائِلًا: إِنَّ وُثُقًا وَشَدَائِدَ تَنْتَظِرُنِي: عرف بولس الأخطار التي كانت أمامه وعلى الأغلب تلقى كَلَامَ نُّبُوَّة عنها. ومع ذلك لم يحيد عن الهدف بل كان مستعداً أن يضع حياته من أجل بِشَارَةِ نِعْمَةِ ٱللهِ.
- وَلَا نَفْسِي ثَمِينَةٌ عِنْدِي: فكر بولس بنفسه كمحاسب يحسب النفقات وتوصل في النهاية إلى أن حياته ليست ثمينه عنده مقارنة مع إلهه والخدمة.
- حَتَّى أُتَمِّمَ بِفَرَحٍ سَعْيِي: فكر بولس بنفسه كالعَدَّاء الذي يركض في السباق حتى خط النهاية متمسكاً بفرحه مهما كانت الظروف. تعني الكلمة ’سَعْيِي‘ هنا أن لبولس سباقه الخاص كما أن لنا سباقنا الخاص والله يدعونا جميعاً أن نتممه بفرح.
- كان الموت في بال بولس حتى في هذه المرحلة رغم أن موته كان سيأتي لاحقاً بعد عدة سنوات. اعتبر بولس الخدمة شيئًا فريدًا وقيمًا يستحق التضحية. عَبَرَ سبيرجن (Spurgeon) عن هذا وقال: “الإنجيل الذي يستحق أن أموت من أجله.” على كل خادم أن يضع أمامه هذا التحدي الهام ويسأل نفسه: هل الإنجيل الذي أكرز به يستحق الموت؟
- هل إنجيل الإصلاح الأخلاقي يستحق التضحية؟ كلا
- هل إنجيل الخلاص بالأعمال الصالحة يستحق التضحية؟ كلا
- هل إنجيل العمل الاجتماعي والتنمية يستحق التضحية؟ كلا
- هل إنجيل التقاليد الدينية يستحق التضحية؟ كلا
- هل الإنجيل لمجرد إجراء محادثات روحية يستحق التضحية؟ كلا
- هل إنجيل التصوف الغريب يستحق التضحية؟ كلا
- هل إنجيل الكنيسة المتهورة يستحق التضحية؟ كلا
- هل إنجيل التركيز على الذات يستحق التضحية؟ كلا
- هل إنجيل خلاص وشفاء البيئة يستحق التضحية؟ كلا
- هل إنجيل الكياسة السياسية أو اللياقة الأدبية يستحق التضحية؟ كلا
- هل إنجيل المشاعر يستحق التضحية؟ كلا
- كتب سبيرجن (Spurgeon): ” كان في العالم إنجيل يتألف من حقائق لم يشكّ به المسيحيون. كان في الكنيسة إنجيل تعلق به المؤمنون وكأنه روحهم. وكان في العالم إنجيل يثير الحماسة ويدفع للتضحية. وقد اجتمع عشرات الآلاف من الناس لسماع هذا الإنجيل رغم الخطر على حياتهم. وأعلن آخرون عن إيمانهم برغم أوامر الطُغَاة وعانوا بسببه إذ فقدوا كل شيء ودخلوا السجون وماتوا وهم يرنمون طوال الطريق. ألم يبقى مثل هذا الإنجيل اليوم؟”
د ) الآية (٢٥): يعلن بولس أنه قد لا يرى شيوخ كنيسة أفسس ثانية
٢٥وَٱلْآنَ هَا أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ وَجْهِي أَيْضًا، أَنْتُمْ جَمِيعًا ٱلَّذِينَ مَرَرْتُ بَيْنَكُمْ كَارِزًا بِمَلَكُوتِ ٱللهِ.
- أَنْتُمْ جَمِيعًا ٱلَّذِينَ مَرَرْتُ بَيْنَكُمْ كَارِزًا بِمَلَكُوتِ ٱللهِ: خدم بولس كثيراً في أفسس واستخدمه الله بمعجزات رائعة.
- تخبرنا الآية في أعمال الرسل ١١:١٩ عن خدمة بولس في أفسس: “كَانَ ٱلله يَصْنَعُ عَلَى يَدَيْ بُولُسَ قُوَّاتٍ غَيْرَ ٱلْمُعْتَادَةِ.”
