٢ صموئيل ٢١
الانتقام للجبعونيين
أولًا. داود ينتقم للجبعونيين
أ ) الآية (١): ثلاث سنوات من المجاعة دفعت داود إلى طلب الله
١وَكَانَ جُوعٌ فِي أَيَّامِ دَاوُدَ ثَلاَثَ سِنِينَ، سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ، فَطَلَبَ دَاوُدُ وَجْهَ الرَّبِّ. فَقَالَ الرَّبُّ: «هُوَ لأَجْلِ شَاوُلَ وَلأَجْلِ بَيْتِ الدِّمَاءِ، لأَنَّهُ قَتَلَ الْجِبْعُونِيِّينَ».
١. فَطَلَبَ دَاوُدُ وَجْهَ (سأل من) ٱلرَّبِّ: في وجه المشكلات المزمنة، سأل داود من الرب (فَطَلَبَ دَاوُدُ وَجْهَ ٱلرَّبِّ). قلِقَ داود بعد سنة من المجاعة، وازداد قلقه في السنة التالية. لكن سنتين من المجاعة لم تجعلاه يبحث عن سبب روحي. لكن بعد ثلاثة سنوات، سأل داود من الرب.
· لم يكن يرى داود سببًا روحيًّا في كل مشكلة، لكنه لم يغلق عينيه عن يد الله في الظروف.
· “ربما نظر إلى أول سنتين كعقوبة مفروضة لأجل خطايا الشعب بشكل عام. لكنه عندما رأى المجاعة وهي تمتد إلى السنة الثالثة، رأى أن في هذا شيئًا غير عادي. ولهذا، رغم أنه عرف جيدًا السبب الطبيعي للجفاف، سأل من الرب، كما ينبغي أن يفعل الحكماء.” تراب (Trapp)
٢. هُوَ لِأَجْلِ شَاوُلَ وَلِأَجْلِ بَيْتِ ٱلدِّمَاءِ، لِأَنَّهُ قَتَلَ ٱلْجِبْعُونِيِّينَ: هذه المذبحة غير مدونة في صموئيل الأول، لكن داود لم يشك في حقيقة حدوثها. وعلى ما يبدو أن شاول، في فترة ما من حكمه، هاجم الجبعونيين وقتل كثيرين منهم.
· “عانت الأمّة كلها من أجل خطية شاول، إما لأنها وافقت عليها، أو على الأقل لم تنُح عليها في توبة. ولم تفعل شيئًا للحيلولة دون وقوعها، وبالتالي صارت شريكة في الجريمة.” تراب (Trapp)
٣. قَتَلَ ٱلْجِبْعُونِيِّينَ: عندما سمع داود أن السبب كان هجومًا على الجبعونيين، أحس بقُشعريرة تسري في بدنه. إذ كان يعلم أنهم شعب من الخطأ أن يهاجمهم شاول ويقتل منهم.
· في زمن يشوع، قبل ما يزيد عن ٤٠٠ سنة من زمن داود، حلفت إسرائيل ألّا تؤذي الجبعونيين كقبيلة مجاورة (يشوع ٤: ٩). وتوقع الله من إسرائيل أن تفي بوعدها رغم أن الجبعونيين احتالوا عليها لعقد هذه الاتفاقية. فلم تتمثل جريمة شاول في قتل جبعونيين فحسب، بل أيضًا في كسر قسَم قديم مهم.
· يبيّن هذا مبادئ كثيرة مهمة:
- يتوقع الله منا أن نحفظ وعودنا.
- يتوقع الله أن تحفظ الشعوب وعودها واتفاقياتها.
- لا يقلل مرور الزمن من التزامنا بالوعود.
- قد يأتي تقويم الرب بعد وقت طويل من الإساءة المرتكبة.
· إذا كان لدى الله مثل هذا التوقع العالي من البشر أن يحفظوا وعودهم، فإنه يمكننا أن نتمتع بثقة عظيمة أن الله سيحفظ عهده معنا. هنالك قوس قزح زمُرُّدي حول عرش الله يعلن تذكُّره لعهده الأبدي مع شعبه (رؤيا ٤: ٣).
ب) الآية (٢): داود يكلّم الجبعونيين.
