رسالة كورنثوس الثانية – الإصحاح ٩
كيف يريدُنا اللهُ أن نعطي
أولاً. كونوا مستعدين للعطاء
أ ) الآيات (١-٢): استعدادُ مؤمني كورنثوس للعطاء
١فَإِنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْخِدْمَةِ لِلْقِدِّيسِينَ، هُوَ فُضُولٌ مِنِّي أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ. ٢لأَنِّي أَعْلَمُ نَشَاطَكُمُ الَّذِي أَفْتَخِرُ بِهِ مِنْ جِهَتِكُمْ لَدَى الْمَكِدُونِيِّينَ، أَنَّ أَخَائِيَةَ مُسْتَعِدَّةٌ مُنْذُ الْعَامِ الْمَاضِي. وَغَيْرَتُكُمْ قَدْ حَرَّضَتِ الأَكْثَرِينَ.
- مِنْ جِهَةِ الْخِدْمَةِ لِلْقِدِّيسِينَ: إن الْخِدْمَةِ المعيّنة التي ببال بولس هي الدعمُ الماليُّ لقديسي أورشليم. وسيحضرُ بولس إلى كورنثوس ليأخذ التقدمة لقديسي أورشليم التي تحدّث عنها في كورنثوس الثانية ٨ وفي نصوص أخرى مثل كورنثوس الأولى ١:١٦-٤.
- تم دعم قديسي أورشليم في السابق كما نرى في أعمال الرسل ٢٩:١١ “فَحَتَمَ التَّلاَمِيذُ حَسْبَمَا تَيَسَّرَ لِكُلّ مِنْهُمْ أَنْ يُرْسِلَ كُلُّ وَاحِدٍ شَيْئًا، خِدْمَةً إِلَى الإِخْوَةِ السَّاكِنِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ.” والكلمة اليونانية القديمة المترجمة ’خِدْمَةِ‘ هي (diakonia) وتترجمُ في ترجماتٍ أخرى على أنها ’غوثٌ/معونة.‘
- تُستخدم نفس الكلمة اليونانية المترجمة’خِدْمَةِ‘ٍ بمعنى روحيٍّ في نصوصٍ مثل كورنثوس الثانية ٨:٣-٩، وبمعنى عمليٍّ في نصوصٍ أخرى مثل كورنثوس الثانية ١:٩.
- هُو فُضُولٌ منّي أنْ أكْتُب إليْكُمْ. لأنّي أعْلمُ نشاطكُمُ (استعدادكم): يبدو هنا أن بولس يُظهر سخريته مرة أخرى. وكأنه يقول: “أنا لا أحتاجُ إلى الكتابة حول مسألة جمع المال، لأنكم مستعدون بالفعل وراغبون في العطاء.” فإن كان مؤمنو كورنثوس مستعدين حقًا وراغبين حقًا كما يبدو أن بولس يشير، لما احتاج إلى الكتابة عن الموضوع أصلًا.
- وفي الوقت نفسه، يبيّنُ هذا أن بولس قد انتهى من محاولة إقناع مؤمني كورنثوس حول مسألة العطاء، كما فعل في كورنثوس الثانية ٨، عندما استخدم مثال مؤمني مكدونية ومثال يسوع. فهو ببساطة الآن يشجعُهم على أسلوبهم في العطاء.
- الَّذِي أَفْتَخِرُ بِهِ مِنْ جِهَتِكُمْ لَدَى الْمَكِدُونِيِّينَ: تحدّث بولس في الأصحاح السابق عن المكدونيين كأمثلةٍ رائعةٍ للعطاء ( كورنثوس الثانية ١:٨-٨). والآن يخبرُ بولس (بسخرية) مؤمني كورنثوس أنه تفاخر أمام الْمَكِدُونِيِّين باستعداد مؤمني كورنثوس للعطاء (نشاطكُمُ).
- ربما تكونُ هذه طريقةً “مرحة” لتشجيع مؤمني كورنثوس على الاستعداد والرغبة أكثر في العطاء. فكأنّ لسان حال بولس هو: “أنا متأكدٌ من أنكم تستطيعون حقًا أن تكونوا مستعدين للعطاء. فقد تفاخرتُ بالفعل باستعدادكم أمام آخرين!”
- الْمَكِدُونِيِّين… أَخَائِيَةَ: كانت مكدونية وأَخَائِيَة منطقتين في شبه جزيرة اليونان. وتقعُ مكدونية في الشمال بينما تقع أَخَائِيَة في الجنوب. وكانت كورنثوس هي المدينة الرئيسية في منطقة أَخَائِيَة. وكان في منطقة مكدونية كنائس مختلفة في مدنٍ مثل فيلبي وبيرية وتسالونيكي.
