إنجيل لوقا – الإصحاح ٢٢
العشاء الأخير … خيانة يسوع
أولاً. العشاء الأخير
أ ) الآيات (١-٦): يهوذا يسعى لخيانة يسوع
١وَقَرُبَ عِيدُ ٱلْفَطِيرِ، ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ ٱلْفِصْحُ. ٢وَكَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ يَطْلُبُونَ كَيْفَ يَقْتُلُونَهُ، لِأَنَّهُمْ خَافُوا ٱلشَّعْبَ.٣فَدَخَلَ ٱلشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلْإِسْخَرْيُوطِيَّ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ ٱلِٱثْنَيْ عَشَرَ. ٤فَمَضَى وَتَكَلَّمَ مَعَ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَقُوَّادِ ٱلْجُنْدِ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ إِلَيْهِمْ. ٥فَفَرِحُوا وَعَاهَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً. ٦فَوَاعَدَهُمْ. وَكَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ خِلْوًا مِنْ جَمْعٍ.
- وَقَرُبَ عِيدُ ٱلْفَطِيرِ، ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ ٱلْفِصْحُ: كان هذا وقت هام للغاية، لأن أورشليم في ٱلْفِصْحُ كانت أيضاً مكتظة بالجموع التي تنتظر مجيء المسيا.
- بسبب أهمية هذه العيد، كان في أورشليم العديد من الأشخاص الذين سمعوا وشاهدوا يسوع في منطقة الجليل، وكانوا عموماً يقدرون يسوع ويحترمون خدمته، ولكن كان لديهم أيضاً توقعات كبيرة.
- لِأَنَّهُمْ خَافُوا ٱلشَّعْبَ: لم يخاف رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ من لله، بل خَافُوا ٱلشَّعْبَ. ولم يخافوا من قتل ابن الله، وكل ما كان يشغل بالهم هو إيجاد طريقة مناسبة سياسياً لتنفيذ الأمر.
- فَدَخَلَ ٱلشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا: دفع الشيطان يهوذا لارتكاب الجريمة، وربما وَجَههُ. وهذا طبعاً لا يقلل من مسؤولية يهوذا الشخصية، فهو لم يتصرف ضد إرادته، بل كان راضياً تماماً. وهذا يدل على أن العدو الحقيقي ليسوع كان الشيطان وليس يهوذا فقط.
- تساءل الكثيرون عن دوافع يهوذا؛ حتى إن البعض قال ربما تكون دوافعه نبيلة، مثل وضع يسوع في ظروفٍ تجبره على إثبات أنه المسيا. ولكن الكتاب المقدس لا يشير إلى أية نية جديرة بالثناء.
- يَهُوذَا ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلْإِسْخَرْيُوطِيَّ: اسم ٱلْإِسْخَرْيُوطِيَّ قد يعني أنه من قرية قَرْيُوتَ التي تقع جنوب اليهودية. وهذا يعني أن يهوذا كان الوحيد من منطقة اليهودية بين التلاميذ الذين كانوا جميعاً من الجليل. وتساءل البعض إذا كان يهوذا قد سئم من قيادة الصيادين الجليليين، ولم يعد يحتملهم. ويرى آخرون أن اسم ٱلْإِسْخَرْيُوطِيَّ مرتبطاً بكلمة “سيكاريوس” أي “القاتل” – وهم طائفة من اليهود الغيورين الذين كانوا يقاومون المحتلين الرومان سراً.
- وربما تبع يهوذا يسوع بدوافع أنانية، وتوقع الحصول على مكانة عظيمة عند دخول يسوع الانتصاري إلى أورشليم. ولكن عندما دخل يسوع إلى أورشليم ولم واضحاً بدخوله أنه المسيا الذي توقعه يهوذا، غضب جداً وهذا فتح الباب أمام الشيطان. لم يحقق يسوع ليهوذا شهوة قلبه الأناني، لذلك شعر بأن علاقته مع يسوع انكسرت. ولعله قال في نفسه: “أنت خنتني لأنك لم تكن المسيا الذي أردته. لهذا سأخونك.”
- فَفَرِحُوا وَعَاهَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً: يروي ١٦ بأن يهوذا سألهم: مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُونِي وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟ وهذا يُظهر أن يهوذا ذهب بنفسه إليهم وحدد سعره. مما يشير إلى أن دافعه كان الجشع بكل بساطة.
- قد يفكر المرء أيضاً في دافع الشيطان. فبالنسبة للشيطان، كان موت يسوع على الصليب أكبر هزيمة له. ولكن لماذا حرك الشيطان كل الأمور ليتم الصلب؟ لأنه ليس كلي المعرفة، ولم يعرف أن الأمور ستنقلب ضده. كان الشيطان يعرف الكتب جيداً، وكان عليه أن يتوقع تلك النتيجة.
- تفسير أفضل هو حقيقة أن الشيطان ليس كلي الحكمة. فكراهيته ليسوع تغلبت عليه، وحرك الأمور نحو الصلب رغم معرفته أن موت يسوع سيسحق رأسه. وبما أن الشيطان هو أكبر مخادع على الإطلاق، لا بد وأنه خدع نفسه – وربما اعتقد أنه انتصر وسينتصر على يسوع فعلاً.
- فَوَاعَدَهُمْ. وَكَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ: سيستخدم الله أعمال يهوذا الشريرة لتعزيز خطته الأبدية. فقد كان هذا هو الوقت المُعين لصلب يسوع. فقبل خيانة يهوذا لم ينوي القادة اليهود أن يقتلوه في ذلك الوقت خوفاً من الناس.
ب) الآيات (٧-١٣): الإعداد للفصح
٧وَجَاءَ يَوْمُ ٱلْفَطِيرِ ٱلَّذِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْبَحَ فِيهِ ٱلْفِصْحُ. ٨فَأَرْسَلَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا قَائِلًا: «ٱذْهَبَا وَأَعِدَّا لَنَا ٱلْفِصْحَ لِنَأْكُلَ». ٩فَقَالَا لَهُ: «أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ؟». ١٠فَقَالَ لَهُمَا: «إِذَا دَخَلْتُمَا ٱلْمَدِينَةَ يَسْتَقْبِلُكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ. اِتْبَعَاهُ إِلَى ٱلْبَيْتِ حَيْثُ يَدْخُلُ، ١١وَقُولَا لِرَبِّ ٱلْبَيْتِ: يَقُولُ لَكَ ٱلْمُعَلِّمُ: أَيْنَ ٱلْمَنْزِلُ حَيْثُ آكُلُ ٱلْفِصْحَ مَعَ تَلَامِيذِي؟ ١٢فَذَاكَ يُرِيكُمَا عِلِّيَّةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً. هُنَاكَ أَعِدَّا». ١٣فَٱنْطَلَقَا وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا، فَأَعَدَّا ٱلْفِصْحَ.
- وَجَاءَ يَوْمُ ٱلْفَطِير (عِيدُ الخُبزِ غَيرِ المُختَمِرِ): لا بد وأن هذا الاحتفال كان خاصاً جداً بالنسبة ليسوع. ففي عيد الفصح يتذكر الشعب اليهودي خلاصهم من مصر، وهذا الخلاص كان محورياً في العهد القديم. وها هو يسوع الآن سيقدم خلاص محوري جديد سيتذكره المؤمنين من خلال وجبة احتفالية جديدة.
- كتب بايت (Pate): “عبارة ’يَوْمُ ٱلْفَطِير‘ هو وصف عام لاحتفال مدته أسبوع … كان في الأصل احتفال ببداية الحصاد، ولكن تم دمجه في وقت لاحق مع عيد الفصح.”
- إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ: كان هذا مشهداً غير مألوف بالمرة. فقد اعتادت النساء حمل جَرَّةَ المَاءٍ وليس الرجال. فالرجال عموماً كانوا يحملون الماء في حاويات مصنوعة من جلد الحيوانات. لهذا كانت تلك علامة مميزة بالنسبة للتلاميذ.
- يَقُولُ لَكَ ٱلْمُعَلِّمُ: يدل المشهد هنا على السرية، وكان ليسوع سبباً وجيهاً للإعداد للفصح بهدوء. فلم يكن يريد ليهوذا أن يسلمه قبل أن يتكلم مع تلاميذه للمرة الأخيرة.
- حَيْثُ آكُلُ ٱلْفِصْحَ مَعَ تَلَامِيذِي: التنويه إلى ٱلْفِصْحَ هنا يثير قضايا معقدة خاصة فيما يتعلق بالتسلسل الزمني الدقيق للأحداث. والمشكلة المعقدة الأولى أن كلٍ من متى ومرقس ولوقا يذكرون أن الوجبة التي تناولها يسوع مع تلاميذه كانت وجبة عيد الفصح، وجرت العادة أن يأكل المحتفلون لحم الخروف الذي قُدم كذبيحة يوم عيد الفصح بعد احتفال كبير في الهيكل. ولكن يشير يوحنا أن الوجبة كانت قبل عيد الفصح (يوحنا ١:١٣)، وأن يسوع قد صُلب فعلاً في يوم الفصح (يوحنا ٢٨:١٨).
- كتب موريس (Morris): “لعل أفضل تفسير هو أن هناك تقاويم مختلفة قيد الاستخدام. فقد مات يسوع أثناء فترة تقديم ذبائح الفصح وفقاً للتقويم الرسمي، ولكن وفقاً للتقويم غير الرسمي، اجتمع مع تلاميذه لتناول الفصح في الليلة السابقة للفصح.”
