أعمال الرسل – الإصحاح ١٩
بولس في مدينة أَفَسُسَ
أولاً. معمودية التلاميذ في أفسس بالروح القدس
أ ) الآيات (١-٢): وجد بولس في أفسس بعض التلاميذ الذين لم يقبلوا الروح القدس بعد
١فَحَدَثَ فِيمَا كَانَ أَبُلُّوسُ فِي كُورِنْثُوسَ، أَنَّ بُولُسَ بَعْدَ مَا ٱجْتَازَ فِي ٱلنَّوَاحِي ٱلْعَالِيَةِ جَاءَ إِلَى أَفَسُسَ. فَإِذْ وَجَدَ تَلَامِيذَ ٢قَالَ لَهُمْ: «هَلْ قَبِلْتُمُ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ لَمَّا آمَنْتُمْ؟». قَالُوا لَهُ: «وَلَا سَمِعْنَا أَنَّهُ يُوجَدُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ».
- أَنَّ بُولُسَ بَعْدَ مَا ٱجْتَازَ فِي ٱلنَّوَاحِي ٱلْعَالِيَةِ جَاءَ إِلَى أَفَسُسَ: زار بولس أفسس من قبل في طريق عودته من كورنثوس في رحلته التبشيرية الثانية. وها هو يصل إلى أفسس الآن بعد رحلته إلى كورة فَرِيجِيَّةَ. رجع بولس إلى أفسس كما وعد في أعمال الرسل ٢١:١٨.
- هَلْ قَبِلْتُمُ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ لَمَّا آمَنْتُمْ؟: يبدو أن بولس رأى أمراً ما في هؤلاء التلاميذ دفعه ليسأل هذا السؤال. ليس هناك أي دليل على أنه سأل أحد هذا السؤال من قبل.
- وَلَا سَمِعْنَا أَنَّهُ يُوجَدُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ: تظهر إجابة التَلَامِيذَ أنهم لم يكونوا يعرفون الكثير عن طبيعة الله المعلنة في يسوع المسيح. كانوا يعرفون ما يكفي للخلاص وأن يكونوا تلميذ ليسوع (كانوا يدعون تلاميذ) ولكنهم لم يعرفوا الكثير عما فعله يسوع من أجلنا وعن وعده بإرسال الروح القدس عندما يصعد إلى السماء.
- قد لا يكون هؤلاء هم المجموعة الأساسية من التلاميذ الذين خدم بولس بينهم في أفسس من قبل (أعمال الرسل ١٩:١٨-٢١) ومكث أَكِيلَا وبِرِيسْكِلَّا لرعايتهم. بَقِيَ أَكِيلَا وبِرِيسْكِلَّا مع بولس لمدة عام ونصف في كورنثوس ويبدو من رسائله إلى أهل كورنثوس أنه علمهم عن شخص وعمل الروح القدس. وبالتالي قد يكون هؤلاء تلاميذ جدد أو حديثي الإيمان وليس المجموعة الأساسية.
ب) الآيات (٣-٤): يوضح بولس الفرق بين معمودية يوحنا والمعمودية باسم يسوع
٣فَقَالَ لَهُمْ: «فَبِمَاذَا ٱعْتَمَدْتُمْ؟». فَقَالُوا: «بِمَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا». ٤فَقَالَ بُولُسُ: «إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَعْمُودِيَّةِ ٱلتَّوْبَةِ، قَائِلًا لِلشَّعْبِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِالَّذِي يَأْتِي بَعْدَهُ، أَيْ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ».
- بِمَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا: كانت المعلومات البسيطة لدى هؤلاء التلاميذ من أفسس عن يسوع وخدمته مكتسبة من تعاليم يوحنا المعمدان. وكانوا بهذا يشبهون أبلوس قبل أن يقوم أَكِيلَا وبِرِيسْكِلَّا بتفسير طَرِيقَ ٱلرَّبِّ له بِأَكْثَرِ تَدْقِيق (أعمال الرسل ٢٤:١٨-٢٦).
- وربما نالوا مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا من يوحنا نفسه أو ربما من أحد تلاميذ يوحنا الذين استمروا في الخدمة بعد موته.
- إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَعْمُودِيَّةِ ٱلتَّوْبَةِ: أشار بولس أن معمودية يوحنا كانت للتَّوْبَةِ وليس الإيمان الذي يؤدي إلى الخلاص. وجهت رسالة يوحنا نظر الناس إلى يسوع ولكنها لم تأخذهم هناك.
- يبدو أن هؤلاء التلاميذ سمعوا عن مجيء المسيا من يوحنا المعمدان وسمعوا عن حاجتهم للتوبة لاستقباله ولكنهم لم يسمعوا أنه قد جاء فعلاً ولم يسمعوا عن أهمية الإيمان بشخصه وبعمله.
- اقترح البعض أن هؤلاء التلاميذ لم يكونون في الواقع مؤمنين. ولكن تبقى المشكلة أنه أطلق عليهم لقب التلاميذ. كان معروفاً أنها التسمية التي تشير إلى المؤمنين الحقيقيين التابعين ليسوع المسيح. ومع ذلك لا بد من القول أن كلمة تلميذ لها معنى أوسع من الاستخدام الشائع الذي يشير إلى أتباع يسوع.
- يوضح بروس (Bruce): “يبدو أن لقب تلميذ كان يشير دائماً لأتباع يسوع حينما لا يكون هناك أي تحديد إضافي. فلو أراد لوقا أن يشير أنهم كانوا تلاميذ يوحنا المعمدان لقال ذلك صراحة.”
ج) الآيات (٥-٧): آمن الاِثْنَيْ عَشَرَ بيسوع واعتمدوا وقبلوا عطايا الروح القدس
٥فَلَمَّا سَمِعُوا ٱعْتَمَدُوا بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ. ٦وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ عَلَيْهِمْ، فَطَفِقُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ وَيَتَنَبَّأُونَ. ٧وَكَانَ جَمِيعُ ٱلرِّجَالِ نَحْوَ ٱثْنَيْ عَشَرَ.