- وَغَيْرَتُكُمْ قَدْ حَرَّضَتِ الأَكْثَرِينَ: ومرةً أخرى، يبدو بولس ساخرًا – أو على الأقل مرحًا – هنا. فهو يقول إن مؤمني كورنثوس كانوا غيورين أو متحمسين في استعدادهم للعطاء حتى إنهم صاروا مثالًا لأغلبية المؤمنين (الأَكْثَرِينَ). وكأنه يقول بشكلٍ أساسيٍّ إن مثال المكدونيين الصالح (كما تحدّث عنه في كورنثوس الثانية ١:٨-٨) مجرد انعكاسٍ للمثال الصالح لمؤمني كورنثوس المقدم للمكدونيين أولًا.
- نحن نعتقد أن بولس ساخرٌ هنا لأنه إن كان الكورنثيون أمثلةً عظيمةً للعطاء على هذا النحو، وإذا كان عطاؤهم قد حرّك آخرين إلى العطاء، لما اضطرّ بولس قطّ إلى إعطائهم هذا القدر من الإيعازات والتشجيع كما فعل في كورنثوس الثانية.
ب) الآيات (٣-٥): بولس يرسلُ تيطس والآخرين لاستلام التقدمة.
٣وَلكِنْ أَرْسَلْتُ الإِخْوَةَ لِئَلاَّ يَتَعَطَّلَ افْتِخَارُنَا مِنْ جِهَتِكُمْ مِنْ هذَا الْقَبِيلِ، كَيْ تَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ كَمَا قُلْتُ. ٤حَتَّى إِذَا جَاءَ مَعِي مَكِدُونِيُّونَ وَوَجَدُوكُمْ غَيْرَ مُسْتَعِدِّينَ لاَ نُخْجَلُ نَحْنُ حَتَّى لاَ أَقُولُ أَنْتُمْ فِي جَسَارَةِ الافْتِخَارِ هذِهِ. ٥فَرَأَيْتُ لاَزِمًا أَنْ أَطْلُبَ إِلَى الإِخْوَةِ أَنْ يَسْبِقُوا إِلَيْكُمْ، وَيُهَيِّئُوا قَبْلاً بَرَكَتَكُمُ الَّتِي سَبَقَ التَّخْبِيرُ بِهَا، لِتَكُونَ هِيَ مُعَدَّةً هكَذَا كَأَنَّهَا بَرَكَةٌ، لاَ كَأَنَّهَا بُخْلٌ.
- وَلكِنْ أَرْسَلْتُ الإِخْوَةَ: ومرةً أخرى يقدم بولس نغمةً ساخرةً في نهاية مديحه لهم. فكأنه يقول: “أنتم مستعدون وراغبون جدًا في العطاء حتى إني متأكدٌ من أنكم ستُحضرون التقدمة لي. ولكن على أية حالٍ، سأرسلُ الإخوة ليأخذوها. فأنا لا أريدُ أن يكون افتخاري بكم أمام آخرين عبثًا… (لِئَلاَّ يَتَعَطَّلَ افْتِخَارُنَا).
- حَتَّى إِذَا جَاءَ مَعِي مَكِدُونِيُّونَ وَوَجَدُوكُمْ غَيْرَ مُسْتَعِدِّينَ: يواصلُ بولس سخريته المرحة، فكأنه يقول: “أيها الكورنثيون، أنتم لا تريدون أن يراكم المكدونيين غير مستعدين للعطاء. إذ سيكونُ هذا إحراجًا كبيرًا لي ولكم؟” لاَ نُخْجَلُ نَحْنُ حَتَّى لاَ أَقُولُ أَنْتُمْ فِي جَسَارَةِ الافْتِخَارِ هذِهِ.
- فَرَأَيْتُ لاَزِمًا… لِتَكُونَ هِيَ مُعَدَّةً هكَذَا كَأَنَّهَا بَرَكَةٌ، لاَ كَأَنَّهَا بُخْلٌ: أراد بولس أن تكون مسألةُ جمع التقدمة قد اكتملت قبل وصوله لئلا يكون هنالك أيُّ نوعٍ من التلاعب في تلقّي تلك التقدمة.
- كان بولس مهتمًا بأن يكون العطاء مسألة كرمٍ (بَرَكَةٌ) لا مسألة بُخْلٍ (التزامٍ عن مضضٍ). فاللهُ نفسه لا يعطي ببخل، ولا ينبغي نحن أن نعطي بهذه الروح أيضًا. فالكرمُ حسب المفهوم الكتابيّ يتعلقُ بنظرتنا إلى العطاء، لا بالمبلغ الذي نعطيه. ولهذا يتوقعُ الله نظرة استعدادٍ ورغبةً من المعطين.
