إنجيل يوحنا – الإصحاح ٢٠
القبر الفارغ ويسوع المُقام
أولاً. اكتشاف القبر الفارغ
أ ) الآيات (١-٢): مريم المجدلية تأتي إلى قبر يسوع وتجده فارغاً وتخبر التلاميذ عن الأمر.
١وَفِي أَوَّلِ ٱلْأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ إِلَى ٱلْقَبْرِ بَاكِراً، وَٱلظَّلَامُ بَاقٍ. فَنَظَرَتِ ٱلْحَجَرَ مَرْفُوعاً عَنِ ٱلْقَبْرِ. ٢فَرَكَضَتْ وَجَاءَتْ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ وَإِلَى ٱلتِّلْمِيذِ ٱلْآخَرِ ٱلَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ، وَقَالَتْ لَهُمَا: «أَخَذُوا ٱلسَّيِّدَ مِنَ ٱلْقَبْرِ، وَلَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ!».
- وَفِي أَوَّلِ ٱلْأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ إِلَى ٱلْقَبْرِ بَاكِراً: صُلب يسوع يوم الجمعة (أو يوم الخميس حسب بعض الروايات)، ثم وضع في القبر وأغلق الباب، وكان الجند الرومان يحرسون المكان (متى ٦٢:٢٧-٦٦). بقي الباب مغلقاً ومحروساً إلى أن تم اكتشافه فِي أَوَّلِ ٱلْأُسْبُوعِ … بَاكِراً، وَٱلظَّلَامُ بَاقٍ.
- مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ … فَرَكَضَتْ وَجَاءَتْ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ: تقول باقي الأناجيل أن المرأة لم تأتِ إلى القبر بمفردها ذلك الصباح (فقد رافقتها ثلاث نساء أخريات على الأقل). ولكن مريم هي من ركضت وأخبرت التلاميذ عن القبر الفارغ، ولهذا يذكرها يوحنا هنا بالتحديد.
- كان يسوع قد أخرج سبعة شياطين من مريم المجدلية (، مرقس ٩:١٦). فماضيها المضطرب لم يجعلها غير مؤهلة لتكون أول من يشهد عن قيامة يسوع المسيح، وأول مُرسلة للإعلان عن قيامته.
- جئن إلى القبر ليكملن العمل الذي بدأه يوسف ونيقوديموس. “نظراً لتأخر الوقت واقتراب يوم السبت، لم يتمكن نيقوديموس غالباً من استخدام الأطياب التي أحضرها كما كان مزمعاً.” موريس (Morris)
- أَخَذُوا ٱلسَّيِّدَ مِنَ ٱلْقَبْرِ: عندما رأت القبر فارغاً، كانت ردة فعل مريم الأول أن أحدهم قد سرق جسد يسوع. فهي لم تتمنى أو حتى تتوقع قيامة يسوع، وبالتأكيد لم تتخيل حدوث الأمر.
- وَلَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ!:“صيغة الجمع هنا طبيعية لأنها تؤكد رواية لوقا بأنها لم تكن بمفردها.” دودز (Dods)
ب) الآيات (٣-٤): بطرس ويوحنا ركضا نحو القبر
٣فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَٱلتِّلْمِيذُ ٱلْآخَرُ وَأَتَيَا إِلَى ٱلْقَبْرِ. ٤وَكَانَ ٱلِٱثْنَانِ يَرْكُضَانِ مَعاً. فَسَبَقَ ٱلتِّلْمِيذُ ٱلْآخَرُ بُطْرُسَ وَجَاءَ أَوَّلاً إِلَى ٱلْقَبْرِ.
- فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَٱلتِّلْمِيذُ ٱلْآخَرُ: سمع بطرس ويوحنا ما قالته مريم وبدأوا على الفور يركضان نحو القبر. وتماشياً مع تواضع الكاتب، لم يشر يوحنا إلى نفسه مباشرة، بل قال فقط: ٱلتِّلْمِيذُ ٱلْآخَرُ.
- وَكَانَ ٱلِٱثْنَانِ يَرْكُضَانِ مَعاً. فَسَبَقَ ٱلتِّلْمِيذُ ٱلْآخَرُ بُطْرُسَ وَجَاءَ أَوَّلاً إِلَى ٱلْقَبْرِ: كان يوحنا متواضعاً جداً لدرجة أنه لم يذكر اسمه حتى، ولكن روحه التنافسية كانت كافية لتخبرنا أنه سَبَقَ بطرس إلى القبر.
- تخبرنا التقاليد أن بطرس كان أكبر سناً من يوحنا. ومن الطبيعي أن يركض رجل في منتصف العشرينات من عمره أسرع من رجل في أواخر الأربعينيات من عمره أو أوائل الخمسينات من عمره مثل بطرس.
- هذا دليل على أن كلاهما ركض بعزيمة. فقد سمع كل من بطرس ويوحنا للتو خبراً سيغير حياتهما إلى الأبد: كان القبر فارغاً. لذلك كان من المستحيل أن يتجاهلا أو أن لا يهتما بخبرٍ كهذا، لذا كان عليهما أن يعاينا الأمر.
ج) الآيات (٥-١٠): بطرس ويوحنا يفحصان القبر الفارغ
٥وَٱنْحَنَى فَنَظَرَ ٱلْأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ. ٦ثُمَّ جَاءَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ يَتْبَعُهُ، وَدَخَلَ ٱلْقَبْرَ وَنَظَرَ ٱلْأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، ٧وَٱلْمِنْدِيلَ ٱلَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعاً مَعَ ٱلْأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفاً فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ. ٨فَحِينَئِذٍ دَخَلَ أَيْضاً ٱلتِّلْمِيذُ ٱلْآخَرُ ٱلَّذِي جَاءَ أَوَّلاً إِلَى ٱلْقَبْرِ، وَرَأَى فَآمَنَ، ٩لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعْدُ يَعْرِفُونَ ٱلْكِتَابَ: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ. ١٠فَمَضَى ٱلتِّلْمِيذَانِ أَيْضاً إِلَى مَوْضِعِهِمَا.
- وَٱنْحَنَى فَنَظَرَ: كان ’النظر‘ أول ما فعله يوحنا عندما وصل إلى القبر (تعني الكلمة اليونانية القديمة blepei: رؤية شيء بوضوح)، فَنَظَرَ ٱلْأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً. رأى يوحنا هذا بكل وضوح، وكان متأكداً تماماً مما رآه.
- وَلَكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ: شيء ما منع يوحنا من الدخول إلى القبر. “ربما اعتقد التلميذ الآخر بعدما رأى الأكفان موضوعة أن الجثة كانت لا تزال موجودة هناك أيضاً ولهذا امتنع عن الدخول. وقد يكون السبب احترامه للموتى أو لأنه كان يخشى أن يتدنس إن لمس الجثة حسبما يقول الناموس.” تيني (Tenney)
- من الطبيعي أن يكون القبر المعد لأي رجل غني في ذلك الوقت كبيراً بما يكفي للدخول إليه ولوضع الجثة على جهة ولوقوف المشيعين على الجهة الأخرى. أما بالنسبة للمدخل فهو عبارة عن فتحة طولها متر وعرضها ٠.٧٥ متراً، لذا يتوجب على المرء أن ينحني قليلاً ليتمكن من الدخول. وربما كان دخول القبر يتطلب تأدية شعائر ما ولهذا قرر يوحنا عدم الدخول.
- ثُمَّ جَاءَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ يَتْبَعُهُ، وَدَخَلَ ٱلْقَبْرَ: مهما كان السبب الذي منع يوحنا من الدخول، فهو لم يمنع بطرس، وحال وصوله إلى القبر، دخل على الفور، فقد تميز بطرس باندفاعه الطائش. أراد يوحنا أن يتوقف ويفكر بالأمر، أما بطرس فدخل مباشرة دون أي تفكير.
