رسالة كورنثوس الثانية – الإصحاح ٨
تشجيعٌ على العطاء وأمثلةٌ له
أولاً. أمثلةٌ وتشجيعٌ
أ ) الآيات (١-٥): المثالُ الأول للعطاء: مؤمني مكدونية
١ثُمَّ نُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ نِعْمَةَ ٱللهِ ٱلْمُعْطَاةَ فِي كَنَائِسِ مَكِدُونِيَّةَ، ٢أَنَّهُ فِي ٱخْتِبَارِ ضِيقَةٍ شَدِيدَةٍ فَاضَ وُفُورُ فَرَحِهِمْ وَفَقْرِهِمِ الْعَمِيقِ لِغِنَى سَخَائِهِمْ، ٣لِأَنَّهُمْ أَعْطَوْا حَسَبَ ٱلطَّاقَةِ، أَنَا أَشْهَدُ، وَفَوْقَ ٱلطَّاقَةِ، مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، ٤مُلْتَمِسِينَ مِنَّا، بِطِلْبَةٍ كَثِيرَةٍ، أَنْ نَقْبَلَ ٱلنِّعْمَةَ وَشَرِكَةَ ٱلْخِدْمَةِ الّتي للْقدّيسين. ٥وَلَيْسَ كَمَا رَجَوْنَا، بَلْ أَعْطَوْا أَنْفُسَهُمْ أَوَّلًا لِلرَّبِّ، وَلَنَا، بِمَشِيئَةِ ٱللهِ.
- نِعْمَةَ ٱللهِ: سيكتب بولس الآن عن كنائس أخرى وكيف أنها أمثلةٌ للعطاء. ويبيّنُ بولس في أولى كلماته القليلة حول هذا الموضوع أنه يعدّ كلًا من فرص العطاء والاستعداد للعطاء كهبةٍ من نِعْمَةَ ٱللهِ.
- كَنَائِسِ مَكِدُونِيَّةَ: كان الجزء الشمالي من اليونان يدعى مَكِدُونِيَّةَ. وأما الجزء الجنوبي فكان يدعى أخائية. وكانت مدينة كورنثوس تقعُ في منطقة أخائية. ويكتب بولس هنا عن المثال الذي رآه في كَنَائِسِ مَكِدُونِيَّةَ التي كانت موجودة في مدنٍ مثل فيلبي وتسالونيكي وبيرية.
- فِي اخْتِبَارِ ضِيقَةٍ شَدِيدَةٍ فَاضَ وُفُورُ فَرَحِهِمْ وَفَقْرِهِمِ الْعَمِيقِ لِغِنَى سَخَائِهِمْ: يحدّثُ بولس مؤمني كورنثوس عن مثال مؤمني مكدونية. فرغم أن المكدونيين كانوا فِي اخْتِبَارِ ضِيقَةٍ شَدِيدَةٍ، وفي فقرٍ عميقٍ، إلا أنهم أعطوا بكرمٍ (غِنَى سَخَائِهِمْ).
- لماذا كتب بولس عن العطاء أصلًا؟ ولمن كان جمعُ المال؟ كان بولس يجمعُ المال لمساعدة المؤمنين في أورشليم الذين كانوا فقراء جدًا. وقد سبق أن ذكر جهوده هذه في كورنثوس الأولى ١:١٦-٤.
- إن فقر المكدونيين أمرٌ يوثّقُه التاريخ العلماني. فقد سلب الرومان معظم ثروتهم عندما غزوا هذه الأرض التي كانت مسقط رأس الإسكندر الكبير.
- أَنَا أَشْهَدُ: عرف بولس أن المكدونيين أعطوا بطريقتين. أولًا، حَسَبَ ٱلطَّاقَةِ بمعنى أن مجموع ما قدّموه ليس كثيرًا جدًا. فلم يكن ما جمعوه كثيرًا. ثانيًا، بما أنهم أعطوا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ وأعطوا حسب القليل الذي كان لديهم، فقد أعطوا في الواقع فَوْقَ ٱلطَّاقَةِ.
- توضح رواية الأرملة في إنجيل لوقا ١:٢١-٤ النقطة نفسها. فهي لم تعطِ إلا فلسين، وهو مبلغٌ تافهٌ جدًا. وبذلك المعنى، أعطت حَسَبَ ٱلطَّاقَةِ. لكن بما أنها أعطت كلّ ما كان لديها – كان بإمكانها أن تحتفظ بأحد الفلسين لنفسها – فإنها أعطت فَوْقَ ٱلطَّاقَةِ. وكان نفسُ مبدأ العطاء واضحًا في كنائس مكدونية.