- “عندما يعطي الله نعمةً، فإنه لا يفتح على مضضٍ إصبعًا صغيرة ويُبقي على قبضةٍ مغلقةٍ ممتلئةٍ بالهبات. وأنا أودُّ أن أخبركم اليوم أن يديّ الله مثقوبتان ومفتوحتان على مصراعيهما. ونافورةُ النعمة تسكبُ نفسُها دائمًا من دون محدودياتٍ من السماء على الإطلاق.” ريدباث (Redpath)
ثانياً. مكافأةُ العطاء والقلب السليم في العطاء
أ ) الآية (٦): ينبغي أن يكون عطاؤنا وفيرًا إذا أردنا أن نكافأ بوفرةٍ.
٦هذَا وَإِنَّ مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضًا يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ.
- مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضًا يَحْصُدُ: قد يشعرُ المزارع الذي يبذرُ البذور بأنه يفقدُ البذور عندما تسقطُ من يده إلى الأرض. وربما نشعرُ بأننا نخسرُ عندما نعطي. لكن كما أن المزارع يعطي البذار تحسُّبًا لحصاد المستقبل، كذلك ينبغي أن نعطي بنفس هذه الروح.
- إذا زرع مزارعٌ عدة بذارٍ فقط لأنه أراد أن “يتمسك” بالبذار الكثيرة قدر الإمكان، سيكونُ لديه مزيدٌ من البذار في مخزنه بعد وقت البذر. لكن عند الحصاد، فإن من زرع بذارًا أكثر سيحصلُ على حبوبٍ أكثر في مخزنه.
- فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ: ماذا نحصدُ عندما نعطي؟ نحن نحصدُ بركاتٍ ماديةً وروحيةً في الوقت نفسه.
- من الناحية المادية، نستطيعُ أن نثق بأن الله سيدبّرُ احتياجات القلب المعطاء. وقد قُطع الوعد الموجود في فيلبي ١٩:٤ (فَيَمْلأُ إِلهِي كُلَّ احْتِيَاجِكُمْ بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي الْمَجْدِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ) بسبب سخاء مؤمني فيلبي ( فيلبي ١٥:٤-١٨). فإذا أعطينا لله، فسيعطينا ماديًا.
- ومن الناحية الروحية، يمكنُنا أن نتأكد من أن الله سيكافئُ القلب المعطاء الآن وفي الأبدية أيضًا. وقد تحدّث يسوع عن هذا الأمر في متى ٢٩:١٩ “وَكُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولاً مِنْ أَجْلِ اسْمِي، يَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ وَيَرِثُ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ.” من الواضح أن يسوع لم يقصد أننا سننالُ مئة منزلٍ إذا تخلّينا عن منزلنا لأجله، تمامًا كما لم يقصد أننا سنحصلُ على مئة زوجةٍ إذا تخلّينا عن زوجةٍ واحدةٍ لأجله! لكنه قصد أننا لن نكون الخاسرين إذا أعطينا لله. فلا يمكنُ أن يكون الله مديونًا لأحدٍ، ولا ينبغي لنا أبدًا أن نخاف أن نعطي الله “أكثر مما ينبغي!” فمن الناحية المادية أو الروحية، لن تستطيع أن تتفوق على الله في العطاء.
- “ينبغي أن يُفهم هذا الحصاد من منظور المكافأة الروحية للحياة الأبدية، وهو يشيرُ أيضًا إلى البركات الأرضية التي يكرمُ بها اللهُ المحسنين. فاللهُ لا يكافئُ فعل الخير الذي يقومُ به الأتقياء في السماء فقط، بل في هذا العالم أيضًا.” كالفن (Calvin)
ب) الآية (٧): يجب أن ينبع العطاءُ من قلبٍ سليمٍ
٧كُلُّ وَاحِدٍ كَمَا يَنْوِي بِقَلْبِهِ، لَيْسَ عَنْ حُزْنٍ أَوِ اضْطِرَارٍ. لأَنَّ الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ اللهُ.
- كُلُّ وَاحِدٍ: العطاءُ شخصي (كُلُّ وَاحِدٍ). ينبغي أن يكون كلُّ مؤمنٍ بالمسيح معطاءً. فحتى وإن كانت الموارد قليلة، على كل مؤمن أن يعطي وأن يعطي بقلبٍ سليمٍ.
- كَمَا يَنْوِي بِقَلْبِهِ: يجبُ أن يكون العطاءُ مدفوعًا بنيّة القلب. فلا ينبغي أن يتمّ بالإكراه أو بالتلاعب. فعلينا لنا أن نعطي لأننا نريدُ أن نعطي، ولأن الله قد وضع هذه الرغبة في قلبنا.
