رسالة كورنثوس الثانية – الإصحاح ١٠
كيف تحكمُ على رسولٍ
أولاً. هل يسلكُ بولس حسب الجسد؟
أ ) الآية (١): بولس يناشدُ الكورنثيين
١ثُمَّ أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ بِوَدَاعَةِ الْمَسِيحِ وَحِلْمِهِ، أَنَا نَفْسِي بُولُسُ الَّذِي فِي الْحَضْرَةِ ذَلِيلٌ بَيْنَكُمْ، وَأَمَّا فِي الْغَيْبَةِ فَمُتَجَاسِرٌ عَلَيْكُمْ.
- ثُمَّ أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ… أَنَا نَفْسِي بُولُسُ: يفتتحُ بولس هذا الأصحاح بتغييرٍ في النغمة. ويعتقد البعض أن كورنثوس الثانية الأصحاحات من ١٠-١٣ تشكلُ رسالةً مختلفةً أُضيفت بعد نهاية الأصحاح ٩. وهذا أمرٌ غيرُ مرجحٍ. لكن يبيّنُ أن بولس غيّر معدل سرعته في نهاية الرسالة.
- “بعد أن انتهى بولس من توجيهاته ونصائحه المتعلقة بجمع المال للفقراء، فإنه يواصلُ حجّته المتعلقة بالرسول الزائف الذي اكتسب شعبية لا بأس بها بتقديمه للقديس بولس بصفته حقيرًا في شخصه وخدمته وتأثيره.” كلارك (Clarke)
- أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ بِوَدَاعَةِ الْمَسِيحِ وَحِلْمِهِ: سيكونُ بولس في الأصحاحات القليلة التالية خشنًا نوعًا ما مع مؤمني كورنثوس. غير أنه يفعل ذلك بِوَدَاعَةِ الْمَسِيحِ وَحِلْمِهِ.
- الَّذِي فِي الْحَضْرَةِ ذَلِيلٌ بَيْنَكُمْ، وَأَمَّا فِي الْغَيْبَةِ فَمُتَجَاسِرٌ عَلَيْكُمْ: كشف بولس هنا عن الصراع الذي كان سائدًا بينه وبين الكنيسة في كورنثوس. فقالوا أنه كان يبدو متحفظًا وهو معهم، لكنه كان جريئًا في رسائله.
- الَّذِي فِي الْحَضْرَةِ ذَلِيلٌ بَيْنَكُمْ، وَأَمَّا فِي الْغَيْبَةِ فَمُتَجَاسِرٌ عَلَيْكُمْ: كيف يمكنُ أن يكون الشخص نفسُه ذليلًا (وضيعًا) ومتجاسرًا عليهم في أوقاتٍ أخرى؟ أليس هذا تناقضًا؟ أليس هذا تناقضًا مطلقًا؟ إن الذين لا يستطيعون أن يروا تلك الجسارة والوضاعة في الشخص نفسه لا يعرفون حياة يسوع جيدًا.
ب) الآية (٢): يأملُ بولس أن يغيّر الكورنثيون نظرتهم إليه ومؤهلاته كرسولٍ لكي يأتي إليهم بوداعةٍ، لا بقسوةٍ.
٢وَلكِنْ أَطْلُبُ أَنْ لاَ أَتَجَاسَرَ وَأَنَا حَاضِرٌ بِالثِّقَةِ الَّتِي بِهَا أَرَى أَنِّي سَأَجْتَرِئُ عَلَى قَوْمٍ يَحْسِبُونَنَا كَأَنَّنَا نَسْلُكُ حَسَبَ الْجَسَدِ.
- أَطْلُبُ أَنْ لاَ أَتَجَاسَرَ… عَلَى قَوْمٍ: تذكّرُنا كلمة ’قَوْمٍ‘ أنه لم يكن الجميع ضد بولس هناك. ربما يكونُ هؤلاء قلةً رفعوا أصواتهم ضدّه.
- قَوْمٍ يَحْسِبُونَنَا كَأَنَّنَا نَسْلُكُ حَسَبَ الْجَسَدِ: هذا جانبٌ آخر من الاتهامات الموجهة إلى بولس من بعض مؤمني كورنثوس. فقد قالوا إنه شخصٌ يسلكُ حَسَبَ الْجَسَدِ.
- لقد اتُّهم بذلك بسبب التناقض الذي رأوه: الوداعة والقسوة في آن واحد.
- سيدافعُ بولس في القسم التالي عن سلطته الرسولية: إنه لأمرٌ مهمٌ أن نرى مدى أهمية إحساس بولس بسلطته الرسولية. واليوم، صارت فكرة السلطة الرسولية رخيصةً لدى كثيرين من الذين يزعمون بأنهم “رسلٌ.”
