رسالة كورنثوس الثانية – الإصحاح ٣
مجد العهد الجديد
أولاً. رسالةُ توصيةٍ لبولس
أ ) الآيات (١-٢): هل يحتاجُ بولسُ إلى رسالة توصيةٍ؟ نعم، لديه رسالةُ توصيةٍ، وهي المؤمنون في كورنثوس.
١أَفَنَبْتَدِئُ نَمْدَحُ أَنْفُسَنَا؟ أَمْ لَعَلَّنَا نَحْتَاجُ كَقَوْمٍ رَسَائِلَ تَوْصِيَةٍ إِلَيْكُمْ، أَوْ رَسَائِلَ تَوْصِيَةٍ مِنْكُمْ؟ ٢أَنْتُمْ رِسَالَتُنَا، مَكْتُوبَةً فِي قُلُوبِنَا، مَعْرُوفَةً وَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ.
- رَسَائِلَ تَوْصِيَةٍ: كانت رسائلُ التوصية أمرًا شائعًا وضروريًا في الكنيسة الأولى. إذ كان يمكنُ أن يسافر نبيٌّ زائفٌ أو رسولٌ زائفٌ من مدينةٍ إلى أخرى ويقول ببساطةٍ: “أرسلني بولسُ، ولهذا ينبغي لكم أن تدعموني.” ومن أجل تجُّنب مشكلاتٍ كهذه، غالبًا ما كان يتمُّ إرسالُ رسائل توصيةٍ مع مؤمنين عند سفرهم.
- قام بولسُ نفسُه بإرسال رَسَائِلَ تَوْصِيَةٍ مراتٍ كثيرةً ( رومية ١:١٦-٢؛ كورنثوس الأولى ٣:١٦؛ ١٠:١٦-١١؛ كورنثوس الثانية ١٦:٨-٢٤). وهو الآن يصفُ رسالة توصيته.
- أَنْتُمْ رِسَالَتُنَا: يمتلكُ بولسُ رسالة توصيةٍ، لكنها لم تدوّن على ورقٍ. فهو يقولُ إن الرسالة مَكْتُوبَةً فِي قُلُوبِنَا، وإنها مَعْرُوفَةً وَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ.
- لم يكنْ هنالك عيبٌ في رسالة توصيةٍ مكتوبةٍ على ورقٍ، لكن من الأفضل بكثيرٍ أن يكون لدينا رسالةُ توصيةٍ حية! فالمؤمنون في كورنثوس ومؤمنون آخرون، كانوا هم رسالة توصية بولس ’الحية‘ الذين يثبتون شرعية خدمته.
- لعلّ أفضل تشبيه لرسالة التوصية في عالمنا المعاصر هو شهادة الرسامة. فيعتقدُ كثيرون أن شهادة الرسامة تعني أن لديك الوثائق الثبوتية أو المؤهلات للخدمة. ومع أنه يوجدُ قصدٌ مهمٌّ في الرسامة العلنية للخدمة، إلا أن الورقة في حدّ ذاتها لا يمكنُ أن تكون مؤهلًا صحيحًا أو ملائمًا. فالوثائقُ الثبوتيةُ الحقيقيةُ للخدمة هي حياةُ أشخاصٍ تغيروا. فهم رسائلُ حيةٌ. ربما نكادُ نقول: احتفظ بورقتك لنفسك وأرنا أشخاصًا تغيروا بفضل خدمتك.
- “لا شيء يشيدُ بالخادم مثل مهارة شعبه.” بووله (Poole) “إن إثمار الشعب هي شهادةُ الواعظ.” تراب (Trapp)
- يعتقدُ كثيرون أن السبب الرئيسيّ وراء منْح الله الآيات والمعجزات بين الرسل في سفر الأعمال هو أن تكون بمثابة ’رسالة توصية‘ لخدمتهم الرسولية. فإن كان هذا صحيحًا، فيبدو منطقياً أن تتوقف المعجزات بغياب الرسل عن المشهد، فلم يعد هنالك حاجة لإثبات مصداقيتهم الرسولية. غير أنه أمرٌ ذو دلالةٍ أن بولس لم يقل: ’المعجزاتُ هي رسائلُ توصيتنا.‘ فيبدو أن بولس لم يكن يعتقدُ بأن رسالة التوصية الرئيسية تتمثلُ في المعجزات والآيات، بل في تغيير حياة الأشخاص بشكلٍ معجزيٍّ.
ب) الآية (٣): كتابةُ رسالة توصية بولس
٣ظَاهِرِينَ أَنَّكُمْ رِسَالَةُ الْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا، مَكْتُوبَةً لاَ بِحِبْرٍ بَلْ بِرُوحِ اللهِ الْحَيِّ، لاَ فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ بَلْ فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ.