٢فَدَعَا الْمَلِكُ الْجِبْعُونِيِّينَ وَقَالَ لَهُمْ. وَالْجِبْعُونِيُّونَ لَيْسُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَلْ مِنْ بَقَايَا الأَمُورِيِّينَ، وَقَدْ حَلَفَ لَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَطَلَبَ شَاوُلُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ لأَجْلِ غَيْرَتِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا.
١. فَدَعَا ٱلْمَلِكُ ٱلْجِبْعُونِيِّينَ: عرف داود أنه كان عليه أن يفعل شيئًا تجاه هذا الأمر. ولهذا بادر في إيجاد حل مع الجبعونيين.
٢. وَطَلَبَ شَاوُلُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ لِأَجْلِ غَيْرَتِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا: عادة ما نفكر أن مثل هذه الغيرة أمر حسن. لكن غيرة شاول المضللة كانت خطية. ومن المؤكد أنها جلبت كارثة على إسرائيل.
· هذا مثل جيد لحقيقة أن النية الحسنة لا تبرر الأفعال السيئة. ونحن في الغالب نبرر الأفعال السيئة فينا وفي الآخرين بسبب ما نعتقد أنه نيّة حسنة.
ج) الآيات (٣-٦): اتفاقية بين داود والجبعونيين
٣قَالَ دَاوُدُ لِلْجِبْعُونِيِّينَ: «مَاذَا أَفْعَلُ لَكُمْ؟ وَبِمَاذَا أُكَفِّرُ فَتُبَارِكُوا نَصِيبَ الرَّبِّ؟» ٤فَقَالَ لَهُ الْجِبْعُونِيُّونَ: «لَيْسَ لَنَا فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ عِنْدَ شَاوُلَ وَلاَ عِنْدَ بَيْتِهِ، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُمِيتَ أَحَدًا فِي إِسْرَائِيلَ». فَقَالَ: «مَهْمَا قُلْتُمْ أَفْعَلُهُ لَكُمْ». ٥فَقَالُوا لِلْمَلِكِ: «الرَّجُلُ الَّذِي أَفْنَانَا وَالَّذِي تَآمَرَ عَلَيْنَا لِيُبِيدَنَا لِكَيْ لاَ نُقِيمَ فِي كُلِّ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ، ٦فَلْنُعْطَ سَبْعَةَ رِجَال مِنْ بَنِيهِ فَنَصْلِبَهُمْ لِلرَّبِّ فِي جِبْعَةِ شَاوُلَ مُخْتَارِ الرَّبِّ». فَقَالَ الْمَلِكُ: «أَنَا أُعْطِي».
١. مَاذَا أَفْعَلُ لَكُمْ؟: في حل المشكلة مع الجبعونيين، لم يقم داود بإملاء شروط عليهم. بل جاء إليهم كخادم، لا كملك.
٢. فَتُبَارِكُوا نَصِيبَ ٱلرَّبِّ: أحس داود بأنه إذا أمكن للجبعونيين أن يباركوا إسرائيل (نَصِيبَ ٱلرَّبِّ)، ستكون المصالحة تامّة، وسينتهي تأديب الرب لإسرائيل.
٣. لَيْسَ لَنَا فِضَّةٌ وَلَا ذَهَبٌ عِنْدَ شَاوُلَ وَلَا عِنْدَ بَيْتِهِ، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُمِيتَ أَحَدًا فِي إِسْرَائِيلَ: أوضح الجبعونيون أنهم لا يريدون مالًا أو تعويضًا مباشرًا. فرغم أن شاول قام بمذبحة جماعية بينهم، إلا أنهم لم يطالبوا بنفس الأمر بين شعب إسرائيل.
٤. فَلْنُعْطَ سَبْعَةَ رِجَالٍ مِنْ بَنِيهِ: في تلك الأزمنة القديمة، كانت تُعَد طلبة الجبعونيين معقولة. فبدلًا من المال، أو ’العين بالعين،‘ لم يطالبوا إلا بالعدالة بالاقتصاص من شاول من خلال نسله. فوافق داود على طلبهم (أَنَا أُعْطِي).
