أعمال الرسل – الإصحاح ٢١
بولس يصل إلى أورشليم
أولاً. أحداث على الطريق من آسيا الصغرى إلى أورشليم
أ ) الآيات (١-٢): يترك بولس شيوخ كنيسة أفسس ويغادر مِيلِيتُسَ
١وَلَمَّا ٱنْفَصَلْنَا عَنْهُمْ أَقْلَعْنَا وَجِئْنَا مُتَوَجِّهِينَ بِٱلِٱسْتِقَامَةِ إِلَى كُوسَ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلتَّالِي إِلَى رُودُسَ، وَمِنْ هُنَاكَ إِلَى بَاتَرَا. ٢فَإِذْ وَجَدْنَا سَفِينَةً عَابِرَةً إِلَى فِينِيقِيَةَ صَعِدْنَا إِلَيْهَا وَأَقْلَعْنَا.
- وَلَمَّا ٱنْفَصَلْنَا عَنْهُمْ: علقَّ بروس (Bruce) على كلمة ٱنْفَصَلْنَا عَنْهُمْ وقال: تعني حرفياً “وَبَعْدَمَا انْسَلَخْنَا عَنْهُمْ.” فلم يكن الوداع سهلاً. قدم بولس كل ما عنده لهؤلاء القادة في أفسس وأحبهم كثيراً وفي المقابل أحبوه بشدة.
ب) الآيات (٣-٤): تحذير آخر لبولس في مدينة صُور
٣ثُمَّ ٱطَّلَعْنَا عَلَى قُبْرُسَ، وَتَرَكْنَاهَا يَسْرَةً وَسَافَرْنَا إِلَى سُورِيَّةَ، وَأَقْبَلْنَا إِلَى صُورَ، لِأَنَّ هُنَاكَ كَانَتِ ٱلسَّفِينَةُ تَضَعُ وَسْقَهَا. ٤وَإِذْ وَجَدْنَا ٱلتَّلَامِيذَ مَكَثْنَا هُنَاكَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَكَانُوا يَقُولُونَ لِبُولُسَ بِٱلرُّوحِ أَنْ لَا يَصْعَدَ إِلَى أُورُشَلِيمَ.
- وَأَقْبَلْنَا إِلَى صُورَ… وَإِذْ وَجَدْنَا ٱلتَّلَامِيذَ: ليست لدينا أية معلومات كيف زُرعت الكنيسة في صُور ولكنهم وجدوا فيها تَّلَامِيذَ. وهذا يذكرنا مرة أخرى أن سفر أعمال الرسل لا يقدم سوى مقتطفات عن نشاط الكنيسة الأولى.
- وَكَانُوا يَقُولُونَ لِبُولُسَ بِٱلرُّوحِ أَنْ لَا يَصْعَدَ إِلَى أُورُشَلِيمَ: يبدو أن البعض تنبأ بالخطر الذي كان ينتظر بولس في أورشليم وهو أمر كان يعرفه من قبل (أعمال الرسل ٢٢:٢٠-٢٣).
- يبدو أن التحذير الموجه لبولس بأن لَا يَصْعَدَ إِلَى أُورُشَلِيمَ كان مجرد تفسير بشري لنبوة الروح القدس عن الخطر الذي كان ينتظره وإلا فلماذا قد يخالف بولس توجيه الروح القدس ما لم يكون في حالة عصيان مباشر. هذا في الواقع ما اعتقده بعض المفسرين.
ج) الآيات (٥-٦): مغادرة صُور والتوجه نحو أورشليم
٥وَلَكِنْ لَمَّا ٱسْتَكْمَلْنَا ٱلْأَيَّامَ خَرَجْنَا ذَاهِبِينَ، وَهُمْ جَمِيعًا يُشَيِّعُونَنَا، مَعَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْأَوْلَادِ إِلَى خَارِجِ ٱلْمَدِينَةِ. فَجَثَوْنَا عَلَى رُكَبِنَا عَلَى ٱلشَّاطِئِ وَصَلَّيْنَا. ٦وَلَمَّا وَدَّعْنَا بَعْضُنَا بَعْضًا صَعِدْنَا إِلَى ٱلسَّفِينَةِ. وَأَمَّا هُمْ فَرَجَعُوا إِلَى خَاصَّتِهِمْ.
- لَمَّا ٱسْتَكْمَلْنَا ٱلْأَيَّامَ خَرَجْنَا ذَاهِبِينَ: لم يغير بولس ورفقائه رأيهم بشأن الذهاب إلى أورشليم رغم توسل المؤمنون في صور بل واصلوا رحلتهم لأنهم كانوا مقتنعين أنها مشيئة الله لهم.
- وَهُمْ جَمِيعًا يُشَيِّعُونَنَا… إِلَى خَارِجِ ٱلْمَدِينَةِ: كان تشييع المسافرين إلى خارج المدينة أمر شائع جداً، أما عادة الركوع والصلاة على الشاطئ فكانت عادة تميز فيها المؤمنين فقط (فَجَثَوْنَا عَلَى رُكَبِنَا عَلَى ٱلشَّاطِئِ وَصَلَّيْنَا).
د ) الآية (٧): الوصول إلى بُتُولِمَايِسَ
٧وَلَمَّا أَكْمَلْنَا ٱلسَّفَرَ فِي ٱلْبَحْرِ مِنْ صُورَ، أَقْبَلْنَا إِلَى بُتُولِمَايِسَ، فَسَلَّمْنَا عَلَى ٱلْإِخْوَةِ وَمَكَثْنَا عِنْدَهُمْ يَوْمًا وَاحِدًا.