- “كان فلسا الأرملة يتجاوز عطاء الرجل الغنيّ الكبير، لأنهما خرجا من ذهنٍ أغنى.” تراب (Trapp)
- مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، مُلْتَمِسِينَ مِنَّا، بِطِلْبَةٍ كَثِيرَةٍ، أَنْ نَقْبَلَ ٱلنِّعْمَةَ: لم يضطرّ بولس إلى استجداء المال من مؤمني مكدونية (وهو أمرٌ ما كان ليفعله على أية حالٍ). وبدلًا من ذلك، كانوا مُلْتَمِسِينَ مِنَّا (يَرْجُونَنَا) أَنْ نَقْبَلَ ٱلنِّعْمَةَ!
- مُلْتَمِسِينَ مِنَّا: يعني هذا أن المكدونيين هم الذين رجوا بولس من أجل امتياز العطاء، ولم يرجُهم بولس من أجل المال.
- وهكذا، رغم أنه لم يكنْ لدى مؤمني مكدونية الكثيرُ ليعطوه، إلا أنهم أرادوا حقًا أن يعطوا. فقد رأوا أن العطاء امتياز. ولا يمكن أن يقاس كرم المؤمن بالمسيح بمقدار المبلغ الذي يعطيه. فغالبًا ما يكون الذين لديهم أقلُّ أكثر كرمًا بما يملكونه.
- “إن مثال المكدونيين برهانٌ عمليٌّ على أن الكرم الحقيقي ليس من حقّ الذين يتمتعون بوفرة الوسائل. وأعظم سخاءٍ حقيقيٍّ هو في الغالب ما يُظهرُه أولئك الذين يملكون أقلّ ويعطون. فلا يقدّرُ العطاءُ المسيحيُّ من منظور الكمية، بل من منظور التضحية.” هيوز (Hughes)
- وَلَيْسَ كَمَا رَجَوْنَا: أعطى مؤمنو مكدونية أكثر بكثيرٍ مما أملهُ بولس. فما الذي جعل عطاءهم رائعًا؟ لم يكن مبلغًا هائلًا. فقد أَعْطَوْا أَنْفُسَهُمْ أَوَّلاً لِلرَّبِّ، وَلَنَا، بِمَشِيئَةِ اللهِ. لماذا كان المكدونيين أمثلةً عظيمةً للعطاء؟ لأنهم أَعْطَوْا أَنْفُسَهُمْ أَوَّلاً لِلرَّبِّ، ثم أعطوا ثقتهم لبولس والرسل الآخرين.
- المسألة الحقيقية في العطاء ليست هي المال، بل في تقديم أنفسنا للربّ، وعندما نفعل هذا، فإن العطاء المادي سيتبعُ بشكلٍ طبيعيٍّ.
ب) الآيات (٦-٨): تشجيعُ بولس الرقيق الحكيم على العطاء
٦حَتَّى إِنَّنَا طَلَبْنَا مِنْ تِيطُسَ أَنَّهُ كَمَا سَبَقَ فَابْتَدَأَ، كَذلِكَ يُتَمِّمُ لَكُمْ هذِهِ النِّعْمَةَ أَيْضًا. ٧لكِنْ كَمَا تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ: فِي الإِيمَانِ وَالْكَلاَمِ وَالْعِلْمِ وَكُلِّ اجْتِهَادٍ وَمَحَبَّتِكُمْ لَنَا، لَيْتَكُمْ تَزْدَادُونَ فِي هذِهِ النِّعْمَةِ أَيْضًا. ٨لَسْتُ أَقُولُ عَلَى سَبِيلِ الأَمْرِ، بَلْ بِاجْتِهَادِ آخَرِينَ، مُخْتَبِرًا إِخْلاَصَ مَحَبَّتِكُمْ أَيْضًا.
- حَتَّى إِنَّنَا طَلَبْنَا مِنْ تِيطُسَ أَنَّهُ كَمَا سَبَقَ فَابْتَدَأَ، كَذلِكَ يُتَمِّمُ لَكُمْ هذِهِ النِّعْمَةَ أَيْضًا: كان يفترضُ في تيطس، رفيق بولس في العمل، بصفته حامل الرسالة، أن يشجع مؤمني كورنثوس على أن يعطوه التقدمة، وعندئذٍ يعطيها لبولس. وكان مفترضًا أن يتأكد من أنهم سيتممون ما سبق أن نووا أن يفعلوه.
- نعتقد أن مؤمنو كورنثوس أرادوا أن يعطوا بولس التقدمة التي جمعوها للمؤمنين في أورشليم. ولكن عندما تأزمت الأمور مع بولس، تراجعوا عن فكرة تسليمه التقدمة. فأحد أسباب مجيء تيطس لكورنثوس هو أن يتمم في المؤمنين هناك عَمَلَ النِّعمَةِ الَّذِي ابتَدَأهُ والتأكد من أنهم سيتممون ما وعدوا به.
