إنجيل يوحنا – الإصحاح ١٦
تعاليم يسوع الختامية
أ ) الآيات (١-٤): سبب تحذير يسوع: الاضطهاد المؤكد.
١قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا لِكَيْ لَا تَعْثُرُوا. ٢سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ ٱلْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً لِلهِ. ٣وَسَيَفْعَلُونَ هَذَا بِكُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا ٱلْآبَ وَلَا عَرَفُونِي. ٤لَكِنِّي قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا حَتَّى إِذَا جَاءَتِ ٱلسَّاعَةُ تَذْكُرُونَ أَنِّي أَنَا قُلْتُهُ لَكُمْ. وَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ مِنَ ٱلْبِدَايَةِ لِأَنِّي كُنْتُ مَعَكُمْ.
- سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ ٱلْمَجَامِعِ:حذر يسوع تلاميذه من المقاومة القادمة لأنه لا يريدهم أن يتفاجأوا ويتعثروا بسببها. لم يتوقع يسوع أن يترك التلاميذ ٱلْمَجَامِعِ على الفور، أو أنهم سيتركونها بمحض إرادتهم. بل سوف يجبرون على ترك المجامع بسبب إيمانهم بيسوع.
- تَعْثُرُوا: “أو skandalethron باللغة اليونانية، لا تعني حجر عثرة يَوقّفُك أو يعرقلْك… بل كانت تستخدم للتعبير عن الفخ الذي قد تسقط فيه فجأة دون سابق إنذار وأنت لا تتوقع.” تاسكر (Tasker)
- “في الوقت الذي كُتب فيه الإنجيل، اكتسبت هذه الكلمات أهمية خاصة وأصبحت جزءاً من صلوات المجمع كنوع من اللعنة على الناصريين، وكان هدفها ضمان عدم مشاركة أتباع يسوع في الخدمة.” بروس (Bruce)
- بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً لِلهِ: أتى هذا الوقت سريعاً، كما نرى من حياة شاول الطرسوسي قبل إيمانه (أعمال ١:٨-٣ ، ٣:٢٢-٥ ، ٩:٢٦-١١). ومنذ ذلك الحين ظن الذين يضطهدون ويقتلون أتباع يسوع أن الله راضٍ (مسرور).
- أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً لِلهِ: كلمة ’خِدْمَة‘ التي يستخدمها يسوع في الأصل هي: ’لاتريا‘ (lateria)، وهي ذات الكلمة التي كانت تستخدم لوصف الخدمة التي يقوم بها الكاهن أمام المذبح في هيكل الله، وهي التعبير الأمثل للخدمة الدينية… لخدمة الله المقدسة.” باركلي (Barclay)
- كان معظم الشهداء المسيحيين في القرن العشرين ضحايا الدولة الشيوعية الملحدة، وكان هذا أمراً غير مألوف تاريخياً. فعبر التاريخ، كان معظم الشهداء المسيحيين هدفاً لأولئك الذين ينتمون إلى ديانات أخرى أو حتى طوائف أخرى داخل المسيحية.
- حَتَّى إِذَا جَاءَتِ ٱلسَّاعَةُ تَذْكُرُونَ أَنِّي أَنَا قُلْتُهُ لَكُمْ: أحسن يسوع فعلاً عندما حذر تلاميذه مسبقاً، لأن كراهية الناس الشديدة نحو البشارة الرائعة كانت صدمة كبيرة للغاية. لم يخبر يسوع تلاميذه بهذه الأمور مِنَ ٱلْبِدَايَةِ، لكنه بالتأكيد أخبرهم.
- “في بداية خدمته، لم يخبرهم يسوع كثيراً عن الاضطهاد الذي كان ينتظرهم لأنه كان معهم، وطالما كان معهم كان حقد العالم موجهاً إليه.” تاسكر (Tasker) لَمْ أُخبِرْكُمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ فِي البِدَايَةِ لِأنِّي كُنْتُ مَعْكُمْ.
- “بينما كان معهم كانوا في سلام وكان من الصعب عليهم أن يفهموا معنى أوقات الضعف والاضطهاد.” دودز (Dods)
ب) الآيات (٥-٧): يسوع يشرح فوائد صعوده
٥وَأَمَّا ٱلْآنَ فَأَنَا مَاضٍ إِلَى ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَسْأَلُنِي: أَيْنَ تَمْضِي؟ ٦لَكِنْ لِأَنِّي قُلْتُ لَكُمْ هَذَا قَدْ مَلَأَ ٱلْحُزْنُ قُلُوبَكُمْ. ٧لَكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ ٱلْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لَا يَأْتِيكُمُ ٱلْمُعَزِّي، وَلَكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ.
- وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَسْأَلُنِي: أَيْنَ تَمْضِي؟: طرح بطرس هذا السؤال في السابق يوحنا ٣٦:١٣) وسأل توما سؤالاً مماثلاً (يوحنا ٥:١٤). وبالتالي لم يقصد يسوع كلمات السؤال فقط بل مغزى السؤال أيضاً. فقد كان القصد من سؤالهم السابق: ماذا سيحدث لنا عندما تغادر، وهو ليس ما قصده يسوع حينما سأل السؤال: ماذا سيحدث لك عندما تغادر.
- “لا أحد يطرح الصعوبة التي نراها في تصريح يسوع ’أَيْنَ تَمْضِي؟‘ بالمقارنة مع سؤال سمعان بطرس سابقاً: ’يَا سَيِّدُ، إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟‘ (يوحنا ١٣:٣٦). فسؤال بطرس لا يظهر أية جدية في معرفة وجهة يسوع، لأنه انتقل إلى موضوع آخر على الفور دون أن يسمع الإجابة. فقد كان مهتماً فقط بفكرة الافتراق عن يسوع، لا بالوجهة التي سيأخذها السيد. والذي شغل عقله كان عواقب هذا على نفسه وعلى زملائه.” موريس (Morris)
- لَكِنْ لِأَنِّي قُلْتُ لَكُمْ هَذَا قَدْ مَلَأَ ٱلْحُزْنُ قُلُوبَكُمْ: عذر يسوع عدم اهتمامهم بمصيره، عالماً أن ٱلْحُزْن ملأ قلوبهم. كانوا حزانى عندها ولكن مستقبلهم كان مشرقاً. لم يستطع التلاميذ إلا أن يحزنوا لفراق يسوع؛ لكن رحيل يسوع كان خطوة أساسية في نموهم كتلاميذ.
- إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ: لا بد أنه كان من الصعب على التلاميذ أن يستوعبوا هذه الكلمات. فعندما يشارف شخص عزيز على الموت، كثيراً ما نعتقد أنه من الأفضل أن ندع الموت يحدث. فنقول: “سيكون من الأفضل لهم أن يموتوا كي يتوقف الألم، فالموت خيرٌ لهم.” ولكننا في العادة لا نقول هذا عندما نرى شخص نحبه على فراش الموت، ولا نعتقد أنه خيرٌ لنا أن ينطلق. ولكن، قال لهم يسوع: خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ ولم يقل خيرٌ لي أن أنطلق.
- سيكون من الأصعب على التلاميذ أن يستوعبوا ما قاله إن فهموا حقاً ما هو على وشك الحدوث.
- خيرٌ لهم أن يعتقل يسوع؟
- خيرٌ لهم أن تتوقف تعليم ومعجزات يسوع؟
- خيرٌ لهم أن يتعرض يسوع للضرب؟
- خيرٌ لهم أن يسخروا من يسوع؟
- خيرٌ لهم أن يعاقب يسوع بالموت؟
- خيرٌ لهم أن يُسمر يسوع على الصليب؟
- خيرٌ لهم أن يموت يسوع بصحبة المجرمين؟
- خيرٌ لهم أن يترك جسده في قبر بارد؟
- سيكون من الأصعب على التلاميذ أن يستوعبوا ما قاله إن فهموا حقاً ما هو على وشك الحدوث.
- لَكِنِّي: تتحدى هذه الكلمة حزنهم وشكهم. تعتبر هذه الكلمة من أعظم الكلمات في الكتاب المقدس، وتعني: على الرغم من كل هذا. فقد عَلِم يسوع أنهم كانوا حزانى بسبب كلامه، ولكن على الرغم من كل هذا أرادهم أن يعرفوا أن هذا كان خيرٌ لهم.
- “وكأن الكلمات: ’خيرٌ لكم‘ توحي بأن وجود الروح سيكون أكثر بركة لهم من الوجود الجسدي للمخلص المقام.” آلفورد (Alford)
- أَقُولُ لَكُمُ ٱلْحَقَّ: لم يقل يسوع هذا لأنه كان يكذب قبلاً، بل قال هذا لأنه أراد منهم أن يثقوا به تماماً في هذه المرحلة. فقد عرف يسوع أنه من الصعب تصديق ذلك.
- لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لَا يَأْتِيكُمُ ٱلْمُعَزِّي: كان لدى يسوع خطة، لكنهم لم يستطيعوا فهمها. وبعد ألفي سنة من الإدراك المتأخر، نرى أنه عندما أرسل يسوع المقام روح الله، كانت خدمته في العالم كله أوسع وأكثر فاعلية.
- “كان غياب المسيح الجسدي ضرورياً لحضوره الروحي في كل الكون.” دودز (Dods)
- أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ: وعد يسوع بإرسال الروح القدس بعد صعوده. وكان صعوده خَيْرٌ لَهم. وقصد يسوع أن وجود الروح القدس وعمله سيكون في الواقع أفضل للمؤمنين من وجوده الجسدي على الأرض.
- من الأفضل أن ينطلق لأن هذا سيعني وجود يسوع مع كل مؤمن على الدوام. فوعد يسوع «لِأَنَّهُ حَيْثُمَا ٱجْتَمَعَ ٱثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ بِٱسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ» (متى ٢٠:١٨) لن يتحقق طالما هو في الجسد، لكنه سيتحقق وهو في الروح. ولكي يصبح هذا الوعد حقيقة، يتوجب عليه أن يتركهم. فبقاء يسوع على الأرض في الجسد سوف يستمتع به مجموعة قليلة من المؤمنين، أولئك الذين يسكنون بالقرب منه، أما معظم المؤمنين فلن يشعروا بحضوره معهم لأنه ليس قريباً منهم في الجسد. فعلاً… إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ.
- من الأفضل أن ينطلق لأننا سنتمكن الآن من فهمه بصورة أفضل. فإن بقي يسوع في الجسد على هذه الأرض، فلن يكون لكلامه نهاية، ولن نملك الكتاب المقدس؛ بل سنملك أكبر مكتبة في العالم، وسوف تتبعه السكرتيرات باستمرار لتسجيل كل كلمة يقولها، وسيتم كتابتها كلها والحفاظ عليها. صحيح أننا سنحصل عليها كلها، ولكن سيتعذر علينا إدارتها تماماً. فعلاً… إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ.
- من الأفضل أن ينطلق لأننا سنتمكن الآن من الثقة بالله بشكل أفضل. فبقاء يسوع في الجسد على هذه الأرض، سيجعل سلوكنا بالايمان صعب للغاية. وكما قال بولس «وَإِنْ كُنَّا قَدْ عَرَفْنَا ٱلْمَسِيحَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ، لَكِنِ ٱلْآنَ لَا نَعْرِفُهُ بَعْدُ» ( كورنثوس الثانية ١٦:٥). فالله يريدنا أن نسلك بالإيمان لا بالعيان، وبقاء يسوع على الأرض سيضعنا أمام تجربة السير بالعيان لا بالإيمان. فعلاً… إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ.