- ٱعْتَمَدُوا بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ: لأنهم كانوا مستعدين بتجاوبهم مع رسالة يوحنا المعمدان استطاعوا أن يقبلوا يسوع بالإيمان وٱعْتَمَدُوا بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ.
- حَلَّ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ عَلَيْهِمْ: وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ بعد المعمودية امتلئوا بٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ وقبلوا العطايا.
- كتب بولس رسالتيه الأولى والثانية إلى أهل كورنثوس في هذا الوقت أثناء إقامته في أفسس. وكان لديه الكثير ليقوله عن شخص وعمل الروح القدس في رسالته الأولى لأهل كورنثوس.
- وَكَانَ جَمِيعُ ٱلرِّجَالِ نَحْوَ ٱثْنَيْ عَشَرَ: يذكرنا لوقا أنه ليس كل كنيسة أفسس كان ينقصها الفهم الكامل لشخص وعمل يسوع بل مجموعة صغيرة فقط.
- السؤال الذي يُطرح عادة هو: “هل كان هؤلاء القِلة من أفسس مؤمنين حقاً قبل الامتلاء من الروح القدس؟” فمن ناحية، كانوا يدعون تلاميذ ويبدو أنهم كانوا فعلاً جزءً من جماعة المؤمنين في أفسس ولن يقال هذا عنهم إن لم يكونوا مؤمنين فعلاً. ومن ناحية أخرى، كانت معرفتهم عن يسوع ضئيلة للغاية ومع ذلك اعتمدوا بالماء ثانية ولكن باسم يسوع هذه المرة. من الصعب أن نجزم إن كانوا مؤمنين حقاً أم لا ولكننا نستطيع القول أن بولس رأى أنهم كانوا يفتقرون إلى الروح القدس في حياتهم.
- من الجيد أن يفحص كل مؤمن حياته اليوم ويتساءل إن كان الناس حوله يرون شخص وقوة الروح القدس بوضوح في حياته.
- شعر هؤلاء التلاميذ من أفسس بحاجتهم إلى التصالح مع الله وعرفوا أن الحل هو في مسيح الرب ولكنهم لم يخطو خطوة أبعد من ذلك. ينبغي أن يقطعوا كل المسافة وأن يضعوا ثقتهم بيسوع وبعمله وأن يمتلئوا بقوة الروح القدس.
- كتب سبيرجن (Spurgeon): “هل قبلت الروح القدس حينما آمنت؟ هل اختبرت يا عزيزي حضور الروح القدس في حياتك؟ هل تعيش تحت تأثيره الإلهي؟ هل أنت ممتلئ بسلطانه؟ اسأل هذه الأسئلة بصفة شخصية. أخشى أن يعترف بعض المؤمنين بأنهم لا يعرفون إذا كان الروح القدس موجوداً أم لا، وقد يعترف البعض أنهم تمتعوا قليلاً بعمله الخلاصي ولكنهم لا يعرفون الكثير عن قوته وعمله في تقديس الحياة.”
- يريد الله أن ندخل ونغوص في العمق ولكننا نفضل أخذ رشفة واحدة حينما نستطيع الارتواء. نستطيع أن نشرب بعمق إن دخلنا إلى العمق وحينها فقط نستطيع الغطس والسباحة. علينا أن نتشجع في الدخول إلى العمق ونكتشف المزيد عن الروح القدس.
- إن قال أحدهم أنه ربما يملك قوة وحضور الروح القدس في حياته فمن العدل أن نفترض أن هذا غير صحيح. لأن من يملك الروح القدس سيكون متأكد تماماً. كتب سبيرجن (Spurgeon): “إن صعقت أحدهم بصدمة كهربائية أضمن لك أنه سيشعر بها. هكذا الحال عندما يسكن الروح القدس بداخلك… ستعرف حتماً.” هذا ليس أمراً نتمناه بل يمكننا أن نعرفه. يستطيع المرء أن يعرف إن كان مملوءً من الروح القدس أم لا.
ثانياً. استمرار خدمة بولس في مدينة أفسس
أ ) الآيات (٨-١٠): بولس يترك المجمع أخيراً ويبدأ التعليم في مدرسة مستعارة
٨ثُمَّ دَخَلَ ٱلْمَجْمَعَ، وَكَانَ يُجَاهِرُ مُدَّةَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مُحَاجًّا وَمُقْنِعًا فِي مَا يَخْتَصُّ بِمَلَكُوتِ ٱللهِ. ٩وَلَمَّا كَانَ قَوْمٌ يَتَقَسَّوْنَ وَلَا يَقْنَعُونَ، شَاتِمِينَ ٱلطَّرِيقَ أَمَامَ ٱلْجُمْهُورِ، ٱعْتَزَلَ عَنْهُمْ وَأَفْرَزَ ٱلتَّلَامِيذَ، مُحَاجًّا كُلَّ يَوْمٍ فِي مَدْرَسَةِ إِنْسَانٍ ٱسْمُهُ تِيرَانُّسُ. ١٠وَكَانَ ذَلِكَ مُدَّةَ سَنَتَيْنِ، حَتَّى سَمِعَ كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ جَمِيعُ ٱلسَّاكِنِينَ فِي أَسِيَّا، مِنْ يَهُودٍ وَيُونَانِيِّينَ.
- دَخَلَ ٱلْمَجْمَعَ وَكَانَ يُجَاهِرُ مُدَّةَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ: جاهر بولس في المجمع لمدة طويلة ولكنه في النهاية اعتزل بسبب تأثير اليهود الذين رفضوا الرسالة. استأنف تعليمه في قاعة يملكها مُعلم أممي يدعى تِيرَانُّسُ (مُحَاجًّا كُلَّ يَوْمٍ فِي مَدْرَسَةِ إِنْسَانٍ ٱسْمُهُ تِيرَانُّسُ).