· “كان لدى الله قصد في استئصالهم، لئلا يزعجوا داود – الذي عانى كثيرًا مؤخرًا – ثانية ولكي يتمتع بالهدوء في مملكته.” تراب (Trapp)
٥. أَنَا أُعْطِي: عرف داود أن هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله. يعتقد بعضهم أنه عرف أن هذا صواب لأنه عرف أيضًا أن نسل شاول ساعدوا في هذه المذبحة أو أنهم استفادوا منها.
· من الواضح أنه لم يتم إخبارنا كل شيء عن تلك الحادثة. ويتوجب علينا أن نثق بالمبدأ الذي أعلنه إبراهيم: “أَدَيَّانُ كُلِّ ٱلْأَرْضِ لَا يَصْنَعُ عَدْلًا؟” (تكوين ١٨: ٢٥)
د ) الآيات (٧-٩): داود يفي بالاتفاقية مع الجبعونيين.
٧وَأَشْفَقَ الْمَلِكُ عَلَى مَفِيبُوشَثَ بْنِ يُونَاثَانَ بْنِ شَاوُلَ مِنْ أَجْلِ يَمِينِ الرَّبِّ الَّتِي بَيْنَهُمَا، بَيْنَ دَاوُدَ وَيُونَاثَانَ بْنِ شَاوُلَ. ٨فَأَخَذَ الْمَلِكُ ابْنَيْ رِصْفَةَ ابْنَةِ أَيَّةَ اللَّذَيْنِ وَلَدَتْهُمَا لِشَاوُلَ: أَرْمُونِيَ وَمَفِيبُوشَثَ، وَبَنِي مِيكَالَ ابْنَةِ شَاوُلَ الْخَمْسَةَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ لِعَدْرِئِيلَ بْنِ بَرْزِلاَّيَ الْمَحُولِيِّ، ٩وَسَلَّمَهُمْ إِلَى يَدِ الْجِبْعُونِيِّينَ، فَصَلَبُوهُمْ عَلَى الْجَبَلِ أَمَامَ الرَّبِّ. فَسَقَطَ السَّبْعَةُ مَعًا وَقُتِلُوا فِي أَيَّامِ الْحَصَادِ، فِي أَوَّلِهَا فِي ابْتِدَاءِ حَصَادِ الشَّعِيرِ.
١. وَأَشْفَقَ ٱلْمَلِكُ عَلَى (عفا عن) مَفِيبُوشَثَ: كان مفيبوشث أبرز نسل حي لشاول. وكان من المنطقي أن يُذكر كأول اسم بين السبعة الذي ينبغي تسليمهم إلى الجبعونيين لقتلهم. غير أن داود وعد بحماية مفيبوشث ومباركته. ولن يفي بوعد على حساب آخر.
٢. فَصَلَبُوهُمْ عَلَى ٱلْجَبَلِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ: اختار سبعة ذكور من نسل شاول لتسليمهم ليُعدموا أو يُشنقوا علنًا. ويوحي تعبير ’أَمَامَ ٱلرَّبِّ‘ أن الرب كان موافقًا على إعدامهم.
· كانت طريقة الموت مهمة أيضًا، لأنها حققت وعد تثنية ٢١: ٢٣ “لِأَنَّ ٱلْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ ٱللهِ.” حمل نسل شاول اللعنة التي يستحقها شاول، وأن إسرائيل أنقِذت من ذنب خطيتهم ضد الجبعونيين.
· يشرح هذا الوعد في تثنية ٢١: ٢٣ لماذا مات يسوع صلبًا. تقول غلاطية ٣: ١٣: “اَلْمَسِيحُ ٱفْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ ٱلنَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لِأَجْلِنَا، لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ.”