- هناك حل مماثل يقترحه آدم كلارك (Adam Clarke): “فالرأي الشائع هو أن الرب أكل الفصح بساعات قبل اليهود؛ فكان اليهود، حسب العُرف، يأكلون الفصح في نهاية اليوم الرابع عشر، ولكن المسيح تناول الفصح في الليلة السابقة، والتي كانت بداية نفس اليوم السادس أي الجمعة. كان اليهود يبدأون يومهم عند الغروب، أما نحن فنبدأ يومنا عند منتصف الليل. وهكذا أكل المسيح الفصح في نفس اليوم مع اليهود، ولكن ليس في نفس الساعة.”
- لا يذكر أي من الأناجيل وجود اللحم في وجبة الفصح. وقد يكون السبب عدم تمكنهم من الحصول على واحد قبل يوم عيد الفصح الرسمي. بالإضافة إلى ذلك، ربما هذا ما أراده يسوع، ليؤكد على فكرة أنه هو كان ذبيحة الفصح.
ج ) الآيات (١٤-١٨): يسوع يأكل الفصح مع تلاميذه
١٤وَلَمَّا كَانَتِ ٱلسَّاعَةُ ٱتَّكَأَ وَٱلِٱثْنَا عَشَرَ رَسُولًا مَعَهُ، ١٥وَقَالَ لَهُمْ: «شَهْوَةً ٱشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هَذَا ٱلْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ، ١٦لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لَا آكُلُ مِنْهُ بَعْدُ حَتَّى يُكْمَلَ فِي مَلَكُوتِ ٱللهِ». ١٧ثُمَّ تَنَاوَلَ كَأْسًا وَشَكَرَ وَقَالَ: «خُذُوا هَذِهِ وَٱقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ، ١٨لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لَا أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ ٱلْكَرْمَةِ حَتَّى يَأْتِيَ مَلَكُوتُ ٱللهِ».
- شَهْوَةً ٱشْتَهَيْتُ: كانت هذه لحظة مؤثرة جداً بالنسبة ليسوع. ليس لأنه كان يودع تلاميذه، ولكن لأنه وصل أخيراً إلى السبب الرئيسي الذي لأجله جاء للإنسان: ليصمه عهد جديد مع الإنسان، على أساس تقديم نفسه كذبيحة. لم تكن هذه بداية النهاية؛ بل كانت بداية البداية.
- تَنَاوَلَ كَأْسًا: يخبرنا لوقا في الآيات التالية أن يسوع أخذ الكأس بعد العشاء (لوقا ٢٠:٢٢). ويبدو أن يسوع أخذ الكأس قبل وبعد الخبز. ووفقاً للعادات المتبعة في عشاء عيد الفصح، كان هذا أمر طبيعي – فكانوا عادة يتناولون أربعة أكواب مختلفة من النبيذ أثناء الوجبة.
- إِنِّي لَا أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ ٱلْكَرْمَةِ حَتَّى يَأْتِيَ مَلَكُوتُ ٱللهِ: لم يحتفل يسوع بعيد الفصح في السماء بعد. فهو ينتظر أن يجمع كل أولاده أولاً، ثم سيكون هناك عشاء عظيم، يُعرف باسم عشاء عُرْسَ ٱلْخَرُوفِ (رؤيا يوحنا ٩:١٩). هذا هو تحقيق الملكوت الذي يتوق إليه يسوع.
د ) الآيات (١٩-٢٠): يسوع يعيد صياغة الفصح، ويؤسس العهد الجديد.
١٩وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: «هَذَا هُوَ جَسَدِي ٱلَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي». ٢٠وَكَذَلِكَ ٱلْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ ٱلْعَشَاءِ قَائِلًا: «هَذِهِ ٱلْكَأْسُ هِيَ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي ٱلَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ.
- وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ: أخذ رئيس الوجبة الخبز وقال: “هذا هو خبز الحزن الذي أكله آبائنا في أرض مصر. أيها الجياع تعالوا وكلوا منه؛ وكل من له اِحتياج ليأتي ويأكل من وجبة الفصح.” كل ما كان يؤكل في وجبة الفصح كان له معنى رمزي. فالأعشاب المرة تذكرهم بمرارة العبودية؛ والمياه المالحة تذكرهم بالدموع التي سكبوها بسبب طغيان مصر. أما الطبق الرئيسي فكانت الخروف الذي تم ذبحه حديثاً لذلك البيت تحديداً، وهو الشيء الوحيد الذي لا يرمز للعذاب الذي ذاقوه في مصر، بل يرمز للخروف الذي هو الذبيحة عن الخطايا التي سمحت لدينونة الله أن تعبر عن بيت كل منْ آمَنَ بِهِ.
- أنتج الفصح أُمَّة؛ وهم مجموعة من العبيد عندما تحرروا من مصر صاروا أُمة. والفصح الجديد أيضاً أنتج شعباً؛ وهم المتحدين مع يسوع المسيح، يتذكرون ويثقون بذبيحته.
- هَذَا هُوَ جَسَدِي ٱلَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ … هَذِهِ ٱلْكَأْسُ هِيَ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي: لم يعطي يسوع التفسير الطبيعي لمعنى كل ما تناولوه من الأطعمة. بل أعاد تفسيرها بتطبيقها على نفسه، ولم يعد التركيز على معاناة إسرائيل في مصر، بل على معاناة الخطية التي سيحملها يسوع نيابة عنهم.
- كتب كارسون (Carson): “كلمات ’هَذَا هُوَ جَسَدِي‘ ليس لها مكان في طقوس الفصح. ولأنها شيء جديد، أحدثت تأثيراً مذهلاً، وهذا التأثير زاد عندما ازداد فهمهم بعد عيد الفصح.”
- هذه هي الطريقة التي نتذكر بها ما فعله يسوع لأجلنا. كلما أكلنا الخبز، علينا أن نتذكر كيف كُسر يسوع وطعن وضرب لخلاصنا. وكلما شربنا الكأس،علينا أن نتذكر أنه بذل دمه وسكب حياته على الجلجثة من أجلنا.
- هكذا نتحد مع يسوع. لأن فداءه صَالَحَنا مع الله، وأصبح بإمكاننا الآن الجلوس لتناول وجبة مع يسوع ونستمتع بالشركة معه.
- هَذِهِ ٱلْكَأْسُ هِيَ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي ٱلَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ: الفهم الدقيق لهذه الكلمات من يسوع كانت مصدراً لجدل لاهوتي كبير بين المؤمنين.
- تؤمن الكنيسة الكاثوليكية بفكرة التحول، وتُعَلّم أن الخبز والنبيذ يصبحان في الواقع جسد ودم يسوع.
- أما مارتن لوثر فآمن بفكرة حلول الجسد والدم في العناصر بالإيمان، أي أن الخبز والنبيذ لا يتغيران، ولكن بالإيمان يصبحان كجسد يسوع الحقيقي. صحيح أن لوثر لم يؤمن بالعقيدة الكاثوليكية، إلا أنه لم يذهب بعيداً عنها.
- عَلّم جون كالفن (John Calvin) أن حضور يسوع في الخبز والنبيذ كان حقيقياً ولكن بالمعنى الروحي وليس الحرفي. وعَلّم زوينغلي (Zwingli) أن الخبز والنبيذ هي رموز هامة تمثل جسد ودم يسوع. وعندما ناقش الإصلاحيون السويسريون القضية مع مارتن لوثر في ماربورغ-المانيا، حصل خلاف كبير. فقد أصر لوثر على حضور يسوع جسدياً بطريقة ما، لأنه قال: “هَذَا هُوَ جَسَدِي.” ” وكرر ذلك مرات عدة، حتى أنه كتبها على ألواح مخملية في اللاتينية: “هَذَا هُوَ جَسَدِي.” ” فأجابه زوينغلي: “قال يسوع أيضاً عن نفسه، أنا الكرمة … وأنا الباب، ولكننا فهمنا قصده عندما قال هذا. فرد لوثر: “لا أعلم، ولكن إن طلب مني المسيح أن آكل الفضلات لفعلت، عالماً أنه أمر جيد لي.” كان لوثر مقتنعاً تماماً بهذا لأنه رأى أنها مسألة تتعلق بوضع الثقة بكلمات المسيح، ولأنه كان يعتقد أن زوينغلي كان مساوماً ومن روح آخر (andere geist).
- من الناحية الكتابية، نحن نفهم أن الخبز والكأس ليست مجرد رموز، ولكنها صور قوية لدخولنا في شركة مع يسوع، حين نرى مائدة الرب على أنها فصحنا الجديد.
- كتب بوله (Poole): “دعو الكاثوليكيين واللوثريين يقولون ما يشاؤون. ولكن لا بد أن نعترف أن هناك مجاز في هذه الكلمات. الكأس هنا كان لوضع النبيذ؛ وتشير جملة: هَذِهِ ٱلْكَأْسُ هِيَ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي أن هذا النبيذ هو علامة على العهد الجديد. فلا أفهم لماذا لا يعترفون بسهولة بأن هذه الكلمات: هَذَا هُوَ جَسَدِي مجازية!”
- كتب كارسون (Carson): “الأمر المؤكد أن يسوع يدعونا لنتذكر لا ولادته ولا حياته ولا معجزاته بل موته.”