- تقول إحدى المخطوطة القديمة (ليست مستوحاة) بأن بولس كان يعلم من الحادية عشر صباحاً وحتى الرابعة ظهراً. وهو الوقت الذي يستريحه فيه معظم الناس من أشغالهم بما في ذلك بولس الذي كان يعمل ليعيل نفسه أثناء وجوده في أفسس (أعمال الرسل ٣٤:٢٠-٣٥). وقد تكون تلك الفترة أيضاً هي فترة الاستراحة في المدرسة.
- قام بولس بهذا كُلَّ يَوْمٍ. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الفترة الزمنية التي قضاها في أفسس فإن هذا يعني أنه صرف المئات من الساعات في التعليم. لا عجب أن الخدمة في أفسس كانت واسعة جداً وفعالة.
- وَكَانَ ذَلِكَ مُدَّةَ سَنَتَيْنِ: استَمَرَّ بولس في التعليم لمدة عامَينِ وهذا ساعد على تأهيل المؤمنين وانتشار كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ لجَمِيعُ ٱلسَّاكِنِينَ فِي أَسِيَّا.
- كان من المستحيل على بولس أن يوصل رسالة الإنجيل لكل هذه المنطقة بمفرده. ولكن كان بإمكانه تأهيل المؤمنين للقيام بعمل الخدمة تماماً كما قال في رسالته إلى أهل أفسس ١١:٤-١٢.
ب) الآيات (١١-١٢): معجزات غير عادية في أفسس
١١وَكَانَ ٱللهُ يَصْنَعُ عَلَى يَدَيْ بُولُسَ قُوَّاتٍ غَيْرَ ٱلْمُعْتَادَةِ، ١٢حَتَّى كَانَ يُؤْتَى عَنْ جَسَدِهِ بِمَنَادِيلَ أَوْ مَآزِرَ إِلَى ٱلْمَرْضَى، فَتَزُولُ عَنْهُمُ ٱلْأَمْرَاضُ، وَتَخْرُجُ ٱلْأَرْوَاحُ ٱلشِّرِّيرَةُ مِنْهُمْ.
- وَكَانَ ٱللهُ يَصْنَعُ عَلَى يَدَيْ بُولُسَ قُوَّاتٍ غَيْرَ ٱلْمُعْتَادَةِ: صَرَحَ لوقا بأن تلك المعجزات كانت غَيْرَ ٱلْمُعْتَادَةِ وضرب مثلاً: كان الناس يأخذون مَنَادِيلَ أَوِ مَآزِرَ بولس (حتى في غيابه) ويضعونها على المرضى فتزول الأمراض وتخرج الأرواح الشريرة منهم.
- كان من غير المألوف أن يستخدم الله مَنَادِيلَ أَوْ مَآزِرَ بهذه الطريقة. كتب بروس (Bruce): “من المحتمل أن تكون قطع القماش هي التي كان بولس يستخدمها أثناء عمله في صنع الخيام أو في الجلود. كانت تربط المناديل على الرأس وتوضع المآزر حول الخصر.”
- كَانَ يُؤْتَى عَنْ جَسَدِهِ بِمَنَادِيلَ أَوْ مَآزِرَ إِلَى ٱلْمَرْضَى: لا نعرف تماماً كيف كان يحدث ذلك أو كيف يمكن لظل بطرس (أعمال الرسل ١٥:٥) أو هدب ثوب يسوع (متىمتى ٣٦:١٤) أن يشفي. يصبح الشيء الملموس هو نقطة الاتصال التي يعبر من خلالها الشخص عن إيمانه بيسوع الشافي.
- ربما حدث هذا بالصدفة في البداية؛ ربما أخذ المريض (الذي يؤمن بالخرافات) منديل بولس وحصل على الشفاء وأصبح نمطاً يقلده الآخربن. كانت الخرافات والسحر والشعوذة سائدة في أفسس ولا ينبغي أن نتفاجأ عندما اعتقاد البعض أن معجزات بولس كانت مجرد خرافات.
- سيتعامل الله معنا رغم معتقداتنا البسيطة ولكن هذا لا يعني أنه مسرور بها ويؤيدها ولكن رحمته قد تتغاضى عنها ليسد احتياجنا.
- أتذكر أني شاهدت يوماً على منبر أحد الكنائس في بلغاريا صحيفة ملفوفة موضوعة جانباً وقيل لي لاحقاً أن الراعي كان يصلي على قطع من القماش (ملفوفة داخل الصحيفة) ليأخذوها إلى منازل المرضى. وكانت تلك ممارسة شائعة في كنائس بلغاريا.
- كَانَ ٱللهُ يَصْنَعُ… قُوَّاتٍ غَيْرَ ٱلْمُعْتَادَةِ: يمكن ترجمة هذه الجملة كالتالي: “معجزات ليست مألوفة.” لم تكن هذه المعجزات من النوع الذي يمكن توقعه.
- ولانها كانت قوات غير المعتادة لا ينبغي أن نتوقع استمرارها لشفاء الأمراض.
- يبدو أن الله يحب عمل الأشياء بطرق جديدة ومختلفة. ولهذا نقبل كل ما ثبت أنه من يد الله ونسعى وراء ما هو كتابي فقط.
- لا يقول النص أن بولس قام بهذه المعجزات غير المعتادة بل ٱللهُ كان يَصْنَعها عَلَى يَدَيْ بُولُسَ.