- أَقْبَلْنَا إِلَى بُتُولِمَايِسَ، فَسَلَّمْنَا عَلَى ٱلْإِخْوَةِ وَمَكَثْنَا عِنْدَهُمْ يَوْمًا وَاحِدًا: كان من الرائع أن يجد بولس ورفقائه مؤمنين في كل مدينة توقفوا عندها تقريباً. وهذا يظهر حجم انتشار الحركة المسيحية في الإمبراطورية الرومانية.
هـ) الآيات (٨-٩): الوصول إلى بَيْت فِيلُبُّس ٱلْمُبَشِّر في قَيْصَرِيَّة
٨ثُمَّ خَرَجْنَا فِي ٱلْغَدِ نَحْنُ رُفَقَاءَ بُولُسَ وَجِئْنَا إِلَى قَيْصَرِيَّةَ، فَدَخَلْنَا بَيْتَ فِيلُبُّسَ ٱلْمُبَشِّرِ، إِذْ كَانَ وَاحِدًا مِنَ ٱلسَّبْعَةِ وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ. ٩وَكَانَ لِهَذَا أَرْبَعُ بَنَاتٍ عَذَارَى كُنَّ يَتَنَبَّأْنَ.
- فِيلُبُّسَ ٱلْمُبَشِّرِ… إِذْ كَانَ وَاحِدًا مِنَ ٱلسَّبْعَةِ: تخبرنا الآية في أعمال الرسل ٤٠:٨ أن فيلبس ارتحل عَبرَ كُلِّ البَلدات مُبَشِّراً بعدما كرز للْخَصِيّ الحَبَشيّ إلى أن وصل إلى مدينة قَيصَرِيَّة وبقي هناك عدة سنوات.
- فِيلُبُّسَ ٱلْمُبَشِّرِ… يا له من لقب رائع. اشتهر فيلبس بالشخص الذي يبشر بالأخبار السارة للناس… الخبر السار عن يسوع وعما فعله لأجلنا.
- وَكَانَ لِهَذَا أَرْبَعُ بَنَاتٍ عَذَارَى كُنَّ يَتَنَبَّأْنَ: من المثير للاهتمام أن البنات الأربعة اللواتي كن يتمتعن بموهبة النبوة لم يقلن شيء عما كان ينتظر بولس في أورشليم. كان بإمكان الروح القدس أن يستخدمهن ولكنه اِختارَ أن يستخدم شخصاً آخر.
- كتب بروس (Bruce): “وفقاً لسجلات قديمة عاشت البنات أو بعضهن على الأقل عمراً مديراً وكن شاهدات محترمات عن الأشخاص والأحداث في السنوات الأولى من اليهودية المسيحية.”
و ) الآيات (١٠-١٤): أَغَابُوسُ يحذر بولس في قَيْصَرِيَّة
١٠وَبَيْنَمَا نَحْنُ مُقِيمُونَ أَيَّامًا كَثِيرَةً، ٱنْحَدَرَ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ نَبِيٌّ ٱسْمُهُ أَغَابُوسُ. ١١فَجَاءَ إِلَيْنَا، وَأَخَذَ مِنْطَقَةَ بُولُسَ، وَرَبَطَ يَدَيْ نَفْسِهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَ: «هَذَا يَقُولُهُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ: ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي لَهُ هَذِهِ ٱلْمِنْطَقَةُ، هَكَذَا سَيَرْبُطُهُ ٱلْيَهُودُ فِي أُورُشَلِيمَ وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى أَيْدِي ٱلْأُمَمِ». ١٢فَلَمَّا سَمِعْنَا هَذَا طَلَبْنَا إِلَيْهِ نَحْنُ وَٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْمَكَانِ أَنْ لَا يَصْعَدَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. ١٣فَأَجَابَ بُولُسُ: «مَاذَا تَفْعَلُونَ؟ تَبْكُونَ وَتَكْسِرُونَ قَلْبِي، لِأَنِّي مُسْتَعِدٌّ لَيْسَ أَنْ أُرْبَطَ فَقَطْ، بَلْ أَنْ أَمُوتَ أَيْضًا فِي أُورُشَلِيمَ لِأَجْلِ ٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ». ١٤وَلَمَّا لَمْ يُقْنَعْ سَكَتْنَا قَائِلِينَ: «لِتَكُنْ مَشِيئَةُ ٱلرَّبِّ».
- ٱنْحَدَرَ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ نَبِيٌّ ٱسْمُهُ أَغَابُوسُ: قدم أغابوس مشهداً تمثيلياً ليوصل لبولس رسالة عن الخطر الذي كان ينتظره في أورشليم تماماً كما كان يفعل أنبياء العهد القديم.
- ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي لَهُ هَذِهِ ٱلْمِنْطَقَةُ، هَكَذَا سَيَرْبُطُهُ ٱلْيَهُودُ فِي أُورُشَلِيمَ وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى أَيْدِي ٱلْأُمَمِ: كانت نبوة أغابوس حقيقية ومن الروح القدس دون شك ولكنهم أضافوا إليها طلبة بشرية (طَلَبْنَا إِلَيْهِ نَحْنُ وَٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْمَكَانِ أَنْ لَا يَصْعَدَ إِلَى أُورُشَلِيم)، هذه الكلمات ليست من الله وإلا لكان ذهاب بولس إلى أورشليم عصياناً مباشراً لها.
