ملوك الأول ١٧
بداية خدمة إِيلِيَّا
أولًا. صلى إيليا من أجل الجفاف واختبر تدبير الله لاحتياجاته
أ ) الآية (١): يتكلم إيليا عن دينونة الرب.
١وَقَالَ إِيلِيَّا التِّشْبِيُّ مِنْ مُسْتَوْطِنِي جِلْعَادَ لأَخْآبَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ، إِنَّهُ لاَ يَكُونُ طَلٌّ وَلاَ مَطَرٌ فِي هذِهِ السِّنِينَ إِلاَّ عِنْدَ قَوْلِي».
١. إِيلِيَّا التِّشْبِيُّ: في هذا الوقت الحاسم من تاريخ يهوذا وإسرائيل، ظهر النبي إيليا فجأة. وأصبح القوة الروحية المهيمنة في إسرائيل أثناء أيام ارتداد آخاب المظلمة.
• يعني اسم إيليا: «يهوه هو إلهي». ففي الأيام التي دعمت فيها حكومة أخآب عبادة البعل والآلهة الأخرى رسميًا، حتى اسم هذا النبي عبر عن الحقيقة.
• كانت تلك فترة حرجة في تاريخ إسرائيل. وبدا الأمر وكأن عبادة الإله الحقيقي ستُلغى تمامًا في المملكة الشمالية. “انتشر كهنة البعل والأيْكات في كل المملكة، وكانوا فخورين برضا البلاط الملكي عليهم؛ ومعتزين بصعودهم المفاجئ إلى السلطة؛ ومتعجرفين، وجشعين، ومنحلّين، ومنحطين. واِتقدت نيران الاضطهاد وبدأت تشتعل بالغضب.” ماير (Meyer)
• “بدا وكأن الارتداد اجتاح كل الأرض. ومن بين الآلاف من الإسرائيليين، لم يبقّ إلا سبعة آلاف شخص لم يحنوا ركبهم لبعل أو قبلوا يده. لكن الخوف شلّهم؛ وظلوا ساكنين، حتى أن إيليا لم يعرف بوجودهم أثناء شعوره بالوحدة.” ماير (Meyer)
٢. إِنَّهُ لاَ يَكُونُ طَلٌّ وَلاَ مَطَرٌ فِي هذِهِ السِّنِينَ إِلاَّ عِنْدَ قَوْلِي: كانت هذه ضربة موجهة ضد الإله الوثني بعل، الذي كان يعتقد أنه إله السماء، إله الطقس. أظهر إيليا من خلال صلاته لإله إسرائيل، أن الرب أقوى من البعل.
• “الديانة القديمة ضد الديانة الجديدة. الطفل الطبيعي ضد طفل القصر المخنث. شعر الإبل مقابل الملابس الناعمة. القوة الأخلاقية ضد الضعف الأخلاقي.” ماير (Meyer)
• لم يكن إيليا مجرد نبي هذا الجفاف – بمعنى الصلاة – بل كان سبب الجفاف. رفع صلاة وتحققت بالفعل. يوضح يعقوب ٥: ١٧-١٨ هذا: كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا.
٣. حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ: يدل هذا التصريح على مصدر القوة التي تمتع بها إيليا. قيل على وجه التحديد أن إيليا كان إنْسَانًا مِثْلَنَا تَمَامًا، أي ذا طبيعة كطبيعتنا (يعقوب ٥: ١٧). ومع ذلك، أظهر قوة أعظم منا جميعًا في ما يتعلق بحياتنا الروحية. يجب أن ننتبه إلى هذه المؤشرات لمصدر القوة في حياة إيليا.
• حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: شعر الجميع بأن الرب قد مات، أما بالنسبة لإيليا، فإن الرب حي. وهو اليقين الأسمى في حياة إيليا.
• الَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ: وقف أمام أخآب، لكنه كان واعيًا بحضور أعظم ملك على الإطلاق. لم يستطع جِبْرَائِيل نفسه اختيار لقب أعلى (لوقا ١: ١٩).
