رسالة رومية – الإصحَاح ٦
متراخون في النعمة
أولاً. المؤمن تحت النعمة ومشكلة الخطية المعتادة.
أ ) الآية (١): هل يجب أن نحيا حياة الخطية حتى نحصل على مزيد من النعمة؟
١فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَنَبْقَى فِي الْخَطِيَّةِ لِكَيْ تَكْثُرَ النِّعْمَةُ؟
- أَنَبْقَى فِي الْخَطِيَّةِ لِكَيْ تَكْثُرَ النِّعْمَةُ؟ قدم بولس فكرة أنه حيثما كثرت الخطية ازدادت النعمة جداً (رومية ٢٠:٥). وهو الآن يتساءل إن كان يمكن للمؤمن أن يحيا حياة الخطية بحجة أن الله سيغلب أعظم خطية بأعظم نعمة.
- ففي النهاية، إن كان الله يحب الخطاة ويعطيهم نعمة فلماذا لا نخطئ أكثر ونحصل على مزيد من النعمة؟ فيعتقد البعض أن وظيفتهم هي أن يخطئوا ووظيفة الله هي أن يغفر.
- في أوائل القرن العشرين، كان الراهب الروسي غريغوري راسبوتين (Gregory Rasputin) يُعلم ويحيا فكرة الخلاص من خلال الوقوع المتكرر في الخطية والتوبة. وكان يؤمن بأن من يفعل الخطية أكثر يتمتع بقدر أكبر من نعمة الله. لذلك، عاش راسبوتين حياته في الخطية وكان يرى أن هذا هو الطريق إلى الخلاص. وهذا مثال متطرف للفكرة وراء سؤال بولس: “أَنَبْقَى فِي الْخَطِيَّةِ لِكَيْ تَكْثُرَ النِّعْمَةُ؟“
- لا يزال هذا السؤال يواجهنا، ولكن بطريقة أقل تطرفاً. فهل خطة النعمة “مأمونة؟” ألن يسيء الناس استخدام النعمة؟ فإن كان خلاص الله لنا أساسه الإيمان وليس الأعمال، ألن ندعو أنفسنا مؤمنين ثم نحيا الحياة التي نريدها؟
- من وجهة النظر المنطقية أو العلمانية، تعتبر النعمة أمراً خطيراً. ولهذا لا يُعلم الكثيرون النعمة أو يؤمنون بها ويشددون على الحياة بحسب الناموس. فهم يعتقدون أنه عندما يعرف الناس أن الله يخلصهم ويقبلهم بغض النظر عن استحقاقهم، لن يكون لديهم أي دافع لطاعة الله، فهم يرون أن ما من أحد يتمسك بالصدق والأخلاق دون تهديد من الله. ومن يعتقد أن وضعه محسوم في يسوع بسبب الصليب، لن يكون لديه دافعاً ليحيا حياة القداسة.
- أَنَبْقَى فِي الْخَطِيَّةِ: الفعل المضارع لهذه العبارة يوضح أن بولس يصف ممارسة الخطية المعتادة. ففي هذا الجزء الأول من رومية ٦، يكتب بولس عن شخص يستمر في حياة الخطية، معتقداً أن هذا الأمر مقبول لِكَيْ تَكْثُرَ النِّعْمَةُ.
ب) الآية (٢): حياة الخطية غير مقبولة لأن موتنا عن الخطية يغير علاقتنا بالخطية.
٢حَاشَا! نَحْنُ الَّذِينَ مُتْنَا عَنِ الْخَطِيَّةِ، كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا؟
- حَاشَا! (بِالطَّبعِ لَا!): لا يتصور بولس فكرة بقاء أي شخص في الخطية لكي تكثر النعمة. وكلمة حَاشَا أو بالطبع لا هي كلمة قوية، ويمكن أن تعني أيضاً: “امح الفكرة تماماً!” أو “إنها فكرة خيالية فعلاً!”
- كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا؟: يؤسس بولس لمبدأ هام جداً وهو: عندما نولد ثانية ونضع ثقتنا بيسوع، تتغير علاقتنا بالخطية بشكل دائم. فقد مُتْنَا عَنِ الْخَطِيَّةِ فلا ينبغي أن نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا. ببساطة، ليس من المناسب أن نَعِيشُ بَعْدُ في شيء مُتْنَا عنه.
- نَحْنُ الَّذِينَ مُتْنَا عَنِ الْخَطِيَّةِ: لدى بولس الكثير ليشرحه هنا حول المعنى الحرفي لقوله مُتْنَا عَنِ الْخَطِيَّةِ، لكن النقطة العامة واضحة للغاية وهي أن المؤمن الذي مات عن الخطية لا ينبغي أن يعيش فيها. فقد كنا قبلاً أمواتاً في الخطية (أفسس ١:٢) أما الآن فنحن أموات عَنِ الْخَطِيَّةِ.
ب) الآيات (٣-٤): توضيح كيف مات المؤمن عن الخطية: بالمعمودية
٣أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، ٤فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟
- أَمْ تَجْهَلُونَ: المعنى الضمني هنا هو أن بولس يتعامل مع مفاهيم أساسية يجب على كل مؤمن أن يعرفها.
- أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ: كلمة اعْتَمَدَ في اليونانية القديمة تعني يغمر الشيء أو يغطيه. فالكتاب المقدس يستخدم كلمة الْمَعْمُودِيَّةِ بطرق مختلفة؛ فعندما يعْتَمَدَ الشخص في الماء، يتم غمره أو تغطيته بالماء. وعندما يعْتَمَدَ بالروح القدس (متى ١١:٣، أعمال الرسل ٥:١)، فهو “يُغمَر” أو “يُغطى” بالروح القدس. وعندما يعْتَمَدَ بالمعاناة (مرقس ٣٩:١٠)، فهو “يغمر” أو “يُغطى” بالمعاناة. وهنا، يشير بولس إلى الْمَعْمُودِيَّةِ بمعنى “مغمور” أو “مُغطى” في يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ: إن معمودية الماء (المعمودية في المسيح) هي تصوير “لغمر” المؤمن أو دمجه مع يسوع في موته وقيامته.
- “يتضح لنا من كتابات بولس أنه لم يكن ينظر إلى المعمودية على أنها “إضافة اختيارية” في الحياة المسيحية.” بروس (Bruce)
- فَدُفِنَّا مَعَهُ … كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ: يعزز بولس هنا فكرة النزول تحت الماء كصورة للدفن، والخروج من الماء كصورة للقيامة من الأموات.
- وبالطبع، تتضمن المعمودية أيضاً التطهير، لكن هذا لا صلة له بالنقطة التي طرحها بولس هنا.
- تعتبر المعمودية دليلاً هاماً على الواقع الروحي، لكن هذا الواقع لن يتحقق بمعموديات العالم كله إن لم يمت الإنسان روحياً ثم يقوم مع يسوع.
- فكرة بولس واضحة جداً: فهناك شيء مثير ومغير للحياة يحدث في حياة المؤمن. فكيف يمكنك أن تموت (موت روحي) وتقوم (قيامة حقيقية مع يسوع المسيح) دون أن تتغير حياتك!
ج ) الآيات (٥-١٠): التأمل في الآثار المُترتبة على موتنا وقيامتنا مع يسوع.
٥لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ. ٦عَالِمِينَ هذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ. ٧لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ. ٨فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ. ٩عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضًا. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ. ١٠لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا للهِ.
- صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ: تُعَبر هذه العبارة عن الإتحاد الوثيق. فالعبارة “تعبر تماماً عن عملية إتحاد النبات مع الشجر. وهذا الإتحاد هو الأقرب من نوعه، فحياة المسيح تتدفق بداخل المؤمن.” موريس (Morris). وهذا يتلاءم مع الصورة التي قدمها يسوع عن الثبات في الكرمة في إنجيل يوحنا ١٥.
- هذا الاتحاد الوثيق هو في كل من موته وقيامته. فالله يريدنا أن نختبر الأمرين. وقد عبر بولس عن فكرة مماثلة من اختباره الشخصي في فيلبي ١٠:٣-١١ “لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ،لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ.” فقد يكون البعض على أتم الاستعداد ليكونوا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ في مجد القيامة، لكنهم غير راغبين في أن يكونوا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ في مَوْتِهِ.
- نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ: تعني أن مشاركتنا يسوع في موته تجعل مشاركتنا معه في قيامته شيء مؤكد.
- من السهل جداً على بعض المؤمنين أن يركزوا فقط على “حياة الصلب” ويعجزون عن رؤيتها كجزء (وجزء أساسي) من صورة أكبر ألا وهي الإعداد لحياة القيامة.
- عَالِمِينَ هذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ: يعد موت إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ حقيقة ثابتة. فهذا الموت يحدث روحياً عندما نتحد بموت يسوع لنوال الخلاص.
- إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ هو الذات التي تحاكي آدم، وهو الجزء الذي يعكس تمردنا المتأصل فينا على الله وعلى وصاياه. فنظام الناموس يعجز عن التعامل مع إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ، لأنه لا يستطيع سوى أن يخبره عن معيار الله للبر. ويحاول الناموس أن يصلح إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ لكي يصبح ’غصن مثمر‘ ولكن النعمة تدرك أن إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ لا يمكن إصلاحه أبداً بل يجب أن يموت مع يسوع على الصليب.
- إن صلب إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ هو شيء يعمله الله فينا. فلن يُسَمِر أحدنا نفسه على الصليب. ولكن يسوع فعل ذلك، وقيل لنا أن هذا يعني أننا صلبنا معه أيضاً. “ليس فينا حتى ما يستطيع أن يجعل إنساننا العتيق يمرض أو يضعف، فكيف نستطيع أن نقتله بالصلب؟ لهذا كان على الله أن يفعل ذلك.” لنسكي (Lenski)
- يعطي الله المؤمن بدلاً من الإنسان الْعَتِيقَ إنساناً جديداً، ذات طائعة بالفطرة ومرضية لله؛ وهذا هو الجانب من شخصيتنا الذي أقيم مع المسيح في قيامته. ويصف لنا العهد الجديد هذا الإنسان الجديد:
- وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ (أفسس ٢٤:٤).
- وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ (كولوسي ١٠:٣).
- لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ: يستخدم الله موتنا عن إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ، أي طبيعتنا الخاطئة، لتحريرنا من الخطية. ولأن الإنسان الميت ليس لديه سلطان علينا، علينا أن نتذكر أن إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قد صُلِبَ مَعَهُ.