- وَنَظَرَ ٱلْأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً:دخل بطرس وَنَظَرَ (تعني الكلمة اليونانية القديمة theorei: ’التفكير، الملاحظة، التمحيص) أن الأكفان موضوعة كما هي بشكل منظم ومُرتب. وكأن الجسد قد تبخر من وسط اللفائف وترك الأكفان في مكانها.
- تشير الجملة ٱلْأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً وَٱلْمِنْدِيلَ مَلْفُوفاً فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ إلى الطريقة التي كانوا يلفون بها الجثة. فكانت ٱلْأَكْفَانَ تغمر بالأطياب وتلف على الجثة في عدة طبقات. ولأن عملية دفن يسوع تمت على عجل، جاءت النساء في وقت مبكر من صباح الأحد ليكملن العمل ويضعن المزيد من الأكفان حول الجثة.
- الأطياب والزيوت المستعملة كانت تؤدي لجفاف الأكفان وتصلبها لتصبح كالمومياء أو الشرنقة. وكانت الطريقة الطبيعية لإزالة الكفن هو تمزيقه أو قصه، لذا تعجب بطرس لأنه رأى أن طريقة خلع الأكفان لم تكن الطريقة الطبيعية. “كانت الأكفان موضوعة بترتيب ولم تفك وتتبعثر. وكأنما جسد المسيح سُحب أو تبخر منها.” باركلي (Barclay)
- تُظهر الطريقة المرتبة التي كانت عليها ٱلْأَكْفَانَ أنه لم يلمسها بشر، ولم تمتد يد إنسان لتنزع الأكفان عن يسوع. وكل هذا أظهر أن شيئاً فريداً حدث في هذا القبر الذي أصبح الآن فارغاً.
- كانت الأكفان هناك ولم تختفِ مع الجسد.
- كانت الأكفان مرتبة، لم ينزعها الشخص المُقام.
- كانت الأكفان مرتبة ولم يعبث بها اللصوص أو المخربين.
- يقال أن هنالك أجزاء من الكفن محفوظة في كاتدرائية في مدينة تورينو الإيطالية وأطلق عليها اسم ’كفن تورينو.‘ ولكن لا يمكن إثبات أن هذه كانت فعلاً من كفن يسوع. ولكن “تشير الأدلة حتى الآن بأن القطعة قديمة للغاية (قد تعود للقرن الأول)، وهذا لا يتناقض مع روايات العهد الجديد، وأن الملامح التي انطبعت على الأكفان ليست مزيفة. وقد تكون فعلاً ما كُفن به السيد المسيح أثناء دفنه. (معجم اللاهوت الانجيلي)
- الصورة على الكفن هي لشخص مصلوب ملتح، طوله ١.٨٠متراً ويزن نحو ٨٠ كيلوغراماً، بنيته جيدة، ويبلغ ما بين ٣٠-٣٥ عاماً، شعره الطويل مربوط بجديلة، ولا يوجد أي أثر لأي تحلل للجسد على القماش. وتوصلت نتائج الدراسة على كفن تورينو في أكتوبر ١٩٧٨ إلى أن آثار صورة الوجة المنطبعة على الكفن ليست رسماً أو تزويراً. وحددت الدراسة أيضاً أن آثار الدم الذي عليها حقيقية، وأن الصورة يبدو أنها انطبعت على القماش نتيجة فيض من الحرارة أو الأشعة، لكن لم يمكنهم الجزم بذلك.
- ’كفن تورينو‘ شيء مثير للإهتمام فعلاً، ولكن هناك أسباب تدعونا لبعض الشك.
- وصف يوحنا نوعين من اللفائف: ٱلْأَكْفَانَ وَٱلْمِنْدِيلَ ٱلَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ. مما يعني أن رأس وجسد يسوع كانا ملفوفين بشكل منفصل، في حين يقدم كفن تورينو صورة لجسد كامل على القماش. ومن الممكن أن يكون كفن تورينو الطبقة التي تحت الأكفان ويوحنا لم يذكرها، لكننا لا نستطيع القول أن يوحنا كان يصف القماش المصنوع منه كفن تورينو.
- يقترح ترينش (Trench): “الأكفان التي كانت تلف كل جسد يسوع (كما وصفها متى ومرقس ولوقا) كان ينبغي أن تُحل وتوضع جانباً ليبقى على الجسد كفن تورينو فقط.”
- يمكننا أن نفترض هذا السبب القوي أيضاً: لم يسمح الله ببقاء تلك الأكفان لكي لا تصبح بقايا مقدسة يمكن أن يعبدها الإنسان.
- ٱلْمِنْدِيلَ ٱلَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ: “وهذا يعني أن المنديل الذي كان على رأس يسوع كان لا زال محتفظاً بشكله وانثناءاته التي تشكلت بوضعه على رأس يسوع، مع كونه قطعة منفصلة عن باقي الأكفان وتبعد عنها بقدر المسافة التي تفصل بين العنق وأعلى الصدر حيث يبدأ لف الجسد بلفائف الكفن.” تيني ( (Tenney
- ٱلتِّلْمِيذُ ٱلْآخَرُ … رَأَى فَآمَنَ: لحق يوحنا بطرس بعد أن دخل إلى القبر. ثم رَأَى (تعني الكلمة اليونانية القديمة eiden: فهم، أدرك أهمية الأمر) فَآمَنَ يوحنا. ترتيب الأكفان أقنعه.
- لم يؤمن التلاميذ الأوائل عمومًا بالقيامة لأن القبر كان فارغاً، ولكنهم آمنوا لأنهم رأوا يسوع المسيح المقام وتقابلوا معهم. أما يوحنا فكان مختلفاً تماماً عنهم، فقد آمن ببساطة لأنه رأى القبر الفارغ، وكان ذلك قبل لقاءه بيسوع المُقام.
- “آمن يوحنا أن يسوع قام من بين الأموات. اقتنع بالقيامة وتمسك بها لأول مرة. وفعل هذا، لأنه رأى بأم عينيه، فلم يكونوا بعد يعرفون الكتب.” آلفورد (Alford)
- “آمن يوحنا، ولكن بقي بطرس في الظلام. ومرة أخرى سبق يوحنا صديقه.” ماكلارين (Maclaren)
- من أفضل الكتب عن القيامة كانت تلك التي كتبها المحامين الذين كان هدفهم في البداية دحض القيامة. وأذكر هنا فرانك موريسون، وجيلبرت ويست، وج. أندرسون وآخرون. كتب السير إدوارد كلارك، وهو محام ضليع إنجليزي آخر، قائلاً: “بصفتي محامياً، قمت بإجراء دراسة مطولة للأدلة الخاصة بيوم عيد الفصح الأول. فبصفتي محامياً، لا بد أن يكون الدليل قاطعاً جداً، وقد سبق وتحصلت في المحاكم على أحكام لصالح موكلي بناء على أدلة لم تكن مقنعة إلى هذا الحد، ولكني أقبل شهادة هؤلاء الرجال على أنها حقائق كانوا قادرين على إثباتها.” بويس (Boice)
- لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعْدُ يَعْرِفُونَ ٱلْكِتَابَ: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ: أقتنع كل من بطرس ويوحنا عند هذه النقطة بحقيقة القيامة وآمنوا. مع أنهم لَمْ يَكُونُوا بَعْدُ يَعْرِفُونَ ٱلْكِتَابَ: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ ولم يفهموا معنى القيامة.
- إن معرفة حقيقة القيامة بداية مهمة، ولكنها ليست كافية. نحتاج أن نسمح للكتاب المقدس أن يخبرنا عن معنى وأهمية قيامة يسوع.
- تعني القيامة أن يسوع قد تَعَيَّنَ ٱبْنَ ٱللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ ٱلْقَدَاسَةِ، بِٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ (رومية ٤:١).