ب) الآيات (٢-٥): إيليا يهرب إلى كَرِيث.
٢وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ لَهُ قَائِلاً: ٣«انْطَلِقْ مِنْ هُنَا وَاتَّجِهْ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَاخْتَبِئْ عِنْدَ نَهْرِ كَرِيثَ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ الأُرْدُنِّ، ٤فَتَشْرَبَ مِنَ النَّهْرِ. وَقَدْ أَمَرْتُ الْغِرْبَانَ أَنْ تَعُولَكَ هُنَاكَ». ٥فَانْطَلَقَ وَعَمِلَ حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ، وَذَهَبَ فَأَقَامَ عِنْدَ نَهْرِ كَرِيثَ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ الأُرْدُنِّ.
١. انْطَلِقْ مِنْ هُنَا وَاتَّجِهْ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَاخْتَبِئْ عِنْدَ نَهْرِ كَرِيثَ: كان الجفاف الذي أعلنه إيليا في الآية السابقة تهديدًا خطرًا على مملكة إسرائيل الشمالية وسلطة أخآب. وبالتالي، كانت حياته في خطر، فأرسله الله إلى نَهْرِ كَرِيث من أجل سلامته.
• قاد الرب إيليا خطوة فخطوة. لم يأمره بالذهاب إلى كريث قبل أن ينقل رسالته أولًا إلى أخآب. لم يأمره بالذهاب إلى صرفة إلى أن جف نهر كريث. قاد الرب إيليا بالإيمان، خطوة فخطوة، واتبع إيليا قيادة الله بإيمان.
• وَاخْتَبِئْ عِنْدَ نَهْرِ كَرِيثَ: علم الرب إيليا من خلال هذا عن أهمية الاختباء/الاختفاء. أصبح الآن شهيرًا كعدو لآخاب، وكان قويًّا لدرجة أن صلاته يمكن أن توقف المطر. ففي لحظة شهرته الجديدة، أراد الله أن يختبئ إيليا وينفرد به. “لا يجب أن نتفاجأ إن قال أبونا السماوي أحيانًا: ’يكفيك يا ابني الاستعجال والشعبية والإثارة. فانطلق من هنا، واختبئ عند نهر كريث – اختبئ في غرفة المرضى في كريث. أو في الآمال المحبطة في كريث، أو في كريث الثكلى، أو في مكان معزول بعيدًا عن الجموع.” ماير (Meyer)
• “لا يمكن لإيليا أن يكون وحيدًا، طالما معه الله ونفسه ليتكلم معه. لا يكون الرجل الصالح أكثر وحدة أبدًا عندما يكون بمفرده.” تراب (Trapp)
٢. فَتَشْرَبَ مِنَ النَّهْرِ. وَقَدْ أَمَرْتُ الْغِرْبَانَ أَنْ تَعُولَكَ هُنَاكَ: “كان الهروب إلى نهر كريث أكثر من مجرد حماية. وكان ذلك لتدريب إيليا على الاتكال على الرب. ففي موسم الجفاف، كان عليه أن يثق بقدرة الله في الحفاظ على تدفق مياه هذا النهر. وكان عليه أيضًا أن يقبل طعام الغربان التي كانت حيوانات نجسة في ذلك الوقت.
• جاء اسم كريث من الجذر العبري القديم بمعنى: أن يقطع أو يزيل. ويبين هذا أن الله أراد أن يقوم بعملية إزالة أو قطع في حياة إيليا خلال هذه الفترة.
• وَقَدْ أَمَرْتُ الْغِرْبَانَ أَنْ تَعُولَكَ هُنَاكَ: يوجد تشديد على كلمة ’هُنَاك.‘ وعد الله بأن تطعم الغربان إيليا أثناء وجوده في كريث. يمكن للغربان، من الناحية النظرية طبعًا، أن تطعمه في أي مكان – لكن أمره الرب أن يكون في كيريث. ربما أراد إيليا أن يكون في مكان آخر، أو أن يعظ في مكان ما، أو يفعل أي شيء آخر. إلا أن الرب أراده هُنَاك، وسيعوله هُنَاك.