- الموضعان الآخران في العهد الجديد اللذان يذكران إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ يُذكرانا بأنه قد انتهى، ويخبرانا بأن نخلع الإنسان العتيق كشيء ميت مُنتهي (أفسس ٢٢:٤، وكولوسي ٩:٣). فنحن لا نحارب إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ بل ببساطه نحسبه ميت.
- “الآن يأتي الشر إلى داخلنا كمتطفل مُحدثاً خراباً كثيراً، لكنه لا يتربع على العرش، فقد أصبح غريباً وغير مُرحب به. فنحن قد مُتنا عن سيادة قوة الخطية علينا.” سبيرجن (Spurgeon)
- لِيُبْطَلَ: إذا كان إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قد مات، فلماذا نشعر بانجذاب نحو الخطية في داخلنا؟ يأتي هذا من الجسد، وهذا الجسد يختلف عن إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ. فمن الصعب وصف الجسد، لكن وصفه البعض أنه “الشاشة التي يظهر عليها ما بداخل الإنسان.” ففي داخل الإنسان توجد رغبات ونزوات ومشاعر، وكلها تؤثر في عقولنا وإرادتنا وعواطفنا. فالجسد يعكس ما بدواخلنا.
- يُمثل الجسد مشكلة في المعركة ضد الخطية لأنه قد تدرب على العادات الآثمة من خلال ثلاثة مصادر. المصدر الأول: إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ، قبل أن يُصلب مع المسيح، فقد ’طبع‘ نفسه على الجسد ودربه. المصدر الثاني: النظام العالمي، بروحه المتمردة على الله الذي يمكن أن يكون لها تأثير مستمر على الجسد. وأخيراً: الشيطان الذي يسعى لإغراء الجسد بالخطية والتأثير عليه.
- كيف نتعامل مع الجسد بعد موت إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ؟ يدعونا الله أن نتعامل يومياً مع الجسد كما تعامل هو مع إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ بصلبه مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ (غلاطية ٢٤:٥). ولكن عندما نسمح للجسد بأن يتأثر باستمرار بعادات الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ وبالعالم وبالشيطان، فإنه سينجذب بقوة نحو الخطية. أما إذا سمحنا للإنسان الجديد بداخلنا أن يؤثر على العقل والإرادة والعواطف، فستكون المعركة أقل شدة.
- كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ. لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ: لا يمكننا كسر عبودية خطيتنا إلا بالموت. ففي فيلم بعنوان ’سبارتاكوس‘ عام ١٩٦٠، لعب كيرك دوغلاس دور العبد الهارب الذي قاد ثورة قصيرة في روما القديمة لكن كان لها تأثيراً كبيراً. ونجده في إحدى مراحل الفيلم يقول: “الموت هو الحرية الوحيدة التي يعرفها العبد. لهذا فهو لا يخافه.” ونحن قد تحررنا من الخطية لأن الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ قد مات مع يسوع على الصليب، والآن يعيش الإنسان الجديد كإنسان حر.
- بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضًا. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ: بما أننا قد متنا بالفعل عن الخطية مع يسوع، فلن يَسُودُ عَلَيْنا الْمَوْتُ بَعْدُ. وأصبح للإنسان الجديد حياة، بل وحياة أبدية.
- الْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا للهِ: الحياة الجديدة التي منحنا الله إياها لم يمنحها لنا حتى نحيا لأنفسنا بل كي نحْيَاهَا للهِ. فنحن لم نصبح أمواتاً عن الخطية وأحراراً منها، لم تعطى لنا الحياة الأبدية لكي نحيا كما نشاء بل لنحيا إرضاءً لله.
- “إذا كان الله قد أعطانا حياة جديدة تماماً في المسيح، فكيف نحياها في نمط الحياة القديمة؟ هل سيحيا الروحي مثل الجسدي؟ كيف يمكنك بعد أن تحررت من عبودية الخطية بالدم الثمين أن تعود إلى العبودية القديمة؟” سبيرجن (Spurgeon)
- إن التغير في حياة الإنسان المولود ثانيةً هو امتياز يتمتع فيه بسبب عهد الله الجديد الذي من خلاله نرغب من أعماقنا أن نفعل مشيئة الله ونكون عبيداً للبر بسبب قلوبنا الجديدة (حزقيال ٢٦:٣٦-٢٧).
- يصرح المقال الحادي عشر من أصل ٤٢ مقال لكنيسة انجلترا بهذه الحقيقة مستخدماً لغة القرن السادس عشر الإنجليزية الجميلة فيقول: “نعمة المسيح أو الروح القدس المُعطى منه، ينزع القلب الصخري ويعطي قلباً لحمياً رقيقاً.”
هـ) الآيات (١١-١٢): تطبيق عملي لمبدأ موتنا وقيامتنا مع يسوع.
١١كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلكِنْ أَحْيَاءً للهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. ١٢إِذًا لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيَّةُ فِي جَسَدِكُمُ الْمَائِتِ لِكَيْ تُطِيعُوهَا فِي شَهَوَاتِهِ.
- احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ: تتعلق كلمة احْسِبُوا بالحسابات. فيطلب منا بولس أن نحسب الإنسان العتيق ميتاً للأبد. فلا يدعونا الله أبداً أن نقوم “بصلب” الإنسان العتيق، بل لأن نحسبه كميت بالفعل بسبب اتحادنا بموت يسوع على الصليب.
- احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلكِنْ أَحْيَاءً للهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا: يعد الموت عن الخطية جانب واحد فقط من المعادلة. فالإنسان العتيق قد مضى، لكن الإنسان الجديد حي. (كما وُصف في رومية ٤:٦-٥).
- إِذًا لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيَّةُ فِي جَسَدِكُمُ الْمَائِتِ: هذا القول لا يُمكن أن يقال إلا للمؤمن الذي صلب إنسانه العتيق مع المسيح وأُعطي إنساناً جديداً في يسوع. وحده هذا الإنسان الذي تحرر من الخطية هو الذي يمكن “ألا تَمْلِكَ الْخَطِيَّةُ في جسده.”
- المؤمن هو الوحيد الذي تحرر حقاً. فكل إنسان لم يؤمن له حرية أن يخطئ، لكن ليست له حرية أن يتوقف عن الخطية ويحيا حياة البر، وذلك بسبب استبداد الإنسان العتيق.
- في يسوع صرنا أحرار وتم منحنا الفرصة لإطاعة الميل الطبيعي للإنسان الجديد الذي يريد إرضاء الله وإكرامه.
- إذاً لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيَّةُ: مات الإنسان العتيق وأصبحت هناك حياة جديدة في يسوع خالية من الخطية. ومع ذلك، فإن العديد من المؤمنين لا يختبرون هذه الحرية بسبب عدم إيمانهم أو اعتمادهم على الذات أو جهلهم، لذا فهم لا يعيشون أبداً في الحرية التي دفع يسوع ثمنها على الصليب.
- اعتاد مودي ( L. Moody) الحديث عن امرأة عجوز سوداء البشرة من الجنوب كانت تعيش في أعقاب الحرب الأهلية. وكونها كانت يوماً من العبيد، كانت مشوشة فيما يختص بوضعها وكانت تتساءل: “هل أنا بالفعل حرة الآن؟ لأني عندما أذهب إلى سيدي السابق، يقول لي أني لست حرة، وعندما أذهب إلى أهلي يقولون لي أني حرة. لذا فأنا لا أعرف هل أنا حرة أم لا. فبعض الناس أخبروني أن أبراهام لنكولن قد وقّع على بيان ينهي فيه العبودية، لكن سيدي السابق يقول أنه لم يفعل ولم يكن لديه أي حق ليفعل ذلك!”
- هذا هو بالضبط حال العديد من المؤمنين. فقد تم تحريرهم بشكل قانوني من عبوديتهم للخطية، لكنهم غير متأكدين من هذه الحقيقة. وتقدم الآيات التالية من رومية ٦ بعض الأفكار العملية عن كيفية الحياة في الحرية التي منحنا إياها يسوع.
و ) الآيات (١٣-١٤): كيف نسلك في الحرية التي منحنا إياها يسوع.
١٣وَلاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ، بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ للهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ الأَمْوَاتِ وَأَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ بِرّ للهِ. ١٤فَإِنَّ الْخَطِيَّةَ لَنْ تَسُودَكُمْ، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ.
- وَلاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ، بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ للهِ: يمكن لسجين أن يتحرر “رسمياً” لكنه يظل سجيناً في داخله. فإن عاش أحدهم في سجن لعدة سنوات ثم أُطلق سراحه، فإنه غالباً ما يفكر ويتصرف كسجين، فعادات الحرية ليست متأصلة في حياته. ويوضح لنا بولس هنا كيفية بناء عادات الحرية في الحياة المسيحية.
- في القرن الرابع عشر تصارع شقيقان من أجل الوصول إلى حكم دوقية فيما يُعرف الآن ببلجيكا. فكان اسم الأخ الأكبر راينالد، ولكنه كان يُنادى بـ “كراسوس” وهو لقب لاتيني يعني “السمين” لأنه كان يعاني من الوزن الزائد. وبعد معارك عنيفة، قام إدوارد شقيق راينالد الأصغر، بثورة ناجحة ضده ونال لقب دوق على أراضيه. ولكن بدلاً من قتله لراينالد، ابتكر إدوارد سجناً غريباً. فقام ببناء غرفة في القلعة حول “كراسوس” وكان للغرفة باباً واحداً فقط ولم يكن الباب مقفولاً، ولم تكن هناك حواجز حديدية على النوافذ. ووعد إدوارد راينالد بأنه يمكنه استعادة أرضه ولقبه في أي وقت يريده وكل ما عليه فعله هو مغادرة الغرفة. ولكن العقبة في الحرية لم تكن في الأبواب أو النوافذ، ولكن في راينالد ذاته. ونظراً لكونه سميناً، لم يستطع الخروج من الباب، على الرغم من أن الباب كان بحجم شبه طبيعي. وكان كل ما عليه فعله هو اتباع نظام غذائي حتى يقل حجمه فيصبح رجلاً حراً ويحصل على كل ما كان يملكه. ولكن شقيقه الأصغر استمر في إرسال مجموعة متنوعة من الأطعمة اللذيذة، ولم تطغ رغبة راينالد في أن يكون حراً على رغبته في تناول الطعام. وقد يتهم البعض دوق إدوارد بأنه قاسٍ على أخيه الأكبر، لكنه كان سيجيب ببساطة: “أخي ليس سجيناً. ويمكنه الرحيل متى أراد ذلك.” وقد بقي راينالد في تلك الغرفة مدة عشر سنوات، إلى أن قُتل إدوارد نفسه في ساحة المعركة.
