رسالة رومية – الإصحَاح ١٥
الحياة التي تبارك بها أخيك
أولاً. المِلء في الحياة المسيحي.
أ ) الآيات (١-٢): حياة مليئة بالرعاية والاهتمام بالآخرين.
١فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ الضُّعَفَاءِ، وَلاَ نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا. ٢فَلْيُرْضِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَرِيبَهُ لِلْخَيْرِ، لأَجْلِ الْبُنْيَانِ.
- فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ الضُّعَفَاءِ، وَلاَ نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا: إذا كنت تعتبر نفسك قوياً مقارنةً بأخيك، استخدم “قوتك” لخدمة إخوتك في المسيح، بدلاً من استخدامها لإرضاء نفسك.
- نَحْتَمِلَ: يجب أن تحتمل الأخ الضعيف وتدعمه بقوتك.
- يتعارض هذا مع كل ما يحدث في عصرنا الذي ينصح الناس “بالسعي وراء من له المكانة الأولى” واحتقار الآخرين الذين يعيشون حياة التضحية الحقيقية من أجل الآخرين. ومما لا شك فيه أن بولس يدعونا هنا للسير على طريق السعادة الحقيقية والإكتفاء – أي أن نرفع أعيننا من على ذواتنا ونبدأ في بناء الآخرين، وعندئذ سنختبر بناء لذواتنا.
- فَلْيُرْضِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَرِيبَهُ: أن نضع القريب أولاً تبدو دعوة بسيطة ولكنها في الواقع صعبة للغاية. وقد كتب بولس لاحقاً نفس الشيء في فيلبي ٣:٢-٤: لاَ شَيْئًا بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضًا.
- لا يعني هذا أن الكنيسة تُحكم بنزوات الضعفاء. “إن الاهتمام الحقيقي بالضعفاء يعني محاولة قيادتهم بعيداً عن شكوكهم الغير منطقية حتى يُصبحوا هم أيضاً أقوياء.” موريس (Morris)
- فَلْيُرْضِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَرِيبَهُ لِلْخَيْرِ: لا يقصد بولس أن نكون مثل الذين يريديون إرضاء الناس وليس الله، فهؤلاء يريدون إرضاء الناس ولكن ليس لخيرهم.
- لأَجْلِ الْبُنْيَانِ: في أغلب الأحيان يجد المؤمنون أنه من الأسهل تمزيق بعضهم بعضاً بدلاً من بناء بعضهم البعض، وهذه استراتيجية معروفة يستخدمها الشيطان ضد الكنيسة ويجب علينا مقاومتها.
ب) الآيات (٣-٤): مملوئين بمثال يسوع، الذي يُعطي الأولوية دائماً للآخرين.
٣لأَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ، بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «تَعْيِيرَاتُ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ». ٤لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا، حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ.
- أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ: يسوع هو المثال الأعظم لمن لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ بل أعطى الأولوية للآخرين. ويشرح بولس هذه الفكرة بإسهاب في فيلبي ٥:٢-١١.
- كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: لقد أتَم يسوع ما جاء بكلمة الله عندما تَحَمل الإساءة وعانى من أجل مجد الله. كما أوضح أننا في معظم الأحيان نحاول تبرئة أنفسنا بدلاً من أن نترك الله يفعل هذا، وقد أظهر لنا يسوع قدرة الآب على تبريرنا.
- تَعْيِيرَاتُ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ علَيَّ: الوصية التي أتَمها يسوع من مزمور ٧:٦٩ تنطبق علينا نحن أيضاً. لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا، حَتَّى يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ، عالمين أننا نفعل الصواب حتى وإن كان هذا صعباً.
- عندما نتعامل بطريقة صحيحة مع تعييرات العالم ضدنا من أجل يسوع، فهذا يزعج العالم أكثر ويجعله يدرك أنه ما من شيء يستطيع القيام به ضد أولاد الله الذين ثبَّتوا عيونهم على يسوع.
ج ) الآيات (٥-٦): صلاة من أجل تحقيق هذا التوجُّه في كنيسة رومية.
٥وَلْيُعْطِكُمْ إِلهُ الصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ أَنْ تَهْتَمُّوا اهْتِمَامًا وَاحِدًا فِيمَا بَيْنَكُمْ، بِحَسَبِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ، ٦لِكَيْ تُمَجِّدُوا اللهَ أَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَفَمٍ وَاحِدٍ.