- تضمن القيامة قيامتنا: لِأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذَلِكَ ٱلرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ، سَيُحْضِرُهُمُ ٱللهُ أَيْضاً مَعَهُ (تسالونيكي الأولى ١٤:٤).
- تعني القيامة أن لله خطة أبدية لأجسادنا. “لم يعلم يسوع عن البدعة الغنوسية التي تقول أن الجسد شر بطبيعته. وكان رأي أفلاطون أن الطريقة الوحيدة للتخلص من الخطية هو التخلص من الجسد. لكن يسوع حفظ الجسد وأعلن أن الله يغذي الجسم والروح، وأن الجسد مقدس تماماً كالروح، فالروح تتخذ من الجسد هيكلاً له.” مورغان (Morgan)
- تعني القيامة أن خدمة يسوع مستمرة: لِذَلِكَ يَقْدِرُ أنْ يُعطِيَ خَلَاصاً أبَدِياً لِلَّذِينَ يَأْتُونَ إلَى اللهِ بِوَاسِطَتِهِ، لِأنَّهُ حَيٌّ عَلَى الدَّوَامِ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ عِنْدَ اللهِ (عبرانيين ٢٥:٧).
- تعني القيامة أن المسيحية وإلهها مميزين ومختلفين تماماً عن باقي الأديان في العالم.
- تثبت القيامة أنه رغم أن يسوع مات على الصليب كمجرم، إلا أنه مات بلا خطية، وبذل بنفسه لأنه يحبنا وحمل الخطية بدلاً عنا. كان موت يسوع على الصليب هو ثمن تسديد الدين، أما القيامة فهي الإيصال بأن الثمن قد دفع بالكامل في نظر الله الآب.
- إن معرفة حقيقة القيامة بداية مهمة، ولكنها ليست كافية. نحتاج أن نسمح للكتاب المقدس أن يخبرنا عن معنى وأهمية قيامة يسوع.
ثانياً. مريم المجدلية تتقابل مع يسوع المقام
أ ) الآيات (١١-١٣): مريم الحزينة ترى ملاكين في القبر الفارغ.
١١أَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ وَاقِفَةً عِنْدَ ٱلْقَبْرِ خَارِجاً تَبْكِي. وَفِيمَا هِيَ تَبْكِي ٱنْحَنَتْ إِلَى ٱلْقَبْرِ، ١٢فَنَظَرَتْ مَلَاكَيْنِ بِثِيَابٍ بِيضٍ جَالِسَيْنِ وَاحِداً عِنْدَ ٱلرَّأْسِ وَٱلْآخَرَ عِنْدَ ٱلرِّجْلَيْنِ، حَيْثُ كَانَ جَسَدُ يَسُوعَ مَوْضُوعاً. ١٣فَقَالَا لَهَا: «يَا ٱمْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟». قَالَتْ لَهُمَا: «إِنَّهُمْ أَخَذُوا سَيِّدِي، وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ!».
- أَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ وَاقِفَةً عِنْدَ ٱلْقَبْرِ خَارِجاً تَبْكِي: فحص بطرس ويوحنا الأدلة في القبر الفارغ، وأدى هذا إلى إقتناع يوحنا بأن يسوع قام من الأموات، رغم أنه لم يفهم بعد معنى كل ذلك. ولكن مريم لم تؤمن بعد أن يسوع قد قام، لذلك كانت تبكي.
- وَفِيمَا هِيَ تَبْكِي ٱنْحَنَتْ إِلَى ٱلْقَبْرِ: أرادت مريم أن ترى ما رآه بطرس ويوحنا، فقامت هي بنفسها بفحص القبر. ولكنها عندما فعلت، كان هناك شيء مختلف في القبر.
- فَنَظَرَتْ مَلَاكَيْنِ بِثِيَابٍ بِيضٍ: لم تلاحظ مريم كيف كانت الأكفان موضوعة بسبب وجود مَلَاكَيْنِ في القبر. ويبدو أن مريم لم تشعر بالخوف أو بالصدمة، ربما لأنها لم تدرك على الفور أنهما كانا ملاكين (عبرانيين ٢:١٣).
- “كان وجود الملاكين بالنسبة لمريم أمراً تافهاً، لأنها كانت مشغولة بفكرة واحدة فقط وهي أن سيدها كان مفقوداً.” ماكلارين (Maclaren)
- “أُرسل الملاكين لمريم وللتلاميذ للتصديق على القيامة. فوظيفة الملائكة (وكانوا مسرورين بهذه الوظيفة) كانت ولا تزال تعزية وإرشاد القديسين.” تراب (Trapp)
- جَالِسَيْنِ وَاحِداً عِنْدَ ٱلرَّأْسِ وَٱلْآخَرَ عِنْدَ ٱلرِّجْلَيْنِ: “كما كان يجلس الكاروبين على غطاء التابوت (خروج ١٨:٢٥-١٩).” كلارك (Clarke)
- «إِنَّهُمْ أَخَذُوا سَيِّدِي، وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ!»: لم تفكر مريم أو حتى تحلم أن يسوع كان حياً، بل كانت متأكدة من موته، وكل ما كانت تسعى إليه هو معرفة مكانه لتتمكن من استكمال عملية لف الجسم بالأكفان. وهذا دليل آخر على أنها لم تلاحظ الأكفان بسبب وجود الملاكين.
ب) الآيات (١٤-١٦): مريم تتقابل مع يسوع
١٤وَلَمَّا قَالَتْ هَذَا ٱلْتَفَتَتْ إِلَى ٱلْوَرَاءِ، فَنَظَرَتْ يَسُوعَ وَاقِفاً، وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ يَسُوعُ. ١٥قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا ٱمْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟ مَنْ تَطْلُبِينَ؟». فَظَنَّتْ تِلْكَ أَنَّهُ ٱلْبُسْتَانِيُّ، فَقَالَتْ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ حَمَلْتَهُ فَقُلْ لِي أَيْنَ وَضَعْتَهُ، وَأَنَا آخُذُهُ». ١٦قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا مَرْيَمُ». فَٱلْتَفَتَتْ تِلْكَ وَقَالَتْ لَهُ: «رَبُّونِي!» ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا مُعَلِّمُ.
- ٱلْتَفَتَتْ إِلَى ٱلْوَرَاءِ، فَنَظَرَتْ يَسُوعَ وَاقِفاً: تساءلت مريم عن مكان وجود يسوع وكانت قلقة، ولكنه لم يكن بعيداً عنها.
- “ربما تحركت مريم فجأة لأنها سمعت حركة وراءها، أو كما قال العديد من المفسرين، أصدر الملاكين صوتاً عندما رأوا الرب وراء مريم. ولكننا غير متأكدين من ذلك تماماً.” موريس (Morris)
- وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ يَسُوعُ: كانت مريم تعرف يسوع جيداً، وكان غريباً أنها لم تتعرف عليه على الفور. واعتقد البعض أن السبب هو حزنها الشديد والدموع التي غشت عينيها. ويتكهن البعض أنها لم تعرف يسوع لأنه بدا مختلفاً بسبب الضرب والتعذيب الذين مر بهما قبل الصلب.
- “لم تتوقع مريم أن تراه هناك، وكانت مشغولة تماماً بأفكار أخرى.” آلفورد (Alford)
- “لم تعرفه ليس لأن الدموع أعمت عينيها فحسب، بل لأن مظهره كان قد تغير أيضاً، كما قال مرقس (١٢:١٦).” دودز (Dods)
- “يبدو أنه كان هنالك شيئًا مختلفًا في يسوع المقام حتى أنهم لم يعرفوه على الفور.” موريس (Morris)
- لِمَاذَا تَبْكِينَ؟ مَنْ تَطْلُبِينَ؟:لم يكشف يسوع عن نفسه على الفور. ولم يقصد في ذلك خداعها، بل ليتغلب على عدم إيمانها ونسيانها لمواعيده عن القيامة.