ج) الآيات (١٣-١٦): توبيخ أولاد سَكاوا، طاردي الأرواح اليهود الواعدين
١٣فَشَرَعَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْيَهُودِ ٱلطَّوَّافِينَ ٱلْمُعَزِّمِينَ أَنْ يُسَمُّوا عَلَى ٱلَّذِينَ بِهِمِ ٱلْأَرْوَاحُ ٱلشِّرِّيرَةُ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، قَائِلِينَ: «نُقْسِمُ عَلَيْكَ بِيَسُوعَ ٱلَّذِي يَكْرِزُ بِهِ بُولُسُ!». ١٤وَكَانَ سَبْعَةُ بَنِينَ لِسَكَاوَا، رَجُلٍ يَهُودِيٍّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ، ٱلَّذِينَ فَعَلُوا هَذَا. ١٥فَأَجَابَ ٱلرُّوحُ ٱلشِّرِّيرُ وَقَالَ: «أَمَّا يَسُوعُ فَأَنَا أَعْرِفُهُ، وَبُولُسُ أَنَا أَعْلَمُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَمَنْ أَنْتُمْ؟» ١٦فَوَثَبَ عَلَيْهِمُ ٱلْإِنْسَانُ ٱلَّذِي كَانَ فِيهِ ٱلرُّوحُ ٱلشِّرِّيرُ، وَغَلَبَهُمْ وَقَوِيَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى هَرَبُوا مِنْ ذَلِكَ ٱلْبَيْتِ عُرَاةً وَمُجَرَّحِينَ.
- قَوْمٌ مِنَ ٱلْيَهُودِ ٱلطَّوَّافِينَ: كان في ذلك الوقت بعض من اليهود يتجولون ويطردون الأرواح بالرُّقى والتعاويذ. حاول هؤلاء القوم مِنَ ٱلْيَهُودِ ٱلطَّوَّافِينَ تقليد ما ظنوه طريقة بولس للنجاح.
- نُقْسِمُ عَلَيْكَ بِيَسُوعَ ٱلَّذِي يَكْرِزُ بِهِ بُولُسُ! (آمُرُكَ بِاسْمِ يَسُوعَ الَّذِي يُنادِي بِهِ بُولُسُ): فشل هؤلاء لأنهم لا يتمتعون بعلاقة شخصية مع يسوع وعرفوا فقط أن يسوع هو إله بولس وليس إلههم.
- يمكننا القول أن أولاد سَكاوا لم يكن لهم الحق في استخدام اسم يسوع لأنهم لا يتمتعون بعلاقة شخصية حقيقية معه. سيذهب الكثير من الناس (ومنهم من يرتاد الكنائس) إلى الجحيم لأنهم ليسوا على علاقة شخصية مع يسوع المسيح. ويعرفون فقط “يسوع الذي يعظ عنه الراعي” أو “يسوع الذي يؤمن به شريك الحياة” بدلاً من أن يعرفوا يسوع كمخلصهم الشخصي.
- فَأَجَابَ ٱلرُّوحُ ٱلشِّرِّيرُ وَقَالَ: «أَمَّا يَسُوعُ فَأَنَا أَعْرِفُهُ، وَبُولُسُ أَنَا أَعْلَمُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَمَنْ أَنْتُمْ؟»: عرفت الأرواح الشريرة من هو يسوع ومن هو بولس ولكنهم لم يعرفوا أولاد سكاوا السبعة. يبدو أن الأرواح الشريرة عرفوا من هم أعدائهم (يَسُوعَ وبُولُسُ) ولم يضيعوا وقتهم في معرفة من لا يشكلون خطر عليهم (أولاد سكاوا السبعة).
- فَوَثَبَ عَلَيْهِمُ ٱلْإِنْسَانُ ٱلَّذِي كَانَ فِيهِ ٱلرُّوحُ ٱلشِّرِّيرُ وَغَلَبَهُمْ وَقَوِيَ عَلَيْهِمْ: لم يملك أولاد سكاوا السبعة أي سلطة روحية على ٱلرُّوحُ ٱلشِّرِّيرُ لأنهم لم يتمتعوا بعلاقة حقيقية مع يسوع لهذا هربوا من المواجهة عُرَاةً وَمُجَرَّحِينَ. كان من الخطر أن يستخفوا بالحرب الروحية بهذه الطريقة.
د ) الآيات (١٧-٢٠): نبذ الكثيرون في أفسس الأشياء المرتبطة بالشيطان
١٧وَصَارَ هَذَا مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ ٱلْيَهُودِ وَٱلْيُونَانِيِّينَ ٱلسَّاكِنِينَ فِي أَفَسُسَ. فَوَقَعَ خَوْفٌ عَلَى جَمِيعِهِمْ، وَكَانَ ٱسْمُ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ يَتَعَظَّمُ. ١٨وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُوا يَأْتُونَ مُقِرِّينَ وَمُخْبِرِينَ بِأَفْعَالِهِمْ، ١٩وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَ ٱلسِّحْرَ يَجْمَعُونَ ٱلْكُتُبَ وَيُحَرِّقُونَهَا أَمَامَ ٱلْجَمِيعِ. وَحَسَبُوا أَثْمَانَهَا فَوَجَدُوهَا خَمْسِينَ أَلْفًا مِنَ ٱلْفِضَّةِ. ٢٠هَكَذَا كَانَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ تَنْمُو وَتَقْوَى بِشِدَّةٍ.
- وَصَارَ هَذَا مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ ٱلْيَهُودِ وَٱلْيُونَانِيِّينَ ٱلسَّاكِنِينَ فِي أَفَسُسَ. فَوَقَعَ خَوْفٌ عَلَى جَمِيعِهِمْ: تأثر الناس كثيراً بحادثة أبناء سكاوا وبواقع عالم الشياطين وهذا جعلهم يخشون الله والأرواح الشيطانية (بطريقة صحية) وكانت النتيجة: ٱسْمُ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ يَتَعَظَّمُ.
- كتب غايبلين (Gaebelein): “كانت أفسس معقلاً للشيطان وكانت الممارسات الخرافية والشيطانية منتشرة بكثرة. وكانت الكتب التي تحتوي على صيغ للسحر وغيرها من الخزعبلات متوفرة بكثرة في تلك المدينة.”
- وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُوا يَأْتُونَ مُقِرِّينَ وَمُخْبِرِينَ بِأَفْعَالِهِمْ: يبدو أن العديد من المؤمنين لم يعرفوا أنهم كانوا متورطين بأمور شيطانية قبل حادثة أبناء سكاوا. وفعلوا ما فعلوه ببراءة إلى أن عرفوا حقيقة الأمر.
- وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَ ٱلسِّحْرَ يَجْمَعُونَ ٱلْكُتُبَ وَيُحَرِّقُونَهَا أَمَامَ ٱلْجَمِيعِ: حثت حادثة أبناء سكاوا المؤمنين على التخلي عن كل ما له علاقة بالأمور الشيطانية وفعلوا ذلك بالاعتراف العلني (مُقِرِّينَ) وبحرق الكتب المليئة بالوصفات السحرية بغض النظر عن قيمتها.
- كان من المهم على هؤلاء الذين مارسوا السحر أن يعترفوا علناً بأفعالهم (مُقِرِّينَ وَمُخْبِرِينَ بِأَفْعَالِهِمْ). ساد الاعتقاد أن قوة التعويذات السحرية تكمن في سريتها والطريقة الوحيدة لنبذها كان الإعتراف بها علناً.
- كانت هذه ٱلْكُتُبَ المليئة بالتعويذات السحرية والأحجبة والرقى مشهورة في أفسس وثمنها باهظ جداً. قدرت المبلغ الخَمْسِينَ أَلْفًا مِنَ ٱلْفِضَّةِ اليوم بما يتراوح بين مليون و خمسة ملايين دولار.
- على المؤمنين اليوم أن يفعلوا هذا أيضاً وأن يتخلوا عن الكتب والصور وملفات الكمبيوتر والتماثيل والتعاويذ والألعاب أو أي شيء له علاقة بالأرواح الشريرة وينبغي تحطيمها حتى لا يستفيد منها أحد.
- كتب سبيرجن (Spurgeon): “سيكون في ذهنك ما يكفي من الإغراءات دون السعي وراءها. هل هناك عادة ما تمارسها أو طقس يشوه روحك؟ إن أحبك يسوع وآمنت ووثقت به تستطيع أن تتخلى بسهولة عن تلك الأمور وإلى الأبد.”
- كَانَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ تَنْمُو وَتَقْوَى بِشِدَّةٍ: هذا دليل على أن المحصلة النهائية كانت تستحق العناء واستمرت الخدمة بنجاح في أفسس ومنطقة أَسِيَّا الرومانية.
ثالثاً. أعمال الشغب في أفسس
أ ) الآيات (٢١-٢٢): رفقاء بولس يتركونه وحيداً في أفسس
٢١وَلَمَّا كَمِلَتْ هَذِهِ ٱلْأُمُورُ، وَضَعَ بُولُسُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ بَعْدَمَا يَجْتَازُ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ يَذْهَبُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، قَائِلًا: «إِنِّي بَعْدَ مَا أَصِيرُ هُنَاكَ يَنْبَغِي أَنْ أَرَى رُومِيَةَ أَيْضًا». ٢٢فَأَرْسَلَ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ ٱثْنَيْنِ مِنَ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَخْدِمُونَهُ: تِيمُوثَاوُسَ وَأَرَسْطُوسَ، وَلَبِثَ هُوَ زَمَانًا فِي أَسِيَّا.
- وَضَعَ بُولُسُ فِي نَفْسِهِ (قَرَّرَ بُولُسُ): قرر بولس بقيادة الروح القدس خط سيره بالسفر عبر مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ ثم إلى أُورُشَلِيمَ ثم إلى رُومِيَةَ (روما).
- لا يذكر لوقا هذا هنا ولكننا نعرف أن أحد الأسباب التي جعلت بولس يذهب عبر مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ ثم إلى أُورُشَلِيمَ كان لجمع وتسليم المعونات المالية إلى الكنيسة في أورشليم (رومية ٢٥:١٥-٣١، كورنثوس الأولى ١:١٦-٤).
- تعكس الجملة يَنْبَغِي أَنْ أَرَى رُومِيَةَ أَيْضًا قلب بولس ورغبته في خدمة مجتمع المؤمنين هناك. وعبر عن هذا الشغف في رومية ٨:١-١٥.
- فَأَرْسَلَ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ ٱثْنَيْنِ مِنَ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَخْدِمُونَهُ: تِيمُوثَاوُسَ وَأَرَسْطُوسَ: تِيمُوثَاوُسَ وَأَرَسْطُوسَ: أرسل بولس تِيمُوثَاوُسَ وَأَرَسْطُوسَ أمامه إلى مَكِدُونِيَّةَ بينما لَبِثَ في أفسس (أَسِيَّا) زَمَانًا.
- مِنَ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَخْدِمُونَهُ: جزء كبير من خدمة تِيمُوثَاوُسَ وَأَرَسْطُوسَ كان ببساطة مساعدة الرسول بولس للقيام بخدمته على أكمل وجه.