- يمكنُ أن يقال هذا أيضًا بمعنى أن عطاءنا يكشفُ نيّة قلبنا. فإن كنا نقول إننا نحبُّ الربّ أكثر من التزلج على الماء، لكننا نصرفُ كلّ مالنا على زلاجات الماء من دون أن نعطي من أجل عمل الربّ كما ينبغي، فعندئذٍ فإن الطريقة التي نصرفُ بها مالنا تبيّنُ نيّة قلبنا بدقةٍ أكبر من كلماتنا. فقد قالها يسوعُ بوضوحٍ: “لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا.” (متى ٢١:٦)
- لَيْسَ عَنْ حُزْنٍ أَوِ اضْطِرَارٍ: لا يريدُ الله أن يكون عطاؤنا عَنْ حُزْنٍ (على مضض أو بتراخٍ أو من دون رغبةٍ أو مع الندم وكثيرٍ من التذمر) أو اضْطِرَارٍ (أي أننا نعطي لأن شخصًا ما اضطرّنا إلى فعل ذلك أو لأنه تلاعب بمشاعرنا كي نعطي). فهذا أقربُ إلى روح الضريبة منه إلى العطاء الكتابيّ.
- “كان لدى اليهود في الهيكل صندوقان للصدقات: كان أحدُهما ضروريًا، بمعنى أن الناموس اشترطه، وأما الثاني فكان للتقدمات المقدمة بحرية إرادةٍ. ولكي يتجنب بعضُهم الهلاك، كانوا يعطون عن مضضٍ و عن اضطرارٍ ملزمين. وكان آخرون يعطون بسرورٍ لأنهم يحبون لله وبسبب شفقتهم على الفقراء. ولا يقالُ أيُّ شيءٍ عن الأول، لأنه أعطى كما طالبه الناموسُ. وأما عن الثاني فيقالُ الكثيرُ. فاللهُ يحبُّهم.. ومن الواضح أن الرسول يلمّحُ إلى هذين النوعين من العطاء في الهيكل.” كلارك (Clarke)
- لأَنَّ الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ اللهُ: فبدلًا من أن تعطي عَنْ حُزْنٍ أَوِ اضْطِرَارٍ، يريدُنا الله أن نعطي بسرورٍ أو ببشاشةٍ (وهي الكلمة اليونانية القديمة hilaros، وهي لا تُستخدمُ إلا في هذا الموضع من العهد الجديد) وهي جذرُ الكلمة الإنجليزية hilarious، وتعني “مرحٌ بشكلٍ صاخب.” فيريدُنا اللهُ أن نعطي بسرورٍ، لأن هذه هي الكيفيةُ التي يعطي بها اللُه.
- ينبعُ العطاء الحقيقي من قلبٍ سعيد. والعطاء يعطينا أيضًا قلبًا سعيدًا. قال الشاعرُ الإنجليزي كارلايل (Carlyle) إنه عندما كان صبيًا، جاء متسولٌ إلى البيت في غياب والديه. فاندفع هذا الصبيُّ إلى غرفته، وكسر حصالته التي كانت على شكل خنزيرٍ، وأعطى المتسول كلّ ما فيها من مالٍ. وقال إنه لم يعرف منذ ذلك الوقت أو حتى قبله مثل هذه السعادة الخالصة التي جاءته في لحظة العطاء.
- ليس كلُّ عطاءٍ عطاءً بسرور. “فقد قُدمت عطايا كثيرةٌ بحزنٍ، حيثُ إن المعطي يُجبرُ على العطاء لأنه يضع في اعتباره الرأي العام أو بضغطٍ من الضمير” هودج (Hodge). وفي أعمال الرسل ١:٥-١١، يبرز حنانيا وسفيرة كمثلين للعطاء لأسبابٍ غير سليمةٍ، لا بدافعٍ من قلبٍ مسرورٍ.
- “يتوجبُ أن يكون عطاءً جذلًا، عطاءً من القلب، لأنك تحبُّ أن تعطي، لا لأنك مجبرٌ على العطاء.” مورغان (Morgan)
- اللهُ هو المثالُ الأسمى للمعطي بسرورٍ. فهو يُسرُّ بأن يعطينا. “ليس صعبًا أن نذكر سبب رضى الله وسروره بالمعطي المسرور. فهو نفسُه مثل هذا المعطي، وهو يرغبُ في أن يرى هذه السمة مستردةً بين الذين خُلقوا على مثاله.” كروز (Kruse)
ج ) الآيات (٨-٩): النوعُ الصحيحُ من العطاء يباركُ دائمًا
٨وَاللهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ اكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ. ٩كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «فَرَّقَ. أَعْطَى الْمَسَاكِينَ. بِرُّهُ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ».
- وَاللهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ: عندما نُعطي، يتوجب أن نكون مقتنعين بأن الله قَادِرٌ على أن يكافئ عطاءنا. فكما أن الله قَادِرٌ على أن ينمّي (يَزِيدَكُمْ) بذر البذار إلى حصادٍ عظيمٍ، كذلك فإنه قَادِرٌ على أن يبارك عطاءنا.