- وَلْيُعْطِكُمْ إِلهُ: صياغة بولس لهذه الكلمات في شكل صلاة يدل على أنه يدرك أن هذا هو عمل الروح القدس بداخلنا.
- إِلهُ الصَّبْرِ: إلهنا هو إِلهُ الصَّبْرِ. ففي أغلب الاحيان، نكون في عجلة من أمرنا، ويبدو لنا أن الله يعمل ببطء شديد مقارنةً بنا، وغالباً ما تبدو مقاصد الله متأخرة لكنها دائماً تتحقق. وعندما يتوانى فهذا لا يعني الرفض، فلله غرض دائماً لخيرنا من كل تأخير.
- نحن نحب صبر الله مع شعبه، كما أننا بحاجة لأن يصبِر علينا! ولكننا غالباً ما نستاء من صبر الله في تحقيق خطته ونظن أن عليه الإسراع، لكن الله صبور مع شعبه وصبور في خطته.
- لِكَيْ تُمَجِّدُوا: الهدف هو تمجيد اللهَ أَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وهذا يتحقق عندما يكون لنا نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَفَمٍ وَاحِدٍ.
د ) الآيات (٧-١٣): مملوئين بمحبة نحو الآخرين والفرح والسلام بواسطة الروح القدس.
٧لِذلِكَ اقْبَلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا قَبِلَنَا، لِمَجْدِ اللهِ. ٨وَأَقُولُ: إِنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ قَدْ صَارَ خَادِمَ الْخِتَانِ، مِنْ أَجْلِ صِدْقِ اللهِ، حَتَّى يُثَبِّتَ مَوَاعِيدَ الآبَاءِ. ٩وَأَمَّا الأُمَمُ فَمَجَّدُوا اللهَ مِنْ أَجْلِ الرَّحْمَةِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مِنْ أَجْلِ ذلِكَ سَأَحْمَدُكَ فِي الأُمَمِ وَأُرَتِّلُ لاسْمِكَ» ١٠وَيَقُولُ أَيْضًا: «تَهَلَّلُوا أَيُّهَا الأُمَمُ مَعَ شَعْبِهِ» ١١وَأَيْضًا: «سَبِّحُوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ الأُمَمِ، وَامْدَحُوهُ يَا جَمِيعَ الشُّعُوبِ» ١٢وَأَيْضًا يَقُولُ إِشَعْيَاءُ: «سَيَكُونُ أَصْلُ يَسَّى وَالْقَائِمُ لِيَسُودَ عَلَى الأُمَمِ، عَلَيْهِ سَيَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ». ١٣وَلْيَمْلأْكُمْ إِلهُ الرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي الإِيمَانِ، لِتَزْدَادُوا فِي الرَّجَاءِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ.
- لِذلِكَ اقْبَلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا: بدلاً من ترك المُنازعات تُقسم المؤمنين (وخاصةً الانقسام بين اليهود والأمم)، علينا أن نقبل بعضنا بعضاً كما قبلنا المسيح بالنعمة متحملاً أخطائنا.
- علَّق سبيرجن (Spurgeon) على عبارة “كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا قَبِلَنَا” قائلاً: “لم يقبلنا المسيح بسبب كمالنا أو لأنه لم يرى فينا عيباً أو رغبةً منه في أن يربَح شيء، لكن بتنازله المحب غطى عيوبنا وسعى إلى خيرنا ورحب بنا إلى قلبه. وهكذا، وبنفس الطريقة، ولنفس الغرض، علينا أن نقبل بعضنا بعضاً.”
- كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: يقتبس بولس مجموعة مقاطع من العهد القديم ليوضيح رغبة الله في تمجيد الأمم له. وبدلاً من الإنقسام بسبب الأمور المُتنازع عليها، يجب أن يتحد اليهود والأمم في يسوع على أرضية التمجيد المشتركة.
- سَأَحْمَدُكَ فِي الأُمَمِ: هذا الاقتباس من مزمور ١٨ يصف يسوع نفسه وهو يُمَجِد الله بين الأمم.
- وَلْيَمْلأْكُمْ إِلهُ الرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ: من الملائم أن يُختَتَم هذا الجزء بالصلاة والبركة. وعندما يملأنا الله ببركات السرور والسلام في الإيمان، نُصبح مؤهلين للعيش في الوحدة التي يدعونا لها.
