رسالة رومية – الإصحَاح ١١
استعادة إسرائيل
أولاً. إسرائيل وبَقِيَّةٌ مِنَ الشَّعْبِ اخْتَارَهَا اللهُ بِالنِّعمَةِ
أ ) الآية (١ أ): هل رَفَضَ الله (نبذ) شَعْبَه إسرائيل؟
١فَأَقُولُ: أَلَعَلَّ اللهَ رَفَضَ شَعْبَهُ؟ حَاشَا!
- أَلَعَلَّ اللهَ رَفَضَ شَعْبَهُ؟: يبدو سؤال بولس هنا معقولاً: إن كان رفض إسرائيل للإنجيل متوافقاً إلى حدٍ ما مع خطة الله الأبدية (رومية ١:٩-٢٩) وما اختاره إسرائيل (رومية ٣٠:٩ –٢١:١٠)، فهل يعني هذا أن مصير إسرائيل قد حُسم، وليست هناك أية إمكانية لرده؟
- حَاشَا!: على الرغم من وضع إسرائيل الحالي، إلا أنه لم يُرفض إلى الأبد. سيشرح بولس الآن معنى هذا.
ب) الآية (١ب): بولس هو الدليل على أن الله لم يَرفض شعبه.
لأَنِّي أَنَا أَيْضًا إِسْرَائِيلِيٌّ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ.
- أَنَا أَيْضًا إِسْرَائِيلِيٌّ: أثبت إيمان بولس بيسوع المسيا، أن هناك بعض اليهود المُختارين من الله الذين آمنوا بالإنجيل.
- أَنَا أَيْضًا: إذا أردنا دليل على عمل الله، علينا أن ننظر إلى حياتنا أولاً. وهذا هو ما فعله بولس وما يجب أن نفعله نحن أيضاً.
ج) الآيات (٢-٥): مبدأ البَقِيَّة.
٢لَمْ يَرْفُضِ اللهُ شَعْبَهُ الَّذِي سَبَقَ فَعَرَفَهُ. أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ فِي إِيلِيَّا؟ كَيْفَ يَتَوَسَّلُ إِلَى اللهِ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: ٣«يَارَبُّ، قَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ وَهَدَمُوا مَذَابِحَكَ، وَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي!». ٤لكِنْ مَاذَا يَقُولُ لَهُ الْوَحْيُ؟ «أَبْقَيْتُ لِنَفْسِي سَبْعَةَ آلاَفِ رَجُل لَمْ يُحْنُوا رُكْبَةً لِبَعْل». ٥فَكَذلِكَ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ أَيْضًا قَدْ حَصَلَتْ بَقِيَّةٌ حَسَبَ اخْتِيَارِ النِّعْمَةِ.
- لَمْ يَرْفُضِ اللهُ شَعْبَهُ الَّذِي سَبَقَ فَعرفه… فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ أَيْضًا قَدْ حَصَلَتْ بَقِيَّةٌ: رفض شعب إسرائيل المسيا بوجه عام في أيام بولس، ومع ذلك آمنت بَقِيَّة من الشعب بإنجيل يسوع المسيح، وكثيراً ما تعامل الله مع شعب إسرائيل من خلال بقية تقية بقيت أمينة له (كما فعل في زمن إيليا).
- “من المُحتمل أن بولس- الذي تعرض لاضطهاد من أبناء بلده – قد شعر كما شعر إيليا.” هاريسون (Harrison)
- يَتَوَسَّلُ إِلَى اللهِ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ: كانت الأمور سيئة لدرجة أن إيليا صلى ضِدَّ شعبه!
- يَا رَبُّ، قَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ: ظن إيليا أن الله قد رفض الأمة وأنه الوحيد الذي كان يعبد الرب. ولكن الله أظهر له أن هناك بقية كبيرة.
- فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ أَيْضًا قَدْ حَصَلَتْ بَقِيَّةٌ: كثيراً ما نعتقد أن الله يحتاج إلى الكثير من الناس للقيام بعمل عظيم، لكنه غالباً ما يعمل من خلال مجموعة صغيرة أو من خلال مجموعة بدايتها صغيرة. وعلى الرغم من عدم إيمان الكثير من اليهود في أيام بولس بأن يسوع هو المسيا، إلا أن هناك بَقِيَّة آمنت بذلك وسوف يستخدم الله هذه المجموعة الصغيرة بشكلٍ كبير.