- رِسَالَةُ الْمَسِيحِ: إن لرسالة التوصية ببولس مؤلفًا، وهو يسوعُ المسيحُ. كان المؤمنون في كورنثوس رسالة توصيةٍ ببولس حقًا، غير أنه أدرك أنه ليس هو الذي كتبها، بل كتبها يسوعُ! ولا يحاولُ بولسُ هنا أن يقول لهم: “أنا جعلتُكم مؤمنين بالمسيح،” لكنه يقولُ: “لقد استخدمني اللهُ في جعلكم مؤمنين بالمسيح.”
- مَخْدُومَةً مِنَّا: كُتبت رسالةُ التوصية ببولس بقلمٍ، وكان بولسُ نفسُهُ هو ’القلم.‘ إذ كتب في حياة الشعب الذي خدمه.
- مَكْتُوبَةً لاَ بِحِبْرٍ بَلْ بِرُوحِ اللهِ الْحَيِّ: كُتبت رسالةُ التوصية ببولس ’بحبرٍ،‘ وكان الروحُ القدسُ هو ذلك ’الحبر.‘
- فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ بَلْ فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ: كُتبت رسالةُ التوصية ببولس على ورقٍ أو أَلْوَاح، وكان ’الورقُ‘ قلوب المؤمنين في كورنثوس.
- تطلّع العهدُ القديمُ إلى مجيء العهد الجديد، حين سيُكتبُ ناموسُ الله في قلوبنا ( إرميا ٣٣:٣١). وقال إن الله سيعطي قلوبًا لحميةً لتحلّ محل القلوب الحجرية (حزقيال ٩:١١؛ ٢٦:٣٦).
ج ) الآيات (٤-٦): خدّامٌ أكفاءُ لعهدٍ جديدٍ
٤وَلكِنْ لَنَا ثِقَةٌ مِثْلُ هذِهِ بِالْمَسِيحِ لَدَى اللهِ. ٥لَيْسَ أَنَّنَا كُفَاةٌ مِنْ أَنْفُسِنَا أَنْ نَفْتَكِرَ شَيْئًا كَأَنَّهُ مِنْ أَنْفُسِنَا، بَلْ كِفَايَتُنَا مِنَ اللهِ، ٦الَّذِي جَعَلَنَا كُفَاةً لأَنْ نَكُونَ خُدَّامَ عَهْدٍ جَدِيدٍ. لاَ الْحَرْفِ بَلِ الرُّوحِ. لأَنَّ الْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلكِنَّ الرُّوحَ يُحْيِي.
- لَنَا ثِقَةٌ مِثْلُ هذِهِ بِالْمَسِيحِ لَدَى اللهِ: يعرفُ بولسُ أنّ ما قد كتبه للتوّ قد يبدو وكأنه ينمُّ عن الكبرياء في أسماع المؤمنين في كورنثوس. فما يقولُه ليس أمرًا قليلًا: ’أنتم رسالةُ توصيتي‘ و ’أنا قلمٌ في يد الله.‘ يعرفُ بولسُ أنها أفكارٌ كبيرةٌ، لكن مصدر هذه الأفكار هو يسوعُ، لا بولسُ نفسُه.
- لَيْسَ أَنَّنَا كُفَاةٌ مِنْ أَنْفُسِنَا: لا يعُدُّ بولسُ نفسه كفؤًا لهذه المهمة العظيمة في تغيير حياة الناس من أجل يسوع. فيسوعُ وحده كفؤٌ لمثل هذه المهمة الكبيرة.
- يرفضُ بعضُ الأشخاص أن يستخدمهم اللهُ لأنهم يعتقدون أنهم ’غيرُ مستعدين،‘ ولكننا، بمعنى ما، لسنا أبدًا مستعدين أو مستحقين. فلو كنا كذلك، ستكونُ الكفايةُ في أنفسنا وليست من الله.
- “أيها الإخوةُ، إن كان بولسُ غير كفؤٍ في حدّ نفسه، فماذا نكونُ أنا وأنت؟ افحص نفسك… هل أنت منغمسٌ في حلم الكفاية الذاتية؟ اِخجلْ من حماقتك في حضرة رجلٍ عظيمٍ عرف ما كان يقولُه، وتحدّث بإشراف روح الله، وكتب: ’لسنا كُفاةً من أنفسنا.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- “كفايتُنا من الله؛ دعنا نفرحْ بهذه الحقيقة بشكلٍ عمليٍّ. فنحن أوانٍ سيئةٌ مُسربةٌ. والطريقةُ الوحيدةُ لنبقى ممتلئين هي أن نضع إبريقنا تحت التدفق المستمرّ للنعمة غير المحدودة. وعندئذٍ، رغم وجود التسرُّب، ستبقى الكأسُ دائمًا ممتلئةً حتى الحافة.” سبيرجن (Spurgeon)
- خُدَّامَ عَهْدٍ جَدِيدٍ: فكرةُ مجيء عهدٍ جديدٍ أمرٌ تنبأ به أنبياءُ العهد القديم ( إرميا ٣١:٣١) وطبقه يسوع ( لوقا ١٩:٢٢-٢٠).