- والآية أعمال الرسل ١٢:١٩ ” كَانَ يُؤْتَى عَنْ جَسَدِهِ بِمَنَادِيلَ أَوْ مَآزِرَ إِلَى ٱلْمَرْضَى فَتَزُولُ عَنْهُمُ ٱلْأَمْرَاضُ وَتَخْرُجُ ٱلْأَرْوَاحُ ٱلشِّرِّيرَةُ مِنْهُمْ.”
- والآية أعمال الرسل ١٥:١٩“فَأَجَابَ ٱلرُّوحُ ٱلشِّرِّيرُ وَقَالَ: «بُولُسُ أَنَا أَعْلَمُهُ…».”
- ومع كل هذا لم يقل بولس لشيوخ أفسس: “أنتم جميعاً تعرفون المعجزات الرائعة التي صنعتها بينكم” أو”أنتم جميعاً تعرفون أن الروح الشرير عرفني.” بل ركز بولس على قوة كلمة الله المُغيرة للحياة حينما قال: “أَنْتُمْ جَمِيعًا ٱلَّذِينَ مَرَرْتُ بَيْنَكُمْ كَارِزًا بِمَلَكُوتِ ٱللهِ.”
- وكأنه يقول: “الكرازة هي خدمتي الأساسية. صحيح أني أفعل أشياء كثيرة ولكني في الجوهر كارزاً بملكوت الله.”
- أَنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ وَجْهِي أَيْضًا: أظهر بولس هنا حزناً شديداً وعاطفة جياشة وشجاعة كبيرة وأخبرهم أمراً لم يقله من قبل: “ربما ستكون هذه آخر مرة ترون فيها وجهي.” لا بد وأن هذا الخبر نزل كالصاعقة على مسامع هؤلاء القادة.
- لا تنسو الرابطة القوية التي جمعت بين بولس وهؤلاء القادة في أفسس. بقي بولس هناك لمدة عامين وكانت الخدمة فعالة جداً كما ورد في >أعمال الرسل ١٠:١٩ “حَتَّى سَمِعَ كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ جَمِيعُ ٱلسَّاكِنِينَ فِي أَسِيَّا، مِنْ يَهُودٍ وَيُونَانِيِّينَ.”
- هذا القدر من الوقت وهذا النوع من الخدمة الفعالة يبني علاقات من الصداقة والزمالة تدوم إلى الأبد.
- كان من الصعب أن يصدقوا ما قاله في البداية واعتقدوا أنه كان يمزح. ولكن سرعان ما فهموا أنه كان جاداً وفهموا لماذا طلب منهم أن يقطعوا كل تلك المسافة سيراً على الأقدام لمقابلته.
- لَا تَرَوْنَ وَجْهِي: كانت محبة بولس الكبيرة واهتمامه بالقادة وبشعب كنيسة أفسس مجرد انعكاس لمحبة يسوع الكبيرة واهتمامه بهم. اقتدى بولس بيسوع بكل الطرق الممكنة وبما أن يسوع أحب هؤلاء المؤمنين كثيراً أحبهم بولس أيضاً.
- إنه لأمر رائع أن نرى كيف عكس هذا الجزء من حياة بولس حياة يسوع.
- سافر بولس إلى أورشليم مع مجموعة من تلاميذه كيسوع
- عارض اليهود المعادين بولس وتآمروا على قتله كيسوع
- أعلن بولس أو تلقى ثلاث نبوات متعاقبة عن معاناته القادمة في أورشليم بما في ذلك تسليمه للأمم كيسوع
- أعلن بولس عن استعداده ليضحِّي بِنَفسِهِ كيسوع
- كان مُصمماً على تتميم خدمته وألا يحيد عنها كيسوع
- أعرب عن تسليمه الكامل لمشيئة الله كيسوع
- هل كنا نتوقع شيئاً مختلفاً؟ هل العبد أعظم من سيده؟ علينا نحن أيضاً أن نتوقع الاشتَرِاك فِي آلامِ يسوع (فيلبي ١٠:٣).
هـ) الآيات (٢٦-٢٧): إعلان بولس الرسمي عن براءته أمام الله
٢٦لِذَلِكَ أُشْهِدُكُمُ ٱلْيَوْمَ هَذَا أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ، ٢٧لِأَنِّي لَمْ أُؤَخِّرْ أَنْ أُخْبِرَكُمْ بِكُلِّ مَشُورَةِ ٱللهِ.