- “لم يكن العدد هو المهم بقدر أهمية استمرار خطة الله لإسرائيل في أيام إيليا… فقد وضع إيليا ثقته في نعمة الله وليس في الأعداد.” موريس (Morris)
د ) الآيات (٦-١٠): حق الله في اختيار بَقِيَّة وفقاً لنعمته
٦فَإِنْ كَانَ بِالنِّعْمَةِ فَلَيْسَ بَعْدُ بِالأَعْمَالِ، وَإِلاَّ فَلَيْسَتِ النِّعْمَةُ بَعْدُ نِعْمَةً. وَإِنْ كَانَ بِالأَعْمَالِ فَلَيْسَ بَعْدُ نِعْمَةً، وَإِلاَّ فَالْعَمَلُ لاَ يَكُونُ بَعْدُ عَمَلاً. ٧فَمَاذَا؟ مَا يَطْلُبُهُ إِسْرَائِيلُ ذلِكَ لَمْ يَنَلْهُ. وَلكِنِ الْمُخْتَارُونَ نَالُوهُ. وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَتَقَسَّوْا، ٨كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَعْطَاهُمُ اللهُ رُوحَ سُبَاتٍ، وَعُيُونًا حَتَّى لاَ يُبْصِرُوا، وَآذَانًا حَتَّى لاَ يَسْمَعُوا إِلَى هذَا الْيَوْمِ». ٩وَدَاوُدُ يَقُولُ: «لِتَصِرْ مَائِدَتُهُمْ فَخًّا وَقَنَصًا وَعَثْرَةً وَمُجَازَاةً لَهُمْ. ١٠لِتُظْلِمْ أَعْيُنُهُمْ كَيْ لاَ يُبْصِرُوا، وَلْتَحْنِ ظُهُورَهُمْ فِي كُلِّ حِينٍ».
- إِنْ كَانَ بِالنِّعْمَةِ فَلَيْسَ بَعْدُ بِالأَعْمَالِ، وَإِلاَّ فَلَيْسَتِ النِّعْمَةُ بَعْدُ نِعْمَةً: ذكر بولس في العدد السابق أن بَقِيَّةٌ مِنَ الشَّعْبِ اخْتَارَهَا اللهُ بِالنِّعمَةِ. والآن يذكّرنا بمعنى النِّعْمَةُ: هي عطية مجانية لا يعطيها الله لشخص بسبب أعماله أو إمكاناته، بل تُعطى فقط لأن المُعطِي صالح وكريم.
- إِنْ كَانَ بِالأَعْمَالِ فَلَيْسَ بَعْدُ نِعْمَةً: من حيث مبدأ الاستحقاق لا تتوافق النعمة مع الأعمال. فإذا كانت الهبة تُعطى بسبب النعمة، فلا يمكن أن يكون سببها الأعمال، وإن كانت الهبة تعطى للأعمال لا يُمكن أن تكون من النعمة في شيء.
- الْمُخْتَارُونَ نَالُوهُ. وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَتَقَسَّوْا: لقد نال المختارون من إسرائيل رحمة الله واستجابوا لها، بَيْنَمَا تَقَسَّى الآخَرُونَ.
- كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: يخبرنا الاقتباس من إشعياء ٢٩ ومزمور ٦٩ أن الله يمكن أن يعطي رُوحَ سُبَاتٍ وعُيُون لاَ تُبصر، ويمكنه أن يقول لِتُظْلِمْ أَعْيُنُهُمْ كَيْ لاَ يُبْصِرُوا كما يشاء. فإذا سُرَّ الله أن يُنير بقية من إسرائيل في الوقت الحاضر، فهو يستطيع أن يفعل كما يشاء.
- يعلق موريس (Morris) على رُوحَ سُبَاتٍ قائلاً: “أن يملك المرء قلب ميت تجاه الأمور الروحية.”