- يوضح هذا بدقة اختبار العديد من المؤمنين. فقد حررهم يسوع للأبد بشكل قانوني، ويمكنهم السلوك في تلك الحرية متى اختاروا ذلك. ولكن بما أنهم مستمرون في إخضاع شهواتهم الجسدية لخدمة الخطية، فهم يعيشون حياة الهزيمة والإحباط والسجن.
- لاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ: هذا هو المفتاح الأول للسلوك في الحرية التي فاز بها يسوع من أجلنا. فيجب علينا ألا نقدم أعضاء جسدنا لخدمة الخطية. وتنقل الترجمة الحية الجديدة للكتاب المقدس (New Living Bible) الفكرة جيداً: لا تدع أي جزء من جسدك يصبح أداةً للشر.
- أَعْضَاءَكُمْ: أي آذانكم وشفاهكم وعيونكم وأيديكم وأذهانكم وهكذا… هذه الفكرة عملية جداً: “لديك عينان، لا تضعهم في خدمة الخطية. لديك أذنان، لا تضعهم في خدمة الخطية.”
- كلمة آلاَتِ يمكن أن تترجم أيضا أسلحة. فأعضاء جسدنا هي أسلحة في المعركة من أجل الحياة الصحيحة. فعندما نُعطي جسدنا للبر تكون أعضاؤنا أسلحة للخير، وعندما نعطيه للخطية تكون أعضاؤنا أسلحة للشر.
- مثال على هذا هو استخدام الله لأيدي داود لقتل جليات. وفي وقت لاحق، استخدمت الخطية عيني داود للإثم عندما نظر إلى بتشبع.
- بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ للهِ: هذا هو المفتاح الثاني للسلوك في الحرية التي نالها يسوع لأجلنا. فلا يكفي أن ننزع الأسلحة من خدمة الخطية، بل يجب أن نستخدمها في خدمة البر. وكما هو الحال في أي حرب، فإن الجانب الذي يمتلك أسلحة متفوقة هو الذي يفوز عادة.
- تتشابه الفكرة هنا مع الطريقة التي كان كهنة العهد القديم يكرسون بها أجسادهم لله. فكان دم الذبيحة يوضع على الأذن والإبهام وإصبع القدم الكبير، ليدل على أن تلك الأجزاء من الجسد (وجميع الأجزاء الأخرى) تنتمي إلى الله ويجب أن تُستخدم لمجده (خروج ٢٠:٢٩).
- نقدم ذواتنا لله كَأَحْيَاءٍ مِنَ الأَمْوَاتِ. فتحمل العبارة أولاً فكرة إنهاء كل علاقة لنا بالحياة السابقة والإنسان العتيق، فتلك الحياة قد ماتت ومضت. وثانياً، تحمل العبارة فكرة الالتزام، لأننا ندين بكل شيء لمن أعطانا حياة جديدة!
- الْخَطِيَّةَ لَنْ تَسُودَكُمْ: قال سبيرجن (Spurgeon) إن هذه العبارة تمنحنا اختباراً ووعداً وتشجيعاً.
- إنه اختبار لكوننا مؤمنين. فهل تسيطر عليك مشاعر الغضب والتذمر والشكوى؟ الشهوة؟ الكبرياء؟ الكسل؟ وإن كان للخطية سيادة علينا، فينبغي أن نسأل أنفسنا بجدية إن كنا مؤمنين بحق.
- إنه وعد بالنصر. وهذا لا يعني أن “الخطية لن توجد فينا” لأن ذلك لن يتحقق إلا عند قيامتنا في المجد. ولكنه وعد بأن الخطية لن يكون لها سيادة علينا بسبب عمل يسوع العظيم الذي عمله فينا عندما ولدنا ثانيةً.
- إنه تشجيع الرجاء والقوة في المعركة ضد الخطية. فالله لم يديِنَك تحت سيادة الخطية بل حررك في يسوع. وهذا التشجيع هو للمؤمنين الذين يصارعون ضد الخطية، وللمؤمن الجديد وكذلك المرتد.
- لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ: هذه هي الطريقة والوسيلة التي نستطيع من خلالها أن نحيا حياة الحرية. فهذه الحياة لن نستطيع أبداً أن نحياها بحسب الناموس الذي يعتمد على الأعمال، بل سنحياها في الحياة التي ليست تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ.
- حدد النَّامُوسِ بوضوح معيار الله، وأوضح لنا عجزنا عن الوصول إليه. فلا يستطيع الناموس أن يحررنا من الخطية كما تفعل النِّعْمَةِ. وتذكر أن النعمة تملك من خلال البر (رومية ٢١:٥). وأن النعمة، وليس الناموس، هي التي تمنحنا الحرية والقوة لنحيا فوق الخطية.
- يوضح هذا أن الحياة التي تُعاش حقاً تحت النعمة ستكون حياة بارة، فليست النعمة أبداً رخصة للخطية. “إن التعامل مع كوننا تحت النعمة كعذر لفعل الخطية هو دليل على أننا لسنا تحت النعمة على الإطلاق.” بروس (Bruce)
- لَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ: تصف هذه العبارة التغيير الجذري الذي يحدث في حياة الشخص المولود ثانيةً. فبالنسبة لليهودي في أيام بولس، كانت الحياة تَحْتَ النَّامُوسِ هي كل شيء. وكان النَّامُوسِ هو الطريق إلى استحسان الله وللحياة الأبدية. أما الآن، فيوضح بولس أنه في ضوء العهد الجديد، نحن لسنا تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ. فما عمله يسوع في حياتنا قد غير كل شيء.