- فَقُلْ لِي أَيْنَ وَضَعْتَهُ، وَأَنَا آخُذُهُ: من المحتمل أن مريم كانت امرأة ضخمة وقوية وقادرة على حمل جثة رجل ميت. فمن الممكن أنها لم تفكر ملياً بكل هذا بسبب حزنها الشديد.
- “كشفت كلماتها عن تفانيها وإخلاصها. فلم تفكر للحظة كيف ستحمل جثة رجل أو كيف ستفسر سبب وجود الجثة معها.” تيني (Tenney)
- “يبدو أن كلمات المثل القائل: ’المحبة لا تشعر بالعبء‘ صحيحة للغاية. فقد كان يسوع في مقتبل العمر عندما صلب، وبالإضافة إلى وزنه الطبيعي، كان هناك وزن الأطياب، نَحْوَ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ كِيلُو غَرَاماً. ولكن مريم لم تفكر بكل هذا، وكل ما كان يشغل بالها هي أن تعرف مكانه.” كلارك (Clarke)
- قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا مَرْيَمُ»: “كان على يسوع أن يقول شيئاً واحداً فقط لتفهم مريم كل شيء. فحينما سمعت اسمها وميزت صوت حبيبها، التفتت على الفور وقالت: «رَبُّونِي!» (كما فعلت مريم الأخرى في يوحنا ٢٨:١١).
- “دعاها يسوع بإسمها العبري ’مريم‘ الذي منه يأتي اسمها اليوناني ’ماريا‘” ترينش (Trench). لم يكشف يسوع عن نفسه لمريم بإخبارها عن هويته، بل بإخبارها عمن تكون بالنسبة له.
- قد خذلتها عيناها في السابق، لكن لم تخذلها أذناها في تمييز ذلك الصوت الذي دعاها باسمها. “صحيح أن كثيرين يدعونها بهذا الاسم، وكانت تسمعه العديد من المرات خلال اليوم من أشخاص مختلفين، ولكن كان هناك صوت واحد يدعوها بهذه الطريقة والنغمة.” ماير (Meyer)
- “ليس هناك كلمة تؤثر على النفس كهذه الكلمة.” تاسكر (Tasker) “فبإمكان يسوع أن يعظ أروع عظة مستخدماً كلمة واحدة فقط.” سبيرجن (Spurgeon)
- “في جنة عدن ومباشرة بعد السقوط، نزلت على المرأة كلمات اللعنة. أما في البستان حيث دفن يسوع، وبعد قيامته، نزلت على المرأة كلمات التعزية الإلهية من خلال الرب يسوع المسيح، نسل المرأة الموعود. فإن كان وقع الكلمات على المرأة شديداً، لا بد أن وقع كلمات التعزية عليها كان رائعاً.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (١٧-١٨): يسوع يرسل مريم لإخبار التلاميذ
١٧قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «لَا تَلْمِسِينِي لِأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلَكِنِ ٱذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ». ١٨فَجَاءَتْ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ وَأَخْبَرَتِ ٱلتَّلَامِيذَ أَنَّهَا رَأَتِ ٱلرَّبَّ، وَأَنَّهُ قَالَ لَهَا هَذَا.
- لَا تَلْمِسِينِي: يبدو أن هناك بعض الالتباس بالنسبة للمقصود بهذه الكلمات. فقال البعض أن يسوع قال هذا لمريم كي لا تدنسه، كما لو أن لمستها ستدنسه بطريقة ما. ولكن يبدو أن مريم لم تستجب له وأمسكت به ورفضت إفلاته.
- “ربما يتوجب علينا أن نفهم الفعل اليوناني هنا بالمعنى الدقيق للكلمة. فصيغة الأمر في اليونانية هنا تشير إلى النهي المستمر، بمعنى: ’توقفي عن فعل هذا‘ وليس ’لا تفعلي شيئاً‘ (’كُفي عن لمسي‘ ولم يقصد: ’لا تلمسيني‘).” موريس (Morris)
- “لم يعترض يسوع لأن مريم كانت تلمسه خوفاً من أن يتدنس، ولكنه كان يطلب منها ألا تعيقه لأنه سيراها مع التلاميذ مرة أخرى.” تيني (Tenney)
- “لا ينبغي أن نضيع وقتنا في التفسير الذي يفترض أنه يتعين على المسيح الدخول إلى قدس الأقداس لإكمال العمل الذي بدأه على الصليب الذي هو صورة لما كان يحدث في يوم الكفارة.” بروس (Bruce)
- وهذا يظهر أيضاً أن جسد يسوع المقام كان مختلفاً، ولكنه لا زال يشبه جسده قبل القيامة. ولكنه بالتأكيد جسد حقيقي يمكن لمسه، فيسوع لم يكن شبحاً.
- ٱذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: أول كارز عن القيامة أرسله يسوع كان امرأة. كانت المحاكم في ذلك الوقت لا تعترف بشهادة المرأة، أما يسوع ففعل.
- ما حدث هنا يؤكد على الحقيقة التاريخية لهذه الأحداث. فإن كانت القصة ملفقة، لما اختار من لفقها أن تكون النساء أول شاهد على القيامة، فقد كانت شهادة النساء في ذلك الوقت غير موثوق بها (وهذا غير عادل طبعاً).
- رفض سيلسوس، المناهض للمسيحية في الجزء الأخير من القرن الثاني، قصة القيامة لأنها مبنية على هلوسات ’إمرأة هستيرية.‘” بروس (Bruce)
- إِخْوَتِي: من المؤثر أن يسوع قال عن التلاميذ – الذين تخلوا عنه، ما عدا يوحنا – ’إِخْوَتِي.‘ ومن اللافت للنظر أيضاً أن مريم فهمت تماماً عن من يتكلم.
- “لا أذكر أن الرب يسوع دعا التلاميذ من قبل ’إخوتي.‘ دعاهم ’خدام‘ و’أصدقاء‘ لكنه الآن وبعد القيامة، دعاهم: ’إخوتي.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ: لم يقل يسوع ’أبانا وإلهنا‘ بل أشار أن هناك فرقاً بين علاقته بالله وعلاقة التلاميذ بالله. فالجالس على العرش هو أبيهم وإلههم بكل تأكيد، ولكن علاقة يسوع بأبيه وبإلهه كانت مختلفة.
- “لم يقل ’أبانا‘: من ناحية، هو أبي السماوي، ومن ناحية أخرى هو أبيكم. أنا والآب لنا نفس الطبيعة، وأنتم صرتم أولاد الله بالنعمة. هو إلهي وأنا في هيئة الإنسان، هو إلهكم وأنا الوسيط بين الله والإنسان.” أغسطينوس (Augustine)
- كما ذكر بالتحديد صعوده القريب. وكلمة الصعود جعلتهم يدركون أنه قام ولن يموت أبداً.
ثالثاً. لقاء يسوع المقام مع التلاميذ
أ ) الآية (١٩): يَسُوعُ يَظْهَرُ لِتَلَامِيذِه
١٩وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ ٱلْأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ ٱلْأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ ٱلتَّلَامِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ ٱلْخَوْفِ مِنَ ٱلْيَهُودِ، جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي ٱلْوَسْطِ، وَقَالَ لَهُمْ: «سَلَامٌ لَكُمْ!».
- وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ: حدث كل هذا في نفس اليوم الذي وجدوا فيه القبر فارغاً وتقابلت مريم مع يسوع المقام. ويخبرنا الكتاب المقدس أن يسوع ظهر خمس مرات يوم القيامة:
- لمريم المجدلية (يوحنا ١١:٢٠-١٨).
- لنساء أخريات (متى ٩:٢٨-١٠).