- “وكأن مجموعة من الرجال يجلسون بارتياح حول مأدبة العشاء، وأمسى شعورهم بالأمان هو سبب خرابهم. فهم آمنين جداً في سلامتهم الزائفة غير مدركين أن العدو يمكن أن يأتيهم بغتةً” باركلي (Barclay). فقد كان اليهود أيام بولس آمنين للغاية في ظل فكرة أنهم الشعب المختار لدرجة أن هذه الفكرة أصبحت هي سبب دمارهم.
ثانياً. خطة الله لخلاص بقية فقط في الوقت الحاضر
أ ) الآية (١١ أ): هل تعثُر شعب إسرائيل الذي تنبأ به مزمور ٦٩ يعني سقوطهم إلى الأبد؟
١١فَأَقُولُ: أَلَعَلَّهُمْ عَثَرُوا لِكَيْ يَسْقُطُوا؟
- عَثَرُوا … يَسْقُطُوا: يعرض بولس الفرق بين التعثر والسقوط. فقد تعثر شعب إسرائيل، لكنه لم يسقط – أي لم يحذف من خطة الله وهدفه. فيمكنه التعافي من التعثر، أما السقوط فيعني أن تطرح أرضاً.
ب) الآيات (١١ب -١٤) بالطبع لا، كان لدى الله غرض من السماح لإسرائيل بالتعثُر – حتى يأتي الخلاص إلى الأمم.
حَاشَا! بَلْ بِزَلَّتِهِمْ صَارَ الْخَلاَصُ لِلأُمَمِ لإِغَارَتِهِمْ. ١٢فَإِنْ كَانَتْ زَلَّتُهُمْ غِنىً لِلْعَالَمِ، وَنُقْصَانُهُمْ غِنىً لِلأُمَمِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ مِلْؤُهُمْ؟ ١٣فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا الأُمَمُ: بِمَا أَنِّي أَنَا رَسُولٌ لِلأُمَمِ أُمَجِّدُ خِدْمَتِي، ١٤لَعَلِّي أُغِيرُ أَنْسِبَائِي وَأُخَلِّصُ أُنَاسًا مِنْهُمْ.
- حَاشَا!: لقد أظهر بولس أن الله لا يزال يعمل من خلال بقية من شعب إسرائيل في الوقت الحاضر، لكنه يريد أن يوضح أن غالبية إسرائيل الخاطئة لم تضيع إلى الأبد.
- بِزَلَّتِهِمْ صَارَ الْخَلاَصُ لِلأُمَمِ: أمثلة عديدة توضح أن الإنجيل قد وصل إلى الأمم فقط بعد رفض الشعب اليهودي له (أعمال الرسل ٤٦:١٣، ٥:١٨-٦، ٢٥:٢٨-٢٨).). وهكذا كان رفض اليهود للإنجيل غِنىً لِلْأمم.
- لم يكن رفض اليهود الإيمان بأن يسوع هو المسيا هو سبب خلاص الأمم، لكنه سمح للإنجيل بالوصول إلى الأمم، وقد استفاد العديد من الأمم من هذه الفرصة.
- لَعَلِّي أُغِيرُ أَنْسِبَائِي (أرْجُو أنْ يَغَارَ أقرِبَائِي بِسَبَبِ ذَلِكَ): لم تكن رغبة بولس قاصرة على تمتع الأمم بهذا الغنى، لكنه كان يريد أن يُشعر اليهود أيضاً بغيرة حسنة تحفزهم للحصول على بعض البركات التي يتمتع بها الأمم.
- “مما يدعو للأسف العميق أنه كما رفض إسرائيل قبول هذا الخلاص المقدم له، كذلك رفضت الأمم أن تثير غيرة شعب إسرائيل. وبدلاً من إظهار روعة الإيمان المسيحي لهم، عامل المؤمنون اليهود بكراهية وتحامُل واضطهاد وخُبثوعدم تسامح. وعلى المؤمنين ألا يتعاملوا مع هذا المقطع ببساطة وبغير مبالاة.” موريس (Morris)
ج ) الآيات (١٥-٢١): إلى الأمم: صحيح أن رفض اليهود ليسوع أصبح بركة لكم؛ لكن فكروا كم سيكون قبولهم ليسوع بركة عظيمة.