- هَذِهِ ٱلْكَأْسُ هِيَ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي: من اللافت للنظر أن يسوع أعلن عن تأسيس ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيد. فلا يمكن لأي إنسان أن يقيم عَهْد جَدِيد بين الله والإنسان، إلا يسوع وحده. فهو يملك السلطان لتأسيس عَهْد جَدِيد، مختوم بالدم، تماماً كالعهد القديم الذي كان مختوماً بالدم (خروج ٨:٢٤).
- يهتم ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بالتغيير الداخلي الذي يطهرنا من كل خطية: لِأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلَا أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ (إرميا ٣٤:٣١). هذا التغيير يضع كلمة الله وإرادته فينا: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ (إرميا ٣٣:٣١). وهذا العهد هو دليل على العلاقة الجديدة والوثيقة مع الله: وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا (إرميا ٣٣:٣١).
- يمكننا أن نقول أن دم يسوع جعل ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ ممكناً، وجعله أيضاً راسخ وموثوق ومعزز بحياة الله نفسه.
هـ) الآيات (٢١-٢٣): ويلٌ للخائن
٢١وَلَكِنْ هُوَذَا يَدُ ٱلَّذِي يُسَلِّمُنِي هِيَ مَعِي عَلَى ٱلْمَائِدَةِ. ٢٢وَٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَحْتُومٌ، وَلَكِنْ وَيْلٌ لِذَلِكَ ٱلْإِنْسَانِ ٱلَّذِي يُسَلِّمُهُ!». ٢٣فَٱبْتَدَأُوا يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: «مَنْ تَرَى مِنْهُمْ هُوَ ٱلْمُزْمِعُ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا؟».
- هُوَذَا يَدُ ٱلَّذِي يُسَلِّمُنِي هِيَ مَعِي عَلَى ٱلْمَائِدَةِ: يبدو أن هذه الكلمات تشير إلى أن يهوذا كان حاضراً عندما قدم يسوع الخبز والكأس لتلاميذه. وهذا جدل قائم بين دارسي الكتاب المقدس.
- وَٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَحْتُومٌ: كان أمر الخيانة مَحْتُومٌ(مُقَرَّرٌ) وتم التنبؤ به من قبل (مزمور ٩:٤١). ومع ذلك، وَيْلٌ لِذَلِكَ ٱلْإِنْسَانِ الذي سيخون المسيح. لا يمكن ليهوذا أبداً أن يدّعي أنه ساعد يسوع بتحقيق النبوة. فقد كان مسؤولاً بالكامل عن خطاياه أمام الله.
- كتب موريس (Morris): “حقيقة أن الله يحول الشر الذي يفعله الأشرار لتحقيق مقاصده لا يجعلهم أقل شراً.”
- فَٱبْتَدَأُوا يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، مَنْ تَرَى مِنْهُمْ: تمكن يهوذا من كتمان سره جيداً، لأن التلاميذ لم يشك به أبداً.
ثانياً. التعاليم الأخيرة للتلاميذ
لفهم هذا الخطاب الرائع بالكامل، علينا جمعه من الأناجيل الأربعة، ولا سيما الإصحاحات ١٣-١٦ من إنجيل يوحنا.
أ ) الآيات (٢٤-٢٧): تعليم يسوع عن العظمة الحقيقية
٢٤وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ أَيْضًا مُشَاجَرَةٌ مَنْ مِنْهُمْ يُظَنُّ أَنَّهُ يَكُونُ أَكْبَرَ. ٢٥فَقَالَ لَهُمْ: «مُلُوكُ ٱلْأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَٱلْمُتَسَلِّطُونَ عَلَيْهِمْ يُدْعَوْنَ مُحْسِنِينَ. ٢٦وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَيْسَ هَكَذَا، بَلِ ٱلْكَبِيرُ فِيكُمْ لِيَكُنْ كَٱلْأَصْغَرِ، وَٱلْمُتَقَدِّمُ كَٱلْخَادِمِ. ٢٧لِأَنْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ: أَلَّذِي يَتَّكِئُ أَمِ ٱلَّذِي يَخْدُمُ؟ أَلَيْسَ ٱلَّذِي يَتَّكِئُ؟ وَلَكِنِّي أَنَا بَيْنَكُمْ كَٱلَّذِي يَخْدُمُ.
- وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ أَيْضًا مُشَاجَرَةٌ مَنْ مِنْهُمْ يُظَنُّ أَنَّهُ يَكُونُ أَكْبَرَ (الأعظَمُ): ومن المخيف أن نفكر أنه بعد كل السنوات التي قضاها يسوع مع هؤلاء الرجال؛ وبعد أن شاهدوه في كل الظروف التي يمكن تخيلها تقريباً؛ أن نراهم يتشاجرون الآن، وفي الساعات الأخيرة قبل الخيانه والصلب، عن من منهم الأعظم!
- يبدو أن هذا كان الموضوع الشائع بين التلاميذ (متى ١:١٨، ٢٠:٢٠-٢٦، مرقس ٣٣:٩-٣٤، لوقا ٤٦:٩).
- مَنْ مِنْهُمْ يُظَنُّ أَنَّهُ يَكُونُ أَكْبَرَ: قد نفكر أنه كان ينبغي على يسوع أن يحسم الأمر من خلال الإشارة إلى أنه هو كان الأعظم. بدلاً من ذلك، أجاب يسوع على سؤالهم بما فعله لاحقاً. يخبرنا يوحنا ٣:١٣-٥ أنه غسل أرجلهم بعد العشاء، وربما نطق بهذه الكلمات عن العظمة الحقيقية أثناء ذلك أو حينما انتهى.
- في الواقع، أظهر يسوع صبره السامي في طريقة تصحيحه اللطيفة لتلاميذه المتنازعين. من المؤكد أنه كان هناك أشياء أكبر تشغل باله، ولكن رغم ذلك، علمهم بلطف وصحح أفكارهم.
- مُلُوكُ ٱلْأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ: يمارس العالم السلطة والقوة بنمط معين، والهدف في النهاية تعظيم الذات. ولكن يسوع كان مختلفاً، وعلى أتباعه ألا يكُونُوا كَذَلِكَ أيضاً. ٱلْكَبِيرُ فِيكُمْ لِيَكُنْ كَٱلْأَصْغَرِ (الذي أهمله المجتمع ونبذه)، وَٱلْمُتَقَدِّمُ كَٱلْخَادِمِ.
- لِأَنْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ: أَلَّذِي يَتَّكِئُ أَمِ ٱلَّذِي يَخْدُمُ؟ أَلَيْسَ ٱلَّذِي يَتَّكِئُ؟: يعتبر العالم بأن الذي يُخدم أَكْبَر (أعظم)، ولكن يسوع أظهر لنا أن العظمة الحقيقية هي في خدمة الآخرين، وليس العكس.
- عادة ما تحسد الثقافات الشخص الذي يخدمه الآخرون. في الصين القديمة مثلاً، يتعمد الأغنياء عدم قص أظافرهم إلى أن تصبح طويلة للغاية ولا يستطيعون خدمة أنفسهم – وكانت تلك العلامة على المكانة الرفيعة.
- ولكن الأشخاص الأعظم في حياتنا هم الخُدام. فمثلاً، إن أخذ رئيس الدولة إجازة مدتها شهر، لن نلاحظ الفرق، ولكن إن أخذ جامعي النفايات شهر إجازة، فبالتأكيد سنلاحظ. يحاول يسوع إعادة ترتيب طريقة تفكيرنا وأولوياتنا.
- وَلَكِنِّي أَنَا بَيْنَكُمْ كَٱلَّذِي يَخْدُمُ: العيش كخدام للآخرين هي حقاً أفضل وسيلة للحياة. فحينها لن نقلق إزاء مقامنا أو تقديرنا، ولا نتجول بمشاعر مجروحة وخيبات أمل، لأن كل ما نريد فعله هو خدمة الآخرين. وحينها سنخدم كيفما نشاء، المهم أن نخدم بطريقة أو بأخرى.
- لم يقصد يسوع أنه إن كنت تقوم بخدمة بسيطة ومتواضعة، فستحصل لاحقاً على مكانة أعظم. ولكنه قصد أن الخدمة البسيطة في نظر الله هي الأعظم. علّقَ مورغان (Morgan): “العظمة الحقيقية هي أن تَخدم وليس أن تُخدم، لأن الخدمة علامة على الشركة الحقيقية مع الرب نفسه.”
- وأضاف مورغان: “تجلت عظمة الله أخيراً، ليس في سمو ومجد عرشه الأبدي، بل في تنازله المدهش لإنسانيتنا ولموته على الصليب.”
- كتب سبيرجن (Spurgeon): “ملك الملوك” عنوان مليء بالعظمة، ولكن “خادم الُخدم” هو الاسم الذي فضله الرب عندما كان هنا في الأسفل.”
ب) الآيات (٢٨-٣٠): مكافأة التلاميذ
٢٨أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ ثَبَتُوا مَعِي فِي تَجَارِبِي، ٢٩وَأَنَا أَجْعَلُ لَكُمْ كَمَا جَعَلَ لِي أَبِي مَلَكُوتًا، ٣٠لِتَأْكُلُوا وَتَشْرَبُوا عَلَى مَائِدَتِي فِي مَلَكُوتِي، وَتَجْلِسُوا عَلَى كَرَاسِيَّ تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ ٱلِٱثْنَيْ عَشَرَ».