ج ) الآيات (٣-٦): هل يخدمُ بولس حسب الجسد؟
٣لأَنَّنَا وَإِنْ كنَّا نَسْلُكُ فِي الْجَسَدِ، لَسْنَا حَسَبَ الْجَسَدِ نُحَارِبُ. ٤إِذْ أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، بَلْ قَادِرَةٌ بِاللهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ. ٥هَادِمِينَ ظُنُونًا وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ، ٦وَمُسْتَعِدِّينَ لأَنْ نَنْتَقِمَ عَلَى كُلِّ عِصْيَانٍ، مَتَى كَمِلَتْ طَاعَتُكُمْ.
- لأَنَّنَا وَإِنْ كنَّا نَسْلُكُ فِي الْجَسَدِ: بولس مستعدٌّ لأن يعترف بأنه يسلك حسب الجسد مثلنا جميعًا. فهو بشرٌ من لحمٍ ودمٍ، ويصارع في نفس الأمور التي كان يصارع فيها مؤمنو كورنثوس. ومع ذلك، أراد أن يوضح أنه لم يكن يحارب حسب الجسد (لَسْنَا حَسَبَ الْجَسَدِ نُحَارِبُ).
- إِذْ أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً: عندما حارب بولس، لم تكن أسلحتُهُ ماديةً بل روحيةً، أسلحة ملائمةً للحرب الروحية.
- لم تكن الأسلحة الجَسَدِيَّة التي رفضها بولس أسلحةً ماديةً مثل السيوف والرماح. فالأسلحة الجَسَدِيَّة التي شجبها هي طرقُ التلاعب والخداع التي استخدمها خصومُه. فلن يدافع بولس عن مؤهلاته الرسولية بأسلحةٍ جَسَدِيَّة استخدمها آخرون.
- يُدرجُ بولس في أفسس ٦ الأسلحة الروحية التي استخدمها: منطقة الحقّ ودرع البرّ وحذاء الإنجيل وترس الإيمان وخوذة الخلاص وسيف الروح. والاعتماد على هذه الأسلحة يعني اللجوء إلى الإيمان بدلًا من الأساليب الجَسَدِيَّة. ولكن هذه الأسلحة كانت فعلاً قَادِرَة بِاللهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ.
- مال الكورنثيون إلى الاعتماد على الأسلحة الجَسَدِيَّة في معاركهم الروحية وكانوا يعجبون بها:
- بدلًا من منطقة الحقّ، كانوا يحاربون بالتلاعب.
- بدلًا من درع البرّ، كانوا يحاربون بصورة النجاح.
- بدلًا من حذاء الإنجيل، كانوا يحاربون بكلماتٍ معسولةٍ.
- بدلًا من ترس الإيمان، كانوا يحاربون بإحساسهم بالقوة.
- بدلًا من خوذة الخلاص، كانوا يحاربون بالتسلط على الآخرين بسلطتهم.
- بدلًا من سيف الروح، كانوا يحاربون بمكائد وبرامج بشريةٍ.
- اعتمد يسوع على أسلحةٍ روحيةٍ عندما حارب من أجل خلاصنا. وتصفُ الآية في فيلبي ٦:٢-٨ هذا الأمر: “الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ.” فهذا النوعُ من الانتصار من خلال الطاعة المتسمة بالتواضع كان عثرةً لمؤمني كورنثوس لأنه بدا لهم أنه ’ضعيفٌ.‘ فالطريقة البشرية الجسدية تتمثل في التفوق والقوة والهيمنة والتلاعب والمناورة. وأما الطريقة الروحية، طريقة يسوع، فهي أن تتضع وتموت عن نفسك وأن تدع الله يُظهر قوة قيامته من خلالك.
- “بمنأى عن يقظةٍ قويةٍ وانتعاشٍ في الكنيسة، فإننا نحارب معركةً خاسرةً لأننا نقاومُ على مستوياتٍ جسديةٍ.” ريدباث (Redpath)
- يحتقر العالم أسلحتنا الروحية بينما تخشاها القوى الشيطانية. فعندما نحارب بأسلحةٍ روحية حقيقية، فلا يمكن أن تقف أمامنا أية رئاسات. “كما أن اللعاب الذي يخرج من فم الرجل يقتلُ الثعابين، كذلك يفعلُ ما يخرجُ من أفواه خدام الله الأمناء، فهم يقمعون ويقتلون التخيالات الشريرة والأفكار الجسدية، التي هي فيلقُ من الشياطين المحلية التي يدنو ذكاؤها من ذكاء الحية القديمة.” جون تراب (John Trapp)
- هَدْمِ حُصُونٍ: كلمة ’حُصُونٍ‘ في هذا السياق هي الأفكارُ والتصوراتُ الخطأُ، التي تناقض معرفة الله وطبيعته. ويعبّر عن هذه الحصون في ظُنُونٍ (حجج) وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ.