ب) الآيات (٢٣-٢٨): عارض دِيمِتْرِيُوسُ صانع الأصنام بولس بسبب خسارته
٢٣وَحَدَثَ فِي ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ شَغَبٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ بِسَبَبِ هَذَا ٱلطَّرِيقِ، ٢٤لِأَنَّ إِنْسَانًا ٱسْمُهُ دِيمِتْرِيُوسُ، صَائِغٌ صَانِعُ هَيَاكِلِ فِضَّةٍ لِأَرْطَامِيسَ، كَانَ يُكَسِّبُ ٱلصُّنَّاعَ مَكْسَبًا لَيْسَ بِقَلِيلٍ. ٢٥فَجَمَعَهُمْ وَٱلْفَعَلَةَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ٱلْعَمَلِ وَقَالَ: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ سِعَتَنَا إِنَّمَا هِيَ مِنْ هَذِهِ ٱلصِّنَاعَةِ. ٢٦وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وَتَسْمَعُونَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفَسُسَ فَقَطْ، بَلْ مِنْ جَمِيعِ أَسِيَّا تَقْرِيبًا، ٱسْتَمَالَ وَأَزَاغَ بُولُسُ هَذَا جَمْعًا كَثِيرًا قَائِلًا: إِنَّ ٱلَّتِي تُصْنَعُ بِٱلْأَيَادِي لَيْسَتْ آلِهَةً. ٢٧فَلَيْسَ نَصِيبُنَا هَذَا وَحْدَهُ فِي خَطَرٍ مِنْ أَنْ يَحْصُلَ فِي إِهَانَةٍ، بَلْ أَيْضًا هَيْكَلُ أَرْطَامِيسَ، ٱلْإِلَهَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، أَنْ يُحْسَبَ لَا شَيْءَ، وَأَنْ سَوْفَ تُهْدَمُ عَظَمَتُهَا، هِيَ ٱلَّتِي يَعْبُدُهَا جَمِيعُ أَسِيَّا وَٱلْمَسْكُونَةِ». ٢٨فَلَمَّا سَمِعُوا ٱمْتَلَأُوا غَضَبًا، وَطَفِقُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: «عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ ٱلْأَفَسُسِيِّينَ!».
- وَحَدَثَ فِي ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ شَغَبٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ بِسَبَبِ هَذَا ٱلطَّرِيقِ: حدث شَغَبٌ آخر بينما كانت الخدمة تسير بنجاح وبينما كان بولس يستعيد لمغادرة أفسس. وللمرة الثالثة في أعمال الرسل (والمرة الثانية في هذا الفصل) تسمى الحركة المسيحية ٱلطَّرِيقِ.
- فَلَيْسَ نَصِيبُنَا هَذَا وَحْدَهُ فِي خَطَرٍ مِنْ أَنْ يَحْصُلَ فِي إِهَانَةٍ، بَلْ أَيْضًا هَيْكَلُ أَرْطَامِيسَ، ٱلْإِلَهَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، أَنْ يُحْسَبَ لَا شَيْءَ، وَأَنْ سَوْفَ تُهْدَمُ عَظَمَتُهَا (وَهَذَا لاَ يُهَدِّدُ صِنَاعَتَنَا بِالْكَسَادِ وَحَسْبُ، بَلْ يُعَرِّضُ مَعْبَدَ أَرْطَامِيسَ إِلهَتِنَا الْعُظْمَى لِفُقْدَانِ هَيْبَتِهِ. فَنَخْشَى أَن تَتَلاَشَى كَرَامَتُهَا وَتَنْهَارَ عَظَمَتُهَا – الترجمة العربية المبسطة): اعتبر هذا المعبد الهائل للآلهة ديانا (والمعروف باسم أَرْطَامِيسَ) أحد عجائب الدنيا السبع في العالم القديم. كان مدعوماً بـ ١٢٧ عمود كل واحد بارتفاع ٦٠ قدم ومزين بتمثال ضخم. فُقِدَ المعبد من التاريخ حتى تم اكتشافه في العام ١٨٦٩ وثم اكتشفوا مذبحه الرئيسي في العام ١٩٦٥.
- كتب هيوز (Hughes): “كان في مركز معبد أَرْطَامِيسَ نيزك أسود يشبه أو تم تصميمه ليشبه صورة غريبة لإمرأة. كان الجزء السفلي ملفوفاً مثل المومياء. وكان الصنم مغطى بالصدور رمزاً للخصوبة.”
- كتب لونغنيكر (Longenecker): “تم استخدام معبد أَرْطَامِيسَ كخزينة في العالم القديم، وكان التجار والملوك وحتى بعض المدن يضعون ودائعهم فيه كي تبقى بأمان تحت حماية الآلهة.”
- هِيَ ٱلَّتِي يَعْبُدُهَا جَمِيعُ أَسِيَّا وَٱلْمَسْكُونَةِ: كان معبد ديانا الذي في أفسس مشهوراً في جميع أنحاء العالم. لا بد وأن تجارة الُحلي والأصنام كانت تجارة مربحة للغاية بغض النظر عن أنها تستخدم للعبادة المنحطة والاأخلاقية لآلهة الجنس.
- ٱسْتَمَالَ وَأَزَاغَ بُولُسُ هَذَا جَمْعًا كَثِيرًا قَائِلًا: إِنَّ ٱلَّتِي تُصْنَعُ بِٱلْأَيَادِي لَيْسَتْ آلِهَةً: قدم حزب المعارضة المكون من ديمتريوس وصانعي الأصنام الآخرين مجاملة رائعة عن فعالية خدمة بولس في المنطقة. لم يخطط بولس لإطلاق حملة لإغلاق معبد ديانا بل كان يخدم الرب بكل بساطة. وكان من الطبيعي أن يتوقفوا الناس الذين آمنوا بيسوع عن عبادة ديانا وعن شراء الأضرحة المرتبطة بالمعبد.
- ينبغي على المسيحية أن تؤثر على الاقتصاد ليس شخصياً فحسب ولكن على المجتمع ككل أيضاً وهو أمر لن يكون دائما موضع ترحيب. تأثرت تجارة الأصنام في أفسس بسبب إيمان الكثيرين بيسوع المسيح. ويحدث هذا مراراً وتكراراً كلما عمل يسوع في القلوب. على سبيل المثال، كتب مسؤول روماني يدعى بليني رسالة في وقت لاحق إلى مسؤول آخر يدعى تراجان ووصف فيها كيف توقف الناس عن الذهاب إلى المزارات بسبب التأثير المسيحي وأراد أن يعرف ماذا يفعل حيال ذلك.