- قال يسوع إن أصغر عطيةٍ نقدمُها، إذا قدّمناها بقلبٍ سليمٍ، لن تكون من دون مكافأةٍ. فيقول في متى ٤٢:١٠ “وَمَنْ سَقَى أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ فَقَطْ بِاسْمِ تِلْمِيذٍ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ.”
- وحين يكافئُنا اللهُ، فإنه يفعلُ ذلك بكلّ نِعْمَةٍ. إذ يكافأُ عطاؤُنا بطرقٍ مختلفةٍ كثيرةٍ، ماديًا وروحيًا. فمن ناحيةٍ ماديةٍ، يمكنُ أن يبارك اللهُ عطاءنا بترقياتنا وبراتبٍ أفضل، وهباتٍ غير متوقعةٍ من المال، أو بجعل الأمور تدومُ لئلا نعاني تكلفة استبدالها. ومن ناحيةٍ روحيةٍ، يمكنُ أن يباركنا الله بتحرير قلوبنا من طغيان الجشع والمادية، وبإعطائنا إحساسًا من البركة والسعادة، أو بتخزين مكافآتٍ غنيةٍ في السماء. فلا توجدُ نهايةٌ للطرق التي يمكن بها أن نتبارك عندما يكونُ الله قادرًا أن يزيدنا كلّ نعمةٍ.
- لَكُمْ كُلُّ اكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ: يمكنُ أن تترجم الكلمة اليونانية القديمة autarkeia (المترجمةُ هنا إلى اكْتِفَاءٍ) أيضًا إلى قناعةٍ. إذ هكذا تُستخدمُ هذه الكلمةُ في تيموثاوس الأولى ٦:٦: “وَأَمَّا التَّقْوَى مَعَ الْقَنَاعَةِ فَهِيَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ.” فالله يعطي هبةً خاصةً للقلب المعطاء: كُلَّ حِينٍ… قناعة فِي كُلِّ شَيْءٍ. وهذا كثير من كُلِّ شَيْءٍ!
- من ناحيةٍ ماديةٍ، كيف يمكنُ لشخصٍ أن يكون له كُلَّ حِينٍ قناعةٍ (اكتفاءٍ) فِي كُلِّ شَيْءٍ؟ بتلقّي هذه القناعة التي يباركُ بها اللهُ القلب المعطاء.
- إنه لأمرٌ سهلٌ لمؤمنين كثيرين بالمسيح أن يقولوا إن لديهم هذه القناعة، لكن مسألة امتلاكهم إيّاها من عدمه غالبًا ما تعرفُ بحقٍّ من خلال عادات الإنفاق والتسوّق. كم يحتلُّ التسوّقُ والشراءُ من مكانٍ في حياتك؟ كيف تؤثرُ الخسارةُ الماديةُ في سعادتك؟ ما مدى سعادتك لحصولك على بعض الأمور المادية؟
- عندما نحيا ونتصرف من دون قناعةٍ، فإننا نحاول أن نملأ احتياجاتٍ في حياتنا. وربما تكونُ الحاجة في أن نكون “مهمّين” أو الحاجة إلى الإحساس بالأمان أو بأننا موضوعُ اهتمامٍ أو الحاجة إلى الإثارة في حياتنا. فيحاولُ معظمُ الناس أن يحققوا هذه الاحتياجات بالأشياء المادية، لكن لا يمكنُ أن تلبى إلا بعلاقةٍ روحيةٍ بالله الذي خلقنا.
- يقولُ باركلي (Barclay) عن هذه الكلمة اليونانية القديمة autarkeia: “تعني هذه الكلمةُ القناعة الذاتية. وهي تدلُّ على عقليةٍ مستقلةٍ تمامًا عن الأمور الخارجية، وهي تحملُ سرّ السعادة في داخلها. فلا تنبعُ القناعةُ من امتلاك أشياء خارجيةٍ.” “يستخدمُ الرسولُ كلمة ’كلّ‘ مراتٍ كثيرةً عمدًا لكي يشجب طمعنا نحن الذين نعتقد بأننا لا نملكُ ما يكفي أبدًا.” تراب (Trapp)
- وبهذه القناعة، يمكنُ أن نكون أغنى الناس في العالم. فربما يمتلكُ شخصٌ أكبر ثروةً في العالم، لكنه يفتقرُ إلى القناعة. ولكن إذا امتلكنا هذه القناعة، فإنها تجعلُنا حقًا أفضل حالًا من أثرى الناس الذين لا يمتلكونها.
- تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ: يباركُنا اللهُ ماديًا وروحيًا لكي تكون لنا وفرةٌ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ. ويباركُنا اللهُ لنكون بركةً لآخرين. وهو يريدُنا أن نكون قناةً للبركة، لا خزّاناتٍ للبركة.