- الاعتمادُ على الأساليب الجسدية وعادة التفكير الجسديّ حصنٌ حقيقي. فهو يضرب جذوره في القلب والفكر ويلوّنُ كلّ تصرفاتنا وكلّ تفكيرنا. ومن الصعب أن نتخلى عن التفكير الذي يثمّنُ أشياء العالم وطرقه، لكن قوة الله تستطيعُ فعلًا أن تهدم هذه الحصون.
- في موطن بولس في كليكية، وقبل خمسين سنةً من ولادته، قامت الجيوشُ الرومانية بتدمير حصونٍ صخريةٍ كثيرةٍ لكي تهزم القراصنة الذين التجأوا إلى تلك الحصون. وربما رأى بولس آثار تلك المعركة وفكّر في المعركة اللازمة لقهر تلك الحصون.
- كتب ريدباث (Redpath) عن طريقةٍ عمليةٍ للمحاربة بالأسلحة الروحية وهدم الحصون: “عندما نسمع أن فلان أساء إلينا وانتقدنا، يقولُ الفكرُ الجسديُّ: “قمْ بهجومٍ مضادٍ!” ولكن الفكر الروحيّ يدركُ أنه ما من شيءٍ يمكنُ لأيّ شخصٍ أن يقوله عن أيّ شخصٍ أن يتجاوز نسبة واحدٍ بالمئة من الحقيقة لو عرفها فعلًا. ولهذا ليس لدينا سببٌ يدعو إلى الهجوم المضاد، لكنه سببٌ وجيهٌ لكي نخضع وننسى.”
- نشكرُ الله على أنه يمكنُ هدم الحصون! يروي كلارك (Clarke) بتعجُّبٍ عن حصن هُدم في التاريخ: “وبنفس الطريقة، هدمت عقائد الإصلاح، بمعونة الله، وأسرت النظام البابويّ كلّه. وبدلًا من الطاعة للبابا، المتظاهر بأنه نائبُ الله على الأرض، ترسخت الطاعةُ للمسيح بصفته الرأس الوحيد للكنيسة، وعلى نحوٍ خاصٍ في بريطانيا العظمى، حيثُ يستمرُّ ذلك! هللويا! فالربُّ الإله يسود!” آدم كلارك (Adam Clarke)
- ظُنُونًا وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ: إن طرق التفكير والتصرف الجسدية والدنيوية هي ظنون (حجج) ضدّ فكر الله وأساليبه. فهم يريدون أن يناظروا الله قائلين إن لديهم طريقةً أفضلً. وهم يمجدون أنفسهم ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ. يرون أنهم أكثرُ ذكاءً وأكثرُ تطوّرًا وأكثرُ فاعليةً وأكثرُ قوةً من طرق الله. كما تعتقدُ العقول الجسدية الدنيوية أنها تعرفُ أكثر مما يعرفُه الله!
- يتوجبُ علينا أن نذكّر أنفسنا أن بولس يتحدث إلى مؤمنين ذوي تفكيرٍ جسديٍّ دنيويٍّ. فهو لا يتحدثُ عن العالم هنا، بل عن مؤمني كورنثوس. وهم الذين كان لديهم تلك الحصونُ في عقولهم وقلوبهم. وهم من قدّموا حججًا ضدّ فكر الله وأساليبه وتمسّكوا بكُلّ عُلْوٍ يرْتفعُ ضدّ معْرفة الله. وسنفوّتُ بشكلٍ كاملٍ النقطة التي يريدُ أن يوضحها بولس إذا كنا نعتقد أن محبة التلاعب وصورة النجاح والكلمات المعسولة والإحساس بالقوة والتسلط على الآخرين والمكائد والبرامج البشرية هي مجردُ مشكلاتٍ بين غير المؤمنين. فقد تعامل بولس مع هذا القلب والفكر في الكنيسة.
- “لا يوجدُ ما هو مقاومٌ لحكمة الله الروحية أكثرُ من الحكمة الجسدية، ولا يوجدُ ما هو مقاومٌ لنعمته مثلُ قدرة الإنسان الطبيعية.” كالفن (Calvin)
- وَمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ: لكي نحارب هذه الطريقة الجسدية في التفكير والعمل، يتوجبُ أن تُستأسر أفكارُنا وتكون مطيعةً ليسوع.
- عندما نبدأُ بهذه الطريقة الجسدية، يتوجبُ علينا أن نوقف أفكارنا، وأن نهيمن عليها بقوة المسيح، وأن لا نشاكل هذا العالم، بل أن نتغير بتجديد أذهاننا (رومية ٢:١٢).
- إن أول تطبيقٍ يقدمُه بولس كان ضد التفكير الجسديّ الدنيويّ لمؤمني كورنثوس الذي جعلهم يحتقرون بولس و”ضعفه” مشكّكين في مؤهلاته كرسولٍ. ولكنّ لهذا المبدأ الذي طرحه بولس تطبيقًا أوسع. فنحن لسنا ضحايا عاجزين لأفكارنا. إذ يمكنُنا أن نوقف أفكارنا ونستأسرها إلى طاعة الْمسيح. فأفكارُ الشهوة وأفكارُ الغضب وأفكارُ الخوف وأفكارُ الجشع وأفكارُ المرارة وأفكارُ الشرّ – كلُّها جزءٌ من كلّ فكرٍ يمكنُ ويتوجبُ أن يُستأسر لطاعة المسيح.