- لتلميذي عمواس (مرقس ١٢:١٦-١٣، لوقا ١٣:٢٤-٣٢).
- لبطرس (لوقا ٣٣:٢٤-٣٥، كورنثوس الأولى ٥:١٥).
- للتلاميذ العشرة؛ لم يكن توما معهم (يوحنا ١٩:٢٠-٢٣).
- كَانَ ٱلتَّلَامِيذُ مُجْتَمِعِينَ: بقاء التلاميذ معاً كان أمراً جيداً. فقد أوصاهم يسوع أن يحبوا بعضهم البعض بعد رحيله، فربما لهذا كانوا مجتمعون معاً (يوحنا ١٧:١٥)، كما أنه صلى من أجل الوحدة بينهم بعد رحيله (يوحنا ١١:١٧). وها هي الوصية تتحقق والصلاة تُستجاب، أو على الأقل هذا ما حدث في الأيام التي تلت الصلب مباشرة.
- وَكَانَتِ ٱلْأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً: فكرة ٱلْأَبْوَابُ المُغَلَّقَة لا تعني أنها كانت مغلقة بشكل طبيعي، ولكنها كانت مقفلة بإحكام لتمنع دخول الغرباء. والفكرة هنا أنه كان من المستحيل الدخول إلى الغرفة عندما جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي ٱلْوَسْطِ فجأة. لا نعلم كيف دخل يسوع الغرفة، ولكن يبدو أن دخوله لم يكن بالطريقة المعتادة وأنه بكل بساطة ظهر أمامهم.
- “عندما قال الكتاب أن الأبواب كانت ’مُغَلَّقَةً‘ ينبغي أن نفهم أنها كانت ’مقفلة‘ بسبب: الخوف من اليهود.” موريس (Morris)
- كانت الأبواب مُغَلَّقَةً بهدف حماية أنفسهم. فالذين يقفلون ويغلقون الأبواب يمنعون دخول يسوع أيضاً. ولكن شكراً لله أن يسوع أعظم من الأبواب المُغَلَّقَة، وهو قادر على شق طريقه بالرغم عنهم. ومع ذلك، من الأفضل فتح الباب وعدم إغلاقه أمام يسوع.
- بعد ذلك وعندما نزل الروح القدس عليهم، لم يفتحوا الأبواب فحسب، بل كرزوا في الهيكل بكل مجاهرة ودون أي خوف.” تراب (Trapp)
- جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ: “تصف الكلمة أن وصوله كان مفاجئاً قبل أن يصبح مرئياً لهم.” آلفورد (Alford)
- يبدو أن ظهور يسوع المعجزي والغريب كان لتوضيح أن الأجساد المقامة لا تخضع لنفس القيود مثل أجسادنا الحالية. وبما أننا سنقوم من الأموات كما قام يسوع (رومية ٤:٦، كورنثوس الأولى ٤٢:١٥-٤٥)، فإن هذا يعطينا فكرة عن طبيعة أجسادنا المستقبلية بعد القيامة.
- “نستطيع القول أن يوحنا أرادنا أن نعرف أن يسوع لا يحده أو يوقفه الأبواب المغلقة. وبأعجوبة وقف في وسطهم.” موريس (Morris)
- كان بإمكان يسوع أن يذهب لأي مكان وأن يفعل ما يشاء بعد القيامة، ولكنه اختار أن يكون مع أولاده، وبحث عنهم.
- «سَلَامٌ لَكُمْ!»:بعد أن ترك التلاميذ يسوع يوم الصلب، توقعوا على الأغلب أن يسمعوا كلمات التوبيخ أو اللوم من يسوع. ولكن يسوع أحضر لهم السلام، وتصالح معهم مستخدماً السلام.
- “’سَلَامٌ لَكُمْ!‘ كلمات تبعث على الاطمئنان وأنه ليس هناك ما يدعو للخوف، وأن كل شيء سيكون على ما يرام: لأنهم (لوقا ٣٧:٢٤) اندَهَشُوا وَتَمَلَّكَهُمُ الخَوفُ، وَظَنُّوا أنَّهُمْ يَرَوْنَ شَبَحاً.” ترينش (Trench)
- “جاء يسوع ووقف وسط تلاميذه الجبناء وعديمي الإيمان وقال: سَلَامٌ لَكُمْ! فلماذا إذاً يا نفسي تقولين أنه لن يأتي، حتى لو كنت أسوأ مَن اشتراهم بدمه؟” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٢٠-٢٣): يسوع المُقام يخدم تلاميذه
٢٠وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ، فَفَرِحَ ٱلتَّلَامِيذُ إِذْ رَأَوْا ٱلرَّبَّ. ٢١فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً: «سَلَامٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي ٱلْآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا». ٢٢وَلَمَّا قَالَ هَذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «ٱقْبَلُوا ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ. ٢٣مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ».
- أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ: أكد لهم يسوع أنه كان فعلاً يسوع الناصري وأنه قام من بين الأموات حقاً. ولم يفعل يسوع هذا للتلاميذ العشرة فقط، بل يخبرنا لوقا أن أشخاصاً آخرين كانوا مجتمعين معهم أيضاً (لوقا ٣٣:٢٤)، وأنه دعاهم ليلمسوا جسده ليتأكدوا أنه حقيقي (لوقا ٣٩:٢٤-٤٠).
- لم يأتِ يسوع ليقدم فكراً جديداً أو اكتشافاً فلسفياً أو حتى عقيدة معقدة أو سراً غامضاً أو أي شيء آخر غير نفسه. بل كان محباً لذاته ذلك اليوم، ولم يتكلم سوى عن نفسه.” سبيرجن (Spurgeon)
- سَلَامٌ لَكُمْ!: كان يسوع قد أعطاهم بركة سلامه قبل لحظات فقط (يوحنا ١٩:٢٠). وربما كان الهدف من هذا هو تهدئة خوفهم وصدمتهم في تلك اللحظة (لوقا ٣٦:٢٤). فتكرار هذا الوعد يسلط الضوء على أهمية وعظمة عطية السلام. فيسوع المُقام يمنحنا السلام.
- “واجه يسوع وهزم كل القوى التي تدمر سلام الإنسان. وعندما قال: ’سَلَامٌ لَكُمْ‘ كان عمله في داخلهم أكثر بكثير من مجرد تمنيات، بل أعلن عن سلامه، ومنح ونقل لهم البركة.” مورغان (Morgan)
- خطاياي مغفورة – لذا أملك السلام
- تحررت من عبودية الخطية – لذا أملك السلام
- أخذ مخلصي خوفي وقلقي – لذا أملك السلام
- حياتي مضمونة في الأبدية – لذا أملك السلام
- “علينا أن نتمتع بالسلام الداخلي والخارجي قبل أن نكرز للآخرين عن إنجيل السلام.” بويس (Boice)
- “واجه يسوع وهزم كل القوى التي تدمر سلام الإنسان. وعندما قال: ’سَلَامٌ لَكُمْ‘ كان عمله في داخلهم أكثر بكثير من مجرد تمنيات، بل أعلن عن سلامه، ومنح ونقل لهم البركة.” مورغان (Morgan)
- كَمَا أَرْسَلَنِي ٱلْآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا:سلم يسوع تلاميذه المأمورية لمواصلة عمله على الأرض. وهي المأمورية التي صلى لأجلها يسوع في يوحنا ١٨:١٧ “كَمَا أَرْسَلْتَنِي إِلَى ٱلْعَالَمِ أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَى ٱلْعَالَمِ.”