هـ) الآيات (١٠-١٤أ): نوبة حراسة رصفة
١٠فَأَخَذَتْ رِصْفَةُ ابْنَةُ أَيَّةَ مِسْحًا وَفَرَشَتْهُ لِنَفْسِهَا عَلَى الصَّخْرِ مِنِ ابْتِدَاءِ الْحَصَادِ حَتَّى انْصَبَّ الْمَاءُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَمْ تَدَعْ طُيُورَ السَّمَاءِ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ نَهَارًا، وَلاَ حَيَوَانَاتِ الْحَقْلِ لَيْلاً. ١١فَأُخْبِرَ دَاوُدُ بِمَا فَعَلَتْ رِصْفَةُ ابْنَةُ أَيَّةَ سُرِّيَّةُ شَاوُلَ. ١٢فَذَهَبَ دَاوُدُ وَأَخَذَ عِظَامَ شَاوُلَ وَعِظَامَ يُونَاثَانَ ابْنِهِ مِنْ أَهْلِ يَابِيشِ جِلْعَادَ الَّذِينَ سَرِقُوهَا مِنْ شَارِعِ بَيْتِ شَانَ، حَيْثُ عَلَّقَهُمَا الْفِلِسْطِينِيُّونَ يَوْمَ ضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ شَاوُلَ فِي جِلْبُوعَ. ١٣فَأَصْعَدَ مِنْ هُنَاكَ عِظَامَ شَاوُلَ وَعِظَامَ يُونَاثَانَ ابْنِهِ، وَجَمَعُوا عِظَامَ الْمَصْلُوبِينَ، ١٤وَدَفَنُوا عِظَامَ شَاوُلَ وَيُونَاثَانَ ابْنِهِ فِي أَرْضِ بَنْيَامِينَ فِي صَيْلَعَ، فِي قَبْرِ قَيْسَ أَبِيهِ…
١. فَرَشَتْهُ لِنَفْسِهَا عَلَى ٱلصَّخْرِ مِنِ ٱبْتِدَاءِ ٱلْحَصَادِ حَتَّى ٱنْصَبَّ ٱلْمَاءُ عَلَيْهِمْ مِنَ ٱلسَّمَاءِ: قامت رصفة – وهي أم لاثنين من الأشخاص السبعة الذين سُلِّموا للإعدام – بحراسة لعظامهم حتى هطول المطر المتأخر. وبيّن مجيء الأمطار أن المجاعة انتهت، وأن العدالة تحققت، وأن إسرائيل أنقِذت.
· يعني هذا أن أجساد هؤلاء الأشخاص تُركت غير مدفونة عمدًا. فكان هذا توكيدًا أنهم أُعدموا كعمل دينونة.
٢. وَجَمَعُوا عِظَامَ ٱلْمَصْلُوبِينَ: رتّب داود لدفن هؤلاء الأشخاص السبعة بشكل علني مع بقايا يوناثان وشاول.
و ) الآية (١٤ب): انتهاء المجاعة
١٤… وَعَمِلُوا كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ الْمَلِكُ. وَبَعْدَ ذلِكَ اسْتَجَابَ اللهُ مِنْ أَجْلِ الأَرْضِ.
١. وَعَمِلُوا كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ ٱلْمَلِكُ: قام داود بتوجيه كل هذا بشكل جزئي بناءً على المبدأ المذكور في عدد ٣٥: ٣٣ “لَا تُدَنِّسُوا ٱلْأَرْضَ ٱلَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا، لِأَنَّ ٱلدَّمَ يُدَنِّسُ ٱلْأَرْضَ. وَعَنِ ٱلْأَرْضِ لَا يُكَفَّرُ لِأَجْلِ ٱلدَّمِ ٱلَّذِي سُفِكَ فِيهَا، إِلَا بِدَمِ سَافِكِهِ.” والفكرة هي أن الدم المسفوك الناتج عن جرائم قتل لم يعاقب عليها يدنّس الأرض، وأن الله سيطالب ذات يوم الأمة بذلك الدم.
٢. ٱسْتَجَابَ ٱللهُ مِنْ أَجْلِ ٱلْأَرْضِ: ليس الأمر كما لو أن الله لم يستجب لصلوات إسرائيل منذ قتل شاول للجبعونيين حتى زمن داود. لكن جاء وقت أراد فيه الله التعامل مع هذه الخطية. وفي هذا الوقت، لن يستجيب الله لصلواتهم إلى أن يتم التعامل معها.
· هنالك أسباب كثيرة لعدم استجابة الصلاة. وعندما نرى عدم استجابة لصلواتنا، ينبغي أن نطلب الله لمعالجة هذه المشكلة.