- قد يعترضُ أحدُهم: “لا أريدُ لأفكاري أن تكون أسيرةً لأحدٍ. ولا أريدُ لأفكاري أن تكون أسيرةً ليسوع. أريدُ أن تكون أفكاري حرةً.” هذا خطأٌ في نقطتين على الأقلّ. أولًا، أنت تنتمي إلى شخصٍ، وهو في نهاية الأمر إمّا أن يكون يسوع أو إبليس. ثانيًا، إن كنت مؤمنًا بالمسيح، فأنت مقتنى اشتراه يسوع المسيح. فأنت تنتمي إليه. تعبّرُ كورنثوس الأولى ١٩:٦-٢٠ عن هذه الحقيقة هكذا: “أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيِ للهِ.”
- وَمُسْتَعِدِّينَ لأَنْ نَنْتَقِمَ عَلَى كُلِّ عِصْيَانٍ: كان بولس مستعدًا لمواجهة مؤمني كورنثوس وهدم الحصون بينهم إذا رفضوا أن يفعلوا ذلك بأنفسهم.
- يعتقدُ مفسرون كثيرون أن عبارة ’لأَنْ نَنْتَقِمَ عَلَى كُلِّ عِصْيَانٍ‘ مأخوذةٌ من واقع المحكمة العسكرية الرومانية. فيقول بولس: “نحن جنودٌ معًا في هذه المعركة، وأنا مستعدٌّ أن أجلب بعض التأديب لهذه القوات.”
- مَتَى كَمِلَتْ طَاعَتُكُمْ: لا يرى بولس فائدةً من مواجهة العصيان إلى أن يكون الذين أطاعوا يسوع قد صمّموا على فعل ذلك. وسيعطي وقتًا للذين يريدون أن يشجبوا الأسلحة الجسدية ليفعلوا ذلك. وعندئذ سيأتي لمعاقبة عصيان أولئك الذين يرفضون أن يشجبوا تلك الأسلحة الجسدية.
- “وضع الرسول هنا قانونًا ونموذجًا لكلّ الكنائس، حيث تسلكُ جموعٌ غفيرةٌ بشكلٍ مخلٍّ بكلمة الله. فلا ينبغي أن يتعجلوا في حرمانهم (طردهم من العضوية)، بل أن يتحركوا بشكلٍ تدريجيٍ، مستخدمين أولًا كلّ الوسائل المنصفة منتظرين بكلّ صبرٍ حتى يقوموا بواجبهم بوسائل لطيفةٍ ومنصفةٍ تؤدي إلى هذه النتيجة. وبعد ذلك ينبغي الانتقام لكرامة الله ومجده من أجل أولئك الذين يرفضون أن يُصْلحوا.” بووله (Poole)
د ) الآية (٧): كان لدى الكورنثيين اعتمادٌ جسديٌّ على المظاهر الخارجية.
٧أَتَنْظُرُونَ إِلَى مَا هُوَ حَسَبَ الْحَضْرَةِ؟ إِنْ وَثِقَ أَحَدٌ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ لِلْمَسِيحِ، فَلْيَحْسِبْ هذَا أَيْضًا مِنْ نَفْسِهِ: أَنَّهُ كَمَا هُوَ لِلْمَسِيحِ، كَذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمَسِيحِ!
- أَتَنْظُرُونَ إِلَى مَا هُوَ حَسَبَ الْحَضْرَةِ (المظهر الخارجي)؟ يشخّصُ بولس مشكلة مسببي المتاعب من الكورنثيين. إنهم لا ينظرون إلا إلى المظاهر الخارجية. وحسب تلك المظاهر الخارجية، يستنتجون أن بولس ضعيفٌ وغيرُ مثيرٍ للإعجاب.
- حَسَبَ الْحَضْرَةِ (المظهر الخارجي): يبدو أن بولس غير مثيرٍ للإعجاب فعلًا من حيثُ المظهرُ. وفي ما يلي وصفًا لبولس من الكتابات المسيحية الأولى التي ربما ترجع إلى ٢٠٠م: “ذو قامةٍ قصيرةٍ ورأسٍ أقرع ورجلين ملتويتين؛ حالةٍ جسميةٍ صحيةٍ مع حاجبين متّصلين وأنفٍ معقوفٍ نوعًا ما.” (اقتبسه كروز Kruse). فإن كان هذا الوصفُ صحيحًا حتى ولو من بعيد، فإنه ليس لديه ملامحُ حسنةٌ سحريةٌ.