- وهذا يعني أن على تلاميذ يسوع، في ذلك الوقت والآن، أن يتبعوا خطوات الآب في إرسال الابن. وكما لاحظنا سابقاً في يوحنا ١٨:١٧ فالتلاميذ هم المُرسلين أو المبشرين – المأخوذ من الفعل اللاتيني ’أن يُرسل.‘
- وصف لوقا ٣٣:٢٤ لهذا اللقاء مساء يوم أحد القيامة كان مهماً: ٱلْأَحَدَ عَشَرَ مُجْتَمِعِينَ هُمْ وَٱلَّذِينَ مَعَهُمْ. مما يعني أن التلاميذ العشرة (بغياب يهوذا وتوما) لم يأخذوا عطية الروح القدس وهذه المأمورية بمفردهم. وهذا يعني بدوره أن يسوع أعطى هذه المأمورية لكل مؤمن ليذهب إلى العالم.
- علينا أن نربط حقيقة ’أُرْسِلُكُمْ أَنَا‘ بالطريقة التي أرسل فيها يسوع كما في يوحنا ١٨:١٧. فنحن مُرسلون بنفس الطريقة التي أُرسل فيها يسوع.
- لم يُرسَل يسوع ليكون فيلسوفاً مثل أفلاطون أو أرسطو، رغم أنه كان يملك المعرفة أكثر منهم جميعاً.
- لم يُرسَل يسوع ليكون مخترعاً أو مكتشفاً، رغم قدرته على خلق أشياء جديدة واكتشاف أراضي جديدة.
- لم يُرسَل يسوع ليكون قائداً عسكرياً، رغم أنه كان أقوى من الإسكندر أو قيصر.
- أُرسل يسوع ليُعلم.
- أُرسل يسوع ليعيش بيننا.
- أُرسل يسوع ليتألم من أجل الحق والبر.
- أُرسل يسوع ليخلص الإنسان.
- ٱقْبَلُوا ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ: وهب يسوع الروح القدس للتلاميذ، وأعطاهم حياة جديدة وسلطان لتتميم المأمورية. ويبدو أن يوحنا لاحظ العلاقة بين هذا ’النفخ‘ وما فعله الله عندما نفخ وخلق الإنسان. فهذا العمل يعني خلق حياة من جديد تماماً كما نفخ الله في الإنسان الأول وأعطاه حياة. وكانت هذه هي اللحظة التي ولد فيها التلاميذ ثانية.
- “يخبرهم بهذا العمل أنهم أصبحوا خليقة جديدة ليتمكنوا من القيام بالمأمورية الموكلة إليهم. فعندما نفخ يسوع وأعطاهم الروح القدس، أشار بوضوح إلى عملية خلق الإنسان الأول عندما نفخ الله فيه وصار نفساً حية.” كلارك (Clarke)
- كلمة نفخ هنا هي نفس الكلمة اليونانية المستخدمة في مكانين مختلفين في العهد القديم. الأول: سفر التكوين ٧:٢ ’وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْساً حَيَّةً.‘ والثاني: حزقيال ٩:٣٧ ’ هَلُمَّ يَا رُوحُ… وَهُبَّ (انفخ) عَلَى هَؤُلَاءِ ٱلْقَتْلَى لِيَحْيَوْا‘ (رؤية العظام الجافة).” ترينش (Trench)
- “قال يوحنا في بداية خدمة يسوع: ’لِأَنَّ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لِأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ‘ (يوحنا ٣٩:٧). والآن آن الأوان ليعطيهم الروح القدس.” بروس (Bruce)
- حصلوا على نفس الروح القدس الذي كان في يسوع؛ نفس الروح الذي أعطاه السلطان ليقول ما قاله ويعمل ما عمله. “أراد عندما نفخ فيهم أن يخبرهم أنه أعطاهم نفس الروح الذي كان فيه.” دودز (Dods)
- مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ:أعطى يسوع التلاميذ السلطان للإعلان عن مغفرة الخطايا وللتبكيت على الخطية كما يسمح الروح القدس. ويمكننا القول أن عظة بطرس يوم الخمسين (أعمال الرسل ٣٨:٢) كانت تدريباً على القوة الممنوحة له للإعلان عن مغفرة الخطايا.
- الصلة والعلاقة مع قبول الروح القدس كانت مهمة. “تؤكد كلمات يسوع على أن الروح القدس لم يُعطى للكنيسة كإضافة جمالية بل لتمكين الكنيسة من القيام بعمل المسيح على الأرض.” تيني (Tenney)
- ويحدد هذا مهمة الكنيسة: الإعلان عن المغفرة للتائب، وتحذير الخطاة من خطر فقدان رحمة الله. فنحن لا نصنع المغفرة أو نملك الحق في أن نحرم أحد منها؛ بل نعلنها وفقاً لكلمة الله وحكمة الروح.
- “تعلن الكنيسة إجمالاً الشروط لمغفرة الخطايا، وعلى السفراء أن يقرروا وفقاً للصلاحيات الممنوحة لهم إن كانوا سيعلنون الغفران أو يرفضوه.” ترينش (Trench)
- “يقول هنا أن الكنيسة الممتلئة بالروح تملك السلطان للإعلان عن ما هي الخطايا التي يمكن غفرانها والتي لا يمكن غفرانها. وهذا يتفق مع تعاليم اليهود عن الخطايا ’المربوطة‘ والخطايا ’المحلولة.‘ موريس (Morris)
- العمل الذي أوكله يسوع لتلاميذه يوم القيامة كان هو النمط الذي يجب أن يتبعه كل أولاده. فيسوع يريد لخدمته المؤلفة من أربعة جوانب أن تستمر وسط شعبه اليوم أيضاً: التأكيد والمأمورية والروح القدس والسلطان.
ج ) الآيات (٢٤-٢٥): شك توما، التلميذ الغائب
٢٤أَمَّا تُومَا، أَحَدُ ٱلِٱثْنَيْ عَشَرَ، ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ ٱلتَّوْأَمُ، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ جَاءَ يَسُوعُ. ٢٥فَقَالَ لَهُ ٱلتَّلَامِيذُ ٱلْآخَرُونَ: «قَدْ رَأَيْنَا ٱلرَّبَّ!». فَقَالَ لَهُمْ: «إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ ٱلْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ ٱلْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لَا أُومِنْ».
- أَمَّا تُومَا… فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ جَاءَ يَسُوعُ: لا نعرف لماذا لم يكن توما معهم، ولم يتعرض للنقد بسبب غيابه.
- «قَدْ رَأَيْنَا ٱلرَّبَّ!»:صحيح أن توما لم يتعرض للنقد بسبب غيابه، ولكن فاته الكثير. فالذين كانوا هناك نالوا بركة لم يحصل عليها توما.
- “فعل توما أسوأ ما يمكن أن يفعله أي شخص مكتئب، انفصل عن الجميع، والنتيجة: غرق في حزنه، وتشوهت الحقيقة في عقله، وفاته أن يرى الرب كما فعل الآخرين.” ماكلارين (Maclaren)
- «إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ ٱلْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ ٱلْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لَا أُومِنْ»: عُرف توما باسم ’توما الشكاك‘ ولكنه لقب لا يعكس خطأه ويتجاهل ما حل به لاحقاً. ويمكننا القول هنا أن توما لم يكن يشك، بل رفض بقوة أن يؤمن.
- رفض توما أن يؤمن بشهادة العديد من الشهود الموثوق بهم.
- طالب توما أن يقدموا له دليلاً قاطعاً، وأراد أن يلمس الجروح لا أن يراها فقط.
- رفض توما أن يؤمن ما لم تتحقق هذه الشروط (لَا أُومِنْ).
- “من الطبيعي أن يقال أن توما كان الأكثر شكاً من بين التلاميذ، وربما كان كذلك بالفعل. ولكن قد يكون هناك سبب آخر علينا ألا نغفله، وهو أنه كان لا يزال متأثراً بحادثة الصلب، ولم يكن من السهل بالنسبة له أن يتجاهل عواقبه.” موريس (Morris)
- “ربما فقد الأمل؛ فهذه الأدلة القوية هي ما سيقنع حواسه الآن بعد أن أقنعها الجنب المطعون واليد المثقوبة قبلاً بأن موت يسوع لا شك فيه.” آلفورد (Alford)
- وصف آدم كلارك شك توما بأنه غير منطقي ومتعنت ومتحيز وصلف ومتعجرف. ومع ذلك، كان من الجيد والمهم أن توما ما زال يرغب بالتواجد مع الذين آمنوا.