ثانيًا. هزيمة العمالقة الفلسطيين
أ ) الآيات (١٥-١٧): يتقاعد داود من منصبه كمحارب.
١٥وَكَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ بَيْنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَإِسْرَائِيلَ، فَانْحَدَرَ دَاوُدُ وَعَبِيدُهُ مَعَهُ وَحَارَبُوا الْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَأَعْيَا دَاوُدُ. ١٦وَيِشْبِي بَنُوبُ الَّذِي مِنْ أَوْلاَدِ رَافَا، وَوَزْنُ رُمْحِهِ ثَلاَثُ مِئَةِ شَاقِلِ نُحَاسٍ وَقَدْ تَقَلَّدَ جَدِيدًا، افْتَكَرَ أَنْ يَقْتُلَ دَاوُدَ. ١٧فَأَنْجَدَهُ أَبِيشَايُ ابْنُ صَرُويَةَ، فَضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيَّ وَقَتَلَهُ. حِينَئِذٍ حَلَفَ رِجَالُ دَاوُدَ لَهُ قَائِلِينَ: «لاَ تَخْرُجُ أَيْضًا مَعَنَا إِلَى الْحَرْبِ، وَلاَ تُطْفِئُ سِرَاجَ إِسْرَائِيلَ».
١. فَأَعْيَا (ضَعُفَ) دَاوُدُ: يَضْعُف حتى رجال الله العظماء ويشيخون. فمع مرور الزمن، صار داود غير قادر على القتال كما في الماضي. وفي هذه المعركة مع الفلسطيين، تعرضت حياته للخطر عندما ضعُف أمام واحد من نسل جليات.
· واجهت إسرائيل التحدي الذي يمكن أن تواجهه عندما رأت ضعفًا في قائدها. وبما أن هذا الضعف كان مفهومًا – حيث نتج عن تقدم داود في العمر – التفّ رجال إسرائيل حول زعيمهم ليقدموا له ما لا يستطيع أن يقدمه.
٢. فَأَنْجَدَهُ أَبِيشَايُ ٱبْنُ صَرُويَةَ: عندما خارت قوة داود، أنقذه الله من خلال قوة الآخرين. وسيسمح لنا الله بأن نكون في أماكن نحتاج فيها إلى قوة الآخرين.
· اِثْنَانِ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدٍ، لِأَنَّ لَهُمَا أُجْرَةً لِتَعَبِهِمَا صَالِحَةً. لِأَنَّهُ إِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا يُقِيمُهُ رَفِيقُهُ. وَوَيْلٌ لِمَنْ هُوَ وَحْدَهُ إِنْ وَقَعَ، إِذْ لَيْسَ ثَانٍ لِيُقِيمَهُ. أَيْضًا إِنِ ٱضْطَجَعَ ٱثْنَانِ يَكُونُ لَهُمَا دِفْءٌ، أَمَّا ٱلْوَحْدُ فَكَيْفَ يَدْفَأُ؟ وَإِنْ غَلَبَ أَحَدٌ عَلَى ٱلْوَاحِدِ يَقِفُ مُقَابَلَهُ ٱلِٱثْنَانِ، وَٱلْخَيْطُ ٱلْمَثْلُوثُ لَا يَنْقَطِعُ سَرِيعًا” (سفر الجامعة ٤: ٩-١٢).
٣. لَا تَخْرُجُ أَيْضًا مَعَنَا إِلَى ٱلْحَرْبِ: في شيخوخة داود، حان له أن يتقاعد عن الحروب الميدانية. فقد انتهى موسمه كمحارب.