- “بما أن بولس لم يتميّز في أيٍّ من الخصائص التي تكسب مديح أبناء العالم عادةً، فقد احتُقر بصفته واحدًا من القطيع الوضيع.” كالفن (Calvin)
- لكنهم لم يعرفوا بولس إلا على المستوى الخارجيّ السطحيّ. فالأشخاص الذين انتقدوا بولس وقالوا إن هنالك “بولسين” – واحدًا ينعكسُ في رسائله، وآخر واضحًا في شخصه – لم يعرفوا بولس إلا على مستوى سطحيٍّ فقط.
- أَنَّهُ كَمَا هُوَ لِلْمَسِيحِ، كَذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمَسِيحِ: يقول بولس: “إن كنتم تزعمون أنكم تنتمون إلى يسوع، فانظروا إلى أنفسكم. فربما لا يكون مظهركم الخارجي رائعًا، إلاّ أنكم تنتمون إلى يسوع. كَذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمَسِيحِ.”
- لا يريدُ أحدٌ منّا أن يُحكم عليه حسب مظهره الخارجيّ. فغالبًا ما نريدُ الناس أن يروا قلبنا. غير أن مؤمني كورنثوس رفضوا أن يعطوا بولس ما كانوا يريدون لأنفسهم.
- لا يقول بولس إنه خطأٌ أن تُمتحن مؤهلاتُ الرسول، لكن الكورنثيين استخدموا الامتحان الخطأ. إذ لم يحكموا إلا حَسَبَ الْحَضْرَةِ (المظهر الخارجيّ).
هـ ) الآيات (٨-١١): نظرةُ بولس إلى سلطته كرسولٍ
٨فَإِنِّي وَإِنِ افْتَخَرْتُ شَيْئًا أَكْثَرَ بِسُلْطَانِنَا الَّذِي أَعْطَانَا إِيَّاهُ الرَّبُّ لِبُنْيَانِكُمْ لاَ لِهَدْمِكُمْ، لاَ أُخْجَلُ. ٩لِئَلاَّ أَظْهَرَ كَأَنِّي أُخِيفُكُمْ بِالرَّسَائِلِ. ١٠لأَنَّهُ يَقُولُ: «الرَّسَائِلُ ثَقِيلَةٌ وَقَوِيَّةٌ، وَأَمَّا حُضُورُ الْجَسَدِ فَضَعِيفٌ، وَالْكَلاَمُ حَقِيرٌ». ١١مِثْلُ هذَا فَلْيَحْسِبْ هَذَا: أَنَّنَا كَمَا نَحْنُ فِي الْكَلاَمِ بِالرَّسَائِلِ وَنَحْنُ غَائِبُونَ، هكَذَا نَكُونُ أَيْضًا بِالْفِعْلِ وَنَحْنُ حَاضِرُونَ.
- وَإِنِ افْتَخَرْتُ شَيْئًا أَكْثَرَ: يبدو أن بولس غير مرتاحٍ للكتابة عن سلطته لأنه رجلٌ متواضعٌ تقيٌّ. وهو يستخدم كلمة ’افْتَخَرْت‘ (تباهيتُ) بطريقةٍ ساخرةٍ تقريبًا ليبيّن أنه لا يفضلُ الحديث عن سلطته. إذ يبدو له هذا وكأنه مباهاةٌ. وهو يدركُ أنه سيكون أفضل بكثيرٍ أن يقرّوا بسلطته لكيلا يضطرّ لأن يفتخر أكثر بهذه المسألة.
- الَّذِي أَعْطَانَا إِيَّاهُ الرَّبُّ لِبُنْيَانِكُمْ لاَ لِهَدْمِكُمْ: يقرُّ بولس أن يسوع يمنحُ السلطة في الكنيسة لسببٍ واحدٍ، ألا وهو أن يبني جسد المؤمنين (لِبُنْيَانِكُمْ)، لا لتمزيقكم (لِهَدْمِكُمْ).
- ينطبقُ هذا على كلّ مستوىً من السلطة يعطيه اللهُ. ففي البيت وفي مكان العمل وفي الإدارة الحكومية، رسّخ اللهُ مستوياتٍ من السلطة والخضوع. وقد فعل هذا للبناء لا للهدم.
- لِئَلاَّ أَظْهَرَ كَأَنِّي أُخِيفُكُمْ بِالرَّسَائِلِ. لأَنَّهُ يَقُولُ: «الرَّسَائِلُ ثَقِيلَةٌ وَقَوِيَّةٌ، وَأَمَّا حُضُورُ الْجَسَدِ فَضَعِيفٌ، وَالْكَلاَمُ حَقِيرٌ»: أحسّ محتقرو بولس بين الكورنثيين أن لديهم ’برهانًا‘ ضدّه. ويكمنُ الدليل في أن بولس بدا صلبًا في رسائله، لكن ضعيفًا وغير مثيرٍ للإعجاب في شخصه. فاستخدموا هذا كدليلٍ يعطيهم العذر في احتقارهم له كشخصٍ ضعيفٍ وذي وجهين.