- كان توما مقتنعاً تماماً بشكوكه، وعبر عن ذلك بصدق. ورفضه التظاهر بالإيمان بينما الشك يملأ قلبه كان أمراً جيداً.
- من المثير للإهتمام بالنسبة للبعض أن توما لم يذكر آثار المسامير في قدمي يسوع. “لا يوجد ذكر في هذا الإنجيل أو في متى أو لوقا، أنهم ثقبوا قدمي يسوع. ولكن يستنتج لوقا في ٣٩:٢٤ أن قدمي يسوع حتماً ثقبت ولم تثبت بحبل على الصليب، لأن تلك كانت الممارسة الشائعة حينها.” تاسكر (Tasker)
د ) الآيات (٢٦-٢٧): تكلم يسوع مع توما الشكاك بعد أسبوع
٢٦وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلَامِيذُهُ أَيْضاً دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَٱلْأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي ٱلْوَسْطِ وَقَالَ: «سَلَامٌ لَكُمْ!». ٢٧ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلَا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً».
- وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ:الفكرة هنا أن يسوع اجتمع مع التلاميذ ومعهم توما، يوم الأحد التالي بعد القيامة، ودخل الغرفة بنفس الطريقة الغامضة والمميزة (فَجَاءَ يَسُوعُ وَٱلْأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي ٱلْوَسْطِ). وألقى يسوع عليهم نفس التحية: «سَلَامٌ لَكُمْ!».
- تظهر الأبواب المُغلقة للغرفة التي كانوا مجتمعين فيها أنه رغم إيمانهم بقيامة يسوع من الأموات، إلا أن معنى وحقيقة القيامة لم يرسخ بعد في عقولهم وتصرفاتهم.
- هناك مغزى خاص للقاءين الذين وقعا أيام الأحد بين يسوع والتلاميذ، فهذه أول إشارة لدينا عن اجتماعات يوم الأحد بين التلاميذ. “إن ذكرى ظهور الرب للتلاميذ قد يكون له علاقة بالتقليد القديم للكنيسة الأولى حيث كانوا يجتمعون مساء اليوم الأول من الأسبوع ويعبرون عن حضوره معهم بالكلمات: ’مَارَانْ أَثَا! تعال أيها الرب يسوع!‘” بروس (Bruce)
- «هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي»: قدم يسوع لتوما الدليل الذي طلبه، رغم اعتقادنا أن يسوع لم يكن مضطراً لذلك. وكان بإمكانه أن يطلب من توما الإيمان بناءاً على شهادة الآخرين الموثوقة. ولكن بكل رحمة ولطف، أعطى يسوع لتوما ما طلبه.
- لا بد أن توما تفاجأ لأن يسوع كرر نفس الكلام الذي قاله للتلاميذ (يوحنا ٢٥:٢٠). فقد عرف يسوع تماماً ما هي متطلبات توما وشكوكه.
- “أفضل طريقة ليخجل الشخص من نفسه، هي ترديد الكلمات التي قالها في ساعة غضب حينما تزول ثورة الغضب.” ماكلارين (Maclaren)
- يظهر هذا التفاعل مع توما أن يسوع المُقام يحب شعبه ويحنو عليه، وهذا لم يتغير. “كان الحديث كله عبارة عن توبيخ، ولكنه توبيخ محمل بالمحبة بحيث لم يشعر توما أنه كان يوبخ.” سبيرجن (Spurgeon)
- الدرس الواضح هنا: إن كنت تبحث عن الضمان، أنظر إلى جراح يسوع، فهي الدليل على محبته وتضحيته ونصرته وقيامته.
- وَلَا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً: أمر يسوع توما بكل وضوح وقال: كَفَاكَ شَكاً وَآمِنْ. كان يسوع كريماً ورحيماً مع توما رغم عدم إيمانه وشكوكه، ولكن يسوع لم يثنِ على عدم إيمانه، وأراد أن ينقله من الشك وعدم الإيمان إلى اليقين والإيمان.
- لم يمدح يسوع إيمان توما السابق، أو إيمانه في الفترة التي كان يعلم بها يسوع ويعمل المعجزات. فقد اعتبر يسوع توما غَيْرَ مُؤْمِن لأنه لم يؤمن بالقيامة.
- الله لا يدين عدم إيماننا وشكنا عادة، بل كثيراً ما يكشف لنا عن أمور ويصنع أشياء عظيمة يخاطب فيها شكوكنا وعدم إيماننا. ولكن الشك وعدم الإيمان ليسا الحالات المنشودة لتلاميذ يسوع. وإن كان الشك وعدم الإيمان محطات تظهر في طريق رحلة إيماننا، ينبغي التعامل معها بمحبة؛ ولكن لا ينبغي أبداً التفكير بأنها ستكون وجهة التلميذ النهائية.
هـ) الآيات (٢٨-٢٩): تجاوب توما بالإيمان
٢٨أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُ: «رَبِّي وَإِلَهِي!». ٢٩قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا».
- «رَبِّي وَإِلَهِي!»:انتقل توما بسرعة من شخص يعلن عن عدم إيمانه (يوحنا ٢٥:٢٠) إلى شخص يملك إيماناً قوياً مندفعاً. فدعا يسوع: «رَبِّي وَإِلَهِي!» وهي ألقاب الألوهية. ومن المهم أن نلاحظ أيضاً أن يسوع قَبِل هذه الألقاب، ولم يقل لتوما: “لا تدعوني بهذه الألقاب.”
- “ربما رؤية يسوع ساعدت على إيمان توما بالقيامة، ولكن كان هناك شيء آخر أعمق يعمل بداخله من مجرد النظر فتح شفتيه وجعله يصرخ قائلاً: «رَبِّي وَإِلَهِي!».” ماكلارين (Maclaren)
- “أعلن توما أخيراً عن إيمانه الذي أنكره في السابق، حينما قال: ’لَا أُومِنْ… إِنْ لَمْ…‘ وها هو الآن يملك إيماناً أقوى من إيمان بعض الرسل الآخرين، ولهذا أعلن عن إيمانه بكل مجاهرة. كان توما أول لاهوتي يُعلم عن ألوهية المسيح التي أكدتها جراحه.” سبيرجن (Spurgeon)
- “لم يقل توما هذه الكلمات لأنه تعجب من المفاجأة، فهذا ليس من أساليب التعبير في اللغة اليونانية، لكن قوله: ’رَبِّي وَإِلَهِي‘ يفيد التأكيد.” دودز (Dods)
- “كان من المستحيل أن يدعو اليهودي إنساناً آخر: ’رَبِّي وَإِلَهِي.‘ لكن بعد القيامة، دعا توما يسوع بهذه الألقاب: ’رَبِّي (kyrios) وَإِلَهِي (theos)‘ التي تشير لله وحده.” تيني (Tenney)
- “وصف بليني المؤمنين (Pliny) في رسالته التي وجهها إلى تراجان (Trajan) (١١٢م) وقال: المؤمنون يسبحون يسوع وكأنه رب وإله.” دودز (Dods)
- كان توما أميناً بما فيه الكفاية ليعلن عن عدم إيمانه (يوحنا ٢٥:٢٠)، ولكنه كان أميناً أيضاً في إتباعه الأدلة والبراهين حتى نهايتها. فلم يمسك توما العصا من الوسط، فإما أن يؤمن أو لا يؤمن.
- تأمل سبيرجن في إعلان توما من عدة جوانب، وقال التالي:
- كان ردًا صادقًا لعمل الله المعجزي.