١٥لأَنَّهُ إِنْ كَانَ رَفْضُهُمْ هُوَ مُصَالَحَةَ الْعَالَمِ، فَمَاذَا يَكُونُ اقْتِبَالُهُمْ إِلاَّ حَيَاةً مِنَ الأَمْوَاتِ؟ ١٦وَإِنْ كَانَتِ الْبَاكُورَةُ مُقَدَّسَةً فَكَذلِكَ الْعَجِينُ! وَإِنْ كَانَ الأَصْلُ مُقَدَّسًا فَكَذلِكَ الأَغْصَانُ! ١٧فَإِنْ كَانَ قَدْ قُطِعَ بَعْضُ الأَغْصَانِ، وَأَنْتَ زَيْتُونَةٌ بَرِّيَّةٌ طُعِّمْتَ فِيهَا، فَصِرْتَ شَرِيكًا فِي أَصْلِ الزَّيْتُونَةِ وَدَسَمِهَا، ١٨فَلاَ تَفْتَخِرْ عَلَى الأَغْصَانِ. وَإِنِ افْتَخَرْتَ، فَأَنْتَ لَسْتَ تَحْمِلُ الأَصْلَ، بَلِ الأَصْلُ إِيَّاكَ يَحْمِلُ! ١٩فَسَتَقُولُ: «قُطِعَتِ الأَغْصَانُ لأُطَعَّمَ أَنَا!». ٢٠حَسَنًا! مِنْ أَجْلِ عَدَمِ الإِيمَانِ قُطِعَتْ، وَأَنْتَ بِالإِيمَانِ ثَبَتَّ. لاَ تَسْتَكْبِرْ بَلْ خَفْ! ٢١لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى الأَغْصَانِ الطَّبِيعِيَّةِ فَلَعَلَّهُ لاَ يُشْفِقُ عَلَيْكَ أَيْضًا!
- إِنْ كَانَتِ الْبَاكُورَةُ مُقَدَّسَةً: ربما تمثل الْبَاكُورَة المؤمنين الأوائل الذين كانوا يهوداً وكان إيمانهم مقدساً ونافعاً للكنيسة. فمعظم كُتاب العهد الجديد كانوا من اليهود. فإن كان إيمان هذه الْبَاكُورَة نافعاً للأمم، فكم بالحري سيكون الأمر أفضل عندما يأتي الحصاد بأكمله!
- يرى العديد من المفسرين أن الْبَاكُورَة هنا تعني “الآباء” لكن من المناسب أكثر أن تعني مجموعة المؤمنين الأوائل الذين كانوا من اليهود.
- بَعْضُ الأَغْصَانِ، وَأَنْتَ زَيْتُونَةٌ بَرِّيَّةٌ: يستخدم بولس صورة الشجرة وفروعها لكي يُذكر المؤمنين من الأمم أنهم بالنعمة فقط يستطيعون أن يثبتوا في “شجرة” الله – واليهود هم “جذرها.”
- “عندما تفقد شجرة زيتون قديماً نضارتها كان أحد العلاجات قديماً أن يقطع منها الفروع الضعيفة وتُطعم ببعض براعم الزيتون البرية. وكانت النتيجة بالفعل: تنشيط الشجرة الضعيفة.” موريس (Morris)
- يتحدث التلمود اليهودي عن راعوث الموآبية “كبُرعم إلهي” الذي تم تطعيم إسرائيل به. (مقتبس من موريس Morris)
- لاَ تَفْتَخِرْ عَلَى الأَغْصَانِ… فَأَنْتَ لَسْتَ تَحْمِلُ الأَصْلَ بَلِ الأَصْلُ إِيَّاكَ يَحْمِلُ: لئلا يعتقد الأمم أنهم أرفع منزلةً من اليهود، يذكرهم بولس بأن الجذر هو الذي يحمل الفروع وليس العكس.