- من الأفضل أن ينطلق لأن عمل يسوع سيصبح أكثر وضوحاً وهو جالس على العرش في السماء. فبقاء يسوع في الجسد على هذه الأرض سيربكنا، لأن آلامه ستنتهي وكذلك عمله على الصليب، وسيصبح من الصعب علينا قبول مخلص لا يشعر بآلامنا ولا يتعاطف معنا. ولأن الله لا يريدنا أن نمر بهذه المعضلة، صعد يسوع إلى السماء وهو جالس الآن على العرش. فعلاً… إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ.
- قبل صعود يسوع كانوا التلاميذ مرتبكين وبطيئي الفهم وخائفين وأنانيين ومشغولين بذاتهم، ولكن بعد صعوده وبمجيء ٱلْمُعَزِّي صاروا أكثر حكمة ومستسلمين بالكامل لله ومجاهرين بالكلمة ومعطائين. فعلاً… إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ.
ج) الآيات (٨-١١): عمل الروح القدس في العالم
٨وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ ٱلْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ: ٩أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِي، ١٠وَأَمَّا عَلَى بِرٍّ فَلِأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي وَلَا تَرَوْنَنِي أَيْضاً، ١١وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلِأَنَّ رَئِيسَ هَذَا ٱلْعَالَمِ قَدْ دِينَ.
- وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ ٱلْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ: الخَطِيَّة هي الحق عن الإنسان، البِرٍ هو الحق عن الله، الدَيْنُونَة هي المزيج الحتمي لهاتين الحقيقتين.
- “في ضمير كل إنسان هناك بعض من تأنيب الضمير، وإدراك لما هو الصواب، وتمييز لما هو مؤقت وتافه؛ لكن كل هذه الحواس والمشاعر ستبقى غير عاملة في الإنسان إلى أن يبدأ الروح عمله في تبكيت الضمير.” آلفورد (Alford)
- ذَاكَ يُبَكِّتُ: “للكلمة اليونانية القديمة يُبَكِّتُ معنى أوسع من الذي نعرفه، خاصة إن نظرنا إليها من الناحية القانونية. فيشمل المعنى: الفضيحة أو الدحض أو الإقناع” (بروس Bruce). وهذا هو عمل الروح القدس في العالم وفي قلوب الأفراد: يقنع ويبكت العالم على هذه الحقائق.
- ذَاكَ يُبَكِّتُ: “أو تخليص العالم من أوهامه من خلال دحض الكبرياء والآراء الخاطئة التي تشبع بها الإنسان وتملكته.” تراب (Trapp)
- من الخطر مقاومة ورفض عمل الروح القدس الذي يعمل بقوة في مواسم الانتعاشات الروحية (والتي تدعى أحياناً النهضة أو الصحوة الروحية).
- قد يقول أحدهم قبل تبكيت الروح القدس: “ارتكب الكثير من الأخطاء. لا أحد كامل.” وبعد تبكيت الروح القدس قد يقول: “أنا خاطئ متمرد، وأقاوم الله وناموسه – عليّ أن أتكل على يسوع لأصحح علاقتي مع الله.”
- “لا يبكت الروح القدس البشر على الخطية فحسب بل يجعلهم يشعرون بذنب لا يطاق إلى أن يدركوا خزيهم وعجزهم أمام الله.” تيني (Tenney)
- “الروح هو ’المُعِينَ‘ أو المعزي للمؤمنين بيسوع، وهو محامي الدفاع عنهم. ولكن بالنسبة لغير المؤمنين وللعالم الشرير، يعمل كمحامي الادعاء” بروس (Bruce). من الضروري أن نملك روح الله للدفاع عنا بدلاً من تبكيتنا.
- خلال الانتعاش الكبير الذي حصل في بريطانيا العظمى عام ١٨٦٠-١٨٦١، وصف ضابط كبير في الجيش التبكيت الذي صار في مدينته الاسكتلندية: “الذي لا يشعر بتبكيت الروح لا يمكنه أن يتخيل كم هو مخيف عندما يعمل الروح في فتح عيون الإنسان لرؤية حالة قلبه الحقيقية. فمن كان يعتقد أنه مهم وصالح ومتدين، صار يفحص الأساسات التي كان يستند عليها ووجدها كلها فاسدة وتركز على رضى الذات وتعتمد على البر الذاتي لا على المسيح. وتحول الكثيرون من حياة الخطية إلى حياة القداسة، وصار البعض يبكي فرحاً لمغفرة خطاياهم.” (ج. إدوين أور، الصحوة الإنجيلية الثانية في بريطانيا)
- عَلَى خَطِيَّةٍ فَلِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِي:عدم الإيمان ورفض يسوع يثبت في النهاية ذنب الإنسان. والروح القدس سيخبر العالم عن أهمية الثقة بيسوع والاعتماد عليه والتمسك به لتجنب هذه الخطية.
- “إن جوهر الخطية هو عدم الإيمان، وهذا لا يعني شكاً عابراً أو اختلافاً في الرأي، بل هو رفض كامل لله ورسالته.” تيني (Tenney)
- “الخطية الأساسية هي الخطية التي تضع الذات في المركز وترفض الإيمان بيسوع.” موريس (Morris)
- “يصبح الخاطئ مقدساً بسبب عمل الروح القدس. فالإنسان شرير بطبيعته، ولكنه يصبح كالجوهرة الثمينة التي تزين تاج الفادي حينما يعمل روح الله في قلبه.” سبيرجن (Spurgeon)
- عَلَى بِرٍّ فَلِأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي: أظهر صعود يسوع إلى السماء أنه تمم إرادة الآب بالكامل وأثبت أنه بار، وكشف عن فجور العالم الذي رفضه. فالروح القدس يظهر للعالم شره كما يظهر بِر يسوع.
- الكثيرون اليوم – حتى العلمانيين – يأخذون بر يسوع كأمر مُسلم به. لكن، وأثناء حياته على الأرض، اتهموه بالدجل وأن به شيطان وأنه كاسر الناموس وشَرِهٌ وَسِكِّيرٌ وابن غير شرعي. فعمل الروح القدس هو أن يقنع الناس ببر يسوع.