ج) الآية (٦): تدبير الله لاحتياجات إيليا.
٦وَكَانَتِ الْغِرْبَانُ تَأْتِي إِلَيْهِ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ صَبَاحًا، وَبِخُبْزٍ وَلَحْمٍ مَسَاءً، وَكَانَ يَشْرَبُ مِنَ النَّهْرِ.
١. وَكَانَتِ الْغِرْبَانُ تَأْتِي إِلَيْهِ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ: كل لقمة حصل عليها إيليا جاءت من منقار حيوان نجس. كان على إيليا أن يتخلى عن أفكاره التقليدية عن الأكل الطاهر والنجس وإلا لمات جوعًا. ومن خلال هذا، علّم الرب إيليا أن يؤكد روح الناموس قبل حرفية الناموس.
• استخرج تشارلز سبيرجن نقطتين للتطبيق من هذه الحادثة، مشبهًا الطعام الذي قدمته الغربان بالطعام الروحي. أولًا، أدرك أن الرب قد يأتي إلينا بكلمة طيبة من خلال إناء نجس، نجس روحيًا، مثل الغراب. ثانيًا، يمكن للمرء أن يقدم طعامًا روحيًا للآخرين وهو نفسه نجس روحيًا. “إذ يمكننا أيضًا أن نحمل الخبز واللحم إلى خدام الرب، وأن نقوم ببعض الأشياء الجيدة لكنيسته، ومع ذلك نبقى غربانًا.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ صَبَاحًا، وَبِخُبْزٍ وَلَحْمٍ مَسَاءً: كما كان أمينًا مع شعب إسرائيل وأعطاهم المن في البرية، هكذا دبر الله احتياجات إيليا. وأصبح يثق أكثر من أي وقت مضى بتدبير الله المعجزي.
• “بعد أن قرأ طفل صغير هذه القصة مع والدته الأرملة في ليلة ممطرة، بينما كانا يجلسان في غرفة باردة بالقرب من طاولة خالية من الطعام، سألها إن كان بإمكانه فتح الباب لدخول غربان الله؛ وكان متأكدًا أنهم في الطريق إليهم. انتبه رئيس تلك البلدة الألمانية، أثناء مروره من هناك، إلى الباب المفتوح، فدخل مستفسرًا عن السبب. عندما عرف السبب، قال: ’أنا سأكون غراب الرب لكم.‘ وسدد احتياجاتهم حينها وما بعد ذلك.” ماير (Meyer)
د ) الآية (٧): إيليا والنهر الجاف.
٧وَكَانَ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنَ الزَّمَانِ أَنَّ النَّهْرَ يَبِسَ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَطَرٌ فِي الأَرْضِ.
١. وَكَانَ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنَ الزَّمَانِ أَنَّ النَّهْرَ يَبِسَ: رأى إيليا أن تدفق النهر بدأ يتباطأ حتى جف تمامًا. اختفى مصدره الوحيد لمياه الشرب.
• “ليس سهلًا حتمًا أن تجلس بالقرب من جدول جاف – ولكن مواجهة أنبياء البعل على جبل الكرمل كان أصعب بكثير.” ماير (Meyer). ذكر ماير أيضًا أنواعًا مختلفة من الجفاف قد نمر بها في حياتنا:
جفاف ينبوع الشعبية: تضمحل الشعبية كما حدث مع يوحنا المعمدان.
جفاف ينبوع الصحة: تغرق الصحة تحت شلل زاحف، أو الإنهاك البطيء.
جفاف ينبوع المال: يتضاءل المال ببطء أمام مطالب المرض، أو الديون غير القابل للتسديد، أو إسراف الآخرين.
جفاف ينبوع الصداقة: تضعف الصداقة التي دامت لسنوات طويلة، وتهدد بالتوقف قريبًا.