- حملت الكلمةُ اليونانيةُ القديمةُ (diatheke) المترجمةُ إلى ’عَهْدٍ‘ المعنى العاديّ ’لآخر وصيّةٍ.‘ ويعززُ استخدامُ بولس لهذه الكلمة سيادة الله، لأن العهد ليس تسويةً تمّ التوصل إليها عن طريق التفاوض، بل هو مرسومٌ إلهيٌّ.
- تصف كلمة ’عَهْدٍ‘ ترتيبًا قام به طرفٌ تمتّع بنفوذٍ مطلقٍ، ويمكن للطرف الثاني أن يقبله أو يرفضه لكن لا يستطيعُ أن يغيّره… فالعهد الذي قدّمه اللهُ للإنسان لم يكن يجمع بين طرفين متساويين.” مولتون (Moulton) وموليجان (Milligan)
- يقدّمُ هذا العهدُ الجديدُ الشروط التي يمكنُ بموجبها أن نحصل على علاقةٍ بالله متمركزةٍ حول يسوع وعمله من أجلنا.
- لاَ الْحَرْفِ بَلِ الرُّوحِ: عندما يقابلُ بولسُ بين الْحَرْفِ والرُّوحِ، فإنه لا يفضلُ ’الخبرة‘ (الاختبار) على ’الكلمة،‘ ولا يفضلُ التفسيرات الرمزية المجازية على الفهم الحرفيّ للكتاب المقدس. بل يُظهرُ بولسُ تفوُّق العهد الجديد على العهد القديم.
- الحَرفُ هو الناموسُ بمعناه الخارجيّ وهو مكتوبٌ على ألواحٍ حجريةٍ. فجاء حرفُ الناموس عن طريق العهد القديم، وكان صالحًا في ذاته، لكنه لم يُعطنا أية قوةٍ لنخدم الله ولم يغيّرْ قلبنا. بل كان ببساطةٍ يأمرُنا بما ينبغي أن نفعل. ولهذا كان بمقدور بولس أن يقول إن الْحَرْفَ يَقْتُلُ لأن الناموس يفضحُ ذنبنا، و’يقتلُنا‘ أمام الله. فالناموسُ يرسّخُ ذنبنا بشكلٍ كاملٍ وتامٍّ.
- يعبّرُ بولسُ عن هذه النقطة بطريقةٍ جيدةٍ في رومية ٥:٧-٦: فَعِنْدَمَا كُنَّا نَعِيشُ حَسَبَ طَبِيعَتِنَا الجَسَدِيَّةِ، كَانَتْ مُيُولُنَا الآثِمَةُ الَّتِي أنتَجَتهَا الشَّرِيعَةُ تَعْمَلُ فِي أعضَاءِ أجسَادِنَا، فَنُنتِجَ ثَمَرًا يُؤَدِّي إلَى المَوْتِ. أمَّا الآنَ، فَقَدْ تَحَرَّرنَا مِنَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي كَانَتْ تَسْجِنُنَا. وَذَلِكَ لِكَي نَخدِمَ اللهَ بَطَريقَةٍ جَدِيدَةٍ، هِيَ طَريقَةُ الرُّوحِ القُدُسِ، لَا الطَّريقَةُ القَدِيمَةُ المَبنِيَّةُ عَلَى حَرفِيَّةِ الشَّرِيعَةِ. (الترجمة العربية المبسطة)
- ثم يصبحُ الرُّوح الساكنُ فينا بالنسبة لنا ناموسًا مكتوبًا على قلوبنا. وهو موجودٌ فينا لكي يرشدنا ويكون ’ناموسنا.‘ ولكن لا يعني هذا أن الرُّوح يحلُّ محل الناموس المكتوب، لكنه يكمّلُ ويحققُ عمل الناموس المكتوب في قلوبنا. فالرُّوحَ يُحْيِي، ومع هذه الحياة الروحية نستطيعُ أن نحيا ناموس الله.
- ولهذا لا نستطيعُ أن نقذف كتبنا المقدسة بعيدًا (التي قد يقولُ بعضُهم إنها الحَرفُ) لأننا الآن نملكُ الرُّوح. وبدلًا من ذلك، يجعلُنا الرُّوح أحياءً للحَرف، منجزًا ومتمّمًا عمل الحَرف فينا. وفضلًا عن ذلك، لا ينبغي أن نعتقد أن هذا سماحٌ لنا بأن نحيا حياتنا المسيحية على الاختبارات أو التفسيرات الصوفية للكتاب المقدس. إن للخبرات والتفسيرات الرمزية والمجازية للكتاب المقدس مكانها، لكن يتوجبُ إثباتُ صحةٍ كل واحدةٍ منهما ودعمُهما بدراسة المعنى الحرفيّ للكتاب المقدس. فليس الحرفُ والروحُ عدوّين، بل هما صديقان. ولا يعملُ أحدُهما ضدّ الآخر، ولا يكونُ الواحدُ منهما تامًّا من دون الآخر.