- لِذَلِكَ: هناك الكثير في طيات هذه الكلمة البسيطة. وكأنه يقول: لأني لن آراكم ثانية ولأني أحبكم كثيراً ولأني استثمرت الكثير من قلبي وحياتي بينكم لهذا عليكم أن تعرفوا التالي.
- أُشْهِدُكُمُ ٱلْيَوْمَ هَذَا أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ: أعلن بولس أنه بريء كما لو كان يشهد في المحكمة. وكان بإمكانه الآن أن يترك هؤلاء المسيحيين تحت رعاية الله بضمير صالح عالماً أنه لَمْ يؤَخِّرْ أَنْ يخْبِرَهم بِكُلِّ مَشُورَةِ ٱللهِ.
- علينا أن نُقّدر الضمير الصالح والصافي. ساعدنا يا رب كي تكون ضمائرنا صالحة… على الأقل من هذه النقطة فصاعداً.
- بِكُلِّ مَشُورَةِ ٱللهِ: كان بإمكان بولس أن يتركهم بضميرٍ صافٍ لأنه علمهم بِكُلِّ مَشُورَةِ ٱللهِ.
- تخبرنا الآيات في أعمال الرسل ٩:١٩-١٠ بأن بولس عَلَمَ أهل أفسس وجميع الساكنين في المنطقة أكثر من عامين مستعيناً بغرفة مستأجرة فِي مَدْرَسَةِ إنسانٍ اسمُهُ تِيرَانُّسُ.وتوجد بعض المؤشرات بأنه عَلَمَ عدة ساعات في اليوم ولمدة ستة أيام في الأسبوع وهذا يعني مئات الساعات من التدريس (ربما أكثر من ١٥٠٠ ساعة).
- كان لديه الكثير من الوقت ليفسر لهم آية تلو الأخرى من الكتب المقدسة العبرية. ربما درسوا أيضاً حياة يسوع من بعض الروايات التي كانت قد كتبت في تلك الفترة.
- ينبغي أن يكون هناك المزيد من الأشخاص في أيامنا هذه يقدمون كُلِّ مَشُورَةِ ٱللهِ. حذر بولس في وقت لاحق من الأشخاص الذين لن يحتملوا في الأيام الأخيرة ٱلتَّعْلِيمَ ٱلصَّحِيحَ بل سيبحثون عن المعلمين الذين سيقولون لهم ما يريدون سماعه – يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ (تيموثاوس الثانية ٣:٤).
- يستخدم العديد من الوعاظ اليوم النصوص الكتابية كمنصة للإطلاق ثم ينتقلون للحديث عما يريدونه أو عما يريده الناس. آخرون يقتبسون بعض الآيات الكتابية لتوضيح وجهة نظرهم أو لتوضيح قصصهم. فالدعوة الحقيقية للواعظ هي السماح لكلمة الله أن تتحدث عن نفسها وتعلن عن سلطانها.
- إذا أخذنا شهادة بولس بعين الإعتبار نستطيع القول بأن هؤلاء الوعاظ الذين لا يخبرون بِكُلِّ مَشُورَةِ ٱللهِ هم مذنبون بدم ٱلْجَمِيع. والواعظ الذي يعظ ما يريده المستمعون ولا يقدم كُلِّ مَشُورَةِ ٱللهِ سيؤذي نفسه والآخرين معه.
و ) الآية (٢٨): شجعهم بولس على الاهتمام بأنفسهم والاهتمام بشعب الله
٢٨اِحْتَرِزُوا إِذًا لِأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ ٱلرَّعِيَّةِ ٱلَّتِي أَقَامَكُمُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ ٱللهِ ٱلَّتِي ٱقْتَنَاهَا بِدَمِهِ.
- إِذًا (لِذَلِكَ): نرى أن بولس يستخدم هذه الكلمة للمرة الثانية في هذا القسم. وجه الأولى إليه شخصياً (أُشْهِدُكُمُ ٱلْيَوْمَ هَذَا أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ) وها هو يوجه الثانية لقادة كنيسة أفسس.
- اِحْتَرِزُوا إِذًا لِأَنْفُسِكُمْ: “أفحصوا ذواتكم فمستوى الحياة التي ينبغي أن نحياها عالي جداً. فالمعيار ليس الكمال ولكنه معيار عالٍ. لن تصلوا إلى حد الكمال بالطبع ولكنكم لن تحققوا ذلك المستوى العالي إن لم تحْتَرِزُوا لِأَنْفُسِكُمْ.”
