ملوك الأول ١٠
ملكة سبأ تزور سليمان
أولًا. زيارة الملكة
أ ) الآية (١): ملكة سبأ تأتي إلى أورشليم.
١وَسَمِعَتْ مَلِكَةُ سَبَا بِخَبَرِ سُلَيْمَانَ لِمَجْدِ الرَّبِّ، فَأَتَتْ لِتَمْتَحِنَهُ بِمَسَائِلَ.
١. مَلِكَةُ سَبَا: كانت مدينة سَبَأ، المعروفة أيضًا باسم شبأ، عاصمة اليمن الحديث في جنوب الجزيرة العربية. ونحن نعرف من الجغرافيا أنها كانت مملكة غنية مشهورة بالذهب، والتوابل، والأخشاب الثمينة. ويخبرنا التاريخ أنه حَكَمَها ملكِات إضافة إلى ملوك.
• كانت هذه رحلة طويلة قطعت فيها الملكة حوالي حوالي ١٥٠٠ ميل (٢٤٠٠ كم). ويرجّح أنها جاءت مع وفد تجاري (ملوك الأول ١٠: ٢-٥)، لكن لا شك أنها كانت متشوقة لرؤية سليمان ومملكته.
٢. وَسَمِعَتْ مَلِكَةُ سَبَا بِخَبَرِ سُلَيْمَانَ لِمَجْدِ الرَّبِّ، فَأَتَتْ لِتَمْتَحِنَهُ بِمَسَائِلَ: لقد جاءت الملكة إلى زيارة سليمان وإسرائيل في قمة غناهم المادي. لقد اشتهرت مملكة سليمان على نطاق عالمي بحكمته وعظمته وغناه.
ب) الآيات (٢-٥): ماذا رأت الملكة.
٢فَأَتَتْ إِلَى أُورُشَلِيمَ بِمَوْكِبٍ عَظِيمٍ جِدًّا، بِجِمَال حَامِلَةٍ أَطْيَابًا وَذَهَبًا كَثِيرًا جِدًّا وَحِجَارَةً كَرِيمَةً. وَأَتَتْ إِلَى سُلَيْمَانَ وَكَلَّمَتْهُ بِكُلِّ مَا كَانَ بِقَلْبِهَا. ٣فَأَخْبَرَهَا سُلَيْمَانُ بِكُلِّ كَلاَمِهَا. لَمْ يَكُنْ أَمْرٌ مَخْفِيًّا عَنِ الْمَلِكِ لَمْ يُخْبِرْهَا بِهِ. ٤فَلَمَّا رَأَتْ مَلِكَةُ سَبَا كُلَّ حِكْمَةِ سُلَيْمَانَ، وَالْبَيْتَ الَّذِي بَنَاهُ، ٥وَطَعَامَ مَائِدَتِهِ، وَمَجْلِسَ عَبِيدِهِ، وَمَوْقِفَ خُدَّامِهِ وَمَلاَبِسَهُمْ، وَسُقَاتَهُ، وَمُحْرَقَاتِهِ الَّتِي كَانَ يُصْعِدُهَا فِي بَيْتِ الرَّبِّ، لَمْ يَبْقَ فِيهَا رُوحٌ بَعْدُ.
١. فَأَتَتْ إِلَى أُورُشَلِيمَ بِمَوْكِبٍ عَظِيمٍ جِدًّا: سافرت هذه الملكة كما يسافر الملوك عادة: بموكب ملكي ضخم حاملة هدايا وسلعًا تجارية كثيرة لغرض التبادل التجاري.
٢. وَأَتَتْ إِلَى سُلَيْمَانَ وَكَلَّمَتْهُ بِكُلِّ مَا كَانَ بِقَلْبِهَا: لم تشتهر مملكة سليمان بازدهارها المادي فحسب، بل بحكمته العظيمة أيضًا. وكانت لدى ملكة سبأ أسئلة يبدو أنها صعبة، فأجاب عليها كلها سليمان.