ثانياً. عبء خدمة بولس
أ ) الآيات (١٤-١٦): سبب كتابة بولس.
١٤وَأَنَا نَفْسِي أَيْضًا مُتَيَقِّنٌ مِنْ جِهَتِكُمْ، يَاإِخْوَتِي، أَنَّكُمْ أَنْتُمْ مَشْحُونُونَ صَلاَحًا، وَمَمْلُوؤُونَ كُلَّ عِلْمٍ، قَادِرُونَ أَنْ يُنْذِرَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. ١٥وَلكِنْ بِأَكْثَرِ جَسَارَةٍ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ جُزْئِيًّا أَيُّهَا الإِخْوَةُ، كَمُذَكِّرٍ لَكُمْ، بِسَبَبِ النِّعْمَةِ الَّتِي وُهِبَتْ لِي مِنَ اللهِ، ١٦حَتَّى أَكُونَ خَادِمًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ الأُمَمِ، مُبَاشِرًا لإِنْجِيلِ اللهِ كَكَاهِنٍ، لِيَكُونَ قُرْبَانُ الأُمَمِ مَقْبُولاً مُقَدَّسًا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ.
- قَادِرُونَ أَنْ يُنْذِرَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا: لم يكتب بولس لأنه شعر بأن مؤمنين رومية لا يستطيعون تمييز ما هو الصواب أمام الله أو لكي ينذروا بعضهم بعضاً لفعل الصواب، لكنه كتب لتذكيرهم وتشجيعهم على فعل ما كانوا يعرفون أنه الصواب.
- حَتَّى أَكُونَ خَادِمًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ الأُمَمِ: من خلال تلبيتة لدعوة أن يكون خادم ليسوع المسيح من أجل الأمم، لم يكتف بولس بالتبشير بإنجيل الخلاص فحسب، بل علَّم المؤمنين أيضاً كيف يعيشون كأولاد الله.
- لِيَكُونَ قُرْبَانُ الأُمَمِ مَقْبُولًا: عندما يمجد الأمم الله في حياتهم، فإن قُرْبَانهم يَكُونَ مَقْبُولًا لدى الله ومُقَدَّسًا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. فأهمية مثل هذا القربان جعلت كتابة بولس ضرورية.
- قُرْبَانُ الأُمَمِ: يمتلئ رومية ١٦:١٥ بلغة الكهنوت. فيقول بولس أنه “ككاهن خادم” ليسوع المسيح يقدم الإنجيل “كتقدمة” حتى يكون إيمان الأمم قرباناً مقبولاً لدى الله.
- “عند تعريف الرسول لخدمته بأنها خدمة لإنجيل الله، استخدم كلمة لم تتكرر في العهد الجديد والتي تعني “القيام بدور الكاهن.” إذاً خدمة الإنجيل هي كخدمة الكاهن وسط شعبه.” موراي (Murray)
ب) الآيات (١٧-١٩): تفاخر بولس لإنجاز الله عمله بواسطته.
١٧فَلِي افْتِخَارٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَةِ مَا للهِ. ١٨لأَنِّي لاَ أَجْسُرُ أَنْ أَتَكَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ الْمَسِيحُ بِوَاسِطَتِي لأَجْلِ إِطَاعَةِ الأُمَمِ، بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، ١٩بِقُوَّةِ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، بِقُوَّةِ رُوحِ اللهِ. حَتَّى إِنِّي مِنْ أُورُشَلِيمَ وَمَا حَوْلَهَا إِلَى إِللِّيرِيكُونَ، قَدْ أَكْمَلْتُ التَّبْشِيرَ بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ.
- فَلِي افْتِخَارٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ: بالنظر إلى دعوته كخادم لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ الأُمَمِ، يستطيع بولس أن يفتخر في الله لأنه تلقى هذه الدعوة، متحدثاً فقط عن الأشياء التي عملها الله من خلاله من أجل خلاص الأمم.
- “سوف يفتخر بولس فقط من جهة الأعمال التي عملها يسوع من خلاله، وهو على يقين من أنها أعمال عظيمة. كما أنه مسرور لأنه يستطيع أن يجذب الانتباه إلى تلك الأعمال، لكنه لا يسعى إلى التملُّق، لأن ما فعله المسيح هو موضوعه الأساسي.” موريس (Morris)
- لأَجْلِ إِطَاعَةِ الأُمَمِ، بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ: استخدم الله آيَاتٍ وَعَجَائِبَ وقُوَّةِ رُوحِ اللهِ لمساعدة بولس على إكمال التبشير بإنجيل المسيح حيثما ذهب، من أورشليم إلى إلليريكون.