ثانياً. المقابلةُ بين العهدين القديم والجديد
أ ) الآيات (٧-١١): المجدُ الفائقُ للعهد الجديد
٧ثُمَّ إِنْ كَانَتْ خِدْمَةُ الْمَوْتِ، الْمَنْقُوشَةُ بِأَحْرُفٍ فِي حِجَارَةٍ، قَدْ حَصَلَتْ فِي مَجْدٍ، حَتَّى لَمْ يَقْدِرْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى وَجْهِ مُوسَى لِسَبَبِ مَجْدِ وَجْهِهِ الزَّائِلِ، ٨فَكَيْفَ لاَ تَكُونُ بِالأَوْلَى خِدْمَةُ الرُّوحِ فِي مَجْدٍ؟ ٩لأَنَّهُ إِنْ كَانَتْ خِدْمَةُ الدَّيْنُونَةِ مَجْدًا، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا تَزِيدُ خِدْمَةُ الْبِرِّ فِي مَجْدٍ! ١٠فَإِنَّ الْمُمَجَّدَ أَيْضًا لَمْ يُمَجَّدْ مِنْ هذَا الْقَبِيلِ لِسَبَبِ الْمَجْدِ الْفَائِقِ. ١١لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الزَّائِلُ فِي مَجْدٍ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا يَكُونُ الدَّائِمُ فِي مَجْدٍ!
- خِدْمَةُ الْمَوْتِ: هل كان خطأً أن يُدعى العهدُ القديمُ الذي قطعه اللهُ خِدْمَةُ الْمَوْت؟ لا، لأن هذا هو ما يفعلُه الناموسُ بنا، فهو يقتلُنا كخطاةٍ مذنبن أمام الله لكي يقيمنا بالعهد الجديد. فلم يكن العيبُ عيب الناموس، بل كان فينا نحن: لأَنَّهُ لَمَّا كُنَّا فِي الْجَسَدِ كَانَتْ أَهْوَاءُ الْخَطَايَا الَّتِي بِالنَّامُوسِ تَعْمَلُ فِي أَعْضَائِنَا، لِكَيْ نُثْمِرَ لِلْمَوْتِ. ( رومية ٥:٧)
- يعلّق تراب (Trapp) على ’خِدْمَةُ الْمَوْتِ‘ ويكتب: “كان دَاوُدَ صوت الناموس الذي يحكمُ على الخطية بالموت قائلاً: ’مَوْتًا تَمُوتُ.‘ وكان نَاثَان صوت الإنجيل الذي يمنحُ الحياة للتوبة عن الخطية قائلاً: ’لاَ تَمُوت.‘
- فِي مَجْدٍ: كان هنالك مجدٌ ارتبط بإعطاء الناموس والعهد القديم. ففي ذلك الوقت، كان جبلُ سيناء محاطًا بالدخان؛ وكانت هنالك زلازلُ ورعودٌ وبروقٌ، وبوقٌ يدوّي من السماء وصوتُ الله نفسه ( خروج ١٦:١٩– ١:٢٠). وأهمُّ من ذلك كله، كان مجدُ العهد القديم يسطعُ على وَجْهِ مُوسَى ومَجْدِ وَجْهِه.
- “رغم أن الإنجيل لم يدخلْ إلى العالم كما دخل الناموسُ برعدٍ وبرقٍ وزلازل؛ إلا أن الملائكة بشّرتْ به: فأعلنت بمولد يوحنا المعمدان ووظيفته، وبمولد المسيح مصحوبًا بالآية العظيمة بحبل العذارء وإنجاب ابنٍ، وبصوتٍ من السماء معلنًا أن المسيح هو الابنُ المولودُ الوحيدُ للآب الذي سُرّ به.” بووله (Poole)
- وَجْهِ مُوسَى: يصف سفر الخروج ٢٩:٣٤-٣٥ كيف أن موسى وضع برقعًا على وجهه بعد تحدُّثه مع الشعب. ورغم أن وجه موسى الساطع كان مجيدًا جدًا، إلا أنه كان مجدًا زائلًا. فكان مجدُ العهد القديم الساطعُ من خلال وجه موسى مجدًا زائلًا، لكن مجد العهد الجديد يدومُ من دون أن يبهت أو يزول.
- فَكَيْفَ لاَ تَكُونُ بِالأَوْلَى خِدْمَةُ الرُّوحِ فِي مَجْدٍ؟: إن كان العهدُ القديمُ الذي جلب الموت كان له هذا المجدُ، فإنه يفترضُ أن نتوقع مجدًا أعظم في العهد الجديد، الذي يجلبُ خِدْمَةُ الرُّوح والحياة.
- كان العهدُ القديمُ خدمة دينونةٍ، لكن العهد الجديد هو خدمةُ بٍّر. فالعهد القديم زائلُ، لكن العهد الجديد دائم. فلا عجب أن العهد الجديد يَكُونُ الدَّائِمُ فِي مَجْدٍ!
- كان العهدُ القديمُ في مجدٍ، لكن مجد العهد الجديد يفوقُه سطعانًا كما يفوقُ سطعانُ الشمس سطعان القمر. وبالمقارنة مع العهد الجديد، لم يكنْ للعهد القديم مجدٌ، بسبب المجد الفائق في العهد الجديد.