- هذه هي الطريقة التي من خلالها نستطيع تغيير المجتمع حولنا. كتب سبيرجن (Spurgeon): “أتمنى أن يؤثر الإنجيل على تجارة لندن… أتمنى ذلك حقاً. فعلى بعض الصفقات أن تتوقف وتنتهي نتيجة هذا النوع من التأثير وليس بموجب قانون صادر عن البرلمان! ليدعنا البرلمان وشأننا فنحن قادرون على محاربة تلك المعركة بأنفسنا. واتمنى لو ينتهي بسبب انتشار الإنجيل … ليس لدي أي ثقة في أي إصلاح لا يأتي من داخل القلوب المتغيرة بيسوع.”
- بَلْ أَيْضًا هَيْكَلُ أَرْطَامِيسَ، ٱلْإِلَهَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، أَنْ يُحْسَبَ لَا شَيْءَ، وَأَنْ سَوْفَ تُهْدَمُ عَظَمَتُهَا، هِيَ ٱلَّتِي يَعْبُدُهَا جَمِيعُ أَسِيَّا وَٱلْمَسْكُونَةِ: كان ديمتريوس ذكياً في حديثه مع الجمهور. بنى خطابه على نقطتين هامتين: أولاً على مصالحهم الشخصية وثانياً خاطب اعتزازهم بالوطن (“كيف تجرؤ يا بولس على إهانة واحتقار معبدنا الكبير!”).
- تحمل الجملة ٱلَّتِي يَعْبُدُهَا جَمِيعُ أَسِيَّا وَٱلْمَسْكُونَةِ نفس معنى للجملة المعروفة اليوم: “الجميع يفعل هذا!” فالحجج “الكل يفعل هذا” و”الكل يعتقد هذا” ليست بالحجج البليغة ولكنها فعالة ومؤثرة.
- قال كاتِب المَدِينَة على وجه التحديد أن بولس لم يجدف على الآلهة ديانا (أعمال الرسل ٣٧:١٩). كان بولس يدير حملة مؤيدة ليسوع وليس حملة ضد أي شيء آخر.
ج) الآيات (٢٩-٣٤): ازدياد أعمال الشغب
٢٩فَٱمْتَلَأَتِ ٱلْمَدِينَةُ كُلُّهَا ٱضْطِرَابًا، وَٱنْدَفَعُوا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى ٱلْمَشْهَدِ خَاطِفِينَ مَعَهُمْ غَايُوسَ وَأَرِسْتَرْخُسَ ٱلْمَكِدُونِيَّيْنِ، رَفِيقَيْ بُولُسَ فِي ٱلسَّفَرِ. ٣٠وَلَمَّا كَانَ بُولُسُ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَ ٱلشَّعْبِ، لَمْ يَدَعْهُ ٱلتَّلَامِيذُ. ٣١وَأُنَاسٌ مِنْ وُجُوهِ أَسِيَّا، كَانُوا أَصْدِقَاءَهُ، أَرْسَلُوا يَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ نَفْسَهُ إِلَى ٱلْمَشْهَدِ. ٣٢وَكَانَ ٱلْبَعْضُ يَصْرُخُونَ بِشَيْءٍ وَٱلْبَعْضُ بِشَيْءٍ آخَرَ، لِأَنَّ ٱلْمَحْفِلَ كَانَ مُضْطَرِبًا، وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَدْرُونَ لِأَيِّ شَيْءٍ كَانُوا قَدِ ٱجْتَمَعُوا! ٣٣فَٱجْتَذَبُوا إِسْكَنْدَرَ مِنَ ٱلْجَمْعِ، وَكَانَ ٱلْيَهُودُ يَدْفَعُونَهُ. فَأَشَارَ إِسْكَنْدَرُ بِيَدِهِ يُرِيدُ أَنْ يَحْتَجَّ لِلشَّعْبِ. ٣٤فَلَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ يَهُودِيٌّ، صَارَ صَوْتٌ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْجَمِيعِ صَارِخِينَ نَحْوَ مُدَّةِ سَاعَتَيْنِ: «عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ ٱلْأَفَسُسِيِّينَ!».
- فَٱمْتَلَأَتِ ٱلْمَدِينَةُ كُلُّهَا ٱضْطِرَابًا وَٱنْدَفَعُوا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى ٱلْمَشْهَدِ: بدأت الأمور تخرج عن السيطرة رغم موقف روما الصارم تجاه هذا النوع من الاضطراب المدني.
- تكرر هذا الأمر كثيراً في تاريخ المسيحية. وكلما تحرك الله وسط شعبه وأصبحوا جادين في إيمانهم تأثر أولئك الذين يتاجرون بالرذيلة والفجور. على سبيل المثال، كان عمل جمعية “جيش الخلاص” في السنوات الأولى (جمعية تقوم بأعمال خيرية لمساعدة الفقراء) فعال جداً لدرجة جعل أصحاب الحانات والعصابات يشكلون جيش أطلقوا عليه اسم “جيش الهيكل العظمي” لمعارضتهم بالتهديدات والعنف حتى أن بعض العاملين بالجمعية لقوا حتفهم.
- فَٱجْتَذَبُوا إِسْكَنْدَرَ مِنَ ٱلْجَمْعِ، وَكَانَ ٱلْيَهُودُ يَدْفَعُونَهُ: أراد إسكندر (الذي دفعه اليهود لِكَيْ يُمَثِّلَهُمْ) أن ينقل للمعارضة عدم موافقة اليهود على بولس أيضاً ولكنه لم يتمكن من ذلك أمام الحشد الغاضب.
- «عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ ٱلْأَفَسُسِيِّينَ!»: لا بد وأن أبدان المؤمنين اقشعرت من هذا الهتاف المتكرر بما من ضمنهم بولس الذي سمعهم من الخارج.
- كتب ويليامز (Williams): “لا بد وأن الضوضاء كان مدوياً يصم الآذان. أغلب صوتيات المسارح ممتازة حتى يومنا هذا ولكنها كانت استثنائية في تلك الأيام بسبب الأوعية البرونزية والطينية الموجودة في جميع أنحاء القاعة.”