- “كان البر يُعرف البر في السابق من خلال الوصايا، لكن تم الكشف عنه الآن في الابن المتجسد، الذي جسده بالكامل في كل علاقاته.” تيني (Tenney)
- عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلِأَنَّ رَئِيسَ هَذَا ٱلْعَالَمِ قَدْ دِينَ: تعني دينونة الشيطان أنه سيكون هناك حكم نهائي بين الله ومخلوقه الثائر. الروح القدس يحذر العالم من هذه الدينونة القادمة.
- يأتي الحكم عادة بعد الدينونة. ولكن هناك خطوة ما بين الأمرين حينما يعمل الروح القدس: يظهر بر يسوع المسيح القادر على تسديد دين الشخص المُدان.
- “العالم ورئيس هذا العالم قَدْ دِينَ. والتمسك به بدلاً من المسيح هو كالتمسك بقضية خاسرة أو سفينة غارقة.” دودز (Dods)
د ) الآيات (١٢-١٥): عمل الروح القدس بين التلاميذ
١٢إِنَّ لِي أُمُوراً كَثِيرَةً أَيْضاً لِأَقُولَ لَكُمْ، وَلَكِنْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا ٱلْآنَ. ١٣وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ ٱلْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ ٱلْحَقِّ، لِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. ١٤ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. ١٥كُلُّ مَا لِلْآبِ هُوَ لِي. لِهَذَا قُلْتُ: إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ.
- إِنَّ لِي أُمُوراً كَثِيرَةً أَيْضاً لِأَقُولَ لَكُمْ: اعترف يسوع صراحة أنه لم ينهي تعاليمه بالكامل بعد، وتوقع المزيد من التعليم للكنيسة من خلال الروح القدس. يقودنا تصريح يسوع هذا إلى توقع تشكيل العهد الجديد.
- يرد يسوع هنا على من يقول: “سأقبل بتعاليم يسوع ولكني لن أقبل بتعاليم بولس أو الآخرين.” ولكن علمنا بولس وكُتاب العهد الجديد أُمُوراً كَثِيرَةً مما تكلم عنها يسوع.
- لم يعلموا مثلًا أن بعض التقاليد والوصايا بين اليهود سيتممها شخص وعمل المسيح، ولن تكون ملزمة بموجب العهد الجديد.
- لم يعلموا مثلًا إن الله سيدخل الأمم إلى مجتمع العهد الجديد كشركاء متساوين ودون أن يتهودوا أولاً.
- فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ ٱلْحَقِّ: من ناحية، تحقق هذا عندما اكتملت كتابات العهد الجديد الموحى به من الله. ومن ناحية أخرى، يستمر الروح القدس في إرشادنا إلى الحق اليوم، دون أي تعارض مع الكتاب المقدّس، لأن الوحي الإلهي انتهى بالعهد الجديد.
- “معنى جملة إِلَى جَمِيعِ ٱلْحَقِّ في اليونانية: الحق الخاص بشأن شخص يسوع وأهمية كلامه وأعماله. فالعهد الجديد هو برهان دائم على أن الرسل كانوا منقادين لمعرفة الحق حول هذا الأمر.” تاسكر (Tasker)
- وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ: “لا بد أن الوعد يشير إلى الميزات الرئيسية للتدبير الإلهي للمؤمن الجديد. وسوف يرشدهم الروح في هذا النظام الجديد الذي يخلو من وجود ومعونة وإرشاد سيدهم.” دودز (Dods)
- لِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ… ذَاكَ يُمَجِّدُنِي… لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ: خدمة الروح القدس هي إظهار يسوع لنا والشهادة عنه (يوحنا ٢٦:١٥). ورغم أنه يستخدم العديد من الطرق والمواهب لتحقيق ذلك، لكن الهدف لا يتغير أبداً: إظهار يسوع.
- قد يتكلم الشخص عن الأحلام والرؤى والاختبارات والإعلانات ويقول إنها آتية من عند الروح القدس، ولكن العديد من تلك الرؤى المفترضة للروح لا تقول شيئاً عن يسوع نفسه.
- “تقضي هذه الآية على كل الإضافات والرؤى المزيفة التي لا تشير إلى يسوع؛ فعمل الروح القدس هو أن يشهد وأن يعلن عن أمور المسيح وليس أي شيء جديد أو شيء لا يتعلق به.” آلفورد (Alford)
- كُلُّ مَا لِلْآبِ هُوَ لِي: “إذا لم يكن المسيح مساوياً لله، أفلا يكون كلامه هذا تجديفاً؟” كلارك (Clarke)
ثانياً. يسوع يُعد التلاميذ للتحدي الموضوع أمامه على الصليب
أ ) الآيات (١٦-١٨): يسوع يخبرهم بصعوده القريب
١٦بَعْدَ قَلِيلٍ لَا تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي، لِأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى ٱلْآبِ.١٧فَقَالَ قَوْمٌ مِنْ تَلَامِيذِهِ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَا هُوَ هَذَا ٱلَّذِي يَقُولُهُ لَنَا: بَعْدَ قَلِيلٍ لَا تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي، وَلِأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى ٱلْآبِ؟». ١٨فَقَالُوا: «مَا هُوَ هَذَا ٱلْقَلِيلُ ٱلَّذِي يَقُولُ عَنْهُ؟ لَسْنَا نَعْلَمُ بِمَاذَا يَتَكَلَّمُ!».
- بَعْدَ قَلِيلٍ لَا تُبْصِرُونَنِي: لم يدرك التلاميذ أنه بعد ساعة أو ساعتين فقط سيتم إلقاء القبض على يسوع وبعد ذلك الصلب. ولكن لأنه ينبغي أن يذهب إِلَى ٱلْآبِ، سوف يرونه ثانية عندما يقوم من الأموات.