ب) الآيات (١٢-١٦): طبيعةُ العهد الجديد تجعلنا نتكلم بجرأة أعظم.
١٢فَإِذْ لَنَا رَجَاءٌ مِثْلُ هذَا نَسْتَعْمِلُ مُجَاهَرَةً كَثِيرَةً. ١٣وَلَيْسَ كَمَا كَانَ مُوسَى يَضَعُ بُرْقُعًا عَلَى وَجْهِهِ لِكَيْ لاَ يَنْظُرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى نِهَايَةِ الزَّائِلِ. ١٤بَلْ أُغْلِظَتْ أَذْهَانُهُمْ، لأَنَّهُ حَتَّى الْيَوْمِ ذلِكَ الْبُرْقُعُ نَفْسُهُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ بَاق غَيْرُ مُنْكَشِفٍ، الَّذِي يُبْطَلُ فِي الْمَسِيحِ. ١٥لكِنْ حَتَّى الْيَوْمِ، حِينَ يُقْرَأُ مُوسَى، الْبُرْقُعُ مَوْضُوعٌ عَلَى قَلْبِهِمْ. ١٦وَلكِنْ عِنْدَمَا يَرْجعُ إِلَى الرَّبِّ يُرْفَعُ الْبُرْقُعُ.
- فَإِذْ لَنَا رَجَاءٌ مِثْلُ هذَا: بما أن رجاءنا موضوعٌ في عهدٍ أمجد، يمكنُنا أن نحصل على رجاءٍ أمجد. وبفضل هذا الرجاء، يستطيعُ بولسُ أن يتكلم بمجاهرة أعظم. فالعهد القديم قيّد البشر وفصلهم عن الله، لكن العهد الجديد مكننا من المجيء إلى الله بثقةٍ.
- وَلَيْسَ كَمَا كَانَ مُوسَى يَضَعُ بُرْقُعًا عَلَى وَجْهِهِ: حتى موسى نفسُه لم يمتلك جسارةً حقيقيةً تحت العهد القديم. فارتداءُ البرقع لا يدلُّ على ’جسارةٍ‘ بل هو عائقٌ يختبئُ المرءُ وراءه. افتقر موسى إلى الجسارة (بالمقارنة مع بولس) لأن العهد الذي خدم تحته كان مجده زائلًا.
- لِكَيْ لاَ يَنْظُرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى نِهَايَةِ الزَّائِلِ: يستطيعُ المرءُ، من قراءة الرواية في سفر الخروج ٢٩:٣٤-٣٥، أن يحصل على الانطباع أن موسى ارتدى برقعًا بعد لقاءاته مع الله لئلا يخشى الشعبُ من الاقتراب إليه. فكان البرقُع يهدفُ إلى حمايتهم من رؤية مجد موسى الساطع. وهنا يشرحُ بولسُ القصد الحقيقيّ من وراء البرقع، فهو لا يهدفُ إلى إخفاء وجه موسى الساطع، بل إلى إخفاء المجد الزائل لوجهه لأن المجد كان آخذًا بالزوال. وهكذا فإن المجد الزَّائِل للعهد القديم يقابلُ المجد الدائم للعهد الجديد.
- لاَ يَنْظُرَ: بما أن البرقع أخفى وجه موسى، لم يستطع بنو إسرائيل أن يروا أي مجدٍ من وجهه. ولهذا، فإن المقابلة ليست بين المجد الزَّائِل والمجد الدائم، بل بين المجد المخفيّ والمجد المعلن أو المكشوف.
- لكِنْ حَتَّى الْيَوْمِ… الْبُرْقُعُ مَوْضُوعٌ عَلَى قَلْبِهِمْ: يقولُ بولسُ إن معظم اليهود في زمنه لم يستطيعوا أن يروا أنّ مجد خدمة موسى كان باهتًا بالمقارنة مع خدمة يسوع. ولأن الْبُرْقُعُ مَوْضُوعٌ عَلَى قَلْبِهِمْ، لا يستطيعون أن يروا أن مجد خدمة موسى بهت وزال وأن عليهم أن يتطلعوا إلى يسوع الآن. وبما أن الْبُرْقُعُ الذي أخفى وجه موسى مَوْضُوعٌ عَلَى قَلْبِهِمْ الآن، فإنهم ما زالوا يعتقدون أنه يوجدُ شيءٌ متفوقٌ أو أمجدُ في خدمة موسى.
- وَلكِنْ عِنْدَمَا يَرْجعُ إِلَى الرَّبِّ يُرْفَعُ الْبُرْقُعُ: كان بمقدور بولس أن يقول عن بني جنسه من اليهود أن هنالك برقعًا موضوعًا على قلبهم، لكنه كان بمقدوره أيضًا أن يقول إن البرقع يمكنُ أن يُرفع في يسوع. فقد عرف بولسُ هذا الأمر جيدًا لأنه كان ذات يومٍ يرتدي برقعًا منعه من رؤية مجد يسوع وتفوّقه.