· “يُعَد داود سراجًا تهتدي به إسرائيل كلها. ومن دونه، تغيب الأمة كلها في ظلمة.” كلارك (Clarke)
· “لا يغرق الجسد ما دام الرأس فوق الماء. وحالما يغرق هذا الرأس، يصبح الموت قريبًا. وينطبق هذا المبدأ على هذا الوضع. ولهذا صلّوا أن يحفظ الرب الرؤساء الصالحين. ولا نستطيع أن نصلي من أجلهم من دون أن نصلي من أجل أنفسنا.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (١٨-٢٢): قتل ثلاثة عمالقة فلسطيين آخرين
١٨ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ كَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ فِي جُوبَ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. حِينَئِذٍ سَبْكَايُ الْحُوشِيُّ قَتَلَ سَافَ الَّذِي هُوَ مِنْ أَوْلاَدِ رَافَا. ١٩ثُمَّ كَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ فِي جُوبَ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. فَأَلْحَانَانُ بْنُ يَعْرِي أُرَجِيمَ الْبَيْتَلَحْمِيُّ قَتَلَ جِلْيَاتَ الْجَتِّيَّ، وَكَانَتْ قَنَاةُ رُمْحِهِ كَنَوْلِ النَّسَّاجِينَ. ٢٠وَكَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ فِي جَتَّ، وَكَانَ رَجُلٌ طَوِيلَ الْقَامَةِ أَصَابعُ كُلّ مِنْ يَدَيْهِ سِتٌّ، وَأَصَابعُ كُلّ مِنْ رِجْلَيْهِ سِتٌّ، عَدَدُهَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ، وَهُوَ أَيْضًا وُلِدَ لِرَافَا. ٢١وَلَمَّا عَيَّرَ إِسْرَائِيلَ ضَرَبَهُ يُونَاثَانُ بْنُ شِمْعَى أَخِي دَاوُدَ. ٢٢هؤُلاَءِ الأَرْبَعَةُ وُلِدُوا لِرَافَا فِي جَتَّ وَسَقَطُوا بِيَدِ دَاوُدَ وَبِيَدِ عَبِيدِهِ.
١. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ: بيّن وصف الانتصار هذا على العمالقة الفلسطيين أن إسرائيل يمكن أن تهزم عمالقة من دون داود.
· سَبْكَايُ… أَلْحَانَانُ… يُونَاثَانُ: حقق هؤلاء الرجال أعمالًا بطولية عندما انتهى داود من محاربة العمالقة. وسيظل الله يقيم قادة عندما يغيب قادة الجيل السابق عن المشهد.
· لم تكن تركة داود في ما أنجزه فحسب، بل أيضًا في ما تركه وراءه، وهو شعب مستعد للانتصار من خلال تدريبه ومثاله.
٢. وَكَانَ رَجُلٌ طَوِيلَ الْقَامَةِ أَصَابعُ كُلّ مِنْ يَدَيْهِ سِتٌّ، وَأَصَابعُ كُلّ مِنْ رِجْلَيْهِ سِتٌّ: لا يتوقف مفسرون كثيرون مثل آدم كلارك (Adam Clarke) عن تذكيرنا بأن هذه ظاهرة معروفة: ليست هذه حالة فردية. إذ يخبرنا تافيميير أن بكر الإمبراطور جافا الذي حكم في ١٦٤٩ كانت له ست أصابع في كل من يديه وقدميه. ورأيت ذات مرة في مقاطعة لندندري في إيرلندا شابة لها ست أصابع في كل من يديها وقدميها، لكنها في قامتها لم تكن عملاقة على الإطلاق.”
٣. وَسَقَطُوا بِيَدِ دَاوُدَ وَبِيَدِ عَبِيدِهِ: يتمثل جزء من هذه الفكرة في أن داود يقهر أعداءه الآن، وسيكون هذا أفضل لابنه سليمان في المستقبل. فانتصاراتنا الحالية ليست جيدة لنا الآن فحسب، لكنها تنقل شيئًا مهمًّا للجيل التالي.
· يُعْزى الفضل في هزيمة هؤلاء العمالقة الأربعة بحق إلى يد داود ويد عبيده. إذ كان لداود دور في هذه من خلال مثاله وتدريبه وإرشاده وتأثيره.
· “دع الذين تراجعت قوتهم بعد خدمة طويلة يقْنعوا بأن يسكنوا بين شعب الله ويضيئوا لهم كسراج. وبهذا يمكّنونهم من القيام بنفس المشروعات الإلهية. ويشكل مثل هذا العمل في الأيام الأخيرة من حياة الخادم خدمة عظيمة وسامية أيضًا.” مورجان (Morgan)