- يُتَمِّمُ لَكُمْ هذِهِ النِّعْمَةَ: ربما نوى مؤمنو كورنثوس أن يعطوا، وربما فكّروا في العطاء، وربما كانوا يستحسنون فكرة العطاء. لكن هذا كلّه سيكونُ بلا فائدةٍ ما لم يفعلوا ذلك فعلًا… أن يُكمِلوا هذِهِ النِّعْمَةَ. فنيّاتُنا ونذورُنا بلا فائدةٍ من دون اتخاذ إجراءٍ عمليٍّ. آن الوقتُ لأن يعمل مؤمنو كورنثوس، وقد أُرسل تيطسُ لمساعدتهم في القيام بذلك.
- كَمَا تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ: هل نشتم نوعًا من السخرية هنا؟ على الأرجح. فإن كان مؤمنو كورنثوس يزدادون في الإِيمَانِ وَالْكَلاَمِ وَالْعِلْمِ وَكُلِّ اجْتِهَادٍ وفي محبتهم لبولس، فلا بدّ أنهم بدأوا للتوّ بفعل هذه الأمور. ولكن يرجحُ أن مؤمني كورنثوس ظنوا أن لديهم وفرةً من هذه الأشياء. وهكذا، فإن لسان حال بولس هو: “حسنًا، أنا أصدّقُكم. لديكم وفرةٌ بالفعل في هذه النواحي كلّها. فالآن، ازدادوا فِي هذِهِ النِّعْمَةِ أَيْضًا.”
- هذِهِ النِّعْمَةِ أَيْضًا: هذه هي المرة الرابعة منذ بداية هذا الأصحاح التي يشير فيها إلى العطاء المالي على أنه نعمةٌ. (نعمة الله… تقبلوا نعمة… تمموا هذه النعمة). ويستخدم بولس الكلمة اليونانية القديمة (charis) في وصف العطاء الماليّ، ويعني هذا عدة أشياء.
- إن القدرة على العطاء والقلب المحبّ للعطاء هبةٌ مجانيةٌ من الله. فالعطاء هو عمل نعمة الله فينا. فعندما تجد مؤمنًا كريمًا حقًا، فإن هذا يعني أن عملًا عظيمًا من الله قد تمّ في قلبه. فلا ينبغي أن نقول أبدًا: “هم فقط يريدون أن يكتبوا الشيكات من دون أن ينخرطوا.” لا، فالعطاء انخراط، وهو يبيّن عملًا حقيقيًا لنعمة الله في القلب.
- ينبغي أن يكون عطاؤنا مثل عطاء نعمة الله لنا: أن نعطي من تلقاء أنفسنا، بسخاءٍ، لأننا نريدُ أن نعطي. فعندما يعطينا الله بدافعٍ من نعمته، فإن الدافع للعطاء موجود في الله نفسه، ولا يرتكزُ على الذي يتلقّى. وهكذا ينبغي أن نعطي – لأن دافع محبة الله وكرمه كبيران في قلوبنا حتى إننا مدفوعون دفعًا إلى أن نعطي.
- ينبغي أن يقدّم عطاؤنا، شأنُه في ذلك شأنُ نعمة الله لنا، من دون توقُّع لحصول على مبلغٍ ماليٍّ في المقابل. فاللهُ لا يعطينا متوقعًا منّا أن نسدّد ما أعطاه لنا. فلا نستطيع أن نسدد ديون الله علينا. فما علينا إلا أن نخدمه ونحبّه بالمقابل.
- “حالما ترى أن مسألة العطاء تتمحورُ على هذه الكلمة الرائعة: النعمة. فهذه الطريقة من التفكير تبعد فكرة العطاء كليًا عن الأمور المالية وعن الضغط وعن الواجب وعن الالتزام والناموسية المجردة. فالنعمة تدفعنا لنعطي للآخرين كلّ ما هو رائعٌ وجميل وصالح ومجيد. يا لروعة هذه الكلمة، النعمة! فلا توجد أية ناحيةٍ في الحياة المسيحية تشعُّ فيها النعمةُ بهذه القوة والروعة عندما نعطي ونحن فقراء.” ريدباث (Redpath)
- لَسْتُ أَقُولُ عَلَى سَبِيلِ الأَمْرِ: لا يأمر بولس مؤمني كورنثوس بأن يعطوا. فقد عرف أن العطاء بناءً على الأمر ليس عطاءً على الإطلاق. إذ ندعو ذلك النوع من العطاء ضريبةً.
- بَلْ بِاجْتِهَادِ آخَرِينَ، مُخْتَبِرًا إِخْلاَصَ مَحَبَّتِكُمْ أَيْضًا: يوضّح بولس هنا نقطتين مهتمين. أولًا، يستطيعُ العطاء أن يقيس إخلاص محبتك. ثانيًا، يقارن بولس صراحةً عطاء مؤمني كورنثوس مع عطاء مؤمني مكدونية (بِاجْتِهَادِ آخَرِينَ، مُخْتَبِرًا إِخْلاَصَ مَحَبَّتِكُمْ).