• لماذا يسمح الرب بجفاف هذه الأمور؟ لأنه يريد أن يعلمنا ألا نتكل على عطاياه، بل عليه هو. يريد أن يستنزفنا من ذواتنا، كما فعل مع الرسل عندما انتظروا ١٠ أيام قبل يوم الخمسين. يريد أن يفكك جذورنا قبل أن ينقلنا إلى مجال آخر من الخدمة والتعليم. يريد أن يضع أمامنا النقيض الأقوى: نهر العرش الذي لا يجف أبدا.” ماير (Meyer)
٢. لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَطَرٌ فِي الأَرْضِ: كان هذا هو الجفاف الذي صلى إيليا من أجله. لم يصلِ من أجل أن ينزل المطر ثانية، حتى من أجل بقائه حيًا. لقد تمسك بقصد الله أولًا، حتى عندما أثر ذلك فيه سلبًا.
ثانيًا. يستخدم الله أرملة لإعالة إيليا
أ ) الآيات (٨-٩): الله يدعو إيليا إلى الذهاب إلى صرفة.
٨وَكَانَ لَهُ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: ٩«قُمِ اذْهَبْ إِلَى صِرْفَةَ الَّتِي لِصِيدُونَ وَأَقِمْ هُنَاكَ. هُوَذَا قَدْ أَمَرْتُ هُنَاكَ أَرْمَلَةً أَنْ تَعُولَكَ».
١. قُمِ اذْهَبْ إِلَى صِرْفَةَ: قاد الرب إيليا من النهر الجاف إلى مدينة أممية. كانت هذه خطوة غير عادية وصعبة بالنسبة لإيليا.
• استمر الرب في نقل إيليا من مكان إلى آخر: من البيت إلى يزرعيل، إلى كريث، إلى صرفة. جعله هذا الانتقال من مكان إلى آخر أقوى بكثير.
• علينا أن نتذكر أيضًا أن هذا كان الإقليم الذي جاءت منه الملكة الشريرة إيزابل. “زار إيليا أراضي العدو وأظهر قوة الله في منطقة تعبد البعل، لكن لم يكن هناك أي تأثير بسبب الجفاف.” وايزمان (Wiseman)
٢. هُوَذَا قَدْ أَمَرْتُ هُنَاكَ أَرْمَلَةً أَنْ تَعُولَكَ: اشتهرت الأرامل بفقرهن في العالم القديم. طلب الرب من إيليا أن يذهب إلى أرملة أممية لتعوله، ربما بدا الأمر أكثر منطقيًا بالنسبة لإيليا الانتظار بالقرب من النهر الجاف.
• عندما رفضه شعبه، استخدم يسوع قصة مجيء إيليا إلى أرملة صرفة كدليل على حق الله في اختيار شعب لنفسه، وَقَالَ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ مَقْبُولاً فِي وَطَنِهِ. وَبِالْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَرَامِلَ كَثِيرَةً كُنَّ فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِ إِيلِيَّا حِينَ أُغْلِقَتِ السَّمَاءُ مُدَّةَ ثَلاَثِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ، لَمَّا كَانَ جُوعٌ عَظِيمٌ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُرْسَلْ إِيلِيَّا إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا، إِلاَّ إِلَى امْرَأَةٍ أَرْمَلَةٍ، إِلَى صَرْفَةِ صَيْدَاءَ.” (لوقا ٤: ٢٤-٢٦).
ب) الآيات (١٠-١١): إيليا يخاطب أرملة.
١٠فَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى صِرْفَةَ. وَجَاءَ إِلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، وَإِذَا بِامْرَأَةٍ أَرْمَلَةٍ هُنَاكَ تَقُشُّ عِيدَانًا، فَنَادَاهَا وَقَالَ: «هَاتِي لِي قَلِيلَ مَاءٍ فِي إِنَاءٍ فَأَشْرَبَ». ١١وَفِيمَا هِيَ ذَاهِبَةٌ لِتَأْتِيَ بِهِ، نَادَاهَا وَقَالَ: «هَاتِي لِي كِسْرَةَ خُبْزٍ فِي يَدِكِ».