- قَدْ أَكْمَلْتُ التَّبْشِيرَ بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ: يعتبر بولس التبشير بإنجيل المسيح دون عمل الروح القدس الفعَّال المُعجزي هو تبشير غير مُكتمل.
- مِنْ أُورُشَلِيمَ وَمَا حَوْلَهَا إِلَى إِللِّيرِيكُونَ، قَدْ أَكْمَلْتُ التَّبْشِيرَ بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ: إِللِّيرِيكُون هي يوغوسلافيا الحديثة وألبانيا، وهذا يعني أن خدمة بولس انتشرت من الليريكون في الغرب إلى أورشليم في الشرق.
- الْمَسِيحِ يَسُوعَ… الله… رُوحِ اللهِ: يشير بولس إلى كل أقنوم في الثالوث في رومية ١٦:١٥-١٩، فهو لا يستطيع أن يتحدث عن الله دون الإعتراف بأقانيمه الثلاثة.
ج ) الآيات (٢٠-٢١): رغبة بولس في التبشير بالإنجيل في أماكن جديدة.
٢٠وَلكِنْ كُنْتُ مُحْتَرِصًا أَنْ أُبَشِّرَ هكَذَا: لَيْسَ حَيْثُ سُمِّيَ الْمَسِيحُ، لِئَلاَّ أَبْنِيَ عَلَى أَسَاسٍ لآخَرَ. ٢١بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «الَّذِينَ لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ سَيُبْصِرُونَ، وَالَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوا سَيَفْهَمُونَ».
- لَيْسَ حَيْثُ سُمِّيَ الْمَسِيحُ: ليس هدف بولس أن يبني على أساس وضعه شخص آخر، بل أن يقوم بعمل ريادي للرب ليس لأنه كان من الخطأ أو من السيء أن يواصل عمل بدأه شخص آخر، لكن لأنه كان هناك الكثير الذي يجب القيام به.
- بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: رأى بولس أن قلبه الريادي بمثابة طاعة للكتاب المقدس، وتحقيق لما جاء في الجزء الذي اقتبسه من العهد القديم.
ثالثاً. رغبة بولس في المجيء إلى روما.
أ ) الآيات (٢٢-٢٤): لماذا لم يقم بولس بعد بزيارة روما.
٢٢لِذلِكَ كُنْتُ أُعَاقُ الْمِرَارَ الْكَثِيرَةَ عَنِ الْمَجِيءِ إِلَيْكُمْ. ٢٣وَأَمَّا الآنَ فَإِذْ لَيْسَ لِي مَكَانٌ بَعْدُ فِي هذِهِ الأَقَالِيمِ، وَلِي اشْتِيَاقٌ إِلَى الْمَجِيءِ إِلَيْكُمْ مُنْذُ سِنِينَ كَثِيرَةٍ، ٢٤فَعِنْدَمَا أَذْهَبُ إِلَى اسْبَانِيَا آتِي إِلَيْكُمْ. لأَنِّي أَرْجُو أَنْ أَرَاكُمْ فِي مُرُورِي وَتُشَيِّعُونِي إِلَى هُنَاكَ، إِنْ تَمَلاَّءْتُ أَوَّلاً مِنْكُمْ جُزْئِيًّا.
- لِذلِكَ كُنْتُ أُعَاقُ الْمِرَارَ الْكَثِيرَةَ: رغبة بولس العظيمة للقيام بعمل ريادي هي التي أعاقته عن المجيء إلى رومية، رغم أنه كان يرغب في رؤيتهم.
- فَعِنْدَمَا أَذْهَبُ إِلَى اسْبَانِيَا آتِي إِلَيْكُمْ: لذا يفترض بولس أنه سيزور أهل رومية في رحلته المستقبلية إلى إسبانيا، حيث سيبشر بالإنجيل على الحدود. وبتوقفه في رومية في الطريق، يتوقع بولس أنه يستطيع أن يتمتع بدعم وشَرِكَة المؤمنين في رومية قبل ذهابه للتبشير بالإنجيل في المناطق المجاورة.
