أعمال الرسل – الإصحاح ٩
اهتِداء شاول الطرسوسي
أولاً. شاول على طريق دمشق
أ ) الآيات (١-٢): سبب ذهاب شاول إلى دمشق
١أَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تَهَدُّدًا وَقَتْلًا عَلَى تَلَامِيذِ ٱلرَّبِّ، فَتَقَدَّمَ إِلَى رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ ٢وَطَلَبَ مِنْهُ رَسَائِلَ إِلَى دِمَشْقَ، إِلَى ٱلْجَمَاعَاتِ، حَتَّى إِذَا وَجَدَ أُنَاسًا مِنَ ٱلطَّرِيقِ، رِجَالًا أَوْ نِسَاءً، يَسُوقُهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ.
- أَمَّا شَاوُلُ: آخر مرة رأينا فيها شاول كانت في أعمال الرسل ٣:٨ حينما كَانَ يَسْطُو عَلَى ٱلْكَنِيسَةِ وَيَدْخُلُ ٱلْبُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالًا وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى ٱلسِّجْنِ. ونراه هنا يواصل عمله ويتوسع فيه حتى أنه وصل إلى مدينة دِمَشْقَ (تبعد حوالي ٢١٠ كيلومتر شمال شرقي أورشليم؛ رحلة تستغرق ٦ أيام كاملة).
- لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تَهَدُّدًا وَقَتْلًا عَلَى تَلَامِيذِ ٱلرَّبِّ: تعكس هذه الآية صورة شخص مقتنع تماماً ببره الذاتي ومُمتَلِئ غضباً. كان شاول يكره تَلَامِيذِ ٱلرَّبِّ جداً. لم يسعى شاول وراء يسوع بينما كان يسوع يسعى وراءه ويمكننا القول أنه صوَّتَ ضد يسوع بينما صوَّتَ يسوع لصالحه.
- لا نعرف بالتحديد كيف كان مظهر شَاوُلُ الخارجي ولكننا نجد وصفاً في كتاب ابوكريفا قديم يرجع تاريخه إلى نهاية القرن الأول كالتالي: “رجل معتدل القوام أصلع الرأس وأعوج الساقين وله عيون زرقاوية وحاجبان عريضان وأنف معقوف طويل. يبدو أحياناً كرجل عادي وأحياناً أخرى كملاك.” – وردت في كتابات غايبلين (Gaebelein).
- فَتَقَدَّمَ إِلَى رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ: اضطهاد شاول المؤمنين بموافقة مباشر من أعلى السلطات الدينية وأخذ رَسَائِلَ التفويض الرسمية من رئيس الكهنة.
- رئيس الكاهن المذكور هنا هو قيافا. في تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٩٠ تم الكشف عن بقايا عظام لرجل يبلغ من العمر ٦٠ عاماً في صندوق مزين بنقوش في أورشليم حُفر عليه اسم قيافا ولهذا اعتقد الكثير من الباحثين أن العظام تخص قيافا. فإذا كان هذا صحيحاً إذاً تلك هي البقايا المادية الأولى (عظام أو رماد) لشخص مذكور في العهد الجديد.
- لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تَهَدُّدًا وَقَتْلًا: تذكر شاول أيامه كمضطهد حتى بعد إيمانه وأشار إلى هذا في فيلبي الأصحاح ٣ حين قال: مِنْ جِهَةِ ٱلْخِتَانِ مَخْتُونٌ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ، مِنْ جِنْسِ إِسْرَائِيلَ، مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، عِبْرَانِيٌّ مِنَ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ. مِنْ جِهَةِ ٱلنَّامُوسِ فَرِّيسِيٌّ. مِنْ جِهَةِ ٱلْغَيْرَةِ: مُضْطَهِدُ ٱلْكَنِيسَةِ. مِنْ جِهَةِ ٱلْبِرِّ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّامُوسِ: بِلَا لَوْمٍ.
- وكتب المزيد عن خلفيته في غلاطية ١٣:١-١٤ “فَإِنَّكُمْ سَمِعْتُمْ بِسِيرَتِي قَبْلًا فِي ٱلدِّيَانَةِ ٱلْيَهُودِيَّةِ، أَنِّي كُنْتُ أَضْطَهِدُ كَنِيسَةَ ٱللهِ بِإِفْرَاطٍ وَأُتْلِفُهَا. وَكُنْتُ أَتَقَدَّمُ فِي ٱلدِّيَانَةِ ٱلْيَهُودِيَّةِ عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَتْرَابِي فِي جِنْسِي، إِذْ كُنْتُ أَوْفَرَ غَيْرَةً فِي تَقْلِيدَاتِ آبَائِي.”
- اعتقد شاول الطرسوسي المثقف بأن المسيحية كانت مجرد ديانة خاطئة ومضلة. كان فِينَحَاسَ مثل بولس الأعلى: فِينَحَاسَ الذي قتل برمحه رجل وامرأة أُمسكا بعلة الزنى في سفر العدد ٢٥ وكَرَمَهُ الله بمنع الوباء. ربما اعتقد شاول أن ما كان يفعله سيمنع دخول وباء الديانة الزائفة إلى مجتمعه.