- لا بد وأن كلمات بولس كانت مؤثرة جداً عالمين حجم التوتر الذي كان في هذا الاجتماع بسبب كلامه السابق. كانت هذه الكلمات مهمة للغاية.
- يعرف القائد التقي أن القيادة الفعالة تتدفق من الحياة وليس من المعرفة فقط.
- اِحْتَرِزُوا لِجَمِيعِ ٱلرَّعِيَّةِ: “انتبهوا لشعب الله واحبوهم واهتموا بهم وارعوهم وافعلوا ذلك لأن ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ أَقَامَكُمُ فِيهَا أَسَاقِفَةً (نُظَّاراً/مُشْرِفِينَ).
- لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ ٱللهِ: تحمل كلمة ٱلرَّعِيَّةِ فكرة قطيع الخراف وتحمل الجملة لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ ٱللهِ نفس الفكرة. يطلب منهم بولس أن يرْعَوْا كَنِيسَةَ ٱللهِ أي أن يقدموا الرعاية لشعب الكنيسة كخدام أمناء.
- دور الراعي الأول هو إطعام شعب الله. كتب ستوت (Stott): “عليهم أن يرعوا (بويمانينو poimanino) كنيسة الله وهذا يعني بشكل عام الاهتمام بالقطيع وقيادته بشكل خاص نحو المراعي للأكل، فهذه من أولى واجبات الرعاة.”
- الرعاة لا يوفرون الطعام فحسب ولكنهم يقودون الشعب أيضاً. يقود الرعاة الرعية بتوجيه من رَئِيسُ ٱلرُّعَاة وضمن مجتمع الكنيسة حيثما يريدهم الله.
- ٱلَّتِي ٱقْتَنَاهَا بِدَمِهِ: أحد الأسباب الرئيسية لماذا عليهم أن يحْتَرِزُوا لِأَنْفُسهم وَلِجَمِيعِ ٱلرَّعِيَّةِ هو أن الكنيسة لا تنتمي لهم بل ليسوع الذي ٱقْتَنَاهَا بِدَمِهِ.
- إن تحمل الشخص المسؤولية فإنه سيهتم بما لغيره أكثر من نفسه وإن تذكر أن الكنيسة هي مُلك ليسوع ستكون النتيجة توازن رائع:
- على الخراف أن يتذكروا أن الله عَيَّنَ الرعاة لإطعامهم وقيادتهم.
- على الرعاة أن يتذكروا أن الرعية هم مُلك لله وليس لهم.
- التأمل بالثمن الغالي ’دَمِ يسوع‘ عليه أن يدفع خدام الكنائس إلى مزيدٍ من التكريس والتقوى.
- إن تحمل الشخص المسؤولية فإنه سيهتم بما لغيره أكثر من نفسه وإن تذكر أن الكنيسة هي مُلك ليسوع ستكون النتيجة توازن رائع:
ز ) الآية (٢٩): احرُسُوا الرَّعِيَّةِ من الخطر الخارجي
٢٩لِأَنِّي أَعْلَمُ هَذَا: أَنَّهُ بَعْدَ ذَهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لَا تُشْفِقُ عَلَى ٱلرَّعِيَّةِ.
- لِأَنِّي أَعْلَمُ هَذَا: ينبه بولس هؤلاء القادة ويحذرهم قائلاً: سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لأنه يعلم أن مهمة الراعي أو القائد نحو شعب الله ليست مجرد توفير الطعام والقيادة فحسب بل الحماية أيضاً.
- لا يخبرنا بولس كيف عرف هذا ولكنه قال ببساطة: لِأَنِّي أَعْلَمُ هَذَا.
- لَا تُشْفِقُ عَلَى ٱلرَّعِيَّةِ: ستكون هذه الذئاب قاسية وعنيفة ولن تتوانى عن مهاجمة أكبر عدد ممكن من شعب الله.
ح) الآية (٣٠): احرُسُوا الرَّعِيَّةِ من الخطر الداخلي
٣٠وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا ٱلتَّلَامِيذَ وَرَاءَهُمْ.
- وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ: غالباً ما يكون من الأسهل على الرعاة التعامل مع الذئاب التي تأتي من الخارج كالتعاليم الكاذبة والعقائد الغريبة من التعامل مع الرجال الذين سَيَظهَرُون وسطهم (وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ).