- أراد بولس على الأرجح أن تكون روما قاعدته للخدمة في الجزء الغربي من الإمبراطورية، كما كانت أنطاكية قاعدته للخدمة في الجزء الشرقي.
- لأَنِّي أَرْجُو أَنْ أَرَاكُمْ فِي مُرُورِي: هذا ما خطط له بولس، لكن الأمور لم تسر وفق تلك الخطط. ورغم أنه ذهب بالفعل إلى روما، لكنه لم يذهب كمُبشر بل ذهب كسجين ليحاكم أمام قيصر، وهناك سوف يبشر بالإنجيل على نطاق مختلف تماماً.
- كان لدى الله حدود غير متوقعة للإنجيل في حياة بولس، معطياً إياه فرصة للتبشير لإمبراطور روما نفسه.
- بعد إطلاق سراحه من السجن الروماني في نهاية سفر أعمال الرسل، لدينا سبب للاعتقاد بأن بولس استطاع أخيراً الوصول إلى إسبانيا وبشر بالإنجيل هناك.
ب) الآيات (٢٥-٢٩): خطط بولس الحالية.
٢٥وَلكِنِ الآنَ أَنَا ذَاهِبٌ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَخْدِمَ الْقِدِّيسِينَ، ٢٦لأَنَّ أَهْلَ مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ اسْتَحْسَنُوا أَنْ يَصْنَعُوا تَوْزِيعًا لِفُقَرَاءِ الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ. ٢٧اسْتَحْسَنُوا ذلِكَ، وَإِنَّهُمْ لَهُمْ مَدْيُونُونَ! لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الأُمَمُ قَدِ اشْتَرَكُوا فِي رُوحِيَّاتِهِمْ، يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَخْدِمُوهُمْ فِي الْجَسَدِيَّاتِ أَيْضًا. ٢٨فَمَتَى أَكْمَلْتُ ذلِكَ، وَخَتَمْتُ لَهُمْ هذَا الثَّمَرَ، فَسَأَمْضِي مَارًّا بِكُمْ إِلَى اسْبَانِيَا. ٢٩وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي إِذَا جِئْتُ إِلَيْكُمْ، سَأَجِيءُ فِي مِلْءِ بَرَكَةِ إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ.
- وَلكِنِ الآنَ أَنَا ذَاهِبٌ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَخْدِمَ الْقِدِّيسِينَ: فكر بولس أن يزور مدينة كورنثوس في طريقه إلى أورشليم لتوصيل التقدمة التي جمعها من المؤمنين في مكدونية وأخائية (أعمال الرسل ١:٢٠-٣).
- لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الأُمَمُ قَدِ اشْتَرَكُوا فِي رُوحِيَّاتِهِمْ، يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَخْدِمُوهُمْ فِي الْجَسَدِيَّاتِ: كانت ملاحظة بولس في محلها: فالمؤمنين من أصل أممي في كل الإمبراطورية الرومانية تلقوا الكثير من الدعم الروحي من المؤمنين اليهود في أورشليم، وكان من الصواب أن يقوموا الآن بتسديد حاجة المؤمنين في أورشليم.
- فَسَأَمْضِي مَارًّا بِكُمْ إِلَى اسْبَانِيَا: سوف يتوجه بولس بالفعل إلى روما بعد أورشليم، ولكن ليس بالطريقة التي خطط لها!
ج ) الآيات (٣٠-٣٣): إلتماس بولس الصلاة.
٣٠فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَبِمَحَبَّةِ الرُّوحِ، أَنْ تُجَاهِدُوا مَعِي فِي الصَّلَوَاتِ مِنْ أَجْلِي إِلَى اللهِ، ٣١لِكَيْ أُنْقَذَ مِنَ الَّذِينَ هُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ، وَلِكَيْ تَكُونَ خِدْمَتِي لأَجْلِ أُورُشَلِيمَ مَقْبُولَةً عِنْدَ الْقِدِّيسِينَ، ٣٢حَتَّى أَجِيءَ إِلَيْكُمْ بِفَرَحٍ بِإِرَادَةِ اللهِ، وَأَسْتَرِيحَ مَعَكُمْ. ٣٣إِلهُ السَّلاَمِ مَعَكُمْ أَجْمَعِينَ. آمِينَ.