- كان أكبرُ أخطائهم اعتمادهم على الْحَضْرَةِ (أي المظهر الخارجيّ) في الحُكم والتقييم. فقال محتقرو بولس إن “حضوره الجسديّ ضَعِيفٌ” فلم ينظروا إلاّ إلى المظهر. وقالوا أيضًا عن بولس إن “كلامه حَقِيرٌ” فلم يسمعوا إلا أسلوب العظة وكيفية تقديمها، لا الرسالة نفسها.
- استُخدم تواضعُ بولس واعتمادُه الكاملُ على قوة الله بدلًا من قوة الشخصية بإضافةً إلى رسائله القوية ضدّه. فكأنهم قالوا إن بولس مثلُ كلبٍ ينبحُ بقوةٍ عن بُعد، لكنه جبانٌ لدى المواجهة وجهًا لوجهٍ.
- مما نعلمُ عن خدمة بولس في سفر أعمال الرسل، يبدو أمرًا صعبًا أن نفهم كيف يمكنُ لأحدٍ أن يقول عنه، “ وَأَمَّا حُضُورُ الْجَسَدِ فَضَعِيفٌ، وَالْكَلاَمُ حَقِيرٌ.” ولكن ربما كان بولس مريضًا أثناء إقامته بين الكورنثيين، وربما جعلته حالتُه الصحيةُ يبدو كذلك.
- وفي الوقت نفسه، سواءٌ أكان ضعفُ بولس في حضوره الجسديّ وقدرته في الكلام أمرًا مؤقتًا أم دائمًا، فإنه لم يزعج بولس. فقد عرف أنه عندما يكون ضعيفًا، كان هذا يعطي قدرةُ الله مزيدًا من الفرص للعمل.
- مِثْلُ هذَا فَلْيَحْسِبْ: يكتبُ بولس إلى محتقريه بوضوحٍ كاملٍ: “إذا أردتم بولس ’الخشن‘ فسيكونُ خشنًا معكم. سآتي إليكم بكلّ السلطة التي أظهرتُها في رسائلي.” فإذ عرف الكورنثيون مدى جدية بولس سيفهمون أنها رسالةُ تحذيرٍ قويةٌ.
- يرجحُ أن مثيري المتاعب بين الكورنثيين أرادوا بولسًا رقيقًا ثابتًا، بولسًا أحسّوا بأنهم يمكن أن يحتقروه ويضايقوه كما يريدون. ولكن إذا رفضوا أن يتغيروا، فسيحصلون على بولس الثابت – لكن بولس القاسي أيضًا.
ثانياً. قياسات سليمة وغير سليمة للخدمة
أ ) الآية (١٢): القياسُ الخطأُ للخدمة
١٢لأَنَّنَا لاَ نَجْتَرِئُ أَنْ نَعُدَّ أَنْفُسَنَا بَيْنَ قَوْمٍ مِنَ الَّذِينَ يَمْدَحُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَلاَ أَنْ نُقَابِلَ أَنْفُسَنَا بِهِمْ. بَلْ هُمْ إِذْ يَقِيسُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَيُقَابِلُونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، لاَ يَفْهَمُونَ.
- لأَنَّنَا لاَ نَجْتَرِئُ أَنْ نَعُدَّ أَنْفُسَنَا بَيْنَ قَوْمٍ مِنَ الَّذِينَ يَمْدَحُونَ أَنْفُسَهُمْ: بغض النظر عن هوية خصوم بولس ومنتقديه بين مؤمني كورنثوس، فإنهم كانوا يقدّرون أنفسهم تقديرًا عاليًا. ولا يريدُ بولس أن يصنّف (نَعُدَّ) نفسه بين هؤلاء الجسديين الدنيويين على الإطلاق.
- هنالك أشخاصٌ كثيرون مستعدون أن يمدحوا أنفسهم. ولا يفعلُ معظمُهم ذلك جهارًا، لكنهم يفعلون ذلك سرًا في أذهانهم. “إنهم ممتلئون بالكبرياء والغرور الذاتيّ. يبحثون داخل أنفسهم عن إنجازاتٍ لن تجدها سريعًا إلا محبتُهم للذات. والحقيقةُ والوهمُ سيّان بالنسبة لها.” كلارك (Clarke)
- “صل لكي تُحفظ من هذه الذروة الخطرة من تمجيد الذات. اِبحث في ناموس الحرية الكامل واقترب إلى الله. فكلما اقتربنا إلى الله، وجدنا مزيدًا من النتانة في عظامنا.” تراب (Trapp)
- يَقِيسُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَيُقَابِلُونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ: يفسرُ هذا لماذا نظر منتقدو بولس من الكورنثيين إلى أنفسهم نظرة تقديرٍ عاليةً. ففي طرقهم الدنيوية من التفكير، كانوا يَقِيسُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَيُقَابِلُونَ (يقارنون) أَنْفُسَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ.