- تخيلوا كيف استقبل هؤلاء الرجال كلام بولس. كان كلامه لا يصدق، وكما فعل تلاميذ يسوع في السابق كانوا يتسائلون: “أهُوَ أنا ياَ رَبُّ؟”
- يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ: كانت طريقتهم تحريف الحق.
- لِيَجْتَذِبُوا ٱلتَّلَامِيذَ وَرَاءَهُمْ: كان دافعهم جذب تلاميذ وراءهم. يمكن للأنا أن تجعل الناس يقومون بأشياء لم يفكروا بها من قبل.
ط) الآية (٣١): شجعهم على السهر
٣١لِذَلِكَ ٱسْهَرُوا، مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي ثَلَاثَ سِنِينَ لَيْلًا وَنَهَارًا، لَمْ أَفْتُرْ عَنْ أَنْ أُنْذِرَ بِدُمُوعٍ كُلَّ وَاحِدٍ.
- لِذَلِكَ ٱسْهَرُوا: هذا هو الاستخدام الثالث للكلمة لِذَلِكَ في هذا القسم القصير.
- قدم أول لِذَلِكَ عن نفسه (ضميره الصالح، أعمال الرسل ٢٦:٢٠).
- قدم ثاني لِذَلِكَ (إِذًا) عنهم وماذا عليهم أن يفعلوا (إحذروا، أعمال الرسل ٢٨:٢٠).
- قدم ثالث لِذَلِكَ بعد أن شرح أهمية الحذر.
- مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي ثَلَاثَ سِنِينَ لَيْلًا وَنَهَارًا، لَمْ أَفْتُرْ عَنْ أَنْ أُنْذِرَ بِدُمُوعٍ كُلَّ وَاحِدٍ: طلب بولس منهم أن يعتنوا بشعب الله كما فعل هو.
- كانت عناية طويلة الأمد (ثَلَاثَ سِنِينَ)
- كانت عناية مستمرة (لَمْ أَفْتُرْ)
- كانت عناية يقظة (أَنْ أُنْذِرَ)
- كانت عناية شاملة (كُلَّ وَاحِدٍ)
- كانت عناية قلبية (بِدُمُوعٍ)
ي) الآيات (٣٢-٣٣): استنتاج بولس: تذكروا القلب المضحي
٣٢وَٱلْآنَ أَسْتَوْدِعُكُمْ يَا إِخْوَتِي لِلهِ وَلِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ، ٱلْقَادِرَةِ أَنْ تَبْنِيَكُمْ وَتُعْطِيَكُمْ مِيرَاثًا مَعَ جَمِيعِ ٱلْمُقَدَّسِينَ. ٣٣فِضَّةَ أَوْ ذَهَبَ أَوْ لِبَاسَ أَحَدٍ لَمْ أَشْتَهِ. ٣٤أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حَاجَاتِي وَحَاجَاتِ ٱلَّذِينَ مَعِي خَدَمَتْهَا هَاتَانِ ٱلْيَدَانِ. ٣٥فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ وَتَعْضُدُونَ ٱلضُّعَفَاءَ، مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ: مَغْبُوطٌ هُوَ ٱلْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ ٱلْأَخْذِ».
- وَٱلْآنَ أَسْتَوْدِعُكُمْ يَا إِخْوَتِي لِلهِ وَلِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ: قدم بولس للمؤمنون في أفسس كل ما لديه لمدة ثلاث سنوات وكل ما يستطيع عمله الآن هو أن يستودعهم لِلهِ وَلِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ. عرف بولس أنه سيواجه المتاعب كما سيواجهها المؤمنون في أفسس ولكن الله وَكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ ستعينهم.
- لا تستطيع البرامج أن تفعل ذلك ولا روح هذا الدهر ولا مهارة الدعاية ولا الترفيه بل الله وَكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ ٱلْقَادِرَةِ أَنْ تَبْنِيَكُمْ وَتُعْطِيَكُمْ مِيرَاثًا في السماء.
- فِضَّةَ أَوْ ذَهَبَ أَوْ لِبَاسَ أَحَدٍ لَمْ أَشْتَهِ: ختم بولس كلامه محاولاً التعبير عما في قلبه وعن دوافعه نحو الخدمة. فهو لم يخدم لمنفعته الشخصية ولكن لمجد الله ولبناء شعب الله. تعني الجملة: هَكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ بأن بولس عمل بجهدٍ كبير لمجد الله.