١. وَإِذَا بِامْرَأَةٍ أَرْمَلَةٍ هُنَاكَ تَقُشُّ عِيدَانًا: هذا دليل على أنها كانت امرأة فقيرة، تجمع الخردة لتستخدمها كحطب للنار. ربما اعتقد إيليا أن الله سيقوده إلى أرملة غنية بطريقة غير عادية، لكن الله قاده إلى أرملة أممية فقيرة.
• “تعرف هذا من حقيقة أنه لم يكن لديها حطب للنار. لم يكن هناك سبب الآن يمنعها من البحث عن خشب وقت المجاعة، لأنه لم تكن هناك مجاعة في الخشب، ما لم تكن فقيرة للغاية.” سبيرجن (Spurgeon)
• قال الله لإيليا (١ ملوك ١٧: ٩) أنه أمر أرملة بأن تطعم النبي. لكن هذه المرأة بدت غير مدركة للأمر. ويوضح هذا كيف تعمل يد الله غير المرئية في كثير من الأحيان. “لا يبدو أنها كانت تدرك على الإطلاق أنها ستطعم نبيًا. خرجت في ذلك الصباح لتجمع الحطب لا لتلتقي بضيف. كانت تفكر في إطعام ابنها ونفسها آخر كعكة (أو قطعة خبز)؛ ومن المؤكد أنه لم تكن لديها أية فكرة كيف يمكن أن تعول رجل الله من برميل دقيق فارغ. ومع ذلك، فإن الرب، الذي لا يكذب أبدًا، قال الحقيقة الجليلة عندما قال: ’لقد أمرت أرملة هناك.‘ لقد عمل في قلبها وأعدها لإطاعة الأمر عندما جاء من خادمه النبي.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. «هَاتِي لِي قَلِيلَ مَاءٍ فِي إِنَاءٍ فَأَشْرَبَ»… «هَاتِي لِي كِسْرَةَ خُبْزٍ فِي يَدِكِ»: قدّم إيليا هذا الطلب بجرأة بالإيمان. أخبرته الفطرة السليمة والظروف أن الأرملة لن تتبرع بسخاء لشخص يهودي غريب، لكن الإيمان جعله يطلب.
• “كان هذا اختبارًا صعبًا بالنسبة لإيمان الأرملة: أن تأخذ القليل الذي كان لها، والذي سيُبقي إبنها على قيد الحياة، وتعطيه لشخص غريب لا تعرف شيئًا عنه، فاق التوقعات.” كلارك (Clarke)
• اختار الله هذه المرأة بالفعل، ولكنه اختارها لشيء أعظم من معجزة. اختارها للخدمة (لتخدم). “تضمَّن اختيار هذه المرأة – والذي جلب لها مثل هذه الطوباوية – خدمة أيضًا. فلم يخترها الله لتنجو من المجاعة فحسب، بل لتُطعم النبي أيضًا. ولا بد أنها كانت إمرأة مؤمنة بالفعل. إذ كان عليها أن تصنع الكعكة أولًا، ومن ثم تحصل على تكثير الطحين والزيت. فنعمة الله لم تختر البشر ليناموا ثم يستيقظوا في السماء، ولا لكي يعيشوا في الخطية ويجدوا أنفسهم أبرارًا في الآخرة، ولا ليكونوا بطّالين ويهتموا بشؤون العالم وفي النهاية ينالوا المجازاة على شيء لم يكدحوا من أجله. كلا! اختارنا الله بنعمته السيادية للتوبة والإيمان، ثم للقداسة في الحياة، والخدمة، والغيرة، والتكريس.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآية (١٢): رد أرملة صرفة.
١٢فَقَالَتْ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُكَ، إِنَّهُ لَيْسَتْ عِنْدِي كَعْكَةٌ، وَلكِنْ مِلْءُ كَفّ مِنَ الدَّقِيقِ فِي الْكُوَّارِ، وَقَلِيلٌ مِنَ الزَّيْتِ فِي الْكُوزِ، وَهأَنَذَا أَقُشُّ عُودَيْنِ لآتِيَ وَأَعْمَلَهُ لِي وَلابْنِي لِنَأْكُلَهُ ثُمَّ نَمُوتُ».
١. حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُكَ: أظهرت هذه الكلمات المهذبة احترامها لله، وإدراكها أن إله إسرائيل هو إله إيليا وليس إلهها.
٢. إِنَّهُ لَيْسَتْ عِنْدِي كَعْكَةٌ (قِطْعَةَ خُبْزٍ): سرعان ما اكتشف إيليا أنها ليست فقيرة فحسب، بل تعيش في فقر مدقع. وقد إلتقى بها إيليا مباشرة قبل أن تعد وجبتها الأخيرة مع أبنها ثم تستسلم للموت.
د ) الآيات (١٣-١٤): كلام إيليا معها.
١٣فَقَالَ لَهَا إِيلِيَّا: «لاَ تَخَافِي. ادْخُلِي وَاعْمَلِي كَقَوْلِكِ، وَلكِنِ اعْمَلِي لِي مِنْهَا كَعْكَةً صَغِيرَةً أَوَّلاً وَاخْرُجِي بِهَا إِلَيَّ، ثُمَّ اعْمَلِي لَكِ وَلابْنِكِ أَخِيرًا. ١٤لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: إِنَّ كُوَّارَ الدَّقِيقِ لاَ يَفْرُغُ، وَكُوزَ الزَّيْتِ لاَ يَنْقُصُ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يُعْطِي الرَّبُّ مَطَرًا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ».
١. لاَ تَخَافِي: كانت هذه أول كلمة قالها الله للأرملة من خلال إيليا. لقد جعلتها أزمتها الحالية تخاف بحق، وأرادها الله أن تستبدل الخوف بالثقة به.
٢. ادْخُلِي وَاعْمَلِي كَقَوْلِكِ، وَلكِنِ اعْمَلِي لِي مِنْهَا كَعْكَةً صَغِيرَةً أَوَّلًا: كان هذا طلبًا جريئًا جدًا من النبي. إذ طلب من هذه الأرملة المُعوزة أن تعطيه من لقمتها الأخيرة. بدا ما قاله من أسوأ الطرق لجمع التبرعات.
٣. إِنَّ كُوَّارَ الدَّقِيقِ لاَ يَفْرُغُ، وَكُوزَ الزَّيْتِ لاَ يَنْقُصُ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يُعْطِي الرَّبُّ مَطَرًا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ: يوضح هذا لماذا طلب إيليا مثل هذا الطلب الجريء. فقد أخبره الله أنه سيوفر إمدادات لا تنتهي من الطعام للأرملة وابنها وإيليا نفسه. طلب إيليا من الأرملة أن تثق بهذا الوعد العظيم من الله.
هـ) الآيات (١٥-١٦): طاعة الأرملة وبركة الله الرائعة.
١٥فَذَهَبَتْ وَفَعَلَتْ حَسَبَ قَوْلِ إِيلِيَّا، وَأَكَلَتْ هِيَ وَهُوَ وَبَيْتُهَا أَيَّامًا. ١٦كُوَّارُ الدَّقِيقِ لَمْ يَفْرُغْ، وَكُوزُ الزَّيْتِ لَمْ يَنْقُصْ، حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ إِيلِيَّا.
١. فَذَهَبَتْ وَفَعَلَتْ حَسَبَ قَوْلِ إِيلِيَّا: لقد فعلت الأرملة ذلك بالفعل – أعطت كل ما لها عن طيب خاطر رغم المخاطرة الكبيرة، بناء على ثقتها بوعد الله.
٢. وَأَكَلَتْ هِيَ وَهُوَ وَبَيْتُهَا أَيَّامًا: حقق الله وعده للأرملة ولابنها ولإيليا. استخدمها الله كقناة تزويد، فسُدت احتياجاتها نتيجة ذلك.