- كان تعبيراً عن فرحة لا توصف.
- كان تعبيراً يعكس تغييراً واضحاً في العقل.
- كان تعبيراً عن الولاء التام ليسوع المسيح.
- كان تعبيراً عن العبادة والسجود.
- “لا بد لكل مؤمن، قبل كل شيء، أن يتفق ويؤمن بعقيدة توما: ’ربي وإلهي.‘ أنا لا أؤمن تماماً بكل ما جاء في قانون الإيمان الأثناسي، ولكني أعتقد أنه كان ضرورياً زمن كتابته، لأنه ساعد كثيراً على فحص تجاوزات وحيل الأريوسيين والتحقق منها، وأفضل كثيراً عقيدة توما، لأنها قصيرة وبليغة وكاملة ومثيرة للجدل، وتتجنب تفاصيل الإيمان المتغيرة.” سبيرجن (Spurgeon)
- لِأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ!: ينقسم المفسرون حول ما إذا كان توما قد لمس فعلاً جراح يسوع كما طُلب منه أم لم يفعل. فيسوع لم يقل: لأنك لمستني، بل قال: لِأَنَّكَ رَأَيْتَنِي، وربما يؤكد هذا على فكرة أن توما لم يلمس فعلياً جراح يسوع.
- طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا:وعد يسوع بالبركة لكل من يؤمن ولم يرَ. أراد توما أن يرى ويلمس قبل أن يؤمن بيسوع المُقام. وكان يعرف يسوع أن شهادة الشهود كانت كافية، وأن هناك بركة لكل من يقبل ويؤمن بتلك الشهادة.
- “برأيي لم يتكلم يسوع هنا عن الإيمان الشخصي بل عن الإيمان الذي يصدق كل شيء، الإيمان الذي يقتنع بكل ما يقدمه الله ولا يسعى وراء الرؤى أو المعجزات أو الإختبارات ليقتنع بصلاح الله.” بويس (Boice)
- “نستخلص من ذلك أن من يؤمن بيسوع بناءاً على شهادة الرسل سيحصل على نفس البركة التي تمتع بها الرسل. وبناء على هذا وضع الله للمؤمن أيضاً أن يحصل على ذات النعمة بعد ثمان مائة سنة من القيامة حتى وإن لم يرَ جسد يسوع المُقام.” كلارك (Clarke)
- هذه تطويبة أخرى من تطويبات يسوع، ووعد ببركة رائعة. تأمل سبيرجن في بعض الطرق التي قد تسلب منا البركة.
- حينما نُطالب سماع صوت أو رؤية أو إعلان لإثبات إيماننا.
- حينما نُطالب بظروف خاصة لإثبات إيماننا.
- حينما نُطلب باختبار الشعور بالنشوة.
- حينما نُطالب بالحصول على إجابة على كل سؤال أو اعتراض صعب.
- حينما نُطالب الآخرين ونهتم بآرائهم لتقييم نجاحنا في الخدمة.
- حينما نُطالب بدعم الآخرين لإيماننا.
- أصبحت قصة إيمان توما نقطة الذروة في إنجيل يوحنا. فقد رأينا عبر الإنجيل، كيف انتصر يسوع على المرض والخطية والأشرار والموت والحزن، والآن نراه ينتصر على عدم الإيمان والشك من خلال توما.
و ) الآيات (٣٠-٣١): ملخص إنجيل يوحنا
٣٠وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلَامِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا ٱلْكِتَابِ. ٣١وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِٱسْمِهِ.
- وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ: يعترف يوحنا هنا أنه لم يدون كل شيء في إنجيله، فلم يكن من الممكن أن يسجل كل ما قاله أو صنعه يسوع (يوحنا ٢٥:٢١).
- من الطبيعي أن يحاول المرء تأريخ كل شيء عن نبي ميت، فهذا كل ما لديه. ولكن إن كان النبي حياً، فلا داع لأن يخبر السامعين بكل شيء عنه. فقد آمن يوحنا أن علاقة المؤمن الشخصية مع يسوع ستكون كافية لتكشف المزيد عنه.
- فِي هَذَا ٱلْكِتَابِ: “تشير هذه الكلمات أن الكاتب وصل لنهاية قصته، وأنه كان ينظر الآن لكل ما كتبه في هذه الكتاب حتى الآن.” دودز (Dods)
- وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللهِ: اختار يوحنا أن يستعرض المعجزات التي ذكرها في إنجيله فقط، على الرغم من وجود آيَاتٍ (معجزات) أُخَرَ كَثِيرَةً، لغرض توضيح حقيقة يسوع ودفع القراء للإيمان بالله وبيسوع على أنه المسيا. فليس الغرض تسليط الضوء على المعجزات، بل على شخص المسيح. فالمعجزات ساعدت فقط في الكشف عن حقيقة يسوع.
- لقد كتبت الأناجيل – وكل الكتاب المقدس – لكي نؤمن، لا لإثارة المزيد من الشكوك. “لا يهدف أي نص في الكتاب المقدس على إثارة الشكوك. فالشك بذرة إما تزرعها الذات أو يزرعها الشيطان، تنمو وتزداد عادة حتى إن أهملنا رعايتها.” سبيرجن (Spurgeon)
- تخبرنا الآية في يوحنا ١١:٢ أن هَذِهِ كانت بِدَايَةُ ٱلْآيَاتِ، ونرى عبر صفحات إنجيل يوحنا ٧ معجزات على الأقل.
- تحويل الماء إلى خمر (يوحنا ١:٢-١١)
- شفاء ابن خادم الملك (يوحنا ٤٦:٤-٥٤)
- شفاء مريض بيت حسدا (يوحنا ١:٥-١٥)
- إشباع الخمسة الآلاف رجل (يوحنا ١:٦-١٤)
- يسوع يمشي على الماء (يوحنا ١٥:٦-٢١)
- شفاء المولود أعمى (يوحنا ١:٩-١٢)
- إقامة لعازر من الأموات (يوحنا ١:١١-٤٤)
- من أعظم الآيات التي صنعها يسوع من بين آيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَة، كانت آية (معجزة) موته وقيامته. وقد قدمت تلك الآيات بمجملها أساساً قوياً للإيمان بيسوع على أنه المسيح الرب. فهذا الإيمان ليس عبارة عن وثبة في الظلام، بل خطوة منطقية مبنية على دليل قاطع.
- ٱبْنُ ٱللهِ: “لا يعني هذا اللقب أي تنازل في الطبيعة الإلهية كما كان الاعتقاد السائد في القديم فيما يتعلق بآلهة اليونانيين والرومان؛ لكن استعارة البنوة هنا تُعبر عن وحدة في الطبيعة وعن العلاقة الحميمة والفريدة بين يسوع والآب.” تيني (Tenney)
- وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِٱسْمِهِ: فَهِمّ يوحنا أن الإيمان بيسوع كالمسيح الرب يفوق مجرد الإقرار بهذا الحق. وفي هذا الحق أيضاً نرى وعد بالحياة بِٱسْمِهِ. فهذه الحياة غيرت يوحنا بالكامل، لهذا أراد للجميع أن يحصلوا على هذه الحياة وهذا التغيير من خلال إنجيله.
- هذا الإيمان ليس معقداً البتة. وعلى ردنا أن يكون في غاية البساطة: قبول، إيمان، إلتزام. ولكن الرد ليس سهلاً دائماً، ولكنه ليس معقداً.
- حَيَاةٌ بِٱسْمِهِ: “لا يعني تعبير ’بِٱسْمِهِ‘ ذكر اسم يسوع، بل يعني سلطان الشخص الذي يحمل هذا الاسم. فاسم الله في الكتاب المقدس ليس مجرد اسم خصص له، بل الاسم الذي يعبر عنه.” تاسكر (Tasker)