- تبين الآية في أعمال الرسل ١٢:٢١ أن لوقا ورفقاء بولس في السفر حاولوا إقناعه بعدم الذهاب إلى أورشليم (طَلَبْنَا إِلَيْهِ نَحْنُ وَٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْمَكَانِ).
- تلقى بولس العديد من النبوات حول هذا الموضوع بالذات. ومن الطبيعي أن يدعم الله مثل هذا النوع من النبوات ببراهين عدة وهذا ما حصل بالفعل في مَكِدُونِيَّةَ (أعمال الرسل ٢٢:٢٠-٢٣) وفي صُور (أعمال الرسل ٤:٢١) ويحصل الآن في قَيْصَرِيَّة.
- لِأَنِّي مُسْتَعِدٌّ لَيْسَ أَنْ أُرْبَطَ فَقَطْ، بَلْ أَنْ أَمُوتَ أَيْضًا فِي أُورُشَلِيمَ لِأَجْلِ ٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ: لم يكن إصرار بولس على الذهاب إلى أورشليم رغم الخطر الذي تنبأ عنه الروح القدس نتيجة عصيانه لوصية الروح القدس وإنما طاعة لها. ذهب بولس إلى أورشليم مَدفُوعاً مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ (أعمال الرسل ٢١:١٩ و٢٢:٢٠).
- لم تكن تحذيرات الروح القدس لمنع بولس بل لإعداده.
- كتب هيوز (Hughes) مقتبساً عن أوزوالد شامبرز (Oswald Chambers): “اختيار المرء الألم يظهر أن هناك خللٌ ما، أما اختياره طاعة مشيئة الله حتى لو صاحبها الألم فهذا أمر مختلف تماماً. لا يختار المؤمنين الأصحاء الألم ولكنهم يختارون مشيئة الله سواء صاحبها الألم أم لا؛ كما فعل يسوع تماماً.”
- فَكْر في المُخلص الذي كان بولس مستعداً أن يموت لأجله وفَكْر بالرسالة التي أَنْتَجَت هذا الاستعداد.
- «لِتَكُنْ مَشِيئَةُ ٱلرَّبِّ»: أدرك رفقاء بولس – من ضمنهم لوقا – أن مشيئة الله ستتم حتماً. وثقوا أن قرار بولس كان صائباً على الأغلب ولكن حتى لو كان خطأ فسوف يحوله الله للخير ويستخدمه.
- نكرر ونقول أن القصد من تحذيرات الروح القدس عن الخطر القادم كان لإعداد بولس. أما حثه على عدم الذهاب فلم يكن من الله رغم أنه مفهوم ومنطقي. وهذا ما توصلوا إليه عندما أدركوا أن إصرار بولس للذهاب إلى أورشليم رغم الخطر كان حسب مَشِيئَةُ ٱلرَّبِّ.
- من السهل أن نعتقد أن تفسيرنا أو تطبيقنا الخاص لما نعتقد أنه من الله هو أيضاً كَلاَمٌ مُنْزل. ونُسرع في الحكم على مشيئة الله في حياة الآخرين.
ز ) الآيات (١٥-١٦): مغادرة قَيْصَرِيَّةَ والصعود إلى أُورُشَلِيمَ
١٥وَبَعْدَ تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ تَأَهَّبْنَا وَصَعِدْنَا إِلَى أُورُشَلِيمَ. ١٦وَجَاءَ أَيْضًا مَعَنَا مِنْ قَيْصَرِيَّةَ أُنَاسٌ مِنَ ٱلتَّلَامِيذِ ذَاهِبِينَ بِنَا إِلَى مَنَاسُونَ، وَهُوَ رَجُلٌ قُبْرُسِيٌّ، تِلْمِيذٌ قَدِيمٌ، لِنَنْزِلَ عِنْدَهُ.
- تَأَهَّبْنَا وَصَعِدْنَا إِلَى أُورُشَلِيمَ: اِنطَلَقَ بولس ورفقائه أخيراً نحو أورشليم. محبته الشديدة نحو أَنْسِبَائِه اليهود حَسَبَ ٱلْجَسَدِ (رومية ١:٩-٣) جعلت كل رحلاته إلى أورشليم غاية في الأهمية.
- مَنَاسُونَ، وَهُوَ رَجُلٌ قُبْرُسِيٌّ، تِلْمِيذٌ قَدِيمٌ: من المنطقي عموماً القول أن بولس وصل إلى أورشليم في العام ٥٧م بناءً على تاريخ خدمته في كورنثوس التي كانت في العام ٥١م تقريباً (بروس Bruce) وبناءً لاعتبارات أخرى. كان يطلق على المؤمنين، رغم مرور ٢٥ سنة من بدء سفر أعمال الرسل، اسم تِلْمِيذٌ قَدِيمٌ أي التلميذ الذي كان مُصاحباً لأتباع يسوع منذ السنوات الأولى.
ثانياً. وصول بولس إلى أورشليم
أ ) الآيات (١٧-٢٠أ): تقرير بولس عن عمل الله الرائع بين الأمم
١٧وَلَمَّا وَصَلْنَا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبِلَنَا ٱلْإِخْوَةُ بِفَرَحٍ. ١٨وَفِي ٱلْغَدِ دَخَلَ بُولُسُ مَعَنَا إِلَى يَعْقُوبَ، وَحَضَرَ جَمِيعُ ٱلْمَشَايِخِ. ١٩فَبَعْدَ مَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ طَفِقَ يُحَدِّثُهُمْ شَيْئًا فَشَيْئًا بِكُلِّ مَا فَعَلَهُ ٱللهُ بَيْنَ ٱلْأُمَمِ بِوَاسِطَةِ خِدْمَتِهِ. ٢٠فَلَمَّا سَمِعُوا كَانُوا يُمَجِّدُونَ ٱلرَّبَّ.