• “لماذا لم يعطها الله صومعة (أو مخزنًا) ملآنة بالدقيق دفعة واحدة، ووعاء ممتلئًا بالزيت على الفور؟ سأخبركم لماذا. لم يكن السبب لأن الرب أراد تجربتها. نرى حكمة الله هنا. لنفترض أنه أعطاها فعلًا صومعة ملآنة بالدقيق، كم كان سيتبقى منها في اليوم التالي؟ أتساءل عما إذا كان أي من هذا سيبقى سرًا، لأنه في أوقات المجاعة تكون حاسة الشم شديدة جدًا، وسرعان ما سيشتم الناس في المدينة الخبر ويقولون: ’لدى الأرملة العجوز التي تعيش في شارع كذا وكذا، مخزون كبير من الطعام.‘ من المؤكد أنهم سيقومون بأعمال شغب، وينهبون المنزل، وربما يقتلون المرأة وابنها. كانت ستُسلب من كنزها، وفي غضون أربع وعشرين ساعة سيصبح برميل الدقيق فارغًا تمامًا كما كان في البداية، وسيسكب وعاء الزيت على الأرض.” سبيرجن (Spurgeon)
ثالثًا. إيليا يقيم ابن الأرملة من الموت
أ ) الآيات (١٧-١٨): حُزن الأرملة على وفاة ابنها.
١٧وَبَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ مَرِضَ ابْنُ الْمَرْأَةِ صَاحِبَةِ الْبَيْتِ وَاشْتَدَّ مَرَضُهُ جِدًّا حَتَّى لَمْ تَبْقَ فِيهِ نَسَمَةٌ. ١٨فَقَالَتْ لإِيلِيَّا: «مَا لِي وَلَكَ يَا رَجُلَ اللهِ! هَلْ جِئْتَ إِلَيَّ لِتَذْكِيرِ إِثْمِي وَإِمَاتَةِ ابْنِي؟».
١. وَبَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ مَرِضَ ابْنُ الْمَرْأَةِ صَاحِبَةِ الْبَيْتِ وَاشْتَدَّ مَرَضُهُ جِدًّا: يمكننا أن نتخيل الأيام السعيدة التي تمتعت بها الأرملة وأهل بيتها بسبب رعاية الرب. وفر الله احتياجاتهم بمعجزة مستمرة. ولكن انتهت تلك الأيام السعيدة بظلام دامس – مرض ابن الأرملة ثم موته.
• كان موت الابن ضربة مضاعفة للأرملة. لم تعانِ مثل أي أم فقدت ابنها فحسب، ولكنها عانت أيضًا لأنها فقدت أملها الوحيد في المستقبل. كان من المتوقع أن يكبر ابنها ويعولها في شيخوختها. ولكن تحطم هذا التوقع تمامًا الآن.
٢. هَلْ جِئْتَ إِلَيَّ لِتَذْكِيرِ إِثْمِي وَإِمَاتَةِ ابْنِي؟: عند وفاة ابنها، ألقت الأرملة بشكل غير مباشر باللوم على إيليا. ولكنها ألقت اللوم بشكل مباشر على نفسها وعلى خطيتها التي لم تذكرها. مهما كانت خطيتها، يبدو أن أحساسها بالذنب كان دائمًا قريبًا منها.
ب) الآيات (١٩-٢٠): صلاة إيليا.
١٩فَقَالَ لَهَا: «أَعْطِينِي ابْنَكِ». وَأَخَذَهُ مِنْ حِضْنِهَا وَصَعِدَ بِهِ إِلَى الْعُلِّيَّةِ الَّتِي كَانَ مُقِيمًا بِهَا، وَأَضْجَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ، ٢٠وَصَرَخَ إِلَى الرَّبِّ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهِي، أَأَيْضًا إِلَى الأَرْمَلَةِ الَّتِي أَنَا نَازِلٌ عِنْدَهَا قَدْ أَسَأْتَ بِإِمَاتَتِكَ ابْنَهَا؟»
١. وَأَخَذَهُ مِنْ حِضْنِهَا: توضح هذه التفاصيل أن الأرملة كانت تمسك الطفل الميت بقوة بين ذراعيها.