- يودُّ كثيرون أن يعتقدوا أنه نستطيع أن نحبّ من دون أن نعطي، لكن ماذا تقول الآية في يوحنا الأولى ١٧:٣-١٨؟ “وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ الْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجًا، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ اللهِ فِيهِ؟ يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ!” وقال يسوعُ نفس الشيء تقريبًا في إنجيل متى ٢١:٦ “لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا.” فما نعطيه والكيفية التي نتممُ فيها تكريسنا للعطاء امتحانان مشروعان للمحبة.
- فضلًا عن ذلك، فإنه ليس من غير الإنصاف أن نقارن عطاءنا مع عطاء الآخرين، على الأقلّ بمعنى ما. فقد قارن يسوع عطاء الأرملة الفقيرة بعطاء الآخرين ( لوقا ١:٢١-٤). ولكن لا ينبغي أن نعتقد أن بولس يشجع على إقامة منافسةٍ في جمع المال بين مؤمني كورنثوس ومؤمني مكدونية. لكنه ببساطة يستخدم المكدونيين (الذين أعطوا الكثير حتى في فقرهم الشديد) كمثالٍ للعطاء.
- بما أنه كان لدى مؤمني كورنثوس أكثر مما كان لدى مؤمني مكدونية، ينبغي أن يعطوا أكثر. ويصوغ كالفن (Calvin) هذه الفكرة بوضوحٍ: “يدينُ الأثرياءُ لله بجزيةٍ ضخمةٍ، وليس لدى الفقراء سببٌ يدعوهم إلى الخجل إن كان عطاؤهم قليلاً”.
ج ) الآية (٩): المثالُ الثاني للعطاء: رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ
٩فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ.
- تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ: من هذا السياق، ومن كيفية استخدام بولس لكلمة النعمة في هذا النصّ، فإننا نعرفُ ما يعنيه بولسُ: “فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ عطية رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ.”
- وَهُوَ غَنِيٌّ: متى كان يسوعُ غنيًا؟ قبل أن يضيف ناسوته إلى لاهوته ومشى على أرضنا هذه. يشير بولس هنا بطريقةٍ غير مباشرةٍ، لكن أكيدةٍ، إلى ألوهية يسوع. إذ كان من المستحيل أن يكتب أنه ’وَهُوَ غَنِيٌّ‘ لو بدأ وجودُه في أحشاء مريم.
- ويا لهذا الغِنى! يسكن يسوع، الأقنوم الثاني الأزليّ في الثالوث، كابن الله، في قصور العاج في السماء (مزمور ٨:٤٥)، محاطًا على الدوام بمجد الله وقوّته وجلاله. فالغنى الذي تمتع يسوع به قبل أن يضيف ناسوته إلى لاهوته، يجعلُ أيّ قدْرٍ من الثروات والغنى على الأرض يبدو فقرًا.
- لاحظ أنه يقول إن يسوع افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ. كما أن يسوع أضاف ناسوته إلى لاهوته من دون أن يفقد لاهوته قط، هكذا أضاف أيضًا فقره، من دون أن يفقد غناه قط. “عاش الفقر، لكنه لم يفقدْ غناه. كان غنيًا من الداخل، وفقيرًا من الخارج. كان لاهوته مخفيًا في غناه، وكانت إنسانيتُه واضحةً في فقره.” هيوز (Hughes)
- أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ: عاش يسوع حياته الأرضية كرجلٍ فقيرٍ. ولا ينبغي أن تبالغ في فقر يسوع. إذ لم يكنْ متسولًا مُعْدمًا. لكن كان بمقدوره أن يقول: «للثّعالب أوْجرةٌ ولطُيُور السّماء أوْكارٌ، وأمّا ابْنُ الإنْسان فليْس لهُ أيْن يُسْندُ رأْسهُ». ( متى ٢٠:٨)
- عندما نقابلُ حياة يسوع البسيطة (افْتَقَرَ) مع وجوده السابق قبل إضافة الناسوت إلى اللاهوت، (وَهُوَ غَنِيٌّ)، فإننا نُذهلُ أكثر. فالفقرُ يبدو أسوأ بعد أن يكون المرءُ غنيًا.
- إنّ أكثر أمرٍ إذهالًا هو أن يسوع قبِلَ حياة الفقر البسيطة مِنْ أَجْلِكُمُ. كان هذا “عطاء” يسوع. لقد أعطى ماليًا بمعنى أنه قبِلَ حياة الفقر البسيطة (بينما كانت لديه كلُّ القوة والنفوذ كأغنى رجلٍ على الأرض في كلّ التاريخ)، وقد فعل هذا من أجلنا نحن.