- بِرُّهُ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ: لا يحاولُ بولس في اقتباسه من مزمور ٩:١١٢ أن يقول إن العطاء السخيّ يجعلُنا أبرارًا، لكنه يعطي دليلًا على العلاقة السليمة الصحية مع الله.
د ) الآيات (١٠-١١): يصلّي بولسُ بركةٍ للكورنثيين المعطائين
١٠وَالَّذِي يُقَدِّمُ بِذَارًا لِلزَّارِعِ وَخُبْزًا لِلأَكْلِ، سَيُقَدِّمُ وَيُكَثِّرُ بِذَارَكُمْ وَيُنْمِي غَلاَتِ بِرِّكُمْ. ١١مُسْتَغْنِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِكُلِّ سَخَاءٍ يُنْشِئُ بِنَا شُكْرًا للهِ.
- وَالَّذِي يُقَدِّمُ بِذَارًا لِلزَّارِعِ وَخُبْزًا لِلأَكْلِ: يقرُّ بولس بأن الله هو المزوّدُ والمدبّرُ العظيم. فكلُّ ما لدينا لنعطيه سبق أن أعطاه اللهُ لنا.
- “يترجمُ مترجمونا هذا النصّ في شكل صلاة رفعها بولس بإيمانٍ، وهي تحتوي عمليًا على وعدٍ زمنيٍّ وروحيٍّ في آن واحد.” بووله (Poole)
- سَيُقَدِّمُ وَيُكَثِّرُ بِذَارَكُمْ: يقولُ بولس إن الله سَيُقَدِّمُ (سيزود) موارد لمؤمني كورنثوس لكي يعطوا وفي الوقت نفسه يكثروا عطائهم.
- وَيُنْمِي غَلاَتِ بِرِّكُمْ: سيثمرُ عطاءُ مؤمني كورنثوس (الممثلُ في بِذَارَكُمْ) عن حصادٍ، وهو غلّاتُ (ثمار) بِرِّكُمْ. يصلّي بولس أن يُنْمِي هذه الغَلاَتِ النابعة من عطائهم.
- مُسْتَغْنِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ: صلّى بولس أن يستغني مؤمنو كورنثوس بعطائهم، ماديًا وروحيًا.
- لِكُلِّ سَخَاءٍ: هذا هو السبب الذي سيجعلُهم اللهُ أغنياء فِي كُلِّ شَيْءٍ، لا من أجل غناهم الخاصّ أو ليحيوا حياة ترفٍ، بل ليعطوا بكُلّ سَخَاءٍ – أي من أجل عطاءٍ كريمٍ.
- “لا ينبغي لأحدٍ أن يحيا لنفسه. ينبغي أن يكون أسمى هدفين للحياة المسيحية مجد الله وخير الآخرين، ولا سيما الذين ينتمون إلى بيت الإيمان.” بووله (Poole)
- يُنْشِئُ بِنَا شُكْرًا للهِ: بعد أن يتمّ العطاءُ، وعندما يُظهر مؤمنو كورنثوس كلّ سخاءٍ، فإن الشكر يوجّهُ لله.
- يعبّرُ جي. ب. فيلبس ( B. Phillips) في ترجمته للعهد الجديد عن روح هذه الصلاة: “من يعطي البذرة للزارع ويحوّلُ تلك البذار إلى طعامٍ للأكل، سيعطيكم بذار الكرم لتزرعوها، وسيكون الحصاد، الخبز المشبع للأعمال الصالحة التي قمتم بها. وكلما ازددتم غناءً من الله، سيكونُ هنالك مجالٌ أكبرُ للعطاء السخيّ. وستعني هباتُكم التي ستُدارُ من خلالنا، أن كثيرين سيشكرون الله.”
هـ ) الآيات (١٢-١٤): أربعُ فوائد لعطاء مؤمني كورنثوس
١٢لأَنَّ افْتِعَالَ هذِهِ الْخِدْمَةِ لَيْسَ يَسُدُّ إِعْوَازَ الْقِدِّيسِينَ فَقَطْ، بَلْ يَزِيدُ بِشُكْرٍ كَثِيرٍ للهِ ١٣إِذْ هُمْ بِاخْتِبَارِ هذِهِ الْخِدْمَةِ، يُمَجِّدُونَ اللهَ عَلَى طَاعَةِ اعْتِرَافِكُمْ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، وَسَخَاءِ التَّوْزِيعِ لَهُمْ وَلِلْجَمِيعِ. ١٤وَبِدُعَائِهِمْ لأَجْلِكُمْ، مُشْتَاقِينَ إِلَيْكُمْ مِنْ أَجْلِ نِعْمَةِ اللهِ الْفَائِقَةِ لَدَيْكُمْ.