- لَا تُبْصِرُونَنِي: “في الفترة ما بين موته وقيامته، فقد التلاميذ إيمانهم ورؤيتهم الروحية، ولم يرونه كالسابق.” ترينش (Trench)
- تَرَوْنَنِي: “’ومرة أخرى سيمر بعض الوقت ثم سترونني ثانية (ὄψεσθέ με).‘ فعند انتهاء تلك الفترة القصيرة بين موته وقيامته، سوف يرونه بعيونهم.” ترينش (Trench)
- مَا هُوَ هَذَا ٱلَّذِي يَقُولُهُ لَنَا: كان التلاميذ منزعجين ومشوشين على حد سواء. واعتقدوا أن يسوع كان يتكلم عن مكان وجهته وعما كان سيفعل بغموض لا داعي له. كما لم يفهموا قصده حينما قال:بَعْدَ قَلِيلٍ لَا تُبْصِرُونَنِي، ثم: بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي.
- مَا هُوَ هَذَا ٱلَّذِي يَقُولُهُ لَنَا:“كلمة ’يَقُولُهُ‘ المستخدمة في الجزء الأول من الآية تختلف عن الكلمة المستخدمة في اللغة اليونانية. ومن هنا نرى أن ترجمة RSV للكتاب المقدس لهذه الكلمة كانت صائبة: ’تُرَى، مَا مَعْنَى قَوْلِهِ.‘” تاسكر (Tasker)
- “استخدم الفعل الناقص [فَقَالُوا] (elegon) بصيغة ’الاستمرار في الطلب‘ وهذا يُظهر أنهم تشاوروا فيما بينهم حول الأمر واستمروا بالحديث عن الأمر دون توقف.” تيني (Tenney)
- “الأمور بالنسبة لنا واضحة للغاية أما بالنسبة للتلاميذ فكانت غامضة تماماً. فإذا أراد يسوع تأسيس ملكوته السماوي، فلماذا سيغادر؟ وإن كان لا يرغب بذلك، لماذا سيعود؟” موريس مقتبس عن جوديت (Godet, cited in Morris)
ب) الآيات (١٩-٢٢): يسوع يوضح كيف سيتحول الحزن القادم إلى فرح
١٩فَعَلِمَ يَسُوعُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَسْأَلُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: «أَعَنْ هَذَا تَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، لِأَنِّي قُلْتُ: بَعْدَ قَلِيلٍ لَا تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي. ٢٠اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ وَٱلْعَالَمُ يَفْرَحُ. أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ، وَلَكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ. ٢١اَلْمَرْأَةُ وَهِيَ تَلِدُ تَحْزَنُ لِأَنَّ سَاعَتَهَا قَدْ جَاءَتْ، وَلَكِنْ مَتَى وَلَدَتِ ٱلطِّفْلَ لَا تَعُودُ تَذْكُرُ ٱلشِّدَّةَ لِسَبَبِ ٱلْفَرَحِ، لِأَنَّهُ قَدْ وُلِدَ إِنْسَانٌ فِي ٱلْعَالَمِ. ٢٢فَأَنْتُمْ كَذَلِكَ، عِنْدَكُمُ ٱلْآنَ حُزْنٌ. وَلَكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضاً فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلَا يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ.
- فَعَلِمَ يَسُوعُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَسْأَلُوهُ: فهِمَ يسوع حاجة التلاميذ إلى المزيد من التوضيح، كما وعرف أنهم كانوا بحاجة إلى أكثر من مجرد معلومات. فقد احتاجوا أن يعدوا قلوبهم وعقولهم لتحمل الأزمة القادمة.
- “قال لهم يسوع، ملاحظاً حرجهم ورغبتهم في استجوابه: ’هل تَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ؟‘” دودز (Dods)
- أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ، وَلَكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ: عرف يسوع أنهم في الساعات القليلة المقبلة سيغرقون في حزن عميق ومظلم. وعرف أيضاً أن الله بقوته ونعمته سيتحول حزنهم إلى فرح.
- كانت الكلمات ’أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ‘ حقيقية بالتأكيد.
- سيحزنون على فقدان العلاقة.
- سيحزنون على ما سيتعرض له سيدهم ومسيحهم من ذل.
- سيحزنون على الانتصار الظاهري للأعداء.
- سيحزنون لأن كل ما تمنوه أخذ منهم.
- لم يكن صلب المسيح وكل ما مر به عقبة في طريق تحقيق خطة الله وكان ينبغي التغلب عليها. فكل شيء سار وفقاً للخطة، وسيتحول ذلك الحزن إلى فرح.
- لن يستبدل عمل الله حزنهم إلى فرح، بل سيحوله إِلَى فَرَح، كما يفعل معنا دائماً. وسيرتبط حزنهم مباشرة بفرحهم القادم، تماماً كالألم الذي تختبره المرأة أثناء الولادة وارتباطه مباشرة بفرحها لِأَنَّهُ قَدْ وُلِدَ إِنْسَانٌ فِي ٱلْعَالَمِ.
- من اللافت للنظر ومن المفيد أن نعرف أن كلام الُرسل أو رسائلهم عن موت ربنا لا يظهر فيه أي نوع من الندم. صحيح أن كتاب الأناجيل عبروا عن حزنهم الشديد أثناء الصلب، ولكن بعد القيامة، خاصة بعد يوم الخمسين، لا نسمع أي شيء عن هذا الحزن.” سبيرجن (Spurgeon)
- كانت الكلمات ’أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ‘ حقيقية بالتأكيد.
- عِنْدَكُمُ ٱلْآنَ حُزْنٌ. وَلَكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضاً فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ: لم يفهموا تماماً الانفصال الذي كان سيحدث، ولهذا لم يتمكنوا من فهم فرحة اللقاء القادم. ومع ذلك، وعندما حدث اللقاء، لم يتمكن أي منهم أن ينكر فرحة الشهادة عن القيامة، ولأنهم كانوا متيقنين للغاية، تحملوا الموت لأجلها. فلم يستطع أحد أن يَنْزِعُ فَرَحَهمْ مِنْهم.