- ما الذي دفع يسوع إلى أن يفتقر مِنْ أَجْلِكُم؟ كيف يفيدُنا فقرُه؟
- لأنه يرينا قلب الله المعطاء.
- لأنه يرينا الأهمية النسبية للأمور المادية.
- لأنه يجعلُ يسوع متاحاً للجميع.
- لأنه يوبخُ الكبرياء الذي يرفض أن يأتي إلى مخلصٍ فقيرٍ.
- لأنه يعطي الآخرين امتياز العطاء ليسوع.
- لأنه يشبعُ قلب الله ويحققُ إرادة الله وخطته، جاعلًا الخلاص أمرًا ممكنًا.
- لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ: بسبب فقر يسوع وكلّ ما يتصل به، يمكنُنا أن نستغني، أن نصبح أغنياء. فلدينا نصيبٌ في غِنى يسوع السماويّ الأبديّ لأنه جاء واشترك في فقرنا.
ثانياً. نصائح عملية حول العطاء
أ ) الآيات (١٠-١٢): تابعوا واكملوا استعدادكم السابق
١٠أُعْطِي رَأْيًا فِي هذَا أَيْضًا، لأَنَّ هذَا يَنْفَعُكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ سَبَقْتُمْ فَابْتَدَأْتُمْ مُنْذُ الْعَامِ الْمَاضِي، لَيْسَ أَنْ تَفْعَلُوا فَقَطْ بَلْ أَنْ تُرِيدُوا أَيْضًا. ١١وَلكِنِ الآنَ تَمِّمُوا الْعَمَلَ أَيْضًا، حَتَّى إِنَّهُ كَمَا أَنَّ النَّشَاطَ لِلإِرَادَةِ، كَذلِكَ يَكُونُ التَّتْمِيمُ أَيْضًا حَسَبَ مَا لَكُمْ. ١٢لأَنَّهُ إِنْ كَانَ النَّشَاطُ مَوْجُودًا فَهُوَ مَقْبُولٌ عَلَى حَسَبِ مَا لِلإِنْسَانِ، لاَ عَلَى حَسَبِ مَا لَيْسَ لَهُ.
- الآنَ تَمِّمُوا الْعَمَلَ أَيْضًا: سبق أن عبّر مؤمنو كورنثوس عن رغبتهم (إرادتهم) واستعدادهم للعطاء. والآن، آن الأوانُ ليفعلوا ذلك فعلًا!
- سيسمح لك إبليس بأن تصمم قدر ما تشاءُ – وكلما صمّمت أكثر كلما كان أفضل – ما دمت لا تنفذُ أيًّا منها على الإطلاق. “لا تكمن مأساة الحياة كثيرًا في أنه ليست لدينا حوافزُ عاليةٌ، بل في أننا نفشل في تحويلها إلى أفعالٍ.” باركلي (Barclay)
- كتب جون تراب (John Trapp) قبل ما يزيدُ عن ثلاثة قرونٍ: “يزخرُ هذا العصرُ بالكلام عن الرحمة، وهو كلامٌ جيدٌ ورخيصٌ، وهو لهذا مثلُ الفاكهة الموجودة عند كلّ سياجٍ، لكنّ حفنةً قليلةً منها تستحقُّ الأكل.” ويصحُّ هذا على عصرنا بشكلٍ أكبر!
- التَّتْمِيمُ أَيْضًا حَسَبَ مَا لَكُمْ: لا نستطيع أن نعطي ما لا نملكُ. فالله يحكم على عطائنا حسب مواردنا. غير أن مسألة ما نصرفُه وكيف نصرفُه مرتبطٌ بما نملكُه… ’مَا لَكُمْ.‘ فإذا أفرطت في الإنفاق ولم تعُد تملكُ شيئًا لتعطيه، فإنك لا تستطيعُ أن تقدم هذا العذر لله قائلًا: “حسنًا، ليس لديّ ما أعطيه.”
- إِنْ كَانَ النَّشَاطُ (النية) مَوْجُودًا: عندما نعطي، يبحثُ الله عن الاستعداد وعن الذهن الراغب. وهذه هي علاماتُ القلب الكريم أمام الله، وليس من المرجحّ وجودُه بين الأغنياء أكثر من الفقراء.
- فَهُوَ مَقْبُولٌ عَلَى حَسَبِ مَا لِلإِنْسَانِ، لاَ عَلَى حَسَبِ مَا لَيْسَ لَهُ: ومرةً أخرى، فإن الله لا يتوقعُ منا أن نعطي ما لا نملكُه. ولا يمكن قياس العطاء بالكمية. فقد يعطي شخصٌ مليون دولارٍ، ورغم ذلك لا يكون كافيًا. وقد يعطي آخر دولار واحدًا بروح تضحيةٍ وكرمٍ عظيمين. فالعطاءُ يقاس بالطاعة وبالنسبة وبالحاجة، لا بالكمية.