- يعني هذا أمرين. أولًا، يعني هذا أنك تجعلُ نفسك مقياسًا للآخرين. ثانيًا، يعني أنك تجعلُ الآخرين مقياسًا لنفسك.
- كان هذا خطأً لسببين على الأقلّ. أولًا. يبدو أنه لم يكن هنالك الكثير من المؤمنين الروحيين حقًا بين مؤمني كورنثوس لكي يقارنوا أنفسهم معهم. أيُّ قدرٍ من المديح يمكنُ أن يشكل هذا لأكثر الأشخاص روحانيةً بين مؤمني كورنثوس؟ ثانيًا، كان خطأً لأنه كان يقاسُ على ميزانٍ بشريٍّ فقط، مركزًا على المظهر الخارجي. فعندما ندعُ الروح القدس يقيسُنا من خلال كلمة الله، فإنه يقيسُنا على ميزان الله، وهو ينظرُ إلى القلب.
- ينبغي توصيلُ هذا الأمر إلى الرعاة وقادة الكنيسة اليوم: كفّوا عن قياس أنفسكم بأنفسكم، وتوقّفوا عن قياس أنفسكم فيما بينكم. فلا ينبغي أن نجعل أنفسنا قياسًا للآخرين، شاعرين بأننا متفوّقون عليهم إذا كنّا أكثر نجاحًا من خلال المظاهر الخارجية. ومن جهةٍ أخرى، لا ينبغي أن نجعل الآخرين قياسًا لنا، بحيث نحسُّ بأننا فاشلون إذا كانوا أكثر نجاحًا حسب المظاهر الخارجية.
- لاَ يَفْهَمُونَ (غير حكماء): هذا تحليلٌ بسيطٌ لنهج الكورنثيين في قياس أَنْفُسَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ومقابلة أَنْفُسَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ. فليس هذا شيئًا من الحكمة، ولا هو ذكاءً منهم، كما أنه ليس من الله.
ب) الآيات (١٣-١٦): القياسُ الحقيقيُّ للخدمة
١٣وَلكِنْ نَحْنُ لاَ نَفْتَخِرُ إِلَى مَا لاَ يُقَاسُ، بَلْ حَسَبَ قِيَاسِ الْقَانُونِ الَّذِي قَسَمَهُ لَنَا اللهُ، قِيَاسًا لِلْبُلُوغِ إِلَيْكُمْ أَيْضًا. ١٤لأَنَّنَا لاَ نُمَدِّدُ أَنْفُسَنَا كَأَنَّنَا لَسْنَا نَبْلُغُ إِلَيْكُمْ. إِذْ قَدْ وَصَلْنَا إِلَيْكُمْ أَيْضًا فِي إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ. ١٥غَيْرَ مُفْتَخِرِينَ إِلَى مَا لاَ يُقَاسُ فِي أَتْعَابِ آخَرِينَ، بَلْ رَاجِينَ إِذَا نَمَا إِيمَانُكُمْ أَنْ نَتَعَظَّمَ بَيْنَكُمْ حَسَبَ قَانُونِنَا بِزِيَادَةٍ، ١٦لِنُبَشِّرَ إِلَى مَا وَرَاءَكُمْ. لاَ لِنَفْتَخِرَ بِالأُمُورِ الْمُعَدَّةِ فِي قَانُونِ غَيْرِنَا.
- حَسَبَ قِيَاسِ الْقَانُونِ الَّذِي قَسَمَهُ لَنَا اللهُ (ضِمنَ حُدودِ الخِدْمَةِ): لم تكن سلطةُ بولس في الكنيسة غير محدودةٍ. فقد أعطاه اللهُ حدودًا (قانونًا) للسلطة يشملُ مؤمني كورنثوس، وبشكلٍ خاصٍّ لأنه كان قد أسّس تلك الكنيسة (إِذْ قَدْ وَصَلْنَا إِلَيْكُمْ أَيْضًا فِي إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ).
- تأتي فكرة قِيَاسِ الْقَانُونِ (ضِمنَ حُدودِ الخِدْمَةِ) من فكرة الحارات المخصّصة للعدّائيين في السباق. وسيفهمُ الكورنثيون هذه الفكرة لأنهم كانوا يحبون السباقات وكانوا يقيمون ألعابًا رياضيةً في تلك المدينة. ويقولُ بولس: “أنا أركضُ في حارتي الخاصة، لا في حارة شخصٍّ آخر.”
- لكلّ سلطةٍ تقيةٍ مجالٌ أو حدود (الْقَانُونِ). ومن المهمّ للشخص الذي يتمتعُ بالسلطة أن لا يمارس السلطة خارج مجاله، ومن المهمّ للشخص تحت السلطة أن يقرّ بمجال السلطة الذي تحته.