- وَلَا يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ: “يبدو أن ربنا قصد التالي: ستكون قيامته مثبتة بالكامل لهم، وسوف تتبدد كل شكوكهم حولها، وبناءاً على هذا سيتحول فرحهم إلى فرح كبير ودائم.” كلارك (Clarke)
- “حقيقة أنه يجب أن يتألم أمر يدعو للحزن، ولكن حقيقة أنه عانى الآن تدعو للفرح أيضاً. فعندما يعود بطل الحرب حاملاً آثار المعركة التي ربح من خلالها أوسمة الشرف، فهل سيندم أحد على اشتراكه في المعركة؟” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٢٣-٢٧): وعد يسوع بفرح أعظم في علاقتهم مع الله بعد صعوده
٢٣وَفِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ لَا تَسْأَلُونَنِي شَيْئاً. اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ ٱلْآبِ بِٱسْمِي يُعْطِيكُمْ. ٢٤إِلَى ٱلْآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئاً بِٱسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً. ٢٥«قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا بِأَمْثَالٍ، وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ حِينَ لَا أُكَلِّمُكُمْ أَيْضاً بِأَمْثَالٍ، بَلْ أُخْبِرُكُمْ عَنِ ٱلْآبِ عَلَانِيَةً. ٢٦فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ تَطْلُبُونَ بِٱسْمِي. وَلَسْتُ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي أَنَا أَسْأَلُ ٱلْآبَ مِنْ أَجْلِكُمْ، ٢٧لِأَنَّ ٱلْآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ، لِأَنَّكُمْ قَدْ أَحْبَبْتُمُونِي، وَآمَنْتُمْ أَنِّي مِنْ عِنْدِ ٱللهِ خَرَجْتُ. ٢٨خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ ٱلْآبِ، وَقَدْ أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَأَيْضاً أَتْرُكُ ٱلْعَالَمَ وَأَذْهَبُ إِلَى ٱلْآبِ».
- وَفِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ لَا تَسْأَلُونَنِي شَيْئاً: ربما قصد يسوع أن يقول أنهم سيكونون في غاية الفرح والراحة عند القيامة لدرجة أنهم سيكونون عاجزين حتى عن طلب أي شيء من يسوع. إلا أن الطريق لمحضر الله والصلوات المستجابة كانت أكثر انفتاحاً لا أكثر انغلاقاً.
- إِلَى ٱلْآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئاً بِٱسْمِي: “وكأنه يقول إنكم لم تعتبروني بعد الوسيط بين الله والإنسان، ولكن هذه إحدى الحقائق التي سيكشفها لكم الروح القدس.” كلارك (Clarke)
- إِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ ٱلْآبِ بِٱسْمِي يُعْطِيكُمْ: بسبب عمل يسوع العظيم، أصبح التلاميذ يتمتعون بشركة مفتوحة دون أي حدود مع الله من خلاله. وكان على التلاميذ أن يرفعوا صلواتهم بجدية أكثر باسم يسوع، وهو سوف يرشدهم.
- “المعنى هنا أن موت يسوع الكفاري سوف يحدث ثورة في الوضع برمته. وعلى أساس عمل الابن الكفاري، سيقترب الإنسان من الله وسيختبر استجابات للصلاة.” موريس (Morris)
- بَلْ أُخْبِرُكُمْ عَنِ ٱلْآبِ عَلَانِيَةً:على التلاميذ أن يثقوا أنه في هذا الوقت من الفرح المسترد والشركة المفتوحة مع يسوع، سيعرفون المزيد عن الآب أكثر من أي وقت مضى.
- بِأَمْثَالٍ: “استخدمت هنا لتغطي التعابير المبهمة التي استخدمها يسوع مثل: ’بَعْدَ قَلِيلٍ‘ وتشبيه الولادة المستخدم في الآية ٢١.” تاسكر (Tasker)
- لِأَنَّ ٱلْآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ:وضح يسوع أن الابن لم يلزمه أن يقنع الآب الغاضب بأن يكون كريماً؛ لكن عمله سيوفر أساساً لكرم الله.
- “يقول يسوع هنا: ’تستطيع الاقتراب من الله لأنه يحبك.‘ ويقول أن هذا كان قبل الصليب. فهو لم يموت ليغير قلب الله من جهتنا؛ مات ليخبرنا أن الله محبة. وجاء إلى الأرض ليس لأن الله يبغض العالم، بل لأنه يحب العالم. فيسوع جلب للإنسان محبة الله.” باركلي (Barclay)
- “السبب الذي لن يجعل يسوع يتشفع بهم قد أعطي الآن. فلن تكون هناك حاجة لأن الآب نفسه يحبهم، ولا يحتاج إلى من يقنعه بأن يكون كريماً. وفي هذه الحالة أساس القبول هو العلاقة التي لهم في يسوع.” موريس (Morris)
- لِأَنَّكُمْ قَدْ أَحْبَبْتُمُونِي: لم يحب الآب التلاميذ على أساس حبهم ليسوع، ولكن حبهم ليسوع كان دليلاً على حب الآب لهم.
- النبض لا يجعل القلب يضخ، لكنه الدليل على ذلك. ومحبتنا لله لن تجعله يحبنا، ولكنها دليل على أنه يحبنا.
د ) الآيات (٢٨-٣٢): التلاميذ يعلنون إيمانهم ويسوع يضعه في المنظور الصحيح
٢٨«خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ ٱلْآبِ، وَقَدْ أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَأَيْضاً أَتْرُكُ ٱلْعَالَمَ وَأَذْهَبُ إِلَى ٱلْآبِ». ٢٩قَالَ لَهُ تَلَامِيذُهُ: «هُوَذَا ٱلْآنَ تَتَكَلَّمُ عَلَانِيَةً وَلَسْتَ تَقُولُ مَثَلاً وَاحِداً. ٣٠اَلْآنَ نَعْلَمُ أَنَّكَ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَحْتَاجُ أَنْ يَسْأَلَكَ أَحَدٌ. لِهَذَا نُؤْمِنُ أَنَّكَ مِنَ ٱللهِ خَرَجْتَ». ٣١أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلآنَ تُؤْمِنُونَ؟ ٣٢هُوَذَا تَأْتِي سَاعَةٌ، وَقَدْ أَتَتِ ٱلْآنَ، تَتَفَرَّقُونَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَاصَّتِهِ، وَتَتْرُكُونَنِي وَحْدِي. وَأَنَا لَسْتُ وَحْدِي لِأَنَّ ٱلْآبَ مَعِي».
- خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ ٱلْآبِ: كرر يسوع مواضيع ذكرها من قبل في حديثه هذا مع التلاميذ، وأخبرهم مرة أخرى عن رحيله عن هذا ٱلْعَالَمِ وذهابه إلى ٱلْآبِ. إن يوحنا ٢٨:١٦ ما هو إلا ملخص رائع عن عمل يسوع.
- خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ ٱلْآبِ: يسوع هو الله، وهو كائن في مجد السماء وروعتها قبل مجيئه إلى الأرض.
- وَقَدْ أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ: ولد يسوع كإنسان، وأضاف الإنسانية إلى الألوهية.
- وَأَيْضاً أَتْرُكُ ٱلْعَالَمَ: يسوع سوف يموت.
- وَأَذْهَبُ إِلَى ٱلْآبِ: سيقوم يسوع من الأموات ويصعد إلى السماء.
- “نرى في هذه الجمل إعلاناً كاملاً لعمل ابن الله الكفاري. من الآب إلى العالم، ومن العالم إلى الآب.” مورغان (Morgan)
- “نجد هنا أربع مقترحات أساسية تلخص الإيمان المسيحي وتشكل الحق المسيحي الكامل من خلال أسبابها وكيفيتها ونتائجها.” ترينش (Trench)
- اَلْآنَ نَعْلَمُ أَنَّكَ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ: شعر التلاميذ من خلال الملخص في الآية السابقة أنهم يفهمون ما يجري الآن. ويبدو أنهم كانوا صادقين فعلاً، وأن لديهم ثقة أكبر مما ينبغي بإيمانهم.
- أعلنوا إيمانهم الكامل بألوهية إرساليته، وكانوا مُخلصين تماماً، وشعروا أنهم أخيراً تجاوزوا حاجز الشك. ولكنه كان يعرفهم أكثر بكثير من أنفسهم.” مورغان (Morgan)
- أَلآنَ تُؤْمِنُونَ… هُوَذَا تَأْتِي سَاعَةٌ تَتَفَرَّقُونَ فِيهَا:لم يشك يسوع في إيمان التلاميذ، لكنه حذرهم بأن إيمانهم سوف يتزعزع قبل أن يكتمل إيمانهم به أخيراً. وسوف يكتشفون أنه كان من الأسهل عليهم الإيمان به في العلية أكثر من بستان جثسيماني، حيث سيتفرقون كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَاصَّتِهِ… ويتركون يسوع وحيداً.
- لم تكن تلك اللحظة المناسبة لقول: ’لقد أخبرتكم بهذا.‘ “فحقيقة معرفته بكل ما كان سيحدث كانت كافية للإيمان والثقة به، وإن تذكروا ذلك لساعدهم هذا على الإيمان به من جديد.” مورغان (Morgan)
- “من الأفضل أخذ الكلمات أَلآنَ تُؤْمِنُونَ… كتصريح، لأن هذا يظهر بشكل أفضل التأكيد الموجود في اللغة الأصلية لكلمة ’أَلآنَ.‘ “أنتم تؤمنون الآن، لكن إيمانكم سيتزعزع عما قريب.” تاسكر (Tasker)
- “عرف يسوع ما في قلوبهم أفضل منهم. فهو لم يكن قادراً على الإجابة عن أسئلتهم غير المعلنة فحسب، بل كان قادراً أيضاً على تقييم قوة إيمانهم به. فقد كان إيمانهم صادقاً وحقيقياً ومرتبطاً بمحبتهم له، ولكنه كان سيتعرض للاختبار بطريقة لم يتخيلوها من قبل.” بروس (Bruce)
- وَقَدْ أَتَتِ ٱلْآنَ، تَتَفَرَّقُونَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَاصَّتِهِ، وَتَتْرُكُونَنِي وَحْدِي: عندما تأتي الأزمة سيفكر التلاميذ: ’كل رجل لنفسهِ‘ ويتركون يسوع وحيداً.
- “عندما لم يكن بحاجة إلى صداقتهما، كانوا أصدقاءه المقربين. وعندما لم يستطيعوا فعل شيء له حتى إن حاولوا، كانوا أتباعه المخلصين. لكن الضيق أتى وكان بإمكانهم الآن أن يسهروا معه ساعة واحدة، وأن يذهبوا معه وسط الحشود الرعاع، وأن يقفوا كأقلية ضد الأغلبية. ولكنهم للأسف تفرقوا.” سبيرجن (Spurgeon)
- “وقف هناك بمفرده، فقد تركه التلاميذ… بقي واقفاً وثابتاً لتحقيق غايته… جاء ليخلص، وسوف يفعل… جاء ليفدي، وسوف يفعل… جاء ليغلب العالم، وسوف يفعل.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَأَنَا لَسْتُ وَحْدِي لِأَنَّ ٱلْآبَ مَعِي: اعتمد يسوع على علاقته الوطيدة مع الله طوال الطريق إلى الصليب، حتى وهو مُعلقٌ عليه. ولكنه عرف أن الآب معه في لحظة الوحدة الشديدة.