- صرخوا لمدة ساعتين «عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ ٱلْأَفَسُسِيِّينَ!» فكر بصدى هذه الجملة على جميع الأصعدة في وقتنا الحاضر وسترى مدى غرابة هذا العالم. يردد الناس اليوم نفس هذه الكلمات في كلماتهم وتصرفاتهم وفي الأوقات التي يصرفونها والأموال التي ينفقونها، فيقولون مثلاً:
- “عظيمٌ هو فريقي الرياضي!”
- “عظيمٌ هو حزبي السياسي!”
- “عظيمٌ هو الاقتصاد الاستهلاكي!”
- “عظيمةٌ هي الإباحية عبر الإنترنت!”
- “عظيمٌ هو الغنى المادي!”
- “عظيمٌ هو السكر أو النشوة من المخدرات!”
- ولكن إن صرخ أحد: “عظيمٌ هو الرب يسوع المسيح!” سوف يعتبره الكثيرون غريب الأطوار.
- لا أحد يعبد الآلهة ديانا اليوم (مباشرة على الأقل) رغم عظمتها المفترضة وفي المقابل يوجد الملايين من المسيحيين الذين يعيشون اليوم ليسوع المسيح ويعبدونه ومستعدين للموت لأجله. تحمل كل الأصنام وآلهة المزيفة تاريخ انتهاء الصلاحية أما يسوع الناصري فهو حي إلى الأبد.
د ) الآيات (٣٥-٤١): سَكَّنَ كَاتِب المدينة الْجَمْعَ
٣٥ثُمَّ سَكَّنَ ٱلْكَاتِبُ ٱلْجَمْعَ وَقَالَ: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْأَفَسُسِيُّونَ، مَنْ هُوَ ٱلْإِنْسَانُ ٱلَّذِي لَا يَعْلَمُ أَنَّ مَدِينَةَ ٱلْأَفَسُسِيِّينَ مُتَعَبِّدَةٌ لِأَرْطَامِيسَ ٱلْإِلَهَةِ ٱلْعَظِيمَةِ وَٱلتِّمْثَالِ ٱلَّذِي هَبَطَ مِنْ زَفْسَ؟ ٣٦فَإِذْ كَانَتْ هَذِهِ ٱلْأَشْيَاءُ لَا تُقَاوَمُ، يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا هَادِئِينَ وَلَا تَفْعَلُوا شَيْئًا ٱقْتِحَامًا. ٣٧لِأَنَّكُمْ أَتَيْتُمْ بِهَذَيْنِ ٱلرَّجُلَيْنِ، وَهُمَا لَيْسَا سَارِقَيْ هَيَاكِلَ، وَلَا مُجَدِّفَيْنِ عَلَى إِلَهَتِكُمْ. ٣٨فَإِنْ كَانَ دِيمِتْرِيُوسُ وَٱلصُّنَّاعُ ٱلَّذِينَ مَعَهُ لَهُمْ دَعْوَى عَلَى أَحَدٍ، فَإِنَّهُ تُقَامُ أَيَّامٌ لِلْقَضَاءِ، وَيُوجَدُ وُلَاةٌ، فَلْيُرَافِعُوا بَعْضُهُمْ بَعْضًا. ٣٩وَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَ شَيْئًا مِنْ جِهَةِ أُمُورٍ أُخَرَ، فَإِنَّهُ يُقْضَى فِي مَحْفِلٍ شَرْعِيٍّ. ٤٠لِأَنَّنَا فِي خَطَرٍ أَنْ نُحَاكَمَ مِنْ أَجْلِ فِتْنَةِ هَذَا ٱلْيَوْمِ. وَلَيْسَ عِلَّةٌ يُمْكِنُنَا مِنْ أَجْلِهَا أَنْ نُقَدِّمَ حِسَابًا عَنْ هَذَا ٱلتَّجَمُّعِ». ٤١وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَفَ ٱلْمَحْفِلَ.
- فَإِذْ كَانَتْ هَذِهِ ٱلْأَشْيَاءُ لَا تُقَاوَمُ، يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا هَادِئِينَ وَلَا تَفْعَلُوا شَيْئًا ٱقْتِحَامًا (فَبِما أنَّهُ لا مَجالَ لإنكارِ هَذِهِ الأُمُورِ، اهدَأُوا وَلا تَتَصَرَّفُوا تَصَرُّفاً طائِشاً – الترجمة العربية المبسطة): كان كلام ٱلْكَاتِبُ (عمدة المدينة) منطقياً للغاية. أراد لوقا أن يبرهن على أن العقلاء لا يرون شيئاً يدعو للخوف من المسيحية.
- كان عمل الله قوياً في أفسس وكذلك كانت مقاومة الشيطان. قد يكون هذا أحد الأسباب التي جعلت بولس يكتب عن الحرب الروحية التي تواجه كل مؤمن في رسالته إلى أهل أفسس (أفسس ١٠:٦-٢٠).
- كتب بيرسون (Pierson): “يعلمنا هذا الفصل درساً أبدياً: النهضة الحقيقة تحدث تغييراً جذرياً في المجتمع. وعندما يتحرك الروح القدس بقوة بين أولاد الله علينا أن نحذر من القوة التي تعمل في غير المؤمنين وعلينا ألا نتفاجأ إن نزل الشيطان بغضب جم وكأنه يعرف أن وقته قد حان.”
- وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَفَ ٱلْمَحْفِلَ: استخدم الله كاتب المدينة لتهدئة الجمهور ولإزالة التهديد المباشر على حياة بولس والمؤمنين الآخرين. وها نحن نرى ثانية يد الله تحمي خدمته وأولاده.
- كلمة ٱلْمَحْفِلَ المذكورة في أعمال الرسل ٤١:١٩ هي الكلمة اليونانية ekklesia التي تستخدم لتشير إلى “الكنيسة.” كان هذا المصطلح غير ديني ويستخدم لوصف أي تجمع أو جماعة من الناس.