- رَاجِينَ إِذَا نَمَا إِيمَانُكُمْ أَنْ نَتَعَظَّمَ بَيْنَكُمْ حَسَبَ قَانُونِنَا بِزِيَادَةٍ: عندما ينمو الكورنثيون في النضج وفي الامتداد، ستنمو كنيستُهم وسيزرعون كنائس أخرى. ومن شأن هذا الامتداد أن يوسّع مجال (قانون) سلطة بولس.
- غَيْرَ مُفْتَخِرِينَ إِلَى مَا لاَ يُقَاسُ فِي أَتْعَابِ آخَرِينَ: لماذا يؤكدُ بولس النقطة أنه لا يمارسُ ولن يمارس سلطةً في مجال شخصٍ آخر؟ على الأرجح أن هذا هو تمامًا ما كان يفعلُه خصومُه من الكورنثيين. حاولوا أن يفتخروا في مجال إنجازات بولس.
- وبدلًا من ذلك، كان يرغبُ بولس في أن يكرز بالإنجيل متخطيًا حدود تلك المنطقة (لِنُبَشِّرَ إِلَى مَا وَرَاءَكُمْ) لم يكنْ مهتمًا بالبناء على أساس شخصٍ آخر، ولم يرد أن يعتدي على نطاق سلطة شخصٍ آخر.
- “إنه أمرٌ غيرُ أخلاقيٍّ وبغيضٌ وآثمٌ جدًا أن يُقحم شخصٌ نفسه في أتعاب أشخاصٍ آخرين ويُلهيهم ويقسّمُهم عن طرق زرع النزاعات المشكوك فيها بين جماعةٍ مسيحيةٍ ليحصل على مغانم لنفسه… فهذا شرٌّ ساد في كلّ عصور الكنيسة، ويوجد الكثير منه الآن في العالم المسيحيّ، وهذا عارٌ على المسيحية.” كلارك (Clarke)
ج ) الآيات (١٧-١٨): أهمية مديح الرب
١٧وَأَمَّا: «مَنِ افْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ». ١٨لأَنَّهُ لَيْسَ مَنْ مَدَحَ نَفْسَهُ هُوَ الْمُزَكَّى، بَلْ مَنْ يَمْدَحُهُ الرَّبُّ.
- «مَنِ افْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ»: عندما يقتبسُ بولس إرميا ٢٤:٩، فإنه يوبّخُ مؤمني كورنثوس الذين افتخروا إمّا ببولس أو ضدّه. إذ يشجبُ بولس هذا كلّه مبيّنًا أنه لا ينبغي أن نتباهى بأنفسنا أو بشخصٍ آخر أو ضدّ آخر – بل ينبغي أن نفتخر بالربّ.
- لعلّ بولس أراد أن يحرك عقولهم لكي يتذكروا سياق الاقتباس من إرميا: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ يَفْتَخِرَنَّ الْحَكِيمُ بِحِكْمَتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْجَبَّارُ بِجَبَرُوتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْغَنِيُّ بِغِنَاهُ. بَلْ بِهذَا لِيَفْتَخِرَنَّ الْمُفْتَخِرُ: بِأَنَّهُ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُنِي أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ، لأَنِّي بِهذِهِ أُسَرُّ، يَقُولُ الرَّبُّ». كان الكورنثيون ميّالين إلى الافتخار بالحكمة والقوة والغنى بدلًا من الافتخار بالربّ.
- إن ما هو رائعٌ في مسألة الافتخار بالربّ هو أنه يمكنُنا أن نفعله على الدوام. فلا يوجد من هو عالٍ بحيث لا يستطيع أن يفتخر بالربّ. ولا يوجد من هو وضيعٌ بحيثُ لا يستطيع أن يفتخر بالربّ. إذ يمكنُنا جميعًا أن نفتخر بالربّ.
- لأَنَّهُ لَيْسَ مَنْ مَدَحَ نَفْسَهُ هُوَ الْمُزَكَّى، بَلْ مَنْ يَمْدَحُهُ الرَّبُّ: لا يهمُّ كيف تتكلم عن إنجازاتك الخاصة. فإن ما يقولُه الله هو ما يهمُّ، وهو ما سيثبتُ إلى الأبد.
- أراد بولس احترام مؤمني كورنثوس، لكنه أراد ذلك من أجلهم لا من أجله شخصيًا. فقد عرف أنهم كانوا برفضهم له يضرّون بنموهم ونضجهم. أما بالنسبة له، فقد كان مكتفيًا باستحسان الربّ له. وهذه هي النقطة التي يتوجبُ على كلّ مؤمنٍ بالمسيح، ولا سيما كلّ شخصٍ في الخدمة، أن يصلوا إليها. إنه لأمرٌ خطرٌ أن يمدح المرء نفسه أو أن يستحسن نفسه.
- “ينبغي النظرُ إلى الثناء على الذات، في الكنيسة المسيحية، بشكٍّ باعتباره علامةً على عدم الأهلية.” هيوز (Hughes)