- أجاب بولس عن سؤاله في رومية ١:٦ “لماذا لا نبقى في الخطية لكي تكثر النعمة؟” لأننا عندما نحصل على الخلاص وتُغفر خطايانا وتمتد إلينا نعمة الله، نتغير جذرياً؛ فيموت الإنسان العتيق، ويحيا الإنسان الجديد.
- في ضوء هذه التغييرات الملحوظة، لا يليق بالخليقة الجديدة في يسوع أن تشعر بالراحة في فعل الخطية. فحالة الخطية يمكن أن تكون فقط حالة مؤقتة للمؤمن. ويَصدُق سبيرجن (Spurgeon) في قوله: “إن النعمة التي لا تغير حياتي لن تُخَلِص روحي.”
- يصرح يوحنا بنفس هذه الفكرة بطريقة أخرى: كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ فِيهِ لاَ يُخْطِئُ (بصورة اعتيادية). كُلُّ مَنْ يُخْطِئُ (بصورة اعتيادية) لَمْ يُبْصِرْهُ وَلاَ عَرَفَهُ. كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً (بصورة اعتيادية)، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ (بصورة اعتيادية) لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ. (يوحنا الأولى ٦:٣ و٩:٣).
- قد لا تأتي التغييرات كلها في وقت واحد، وقد لا تصل إلى كل مجال من مجالات حياة الإنسان في نفس الوقت، لكنها ستكون موجودة وحقيقية وستزداد بمرور الوقت.
- تَحْتَ النِّعْمَةِ: يجعلنا الله “آمنين” لأننا نعيش تحت النعمة بتغييرنا عندما نستقبل نعمته؛ فهو يحررنا ويُعدُنا للحياة بالبر أمامه. وما إن متنا عن الخطية، فمن غير المعقول أن نستمر في ممارستنا السابقة لها. فبمجرد أن تتحول اليرقة إلى فراشة، ليس على الفراشة أن تزحف حول الأشجار والأوراق مثل اليرقة.
- “لقد غير الله طبيعتك بنعمته حتى أنك إن أخطأت تكون مثل سمكة على أرض يابسة، تشتاق أن تعود إلى حالتك الطبيعية مرة أخرى. فأنت لا تستطيع أن تخطئ لأنك تحب الله. فالخاطئ يشرب الخطية كما يشرب الثور الماء، أما أنت فسيكون طعم الخطية كطعم الماء المالح من البحر. وسيكون من الحماقة أن تجرب ملذات العالم، لأنها لن تكون ملذات بالنسبة لك.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانياً. المؤمن تحت النعمة ومشكلة الخطية العرضية.
أ ) الآية (١٥): سؤال جديد تم طرحه: أنخطئُ (أحياناً) لأننا لا نعيش تحت الناموس بل تحت النعمة؟
١٥فَمَاذَا إِذًا؟ أَنُخْطِئُ لأَنَّنَا لَسْنَا تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ؟ حَاشَا!
- أَنُخْطِئُ لأَنَّنَا لَسْنَا تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ؟: لقد أقنعنا بولس بأن نمط حياة الخطية المعتادة لا يتلاءم مع الشخص الذي تغيرت حياته بالنعمة. ولكن ماذا عن الخطية العرضية بين الحين والآخر؟ إذا كنا تحت النعمة وليس تحت الناموس، فهل يجب أن نقلق بشأن خطية صغيرة هنا وهناك؟
- أَنُخْطِئُ: يشير زمن فعل نُخْطِئُ في اللغة اليونانية القديمة إلى ممارسة الخطية العرضية وليست المستمرة المعتادة التي جاء وصفها في سؤال بولس في رومية ١:٦.
- “إن الفعل في العدد الأول (أنبقى في الخطية) يتحدث عن فعل معتاد ومستمر. أما الفعل في العدد الخامس عشر (أنخطئ) فهو يشير إلى فعل واحد فقط.” ويست (Wuest)
ب) الآيات (١٦-١٧): مبادئ روحية نحتاج أن نفهمها للإجابة على السؤال.
١٦أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي تُقَدِّمُونَ ذَوَاتِكُمْ لَهُ عَبِيدًا لِلطَّاعَةِ، أَنْتُمْ عَبِيدٌ لِلَّذِي تُطِيعُونَهُ: إِمَّا لِلْخَطِيَّةِ لِلْمَوْتِ أَوْ لِلطَّاعَةِ لِلْبِرِّ؟ ١٧فَشُكْرًا للهِ، أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا لِلْخَطِيَّةِ، وَلكِنَّكُمْ أَطَعْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ صُورَةَ التَّعْلِيمِ الَّتِي تَسَلَّمْتُمُوهَا.