- مِنْ أَجْلِ عَدَمِ الإِيمَانِ قُطِعَتْ، وَأَنْتَ بِالإِيمَانِ ثَبَتَّ: بالإضافة إلى ذلك، أي أممي ثابت في “شجرة” الله هو ثابت بسبب الإيمان وليس الأعمال أو عن استحقاق. فإذا لم يؤمن الأمم سوف “يُقطعون” تماماً كما حدث مع شعب إسرائيل غير المؤمن.
د ) الآيات (٢٢-٢٤): تنفيذ غرض الله في رفض إسرائيل حتى تصل الرسالة إلى الأمم.
٢٢فَهُوَذَا لُطْفُ اللهِ وَصَرَامَتُهُ: أَمَّا الصَّرَامَةُ فَعَلَى الَّذِينَ سَقَطُوا، وَأَمَّا اللُّطْفُ فَلَكَ، إِنْ ثَبَتَّ فِي اللُّطْفِ، وَإِلاَّ فَأَنْتَ أَيْضًا سَتُقْطَعُ. ٢٣وَهُمْ إِنْ لَمْ يَثْبُتُوا فِي عَدَمِ الإِيمَانِ سَيُطَعَّمُونَ. لأَنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُطَعِّمَهُمْ أَيْضًا. ٢٤لأَنَّهُ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ قُطِعْتَ مِنَ الزَّيْتُونَةِ الْبَرِّيَّةِ حَسَبَ الطَّبِيعَةِ، وَطُعِّمْتَ بِخِلاَفِ الطَّبِيعَةِ فِي زَيْتُونَةٍ جَيِّدَةٍ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يُطَعَّمُ هؤُلاَءِ الَّذِينَ هُمْ حَسَبَ الطَّبِيعَةِ،فِي زَيْتُونَتِهِمِ الْخَاصَّةِ؟
- هُوَذَا لُطْفُ اللهِ وَصَرَامَتُه: يؤكد بولس على أهمية الثبات في لطف الله، ليس بمعنى الخلاص بالأعمال، ولكن بمعنى الثبات في نعمة ولطف الله. وقد عبّر يوحنا عن نفس فكرة الثبات المستمر في “الشجرة” في الإصحَاح ١:١٥-٨ من إنجيله.
- “أسلوب الشرط في الآية ’إِنْ ثَبَتَّ فِي اللُّطْفِ‘ هو تذكير بأنه لا يوجد ثبات بالإيمان دون المثابرة. فلن يكون هناك ثبات في اللطف مع الارتداد؛ فخلاص الله والثبات أمران متلازمان.” موراي (Murray)
- اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُطَعِّمَهُمْ أَيْضًا: إذا تم “قطع” إسرائيل بسبب عدم إيمانهم، يمكن أن يُطَعَموا ثانيةً إِنْ لَمْ يَثْبُتُوا فِي عَدَمِ الإِيمَانِ.
- “من الواضح أن بعض المؤمنين من الأمم كانوا يميلون إلى الاعتقاد بأنه لا يوجد مستقبل لإسرائيل بسبب رفضه للإنجيل، وأن الله قد اختار الأمم بدلاً عنهم. وهذا هو نوع الكبرياء الذي يعارضه بولس.” موريس (Morris)
- فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يُطَعَّمُ هؤُلاَءِ الَّذِينَ هُمْ حَسَبَ الطَّبِيعَةِ، فِي زَيْتُونَتِهِمِ الْخَاصَّةِ؟: إذا تم “تطعيم” الأمم في “شجرة” الله بسهولة، فلن يصعب على الله أن يعيد تطعيم الشجرة بفروعها الطبيعية. ويمكننا أيضاً أن نفترض أن الفروع الطبيعية لديها القدرة على حمل الكثير من الثمار.
ثالثاً. تتضمن خطة الله لإسرائيل ردهم في النهاية
أ ) الآيات (٢٥-٢٧): الوعد بخلاص كل إسرائيل.