- عندما يثارُ موضوع العطاء، يسأل كثيرون: “كم يفترضُ بي أن أعطي؟” تُذكرُنا مبادئ بولس على مدى هذه الرسالة وغيرها من الرسائل بأنه لا يوجدُ جوابٌ واحدٌ لكلّ مؤمنٍ.
- يعودُ كثيرون إلى قانون العشور في العهد القديم، أي إعطاء عشرٍ بالمئة للربّ. وهذا مبدأٌ جيدٌ للعطاء. وربما يكونُ معيارًا واسعًا، غير أن العهد الجديد لا يأمرُ في أيّ موضعٍ بدفع العشور. ولكن العهد الجديد يتحدث بالتأكيد عن العشور بلغةٍ إيجابيةٍ إن تمّ بقلبٍ صحيحٍ (لوقا ٤٢:١١).
- يتحدث العهد الجديد بوضوحٍ كبيرٍ حول مبادئ العطاء. فهو يعلمُنا أن العطاء ينبغي أن يكون منتظمًا ومخططًا له وحسب النسبة وسرّيًّا ( كورنثوس الأولى ١:١٦-٤)، وأنه يتوجبُ أن يكون سخيًا وبحريةٍ وبسرورٍ (كورنثوس الثانية ٩).
- وبما أن العهد الجديد لا يشدد على مسألة العشور، قد يدفع هذا البعض للتغاضي عنه (مع أن بعض المؤمنين يعارضون العشور على أساس المصلحة الذاتية). ولكن، بما أن العطاء ينبغي أن يكون حسب النسبة، ينبغي أن نعطي نسبةً مئويةً. والعشرةُ بالمئة هدفٌ جيدٌ. غير أن إعطاء العشرة بالمئة لا يُعدّ كافيًا على الإطلاق بالنسبة لبعضهم. وبالنسبة لآخرين، في وقتهم الحالي، فإن خمسةً بالمئة تُعد خطوة إيمانٍ جبارةً.
- إذا كان سؤالُنا هو: “ما هي النسبةُ القليلةُ التي يمكنُ أن أعطيها لإرضاء الله؟” فإن قلْبُنا ليست سليمًا على الإطلاق. وينبغي أن تكون لدينا نظرةُ بعض المؤمنين الأوائل الذين قالوا بما معناه: “نحن لسنا تحت نظام العشور. ولهذا نستطيعُ أن نعطي أكثر!” إن العطاء والإدارة المالية مسألتان روحيتان، وليسا مسألتين ماليتين. ( لوقا ١١:١٦).
ب) الآيات (١٣-١٥): افهم القضية التي تعطي من أجلها
١٣فَإِنَّهُ لَيْسَ لِكَيْ يَكُونَ لِلآخَرِينَ رَاحَةٌ وَلَكُمْ ضِيقٌ، ١٤بَلْ بِحَسَبِ الْمُسَاوَاةِ. لِكَيْ تَكُونَ فِي هذَا الْوَقْتِ فُضَالَتُكُمْ لإِعْوَازِهِمْ، كَيْ تَصِيرَ فُضَالَتُهُمْ لإِعْوَازِكُمْ، حَتَّى تَحْصُلَ الْمُسَاوَاةُ. ١٥كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «الَّذِي جَمَعَ كَثِيرًا لَمْ يُفْضِلْ، وَالَّذِي جَمَعَ قَلِيلاً لَمْ يُنْقِصْ».
- فَإِنَّهُ لَيْسَ لِكَيْ يَكُونَ لِلآخَرِينَ رَاحَةٌ وَلَكُمْ ضِيقٌ: لم يكن مؤمنو كورنثوس يعطون لكي يصبح مؤمنو أورشليم أغنياء وكسالى على حسابهم. فقد كان بولس يأخذُ التقدمة لكي يبقى مؤمنو أورشليم على قيد الحياة فحسبُ. فلم يكن الهدفُ هو إثقال كاهل الكورنثيين أو تسهيل أمور مؤمني أورشليم.
- يحبُّ بعضُهم أن يقولوا: “أعط إلى أن يؤلمك العطاء! ثم واصل العطاء إلى أن يُشعرك العطاء بالراحة.” ولكن ليس هدفُ الله أن نعطي إلى أن يؤلمنا العطاءُ. وليس الهدفُ ابتلاء المعطي، بل إظهار قلب يسوع المعطاء المحبّ.
- “هذا التعليمُ ضروريٌّ لإفحام المتعصبين الذين يعتقدون أنك لم تفعل شيئًا إلى أن تجرد نفسك من كلّ شيءٍ تمامًا وتضع كلّ شيءٍ في صندوقٍ العطاء.” كالفن (Calvin)
- بَلْ بِحَسَبِ الْمُسَاوَاةِ: يرى بولس أن الوفرة الروحية (فُضَالَتُكُمْ) لمؤمني أورشليم باركتْ مؤمني كورنثوس. ولهذا يفترض أن يكون أمرًا صغيرًا أن يساهم الكورنثيون في وفرتهم المادية.