- يتساءلُ مؤمنون كثيرون مثقّلون بالكرازة لأصدقائهم اليهود حول سبب صعوبة إقناعهم بأن يسوع هو المسيّا. والسببُ هو أن الْبُرْقُعُ ما زال مَوْضُوعاً عَلَى قَلْبِهِمْ. وما لم يعمل اللهُ في قلوبهم لكي يلجأوا إلى الربّ لينزع البرقع عنهم، فلن يروا المجد الزائل لعهد موسى والمجد الفائق ليسوع والعهد الجديد.
- وبطبيعة الحال، يمكنُ أن يقال إن اليهود هم ليسوا وحدهم الذين وُضعوا برقعٌ على قلبهم. فللأمميين براقعُهم التي تمنعُهم من رؤية يسوع وعمله من أجلنا بوضوحٍ. ويسوعُ أكثرُ من قادرٍ على نزع ذلك البرقع. ويشيرُ هذا إلى الحاجة الجوهرية إلى الصلاة في الكرازة. لقد قيل بحقٍّ إن الحديث مع الله عن الناس أهمُّ من الحديث مع الناس عن الله، لكن يمكنُنا أن نفعل كلا الأمرين المهمّين.
ج ) الآية (١٧): حرية العهد الجديد
١٧وأمّا الرّبُّ فهُو الرُّوحُ، وحيْثُ رُوحُ الرّبّ هُناك حُرّيّةٌ.
- وأمّا الرّبُّ فهُو الرُّوحُ: نرى من سياق سفر الخروج ٣٤:٣٤ أنه عندما يقولُ بولسُ إن الرّبُّ هُو الرُّوحُ، فإنه يعني أن الروح القدس هو اللهُ، كما أن يسوع هو اللهُ، والآب هو اللهُ.
- وحيْثُ رُوحُ الرّبّ هُناك حُرّيّةٌ: هكذا يفكرُ بولسُ: عندما دخل موسى إلى محضر الربّ، كانت لديه الحريةُ في نزع البرقع؛ فحضور الربّ أعطاه تلك الحرية. ونحن لدينا الروحُ القدسُ، وهو الربُّ. ونحيا في محضر الروح لأنه يُعطى لنا بموجب العهد الجديد. فكما أنه كان لدى موسى الحريةُ في أن يتواصل مع الله من دون البرقع في حضور الربّ، كذلك لدينا الحريةُ بسبب حضور الروح القدس.
- ينبغي لنا أيضًا أن نضع في اعتبارنا ما لا يقولُه بولسُ. إنه لا يعطينا رخصةً لأيّ تطرفٍ خمسينيٍّ أو كاريزماتيٍّ لأنه حيْثُ رُوحُ الرّبّ هُناك حُرّيّةٌ. صحيح نحن نملك حريةٌ عظيمة بسبب علاقتنا بالله من خلال ما فعله يسوعُ ومن خلال ما يفعلُه الروحُ القدسُ، ولكن ليست لدينا حُرّيّةٌ على الإطلاق في أن نعصي ما يقولُه الروحُ في كلمة الله. إذ سيكونُ هذا تحريفًا للحرية الحقيقية، وليس حريةً منقادةً بالروح.
- هُناك حُرّيّةٌ: إن ما يخطرُ ببال بولس هنا هو حريةُ الدخول إلى محضر الله. وهو يبني هذا على ما كتبه في كورنثوس الثانية ١٢:٣ (حسب الترجمة العربية المبسطة: ’نَتَكَلَّمُ بِجُرأةٍ أعْظَمَ.‘ والجسارةُ كلمةٌ تنتمي إلى الحرية. فبفضل العمل العظيم للروح القدس فينا من خلال العهد الجديد، نحن نتمتع بحرية في علاقتنا مع الله.
- “إنها حريةٌ من نير الناموس والخطية والموت والجحيم. ولكن يبدو أن الحرية المقصودة هنا هي حرية من العمى والقساوة الموضوعين على قلوب الناس، إلى أن يقبلوا الروح القدس.” بووله (Poole)
د ) الآية (١٨): المجدُ المحولُ في العهد الجديد
١٨ونحْنُ جميعًا ناظرين مجْد الرّبّ بوجْهٍ مكْشُوفٍ، كما في مرْآةٍ، نتغيّرُ إلى تلْك الصُّورة عيْنها، منْ مجْدٍ إلى مجْدٍ، كما من الرّبّ الرُّوح.
- بوجْهٍ مكْشُوفٍ: يدعو بولسُ كلّ مؤمنٍ بالمسيح إلى حميميةٍ مجيدةٍ مميزةٍ مع الله. وهذه العلاقةٌ والقوةٌ المُغيرة للحياة ليستا ملكًا لبعض المؤمنين بالمسيح المميزين فقط. إذ يمكن أن تكون لنا جميعًا، أي لكلّ شخصٍ نُزعَ البرقع عنه (بوجْهٍ مكْشُوفٍ).