• “لم تكن الأسئلة الصعبة ألغازًا، بل شملت مسائل دبلوماسية وأخلاقية. ولم يكن الامتحان ممارسة أكاديمية، لكنه هدف إلى معرفة ما إذا كان سليمان طرفًا تجاريًا جديرًا بالثقة وحليفًا يُعتمد عليه وقت الحاجة.” وايزمان (Wiseman)
٣. فَلَمَّا رَأَتْ مَلِكَةُ سَبَا كُلَّ حِكْمَةِ سُلَيْمَانَ، وَالْبَيْتَ الَّذِي بَنَاهُ، وَطَعَامَ مَائِدَتِهِ… لَمْ يَبْقَ فِيهَا رُوحٌ بَعْدُ (انحَبَسَتْ أنفَاسُهَا دَهشَةً!): من الواضح أن هذه الملكة كانت تعرف معنى الفخامة والرفاهية. ومع ذلك، انبهرت من حكمة سليمان ومجد مملكته.
• “إن ما حدث لملكة سبأ أمر طبيعي وليس تأثيرًا غير مألوف عند رؤية انتاجات فنية نادرة استثنائية.” كلارك (Clarke)
ج) الآيات (٦-٩): رد فعل ملكة سبأ.
٦فَقَالَتْ لِلْمَلِكِ: «صَحِيحًا كَانَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْتُهُ فِي أَرْضِي عَنْ أُمُورِكَ وَعَنْ حِكْمَتِكَ. ٧وَلَمْ أُصَدِّقِ الأَخْبَارَ حَتَّى جِئْتُ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ، فَهُوَذَا النِّصْفُ لَمْ أُخْبَرْ بِهِ. زِدْتَ حِكْمَةً وَصَلاَحًا عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي سَمِعْتُهُ. ٨طُوبَى لِرِجَالِكَ وَطُوبَى لِعَبِيدِكَ هؤُلاَءِ الْوَاقِفِينَ أَمَامَكَ دَائِمًا السَّامِعِينَ حِكْمَتَكَ. ٩لِيَكُنْ مُبَارَكًا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي سُرَّ بِكَ وَجَعَلَكَ عَلَى كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ. لأَنَّ الرَّبَّ أَحَبَّ إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ جَعَلَكَ مَلِكًا، لِتُجْرِيَ حُكْمًا وَبِرًّا».
١. فَهُوَذَا النِّصْفُ لَمْ أُخْبَرْ بِهِ: سمعت ملكة سبأ أشياء رائعة عن سليمان ومملكته، ولكنها عندما رأت ذلك بأمّ عينيها، أدركت أن الحقيقة أعظم مما سمعت.
٢. طُوبَى لِرِجَالِكَ وَطُوبَى لِعَبِيدِكَ: إنه لأمر مفرح أن يخدم المرء ملكًا عظيمًا وحكيمًا وغنيًا. فإن كانت خدمة سليمان شيئًا يبعث إلى الفرح، فكم بالحري خدمة يسوع!
٣. لِيَكُنْ مُبَارَكًا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي سُرَّ بِكَ: هذا مثلٌ لما أراد الله أن يفعله من خلال إسرائيل بموجب وعود العهد القديم. وقد وعد الله بأن يبارك إسرائيل بشكل هائل إذا أطاعته، وبأن العالم سيلاحظ ذلك وسيمجدون الرب إله إسرائيل.
• وَإِنْ سَمِعْتَ سَمْعًا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، يَجْعَلُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مُسْتَعْلِيًا عَلَى جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ… فَيَرَى جَمِيعُ شُعُوبِ الأَرْضِ أَنَّ اسْمَ الرَّبِّ قَدْ سُمِّيَ عَلَيْكَ وَيَخَافُونَ مِنْكَ. (تثنية ٢٨: ١، ١٠).
• أراد الله أن يصل إلى الشعوب من خلال إسرائيل المطيعة المباركة. وإذا لم تُطع إسرائيل، فسيتكلم الرب إلى الشعوب من خلال تأديبه لإسرائيل.