- لَيْسَ يَسُدُّ إِعْوَازَ الْقِدِّيسِينَ فَقَطْ: أولًا، على أكثر الصُّعُد عمليةً، سيسدُّ عطاءُ مؤمني كورنثوس إِعْوَاز (احتياجات) الْقِدِّيسِينَ. وهذا أمرٌ جيدٌ في حدّ ذاته، لكن عطاءهم سينجزُ ما هو أكثرُ بكثيرٍ.
- بِشُكْرٍ كَثِيرٍ للهِ: ثانيًا، سيُثمرُ عطاؤهم عن شُكْرٍ كَثِيرٍ للهِ. فلم يعطوا فقط من أجل الطعام، بل أعطوا الناسب سببًا لشكر الله.
- طَاعَةِ اعْتِرَافِكُمْ: ثالثًا، كان عطاءُ مؤمني كورنثوس دليلًا على عمل الله فيهم. فعندما يتلقّى المحتاجون عطيتهم، سيشكرون الله على إيمانكم النابع من طاعتكم لبشارة المسيح التي تجاهرون بإيمانكم بها، وسيشكرون الله على كرمكم في مساعدتهم (يُمَجِّدُونَ اللهَ عَلَى طَاعَةِ اعْتِرَافِكُمْ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، وَسَخَاءِ التَّوْزِيعِ). وسيكونُ الشكر الناتجُ عن عطية مؤمني كورنثوس أكثر من العطية نفسها. فسوف يُمَجِّدُونَ اللهَ عندما يفهمون أن العطية كانت تعني طَاعَةِ اعْتِرَافِكُمْ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، وتعني أيضًا أن لدى مؤمني كورنثوس قلوبًا سخية للتوزيع والمشاركة.
- يصوغُ بولس الفكرة بجسارةٍ. فكان العطاءُ بين مؤمني كورنثوس دليلًا على طَاعَةِ اعْتِرَافِكُمْ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ. فإذا لم يمتلك شخصٌ مثل هذا القلب السخيّ، فإنه في الواقع غير مطيعٍ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ.
- وسيشكرُ آخرون الله أيضًا لأن عطية مؤمني كورنثوس تبيّنُ أن لديهم قلوبًا تحبُّ المشاركة السخية (سَخَاءِ التَّوْزِيعِ). وهذا يعني أن اللهُ كان يعملُ حقًا في قلوب الكورنثيين، وهذا أمرٌ يستحقُّ الشكر.
- سَخَاءِ التَّوْزِيعِ (المشاركة السخيّة): إن الكلمة اليونانية القديمة المترجمة ’التَّوْزِيعِ‘ هنا هي koinania، وهي نفس الكلمة التي تعبّرُ عن فكرتي الشركة والتواصل – فهي تعني مشاركة الأشياء بين الجميع.
- عندما نشاركُ حياتنا، فإنّ هذا يُدعى koinaniaا لتواصل.
- عندما نشاركُ ذكرى عمل يسوع من أجلنا من خلال العشاء الرباني، فإنّ هذا يُدعى koinania الشركة.
- عندما نشاركُ مواردنا لئلا يكون أحدُهم مُعْدمًا، فإنّ هذا يُدعى koinania التَّوْزِيعِ.
- وَبِدُعَائِهِمْ لأَجْلِكُمْ: كانت الفائدةُ الرابعةُ من عطية مؤمني كورنثوس أنها دفعت مؤمني أورشليم إلى الصلاة من أجلهم. وقد توقّع بولس أن يصلّي مؤمني أورشليم من أجل مؤمني كورنثوس. وهذا أمرٌ يمكنُ أن نفعله عندما يعطينا آخرون، وعندما نحتاجُ إلى عطاياهم: أن نصلّي من أجلهم.
و ) الآية (١٥): شكرٌ (تسبيح) لله على أعظم عطيةٍ
١٥فَشُكْرًا للهِ عَلَى عَطِيَّتِهِ الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا.
- ما هي عطيّتُهُ الّتي لا يُعبّرُ عنْها؟ يعتقدُ بعضُهم أنها هبة الخلاص، ويرى بعضُهم أنها هبةُ يسوع المسيح؟ فلماذا لا تكونُ الفكرتان معًا؟ فالخلاصُ معطىً لنا في يسوع المسيح.
- يريدُ بولس أن ينهي هذا النقاش حول العطاء بتذكيرنا مرةً أخرى أن الله هو المعطي الأعظم. فالله قد أعطانا أعظم عطية على الإطلاق: “لأنّهُ هكذا أحبّ اللهُ الْعالم حتّى بذل ابْنهُ الْوحيد، لكيْ لا يهْلك كُلُّ منْ يُؤْمنُ به، بلْ تكُونُ لهُ الْحياةُ الأبديّةُ ” (يوحنا ١٦:٣)
- عطيّتُهُ الّتي لا يُعبّرُ عنْها: يعني هذا أن يسوع عطية والخلاص عطية. فنحن لا نكتسبُها. فنحن نقبلُ يسوع ونقبلُ الخلاص كما نقبلُ أية عطيةٍ. فإذا اكتسبناها، فإنها ليست عطيةً.