- وَأَنَا أَجْعَلُ لَكُمْ كَمَا جَعَلَ لِي أَبِي مَلَكُوتًا: سينال سينال التلاميذ مكافأة فريدة، لأنهم ثَبَتُوا مع يسوع في تَجَارِبِه. قَدَرَ يسوع كثيراً دعمَّ تلاميذه.
- وَأَنَا أَجْعَلُ لَكُمْ كَمَا جَعَلَ لِي أَبِي مَلَكُوتًا: سيكون للتلاميذ مكانة خاصة في ملكوت الله. “وَتَجْلِسُوا عَلَى كَرَاسِيَّ تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ ٱلِٱثْنَيْ عَشَرَ” وَيَقُومُ سُورُ مدينة أورشليم الجديدة عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ دِعَامَةً كُتِبَتْ عَلَيْهَا أَسْمَاءُ رُسُلِ الْحَمَلِ الاثْنَيْ عَشَرَ (رؤيا يوحنا ١٤:٢١).
- كونك خادماً لا يعني أنك لن تُكافأ. بل على العكس تماماً؛ أعظم خُدام الله يحصلون على أكبر المكافآت. ولكن الخادم العظيم لا يخدم من أجل المكافأة، ولكن من أجل مجد الله.
ج ) الآيات (٣١-٣٤): يسوع يحذر بإنكار بطرس له
٣١وَقَالَ ٱلرَّبُّ: «سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا ٱلشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَٱلْحِنْطَةِ! ٣٢وَلَكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لَا يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ». ٣٣فَقَالَ لَهُ: «يَا رَبُّ، إِنِّي مُسْتَعِدٌّ أَنْ أَمْضِيَ مَعَكَ حَتَّى إِلَى ٱلسِّجْنِ وَإِلَى ٱلْمَوْتِ!». ٣٤فَقَالَ: «أَقُولُ لَكَ يَا بُطْرُسُ: لَا يَصِيحُ ٱلدِّيكُ ٱلْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ تُنْكِرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَعْرِفُنِي».
- هُوَذَا ٱلشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ: كان يسوع على بَيِّنة من معركة روحية وراء الكواليس. وبالطبع كان بطرس يجهل حقيقة أن ٱلشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَٱلْحِنْطَةِ! أراد الشيطان أن يهزم بطرس ويسحقه تماماً.
- يبدو أن الشيطان أراد أن يجرب بطرس بطريقة أسوأ ولكن الرب لم يسمح له بذلك. فالشيطان لا يستطيع أن يفعل كل ما يريده لبطرس، فقد كان عليه أن يطلب الأذن من الله أولاً.
- علّقَ جيلدنهويس (Geldenhuys): “يرغب الشيطان من عملية الغربلة “أن يتخلص من كل القمح” وأن يكون الكل (مثل يهوذا) كالقشة في مهب الريح.
- َوَلَكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ: لم يسحق الشيطان بطرس بالكامل، ولكن هذا لا علاقة له ببطرس شخصياً، بل لأن يسوع كان يصلي لأجله.
- من الرائع والمؤثر أن نتذكر أن يسوع يصلي من أجل أولاده ليحميهم من الشيطان (عبرانيين ٢٥:٧، رؤيا يوحنا ١٠:١٢). كم من المرات كنا سنهلك ولكننا نجونا لأن يسوع صلى من أجلنا وحمانا.
- لِكَيْ لَا يَفْنَى إِيمَانُكَ: إيمان بطرس سيتعثر صحيح ولكنه لن يَفْنَى. لم يرى يسوع الزلة المؤقتة التي كان سيمر بها بطرس على أنها فشل في إيمانه، لأنه كان يعلم جيداً أنه سيعود للإيمان ثانية.
- قد نتعثر في حياتنا المسيحية، ولكن يجب ألا نفشل أبداً. فإن أنكرنا يسوع بطريقة ما، علينا أن نرجع إليه في الحال.
- وبعد رجوعنا، علينا تقديم المساعدة للآخرين وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ. لا يجب اِستِبعاد الشخص الذي كان متعثراً وعاد أو تشجيعه ليتمركز حول ذاته – ولكن علينا أن نحثه على مد يد المساعدة للأخوة وتثبيتهم.
- يَا رَبُّ، إِنِّي مُسْتَعِدٌّ أَنْ أَمْضِيَ مَعَكَ حَتَّى إِلَى ٱلسِّجْنِ وَإِلَى ٱلْمَوْتِ!: لم يكذب بطرس عندما قال هذا؛ ولكنه لم يكن مدركاً للواقع الروحي وللمعركة الروحية التي كان يراها يسوع. شارك بطرس بما شعر به تلك اللحظة، وفي تلك اللحظة شعر أنه شجاع للغاية.
- الاعتماد على المشاعر غير ثابت. شَعَرَ بطرس بالشجاعة حينها، ولكنه قريباً سيشعر بالخوف من خادمة بسيطة، وينكر حتى أنه يعرف يسوع.
- كتب ماكلارن (Maclaren): “فمن السهل علينا أحياناً أن نحتمل عبء كبير من أجل المسيح على أمر صغير. حتى أن البعض مستعد أن يموت بدلاً من استهزاء الجيران عند المشاركة عن إيمانهم.”
- أَقُولُ لَكَ يَا بُطْرُسُ: لَا يَصِيحُ ٱلدِّيكُ ٱلْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ تُنْكِرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَعْرِفُنِي: لم يكن هدف يسوع تثبيط عزيمة بطرس عندما أخبره الحقيقة عن نفسه وعما سيحدث، ولكن ليعرف أن هناك واقع روحي ومعركة روحية لا يدركها، ولكن كان يسوع مدركاً لذلك جيداً.
- علّقَ ماير (Meyer): “ألم يكن جيداً أن يعرف بطرس مدى ضعفه لكي يتوب بصدق ويتغير؟”
- وكتب بايت (Pate): “يرى فيتزميير (Fitzmyer) أنها نبوة نوعاً ما – إنكار بطرس الثلاثي سيكون سريعاً جداً بحيث لن يتمكن الديك من الصياح مرتين.”
د ) الآيات (٣٥-٣٨): يسوع يدعو التلاميذ أن يستعدوا لِلضَّيق
٣٥ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «حِينَ أَرْسَلْتُكُمْ بِلَا كِيسٍ وَلَا مِزْوَدٍ وَلَا أَحْذِيَةٍ، هَلْ أَعْوَزَكُمْ شَيْءٌ؟». فَقَالُوا: «لَا». ٣٦فَقَالَ لَهُمْ: «لَكِنِ ٱلْآنَ، مَنْ لَهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ وَمِزْوَدٌ كَذَلِكَ. وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفًا. ٣٧لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضًا هَذَا ٱلْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لِأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ ٱنْقِضَاءٌ». ٣٨فَقَالُوا: «يَا رَبُّ، هُوَذَا هُنَا سَيْفَانِ». فَقَالَ لَهُمْ: «يَكْفِي!».
- مَنْ لَهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ وَمِزْوَدٌ كَذَلِكَ: يبدو أن قصد يسوع أراد أن يقول لهم: “أنا على وشك أن أترككم، وعندما أذهب، عليكم استخدام كل الوسائل المتاحة لتسددوا احتياجاتكم وتحموا أنفسكم.” فهذه الأشياء لم تكن مطلوبة من قبل، ولكنها مطلوبة الآن.
- خرج التلاميذ للخدمة لوحدهم دون يسوع من قبل (لوقا ١:١٠-١٧)، وتم استقبالهم حينها بنية جيدة وحسن الضيافة. أما الآن فسوف يواجهون عالم عدائي دون يسوع وعليهم أن يكونوا مستعدين لذلك.
- إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضًا هَذَا ٱلْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ: أخبر يسوع تلاميذه في السابق أنه سيُرفض ويُصلب (لوقا ٢٥:١٧، ٣١:١٨-٣٣). ونراه هنا يخبرهم أن هذه الأمور ستحدث قريباً.
- لِأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ ٱنْقِضَاءٌ: يبدو وكأنه يقول: “سيتحقق كل هذا قريباً.”
- يَكْفِي!: قال يسوع هذا عندما قدم له التلاميذ السيوف، وتعني “توقفوا عن هذا الكلام” وهكذا أنهى الكلام بطريقة حازمة جداً. فلم يقصد يسوع أن يقول: “السَيْفَانِ سيكفيان لمحاربة الحشد القادم لاعتقالي.”
- علّقَ بايت (Pate): لا تعني “كلمة ’يَكْفِي!‘ أن يسوع وافق على اقتراح التلاميذ بأن استخدام السيفان سيكفي لحل النزاع. فالسياق يستبعد هذه الفكرة تماماً.”
- يبدو أن التلاميذ لم يفهموا ما سيحدث في الساعات القليلة القادمة. كما لم يفهم المؤمنين الأوائل فيما بعد ما يعنيه يسوع هنا. علّقَ جيلدنهويس (Geldenhuys): “بنى البابا بونيفاس الثامن (١٣٠٢) عقيدته على هذا النص والتي تعطي للبابا الحق بأن يمارس حكمه المطلق العلماني وكذلك الروحي على الناس – قال أن السَيْفَانِ هما السيف الروحي والسيف العلماني.”