- كيف نحصلُ على وجْهٍ مكْشُوفٍ؟ عندما يلجأُ المرءُ إلى الربّ، يُنزعُ البرقعُ (كورنثوس الثانية ١٦:٣). فإذ كنا مستعدين إلى اللجوء إلى الربّ، فسينزعُ البرقعُ، وسنكونُ بين الذين يقولُ بولسُ إنهم ’نحْنُ جميعًا.‘
- نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ: يمكنُنا أن نرى مَجْدَ الرَّبِّ، لكن لا نستطيع أن نرى مجده بشكلٍ كاملٍ. ففي العالم القديم المِرْآةٍ لم تكن تعكسُ صورةً جيدةً للأشياء كما تفعلُ المرايا في زمننا اليوم. فكانت المرايا القديمةُ مصنوعةً من المعدن المصقول، وكانت تقدّمُ صورةً غائمةً وغامضةً ومشوّهةً إلى حدٍّ ما. ويقولُ بولسُ: “نستطيعُ أن نرى مَجْدَ الرَّبِّ، لكننا لا نستطيع أن نراه بشكلٍ كاملٍ بعد.”
- ربما تكونُ هنالك فكرةٌ أخرى أيضًا: “والآن، بما أن المرايا كانت تُصنع بين اليهود واليونانيين والرومان من معدنٍ مصقولٍ للغاية، غالبًا ما يحدثُ -وبشكلٍ خاصٍّ في وجود نور قوي- أنّ الوجه يضاءُ بشكلٍ عظيمٍ بهذا النور المنعكس بقوةٍ. ويبدو أن الرسول يلمّحُ هنا إلى هذه الحالة.” كلارك (Clarke)
- نَتَغَيَّرُ: عندما ننظرُ مجد الله، سنتغيرُ جميعًا. إذ سيغيرُ اللهُ حياتنا من الداخل إلى الخارج. ورغم أنه كان للعهد القديم مجدُه، إلا أنه لم يكنْ قادرًا قطّ على تغيير حياتنا من خلال الناموس. ويستخدمُ اللهُ العهد الجديد ليجعلنا أشخاصًا مغيّرين جذريًّا، لا مجرد أشخاصٍ لطفاء.
- يريد الجميع أن يعرفوا: “كيف يمكنُني أن أتغير؟” أو يريد الجميع أن يعرفوا: “كيف يمكن أن يتغير هؤلاء؟” سوف نَتَغَيَّرُ تماماً عندما نقضي وقتاً مع الربّ. فهنالك طرقٌ أخرى للتغيير، كالإحساس بالذنب أو بقوة الإرادة أو بالإكراه، لكن أيًّا من هذه الطرق لا يجلبُ تغييرًا بنفس العمق والديمومة مثل التغيير الذي يُحْدثُه روحُ الله عندما نمضي وقتًا في حضور الربّ.
- إلا أن الأمر يتطلبُ شيئًا: نَاظِرِينَ. تعني هذه الكلمةُ أكثر بكثيرٍ من النظرة العابرة. فهي تعني إجراء دراسةٍ متأنيةٍ. فلدينا جميعًا شيءٌ لنتمعن فيه، شيئًا لنتفحّصه. يمكنُنا أن نتغير بمجد الربّ. ولكن لن يحدث هذا إلا إذا درسناه بعنايةٍ.
- إلى تلْك الصُّورة عيْنها: عندما ننظرُ في ’مرآة الله‘ نتغيرُ إلى تلْك الصُّورة عيْنها، صورة الربّ. وعندما نمضي وقتًا في التمعن (نَاظِرِينَ) في مجد إله المحبة والنعمة والسلام والبرّ، سننمو أكثر في المحبة والنعمة والسلام والبرّ.
- هذه هي الطريقة التي يمكن بها أن نعرف إن كان شخص ما يقضي وقتًا مع الربّ فعلًا: نراه يتغيّرُ إلى تلْك الصُّورة عيْنها. غير أن الكثير يعتمدُ على ما نراه عندما ننظرُ في ’مرآة الله.‘ ففي هذا التشبيه، نجد أن’مرآةُ الله‘ ليست هي المرآة التي ترينا ما نحن عليه قدر ما ترينا ما سنصبحُ عليه، وسيرتكزُ ما سنصبحُ عليه على صورتنا لطبيعة الله وصفاته. فإذا كانت لدينا صورةٌ زائفةٌ لله، سنرى صورةً زائفةً في مرآة الله، وسنتغيرُ إلى تلْك الصُّورة عيْنها، وسيضرُّ بنا هذا الآن وعلى مدى الأبدية.