- ليست الْمُسَاوَاةِ التي يتحدثُ عنها بولس اشتراكيةً أو شيوعيةً، حيثُ يقالُ إن الجميع يعيشون على نفس المستوى الاقتصاديّ ولا يوجد من هو أغنى من الآخر. وبطبيعة الحال، فإن الاشتراكية والشيوعية شرّان. وربما تكون الأفكار نبيلةً نظريًّا، لكنها تصبح طغياناً عندما تتمُّ بتهديد السلاح. وعلى أية حالٍ، فإن هذا ليس هو نوع المساواة التي يقصدُها بولس. “أُقرُّ بالفعل أننا لسنا ملزمين بمثل هذه المساواة التي بموجبها يصبحُ خطأً للأغنياءٍ أن يعيشوا بطريقة أفضل من الفقراء. ولكن يجبُ أن تكون هنالك مساواةٌ بحيثُ لا يتضوّر أحدٌ جوعًا ولا يجني أحدٌ وفرةً على حساب شخصٍ آخر.” كالفن (Calvin)
- فِي هذَا الْوَقْتِ: يذكّرُ هذا مؤمني كورنثوس بأن هذه هي واقعُ الأمور الآن. وربما يكونُ هنالك وقتٌ لاحقٌ عندما تصبحُ الوفرةُ الروحيةُ لدى مؤمني كورنثوس تخدمُ وتباركُ القديسين في أورشليم، وأن تصبح الوفرةُ الماديةُ لدى مؤمني أورشليم تخدمُ وتباركُ مؤمني كورنثوس.
- لكننا لا نرى هنا أنّ مؤمني أورشليم قدموا ثرواتٍ “روحيةً” مقابل عونٍ ماديٍّ. إذ لم يكن القديسون في أورشليم “يبيعون” أمورًا روحيةً. “وبطبيعة الحال، فإن فكرة نقل الوزنات (الثروات الروحية والمادية) بين القديسين أمرٌ غريبٌ تمامًا على السياق.” برنارد (Bernard)
- «الَّذِي جَمَعَ كَثِيرًا لَمْ يُفْضِلْ، وَالَّذِي جَمَعَ قَلِيلاً لَمْ يُنْقِصْ»: يوضحُ اقتباس بولس من سفر الخروج ٢٨:١٦ هذا المبدأ. إذ جمع الجميعُ ما قدروا عليه، فبعضُهم جمع أكثر وبعضُهم أقلّ. لكنهم شاركوا جميعًا في ما جمعوه.
- يوضحُ هودج (Hodge) هذه النقطةُ جيدًا: “الملكيةُ، شأنُها شأنُ المنّ، لا تحتملُ التخزين.”
- “كلُّ ما لدينا هو المنُّ… وكما أن المنّ الذي تمّ تخزينُه بدافع الجشع أو الافتقار إلى الإيمان فسد فورًا، كذلك لا ينبغي أن يكون لدينا أيُّ شكٍّ في أن الثروات التي تكدّسُ على حساب إخوتنا ملعونةٌ وستهلكُ سريعًا، وسيدمّرُ مالكُها معها.” كالفن (Calvin)
ج ) الآيات (١٦-٢٤): كيفيةُ استقبال تيطس عندما يأتي مع رفاقه لاستلام التقدمة
١٦وَلكِنْ شُكْرًا للهِ الَّذِي جَعَلَ هذَا الاجْتِهَادَ عَيْنَهُ لأَجْلِكُمْ فِي قَلْبِ تِيطُسَ، ١٧لأَنَّهُ قَبِلَ الطِّلْبَةَ. وَإِذْ كَانَ أَكْثَرَ اجْتِهَادًا، مَضَى إِلَيْكُمْ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. ١٨وَأَرْسَلْنَا مَعَهُ الأَخَ الَّذِي مَدْحُهُ فِي الإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ الْكَنَائِسِ. ١٩وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ هُوَ مُنْتَخَبٌ أَيْضًا مِنَ الْكَنَائِسِ رَفِيقًا لَنَا فِي السَّفَرِ، مَعَ هذِهِ النِّعْمَةِ الْمَخْدُومَةِ مِنَّا لِمَجْدِ ذَاتِ الرَّبِّ الْوَاحِدِ، وَلِنَشَاطِكُمْ. ٢٠مُتَجَنِّبِينَ هَذَا أَنْ يَلُومَنَا أَحَدٌ فِي جَسَامَةِ هَذِهِ الْمَخْدُومَةِ مِنَّا. ٢١مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ، لَيْسَ قُدَّامَ الرَّبِّ فَقَطْ، بَلْ قُدَّامَ النَّاسِ أَيْضًا. ٢٢وَأَرْسَلْنَا مَعَهُمَا أَخَانَا، الَّذِي اخْتَبَرْنَا مِرَارًا فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ، وَلَكِنَّهُ الآنَ أَشَدُّ اجْتِهَادًا كَثِيرًا بِالثِّقَةِ الْكَثِيرَةِ بِكُمْ. ٢٣أَمَّا مِنْ جِهَةِ تِيطُسَ فَهُوَ شَرِيكٌ لِي وَعَامِلٌ مَعِي لأَجْلِكُمْ. وَأَمَّا أَخَوَانَا فَهُمَا رَسُولاَ الْكَنَائِسِ، وَمَجْدُ الْمَسِيحِ. ٢٤فَبَيِّنُوا لَهُمْ، وَقُدَّامَ الْكَنَائِسِ، بَيِّنَةَ مَحَبَّتِكُمْ، وَافْتِخَارِنَا مِنْ جِهَتِكُمْ.