ثالثاً. صراع يسوع أثناء صلاته في بستان جَثْسَيْمَانِي
أ ) الآيات (٣٩-٤٢): أَلَمِ يسوع الشديد في البستان
٣٩وَخَرَجَ وَمَضَى كَٱلْعَادَةِ إِلَى جَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ، وَتَبِعَهُ أَيْضًا تَلَامِيذُهُ. ٤٠وَلَمَّا صَارَ إِلَى ٱلْمَكَانِ قَالَ لَهُمْ: «صَلُّوا لِكَيْ لَا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ». ٤١وَٱنْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى ٤٢قَائِلًا: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ ٱلْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِتَكُنْ لَا إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ».
- وَخَرَجَ وَمَضَى كَٱلْعَادَةِ إِلَى جَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ: وَخَرَجَ وَمَضَى كَٱلْعَادَةِ إِلَى جَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ:
- صَلُّوا لِكَيْ لَا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ: عندما بدأ يسوع صلاته في بستان جَثْسَيْمَانِي (اسم المكان حسب متى ٣٦:٢٦ ومرقس ٣٢:١٤) نبه التلاميذ بحاجتهم إلى الصلاة. فيسوع نفسه كان بحاجة أن يصلي كي ينال قوة لمواجهة المحنة القادمة. كان التلاميذ سيواجهون محنتهم الخاصة لاحقاً، ولهذا هم بحاجة أن يصلوا لكي لا يدخلوا في تجربة أي، لا يستسلموا للتجربة.
- علّقَ بايت (Pate): “تعني الكلمات تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ(perasmon) أن لا تخضعوا لقوتها الشريرة (راجع لوقا ٤٦:٢٢، ٤:١١).”
- وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى: هذه الحادثة مليئة بالعاطفة ويبدو أن شاهد عيان (واحد من التلاميذ) رواها للوقا. وحده شاهد العيان سيتذكر تفاصيل مثل: وَٱنْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ.
- علّقَ جيلدنهويس (Geldenhuys): “كانت الطريقة المعتادة للصلاة في ذلك الوقت هي وضعية الوقوف. لذا فركوع يسوع على ركبتيه يؤكد شدة صراعه في جَثْسَيْمَانِي.”
- يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ ٱلْكَأْسَ: عَرِفَّ يسوع ما هي مشيئة الآب، ومع هذا شعر بعذاب أليم في روحه. لم يأتِ العذاب من عدم رغبته لتنفيذ مشيئة الله، ولكن لأن يسوع سيذهب إلى الصليب كذبيحة عن الخطايا. فهو لم يكن ضحية لظروف خارجة عن إرادته، ، عكس الذبيحة الحيوانية، بل ذهب مدركاً تماماً لما يجري. فقد ضَحِّى بِنَفسِهِ عن طيب خاطر.
- هذا يساعدنا على فهم السبب من وراء استخدام يسوع لصورة ٱلْكَأْسَ.
- فِي يَدِ اللهِ كَأْسُ غَضَبٍ مَلْآنَةٌ مِنْ خَمْرٍ أحمَرَ مَمزُوجاً بِسُمٍّ. وَسَيَسكُبُ مِنْ كَأسِهِ، وَسَيَشرَبُها أشرارُ الأرْضِ حَتَّى الثُّمالَةِ (مزمور ٨:٧٥).
- اِسْتَيْقِظِي، اِسْتَيْقِظِي وَقُومِي يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، يَا مَنْ شَرِبْتِ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى كَأْسَ غَضَبِهِ، الْكَأْسَ الَّتِي جَعَلَتْكِ تَتَرَنَّحِينَ. شَرِبْتِهَا بِأَكْمَلِهَا حَتَّى آخِرِهَا (إشعياء ١٧:٥١).
- وَهَذَا مَا أَعْلَنَهُ لِيَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: «خُذْ كَأْسَ خَمْرِ غَضَبِي مِنْ يَدِي، وَاسْقِ مِنْهَا جَمِيعَ الأُمَمِ الَّتِي أُرْسِلُكَ إِلَيْهَا» (إِرْمِيَا ١٥:٢٥).
- تمثل ٱلْكَأْسَ الموت، بل الدينونة. لم يكن يسوع خائفاً من الموت بكل تأكيد، ولكنه عندما أكمل العمل على الصليب، أي قبوله وتحمله وإرضاءه لدينونة الله الآب الصالحة عن خطايانا – أسلم نفسه للموت طوعاً.
- أصبح يسوع عدواً لله، إذا جاز لنا التعبير، وحُكِمَ عليه وأجبر على شرب كَأْسَ غضب الآب لكي لا نشربها نحن. هذه الكأس المجازية كانت أعظم ألم تحمله يسوع على الصليب.
- علّقَ سبيرجن (Spurgeon): “عندما أصف ما تحمله ربي، لا أخاف أبداً من المبالغة. فقد شرب إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح كَأْسُ غَضَبٍ مَلْآنَةٌ بكل ما في الجحيم.”
- هذا يساعدنا على فهم السبب من وراء استخدام يسوع لصورة ٱلْكَأْسَ.
- وَلَكِنْ لِتَكُنْ لَا إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ: كان على يسوع أن يقرر عندما وصل بستان جثسيماني. لا يعني ذلك أنه لم يقرر بعد أو لم يكن راضياً عن قراره، ولكنه وصل الآن عند مفترق طرق. قد شرب الكأس في الجلجثة، ولكن القرار النهائي لشرب هذه الكأس كان في جثسيماني.
- تصارع إنسان بار مع الشيطان والخطية والذات والشهوة في البستان وخسر، قائلاً: “لتكن إرادتي لا إرادتك” وخسارته أثرت على كل البشرية. وتصارع الإنسان البار الثاني مع الشيطان والخطية والذات والشهوة في بستانٍ آخر وانتصر، قائلاً: “لِتَكُنْ لَا إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ” وتأثير هذا الانتصار لمس كل إنسان من كل قبيلة وشعب ولسان.
ب) الآيات (٤٣-٤٤): وسط آلامه، شَدّدَتهُ الملائكة
٤٣وَظَهَرَ لَهُ مَلَاكٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ يُقَوِّيهِ. ٤٤وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى ٱلْأَرْضِ.
- وَظَهَرَ لَهُ مَلَاكٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ يُقَوِّيهِ: رداً على صلاة يسوع، لم يُجِيزَ الآب الكأس عنه، ولكنه أرسل الملائكة لتقوية يسوع على تحمل وشرب الكأس.
- هناك جدل حول وجود هذه الآيات (لوقا ٤٣:٢٢-٤٤) في المخطوطات الأصلية. حيث تستثنيها بعض الترجمات الحديثة بسبب عدم الجزم بوجودها في النص الأصلي. ويُعلّق بايت (Pate): “تكمن صعوبة النص في حد ذاته في عدم وجود إجابة قاطعة، بسبب تعارض الأدلة التي تخص المخطوطات الأصلية.”
- للأسف، قام هذا الملاك بدور التلاميذ، وفعل ما كان يجب على التلاميذ النِيام أن يفعلوه. علّقَ جون تراب (John Trapp) أن يسوع بهذا الأمر: “وَضَعَ نفسه قليلاً عن الملائكة، كما تقول الآية في العبرانيين ٧:٢، لهذا قبل التعزية من الملاك.”
- وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ: صلى يسوع بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ وسط آلامه، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى ٱلْأَرْضِ. لم يقل لوقا أن عرق يسوع كان دماً، بل كان يبدو مثل الدم، ربما قال هذا بسبب الطريقة التي تساقط فيها العرق من جبينه، أو لأن العرق أمتزج مع الدم نتيجة انفجار الشعيرات الدموية وانسكاب الدم عبر المسامات.
- علّقَ بايت (Pate): “كان عرقه غزيراً لدرجة أنه كان مثل الدم المتساقط على الأرض.”
- كما وعلّقَ كلارك (Clarke): “توجد حالات للأشخاص امتزج عرقهم بالدم بسبب إرهاقهم الشديد أو بسبب تعرضهم للهلع من موقف ما. وقد يتصبب العرق كقطرات دم أحياناً بسبب ضغط عصبي، حيث تتوسع المسامات وينزل من خلالها الدم.”
- وأضاف سبيرجن (Spurgeon): “أعطى الطبيب القديم غالينوس مثالاً عن حالات تعرض لها أفراد للخوف الشديد جعلتهم يتصببون عرقاً بلون غريب يشبه اللون القرمزي الذي يبدو كالدم. فهذه حالات يمكن تفسيرها طبياً.”
- كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ: كتب تراب (Trapp): “ضغط على كل أعصابه واجتهد بروحه وفي كلامه كي يكفر عن صلواتنا المملة والخالية من أي حرارة وحماس.”
ج ) الآيات (٤٥-٤٦): يسوع يحذر التلاميذ
٤٥ثُمَّ قَامَ مِنَ ٱلصَّلَاةِ وَجَاءَ إِلَى تَلَامِيذِهِ، فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا مِنَ ٱلْحُزْنِ. ٤٦فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا أَنْتُمْ نِيَامٌ؟ قُومُوا وَصَلُّوا لِئَلَّا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ».
- فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا مِنَ ٱلْحُزْنِ: امتلأ التلاميذ بٱلْحُزْنِ، ولكن بدلاً من قضاء وقت في الصلاة، خلدوا إلى النوم، فأوقظهم يسوع وشجعهم على الصلاة.