- طَفِقَ يُحَدِّثُهُمْ شَيْئًا فَشَيْئًا بِكُلِّ مَا فَعَلَهُ ٱللهُ بَيْنَ ٱلْأُمَمِ بِوَاسِطَةِ خِدْمَتِهِ: تقابل بولس حينما وصل إلى أورشليم مع قادة الكنيسة هناك (يَعْقُوبَ وجَمِيعُ ٱلْمَشَايِخِ) وقدم تقريراً مفصلاً عن كرازته وعن زرع الكنائس.
- كتب ويليامز (Williams) تعليقاً على الجملة (طَفِقَ يُحَدِّثُهُمْ شَيْئًا فَشَيْئًا) كالتالي: “اعتاد اليونانيين على سرد التفاصيل المملة.” أخبر بولس هؤلاء المؤمنين من أهل الختان عن كل ما فعله الله خلال رحلاته التبشيرية.
- فَلَمَّا سَمِعُوا كَانُوا يُمَجِّدُونَ ٱلرَّبَّ: فرح الشيوخ في أورشليم وامتلئوا بالشكر لما سمعوا عن عمل الله وسط الأمم، وحينما تقابلوا مع البعض منهم الذين كانوا برفقة بولس، استطاعوا أن يميزوا محبتهم وإخلاصهم ليسوع.
ب) الآيات (٢٢ب-٢٠): عرف بولس عن سمعته السيئة بين بعض المؤمنون في أورشليم
وَقَالُوا لَهُ: «أَنْتَ تَرَى أَيُّهَا ٱلْأَخُ كَمْ يُوجَدُ رَبْوَةً مِنَ ٱلْيَهُودِ ٱلَّذِينَ آمَنُوا، وَهُمْ جَمِيعًا غَيُورُونَ لِلنَّامُوسِ. ٢١وَقَدْ أُخْبِرُوا عَنْكَ أَنَّكَ تُعَلِّمُ جَمِيعَ ٱلْيَهُودِ ٱلَّذِينَ بَيْنَ ٱلْأُمَمِ ٱلِٱرْتِدَادَ عَنْ مُوسَى، قَائِلًا: أَنْ لَا يَخْتِنُوا أَوْلَادَهُمْ وَلَا يَسْلُكُوا حَسَبَ ٱلْعَوَائِدِ. ٢٢فَإِذًا مَاذَا يَكُونُ؟ لَا بُدَّ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنْ يَجْتَمِعَ ٱلْجُمْهُورُ، لِأَنَّهُمْ سَيَسْمَعُونَ أَنَّكَ قَدْ جِئْتَ».
- أَنْتَ تَرَى أَيُّهَا ٱلْأَخُ كَمْ يُوجَدُ رَبْوَةً مِنَ ٱلْيَهُودِ ٱلَّذِينَ آمَنُوا، وَهُمْ جَمِيعًا غَيُورُونَ لِلنَّامُوسِ: فرح الشيوخ في أورشليم حينما سمعوا ما فعله الله وسط الأمم. غير أن المجتمع المسيحي في أورشليم كان معظمه من خلفية يهودية وملتزمين بكل عوائد الناموس. كانوا جَمِيعًا غَيُورُونَ لِلنَّامُوسِ.
- وَقَدْ أُخْبِرُوا عَنْكَ أَنَّكَ تُعَلِّمُ جَمِيعَ ٱلْيَهُودِ ٱلَّذِينَ بَيْنَ ٱلْأُمَمِ ٱلِٱرْتِدَادَ عَنْ مُوسَى: سمعت كنيسة أورشليم اشاعات مغرضة عن بولس. سمعوا أنه صار معادياً لليهودية وأنه يُعلم عن خطأ استمرار المؤمنين اليهود في حفظ عوائد الناموس.
- وفقاً للآية في رومية ٤:١٤-٦ يبدو أن بولس لم يكن لديه أية مشكلة بشأن حفظ المؤمنين اليهود لعوائد الناموس. فقد حفظ بولس الناموس بنفسه كما قرأنا في أعمال الرسل ١٨:١٨-٢١ عندما قطع على نفسه نذر التكريس وتممه (على الأغلب كان نَذْرَ ٱلنَّذِيرِ). لم يعترض بولس على حفظ الناموس طالما لا يعتقد المرء أن هذا سيبرره أمام الله.
- فَإِذًا مَاذَا يَكُونُ؟ لَا بُدَّ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنْ يَجْتَمِعَ ٱلْجُمْهُورُ، لِأَنَّهُمْ سَيَسْمَعُونَ أَنَّكَ قَدْ جِئْتَ»: المعنى المقصود من هذه الآية: “هذه مسألة مثيرة للجدل يا بولس ولا بد على كل حال أن يسمع الناس عنه. فدعنا نفعل شيء حياله.”
ج) الآيات (٢٣-٢٥): توصية القادة في كنيسة أورشليم
٢٣«فَٱفْعَلْ هَذَا ٱلَّذِي نَقُولُ لَكَ: عِنْدَنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ عَلَيْهِمْ نَذْرٌ. ٢٤خُذْ هَؤُلَاءِ وَتَطهَّرْ مَعَهُمْ وَأَنْفِقْ عَلَيْهِمْ لِيَحْلِقُوا رُؤُوسَهُمْ، فَيَعْلَمَ ٱلْجَمِيعُ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا أُخْبِرُوا عَنْكَ، بَلْ تَسْلُكُ أَنْتَ أَيْضًا حَافِظًا لِلنَّامُوسِ. ٢٥وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ ٱلَّذِينَ آمَنُوا مِنَ ٱلْأُمَمِ، فَأَرْسَلْنَا نَحْنُ إِلَيْهِمْ وَحَكَمْنَا أَنْ لَا يَحْفَظُوا شَيْئًا مِثْلَ ذَلِكَ، سِوَى أَنْ يُحَافِظُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِمَّا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ، وَمِنَ ٱلدَّمِ، وَٱلْمَخْنُوقِ، وَٱلزِّنَا».
- عِنْدَنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ عَلَيْهِمْ نَذْرٌ. خُذْ هَؤُلَاءِ وَتَطهَّرْ مَعَهُمْ وَأَنْفِقْ عَلَيْهِمْ: نصحوا بولس أن ينضم ويرعى هؤلاء الرجال من أصل يهودي.
- أَرْبَعَةُ رِجَالٍ عَلَيْهِمْ نَذْرٌ: كان هذا النذر شبيهاً لنَذْرَ ٱلنَّذِيرِ الذي قطعه بولس في أعمال الرسل ١٨:١٨-٢١.
- فَيَعْلَمَ ٱلْجَمِيعُ: اعتقد قادة كنيسة أورشليم أن هذا سيقنع الجميع بأن بولس لم يعلم ضد الناموس لهؤلاء المؤمنين الذين يريدون حفظه.
- وافق بولس أن يفعل هذا ليثبت أنه لم يعلم المؤمنون اليهود ٱلِٱرْتِدَادَ عَنْ مُوسَى وأَنْ لَا يَخْتِنُوا أَوْلَادَهُمْ وَلَا أن يَسْلُكُوا حَسَبَ ٱلْعَوَائِدِ وهي الأمور التي اتهمهوه بها البعض في أورشليم.
- وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ ٱلَّذِينَ آمَنُوا مِنَ ٱلْأُمَمِ: فهم شيوخ أورشليم أن هذا لا شأن له بٱلَّذِينَ آمَنُوا مِنَ ٱلْأُمَمِ ولا يعني أن عليهم أن يحفظوا أية طقوس يهودية ليتصالحوا مع الله. كان بولس سيرفض حتماً المساومة بشأن هذه النقطة الهامة.
د ) الآية (٢٦): سمع بولس لمشورتهم وانضم لهؤلاء الرجال ودعمهم في ممارسة طقوس التطهير
٢٦حِينَئِذٍ أَخَذَ بُولُسُ ٱلرِّجَالَ فِي ٱلْغَدِ، وَتَطَهَّرَ مَعَهُمْ وَدَخَلَ ٱلْهَيْكَلَ، مُخْبِرًا بِكَمَالِ أَيَّامِ ٱلتَّطْهِيرِ، إِلَى أَنْ يُقَرَّبَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ ٱلْقُرْبَانُ.
- حِينَئِذٍ أَخَذَ بُولُسُ ٱلرِّجَالَ: وافق بولس أن ينضم ويدعم هؤلاء الرجال لأنه لا يوجد أي تلميح بأن هذه الأمور مطلوبة من الأمم بمثابة اختبار للبر.
- كتب كلارك (Clarke): “لقد أظهر لهم أن احتفالاتهم كانت عديمة الجدوى ولكنها ليست مدمرة وأن الخطورة تكمن عندما يعتمدون عليهم للخلاص.”
- يعتقد العديد من المفسرين أن هذه كانت مساومة سيئة للغاية من جهة بولس وأنه كان منافقاً. وضح بولس الدافع الذي جعله يرعى هؤلاء الرجال في كورنثوس الأولى ٢٠:٩ “فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لِأَرْبَحَ ٱلْيَهُودَ. وَلِلَّذِينَ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ لِأَرْبَحَ ٱلَّذِينَ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ.”
- إِلَى أَنْ يُقَرَّبَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ ٱلْقُرْبَانُ: من المهم أن نفهم أن الغرض من هذا القربان – الذبيحة الحيوانية – لم يكن بأي حال من الأحوال للتكفير عن الخطايا أو غفرانها. فهم بولس تماماً أن ذبيحة يسوع على الصليب هي الوحيدة القادرة على غفران الخطايا. ليس كل الذبائح في النظام اليهودي تقدم للتكفير عن الخطايا بل يقدم الكثير منها للتعبير عن الشكر أو للتكريس كما هو الحال في هذا النذر.
هـ) الآيات (٢٧-٣٠): اليهود الذين من آسيا يهيجون ٱلْجَمْع ضد بولس
٢٧وَلَمَّا قَارَبَتِ ٱلْأَيَّامُ ٱلسَّبْعَةُ أَنْ تَتِمَّ، رَآهُ ٱلْيَهُودُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَسِيَّا فِي ٱلْهَيْكَلِ، فَأَهَاجُوا كُلَّ ٱلْجَمْعِ وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ ٱلْأَيَادِيَ ٢٨صَارِخِينَ: «يَا أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِسْرَائِيلِيُّونَ، أَعِينُوا! هَذَا هُوَ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي يُعَلِّمُ ٱلْجَمِيعَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ضِدًّا لِلشَّعْبِ وَٱلنَّامُوسِ وَهَذَا ٱلْمَوْضِعِ، حَتَّى أَدْخَلَ يُونَانِيِّينَ أَيْضًا إِلَى ٱلْهَيْكَلِ وَدَنَّسَ هَذَا ٱلْمَوْضِعَ ٱلْمُقَدَّسَ». ٢٩لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ رَأَوْا مَعَهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ تُرُوفِيمُسَ ٱلْأَفَسُسِيَّ، فَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ بُولُسَ أَدْخَلَهُ إِلَى ٱلْهَيْكَلِ. ٣٠فَهَاجَتِ ٱلْمَدِينَةُ كُلُّهَا، وَتَرَاكَضَ ٱلشَّعْبُ وَأَمْسَكُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ ٱلْهَيْكَلِ. وَلِلْوَقْتِ أُغْلِقَتِ ٱلْأَبْوَابُ.
- رَآهُ ٱلْيَهُودُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَسِيَّا فِي ٱلْهَيْكَلِ، فَأَهَاجُوا كُلَّ ٱلْجَمْعِ: زعموا أن بولس كان ضِدًّا لِلشَّعْبِ (اليهودي) وَٱلنَّامُوسِ وَهَذَا ٱلْمَوْضِعِ (الهيكل) ولكن هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة. رفض بولس ببساطة الاِعْتِمَاد على هذه الأمور كأساس للبر أمام الله الذي يأتي فقط من خلال يسوع المسيح.
- كانت التُهم الموجهة ضد بولس في أعمال الرسل ٢٨:٢١ بمثابة الصدى للتهم التي أدت لإعدام استفانوس (أعمال الرسل ١٣:٦). ترأس بولس هذا الإعدام وهو الآن مُتَّهَم بطريقة مشابهة.
- فَهَاجَتِ ٱلْمَدِينَةُ كُلُّهَا، وَتَرَاكَضَ ٱلشَّعْبُ: كان عدد الجمهور هائلاً بسبب الأعياد (أعمال الرسل ١٦:٢٠). هاج الشعب لأنهم صدقوا أن بولس لم يعلم ضد الشعب والناموس والهيكل فحسب بل لأنه دنس الهيكل بإحضاره أمميين إلى الدار الداخلية وقالوا: حَتَّى أَدْخَلَ يُونَانِيِّينَ أَيْضًا إِلَى ٱلْهَيْكَلِ وَدَنَّسَ هَذَا ٱلْمَوْضِعَ ٱلْمُقَدَّسَ.
- تُرُوفِيمُسَ ٱلْأَفَسُسِيَّ، فَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ بُولُسَ أَدْخَلَهُ إِلَى ٱلْهَيْكَلِ: كان ممنوعاً على الأمم أن يتجاوزوا “الدار الخارجية” المخصصة لهم في الهيكل وقد وضعت لافتات في اليونانية واللاتينية تقول: “لا يجوز لأي أجنبي عبور الحاجز المحيط بالهيكل وملحقاته. أي إنسان يُقبض عليه داخل الحاجز يتحمل المسؤولية الشخصية عن موته.” كان الرومان حساسين جداً تجاه هذا الأمر حتّى أنهم فوَّضوا اليهود بأن يقتلوا أي إنسان يتعدى حتى لو كان مواطناً رومانياً.
و ) الآيات (٣١-٣٦): الجنود الرومان ينقذون بولس
٣١وَبَيْنَمَا هُمْ يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، نَمَا خَبَرٌ إِلَى أَمِيرِ ٱلْكَتِيبَةِ أَنَّ أُورُشَلِيمَ كُلَّهَا قَدِ ٱضْطَرَبَتْ. ٣٢فَلِلْوَقْتِ أَخَذَ عَسْكَرًا وَقُوَّادَ مِئَاتٍ وَرَكَضَ إِلَيْهِمْ. فَلَمَّا رأَوْا ٱلْأَمِيرَ وَٱلْعَسْكَرَ كَفُّوا عَنْ ضَرْبِ بُولُسَ.٣٣حِينَئِذٍ ٱقْتَرَبَ ٱلْأَمِيرُ وَأَمْسَكَهُ، وَأَمَرَ أَنْ يُقَيَّدَ بِسِلْسِلَتَيْنِ، وَطَفِقَ يَسْتَخْبِرُ: تُرَى مَنْ يَكُونُ؟ وَمَاذَا فَعَلَ؟ ٣٤وَكَانَ ٱلْبَعْضُ يَصْرُخُونَ بِشَيْءٍ وَٱلْبَعْضُ بِشَيْءٍ آخَرَ فِي ٱلْجَمْعِ. وَلَمَّا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَعْلَمَ ٱلْيَقِينَ لِسَبَبِ ٱلشَّغَبِ، أَمَرَ أَنْ يُذْهَبَ بِهِ إِلَى ٱلْمُعَسْكَرِ. ٣٥وَلَمَّا صَارَ عَلَى ٱلدَّرَجِ ٱتَّفَقَ أَنَّ ٱلْعَسْكَرَ حَمَلَهُ بِسَبَبِ عُنْفِ ٱلْجَمْعِ، ٣٦لِأَنَّ جُمْهُورَ ٱلشَّعْبِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ صَارِخِينَ: «خُذْهُ!».