- الَّذِي تُقَدِّمُونَ ذَوَاتِكُمْ لَهُ عَبِيدًا لِلطَّاعَةِ، أَنْتُمْ عَبِيدٌ لِلَّذِي تُطِيعُونَهُ: أياً كان من تقدم نفسك لطاعته، فأنت عبد له. فمثلاً، إن كنت أخضع لشهواتي باستمرار، فأنا صرت عبداً لها. إذاً لدينا خيار في عبوديتنا، إما أن نُستعبد لِلْخَطِيَّةِ (التي تؤدي) لِلْمَوْتِ أو لِلطَّاعَةِ (التي تؤدي) لِلْبِرِّ.
- بطريقة أو بأخرى، نحن عبيد إما للخطية أو للبر، لا خيار لنا في ألا نكون عبيداً لأحدهما.
- أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا لِلْخَطِيَّةِ: يتحدث بولس عن كوننا عبيداً للخطية بصيغة الماضي لأنه قد تم تحريرنا من عبودية الخطية بالإيمان الذي يصفه بأنه طاعة من القلب. فهذا الإيمان هو بكلمة الله التي تتصف بأنها صُورَةَ التَّعْلِيمِ. والفكرة من كل هذا هي كالتالي: “قد تحررنا عندما وضعنا إيماننا بالله وبكلمته، فعلينا الآن أن نحيا يومياً وفقا لتلك الحرية.”
- كما رأينا سابقاً في رومية ٦، يمكننا أن نتحرر قانونياً بينما نختار أن نعيش كسجناء. غير أن بولس يوصي ويشجع المؤمن بأن يعيش حراً.
- أَطَعْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ: يا له من وصف رائع للإيمان. فهو يُظهر أن الإيمان ينبع من الْقَلْبِ وليس من العقل فقط وأن الطاعة تنتج عن الإيمان، لأنه إن صدقنا شيء فسنتصرف وفقاً لذلك.
- صُورَةَ التَّعْلِيمِ: هذا تعبير جميل، لأن كلمة صُورَةَ (أو شكل) تصف قالباً يستخدم في تشكيل معدن منصهر. فالله يريد أن يشكلنا، فيذيبنا أولاً بعمل الروح القدس وكلمته، ثم يصبنا في قالب الحق صُورَةَ التَّعْلِيمِ ويشكلنا على صورته.
- يقول آدم كلارك (Adam Clarke) عن تعبير ’صُورَةَ التَّعْلِيمِ‘ ما يلي: “أن المسيحية ممثلة في فكرة القالب الذي يتم وضع المؤمنون بداخله، فيخرجون غاية في الروعة. والشكل الموجود بهذا القالب هو صورة الله البار القدوس الذي ختم على أرواحهم عندما آمنوا بالإنجيل وقبلوا الروح القدس. وتشير الكلمات إلى انصهار المعدن، الذي عندما يتم تسييله، يُطرح في القالب ليأخذ شكله. ولهذا يمكن أن تترجم الكلمات حرفياً في قالب التعليم الذي وضعتم فيه. فقد صُهروا تحت وعظ الكلمة، وأصبحوا قادرين على الحصول على ختم طهارته.”
ج ) الآية (١٨): إذاً لماذا لا نخطئ أحياناً؟ لأن الخطيئة لا تسود علينا، ولم نعد عبيد لها.
١٨وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ.
- وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ: ما معنى أننا قد أُعتقنا من الخطية وصرنا عَبِيدًا لِلْبِرِّ؟ يعني أن الخطية لم تعد رئيسك في العمل أو سيدك. فالْبِرّ هو سيدك الآن، فاخدم البر بدلاً من الخطية. فمن غير اللائق أن تحاول إرضاء رئيسك السابق في العمل بعد أن تغيرت وظيفتك.
- عَبِيدًا لِلْبِرِّ: ماذا يعني أن تكون عبداً؟ كان العبد أكثر من مجرد موظف عادي. فقد عرّف الباحث اليوناني الشهير كينيث ويست (Wuest Kenneth) كلمة “عبد” في اللغة اليونانية القديمة كما يلي:
- شخص ولد في حالة من العبودية.
- شخص تبتلعه إرادة شخص آخر.
- شخص يرتبط بالسيد بروابط لا يكسرها إلا الموت.
- شخص يخدم سيده ويتجاهل مصلحته الخاصة.
- كل ما يلي يصفنا تماماً بينما كنا عبيداً للخطية:
- لقد ولدنا كعبيد للخطية.
- لقد أصبحنا أسرى للخطية التي ابتلعت إرادتنا.
- كانت ارتباطنا بالخطية قوي جداً حتى أن الموت وحده – أي الموت الروحي مع يسوع على الصليب – هو الذي كان يستطيع كسر العبودية.
- كانت عبوديتنا للخطية شديدة حتى أننا كنا نخدمها ونتجاهل مصلحتنا الخاصة، حتى عندما كانت تُدمرنا.
- الآن ما يلي هو الصحيح فيما يتعلق بعبوديتنا للبر:
- لقد ولدنا ثانية كعبيد للبر.
- لقد ابتلعت إرادتنا داخل إرادة الله. وإرادته هي التي تُعنينا وليست إرادتنا.
- أصبحنا مرتبطين بيسوع بروابط لا يكسرها إلا الموت، لكن بما أنه انتصر على الموت وأعطانا الحياة الأبدية، فلن تنكسر هذه الروابط أبداً.
- نحن الآن نختار بحرية أن نخدم يسوع ولا نخدم مصالحنا الخاصة (الأنانية).
- أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ: يعني هذا أننا لن نضطر أبداً لفعل الخطية مرة أخرى. فعلى الرغم من أن الخطية حتمية إلى أن يُقام جسدنا في المجد، فلا يعني هذا أن الله قد وضع نظاماً به ينبغي أن نخطئ.
- الكمال الذي بلا خطية في هذا الجسد هو وهم. يتضح هذا في رسالة يوحنا الأولى ٨:١ “إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا.” ومع ذلك نعلم أننا نستطيع في قوة يسوع أن نقاوم التجربة الحالية أو اللاحقة – وهذا هو ما يريدنا يسوع أن ننشغل به.
- “بسبب ضعف الإنسان، قد يضعف المؤمن على فترات متباعدة أمام طبيعة الشر والخطية. ولكن الله قد شكله بطريقة تجعله لا يحتاج أن يفعل ذلك.” ويست (wuest)
- من السخرية أن تطلب من عبد ألا يتصرف كعبد، لكن يمكنك أن تطلب هذا من شخص تحرر. فيسوع المسيح يخبرنا أنه يجب علينا ألا نتصرف كعبيد للخطية لأننا قد تحررنا وعلينا الآن أن نفكر ونحيا كأحرار.
د ) الآيات (١٩-٢٣): كيف نصبح أحراراً
١٩أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ. لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ. ٢٠لأَنَّكُمْ لَمَّا كُنْتُمْ عَبِيدَ الْخَطِيَّةِ، كُنْتُمْ أَحْرَارًا مِنَ الْبِرِّ. ٢١فَأَيُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ حِينَئِذٍ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَسْتَحُونَ بِهَا الآنَ؟ لأَنَّ نِهَايَةَ تِلْكَ الأُمُورِ هِيَ الْمَوْتُ. ٢٢وَأَمَّا الآنَ إِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ، وَصِرْتُمْ عَبِيدًا للهِ، فَلَكُمْ ثَمَرُكُمْ لِلْقَدَاسَةِ، وَالنِّهَايَةُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّة. ٢٣لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.
- أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ: يعتذر الرسول بولس عن استخدامه للعبودية كمثال توضيحي، لأن هذا كان مهيناً جداً، خاصة لأن العديد من قرائه من الرومان كانوا عبيداً. ولكن بولس كان يُدرك أن هذا المثال دقيق وهادف.
- قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ … هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا: يكرر بولس هنا ما قاله سابقاً. أولاً، قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ. وهذا يعني ألا نعود لعبودية السيد القديم.
- هل يمكنك أن تتخيل أنك في أول يوم في وظيفتك الجديدة، تترك العمل وقت الراحة وتذهب إلى وظيفتك القديمة وتسأل رئيسك القديم عما يريده منك؟ هذا ليس صائباً!
- وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ: يصف بولس مبدأ متأصل في الطبيعة البشرية. فالإثم يؤدي إلى المزيد من الإثم، والبر يؤدي إلى مزيد من القداسة أي المزيد من البر. وهذا يصف القوة الديناميكية لعاداتنا وكيف نسير في الاتجاه الذي نختاره.
- فكر في أربع أشجار على التوالي: الشجرة الأولى عمرها سنة، والثانية خمسة، والثالثة عشرة، والأخيرة ١٥ سنة. فأي تلك الأشجار سيصعب اقتلاعها من الأرض؟ من الواضح أنه كلما تأصلنا في سلوك ما، خيراً كان أم شراً، كلما ازدادت صعوبة اقتلاعه.
- لَمَّا كُنْتُمْ عَبِيدَ الْخَطِيَّةِ، كُنْتُمْ أَحْرَارًا مِنَ الْبِرِّ: إن وجهة نظر بولس هنا تكاد تكون مضحكة، إذ يقول إننا عندما كنا عبيداً للخطية كنا بالفعل أحراراً فيما يتعلق بالبر. يا لها من حرية!
- فَأَيُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ حِينَئِذٍ: لكي ننتصر على الخطية، يجب أن نفكر في ثمرها، فنهايتها الْمَوْت، أما نهاية البر فهي حَيَاة أَبَدِيَّة.
- قد تبدو هذه الحقائق في وقت التجربة غير واقعية – لذا يجب أن نعتمد على كلمة الله. فعندما نتعرض لتجربة، يذكرنا الإيمان بمرارة الخطية حينما تنسى مشاعرنا هذا للمذاق المُر.
- لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا: عندما تخدم الخطية، فإن أجرك هو الْمَوْت. وعندما تخدم الله لا نحصل على أي أجر – لكنه يهبنا مجاناً أفضل صفقة يمكن تخيلها.
- أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ: “يحصل كل خاطئ على أجرته بعد خدمة طويلة ومؤلمة. ويا لها من الآلام تلك التي يتعرض لها الخاطئ حتى يصل إلى الجحيم! ويظل يكدح في خدمة الخطية طوال الوقت؛ ألن يظل مديون للعدالة الإلهية، إن لم تدفع له أجره؟” كلارك (Clarke)
- ورداً على سؤاله في رومية ١٥:٦، أوضح بولس أننا، كمؤمنين، حدث لدينا تغيير في الملكية. فيجب على كل مؤمن أن يصارع ضد الخطية العارضة لأننا نعمل تحت سيادة السيد الجديد الآن. فليس من المناسب أن نظل نعمل من أجل السيد القديم.