٤. مُبَارَكًا الرَّبُّ إِلهُكَ: من المنصف أن نسأل إن كان هذا اعترافًا حقيقيًا بالإيمان في تعبير عن الولاء للرب إله إسرائيل. فإذا أخذنا الكلمات في سياقها، ربما لا تكون أكثر من رد فعل للملكة على البركة المذهلة الواضحة في أورشليم، عاصمة مملكة سليمان.
• “لم تكن عبارتها حول بركات الرب على إسرائيل وسليمان في الآية ٩ أكثر من إشارة مهذبة إلى إله سليمان. لا يوجد سجل يفيد أنها قبلت إله سليمان الذي يُظهر بناء الهيكل عظمته.” ديلداي (Dilday)
• “توحي عبارة ’مُبَارَكًا الرَّبُّ إِلهُكَ‘ اعتراف واضح بإله إسرائيل الوطني، ولا يلزم بالضرورة أن تكون تعبيرًا عن إيمان شخصي.” وايزمان (Wiseman)
• إن أخذنا ملكة سبأ كمثل للباحث عن الحق، نرى أن سليمان أثار إعجابها بثروته وعظمته، وبه شخصيًا. لكنها رجعت إلى مملكتها من دون تعبير واضح عن إيمان بإله إسرائيل. ويدل هذا على أن اقتناع الباحثين عن الحق بالمرافق والبرامج والتنظيم والاحتراف أمر لا يكفي.
• رغم نتيجة بحثها، إلا أنه يمكننا أن نُعجب بسعيها.
جاءت من مسافة بعيدة.
جاءت حاملة هدايا لتقدمها.
جاءت لتستفسر ولتتعلم.
جاءت ورأت غِنى الملك.
جاءت لفترة مطوّلة.
جاءت لتعبّر عن كل ما في قلبها.
• استخدم يسوع ملكة سبأ كمثل للباحث عن الحق: “مَلِكَةُ التَّيْمَنِ (ملكة سبأ) سَتَقُومُ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الْجِيلِ وَتَدِينُهُ، لأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ ههُنَا!” (متى ١٢: ٤٢). فإن كانت ملكة سبأ قد سعت إلى سليمان ومملكته بهذا الجد، فكم بالحري ينبغي للناس اليوم أن يطلبوا يسوع ومجد مملكته. من المؤكد أن ملكة سبأ ستقوم في الدينونة مع هذا الجيل وتدينه.
٥. لأَنَّ الرَّبَّ أَحَبَّ إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ جَعَلَكَ مَلِكًا: هذه العبارة ذات مغزى خاص، لأن سليمان لم يكن بالضرورة الخليفة الأكثر منطقية لأبيه داود. إذ كان لداود عدة أبناء قبل سليمان.
• “كان عمل الله الخاص هو أن يجعل سليمان الملك بدلًا من أخيه الأكبر.” بوله (Poole)
د ) الآيات (١٠-١٣): تبادل الهدايا.
١٠وَأَعْطَتِ الْمَلِكَ مِئَةً وَعِشْرِينَ وَزْنَةَ ذَهَبٍ وَأَطْيَابًا كَثِيرَةً جِدًّا وَحِجَارَةً كَرِيمَةً. لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِثْلُ ذلِكَ الطِّيبِ فِي الْكَثْرَةِ، الَّذِيِ أَعْطَتْهُ مَلِكَةُ سَبَا لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ. ١١وَكَذَا سُفُنُ حِيرَامَ الَّتِي حَمَلَتْ ذَهَبًا مِنْ أُوفِيرَ، أَتَتْ مِنْ أُوفِيرَ بِخَشَبِ الصَّنْدَلِ كَثِيرًا جِدًّا وَبِحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ. ١٢فَعَمِلَ سُلَيْمَانُ خَشَبَ الصَّنْدَلِ دَرَابَزِينًا لِبَيْتِ الرَّبِّ وَبَيْتِ الْمَلِكِ، وَأَعْوَادًا وَرَبَابًا لِلْمُغَنِّينَ. لَمْ يَأْتِ وَلَمْ يُرَ مِثْلُ خَشَبِ الصَّنْدَلِ ذلِكَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. ١٣وَأَعْطَى الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ لِمَلِكَةِ سَبَا كُلَّ مُشْتَهَاهَا الَّذِي طَلَبَتْ، عَدَا مَا أَعْطَاهَا إِيَّاهُ حَسَبَ كَرَمِ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ. فَانْصَرَفَتْ وَذَهَبَتْ إِلَى أَرْضِهَا هِيَ وَعَبِيدُهَا.
١. لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِثْلُ ذلِكَ الطِّيبِ فِي الْكَثْرَةِ، الَّذِيِ أَعْطَتْهُ مَلِكَةُ سَبَا لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ: جاءت ملكة سبأ من منطقة غنية بالتوابل تميزت بمعالجة التوابل.
٢. وَأَعْطَى الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ لِمَلِكَةِ سَبَا… حَسَبَ كَرَمِ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ: يعني تعبير ’حَسَبَ كَرَمِ الْمَلِكِ‘ أنه أعطاها أكثر مما أعطته. يعكس هذا الوصف مقياس كرم سليمان تجاه ملكة سبأ وكرم الله تجاهنا أيضًا.
• وفقًا للتقليد – وربما كانت هذه قصصًا خرافية – أرادت ملكة سبأ أن تنجب ابنًا من سليمان، فنزل عند رغبتها. فكان اسم ابنها مينيليك الذي صار سلفًا لملوك الحبشة اللاحقين.
ثانيًا. غِنى سليمان العظيم
أ ) الآيات (١٤-١٥): دخل سليمان السنوي.
١٤وَكَانَ وَزْنُ الذَّهَبِ الَّذِي أَتَى سُلَيْمَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ سِتَّ مِئَةٍ وَسِتًّا وَسِتِّينَ وَزْنَةَ ذَهَبٍ. ١٥مَا عَدَا الَّذِي مِنْ عِنْدِ التُّجَّارِ وَتِجَارَةِ التُّجَّارِ وَجَمِيعِ مُلُوكِ الْعَرَبِ وَوُلاَةِ الأَرْضِ.
١. سِتَّ مِئَةٍ وَسِتًّا وَسِتِّينَ وَزْنَةَ ذَهَبٍ: كانت هذه كمية هائلة من الذهب سنويًا. وقد حدد أحد المفسرين قيمة الذهب بمبلغ ٢٨١,٣١٨,٤٠٠ دولار وفقًا لسعر الذهب لعام ٢٠١٥، وستكون القيمة أقل بقليل من مليار دولار. ولا يدل هذا على ثروة سليمان العظيمة فحسب، بل جعله أيضًا الشخص الثاني في الكتاب المقدس المرتبط بالرقم ٦٦٦.
• الشخص الكتابي الآخر المرتبط بالرقم ٦٦٦ هو الدكتاتور الذي سيظهر في آخر الأيام، مقاوم الله، والمعروف باسم ’ضد المسيح‘ (رؤيا يوحنا ١٣: ١٨). وفي واقع الأمر، فإن النص في سفر الرؤيا يقول إن الرقم ٦٦٦ هو رقم إنسان، وقد يكون سليمان.
• لا يعني هذا أن سليمان كان ضد المسيح، أو أن ضد المسيح سيكون تناسخًا غريبًا لسليمان. لكن قد يشير هذا إلى أن ضد المسيح ربما لا يكون شريرًا في البداية. إذ يمكن أن يكون مثل سليمان، رجلًا صالحًا صار فَسُدَ.
٢. مَا عَدَا الَّذِي مِنْ عِنْدِ التُّجَّارِ: كان سليمان يحصل على ٦٦٦ وزنة من الذهب كل سنة. وكان هذا مجرد راتبه الأساسي.