- قُومُوا وَصَلُّوا لِئَلَّا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ: سيعرضهم إتباعهم ليسوع لتجربة لا يمكن تخيلها. لهذا شجعهم يسوع أن يصلوا لأن هذا من مصلحتهم، وكان يفكر بهم وبما هو لخيرهم بدلاً من تفكيره في فشلهم في دعمه.
رابعاً. اِعتقال يسوع ومحاكمته
أ ) الآيات (٤٧-٥٣): خيانة يسوع واعتقاله
٤٧وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا جَمْعٌ، وَٱلَّذِي يُدْعَى يَهُوذَا، أَحَدُ ٱلِٱثْنَيْ عَشَرَ، يَتَقَدَّمُهُمْ، فَدَنَا مِنْ يَسُوعَ لِيُقَبِّلَهُ. ٤٨فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «يَا يَهُوذَا، أَبِقُبْلَةٍ تُسَلِّمُ ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ؟». ٤٩فَلَمَّا رَأَى ٱلَّذِينَ حَوْلَهُ مَا يَكُونُ، قَالُوا: «يَا رَبُّ، أَنَضْرِبُ بِٱلسَّيْفِ؟». ٥٠وَضَرَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ ٱلْيُمْنَى. ٥١فَأَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ: «دَعُوا إِلَى هَذَا!». وَلَمَسَ أُذْنَهُ وَأَبْرَأَهَا.٥٢ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِرُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَقُوَّادِ جُنْدِ ٱلْهَيْكَلِ وَٱلشُّيُوخِ ٱلْمُقْبِلِينَ عَلَيْهِ: «كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ! ٥٣إِذْ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ فِي ٱلْهَيْكَلِ لَمْ تَمُدُّوا عَلَيَّ ٱلْأَيَادِيَ. وَلَكِنَّ هَذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ ٱلظُّلْمَةِ».
- وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا جَمْعٌ: يُظهر العدد الذي جاء للقبض على يسوع بأن القادة الدينيين اعتبروا أنها كانت عملية اعتقال خطيرة، ويجب تنفيذها بعناية تجنباً لأي شغب أو فشل.
- علّقَ بايت (Pate): “وفقاً لإنجيل يوحنا ٣:١٨، ١٢ شَكَلَّ الجنود الرومان جزءاً من هذا الجَمْع.”
- كان مع الجمع قُوَّادِ جُنْدِ ٱلْهَيْكَلِ (لوقا ٥٢:٢٢). كتب باركلي (Barclay): “كان رئيس جند الهيكل هو المسؤول عن حفظ الأمن والنظام في الهيكل، وكان قواد جند الهيكل هم جنود الرئيس وكانوا مكلفون بالقبض على يسوع.”
- فَدَنَا مِنْ يَسُوعَ لِيُقَبِّلَهُ: اِستَقبَلَ يهوذا يسوع بكل حرارة، حتى أنه أعطاه القُبلةالمُعتادة. وبتلك القبلة حدد للسلطات عن شخصية يسوع الذين جاءوا للقبض عليه. ويبدو أن مظهر يسوع كان عادياً جداً بحيث كان من الضروري أن يفعل يهوذا ذلك، ولهذا دَنَا مِنْ يَسُوعَ لِيُقَبِّلَهُ.
- كتب باركلي (Barclay): “كانت العادة تقضي بأن يضع التلميذ يده اليمنى على الكتف الأيسر لمعلمه المحبوب، ويضع يده اليسرى على كتفه الأيمن ويقبله، وكانت هذه قبلة التلميذ للسيد والمعلم المحبوب، لكن يهوذا استخدمها كعلامة لتسليم السيد.”
- يَا يَهُوذَا، أَبِقُبْلَةٍ تُسَلِّمُ ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ؟: وبطبيعة الحال، عَرِفَّ يسوع السخرية من وراء خيانة يهوذا بتحيته الحارة، لهذا سأله: “ألهذه الدرجة لا توجد لديك أية مشاعر لتتمكن من تقبيلي وخيانتي؟” يعتبر يهوذا مثلاً جيداً للضمير المتحجر.
- كانت خيانة يسوع خطية رهيبة جداً، ويتحمل يهوذا كامل المسؤولية عنها. إلا أن عناية الله استخدمتها كأفضل وسيلة لتسليم يسوع في أيدي أعدائه.
- إذا القوا القبض على يسوع بعد مقاومة أو إذا هرب واختبأ منهم إلى أن يجدوه، حينها سيبدو أنه كان ضحية معاندة.
- وإذا استسلم ربما سيُعتبر تصرفه هذا حجة لقاتليه أو انتحار من قِبلهِ.
- وإذا حدث كل هذا بالصدفة، فإنه سيقلل من التأثير الكامل للكأس المر التي كان يسوع على وشك أن يشربها.
- علّقَ سبيرجن (Spurgeon): “كلا، كان ينبغي أن يُغدَرَ بِهِ من صاحبه لكي يختبر أقسى العذاب، وهذا بحد ذاته كان عذاباً أليماً منفصل عما سيحدث لاحقاً.”
- وَضَرَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ ٱلْيُمْنَى: كشف إنجيل يوحنا ١٠:١٨ أن من ضرب العبد كان بطرس. فعندما استخدم بطرس قوة السيف تمكن من قطع أُذنَ العبد فقط، ولكن عندما استخدم قوة كلمة الله، تمكن من اختراق القلوب لمجد لله (أعمال الرسل ٣٧:٢).
- كتب ماكلارن (Maclaren): “عندما تستخدم الكنيسة قوة السيف، فإنها تُظهر عادة عدم براعتها في استخدامه، وكثيراً ما تضرب الرجل الخطأ.”
- استطاع لوقا، بسبب معرفة الطبية، أن يحدد أن الأذن التي قُطعت كانت أُذْنَهُ ٱلْيُمْنَى. على افتراض أن بطرس كان يستخدم يده اليمنى، والطريقة الوحيدة لقطع الأذن اليمنى هي الهجوم من الخلف. فمن المرجح إذاً – وإن لم يكن مؤكداً – أن بطرس هاجمه من الخلف.
- أوقف يسوع هذا التصرف الأحمق وغير الفعال بقوله: “دَعُوا إِلَى هَذَا!” علّقَ بايت (Pate): “قال لتلاميذه الذين لجأوا إلى العنف، “قِفُوا عِنْدَ هَذَا الْحَدِّ!” وكأنه يقول بالعامية: “تَوَقَّفْوا! كَفَى!”
- وَلَمَسَ أُذْنَهُ وَأَبْرَأَهَا: حتى في هذا الموقف، كان يسوع حاضراً لتنظيف الفوضى التي خلفها تلاميذه ورائهم، وعالج الضرر الذي أحدثه بطرس.
- وَلَكِنَّ هَذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ ٱلظُّلْمَةِ: شرح يسوع لماذا ذهب مع رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَقُوَّادِ جُنْدِ ٱلْهَيْكَلِ وَٱلشُّيُوخِ وكل الجنود الذين جاءوا لاعتقاله. لم يقاومهم لأنه حان الوقت لأن يفعلوا بيسوع ما أرادوه من مدة، اعتقاله وقتله. ويبدو للوهلة الأولى أنها كانت ساعتهم وسلطانهم وليس يسوع.
ب) الآيات (٥٤-٦٠): بطرس ينكر معرفته بيسوع
٥٤فَأَخَذُوهُ وَسَاقُوهُ وَأَدْخَلُوهُ إِلَى بَيْتِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ. وَأَمَّا بُطْرُسُ فَتَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ. ٥٥وَلَمَّا أَضْرَمُوا نَارًا فِي وَسْطِ ٱلدَّارِ وَجَلَسُوا مَعًا، جَلَسَ بُطْرُسُ بَيْنَهُمْ. ٥٦فَرَأَتْهُ جَارِيَةٌ جَالِسًا عِنْدَ ٱلنَّارِ فَتَفَرَّسَتْ فِيهِ وَقَالَتْ: «وَهَذَا كَانَ مَعَهُ!». ٥٧فَأَنْكَرَهُ قَائِلًا: «لَسْتُ أَعْرِفُهُ يَا ٱمْرَأَةُ!». ٥٨وَبَعْدَ قَلِيلٍ رَآهُ آخَرُ وَقَالَ: «وَأَنْتَ مِنْهُمْ!». فَقَالَ بُطْرُسُ: «يَا إِنْسَانُ، لَسْتُ أَنَا!». ٥٩وَلَمَّا مَضَى نَحْوُ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ أَكَّدَ آخَرُ قَائِلًا: «بِٱلْحَقِّ إِنَّ هَذَا أَيْضًا كَانَ مَعَهُ، لِأَنَّهُ جَلِيلِيٌّ أَيْضًا!». ٦٠فَقَالَ بُطْرُسُ: «يَا إِنْسَانُ، لَسْتُ أَعْرِفُ مَا تَقُولُ!». وَفِي ٱلْحَالِ بَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ صَاحَ ٱلدِّيكُ.
- فَأَخَذُوهُ وَسَاقُوهُ وَأَدْخَلُوهُ إِلَى بَيْتِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ: : لم يسجل لوقا تفاصيل المثول أمام قَيَافَا رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ ومجموعة ٱلْكَتَبَةُ وَٱلشُّيُوخُ الذين اجتمعوا على عجل (متى ٥٧:٢٦-٦٨). ولكنه ركز على ٱلنَّهَارُ حيث اجتَمَعَ شُيُوخُ الشَّعبِ وَكِبارُ الكَهَنَةِ وَمُعَلِّمِو الشَّرِيعَةِ (٦٦:٢٢).