٢٥فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا هذَا السِّرَّ، لِئَلاَّ تَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ حُكَمَاءَ: أَنَّ الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيًّا لإِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ الأُمَمِ، ٢٦وَهكَذَا سَيَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «سَيَخْرُجُ مِنْ صِهْيَوْنَ الْمُنْقِذُ وَيَرُدُّ الْفُجُورَ عَنْ يَعْقُوبَ. ٢٧وَهذَا هُوَ الْعَهْدُ مِنْ قِبَلِي لَهُمْ مَتَى نَزَعْتُ خَطَايَاهُمْ».
- لِئَلاَّ تَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ حُكَمَاءَ: علينا أن نأخذ هذا التحذير بجدية. فبولس يشدد على المؤمنين ألا يجْهَلُوا هذَا السِّرّ.
- الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيًّا لإِسْرَائِيلَ: يلخص بولس وجهة نظره من رومية ١١:١١-٢٤. إن غرض الله من السماح للْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيًّا لإِسْرَائِيلَ هو أن يدخل العدد الكامل من بقية الأمم في عائلة الله (إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ الأُمَمِ).
- كلمة جُزْئِيًّا تحمل معنى “مؤقتاً”؛ أي أن قَسَاوَةَ إسرائيل مؤقتة. “يوماً ما سيدرك اليهود قساوتهم وحماقتهم وسيقبلون يسوع المسيح، والرد المجيد لهذا الشعب سوف يأتي بعصر الملكوت.” سميث (Smith)
- إِلَى أَنْ يَدْخُلَ ملء الأُمَمِ: في ذلك الوقت، سوف يحول الله مرة أخرى خطته نحو إسرائيل حتى يَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ. فخطة الله لا تضع اهتمامها بالتساوي على الجميع عبر العصور.
- سَيَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ: ليس المقصود بـ ’جميع إسرائيل‘ المذكور في رومية ٢٥:١١ ’إسرائيل الروحي (الكنيسة)‘ لأن إسرائيل الحالي أعمى روحياً. فإسرائيل المذكور في الآية ٢٥ و٢٦ هو شعب إسرائيل وليس الكنيسة.
- هناك فرق بين إسرائيل القومي واسرائيل العِرقي وإسرائيل الروحي؛ وبولس يوضح هذا في غلاطية ٧:٣ وفي مواضع أخرى. ومع ذلك، لا تزال لدى الله خطة وهدف لإسرائيل العِرقي وسوف يخلصه.
- نحن نعلم أيضاً أن هذا ليس “إسرائيل الروحي” لأن بولس يقول إن هذا سِر – وخلاص إسرائيل الروحي ليس سِراً.
- يعلق هاريسون (Harrison) على ’جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ‘ قائلاً: “يرى كالفين (Calvin) أنهم المُفتدون من يهود وأمم. ولكن كلمة إسرائيل لم تُستخدم في هذه الإصحَاحات للإشارة إلى الأمم، ومن غير المؤكد أن يكون هذا هو الحال في أي من كتابات بولس.”
- “من المستحيل أن نفكر في تفسير كلمة إسرائيل هنا بمعنى مختلف عن معنى كلمة إسرائيل في عدد ٢٥.” بروس (Bruce)
- سَيَخْلُصُ: كلمة سَيَخْلُصُ تخبرنا بوضوح أن الله لم ينته بعد من إسرائيل كأُمَة أو كمجموعة عرقية مميزة. ورغم أنه أبعد رحمته عن إسرائيل تحديداً ووضعها على الأمم بشكل عام، إلا أنه يوماً سيردهم إليه ثانية.
- تدحض هذه الفقرة البسيطة فكرة أن الله قد انتهى إلى الأبد من إسرائيل كشعب وأن الكنيسة هي إسرائيل الجديدة وترث كل الوعود التي قطعها الله لإسرائيل القومية والعرقية في العهد القديم.
- نتذكر الوعود الدائمة التي كان قد قطعها الله لإسرائيلفي العهد القديم (تكوين ١٥:١٣ و٧:١٧-٨). فالله لم “ينته” بعد من إسرائيل، ولم يجعل إسرائيل فكرة روحية تعني الكنيسة.
- وبينما نرى ونفرح بعمل الله المستمر وسط شعبه على مر العصور، نرى أيضاً تمييزاً بين إسرائيل والكنيسة – وقد كان بولس حساساً بشأن هذا.
- سَيَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ: لا يعني هذا أنه في وقت ما سوف يَخلُص كل إنسان من أصل يهودي، بل هو الوقت الذي سينال به شعب إسرائيل كأمة الخلاص، ويؤمنوا كأمة (خاصة قيادتها) بأن يسوع المسيح هو المسيا.
- وكما أن ارتداد إسرائيل لم يمتد إلى كل يهودي، هكذا خلاص إسرائيل لن يمتد إلى كل يهودي. ويتكلم بولس هنا عن اليهود ’كمجموعة‘ عندما يقول جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ، فهذا تعبير متكرر في الأدب اليهودي، لا يعني بالضرورة “كل يهودي دون استثناء واحد” بل “إسرائيل ككل.” بروس (Bruce)
- وعندما يَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ سيكون هذا عن طريق الإيمان بأن يسوع المسيح هو المسيا – مع أن هذا يبدو الآن بعيد الاحتمال. فخلاصهم لن يكون بواسطة خلاص “يهودي” خاص.
- يشير الكتاب المقدس إلى أن هذا شرط ضروري لعودة يسوع المسيح (متى ٣٩:٢٣، زكريا ١٠:١٢-١١). فمجيء يسوع المسيح ثانية لن يحدث إلا عندما يوجه الله رحمته المُخَلصة إلى إسرائيل ثانيةً، وتستجيب إسرائيل لدعوة الله من خلال يسوع المسيح.
- سَيَخْرُجُ مِنْ صِهْيَوْنَ الْمُنْقِذُ: تُظهر الاقتباسات من إشعياء أن الله ما زال يعمل لخلاص شعب إسرائيل ولن يتوانى عن إتمامه.
ب) الآيات (٢٨-٢٩): محبة الله ودعوته لإسرائيل لا تزال مستمرة.
٢٨مِنْ جِهَةِ الإِنْجِيلِ هُمْ أَعْدَاءٌ مِنْ أَجْلِكُمْ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الاخْتِيَارِ فَهُمْ أَحِبَّاءُ مِنْ أَجْلِ الآبَاءِ، ٢٩لأَنَّ هِبَاتِ اللهِ وَدَعْوَتَهُ هِيَ بِلاَ نَدَامَةٍ.
- مِنْ جِهَةِ الإِنْجِيلِ… مِنْ جِهَةِ الاخْتِيَارِ: على الرغم من أنه كان يبدو في أيام بولس أن اليهود كانوا أعداء الله وكانوا ضد يسوع، إلا أنهم ما زالوا أَحِبَّاءُ، والسبب أنهم محبوبون هو وعود الله للآباء العهد القديم (مِنْ أَجْلِ الآبَاءِ).
- بالطبع، هم أَحِبَّاءُ لسبب أكبر من كونهم أَحِبَّاءُ مِنْ أَجْلِ الآبَاء، لكن ذلك في حد ذاته سيكون كافياً.
- هِبَاتِ اللهِ وَدَعْوَتَهُ هِيَ بِلاَ نَدَامَةٍ: وهذا سبب آخر لعدم تخلي الله عن إسرائيل من الناحية القومية والعرقية. وهذا المبدأ يمنحنا نحن المؤمنين العزاء والطمأنينة أكثر بكثير من إسرائيل، فهو يعني أن الله لن يتخلى عنا وأنه يترك باب العودة مفتوحاً أمامنا.
ج ) الآيات (٣٠-٣٢): ينبه بولس المؤمنين من الأمم أن يتذكروا من أين أتوا وإلى أين وعد الله أن يأخذ الشعب اليهودي.
٣٠فَإِنَّهُ كَمَا كُنْتُمْ أَنْتُمْ مَرَّةً لاَ تُطِيعُونَ اللهَ، وَلكِنِ الآنَ رُحِمْتُمْ بِعِصْيَانِ هؤُلاَءِ ٣١هكَذَاهؤُلاَءِ أَيْضًا الآنَ، لَمْ يُطِيعُوا لِكَيْ يُرْحَمُوا هُمْ أَيْضًا بِرَحْمَتِكُمْ. ٣٢لأَنَّ اللهَ أَغْلَقَ عَلَى الْجَمِيعِ مَعًا فِي الْعِصْيَانِ، لِكَيْ يَرْحَمَ الْجَمِيعَ.