- لا يرى الجميعُ الحقيقة عندما ينظرون في المرآة. فمثلاً: يستيقظ ديفيد الذي يبلغُ الثلاثين من عمره كلّ صباحٍ. ولكن روتينه الصباحيّ لا يتعدى المرآة في غرفة نومه، حيث يرى وجهًا مشوهًا بشكلٍ فظيع وأنفًا ملتويًا ومورّمًا ومغطى بندوبٍ وعينًا منتفخةً. فدفعه الألم الذي تسببت فيه التشوهات إلى ترك الجامعة والانتقال للعيش مع أبويه قبل عشر سنوات. ومنذ ذلك الوقت، نادرًا ما كان يترك غرفته خاشيًا أن يراه أحد. ولم تفعل عملياتُ التجميل الجراحية الأربع شيئًا لتحسين حالته لأن المشكلات المتعلقة بمظهره هي في ذهنه. ويدعو الخبراء هذه الحالة اضطراب تشوّه الجسم أو BDD. وتتسببُ هذه الحالة في أن يتخيل المرء نفسه مشوهًا وبشعًا في حين أن مظهره عاديٌّ. ويدعو أطباء النفس هذه الحالة وباءً خفيًا. فقال أحدهم: “إنهم يظهرون بشكلٍ غير متوقعٍ ومن أماكن غير متوقعةٍ. وأنا أرى مريضًا كلّ أسبوعٍ.” فمعظم الأشخاص المصابين بمرض BDD مقتنعون بأن المشكلة تكمنُ في وجوههم. ويعيشُ الأشخاصُ المُبْتلون بهذا المرض بإحساٍس ساحقٍ بالخزي حتى إنهم بالكاد يستطيعون أن يمارسوا وظائفهم الحياتية. وقد حاولتْ إحدى المعلمات في بوسطن أن تواصل عملها في التدريس، لكنها غالبًا ما كانت تهرولُ خارج الغرفة في منتصف الحصة الدراسية، خشية أن يظهر مظهرُها البشعُ، كما تتخيلُ، من خلال المساحيق التجميلية المكثفة. وكان رجلُ أعمالٍ من مدينة دينفر يتصل هاتفيًا بأمه ١٥ مرةً يوميًا حتى تطمئنه على أنه لا يبدو بشعًا. وكان يمضي ساعاتٍ في الحمّام حاملًا مرآة جيبٍ محاولًا اكتشاف طريقةٍ لتحسين مظهره. ويحاولُ بعضُهم أن يتعاملوا مع إحساسهم هذا باتّباع طقوسٍ ضارةٍ مثل جرح أنفسهم حتى تنزف المنطقةُ المتضررةُ. وعادة ما يكونُ المصابون بمرض BDD مقتنعين بأن المشكلة تكمنُ في أجسامهم لا في أذهانهم. وهم لا يريدون أن يروا أحدًا باستثناء الجراحين التجميليين وأطباء الأمراض الجلدية للتعامل مع مشكلتهم.
- نشكرُ الله أننا لسنا مضطرين إلى أن نكون في عبوديةٍ لصورةٍ زائفةٍ عن أنفسنا أو عن الله. فعندما ننظرُ إلى صورة الله كما هو في الحقيقة، سنتغيرُ إلى صورته. وهذا هو التصميمُ العظيمُ لله في خلاصنا، ذاك الذي سبق أنْ عرفنا وعيّننا لنكون مشابهين لصورة ابنه (رومية ٢٩:٨). ويتحدثُ كالفن (Calvin) عن هذا التصميم العظيم لله: “يمكنُ أن تُصلح هذه الصورةُ لله التي شوّهتْها الخطيةُ فينا… وعمليةُ هذا الاسترداد مستمرةٌ عبر الحياة كلّها، لأن الله شيئًا فشيئًا يجعلُ مجده يسطعُ فينا.”
- نَتَغَيَّرُ: إن التغيير عملية مستمرة. فنحن نَتَغَيَّرُ، فالعمل لم يكتمل بعد، ولا ينبغي لأحدٍ أن يتوقع أن يكتمل العملُ في نفسه أو في آخرين. فلا يخرجُ أحدٌ من جلسةٍ واحدةٍ رائعةٍ مع الربّ وهو قد تغيّر بشكلٍ كاملٍ.
- منْ مجْدٍ إلى مجْدٍ: يحدث التغيير بالتدريج، منْ مجْدٍ إلى مجْد. فليس ضروريًا أن نتحرك من الفتور إلى المجد. ولكن يمكنُ أن يكون عملُ الله في حياتنا تقدمًا مستمرًا منْ مجْدٍ إلى مجْد.
- كما من الرّبّ الرُّوح: يؤكدُ بولس بهذه الكلمات الأخيرة شيئين. أولًا، حرية الدخول إلى محضر الله وعمله المغيّر فينا هو لنا بموجب العهد الجديد، لأنه من خلال العهد الجديد نعطى روح الربّ. ثانيًا، إن عملية التغيير هي في الواقع عملُ الله فينا، وهي تحدث بعمل الرّبّ الرُّوح لا بإرادة الإنسان أو جهوده. فنحن لا ننجزُ أو نكتسبُ التغيير الروحيّ بالنظر كما في مرآة في مجد الرب، بل ببساطة نضع أنفسنا في مكانٍ حيث يمكن لروح الرب أن يغيرنا.