- قبل أن يذهب يسوع إلى منزل قَيَافَا (رئيس الكهنة)، مَضَوْا بِهِ أَوَّلًا إِلَى حَنَّانَ، ٱلَّذِي كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ ٱلسَّنَةِ، و”السلطة وراء العرش” (وفقاً ليوحنا ١٢:١٨-١٤، ١٩-٢٣).
- وَأَمَّا بُطْرُسُ فَتَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ: كان بطرس قلقاً على يسوع وأراد أن يعرف ماذا سيحدث له. ولكنه لم يملك الشجاعة الكافية ليعلن عن معرفته بيسوع، وبالتالي تَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ. هذه المسافة جعلت من الصعب على بطرس أن يعترف بعلاقته مع يسوع عندما سؤل.
- هرب كل التلاميذ الآخرين، وَأَمَّا بُطْرُسُ فَتَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ، على أمل أن يثبت أن توقعات يسوع حول إنكاره والتخلي عنه كانت خاطئة.
- جَلَسَ بُطْرُسُ بَيْنَهُمْ: جلس بطرس حول النار مع خُدام الذين اعتقلوا يسوع ليستدفئ، وكان يأمل ألا ينتبه أحد أنه ليس منهم. لم يترك بطرس يسوع كما فعل التلاميذ الآخرين – على الأقل في هذا الوقت – بل أراد أن يُعرف على أنه تلميذ يسوع.
- فَأَنْكَرَهُ: أنكر بطرس يسوع في ثلاثة طرق محددة على الأقل. أولاً، أنكر معرفته بيسوع (لَسْتُ أَعْرِفُهُ يَا ٱمْرَأَةُ!)، ثم أنكر أنه كان تلميذاً ليسوع (يَا إِنْسَانُ، لَسْتُ أَنَا!)، وأخيراً أنكر حتى أنه كان من الجليل (يَا إِنْسَانُ، لَسْتُ أَعْرِفُ مَا تَقُولُ!).
- تقول الآية في متى ٧٤:٢٦ أنه في إنكار بطرس الأخير ٱبْتَدَأَ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ – آملاً أن يبعد نفسه عن يسوع.
ج ) الآيات (٦١-٦٢): نَظَرَ يسوع إلى بطرس، فَتَذَكَّرَ كَلَامَه
٦١فَٱلْتَفَتَ ٱلرَّبُّ وَنَظَرَ إِلَى بُطْرُسَ، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلَامَ ٱلرَّبِّ، كَيْفَ قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ ٱلدِّيكُ تُنْكِرُنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ». ٦٢فَخَرَجَ بُطْرُسُ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا.
- فَٱلْتَفَتَ ٱلرَّبُّ وَنَظَرَ إِلَى بُطْرُسَ: عند صياح الديك، نظر يسوع إلى الحشد حوله، ورأى بطرس وجهاً لوجه. شعر بطرس بتبكيت فوري عن خطيته، ليس لأنه أنكر يسوع فحسب، ولكن أيضاً بسبب الكبرياء الذي قاده ليعتقد أنه لن ينكره.
- كتب ليفيلد (Liefeld): “تشير عادة الكلمة اليونانية القديمة نَظَرَ إلى نظرة الاهتمام والحب أو القلق.”
- فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلَامَ ٱلرَّبِّ: للأسف، تذكر بطرس متأخراً وبعد خطيته. وفي تلك اللحظة، كانت رد فعل بطرس الوحيدة: بَكَى بُكَاءً مُرًّا – ومع ذلك سيتعامل الرب معه وسيرد المسلوب.
- كان من المناسب له أن يبكي بمرارة في تلك اللحظة، ولكن بطرس لم يكن بلا رجاء. بقدر ما كان وعد يسوع بإنكار بطرس صحيحاً، كان وعده أن لَا يَفْنَى إِيمَانُه صحيحاً أيضاً (لوقا ٣٢:٢٢). سقط بطرس صحيح، ولكنه لم يفقد إيمانه.
د ) الآيات (٦٣-٦٥): اِستهزأَ الحراس بيسوع وضربوه
٦٣وَٱلرِّجَالُ ٱلَّذِينَ كَانُوا ضَابِطِينَ يَسُوعَ كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَهُمْ يَجْلِدُونَهُ، ٦٤وَغَطَّوْهُ وَكَانُوا يَضْرِبُونَ وَجْهَهُ وَيَسْأَلُونَهُ قَائِلِينَ: «تَنَبَّأْ! مَنْ هُوَ ٱلَّذِي ضَرَبَكَ؟». ٦٥وَأَشْيَاءَ أُخَرَ كَثِيرَةً كَانُوا يَقُولُونَ عَلَيْهِ مُجَدِّفِينَ.
- وَٱلرِّجَالُ ٱلَّذِينَ كَانُوا ضَابِطِينَ يَسُوعَ كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَهُمْ يَجْلِدُونَهُ: لم يسجل لوقا ما حدث في محاكمة يسوع الليلية أمام رئيس الكهنة ومجموعة ٱلْكَتَبَةُ وَٱلشُّيُوخُ الذين اجتمعوا على عجل (متى ٥٧:٢٦-٦٨). ولكنه سجل ما حدث مباشرة بعد المحاكمة، وكيف تعرض يسوع للضرب والاستهزاء من قبل السلطات الدينية.
- وَغَطَّوْهُ وَكَانُوا يَضْرِبُونَ وَجْهَهُ: تحمل يسوع تلك الضربات واللكمات بألم شديد وهو مغمض العينين. يضيف كلٍ من متى ٦٧:٢٦ ومرقس ٦٥:١٤ أنهم بَصَقُوا فِي وَجْهِهِ.
- من السهل أن نفكر أنهم تمكنوا من فعل ذلك لأنهم كانوا يجهلونه. وهذا صحيح نوعاً ما، فهم لم يعترفوا أنه المسيا أو ابن الله. ولكن السبب الآخر الذي دفعهم للتصرف هكذا هو طبيعة الإنسان المُعادية لله (رومية ١٠:٥، <كولوسي ٢١:١). فقد اِنتَظَرَ الإنسان طويلاً ليضرب ويصفع ويبصق في وجه الله.
- كان على كلي القدرة أن يؤخذ أسيراً ويستهزأ به
- كان على كلي الصلاح أن يُضرب ويُجرح ويُعتدى عليه
- كان على كلي المعرفة أن يبدو كأعمى
- كان على وجه الله، إله المحبة الكاملة، أن يُضرب ويُلكم
- كان على العدالة الإلهية أن تُرفض
- وبالتالي، كان على الله أن يتمم عمله المجيد رغم الاستعراض الكامل لخطية الإنسان.
- وجدوا أنه يمكن للخطية أن تكون لعبة
- وجدوا أن قسوة الخطية مُلذة
- وجدوا أنه يمكن للخطية أن تُضاعف
- من السهل أن نفكر أنهم تمكنوا من فعل ذلك لأنهم كانوا يجهلونه. وهذا صحيح نوعاً ما، فهم لم يعترفوا أنه المسيا أو ابن الله. ولكن السبب الآخر الذي دفعهم للتصرف هكذا هو طبيعة الإنسان المُعادية لله (رومية ١٠:٥، <كولوسي ٢١:١). فقد اِنتَظَرَ الإنسان طويلاً ليضرب ويصفع ويبصق في وجه الله.
- تَنَبَّأْ! مَنْ هُوَ ٱلَّذِي ضَرَبَكَ؟: إن اِعتَمَدَ يسوع على سلطانه الإلهي، فسيعرف من ضربه بالضبط، وسيعرف حتى تفاصيل حياة ذلك الشخص. ومع ذلك، رفض يسوع استغلال سلطانه وقوته الإلهية، وواجه الأمر كإنسان ممتلئ بقوة الروح.
- علّقَ بايت (Pate): “ومع ذلك، الشيء الذي سخروا منه، وهو قدرة يسوع النبوية، تم إثبات صحته في المشهد السابق: أنكر بطرس إلهه ثلاث مرات، تماماً كما تنبأ يسوع.”
- كان من الضروري على يسوع أن يواجه مثل هذه الانتهاكات، رغم أن تَحمُلها كان مؤلماً ليسوع، ومؤلماً لأتباعه حينما يتأملونها.
- كان من المهم بالنسبة ليسوع أن يُظهر أن التجاوب المناسب مع الكراهية ليس المزيد من الكراهية بل إظهار محبة أكبر.
- كان من المهم بالنسبة ليسوع أن يُظهر ثقته بالله الآب، وثقته أنه سيبرره حتماً، وبأنه غير مضطر للدفاع عن نفسه.
- كان من المهم بالنسبة ليسوع أن يختبر كل هذا حتى يتسنى لمن يتعرضون للظلم والمهانة أن يجدوا الراحة في إله اختبر ما اختبروه.
- كتب سبيرجن (Spurgeon): “من اللائق أن أدعوه أيضاً بالمنتصر. فلم ينجح مضطهديه في إثارة غضبه. ولم يتمكنوا من إنهاء رحمته أو قتل محبته أو إِرغامه على التفكير بأنانية أو أن يعلن أنه لن يُنهي عمله لإنقاذ الخطاة، فقط لأن الرجال بدأوا يسخرون منه ويضربونه ويهينونه.”