- أَنْ تُجَاهِدُوا مَعِي فِي الصَّلَوَاتِ مِنْ أَجْلِي إِلَى اللهِ، لِكَيْ أُنْقَذَ مِنَ الَّذِينَ هُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ: كان بولس يستشعر الخطر الذي ينتظره في أورشليم (بعد تحذيره عدة مرات كما هو مذكور في أعمال الرسل ٢٢:٢٠-٢٣ و٢١ :١٠-١٤)، وكان يعرف أنه بحاجة إلى صلوات شعب الله لكي يجتاز هذه الفترة الصعبة.
- أَنْ تُجَاهِدُوا مَعِي: يريد بولس أن يشترك أهل رومية معه في الخدمة من خلال صلواتهم. وقد ترجمت هذه الآية بعدة طرق في ترجمات مختلفة، منها: “كونوا مناصرين لي في المعركة.” وفي ترجمة أخرى: “اشتركوا معي في صراعي بالصلاة إلى الله من أجلي.”
- “يحتاج الخُدام إلى صلوات رعيتهم. فأنا أحثكم مع بولس أن تكافحوا في صلواتكم من أجل رُعاتكم. فنحن نحتاج إلى صلواتكم ونشكر الله من أجلها. فالرعاة يتشجعون بقوة الروح من خلال دعم الرعية.” سميث (Smith)
- الكلمة اليونانية القديمة المترجمة أَنْ تُجَاهِدُوا مَعِي هي sunagonizomai وتعني حرفياً “نتألم معاً.” وهذا هو الموضع الوحيد في العهد الجديد الذي تستخدم فيه هذه الكلمة بالتحديد.
- لقد استُخِدم أصل هذه الكلمة في صلاة يسوع في بستان جثسيماني حينما طلب من تلاميذه أن يسهروا ويصلوا معه. لكنهم فشلوا في تلك اللحظة الحرجة وتركوا يسوع يصارع بمفرده. ونحن أيضاً علينا ألا نترك الخدام يصارعون بمفردهم. “يذكرنا هذا بكاري (Carey) الذي كان يقول عند ذهابه إلى الهند: ’سأنزل إلى الحفرة، ولكن على الأخ فولر (Fuller) وبقيتكم أن تُمسكوا بالحبل.‘ فهل نرفض هذا الطلب؟ ألن تعتبر هذه خيانة؟” سبيرجن (Spurgeon)
- “هل يدهشك أن رجلاً غنياً جداً في النعمة مثل بولس يطلب صلوات هؤلاء القديسين غير المعروفين؟ يجب ألا تندهش لذلك؛ فمن الطبيعي أن يرفع الشخص العظيم من شأن الآخرين. وبقدر ما ينمو الإنسان بالنعمة، بقدر ما يشعر بالاعتماد على الله، وبصورة ما، الاعتماد على شعب الله.” سبيرجن (Spurgeon)
- لِكَيْ أُنْقَذَ مِنَ الَّذِينَ هُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ: عرف بولس أن الخطر الذي سيواجهه في أورشليم سيأتي مِمَن هُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ، وهكذا كان الحال كما هو موضح في أعمال الرسل ٢٧:٢١-٢٨ و٢٢:٢٢.
- وَلِكَيْ تَكُونَ خِدْمَتِي لأَجْلِ أُورُشَلِيمَ مَقْبُولَةً عِنْدَ الْقِدِّيسِينَ: كان بولس يعرف أن الكنيسة في أورشليم مُحافظة جداً، وكانوا أحياناً يرون أن رجلاً مُجدِداً ومبتكراً مثل بولس قد يمثل خطراً عليهم، لهذا طلب بولس من أهل رومية الصلاة من أجل أن تَكُونَ خِدْمَتِه لأَجْلِ أُورُشَلِيمَ مَقْبُولَةً عِنْدَ الْقِدِّيسِينَ.
- حَتَّى أَجِيءَ إِلَيْكُمْ بِفَرَحٍ بِإِرَادَةِ اللهِ: لقد استُجيبت صلوات بولس وأهل رومية، وإن لم يكن بالطريقة التي توقعوها. فيصف أعمال الرسل ١٥:٢٨ “الدخول الانتصاري” لبولس إلى روما، حتى أنه جاء إليهم بِفَرَحٍ – رغم أنه كان في سلاسل!
- آمِين: يختتم بولس الرسالة هنا، باستثناء التحيات الشخصية في رومية ١٦.