- “أتذكر النص الكتابي الذي يتكلم عن إبراهيم الصاعد إلى جبل ٱلْمُرِيَّا مع إسحق ليقدمه كذبيحة. مكتوب: ’صعدا معاً.‘ وهكذا فعل الآب الأبدي مع ابنه المحبوب عندما كان على وشك التخلي عنه حتى الموت. فلم يكن هناك أية نية للانفصال، بل ذهبا معاً.” سبيرجن (Spurgeon)
- “أتذكر النص الكتابي الذي يتكلم عن إبراهيم الصاعد إلى جبل ٱلْمُرِيَّا مع إسحق ليقدمه كذبيحة. مكتوب: ’صعدا معاً.‘ وهكذا فعل الآب الأبدي مع ابنه المحبوب عندما كان على وشك التخلي عنه حتى الموت. فلم يكن هناك أية نية للانفصال، بل ذهبا معاً.” سبيرجن (Spurgeon)
هـ) الآية (٣٣): اختتم يسوع حديثه مع تلاميذه و كل تعاليمه بنغمة انتصار
٣٣قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلَامٌ. فِي ٱلْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلَكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ.
- قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا: بعد قليل سيصلي يسوع من أجل تلاميذه. ولكن قبل أن يفعل ذلك، لخص هدف حديثه المطول مع التلاميذ: ليكون لهم سلام وأن يثقوا أنهم أعظم من منتصرين.
- لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلَامٌ: قدم يسوع لتلاميذه سَلَامه في أصعب الظروف. وفي نفس تلك اللحظة، التقى يهوذا مع أعداء يسوع لكي يخطط لإلقاء القبض عليه. عرف يسوع أنه سيُعتقل وسيُترك وحيداً ويُرفض ويستهزأ به ويُذل ويُعذب ويُصلب قبل أنتهاء اليوم التالي. وقد نتوقع أن يقدم التلاميذ العزاء له، ومع ذلك تمتع يسوع بسلام كان يكفي ليمنحه للآخرين أيضاً.
- لم يعد يسوع بالسلام بل قدمه، إذ قال: ” لِيَكُونَ لَكُمْ سَلَامٌ.” فقد يتبع الناس يسوع ثم يحرمون أنفسهم من هذا السلام. وبإمكاننا التمتع بالسلام الذي يقدمه يسوع من خلال العثور عليه فيه. قال يسوع: “لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلَامٌ.” فلن نجد السلام الحقيقي في أي مكان آخر بعيداً عن يسوع.
- فكلمة سلام لها أهمية خاصة وقت النزاع. فكلمتي ضِيقٌ وغَلَبْتُ كلاهما يشيران لمعارك القتال. “وعد يسوع بالجمال الذي يأتي مع الضيق والاضطرابات… جمال جلي في وأثناء النزاع والصراع.” ماكلارين (Maclaren)
- كان هذا الوعد مميزًا جدًا بالنسبة للتلاميذ. “تنبأ يسوع أنهم سيتركونه رغم تأكيداته أنه سيمنحهم سلامه. ورغم ذلك أحبهم كما هم رغم ضعفاتهم.” موريس (Morris)
- فِي ٱلْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ: ومرة أخرى وعد يسوع بالضِيق. فسلامه منحنا، لكن الضيق وعدنا به. فعندما نصبح مؤمنين قد نسبب بعض المشاكل لأنفسنا، لكن المشاكل ستبقى موجودة بكل تأكيد.
- إدراك هذه الحقيقة يبعد الأمل الزائف. فالمؤمنين الذين يمرون بشدائد ينتظرون اليوم الذي سيضحكون فيه على التجارب ويتمتعون بانتصارات مستمرة. لقد وعدنا يسوع بالضيق ما دمنا في هذا العالم؛ ومع ذلك هناك سلام في يسوع.
- “لا يوجد طريقة لتجنب المشاكل؛ فالعالم ليس الفردوس الموعود، ولكنه مكان انتظار القديسين. ويمكن تشبيهه بمضيق ماجلان الذي إن أبحر فيه المرء بأي اتجاه وجد الرياح تعاكسه.” تراب (Trapp)
- وَلَكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ: أعلن يسوع الحق عن انتصاره. كان هذا تصريحاً مدهشاً من رجل سيعتقل قريباً ويترك ويستهزأ به ويعذب ويصلب. فيهوذا والسلطات الدينية وبيلاطس والحشد والجنود أو حتى الموت والقبر لا يمكنهم التغلب عليه. بدلاً من ذلك، أستطاع يسوع أن يقول حقاً: ’أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ.‘ إن كانت هذه الكلمات حقيقة في ذلك الوقت، فهي أكثر حقيقة الآن.
- عندما أراد يسوع أن يعزي ويقوي تلاميذه، تحدث عن نصرته، وليس عن انتصارهم. فقد علم يسوع أن نصرته ستكون لهم.
- “غلب يسوع العالم في ثلاثة دوائر: في حياته، وفي موته، وفي قيامته.” بروس (Boice)
- “هذا التصريح جريء كونه قيل باقتراب موعد الصلب. ذهب يسوع إلى الصليب ليس بدافع الخوف أو الكآبة بل كمنتصر.” موريس (Morris)
- “غلب يسوع العالم حين لم يستطع إنسان أن يفعل ذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
- حقيقة أن يسوع قَدْ غَلَبْ ٱلْعَالَمَ أصبحت حقيقة غالية على قلب يوحنا. “وردت كلمة Nikeo في هذا الإنجيل فقط، واستخدمها يوحنا أيضاً ٢٢ مرة في رسائله وفي سفر الرؤيا.” دودز (Dods)
- “يغلبني العالم عندما يقف بيني وبين الله، وعندما يملأ رغباتي ويستنفذ طاقاتي ويعمي عيناي عن الأمور الأبدية التي لا ترى.” ماكلارين (Maclaren)
- معرفة أن يسوع قَدْ غَلَبْ ٱلْعَالَمَ تمنحنا الثقة وتشجعنا. فهذا أساس سلامنا فيه. لأننا نرى أن يسوع هو صاحب السلطان، ونرى أنه حتى لو ترك الأرض إلا أنه لم يتخل عنا وهو يحبنا والنصرة ستكون له. لهذا ينبغي علينا أن نتشجع ونفرح.