• أعطى كاتب الملوك الأول تحذيرًا خطيًا هنا. فقد افترض أن قرّاءه يعرفون تعليمات الرب بشأن ملوك إسرائيل المستقبليين في سفر التثنية ١٧: ١٤-٢٠. وافترض درايتهم بنص الآية ١٧ التي تقول: “وَفِضَّةً وَذَهَبًا لاَ يُكَثِّرْ لَهُ كَثِيرًا.” لقد بارك الله سليمان بثروات كثيرة، لكن سمح سليمان لتلك البركة أن تتحول إلى خطر، لأنه عصى وكثّر الفضة والذهب لنفسه.
ب) الآيات (١٦-٢٧): أمثلة لغِنى سليمان وازدهاره.
١٦وَعَمِلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مِئَتَيْ تُرْسٍ مِنْ ذَهَبٍ مُطَرَّق، خَصَّ التُّرْسَ الْوَاحِدَ سِتُّ مِئَةِ شَاقِل مِنَ الذَّهَبِ. ١٧وَثَلاَثَ مِئَةِ مِجَنٍّ مِنْ ذَهَبٍ مُطَرَّق. خَصَّ الْمِجَنَّ ثَلاَثَةُ أَمْنَاءٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَجَعَلَهَا سُلَيْمَانُ فِي بَيْتِ وَعْرِ لُبْنَانَ. ١٨وَعَمِلَ الْمَلِكُ كُرْسِيًّا عَظِيمًا مِنْ عَاجٍ وَغَشَّاهُ بِذَهَبٍ إِبْرِيزٍ. ١٩وَلِلْكُرْسِيِّ سِتُّ دَرَجَاتٍ. وَلِلْكُرْسِيِّ رَأْسٌ مُسْتَدِيرٌ مِنْ وَرَائِهِ، وَيَدَانِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ عَلَى مَكَانِ الْجُلُوسِ، وَأَسَدَانِ وَاقِفَانِ بِجَانِبِ الْيَدَيْنِ. ٢٠وَاثْنَا عَشَرَ أَسَدًا وَاقِفَةً هُنَاكَ عَلَى الدَّرَجَاتِ السِّتِّ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ. لَمْ يُعْمَلْ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ الْمَمَالِكِ. ٢١وَجَمِيعُ آنِيَةِ شُرْبِ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ مِنْ ذَهَبٍ، وَجَمِيعُ آنِيَةِ بَيْتِ وَعْرِ لُبْنَانَ مِنْ ذَهَبٍ خَالِصٍ، لاَ فِضَّةٍ، هِيَ لَمْ تُحْسَبْ شَيْئًا فِي أَيَّامِ سُلَيْمَانَ. ٢٢لأَنَّهُ كَانَ لِلْمَلِكِ فِي الْبَحْرِ سُفُنُ تَرْشِيشَ مَعَ سُفُنِ حِيرَامَ. فَكَانَتْ سُفُنُ تَرْشِيشَ تَأْتِي مَرَّةً فِي كُلِّ ثَلاَثِ سَنَوَاتٍ. أَتَتْ سُفُنُ تَرْشِيشَ حَامِلَةً ذَهَبًا وَفِضَّةً وَعَاجًا وَقُرُودًا وَطَوَاوِيسَ. ٢٣فَتَعَاظَمَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ عَلَى كُلِّ مُلُوكِ الأَرْضِ فِي الْغِنَى وَالْحِكْمَةِ. ٢٤وَكَانَتْ كُلُّ الأَرْضِ مُلْتَمِسَةً وَجْهَ سُلَيْمَانَ لِتَسْمَعَ حِكْمَتَهُ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ فِي قَلْبِهِ. ٢٥وَكَانُوا يَأْتُونَ كُلُّ وَاحِدٍ بِهَدِيَّتِهِ، بِآنِيَةِ فِضَّةٍ وَآنِيَةِ ذَهَبٍ وَحُلَل وَسِلاَحٍ وَأَطْيَابٍ وَخَيْل وَبِغَال سَنَةً فَسَنَةً. ٢٦وَجَمَعَ سُلَيْمَانُ مَرَاكِبَ وَفُرْسَانًا، فَكَانَ لَهُ أَلْفٌ وَأَرْبَعُ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ، وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ، فَأَقَامَهُمْ فِي مُدُنِ الْمَرَاكِبِ وَمَعَ الْمَلِكِ فِي أُورُشَلِيمَ. ٢٧وَجَعَلَ الْمَلِكُ الْفِضَّةَ فِي أُورُشَلِيمَ مِثْلَ الْحِجَارَةِ، وَجَعَلَ الأَرْزَ مِثْلَ الْجُمَّيْزِ الَّذِي فِي السَّهْلِ فِي الْكَثْرَةِ.