- مَغْبُوطٌ هُوَ ٱلْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ ٱلْأَخْذِ: كلمات بولس الوداعية (المأخوذة من كلام يسوع غير المسجلة في الأناجيل) هي الكلمات المثالية لكل من يريد أن يخدم شعب الله. على القادة أن يهتموا بالعطاء أكثر من الأخذ من رعيتهم.
- لن تكون الخدمة فعالة وأبدية دون قلب مُضحّي وبفرح مُدركاً البركة من وراء ذلك.
- مَغْبُوطٌ هُوَ ٱلْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ ٱلْأَخْذِ هي من أفضل التطويبات على الإطلاق. أخبرنا يسوع في الموعظة على الجبل كيف نحصل على البركة والسعادة ويخبرنا هنا كيف نحصل على بركة وفرح أَكْثَرُ.
- ينبغي ألا نتعثر من فكرة أن هناك أمور كثيرة علمها يسوع لم تسجل في الأناجيل (هذا ما أكده يوحنا في في إنجيله ٢٥:٢١) وعلينا أن نثق أن الله حافظ على كل ما هو ضروري من تعاليم يسوع.
ك) الآيات (٣٦-٣٨): وداع بولس المؤثر لشيوخ كنيسة أفسس
٣٦وَلَمَّا قَالَ هَذَا جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ مَعَ جَمِيعِهِمْ وَصَلَّى. ٣٧وَكَانَ بُكَاءٌ عَظِيمٌ مِنَ ٱلْجَمِيعِ، وَوَقَعُوا عَلَى عُنُقِ بُولُسَ يُقَبِّلُونَهُ ٣٨مُتَوَجِّعِينَ، وَلَا سِيَّمَا مِنَ ٱلْكَلِمَةِ ٱلَّتِي قَالَهَا: إِنَّهُمْ لَنْ يَرَوْا وَجْهَهُ أَيْضًا. ثُمَّ شَيَّعُوهُ إِلَى ٱلسَّفِينَةِ.
- جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ مَعَ جَمِيعِهِمْ وَصَلَّى. وَكَانَ بُكَاءٌ عَظِيمٌ مِنَ ٱلْجَمِيعِ: هذا يذكرنا بأن بولس لم يكن مجرد شخص لاهوتي خالي من المشاعر ولكنه كان راعياً مليئاً بمشاعر المحبة الشديدة نحو رعيته وفاز بمحبة الجميع.
- إِنَّهُمْ لَنْ يَرَوْا وَجْهَهُ أَيْضًا: رَافَقُوهُ إِلَى السَّفِينَةِ مُوَدِّعِينَ بالصلاة والدموع ومؤمنون بأنهم سيلتقون في الأبدية ثانية.
- من الإنصاف أن نتساءل عما حدث مع مؤمنين أفسس بعد هذا التحذير القوي من بولس. نقرأ بعد ٣٠-٤٠ سنة في سفر رؤيا يوحنا الأصحاح الثاني رسالة وجهها يسوع إلى شعب كنيسة أفسس وفيها الكثير من المديح:
- خدمتهم الشاقة في ملكوت الله
- تحملهم وقت الأزمات الصعبة
- تعاملهم مع الأشرار والرسل الكذبة
- عدم الاستسلام وقت المتاعب
- ومع كل هذا قدم يسوع لهم تحذير شديد اللهجة: تركوا محبتهم الأولى (رؤيا يوحنا ٤:٢). لن يبقى يسوع حاضر وسطهم إن لم تتغير الأمور بسرعة.
- ربما تركوا محبتهم الأولى نحو يسوع ونحو بعضهم البعض أثناء محاربتهم بغَيْرة العقيدة الزائفة (وقد قاموا بعمل جيد بهذا الشأن). ويبدو أنه مثل رائع للمبدأ القائل: لا يهتم الشيطان من أي جانب من القارب تسقط طالما أنك في الماء ولست في القارب.
- من الإنصاف أن نتساءل عما حدث مع مؤمنين أفسس بعد هذا التحذير القوي من بولس. نقرأ بعد ٣٠-٤٠ سنة في سفر رؤيا يوحنا الأصحاح الثاني رسالة وجهها يسوع إلى شعب كنيسة أفسس وفيها الكثير من المديح: