إنجيل لوقا – الإصحاح ١٩
الدخول الانتصاري
أولاً. يسوع وزكا العشار
أ ) الآيات (١-٤): زكا يتسلق شجرة كي يرى يسوع غير مبالٍ بالسخرية
١ثُمَّ دَخَلَ وَٱجْتَازَ فِي أَرِيحَا. ٢وَإِذَا رَجُلٌ ٱسْمُهُ زَكَّا، وَهُوَ رَئِيسٌ لِلْعَشَّارِينَ وَكَانَ غَنِيًّا، ٣وَطَلَبَ أَنْ يَرَى يَسُوعَ مَنْ هُوَ، وَلَمْ يَقْدِرْ مِنَ ٱلْجَمْعِ، لِأَنَّهُ كَانَ قَصِيرَ ٱلْقَامَةِ. ٤فَرَكَضَ مُتَقَدِّمًا وَصَعِدَ إِلَى جُمَّيْزَةٍ لِكَيْ يَرَاهُ، لِأَنَّهُ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُرَّ مِنْ هُنَاكَ.
- ثُمَّ دَخَلَ وَٱجْتَازَ فِي أَرِيحَا: كانت أريحا من أقدم وأهم المدن في ذلك الوقت. ويبدو أن يسوع اجتاز فيها ليذهب إلى أورشليم، ولكن السبب الحقيقي كان ليتقابل مع رَجُلٌ ٱسْمُهُ زَكَّا.
- كانت أريحا مزدهرة. كتب باركلي (Barclay): “كان في أراضيها غابات النخيل العظمى، وحدائق البلسم التي تشتم أريجها وشذاها على بعد عدة أميال من حولها. وذاع صيت ورد حدائقها واشتهر شهرة عظيمة حتى لقبها الناس بلقب ’مدينة النخل‘ ودعاها يوسيفوس ’منطقة إلهية،‘ و’أرض فلسطين الخصبة.‘ كما راجت تجارتها لعظمة شهرتها فحمل الرومان ثمرها وبلسمها في التجارىة إلى كل بقاع الأرض.”
- زَكَّا، وَهُوَ رَئِيسٌ لِلْعَشَّارِينَ: لم يكن زكا عشاراً عادياً، بل رَئِيس لِلْعَشَّارِينَ – وكان اليهود يكرهون أمثاله كثيراً. ولم يكن هذا بسبب كرههم الطبيعي للضرائب فقط، بل بسبب الممارسة التي كانت تُعرف باسم “ضريبة الأراضي.” حيث كان جامع الضرائب يحقق ربحه من ابتزار الأموال وسلبها من الناس، فكان يجمع من الشعب ما يستطيع جمعه بكل الطرق الممكنة قسراً ليجمع أضعاف الضرائب المقررة عليهم، ولكن بالسر دون علم الرومان. لهذا كان جامع الضرائب يعمل كل جهده لرفع الضرائب لأعلى مستوى ممكن.
- عندما جاءَ عند يوحنا المعمدان بَعضُ جُباةِ الضَّرائِبِ وسألوه: «يا مُعَلِّمُ، ماذا نَفعَلُ نَحنُ لنتوب؟» قالَ لَهُمْ: «لا تَجمَعُوا ضَرائِبَ أكثَرَ مِمّا يَنْبَغيْ» (لوقا ١٣:٣). فإذا كنت جامع ضرائب غني، إذاً فأنت محتال.
- علّقَ موريس (Morris) على رَئِيس لِلْعَشَّارِينَ: “لا نجد هذا اللقب في أي مكان آخر، ولا نعرف أصل الكلمة، ولكن يبدو أنه يشير إلى رئيس للعشارين في دائرة محلية.”
- يعني اسم زَكَّا “النقي.” ولكن كان هذا الرجل بعيداً كل البعد عن النقاء – إلى أن قابل يسوع. كتب تراب (Trapp): “كان ينبغي أن يكون من طائفة الپيوريتان أو التطهريون Puritan (ليتناسب مع اسمه)، ولكنه كان رئيساً للعشارين وخاطئ معروف وذكي وماكر ومبتز، ورغم كل الغِنى الذي كان يملكه، كان بائساً.
- وَطَلَبَ أَنْ يَرَى يَسُوعَ مَنْ هُوَ: أراد زكا أن يرى يسوع وجهاً لوجه؛س فطلبه. ربما سبق وأن سمع أن يسوع يقبل أشخاص مثله؛ واشتاق لرؤية هذا الرجل العظيم بنفسه.
- كَانَ قَصِيرَ ٱلْقَامَةِ: لم يساعد قصر قامته على رؤية يسوع. وربما أثر ذلك على شخصيته أيضاً؛ ويمكننا أن نتخيل كيف كان الناس يسخرون من زكا وينعتونه بالقزم – و كان هو بدوره ينتقم منهم برفع الضرائب عليهم.
- لو كان زكا يملك قلباً صغيراً، لاستسلم ولم يعمل جاهداً ليرى يسوع. كتب موريسون (Morrison): “كان زكا مُصمماً أن يصبح ثرياً، وعلم أن هناك طريقة لتحقيق ذلك. والآن لديه نفس التصميم لرؤية يسوع، ورفض أن يسمح لقصر قامته أن يوقفه من تحقيق ذلك.”
- فَرَكَضَ مُتَقَدِّمًا وَصَعِدَ إِلَى جُمَّيْزَةٍ لِكَيْ يَرَاهُ: لأن زكا كان مصمماً على رؤية يسوع، لم يمنع نفسه من فعل شيء يمكن أن يعتبره الناس أقل من مستواه كرجل ناضج وغني – صعد إلى جُمَّيْزَةٍ.
- صعد على الشجرة مثل الولد الصغير، دون أن يعرف أنه حقق كلمات يسوع: “ما لَمْ تَتَغَيَّرُوا وَتَصِيرُوا كَأطفالٍ، فَلَنْ تَدخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماواتِ” (متى ٣:١٨).
- كتب باركلي (Barclay): “وصف سائح شجرة الجميزة كالتالي: ظلها كثيف مُسر، تطل على مساحة كبير من الأرض، وبسبب جدعها القصيرة وفروعها الممتدة من كل نواحيها كان من السهل على الرجل تسلقها.”
- كتب ماكلارن (Maclaren): “أتمنى لو أكبر عدد منا لا يمانع من استهزاء الآخرين، إن كان ما نفعله سيساعدنا على رؤية يسوع.”
ب) الآيات (٥-٦): يسوع يدعو نفسه إلى بيت زكا
٥فَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى ٱلْمَكَانِ، نَظَرَ إِلَى فَوْقُ فَرَآهُ، وَقَالَ لَهُ: «يَا زَكَّا، أَسْرِعْ وَٱنْزِلْ، لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ ٱلْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ». ٦فَأَسْرَعَ وَنَزَلَ وَقَبِلَهُ فَرِحًا.
- نَظَرَ إِلَى فَوْقُ فَرَآهُ: بسبب المجهود الذي بذله زكا لرؤية يسوع وعدم اهتمامه بإِحراج نفسه أمام الناس، رآه يسوع ولم يعبر عنه. بمعنى آخر، لفت زكا اِنتباه يسوع لأنه كان متميزاً، مما جعله يتواصل معه.
- يَا زَكَّا، أَسْرِعْ: دعا يسوع زَكَّا باسمه. فقد عرف يسوع أهمية الاسم. ربما كانت تلك أول مرة يسمع فيها زكا أحد ينطق اسمه بطريقة لطيفة غير والدته.
- كان مهم بالنسبة لزكا أن يسمع اسمه؛ وكأن يسوع يقول له: “أنا أعرف من تكون، ولدي بعض المتطلبات.”
- عَلِمَ يسوع أهمية الاسم. فقد قال أنه يعرف خرافه ويدعوها بأسماء: لِهَذَا يَفْتَحُ ٱلْبَوَّابُ، وَٱلْخِرَافُ تَسْمَعُ صَوْتَهُ، فَيَدْعُو خِرَافَهُ ٱلْخَاصَّةَ بِأَسْمَاءٍ وَيُخْرِجُهَا (يوحنا ٣:١٠). كما ونقرأ في سفر الرؤية بأن الله وعد أن يعطينا اسْمٌ جَدِيدٌ لاَ يَعْرِفُهُ إِلاَّ الله والشخص نفسه. فعندما نصل إلى السماء، سيكون هناك من يعرفنا بأسمائنا.
- أَسْرِعْ وَٱنْزِلْ: طلب يسوع من زكا أن يُسرع وينزل. فالسرعة ضرورية لأنه ربما تفوته الفرصة؛ وإن لم يتنازل فلن يتقابل مع يسوع أبداً.
- لو لم ينزل زكا من مكانه العالي وبقي على تلك الشجرة، لما أَكَلَ مع يسوع.
- لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ ٱلْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ: لم يكن هدف يسوع أن يعظ زكا فقط ويجعله يغير دينه، بل أراد أن تكون له علاقة معه، مبتدأً بالوقت الذي كان سيصرفه معه على وجبة الطعام.
- عرض يسوع أن يصرف بعض الوقت مع زكا المنبوذ والمكروه. تعرضت الكنيسة الأولى للاحتقار لقبولها المنبوذين (كورنثوس الأولى ٢٦:١-٣١)، ولكن المؤمنون حينها اعتبروه أمراً رئعاً وليس عاراً.
- وَقَبِلَهُ: لن يدخل يسوع بيت وحياة زكا إن لم يَقبَلَهُ. قَبِلَ يسوع أولاً، ثم بدأ في تكوين علاقة معه لاحقاً.
- علّقَ سبيرجن (Spurgeon): “لا يفرض المسيح نفسه على أحد، ولا يبقى رغماً عن إرادته. فهذا التصرف لا ينتج من زائر طبيعي، بل من دخيل غير مرحب به.”
- ربما كان لدى زكا الكثير من الأسئلة؛ ولكنه لم يسأل وهو على الشجرة. نزل أولاً، والتقى بيسوع، ثم سأله كل ما يريد.
- وَقَبِلَهُ فَرِحًا: فرح زكا بقبوله ليسوع. دعا يسوع زكا، وقبله فرِحاً. وَقَبِلَهُ تعود إلى يسوع، وليس إلى عقيدة أو مذهب أو نظرية أو طقس.
- كان يسوع متجهاً نحو أورشليم، وكانت المدينة ستفرح بدخوله، الذي كان يُدعى بالدخول الانتصاري. ولكنه تمتع هنا بدخولٍ مختلف إلى قلب شخص واحد. ويبدو أن نتائج هذا الدخول وهذا الاستقبال ستدوم إلى الأبد.
- يفرح يسوع بقبول الخطاة، وهم يفرحون بخلاصه. ونعلم يقيناً أن فرح يسوع أكبر وأعظم، ففِي العَطاءِ بَرَكَةٌ أكثَرُ مِمّا فِي الأخذِ.
- زكا هو النموذج الأمثل لكيفية قبول يسوع:
- اِقبل يسوع عن طريق طلبه بجهد حقيقي.
- اِقبل يسوع بانكسار وتواضع.
- اِقبل يسوع مهما كنت خاطئ ومكروه.
- اِقبل يسوع لأنه دعاك باسمك.
- اِقبل يسوع دون تأخير.
- اِقبل يسوع بالنزول إليه.
- اِقبل يسوع نفسه.
- اِقبل يسوع في حياتك وبيتك.
- اِقبل يسوع بفرح.
- اِقبل يسوع بالرغم مما يقوله الآخرون.
- اِقبل يسوع بتوبة وبرد المسلوب.
ج ) الآيات (٧-١٠): زكا ينبذ خطيته ويسوع يعلن خلاصه
٧فَلَمَّا رَأَى ٱلْجَمِيعُ ذَلِكَ تَذَمَّرُوا قَائِلِينَ: «إِنَّهُ دَخَلَ لِيَبِيتَ عِنْدَ رَجُلٍ خَاطِئٍ». ٨فَوَقَفَ زَكَّا وَقَالَ لِلرَّبِّ: «هَا أَنَا يَا رَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ». ٩فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ٱلْيَوْمَ حَصَلَ خَلَاصٌ لِهَذَا ٱلْبَيْتِ، إِذْ هُوَ أَيْضًا ٱبْنُ إِبْرَاهِيمَ، ١٠لِأَنَّ ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ».
- إِنَّهُ دَخَلَ لِيَبِيتَ عِنْدَ رَجُلٍ خَاطِئٍ: اعتقد الناس (ليس القادة اليهود فحسب) أن يسوع تمادى عندما تعامل مع شخص سيء كزكا – فاحتجوا.
- علّقَ سبيرجن (Spurgeon): “لم يُعطي يسوع المسيح أي انطباع لزكا، عندما دخل إلى بيته، أنه لا توجد عواقب لحياته السابقة؛ بل على العكس تماماً، فهم زكا على الفور بأنه سيكون هناك عواقب حتماً، ولهذا أعلن: ها أنا سَأُعطِي نِصفَ ما أملكُهُ لِلفُقَراء. وَإنْ كُنْتُ قَدِ ظَلَمْتُ أحَداً، فَإنِّي سَأُعَوِّضُهُ بِأربَعَةِ أضعافٍ.”
- يَا رَبُّ .. أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ: عَرِفَ زكا، عندما قَبِلَ يسوع وصرف معه بعض الوقت، أن عليه أن يتوب ويرد المسلوب. سعى أولاً لرؤية يسوع، ولكن المجيء إلى يسوع جعله يطلب التوبة أيضاً.
- عرض زكا بفرح أن يفعل أكثر مما تطلبه الشريعة. والوعد برد المسلوب لمن ظلمهم كان استثنائياً. كتب موريس (Morris): “بالنظر إلى الطريقة التي جنى بها زكا أمواله، لا بد وأن القائمة كانت طويلة جداً.”
- هل من الممكن أن تتغير حياة شخص بهذا الشكل وبهذه السرعة؟ نعم، وبكل تأكيد. من المؤكد أن طِبَاعِ زكا لم تتغير كلها وعلى الفور، ولكن قلبه تغير وكان هناك ثمر واضح وفوري لهذه الحياة المتغيرة.
- ٱلْيَوْمَ حَصَلَ خَلَاصٌ لِهَذَا ٱلْبَيْتِ: عرف يسوع أن زكا التائب قد نال الخلاص، وتحرر من قيود وسلطة وذنب وعقاب خطاياه. تغيرت الكلمة من خَاطِئٍ إلى خَلَاص، وأعلن يسوع ذلك للجميع.
- طلب يسوع من الشاب الغني أن يترك كل شيء (لوقا ١٨:١٨-٢٣)؛ أما بالنسبة لزكا فكان يكفي أن يرد المسلوب لمن ظلمهم. عرف يسوع زكا باسمه وعرف تماماً ما عليه أن يفعل ليتوب ويتصالح مع الله ومع أخيه الإنسان.
- قال يسوع في لوقا ٢٤:١٨-٢٧ ما أصعَبَ أنْ يَدخُلَ أصحابُ الأموالِ مَلَكُوتَ اللهِ؛ ولكن الله قادر على ذلك. ما حدث مع زكا كان تحقيقاً لذلك الوعد. وأصبح زكا يُعطي بفرح، مما يدل على عمل الله فيه، أما الشاب الغني فمضى حزيناً، متمسكاً بثروته.
- إِذْ هُوَ أَيْضًا ٱبْنُ إِبْرَاهِيمَ: بما أن زكا كان مكروهاً من اليهود، فمن المؤكد أنهم قالوا أنه لم يكن يهودياً حقيقياً. أراد يسوع أن يعرف الجميع أن زكا كان حقاً ٱبْنُ إِبْرَاهِيمَحسب الجسد وبالإيمان – لأنه قَبِلَ يسوع بفرح.
- ربما أدان الكهنة في أريحا (مدينة اللاويين) زكا كثيراً خاصة عندما كان يرفض طلبهم لمساعدته الفقراء. ولكن بعد لقاءه بيسوع، أصبح العطاء مصدراً للفرح. فمحبتنا ليسوع تحفزنا على عمل أمورٍ عظيمة أكثر من التزمت والتدين والشعور بالذنب والتلاعب بالآخرين.
- لِأَنَّ ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ: شرح يسوع سبب تواجده مع الخطاة مثل زكا. فقد جاء تحديداً ليخلص الهالكين أمثال زكا.
- آمن زكا بيسوع من كل قلبه. فابن إبراهيم الحقيقي لم يأتي من نسل إبراهيم حسب الجسد فحسب، ولكنه كان يملك نفس إيمان إبراهيم أيضاً.
- يبدو للوهلة الأولى أن زكا كان يبحث عن يسوع، ولكن الحقيقة أن يسوع هو من كان يبحث عنه (جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ)، فقد كان زكا ضالاًف. كان زكا ضالاً في نظر أهله ومجتمعه المتدين وأصدقائه (إن كان له أصدقاء)، ولكنه لم يكن ضالاً في نظر الله. علّقَ بايت (Pate): “بدأت قصته تتكشف، فقد سعى وراء يسوع (لوقا ٣:١٩) ولكن اِتَّضَحَ أن يسوع هو من كان يسعى وراءه (لوقا ١٠:١٩).”
- تخبرنا رواية زكا كل ما نريد معرفته عن قبول يسوع:
- من يَقبَل يسوع: الهالك.
- ماذا يريد يسوع عندما تقبله: العلاقة.
- أين يريدك أن تكون عندما تقبله: أن تنزل إليه.
- متى يريدك أن تقبله: على الفور وبسرعة.
- لماذا يريدك أن تقبله: للشركة معه.
- كيف يريدك أن تقبله: بفرح.
ثانياً. مَثَل الوزنات
أ ) الآية (١١): الهدف من المثل.
١١وَإِذْ كَانُوا يَسْمَعُونَ هَذَا عَادَ فَقَالَ مَثَلًا، لِأَنَّهُ كَانَ قَرِيبًا مِنْ أُورُشَلِيمَ، وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ مَلَكُوتَ ٱللهِ عَتِيدٌ أَنْ يَظْهَرَ فِي ٱلْحَالِ.
- كَانَ قَرِيبًا مِنْ أُورُشَلِيمَ: لم تكن أريحا على مسافة بعيدة من أورشليم، وعند اقتراب يسوع من المدينة، توقع التلاميذ والآخرين أن يُظهر يسوع نفسه كالمسيا وكالمخلص السياسي لإسرائيل (وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ مَلَكُوتَ ٱللهِ عَتِيدٌ أَنْ يَظْهَرَ فِي ٱلْحَالِ).
- كان عيد الفصح قريباً. وقدَّر يوسيفوس المؤرخ اليهودي أن عدد المحتفلين الذين كانوا يأتون إلى أورشليم في هذا الموسم حوالي ٢ مليون شخص. وكانت هناك دائماً توقعات مسيانية كبيرة تعزز فكرة: “أَنَّ مَلَكُوتَ ٱللهِ عَتِيدٌ أَنْ يَظْهَرَ فِي ٱلْحَالِ.”
- كتب جورج ماكدونالد شِعر جميل حول توقعاتهم المشوشة:
- كانوا يبحثون عن ملك … يدمر عدوهم ويرفعهم عالياً
- لكنه جاء كطفل وديع … سَبَبَّ في بكاء إمرأة
- وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ مَلَكُوتَ ٱللهِ عَتِيدٌ أَنْ يَظْهَرَ فِي ٱلْحَالِ: قال يسوع هذا المثل لعدة أسباب: لتذكير التلاميذ بأمر رحيله عنهم، وليؤكد لهم أنه سيأتي ثانية قبل أن يُعلن عن قيام مَلَكوتَ اللهِ في مجده الكامل، وليعطيهم إرشاداته حول كيفية التصرف في غيابه.
- “كان هذا المثل إشارة إلى ذهابه إلى بلد بعيد ليُتَوَّجَ مَلِكاً. وبذلك عَلَمَ مجازاً أنه يجب أن تكون هناك مغادرة أولاً، ثم غياب لفترة من الوقت، قبل أن يأتي الملكوت بمجده الكامل.” موريسون (Morrison)
- هذا المثل غنيٌ بالتاريخ. كتب جيلدنهويس (Geldenhuys): “ربما استمد المُخلص تفاصيل هذا المثل من حادثة تاريخية هامة في زمن أرخيلاوس، ابن هيرودس، الذي ذهب بعد وفاة والده إلى روما ليطالب بحقه في السيادة على جزء من مملكة والده وفقاً لوصيته قبل أن يموت. كان حصوله على تصديق من الإمبراطور الروماني ضروري جداً، لأن إمبراطورية هيرودس كانت في الواقع جزءاً من الإمبراطورية الرومانية. ولكن أرسل اليهود وفداً وراءه للاعتراض. بالرغم من ذلك، ثبته الإمبراطور كحاكم على أكثر من نصف مملكة والده (دون لقب ملك ودون سلطة كلية).
ب) الآيات (١٢-١٣): السيد يوزع أمناءٍ (أي وحدة من المال)
١٢فَقَالَ: «إِنْسَانٌ شَرِيفُ ٱلْجِنْسِ ذَهَبَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ لِيَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مُلْكًا وَيَرْجِعَ. ١٣فَدَعَا عَشَرَةَ عَبِيدٍ (خدام/وكلاء) لَهُ وَأَعْطَاهُمْ عَشَرَةَ أَمْنَاءٍ (قِطعَةً ذَهَبِيَّةً، «مَنا» باليونانية)، وَقَالَ لَهُمْ: تَاجِرُوا حَتَّى آتِيَ.
- إِنْسَانٌ شَرِيفُ ٱلْجِنْسِ (إِنْسَانٌ نَبِيلٌ/أمير) ذَهَبَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ لِيَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مُلْكًا وَيَرْجِعَ: يختلف هذا المثل عن مثل الوزنات في متى ٢٥. نرى هنا، عشرة خدام أعطي لهم مبلغ متساوٍ من المال، ما يعادل أجرَ العامل في ثلاثة أشهر.
- وزع الله العطايا بأشكال مختلفة حسب مسرته؛ ولكنه أعطى البعض منها بالتساوي لكل مؤمن – مثل الإنجيل.
- وَأَعْطَاهُمْ عَشَرَةَ أَمْنَاءٍ (قِطعَةً ذَهَبِيَّةً): لا يعني هذا أن كل خادم أخذ ١٠ قطع ذهبية، ولكنها وزعت عليهم، فأخذ كل منهم قطعة واحدة فقط.
- تَاجِرُوا حَتَّى آتِيَ: لم يكن السيد معهم، بل سافر إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ لِكَي يُتَوَّجَ مَلِكاً. وكان على العبيد أن يتَاجِرُوا بهذه العطايا التي ائتمنهم عليها السيد.
ج ) الآية (١٤): عصيان أهل المدينة
١٤وَأَمَّا أَهْلُ مَدِينَتِهِ فَكَانُوا يُبْغِضُونَهُ، فَأَرْسَلُوا وَرَاءَهُ سَفَارَةً قَائِلِينَ: لَا نُرِيدُ أَنَّ هَذَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا.
- وَأَمَّا أَهْلُ مَدِينَتِهِ فَكَانُوا يُبْغِضُونَهُ: يشير هنا إلى سكان مدينة الإنْسَان النَبِيل (المدينة التي كان يحكمها)، وليس عن الخدام الذين أخذوا القطع الذهبية.
- لَا نُرِيدُ أَنَّ هَذَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا: كان أَهْلَ المدينة يُبْغِضُونَهُ، وكان هذا واضحاً جداً من كلامهم. لا نعرف إن فعل الأمير شيئاً يستحق كل هذا الرفض؛ وربما كان السبب ببساطة لأن قلوبهم كانت مليئة بالكراهية.
د ) الآيات (١٥-١٩): قَدَمَ إثنين منهما حساباً عن الخدمة للسيد
١٥وَلَمَّا رَجَعَ بَعْدَمَا أَخَذَ ٱلْمُلْكَ، أَمَرَ أَنْ يُدْعَى إِلَيْهِ أُولَئِكَ ٱلْعَبِيدُ ٱلَّذِينَ أَعْطَاهُمُ ٱلْفِضَّةَ، لِيَعْرِفَ بِمَا تَاجَرَ كُلُّ وَاحِدٍ. ١٦فَجَاءَ ٱلْأَوَّلُ قَائِلًا: يَا سَيِّدُ، مَنَاكَ رَبِحَ عَشَرَةَ أَمْنَاءٍ. ١٧فَقَالَ لَهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا ٱلْعَبْدُ ٱلصَّالِحُ! لِأَنَّكَ كُنْتَ أَمِينًا فِي ٱلْقَلِيلِ، فَلْيَكُنْ لَكَ سُلْطَانٌ عَلَى عَشْرِ مُدْنٍ. ١٨ثُمَّ جَاءَ ٱلثَّانِي قَائِلًا: يَا سَيِّدُ، مَنَاكَ عَمِلَ خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ. ١٩فَقَالَ لِهَذَا أَيْضًا: وَكُنْ أَنْتَ عَلَى خَمْسِ مُدْنٍ. ٢٠ثُمَّ جَاءَ آخَرُ قَائِلًا: يَا سَيِّدُ، هُوَذَا مَنَاكَ ٱلَّذِي كَانَ عِنْدِي مَوْضُوعًا فِي مِنْدِيلٍ.
- وَلَمَّا رَجَعَ بَعْدَمَا أَخَذَ ٱلْمُلْكَ، أَمَرَ أَنْ يُدْعَى إِلَيْهِ أُولَئِكَ ٱلْعَبِيدُ ٱلَّذِينَ أَعْطَاهُمُ ٱلْفِضَّةَ: وَلَمَّا رَجَعَ الملك، تعامل مع خدامه أولاً. ثم تعامل مع المواطنين المتمردين، فلم يكونوا أولوية حينها. أراد أولاً أن يعرف أمانة الخدام في غيابه.
- فَجَاءَ ٱلْأَوَّلُ قَائِلًا: يَا سَيِّدُ، مَنَاكَ رَبِحَ عَشَرَةَ أَمْنَاءٍ (قطع ذهبية): قدم أول خادم تقريراً جيداً. تاجر بنقود سيده، وربح ١٠ قطع ذهبية إضافية. كانت هذه الزيادة مثيرة للإعجاب بنسبة ١٠٠٠٪.
- سمع هذا الخادم كلمات مديح مُشجعة من سيده: نِعِمَّا أَيُّهَا ٱلْعَبْدُ ٱلصَّالِحُ! لِأَنَّكَ كُنْتَ أَمِينًا فِي ٱلْقَلِيلِ، فَلْيَكُنْ لَكَ سُلْطَانٌ عَلَى عَشْرِ مُدْنٍ. لأنه كان أميناً في التعامل مع موارد سيده، وأُعطيَّ سلطاناً على ١٠ مدن في مملكة سيده.
- فَلْيَكُنْ لَكَ سُلْطَانٌ: مكافأة الخدمة الأمينة ليس الراحة، بل المزيد من الخدمة. وهذا يبهج قلب خادم الرب كثيراً. كتب باركلي (Barclay): “هنا تبدو ماهية المكافأة وهي أنه أوكل للإنسان عملاً أكبر من ذي قبل … ومكافأة الله للأمين الذي أظهر كفاءته هي ثقة أكبر على كل أعماله.”
- يَا سَيِّدُ، مَنَاكَ عَمِلَ خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ: قدم الخادِم الثّانِي تقريراً جيداً آخر. فقد تاجر بقِطعة سيده الذهَبِية وربح خَمسَ قِطَعٍ أُخْرَى – بزيادة قدرها ٥٠٠٪.
- أشار كل منهما أن الفضل يعود لعطية السيد (مَنَاكَ) وليس لمجهودهم وذكائهم الشخصي. علّقَ تراب (Trapp): “ليس تعبي، ولكن وَزْنَتَكَ قد فعلت ذلك.”
- حصل الخادم الثاني على المكافأة أيضاً، رغم أن السيد لم يقول له: “نِعِمَّا أَيُّهَا ٱلْعَبْدُ ٱلصَّالِحُ!” ولكن كان عدد المدن التي أعطيت له تتناسب مع ما ربح بأمانة بموارد سيده.
هـ) الآيات (٢٠-٢٦): قدم الخادم الثالث حساباً عن خدمته لسيده
٢٠ثُمَّ جَاءَ آخَرُ قَائِلًا: يَا سَيِّدُ، هُوَذَا مَنَاكَ ٱلَّذِي كَانَ عِنْدِي مَوْضُوعًا فِي مِنْدِيلٍ، ٢١لِأَنِّي كُنْتُ أَخَافُ مِنْكَ، إِذْ أَنْتَ إِنْسَانٌ صَارِمٌ، تَأْخُذُ مَا لَمْ تَضَعْ، وَتَحْصُدُ مَا لَمْ تَزْرَعْ. ٢٢فَقَالَ لَهُ: مِنْ فَمِكَ أَدِينُكَ أَيُّهَا ٱلْعَبْدُ ٱلشِّرِّيرُ. عَرَفْتَ أَنِّي إِنْسَانٌ صَارِمٌ، آخُذُ مَا لَمْ أَضَعْ، وَأَحْصُدُ مَا لَمْ أَزْرَعْ، ٢٣فَلِمَاذَا لَمْ تَضَعْ مالي عَلَى مَائِدَةِ ٱلصَّيَارِفَةِ، فَكُنْتُ مَتَى جِئْتُ أَسْتَوْفِيهَا مَعَ رِبًا؟ ٢٤ثُمَّ قَالَ لِلْحَاضِرِينَ: خُذُوا مِنْهُ ٱلْمَنَا وَأَعْطُوهُ لِلَّذِي عِنْدَهُ ٱلْعَشَرَةُ ٱلْأَمْنَاءُ. ٢٥فَقَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ، عِنْدَهُ عَشَرَةُ أَمْنَاءٍ! ٢٦لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَٱلَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ.
- يَا سَيِّدُ، هُوَذَا مَنَاكَ ٱلَّذِي كَانَ عِنْدِي مَوْضُوعًا فِي مِنْدِيلٍ: لم يقدم الخادم الثالث تقريراً جيداً. فلم يطع أوامر السيد بالمتاجرة إلى أن يعود. فدفن موارد السيد تحت الأرض لم يكن بالأمر الحكيم أو الجيد.
- برر الخادم الثالث عصيانه بقوله أن السيد كان قوياً بما فيه الكفاية ولا يحتاج لمساعدة خدامه (تَأْخُذُ مَا لَمْ تَضَعْ، وَتَحْصُدُ مَا لَمْ تَزْرَعْ).
- مِنْ فَمِكَ أَدِينُكَ أَيُّهَا ٱلْعَبْدُ ٱلشِّرِّيرُ. عَرَفْتَ أَنِّي إِنْسَانٌ صَارِمٌ: لم يكافئ الرب الخادم الثالث. بل وبخهُ لأن على قوة السيد أن تدفعه ليعمل بجهد أكبر، لا إلى العصيان والتكاسل.
- كان من الأسهل على هذا الخادم أن يستثمر موارد سيده (فَلِمَاذَا لَمْ تَضَعْ مالي عَلَى مَائِدَةِ ٱلصَّيَارِفَةِ؟). ولكنه لم يفعل شيئاً بسبب عدم الطاعة.
- يساعدنا هذا على فهم خطة السيد. فلم يكن هدف السيد أن يجني المزيد من المال بل أن يصقل شخصياتهم. فلم يكن بحاجة إليهم ليجني المال، ولكن أفضل طريقة لبناء الشخصية هي العمل معه.
- خُذُوا مِنْهُ ٱلْمَنَا وَأَعْطُوهُ لِلَّذِي عِنْدَهُ ٱلْعَشَرَةُ ٱلْأَمْنَاءُ: خسر الخادم الثالث كل شيء. صحيح أنه بقيَّ كخادم في بيت سيده، ولكنه خسر الكثير. أثبت أنه غير قادر على إدارة أمور سيده، لهذا لم يعطيه أي شيء.
- شدد يسوع على هذا بقوله: إِنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَٱلَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ. علّقَ بايت (Pate): “تعكس هذه الجملة، التي تبدو متناقضة، الحقيقة الروحية التي ذُكرت في لوقا ١٨:٨ ’سيكافئ الرب الشخص الأمين، أما غير الأمين فسيعاني من خسارة فادحة. فالنور يشع المزيد من النور، ولكن النور الذي يرفض أن يشع أكثر يجلب الظلمة.‘”
- كتب موريس (Morris): “في سيرنا مع المسيح علينا ألا نقف مكتوفي الأيادي. بل أن نستخدم مواهبنا وننميها وإلا ستؤخذ منا.”
- النقطة الرئيسية هنا واضحة جداً؛ فملكوت الله سيتأنى، لهذا علينا السعي لنكون خدام أمناء إلى أن يَجِيء. فقد سافر سيدنا إلى مدينة بعيدة، ويوماً ما سيرجع بمُلكه. وأمرنا بهذه الأثناء، أن نعمل بما أعطانا إلى أن يعود.
- كتب كلارك (Clarke): “من خلال النقود التي أعطيت لكل منهم، نستطيع أن نقول أن إنجيل الملكوت قد أعطيَّ لكل من اعترف بيسوع المسيح كمخلص، ليستثمره بخلاص روحه. نفس الكلمة أعطيت للجميع، لكي يؤمنوا ويخلصوا.”
- سنُكافأ على أمانتنا عندما يعود السيد. ولن تكون المكافأة نفسها للجميع، فهناك مستويات مختلفة للسلطة في الملكوت.
- اِعتقد الخدام غير الأمناء لأن سيدهم كان قوياً جداً، فهو لا يحتاج لمساعدتهم. ولكن القضية لا تتعلق بمساعدتي أنا له؛ بل بحاجتي لمساعدته وحاجتي لأكون جزءاً من خدمته.
و ) الآية (٢٧): دينونة أعداء السيد
أَمَّا أَعْدَائِي، أُولَئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَٱذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي.
- أَمَّا أَعْدَائِي … فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا: كان على كل الخُدام أن يقدموا حساباً عن وكالتهم للسيد، ولم يُتهم أياً منهم بالخيانة على الأقل. أما الآن فقد حان الوقت ليتعامل مع أعدائه، المواطنين المتمردين المذكورين في لوقا ١٤:١٩ الذين كانُوا يُبغِضُونَهُ وقالوا: “لا نُرِيدُ أنْ يَكُونَ هَذا الرَّجُلُ مَلِكاً عَلَينا!”
- أُولَئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ: كان بإمكانهم رفض حكم سيدهم كما يحلو لهم، ولكنهم لن يستفيدوا. فإنه سيحكم عليهم بطريقة أو بأخرى.
- وَٱذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي: لم يكن على الخدام فقط أن يعطوا حساباً عن وكالتهم، بل الأعداء أيضاً. وكان عقابهم دينونة مؤكدة وحاسمة. هذه النهاية الدرامية والقوية تبين أن الخضوع لسيادة يسوع هو قرار مصيري.
ثالثاً. دخول أورشليم
أ ) الآية (٢٨): إِلَى أُورُشَلِيمَ
- وَلَمَّا قَالَ هَذَا: بعد تصحيح أفكار التلاميذ فيما يتعلق بحقيقة الملكوت وإرساليته، ذهب يسوع بثبات نحو أورشليم.
- كتب جيلدنهويس (Geldenhuys): “أخيراً اِقتَرَبَ من أورشليم، مدينة الهيكل التي ستشهد بعد بضعة أيام أعظم دراما على وجه الأرض.”
- تَقَدَّمَ صَاعِدًا إِلَى أُورُشَلِيمَ: تقدم إلى أورشليم رغم عِلمه بما ينتظره، وأنه سيحمل الصليب قبل أن ينال الملكوت. علينا أن نُعجب بآلام يسوع لا نشعر بالشفقة عليه. فقد كان يعرف تماماً الذي سيواجهه.
- توضح الآية في يوحنا ٥٧:١١ أن يسوع كان رجلاً مطلوباً للعدالة، وكانت هناك مكافأة لكُلِّ مَنْ يَعْرِفُ مَكانَه ويُبَلِّغَ عَنْهُ. على الرغم من هذا، دخل مدينة أورشليم علانية وبكل جرأة.
ب) الآيات (٢٩-٣٤): الاستعدادات الدقيقة لدخول أورشليم
٢٩وَإِذْ قَرُبَ مِنْ بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا، عِنْدَ ٱلْجَبَلِ ٱلَّذِي يُدْعَى جَبَلَ ٱلزَّيْتُونِ، أَرْسَلَ ٱثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ ٣٠قَائِلًا: «اِذْهَبَا إِلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي أَمَامَكُمَا، وَحِينَ تَدْخُلَانِهَا تَجِدَانِ جَحْشًا مَرْبُوطًا لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ ٱلنَّاسِ قَطُّ. فَحُلَّاهُ وَأْتِيَا بِهِ. ٣١وَإِنْ سَأَلَكُمَا أَحَدٌ: لِمَاذَا تَحُلَّانِهِ؟ فَقُولَا لَهُ هَكَذَا: إِنَّ ٱلرَّبَّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ». ٣٢فَمَضَى ٱلْمُرْسَلَانِ وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا. ٣٣وَفِيمَا هُمَا يَحُلَّانِ ٱلْجَحْشَ قَالَ لَهُمَا أَصْحَابُهُ: «لِمَاذَا تَحُلَّانِ ٱلْجَحْشَ؟». ٣٤فَقَالَا: «ٱلرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ».
- اِذْهَبَا إِلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي أَمَامَكُمَا، وَحِينَ تَدْخُلَانِهَا تَجِدَانِ جَحْشًا مَرْبُوطًا: في الأسبوع الأخير والحاسم قبل الصلب، أرسل يسوع تلاميذه لترتيب أمور دخوله إلى أورشليم بعناية. زار يسوع أورشليم عدة مرات من قبل؛ ولكن هذه المرة كانت مختلفة تماماً.
- تَجِدَانِ جَحْشًا مَرْبُوطًا لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ أَحَدٌ: دخل يسوع إلى أورشليم على حيوان وضيع جداً. وبدلاً من الدخول على حصان كجنرال منتصر أو كملك، دخلها على جحش. دخل أورشليم كرئيس السلام.
- كتب موريس (Morris): “كان كل من رجل السلام أو التاجر أو الكاهن يمتطي الحمار. وقد يمتطي الملك في مناسبة معينة الحمار أيضاً، ولكنه كان يمتطي حصان الحرب القوي في معظم الأحيان. وقد تنبأ زكريا عن المسيح بأنه “رئيس السلام.”
- وكتب كلارك (Clarke): “اشتهرت هذه الحادثة باسم ’دخول يسوع الانتصاري.‘ فقد كانت بالفعل انتصار للتواضع على الكبرياء وللعظمة على الدنيوية؛ وللفقر على الثراء؛ وللوداعة واللطف على الغضب والخبث.”
- لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ ٱلنَّاسِ قَطُّ: لاحظ ماير (F.B. Meyer) أن هذه الصورة تعكس ما يطلبه الله من أولاده: الولاء الكامل؛ وأن يكون يسوع هو صاحب السلطان الوحيد على حياتنا. وأشار أيضاً إلى أنه قد يطلب منا أن نقوم بخدمة بسيطة جداً لا تُلاحظ حتى من الآخرين؛ وإذا كانت هذه خطته لنا، فعلينا أن نعملها برضى وبقناعة.
- إِنَّ ٱلرَّبَّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ: يبدو أنه كان هناك ترتيب مسبق لاستئجار هذا الحيوان أو اقتراضه لاستخدام يسوع. كان على التلاميذ أن يخبروا أصحابه أن الرب محتاجٌ إليه.
- كتب بايت (Pate): “كان الفقراء هم من يملكون الحمير، أما الأحصنة فكانت للأغنياء، وكانت تُباع للمسافرين أو يتم اقتراضها.”
- كتب سبيرجن (Spurgeon): “يا له من مزيج رائع للكلمات: ’الرب‘ و’محتاجٌ إليها.‘ اِتَّخذَ يسوع طبيعة بشرية مثلنا، ولكنه لم يتخلى عن سيادته؛ ورغم أن ’الرب محتاجٌ إليها‘ إلا أنه لا يزال الرب ويمكنه أن يأمر شعبه ويستخدم ممتلكاتهم.”
- كتب بوله (Poole): ” اِحْتَاجَ يسوع الجحش ليس لأنه كان مُتعباً. فالذي سافر سيراً على الأقدام من الجليل إلى بيت عنيا، يستطيع أن يسير ميلين آخرين. ولكن كان ذلك لكي يتم ما جاء في نبوة زكريا بشأن دخوله إلى أورشليم (زكريا ٩:٩).”
ج ) الآيات (٣٥-٤٠): دَخَلَ المدينة بعرضٍ مبسط من الحمد والتعظيم
٣٥وَأَتَيَا بِهِ إِلَى يَسُوعَ، وَطَرَحَا ثِيَابَهُمَا عَلَى ٱلْجَحْشِ، وَأَرْكَبَا يَسُوعَ. ٣٦وَفِيمَا هُوَ سَائِرٌ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي ٱلطَّرِيقِ. ٣٧وَلَمَّا قَرُبَ عِنْدَ مُنْحَدَرِ جَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ، ٱبْتَدَأَ كُلُّ جُمْهُورِ ٱلتَّلَامِيذِ يَفْرَحُونَ وَيُسَبِّحُونَ ٱللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، لِأَجْلِ جَمِيعِ ٱلْقُوَّاتِ ٱلَّتِي نَظَرُوا، ٣٨قَائِلِينَ: «مُبَارَكٌ ٱلْمَلِكُ ٱلْآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ! سَلَامٌ فِي ٱلسَّمَاءِ وَمَجْدٌ فِي ٱلْأَعَالِي!». ٣٩وَأَمَّا بَعْضُ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ مِنَ ٱلْجَمْعِ فَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، ٱنْتَهِرْ تَلَامِيذَكَ!». ٤٠فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ إِنْ سَكَتَ هَؤُلَاءِ فَٱلْحِجَارَةُ تَصْرُخُ!».
- وَطَرَحَا ثِيَابَهُمَا عَلَى ٱلْجَحْشِ … فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي ٱلطَّرِيقِ … ٱبْتَدَأَ كُلُّ جُمْهُورِ ٱلتَّلَامِيذِ يَفْرَحُونَ وَيُسَبِّحُونَ ٱللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: كرمَّ الحشد يسوع بطريقة غريبة ولكنها رائعة، وشكروا الله لأنه أرسل الملك إلى أورشليم قائلين: مُبَارَكٌ ٱلْمَلِكُ ٱلْآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ!
- اعتاد الناس على فكرة دخول ملكٍ مُنتصر إلى المدينة في ذلك الوقت. وعادة ما كان الملك المنتصر يدخل المدينة وبرفقته مواطنو مملكته وجيشه، وكانت الأغاني تُرفع كتعبير عن الثناء والتأقلم مع الوضع الجديد، و كان يحمل رموز انتصاره وسلطته. وعندما يصل إلى الهيكل الشهير في المدينة، يقدم ذبيحة لتكريم الآلهة وللإعلان عن ارتباطه بالشعب.
- تأخذ الأناجيل هذه التقاليد المعروفة وتقلبها رأساً على عقب. فعندما دخل يسوع أورشليم، رافقه حشد متواضع وغناء بسيط نسبياً. وكانت الرموز الوحيدة لِانتصاره جحش متواضع وبعض من فروع النخيل. وعند دخوله لم يقدم الذبائح ولكنه تحدى الحالة الروحية الراهنة وطهر الهيكل.
- يَا مُعَلِّمُ، ٱنْتَهِرْ تَلَامِيذَكَ! اِنْزَعَجَ أعداء يسوع من التسبيح وابتدأوا يتذمرون. وعرفوا في نفس الوقت أنهم خسروا المعركة. نقرأ في يوحنا ١٩:١٢ “فَقَالَ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انظُرُوا! إنَّ خِطَتَنا لا تُحَقِّقُ شَيْئاً، فَها هُوَ العالَمُ كُلُّهُ يَتْبَعُهُ!”
- أعظم تأكيد على هزيمة الشيطان وأعوانه هو التسبيح الذي نرفعه للرب. فعندما يعبد شعب الرب بحق، وبقلوب وعقول منسكبة بالكامل عليه لا على الخطية أو على النفس أو على أي تشويش من الشيطان، حينها ينهزم الشيطان.
- إِنَّهُ إِنْ سَكَتَ هَؤُلَاءِ فَٱلْحِجَارَةُ تَصْرُخُ!: قال يسوع هذه الكلمات عندما طلب الفريسيون منه أن ينتهر المُسبحين الذين استقبلوه كملك. لم يرفض يسوع في هذا اليوم الحمد والتسبيح العلني من الناس كما كان يفعل سابقاً أثناء خدمته كلما عرف الناس أنه المسيا، بل رحب به بكل سرور.
- َٱلْحِجَارَةُ تَصْرُخُ: قد تبدو فكرة تسبيح الخليقة لله غريبة بعض الشيء، ولكن الكتاب المقدس مليء بها: الأشجار والتلال والمحيطات والأنهار والجبال والوديان والماشية والأشياء الزاحفة والطيور والحقول كلها تسبح الرب (مزمور ٧:١٤٨-١٣، مزمور ١١:٩٦-١٢).
- ولكن الحجارة بقيت صامتة في ذلك اليوم، لأن الحشد سَبَحَّ يسوع: ٱبْتَدَأَ كُلُّ جُمْهُورِ ٱلتَّلَامِيذِ يَفْرَحُونَ. علّقَ سبيرجن (Spurgeon): “لا بد وأن التلاميذ كانوا يعانون من مشاكلهم الخاصة مثلنا. فقد يكون هناك زوجة مريضة في البيت أو طفل يذبل بمرضٍ ما.” ومع ذلك سبحوا.
- بِصَوْتٍ عَظِيمٍ لِأَجْلِ جَمِيعِ ٱلْقُوَّاتِ ٱلَّتِي نَظَرُوا: كان تسبيحهم مليئاً بالذكريات. تذكروا كل الأعمال العظيمة التي عملها يسوع معهم، مثل إقامة لعازر من الأموات (يوحنا ١٧:١٢-١٨). وبصوتٍ عظيم سبحوا ليخبروا عن عظائم القدير في حياتهم.
- نُلام على تسبيحنا أحياناً لأنه يكون بالشفاه فقط، فليس في أذهاننا أي ذكرى لما صنعه الله في حياتنا لنحمده عليها. فعلى من يقول: “حمداً للرب!” أن يجب على السؤال: “على ماذا تحمد الرب؟”
د ) الآيات (٤١-٤٤): يسوع يبكي على أورشليم
٤١وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا ٤٢قَائِلًا: «إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هَذَا، مَا هُوَ لِسَلَامِكِ! وَلَكِنِ ٱلْآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. ٤٣فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، ٤٤وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلَا يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لِأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ ٱفْتِقَادِكِ».
- وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا: كانت لحظة مؤثرة جداً. فلم يبكي يسوع حزناً على مصيره في أورشليم، بل على مصير المدينة نفسها.
- علّقَ موريس (Morris): “يمكن لكلمة بَكَى أن تكون ’نواح‘؛ فقد انفجر يسوع بالبكاء لأنه كان يرثي الفرصة الضائعة.”
- وعلّقَ مورغان (Morgan): “كانت صرخته مليئة بِالإِحْبَاطِ. فقد زار المدينة راغباً في خلاصها من الدمار الوشيك وليمنحها السلام. ولكن عمى القادة والشعب الروحي جعلهم لا يميزون معنى زيارته. وكانت النتيجة حتمية، والدمار قادم لا محالة.”
- إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هَذَا، مَا هُوَ لِسَلَامِكِ! كانت هذه نقطة التحول بالنسبة للشعب اليهودي. فقد رفض القادة يسوع وتبعوهم معظم الناس. وفي النهاية، لَوْ عَلِمْتِ أن يسوع هو المسيا، لنجوتِ من الدمار القادم.
- حَذَفَت بعض النسخ القديمة هذا المقطع، معتقدين أن بكاء يسوع كان مستحيلاً لأنه كان كاملاً. ولكن العكس هو الصحيح، لأن يسوع كان كاملاً، كانت تلك أفضل مناسبة لبكائه، فالشعب اليهودي رفض فرصته الوحيدة للهرب من الدمار القادم.
- أظهر يسوع قلب الله المُحب. فالله لا يفرح بالإعلان عن الدينونة. ورغم أن دينونته عادلة وصالحة دائماً، إلا أنه يحزن حينما يعلنها على أحد.
- إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هَذَا، مَا هُوَ لِسَلَامِكِ! كانت هذه نقطة التحول بالنسبة للشعب اليهودي. فقد رفض القادة يسوع وتبعوهم معظم الناس. وفي النهاية، لَوْ عَلِمْتِ أن يسوع هو المسيا، لنجوتِ من الدمار القادم.
- حَذَفَت بعض النسخ القديمة هذا المقطع، معتقدين أن بكاء يسوع كان مستحيلاً لأنه كان كاملاً. ولكن العكس هو الصحيح، لأن يسوع كان كاملاً، كانت تلك أفضل مناسبة لبكائه، فالشعب اليهودي رفض فرصته الوحيدة للهرب من الدمار القادم.
- أظهر يسوع قلب الله المُحب. فالله لا يفرح بالإعلان عن الدينونة. ورغم أن دينونته عادلة وصالحة دائماً، إلا أنه يحزن حينما يعلنها على أحد.
- إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هَذَا، مَا هُوَ لِسَلَامِكِ! حزن يسوع لعدم معرفتهم موعد مجيء المسيا، اليوم الذي تنبأ عنه دانيال: يَوْمِكِ هَذَا.
- حَتَّى فِي يَوْمِكِ هَذَا: كان اليوم هام جداً لأنه اليوم الذي تنبأ عنه دانيال بدخول ٱلْمَسِيحِ ٱلرَّئِيسِ إلى أورشليم. وكان هذا سيتحقق، حسب نبوة دانيال وحسب التوقيت اليهودي، بعد مرور ٤٨٣ سنة من يوم صدور المرسوم لإعادة بناء أورشليم حتى دخول المسيا لأورشليم. وحسب تقدير السير روبرت أندرسون، تحقق ذلك بالفعل بعد مرور ٤٨٣ سنة بالضبط (كانت السنة حسب التقويم اليهودي٣٦٠ يوماً ونرى ذلك في سفر دانيال ٢٥:٩).
- إنه اليوم المذكور في مزمور ٢٤:١١٨ “هَذَا هُوَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي صَنَعُهُ ٱلرَّبُّ، نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ.”
- مَا هُوَ لِسَلَامِكِ: اسم أورشليم يعني ’مدينة السلام،‘ ولكن مدينة السلام لم تكن تعرف هُوَ لِسَلَامِها. عرف يسوع أن شهوة قلبهم كانت أن يأتي مخلص سياسي بالدمار الشامل لأعدائهم في وقت قريب.
- سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ: توقع يسوع خمسة جوانب محددة من الهجوم الروماني على أورشليم:
- بناء الحَواجِزَ.
- سَيُحاصِرُونَ المدينة وَيَضغَطُونَ عَلَيها مِنْ كُلِّ الجِهاتِ.
- سَيُدَمِّرُونَ المدينة.
- سَيُدَمِّرُونَ أهل المدينة.
- لَنْ يَترُكُوا حَجَراً عَلَى حَجَرٍ.
- وصف المؤرخ يوسيفوس تفاصيل بناء الحواجز حول أورشليم (وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ)؛ وكيف عزل الرومان المدينة بالكامل قبل أن يدمروها (كتاب حرب اليهود).
- كتب يوسيفوس: “زالت كل آمال اليهود في الهروب الآن، وأصبحوا غير قادرين على الخروج من المدينة. ثم جاءت المجاعة واتسعت، والتهمت عائلات بأكملها. واِكْتَظَّت العُلّيَّات بالنساء والرضع الذين ينازعون من المجاعة، وامتلأت ممرات المدينة بجثث المسنين؛ وتجول الأطفال والشبان في السوق كالأشباح، متهالكين من الجوع، ثم سقطوا قتلى أينما أخذهم البؤس. كانوا في البداية يدفنون موتاهم، ولكن بعد ذلك لم يتمكنوا من دفنهم، وصاروا يلقون بهم فوق السور إلى الوديان في الأسفل. وحدث مرة، وأثناء تجوال تيطس على طول هذه الوديان، أنه شاهد كل هذه الجثث والعفن يغطيهم، فصرخ ورفع يديه وطلب من الله أن يشهد أن هذا لم يكن بسببه، فهو ليس المسؤول. يضيف سبيرجن: “لا يوجد في التاريخ حادثة أبشع من هذا الرعب، ولكن حتى هذه الحادثة لا تقارن مع هلاك الروح.”
هـ) الآيات (٤٥-٤٨): تطهير الهيكل
٤٥وَلَمَّا دَخَلَ ٱلْهَيْكَلَ ٱبْتَدَأَ يُخْرِجُ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِيهِ ٤٦قَائِلًا لَهُمْ: «مَكْتُوبٌ: إِنَّ بَيْتِي بَيْتُ ٱلصَّلَاةِ. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!». ٤٧وَكَانَ يُعَلِّمُ كُلَّ يَوْمٍ فِي ٱلْهَيْكَلِ، وَكَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ مَعَ وُجُوهِ ٱلشَّعْبِ يَطْلُبُونَ أَنْ يُهْلِكُوهُ، ٤٨وَلَمْ يَجِدُوا مَا يَفْعَلُونَ، لِأَنَّ ٱلشَّعْبَ كُلَّهُ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ يَسْمَعُ مِنْهُ.
- وَلَمَّا دَخَلَ ٱلْهَيْكَلَ ٱبْتَدَأَ يُخْرِجُ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِيهِ: يبدو أن هذا الحدث يختلف عن حادثة تطهير الهيكل المذكورة في يوحنا ٢: ١٣-٢٢، والتي كانت في بداية خدمة يسوع الأرضية. ومع ذلك كان الهدف واحد؛ وهو إخراج التجار الذين كانوا، بالتعاون مع الكهنة، يغشون زوار أورشليم بإجبارهم على شراء حيوانات الذبيحة المعتمدة منهم وإجبارهم على تغيير العملة بأسعار مرتفعة.
- علّقَ باركلي (Barclay): “كان ثمن زوج الحمام خارج الهيكل خمسة قروش، أما داخل الهيكل فخمسة وسبعون قرشاً.” أي أن نسبة الربح كانت ٢٠ ضِعْفٍ من السعر الأصلي.”
- ومع ذلك، كان غضب يسوع موجه ضد الذين كَانُوا يَشْتَرُونَ والذين كَانُوا يَبِيعُونَ على حد سواء. كتب بروس (Bruce): “من وجهة نظر يسوع، كان البائع والمشتري سواسية ومن أصل واحد ويحتاجون للتطهير. كانت الزحمة حتمية، وربما بدأت بداية بريئة؛ وسرعان ما تغلبت روح التجارة وتفشت الانتهاكات والسرقة بشكل كبير.”
- الأهمية فيما فعله يسوع لم يكن في ما حققه بعد الواقعة بل في الحدث نفسه. كتب فرانس (France): “ليس هناك أي دليل على حدوث تغيير أو إصلاح. وبدون شك، عادت الطاولات إلى مكانها واستمر الباعة في عملهم كالمعتاد وكأن شيئاً لم يحدث، ولم يتخذ يسوع أي إجراءات أخرى.”
- بَيْتِي بَيْتُ ٱلصَّلَاةِ: كانوا يتاجرون في الدار الخارجية للهيكل، وهي المنطقة المخصصة لصلاة الأمم. ولكنهم حولوها إلى مَغَارَةَ لُصُوصٍ.
- اِقتَبَسَ مرقس كل الآية من إشعياء ٧:٥٦ “لِأَنَّ بَيْتِي بَيْتَ ٱلصَّلَاةِ يُدْعَى لِكُلِّ ٱلشُّعُوبِ” أما يسوع فلم يقتبسها كلها. جُل ما في الأَمْر أن إشعياء تنبأ، ويسوع طالب بتحقيق هذه النبوة بأن يكون الهيكل بيت الصلاة لكل. فٱلَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِيهِ في الدار الخارجية، جعلوا من المستحيل على غير اليهود المجيء إلى الهيكل للصلاة.
- علّقَ باركلي (Barclay): “وسط كل هذا الضجيح الناتج عن البيع والشراء والمجادلة والصلاة المزيفة، كان من المستحيل على أولئك الذين يطلبون الرب بصدق أن يأتوا إلى الهيكل، وكان السبب في هذا الحرمان هم أهل بيت الله.”
- وَكَانَ يُعَلِّمُ كُلَّ يَوْمٍ فِي ٱلْهَيْكَلِ: بعد طرد الباعة من الهيكل، واصل يسوع بجرأة تعليمه وخدمته (متى ١٤:٢١). كان يُعلم لِأَنَّ ٱلشَّعْبَ كُلَّهُ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ يَسْمَعُ مِنْهُ.