- وَلكِنْ شُكْرًا للهِ الَّذِي جَعَلَ هذَا الاجْتِهَادَ عَيْنَهُ لأَجْلِكُمْ فِي قَلْبِ تِيطُسَ: هدفُ بولس هنا هو أن يوصيهم خيرًا بتيطس كحاملٍ جديرٍ بالثقة لمالهم.
- وَأَرْسَلْنَا مَعَهُ الأَخَ الَّذِي مَدْحُهُ فِي الإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ الْكَنَائِسِ: كانت هذه فرصةً للمفسرين للبحث لتحديد هوية الأَخ المذكور هنا. فمن هو؟
- رافق هذا الأَخ تيطس عندما ذهب إلى كورنثوس نيابةً عن بولس.
- كان هذا الأَخ معروفًا جيدًا وممتدحًا فِي الإِنْجِيلِ في جَمِيعِ الْكَنَائِسِ.
- انتخبت الكنائس هذا الأَخ رفيقًا لتيطس وحاملًا التقدمة (النِّعْمَة). وعدا ذلك، لا نعرفُ أيّ شيءٍ عن هذا الرجل.
- وكما يمكنُ أن تتوقع، فإن مفسري الكتاب المقدس مستعدون دائمًا لتحديد هوية ذلك الأَخ. ومن بين الأسماء المرشحة: لوقا وبرنابا وسيلا وتيموثاوس وغيرهم الكثير. ولكن لا أحد يعرفُ حقًا من هو. ويمكنُنا أن نقول بثقةٍ إن هذا الأمر ليس مهمًّا حقًا، وإلا لكان اللهُ قد أوضح المسألة.
- مُتَجَنِّبِينَ هَذَا أَنْ يَلُومَنَا أَحَدٌ فِي جَسَامَةِ هَذِهِ الْمَخْدُومَةِ (التقدمة) مِنَّا: لكي يتجنب بولس أية أقاويل حول دوره في جمع المال قام بإرسال تيطس ورفيقه لجمعه، ومعاً سيأخذونه مع بولس إلى أورشليم.
- قُدَّامَ النَّاسِ أَيْضًا: هذا تذكيرٌ بأن كل الأمور المادية في الكنيسة ينبغي أن تتمّ بشكلٍ علنيٍّ وسليمٍ. فقد اتخذ بولس كلّ الخطوات الضرورية لكيلا يلومه أحدٌ على أية إساءةٍ في إدارة المال. وقد استطاع بولس أن يكتب كشاعرٍ وأن يفكر كلاهوتيٍّ، لكنه استطاع أيضًا أن يتصرف بدقةٍ متناهيةٍ ونزاهةٍ كأفضل محاسبٍ ماليٍّ.
- فَبَيِّنُوا لَهُمْ، وَقُدَّامَ الْكَنَائِسِ، بَيِّنَةَ مَحَبَّتِكُمْ: هذا تشجيعٌ قويٌّ من بولس على العطاء. فطلب من مؤمني كورنثوس أن (يبيّنوا) أظهروا لتيطس ورفيقه، مجهول الاسم، عند وصولهما، برهان محبتهم الشديدة بتقدمة سخية.
- قدموا بسخاء لأن الْكَنَائِسِ ستعرفُ عنها أيضًا وستشكرُ الله على عمله بين الكورنثيين.
- قدموا بسخاء لأن التقدمة المعطاة ستكونُ بَيِّنَةَ (برهان) مَحَبَّتِكُمْ.
- قدموا بسخاء لأن بولس كان يتفاخرُ أمام الآخرين كيف أن مؤمني كورنثوس معطاءون.
- الفكرة الختامية واضحة. يطلب منهم بولس أن يرتفعوا إلى مستوى المناسبة وأن يعطوا بسخاء كما وصفهم.