- عطيّتُهُ الّتي لا يُعبّرُ عنْها: يعني هذا أن يسوع عطية الّتي لا يُعبّرُ عنْها، وأن الخلاص عطية الّتي لا يُعبّرُ عنْها. فلا يمكنُنا أن نصف مجدُ عطية يسوع وعظم عطية الخلاص على نحوٍ كافٍ.
- لا يقول بولس إنه لا ينبغي لنا أن نصف عطية يسوع أو عطية الخلاص. بل يقولُ ببساطة إنه أمرٌ مستحيلٌ أن نصف العطية بشكلٍ كافٍ. فهي فوق الوصف الكامل.
- “يسوعُ المسيح، هبةُ محبة الله للبشر وبركةٌ لا يعبّرُ عنها. فلا يستطيعُ أحدٌ أن يتصور، ناهيك عن أن يعلن، مدى عظم هذه الهبة. والملائكة تشتاقُ أن تفهم هذه الأمور. ولهذا يحْسُن بنا أن نسمّيها العطية فائقة الوصف، لأنها أسمى ما أعطاه اللهُ أو ما يمكنُ أن يُعطيه للبشر.” كلارك (Clarke)
- “آهٍ. كم مرةٍ تكلمتُ أنا (من بين ملايين) حول هذه العطية على مدى السنوات الأربعين الماضية! في الواقع لم أتكلم سوى عنها. سمعتُ شخصًا يقول: ’أعتقدُ أن سبيرجن سيعظُ تلك القصة القديمة مرةً أخرى.‘ نعم هذا ما سأفعله فعلًا، ولو عشت عشرين سنةً أخرى، وجئت لزيارتي، ستظلُّ تسمعُ نفس ’القصة القديمة القديمة‘ لأنه لا يوجدُ مثيلٌ لها.” سبيرجن (Spurgeon)
- “إذا كرزت بالمسيح، فلن ينفد الكلامُ منك. ولو كرزت بالمسيح عشرة آلاف عظةٍ، فإنك لم تتخطّ الشطّ بعد، ولم تدخلْ إلى العمق بعدُ. قُم بالغوص، يا أخي، في السرّ العظيم للنعمة المجانية والمحبة التي أوصلت المسيح إلى الموت. وعندما تكونُ قد غصت أكبر مسافةٍ، فإنك ستدركُ أنك ما زلت بعيدًا عن القاع مثلما كنت عندما لمست السطح لأول مرةٍّ.” سبيرجن (Spurgeon)
- في واقع الأمر، عندما كتب بولس عَطِيَّتِهِ الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا، فإن الكلمة اليونانية القديمة المستخدمة لهذا المعنى هي anekdiegetos، وهي غيرُ موجودةٍ في أية كتاباتٍ سابقةٍ. وعلى ما يبدو، فإن بولس ابتكر هذه الكلمة ليعبّر عما لا يمكنُ وصفُه.
- فَشُكْرًا للهِ: يعني هذا أنه يفترض أن عطية الله الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا ما زالت تملؤنا بمشاعر العرفان بالجميل. فإذا فهمنا حقًا وقدّرنا عطية الله لنا التي لا يُعبّرُ عنْها، فستكونُ حياتُنا مشبعةً بالعرفان بالجميل.
- “نادرًا ما ننسى محننا وضيقاتنا. ونادرًا ما نتذكرُ مراحم الله تجاهنا. فقلوبُنا حيةٌ للتذمرُ والشكوى، لكنها ميتةٌ بالنسبة للعرفان بالجميل. لقد تلقّينا عشرات آلالاف من مراحم الله على دينونةٍ واحدةٍ، غير أن نسبة تذمُّرنا إلى شكرنا لله هو عشرةُ آلافٍ إلى واحدٍ! فكيف يحتملُ اللهُ هذا الأمر، وكيف يحتملُنا؟” كلارك (Clarke)
- عَطِيَّتِهِ الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا: كم هو ملائمٌ أن يختم هذين الأصحاحين حول العطاء بالتركيز على مثل هذا الأمر. فإن أفضل دافعٍ للعطاء هو دائمًا العرفانُ بالجميل على عطية الله لنا الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا. فهي التي تلهمُنا على العطاء الحقيقيّ.
- “يختمُ الرسول هذا الحديث حول المساهمة في غوث هؤلاء الفقراء المؤمنين، الذي هو رئيسُ كلّ نعمةٍ ومكمّلُها… فمن دون تأثير نعمةٍ كهذه، فما كان بمقدورهم أن يفعلوا شيئًا.” بووله (Poole)