- وَبَيْنَمَا هُمْ يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ: أمسك الحشد الغاضب ببولس ولم تكن نيتهم إخراجه من ساحة الهيكل فقط بل أن يقتلوه هناك في الدار الخارجية. أشرف بولس على الموت من قبل بسبب الحشود الغاضبة (أعمال الرسل ٥:١٤، ١٩)، وربما قال في نفسه: “ها نحن نعيد الكَرَّة ثانية!”
- نَمَا خَبَرٌ إِلَى أَمِيرِ ٱلْكَتِيبَةِ أَنَّ أُورُشَلِيمَ كُلَّهَا قَدِ ٱضْطَرَبَتْ: كان يقيم في حصن أنتونيا، الذي يقع في الناحية الشمالية الغربية من الهيكل، أكثر من ٥٠٠ جندي روماني. وكان هناك مجموعة من السلالم تربط بين الحصن والدار الخارجية للهيكل.
- فَلَمَّا رأَوْا ٱلْأَمِيرَ وَٱلْعَسْكَرَ كَفُّوا عَنْ ضَرْبِ بُولُسَ: لم ينقذ الرومان بولس لتعاطفهم معه بل كان هدفهم حفظ النظام العام فاعتقلوه لحمايته الشخصية ولإزالة الصخب.
- وَأَمَرَ أَنْ يُقَيَّدَ بِسِلْسِلَتَيْنِ: أي أن بولس كان مقيدًا بجنديين من كل جانب. لا بد وأن بولس تذكر نبوة أغابُوسَ في هذه اللحظة (أعمال الرسل ١١:٢١).
- لِأَنَّ جُمْهُورَ ٱلشَّعْبِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ صَارِخِينَ: «خُذْهُ!»: عندما طالب الجمهور بموت بولس، لا بد وأنه تذكر كيف كان جزءً من حشد شبيه ووافق على استشهاد إستِفانُوس (أعمال الرسل ٥٤:٧–١:٨).
- أو ربما تذكر محاكمة يسوع. كتب بروس (Bruce): “كانت صرخات الحشد «خُذْهُ!» تلاحقه بينما كان يُحمل على الدرج وهي نفس الصرخات التي طالبت بموت يسوع قبل ٢٧ عاماً في مكان ليس ببعيد من هناك.” (لوقا ١٨:٢٣، يوحنا ١٥:١٩).
- عَلَّق بويز (Boice) على الكلمة «خُذْهُ!»: “لم يقصدوا بهذه الكلمة أن يأخذه الجند خارج منطقة الهيكل بل أن يأخذوه من على وجه الأرض أي كانوا يطالبون بموته.”
ز ) الآيات (٣٧-٣٩): بولس يتكلم مع القائد الروماني
٣٧وَإِذْ قَارَبَ بُولُسُ أَنْ يَدْخُلَ ٱلْمُعَسْكَرَ قَالَ لِلْأَمِيرِ: «أَيَجُوزُ لِي أَنْ أَقُولَ لَكَ شَيْئًا؟» فَقَالَ: «أَتَعْرِفُ ٱلْيُونَانِيَّةَ؟ ٣٨أَفَلَسْتَ أَنْتَ ٱلْمِصْرِيَّ ٱلَّذِي صَنَعَ قَبْلَ هَذِهِ ٱلْأَيَّامِ فِتْنَةً، وَأَخْرَجَ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ أَرْبَعَةَ ٱلْآلَافِ ٱلرَّجُلِ مِنَ ٱلْقَتَلَةِ؟». ٣٩فَقَالَ بُولُسُ: «أَنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ طَرْسُوسِيٌّ، مِنْ أَهْلِ مَدِينَةٍ غَيْرِ دَنِيَّةٍ مِنْ كِيلِيكِيَّةَ. وَأَلْتَمِسُ مِنْكَ أَنْ تَأْذَنَ لِي أَنْ أُكَلِّمَ ٱلشَّعْبَ».
- وَإِذْ قَارَبَ بُولُسُ أَنْ يَدْخُلَ ٱلْمُعَسْكَرَ قَالَ لِلْأَمِيرِ: اعتقد القائد الروماني في البداية أن بولس كان إرهابياً وتفاجأ أنه كان رجلاً مثقفاً ويستطيع التحدث باللغة اليونانية (أَتَعْرِفُ ٱلْيُونَانِيَّةَ؟).
- كانت معرفة بولس للغة مفاجئة بالنسبة للأمير لأنها أظهرت أنه كان رجلاً مثقفاً وليس همجياً. تفاجأ الأمير من الجملة نفسها لأن بولس قالها بأسلوب مهذب. كنا نتوقع من بولس أن يصرخ: “ساعدني!” لا أن يقول: “عذراً يا سيدي أَيَجُوزُ لِي أَنْ أَقُولَ لَكَ شَيْئًا؟”
- قاد هذا ٱلْمِصْرِيَّ المذكور هنا (قد ذكره أيضاً المؤرخ اليهودي يوسيفوس) جيشاً مكوناً من أربعة آلاف من المجرمين إلى جبل الزيتون وأعلنوا استلائهم عليه. ولكن الرومان قضوا عليهم بسرعة أما قائدهم المصري فاستطاع الهرب.
- أَنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ طَرْسُوسِيٌّ، مِنْ أَهْلِ مَدِينَةٍ غَيْرِ دَنِيَّةٍ (مَدِينَةٌ مَشْهُورَةٌ) مِنْ كِيلِيكِيَّةَ: عندما عرَّفَ بولس عن نفسه للقائد الروماني وضع هذا في موضع مختلف تماماً، فهو مواطن طَرْسُوسِيٌّ وليس مشتبه به إرهابي.
- وَأَلْتَمِسُ مِنْكَ أَنْ تَأْذَنَ لِي أَنْ أُكَلِّمَ ٱلشَّعْبَ: كل ما كان يشغل بال بولس في تلك اللحظة هو أن يُسمح له بتقديم البشارة. لم يهتم أن حياته كانت في خطر من الحشد الغاضب أو أنه مشتبه به كمجرم خطير.”
- من المدهش أن بولس تمكن من التفكير والكلام بشكل واضح خاصة وأنه قد تعرض لتوه للضرب. اعتقد بعض النُقاد – من أمثال اللاهوتي الألماني إرنست هينشن – أن هذا دليل على أنها رواية ملفقة ولم يأخذوا بالاعتبار قوة الروح القدس وشغف بولس الشديد.
ح) الآية (٤٠): سُمح لبولس بمخاطبة الحشد الذين طالبوا بقتله
٤٠فَلَمَّا أَذِنَ لَهُ، وَقَفَ بُولُسُ عَلَى ٱلدَّرَجِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى ٱلشَّعْبِ، فَصَارَ سُكُوتٌ عَظِيمٌ. فَنَادَى بِٱللُّغَةِ ٱلْعِبْرَانِيَّةِ قَائِلًا
- فَلَمَّا أَذِنَ لَهُ: قَيَّدَ القائد الروماني بولس بسلسلتين (أعمال الرسل ٣٣:٢١) لأنه كان يظن أن سجينه مسبباً للمشاكل ومع ذلك أَذِنَ لَهُ بالكلام ربما لأنه يأمل أن يؤدي خطابه إلى تسكين الحشد، وهذا ما حدث فعلاً في البداية.
- وَقَفَ بُولُسُ عَلَى ٱلدَّرَجِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى ٱلشَّعْبِ، فَصَارَ سُكُوتٌ عَظِيمٌ. فَنَادَى بِٱللُّغَةِ ٱلْعِبْرَانِيَّةِ: يا لها من لحظة مثيرة! وقف بولس على درجٍ يطُلُ على الفناء الضخم المفتوح في الهيكل وأشارة بيده إلى الشعب فصار سكوت عظيم ثم نَادَى بِٱللُّغَةِ ٱلْعِبْرَانِيَّةِ متحداً بذلك مع جمهوره اليهودي وليس مع حراسه الرومان.
- كانت هذه فرصة العمر بالنسبة لبولس، فقد كان يتوق لخلاص إخوته اليهود (رومية ١:٩، ٥) وربما ظن أنه الوحيد المؤهل لتوصيل الإنجيل لهم بصورة فعالة إن أتيحت له الفرصة.
- نرى في أعمال الرسل الأصحاح ٢٠ و٢١ أوجه التشابه بين يسوع وبولس:
- سافر بولس إلى أورشليم مع مجموعة من تلاميذه مثل يسوع
- عارض اليهود المعادين بولس وتآمروا على قتله مثل يسوع
- تلقى ثلاث نبوات متعاقبة عن معاناته القادمة في أورشليم بما في ذلك تسليمه للأمم مثل يسوع
- حاول أتباع بولس تثبيطه عن الذهاب إلى أورشليم والمصير الذي ينتظره هناك مثل يسوع
- أعلن بولس عن استعداده ليضحِّي بِنَفسِهِ مثل يسوع
- كان بولس مُصمماً على إكمال خدمته وأن لا يحيد عنها مثل يسوع
- أعرب بولس عن تسليمه الكامل لمشيئة الله مثل يسوع
- جاء بولس إلى أورشليم ليقدم رسالة مثل يسوع
- اعتقل بولس بظلم على أساس تهم زائفة مثل يسوع
- اعتقل بولس بمفرده ولم يعتقلوا أي من رفقائه مثل يسوع
- سمع بولس الحشد يصرخ «خُذْهُ» مثل يسوع
- لم يعرف المسؤول الروماني الذي تولى القضية هوية بولس الحقيقية مثل يسوع
- اعتقد المسؤول الروماني أن بولس كان إرهابياً مثل يسوع
- اختبر بولس الآية في فيلبي ١٠:٣ “شَرِكَةَ آلَامِهِ مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ” بطريقة فريدة لم يختبرها معظمنا من قبل.
- دعوة بولس وخدمته جعلته يشبه يسوع بطريقة مدهشة ومع ذلك نحن مدعوون للاقتداء بيسوع. يجب ألا نندهش عندما تكون الأحداث في حياتنا تشبه الأحداث في حياة يسوع. قد نمر في برية التجارب وقد يأتي الناس إلينا باحتياجات لا يسددها سوى الله أو قد نقع تحت رحمة العاصفة أو أن نصلي بلجاجة للرب كما صلى يسوع في جثسيماني وربما تأتي أوقات ينبغي بها أن نضحي بحياتنا لله ونثق أنه سيقيمنا من الأموات. وكحال بولس نحن جميعاً سَبَقَ فَعَرَفَنا سَبَقَ فَعَيَّنَنا لِنكُون مُشَابِهِينَ صُورَةَ ٱبْنِهِ (رومية ٢٩:٨).
- غير أن ذلك تجربة بولس كانت تختلف تماماً عن يسوع من عدة نواحي وهذا ما سنراه في الأصحاح القادم عندما يبدأ بولس في الدفاع عن نفسه، بينما لم يقدم يسوع أي دفاع عن نفسه أمام متهميه.