هـ) الآية (٦٦): المُحاكمة الثانية أمام السنهدريم
٦٦وَلَمَّا كَانَ ٱلنَّهَارُ ٱجْتَمَعَتْ مَشْيَخَةُ ٱلشَّعْبِ: رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ، وَأَصْعَدُوهُ إِلَى مَجْمَعِهِمْ
- وَلَمَّا كَانَ ٱلنَّهَارُ: مَثُلَّ يسوع أمام المحكمة عدة مرات ليلة الخيانة ويوم الصلب، وفي كل مرة كان يقف أمام قاضٍ مختلف. ويمكننا تلخيص الأحداث كالتالي:
- سَاقُوهُ أَوَّلاً إِلَى بيت حَنَّانَ، رئيس الكهنة السابق و”السلطة وراء العرش” (يوحنا ١٢:١٨-١٤، يوحنا ١٩-٢٣).
- ثم اقتادوه إلَى بَيتِ قِيافا، رَئِيسِ الكَهَنَةِ الحالي، وحُكِمَّ هناك أمام مُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ وَالشُّيُوخُ الذين اجتمعوا خصيصاً لهذا الغرض وبطريقة غير رسمية، وكان الوقت لا يزال ليلاً (متى ٥٧:٢٦-٦٨). وعندما قدموا شُهُودَّ زُورٍ أمام كِبارُ الكَهَنَةِ وَجَمِيعُ أعضاءِ مَجلِسِ اليَهُودِ، طالب رئيس الكهنة أن يعرف مِنْ يسوع إن كان حقاً ابن الله. فَأجابَهُ يَسُوعُ: «نَعَمْ أنا هُوَ كَما قُلْتَ. وَأقُولُ لَكُمْ: مِنَ اليَومِ فَصاعِداً، سَتَرَوْنَ ابْنَ الإنسانِ جالِساً عَنْ يَمِينِ عَرْشِ اللهِ، وَآتِياً عَلَى سُحُبِ السَّماءِ.» حِينَئِذٍ مَزَّقَ رَئِيسُ الكَهَنَةِ ثِيابَهُ وَقالَ: «لَقَدْ أهَنْتَ اللهَ، فَما الحاجَةُ بَعْدُ إلَى شُهُودٍ؟ فَقَدْ سَمِعْتُمُ الآنَ إهانَتَهُ للهِ. فَبِماذا تَحكُمُونَ؟» فَأجابُوهُ: «إنَّهُ يَستَحِقُّ المَوتَ» (متى ٦٤:٢٦-٦٦).
- ابتدأ بعد ذلك الضرب الموصوف في لوقا ٦٣:٢٢-٦٥.
- وَلَمَّا كَانَ ٱلنَّهَارُ اجتَمَعَ كِبارُ الكَهَنَةِ وَشُيُوخُ الشَّعبِ ثانية، ولكن بصورة رسمية هذه المرة، وأجروا المحاكمة المذكورة في لوقا ٦٦:٢٢-٧١ (وفي متى ١:٢٧-٢).
- ٱجْتَمَعَتْ مَشْيَخَةُ ٱلشَّعْبِ: رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ، وَأَصْعَدُوهُ إِلَى مَجْمَعِهِمْ: كان اِجتماع المجلس في النهار ضرورياً، لأنه بحسب قوانين السنهدريم وأنظمته، كانت المحاكمة الليلية الموصوفة في متى ٥٧:٢٦-٦٨ غير قانونية.
- وفقاً للقانون اليهودي، على كل المحاكمات الجنائية أن تبدأ وتنتهي في وضح النهار. ولهذا السبب كانت المحاكمة الثانية ضرورية لأنهم كانوا يعرفون جيداً أن المحاكمة الأولى في الليل، لن تصمد أمام القانون أبداً.
- وفقاً للقانون اليهودي، كانت كل القرارات التي تتخذ في المقر الرسمي للاجتماعات هي القانونية فقط. ولكننا نرى هنا أنهم عقدوا محاكمتهم الأولى في بيت قيافا رئيس الكهنة. فاجتمعوا وأجروا محاكمتهم الخاصة، حتى أنهم اطلقوا على هذا التجمع اسم “مَجْمَعِهِمْ” (أي مجلسهم الرسمي).
- وفقاً للقانون اليهودي، لا يجوز الحُكم في القضايا الجنائية خلال عيد الفصح.
- وفقاً للقانون اليهودي، كان الحُكم الوحيد الذي يجوز إصداره يوم المحاكمة هو حكم بالبراءة، أما حُكم الإدانة فيجب أن يؤجل ليلة واحدة على أمل أن يتغير الحكم ويُخفف رأفةً بالمتهم.
- وفقاً للقانون اليهودي، كان يجب أن تقوم الشهادة على فم شاهدين على الأقل، وعلى كل شاهد أن يؤكد كل الأدلة بعد فحص كلام كلٌ منهما بمعزل عن الآخر، كما وكان يمنع بتاتاً أن يتواصلوا معاً.
- وفقاً للقانون اليهودي، كان عقاب شهود الزور الإعدام؛ ولكن هذا لم يحدث للشهود الزور الذين شهدوا في محاكمة يسوع.
- وفقاً للقانون اليهودي، تبدأ المحاكمة دائماً بتقديم أدلة على براءة المتهم قبل تقديم الأدلة على إدانته؛ ولكنهم لم يطبقوا هذا أيضاً هنا.
- “وُضِعت كل هذه القوانين لتأكد حصول المتهم على محاكمة عادلة، ولكننا نرى من رواية لوقا المختصرة، أن محاكمة يسوع ابتعدت كل البعد عن القوانين والأنظمة المتعارف عليها.” باركلي (Barclay)
و ) الآيات (٦٧-٧١): استجواب يسوع في محاكمته الثانية أمام المجلس
٦٧قَائِلِينَ: «إِنْ كُنْتَ أَنْتَ ٱلْمسِيحَ، فَقُلْ لَنَا!». فَقَالَ لَهُمْ: «إِنْ قُلْتُ لَكُمْ لَا تُصَدِّقُونَ، ٦٨وَإِنْ سَأَلْتُ لَا تُجِيبُونَنِي وَلَا تُطْلِقُونَنِي. ٦٩مُنْذُ ٱلْآنَ يَكُونُ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ قُوَّةِ ٱللهِ». ٧٠فَقَالَ ٱلْجَمِيعُ: «أَفَأَنْتَ ٱبْنُ ٱللهِ؟». فَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا هُوَ». ٧١فَقَالُوا: «مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شَهَادَةٍ؟ لِأَنَّنَا نَحْنُ سَمِعْنَا مِنْ فَمِهِ».
- إِنْ كُنْتَ أَنْتَ ٱلْمسِيحَ، فَقُلْ لَنَا!: أرادوا أن يسمعوا يسوع يدّعي أنه المسيا بنفسه. ومرة أخرى، كانت كلها شكليات لأنه قد سبق وأصدر حكمهم على يسوع في المحاكمة غير القانونية التي عقدت الليلة السابقة (متى ٥٧:٢٦-٦٨)، وسألوا نفس السؤال في (متى ٦٣:٢٦).
- إِنْ قُلْتُ لَكُمْ لَا تُصَدِّقُونَ: نظراً للظروف – أي أنهم أقروا بأنه مذنب بلا شك، وأن المحاكمة الحالية هي مجرد عرض – كان رده هذا مثالياً. فقد تظاهروا بأنهم يملكون عقولاً مفتوحة وبأنهم طرحوا الأسئلة الصحيحة الصادقة، ولكن ذلك لم يكن صحيحاً، كان كل هذا مجرد ادعاء.
- مُنْذُ ٱلْآنَ يَكُونُ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ قُوَّةِ ٱللهِ: كان هذا نفس الرد الذي قدمه يسوع لرئيس الكهنة في المحاكمة السابقة (متى ٦٤:٢٦). أخبرهم يسوع أنه رغم حكمهم عليه الآن، إلا أنه سيأتي اليوم الذي سيجلس فيه هو ويحكم عليهم – ولكن دينونته ستكون أبدية.
- مُنْذُ ٱلْآنَ: (أي في المستقبل) “يا له من يوم صعب على أعداء يسوع عندما يأتي في المستقبل! أين هو قيافا! هل سيجبر الرب على الكلام حينها؟ وأنتم أيها الكهنة، هل سترفعون أيديكم المتعجرفة وتحكمون عليه! فهناك يجلس ضحيتكم على غيوم السماء. قولوا عنه أنه يجدف الآن، واطلقوا غضبكم عليه وأدينوه مرة أخرى. ولكن أين هو قيافا؟ يحاول أن يخفي ذنبه ويخفي شعوره بالإرتباك الشديد، ويتوسل الجبال أن تسقط عليه.” سبيرجن (Spurgeon)
- قُوَّةِ: علّقَ فرنس (France): “القوة هي التعبير اليهودي المعروف لتفادي نطق اسم الله القدوس. وهكذا أعطاهم يسوع سبباً لإدانته. وللسخرية كانت تلك هي التهمة التي أدين بها (متى ٦٥:٢٦).”
- مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شَهَادَةٍ؟: في محاكمة النهار، لم يبذلوا أي جهد لإيجاد شهود ضد يسوع، لأن الشهود في محاكمة الليل لم يتفقوا فيما بينهم على أمر (متى ٥٩:٢٦-٦٠). ولهذا تجنبوا استخدام الشهود في هذه المحاكمة.