١. مِئَتَيْ تُرْسٍ مِنْ ذَهَبٍ مُطَرَّق… وَثَلاَثَ مِئَةِ مِجَنٍّ مِنْ ذَهَبٍ مُطَرَّق: مثّلت هذه الدروع والتروس عروضًا جميلة فِي بَيْتِ وَعْرِ لُبْنَانَ، لكنها لم تكن ذات فائدة في المعركة. إذ كان الذهب أثقل وأَلْيّن من أن يُستخدم كمعدن للدروع الفعالة. ويدل هذا على أن لسليمان صورة المحارب لكن من دون الجوهر.
• يقول ديلداي (Dilday) إن قيمة كل درع كبير كانت حوالي ١٢٠ ألف دولار (٢٥٠ ألف دولار بقيمة سعر الدولار للعام ٢٠١٥). وتبلغ قيمة كل درع صغير ٣٠ ألف دولار (٥٧ ألف دولار بقيمة سعر الدولار للعام ٢٠١٥). وبلغ إجمالي الاستثمار في الدروع الاحتفالية ما يزيد عن ٣٣ مليون دولار.
٢. لاَ فِضَّةٍ، هِيَ لَمْ تُحْسَبْ شَيْئًا فِي أَيَّامِ سُلَيْمَانَ: كان هذا بيانًا عن الثروة. فإذا أخذنا النص على محمل الجد، فإن هذا يعكس الوفرة الهائلة لمملكة سليمان. لقد تفوق الملك سليمان حقًا على كل ملوك الأرض في الغِنى والحكمة، وتحققت الوعود الواردة في تثنية ٢٨: ١-١٤ في عهده: “يَفْتَحُ لَكَ الرَّبُّ كَنْزَهُ الصَّالِحَ، السَّمَاءَ، لِيُعْطِيَ مَطَرَ أَرْضِكَ فِي حِينِهِ، وَلْيُبَارِكَ كُلَّ عَمَلِ يَدِكَ. فَتُقْرِضُ أُمَمًا كَثِيرَةً وَأَنْتَ لاَ تَقْتَرِضُ.” (تثنية ٢٨: ١٢).
٣. وَكَانَتْ كُلُّ الأَرْضِ مُلْتَمِسَةً وَجْهَ سُلَيْمَانَ لِتَسْمَعَ حِكْمَتَهُ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ فِي قَلْبِهِ: كان هذا تحقيقًا آخر لوعود تثنية ٢٨: ١٣ “وَيَجْعَلُكَ الرَّبُّ رَأْسًا لاَ ذَنَبًا، وَتَكُونُ فِي الارْتِفَاعِ فَقَطْ وَلاَ تَكُونُ فِي الانْحِطَاطِ، إِذَا سَمِعْتَ لِوَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكَ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ.”
٤. وَجَمَعَ سُلَيْمَانُ مَرَاكِبَ وَفُرْسَانًا، فَكَانَ لَهُ أَلْفٌ وَأَرْبَعُ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ، وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ: كانت هنالك القليل من النزاعات العسكرية في عهد سليمان مقارنة بعهد داود، ومع ذلك رأى سليمان أهمية وجود جيش قوي لإسرائيل. أو ربما لم تكن هنالك صراعات كثيرة بسبب وجود جيش قوي في إسرائيل.