٢. إِلَى الْعُلِّيَّةِ الَّتِي كَانَ مُقِيمًا بِهَا: يشير مصطلح ’العُلية‘: “إلى ملجأ مؤقت أو غرفة على السطح يمكن الوصول إليها من خارج المنزل. كان بناء هذا النوع من الغرف شائعًا جدًا في الشرق الأدنى. لم يعطِ هذا الترتيب الأرملة الخصوصية التي تحتاج إليها فقط، بل حمى سمعتها أيضًا.” باترسون وأوستيل (Patterson and Austel)
٣. وَصَرَخَ إِلَى الرَّبِّ: صلى إيليا من كل قلبه وبثقة كبيرة بإلهه. لقد جلب هذه المأساة التي يبدو أنه لا يمكن تفسيرها ولا يمكن إصلاحها إلى الله في الصلاة. وبما أنه كان يعلم أن الله قاده إلى هذه الأرملة، ألقى إيليا هذه المأساة على الله وطلب منه العلاج.
ج) الآيات (٢١-٢٤): قيامة الابن من بين الأموات.
٢١فَتَمَدَّدَ عَلَى الْوَلَدِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَصَرَخَ إِلَى الرَّبِّ وَقَالَ: «يَا رَبُّ إِلهِي، لِتَرْجعْ نَفْسُ هذَا الْوَلَدِ إِلَى جَوْفِهِ». ٢٢فَسَمِعَ الرَّبُّ لِصَوْتِ إِيلِيَّا، فَرَجَعَتْ نَفْسُ الْوَلَدِ إِلَى جَوْفِهِ فَعَاشَ. ٢٣فَأَخَذَ إِيلِيَّا الْوَلَدَ وَنَزَلَ بِهِ مِنَ الْعُلِّيَّةِ إِلَى الْبَيْتِ وَدَفَعَهُ لأُمِّهِ، وَقَالَ إِيلِيَّا: «انْظُرِي، ابْنُكِ حَيٌّ» ٢٤فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لإِيلِيَّا: «هذَا الْوَقْتَ عَلِمْتُ أَنَّكَ رَجُلُ اللهِ، وَأَنَّ كَلاَمَ الرَّبِّ فِي فَمِكَ حَقٌّ».
١. فَتَمَدَّدَ عَلَى الْوَلَدِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَصَرَخَ إِلَى الرَّبِّ: كان هذا الأسلوب غير معتاد في الصلاة، وإيليا لم يفعل هذا من قبل. ولكن لم تأتِ الاستجابة بسبب أسلوبه في الصلاة، بل بسبب إيمانه بالله الذي سيستجيب لهذه الصلاة.
• هنالك رغبة لا تُقاوم تقريبًا في زخرفة هذه الروايات الرائعة عن قوة الله. فقد كتب باترسون وأوستل (Patterson and Austel) عن محاولة كهذه: “إن قول الترجمة السريانية وجيروم، أن الصبي كان النبي يونان غير مرضٍ تمامًا ومستحيل تاريخيًا (راجع أيضًا ٢ ملوك ١٤: ٢٥).”
٢. «يَا رَبُّ إِلهِي، لِتَرْجعْ نَفْسُ هذَا الْوَلَدِ إِلَى جَوْفِهِ»: “صلاة مليئة بالحجج القوية. أنت الرب القادر على إحياء الولد، لا تخذلني يا رب. إنها أرملة. فلا تزيد على محنتها محنة، ولا تحرمها من دعمها الكبير وعكازها في هذا العمر. لقد استضافتني بلطفها وكرمها، فلا تدع لطفها وكرمها معي يذهبا سدى، لكي لا ينتهز الأشرار الفرصة ويعيروها ويعيروا إيمانها بك.” بوله (Poole)
٣. فَسَمِعَ الرَّبُّ لِصَوْتِ إِيلِيَّا: قام الابن وسدد الله احتياجات الأرملة على كل المستويات، ليس فقط بتوفير الطعام بطريقة معجزية، ولكن بإقامته ابنها من الأموات.
• “لا يمكن تفسير هذا النموذج الأول في الكتاب المقدس لإعادة الحياة من الموت على أنه سحر اتّصالي، ولا أنه نقْلُ قوة حياة النبي بطريقة الإنعاش الفموي.” وايزمان (Wiseman)