- كُنْتُمْ أَنْتُمْ مَرَّةً لاَ تُطِيعُونَ اللهَ: جاء المؤمنون من الأمم من العِصْيَانِ لكن الله أظهر لهم رحمة من خلال عِصْيَانِ إسرائيل.
- رُحِمْتُمْ بِعِصْيَانِ: إذا استخدم الله عصيان إسرائيل من أجل خير الأمم، يمكنه أيضاً أن يستخدم الرحمة التي أُظهرت للأمم من أجل رحمة إسرائيل.
- اللهَ أَغْلَقَ عَلَى الْجَمِيعِ مَعًا فِي الْعِصْيَانِ: لقد حَجَزَ الله البشر جميعاً (اليهود والأمم) في سجن العِصيَانِ كمجرمين، لكي يقدم لهم رحمة على أساس شخص وعمل يسوع.
د ) الآيات (٣٣-٣٦): شكر الله على خطته وتدرجها.
٣٣يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! ٣٤«لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟ ٣٥ أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ؟». ٣٦لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.
- يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ!: عندما يُفكر بولس في خطة الله العظيمة على مر العصور، يبدأ بشكر الله من أجل طُرُقَهُ البعيدة عَنِ الاسْتِقْصَاءِ، ومن أجل حكمته وعِلمه.
- من كان ليخطط لمثل هذا السيناريو لكلٍ من إسرائيل والأمم والكنيسة كما فعل الله؟ نستطيع أن نرى الحكمة العظيمة والرحمة في خطته.
- “من الغريب أنه مع وضوح هذا الجزء الكتابي، يتجرأ الإنسان بكل هدوء وبثقة أن يكتب عن خطط الله وأحكامه التي تشكلت منذ الأزل، ويتحدثون عنها بثقة وحسم كما لو كان لهم دور فيها وكانوا معه منذ بداية طرقه!” كلارك (Clarke)
- لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟: تشدد هذه الاقتباسات من إشعياء ١٣:٤٠ وأيوب ١١:٤١ حكمة الله وقيادته السيادية؛ فلا يمكن أبداً أن يكون الله مديوناً لأحد.
- أوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ؟ مهما حاولت فأنت لن تستطيع أن تجعل الله مديوناً لك، ولن تستطيع أن تعطي الله أكثر مما يعطيك، ولن يحتاج الله أبداً أن يرد دين لأي شخص.
- لأنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ: “يا لها من كلمات بسيطة حتى أن الطفل يستطيع قراءتها، ولكن من ذا الذي يُدرك معناها؟” ماير (Meyer)
- كل الأشياء مِنْهُ: جاءت هذه الخطة من الله، ولم تكن من صنع الإنسان. فالإنسان لن يقول أبداً: “لقد أهنت الله وعلي أن أجد طريقة للرجوع إليه. فدعونا نعمل على خطة للرجوع إلى الله.” ففي ظل عدم اكتراثنا وموتنا الروحي لم نهتم بوضع مثل هذه الخطة، وحتى لو اهتممنا، فلسنا بالقدر الكافي من الذكاء أو الحكمة لوضع خطة. فكل الأشياء كانت مِنْهُ.
- كل الأشياء بِهِ: حتى إن كانت لدينا الخطة، لما استطعنا تحقيقها أو تحرير أنفسنا من سجن الخطية والذات. فكل ذلك يتحقق بِهِ فقط، وعمل يسوع العظيم نيابةً عنا هو الذي منح الخلاص.
- كل الأشياء لَهُ: ليست كل الأشياء لي أو لك بل لَهُ، لمدح مجد نعمته (أفسس ١: ٦). لقد خُلقنا لأجل مسرته، ونجد تحقيق ذواتنا في تمجيده وإكرامه.
- لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ: حقيقة أن بولس لا يستطيع فهم الله تجعله يمجد الله أكثر. فعندما نفهم القليل عن عظمة الله، فإننا نعبده بحماسة أكثر.