• يمكن رؤية بقايا حصن واسطبلات سليمان في مجيدو (تل المتسلم، مدينة تقع شمالي فلسطين) اليوم.
٥. وَجَعَلَ الْمَلِكُ الْفِضَّةَ فِي أُورُشَلِيمَ مِثْلَ الْحِجَارَةِ: عندما نفكر في غِنى سليمان، فإننا نضع في اعتبارنا أيضًا أنه لم يضع قلبه في البداية على الغِنى. إذ تعمّد أن يطلب الحكمة في قيادة شعب الله بدلًا من الغِنى والصيت. ووعده الله بغِنى وصيت، وحقق الله وعده.
• نضع في اعتبارنا أيضًا أن سليمان قدّم شهادة بليغة عن بطلان الغِنى بصفته الواعظ في سفر الجامعة. ويبيّن هذا بقوة أنه لا يوجد رضا أو شبع نهائي من خلال المادية. وليس علينا أن نكون أغنياء لنتعلم الدرس نفسه.
ج) الآيات (٢٨-٢٩): اهتمام سليمان بالخيول.
٢٨وَكَانَ مَخْرَجُ الْخَيْلِ الَّتِي لِسُلَيْمَانَ مِنْ مِصْرَ. وَجَمَاعَةُ تُجَّارِ الْمَلِكِ أَخَذُوا جَلِيبَةً بِثَمَنٍ. ٢٩وَكَانَتِ الْمَرْكَبَةُ تَصْعَدُ وَتَخْرُجُ مِنْ مِصْرَ بِسِتِّ مِئَةِ شَاقِل مِنَ الْفِضَّةِ، وَالْفَرَسُ بِمِئَةٍ وَخَمْسِينَ. وَهكَذَا لِجَمِيعِ مُلُوكِ الْحِثِّيِّينَ وَمُلُوكِ أَرَامَ كَانُوا يُخْرِجُونَ عَنْ يَدِهِمْ.
١. وَكَانَ مَخْرَجُ الْخَيْلِ الَّتِي لِسُلَيْمَانَ مِنْ مِصْرَ: في نهاية هذا الوصف الرائع لثروة سليمان، نسمع صوت هذه النغمة القاتمة. إذ كان هذا عصيانًا مباشرًا لوصية الرب في تثنية ١٧: ١٦ التي قالت لملوك إسرائيل المستقبليين: “وَلكِنْ لاَ يُكَثِّرْ لَهُ الْخَيْلَ، وَلاَ يَرُدُّ الشَّعْبَ إِلَى مِصْرَ لِكَيْ يُكَثِّرَ الْخَيْلَ، وَالرَّبُّ قَدْ قَالَ لَكُمْ: لاَ تَعُودُوا تَرْجِعُونَ فِي هذِهِ الطَّرِيقِ أَيْضًا.”
٢. وَهكَذَا لِجَمِيعِ مُلُوكِ الْحِثِّيِّينَ وَمُلُوكِ أَرَامَ كَانُوا يُخْرِجُونَ عَنْ يَدِهِمْ (وَكَانَ سُلَيْمَانُ بِدَورِهِ يَبِيعُ خُيُولًا وَمَركِبَاتٍ لِمُلُوكِ الحِثِّيِّينَ وَالأرَامِيِّينَ): قد يفسّر هذا سبب كسر سليمان لهذه الوصية الواضحة. ربما بدأ باستيراد الخيول من مصر كتجارة كوكيل لملوك آخرين. ومن هنا كان بمقدوره أن يقول: “أنا أستورد الخيول من مصر، لكني لا أستوردها لنفسي. ولهذا فإني لا أكسر بهذا وصية الرب.” وتبدأ أمثلة كثيرة للعصيان كمبررات ذكية.