- إِذَا وَجَدَ أُنَاسًا مِنَ ٱلطَّرِيقِ: “ٱلطَّرِيقِ” هو الاسم الذي كان يُطلق على المسيحية ويبدو أنه كان أول اسم للحركة المسيحية ويا له من اسم مناسب. استخدم الاسم خمس مرات في أعمال الرسل.
- يعني الاسم ٱلطَّرِيقِ أن المسيحية هي أكثر من مجرد إيمان أو مجموعة من الآراء أو المعتقدات. فإتباع يسوع هو طريقة للعيش وللإيمان.
- من المهم أن نلاحظ أنه كان هناك مجتمع مسيحي كبير في دمشق ليشعر شاول بهذا القلق. كانت المسيحية – ٱلطَّرِيقِ – تنتشر في كل مكان.
ب) الآيات (٣-٦): لقاء الله مع بولس على طريق دمشق
٣وَفِي ذَهَابِهِ حَدَثَ أَنَّهُ ٱقْتَرَبَ إِلَى دِمَشْقَ فَبَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلَهُ نُورٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، ٤فَسَقَطَ عَلَى ٱلْأَرْضِ وَسَمِعَ صَوْتًا قَائِلًا لَهُ: «شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟». ٥فَقَالَ: «مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟». فَقَالَ ٱلرَّبُّ: «أَنَا يَسُوعُ ٱلَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. صَعْبٌ عَلَيْكَ أَن تَرْفُسَ مَنَاخِسَ». ٦فَقَالَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: «يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟». فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: «قُمْ وَٱدْخُلِ ٱلْمَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ».
- فَبَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلَهُ نُورٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ… وَسَمِعَ صَوْتًا: بَغْتَةً حدث هذا في مكانٍ ما خارج دمشق وكان حدثاً رائعاً وغير مألوف. فليس من الطبيعي أن يتواجه الله مع الخطاة بنورٍ سماوي وصوتٍ مسموعٍ من السماء.
- يكشف بولس في أعمال الرسل ٦:٢٢ بأن هذا حدث في منتصف النهار بينما الشمس ساطعة. ومع ذلك يقول بولس بأن هذا النور مِنَ ٱلسَّمَاءِ كان أَفْضَلَ مِنْ لَمَعَانِ ٱلشَّمْسِ (أعمال الرسل ١٣:٢٦).
- فَسَقَطَ عَلَى ٱلْأَرْضِ: كانت ردة فعل شاول ببساطة السَقَوط عَلَى ٱلْأَرْضِ. ولم يكن هذا تكريماً أو احتراماً لله بل مجرد ردة فعل طبيعية طلباً للنجاة لأنه كان مرتعباً من النور السماوي.
- يعتقد كثيرون أن شاول سقط عن الحصان الذي كان يركبه ولكن النصوص في أعمال الرسل ٨ و٣:٢٢-١١ و١٢:٢٦-٢٠ لا تذكر أنه كان يمتطي حصاناً أو أي نوع من الحيوانات. ربما كان يمتطي شيئاً ولكن النص لا يذكر ذلك على وجه التحديد.
- “يفترض كثير من الناس أنه كان يركب حصاناً وهكذا رسمهُ الرسامون. ولكن لا أساس لهذا من الصحة فالرسامين عادة مُعلقين بائسين.” كلارك (Clarke)
- “ومن الأهمية بمكان أن كتاب قصير جداً حاول تغطية انتشار المسيحية من بداياتها المتواضعة في أورشليم لتصبح ديانة تعم الإمبراطورية بأكملها أن يركز على قصة تجديد رجل واحد بهذه الطريقة.” بويس (Boice)
- وَسَمِعَ صَوْتًا قَائِلًا لَهُ: وفقًا لبروس (F.F. Bruce): ظن معظم معلمي اليهود (الرابيُّون) في زمن شاول أن الله لم يعد يتكلم مع الإنسان مباشرة كما كان يفعل في زمن الأنبياء. ولكنهم آمنوا بإمكانية سماع “صَدَى صّوت الله” وأطلقوا عليه اسم: “ابنةِ صّوت الله.” ولكن عرف شاول الآن ومن خلال هذه التجربة أن الإنسان لا يزال قادر على سماع صوت الله مباشرة.
- شَاوُلُ، شَاوُلُ!: عندما يكرر الله اسماً مرتين فإنه يريد إظهار مشاعر معينة ليس بالضرورة أن تكون مشاعر غضب (كما فعل عندما قال: مَرْثَا، مَرْثَا في لوقا ٤١:١٠. أو عندما قال: أورشليم، أورشليم في متى ٣٧:٢٣).
- لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟: تواجه شاول مع طبيعته الخاطئة عندما طغى النور السماوي عليه وعرف أنه كان يضطهد الله وليس الإنسان.
- اعتقد شاول أنه كان يخدم الله عن طريق الهجوم على المسيحيين بشراسة ولكنه اكتشف أنه كان يقاوم الله نفسه.
- للأسف هذا ما كان يحدث عبر التاريخ. معظم المقتنعين بأنهم يقدمون خدمة لله هم في الواقع أسوأ المضطهدين والمعذبين على الإطلاق.
- لا يجوز أن نركز على كلمة تَضْطَهِدُنِي فقط بل علينا ملاحظة كلمة لِمَاذَا أيضاً. فسؤال يسوع: لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ تعني: ” ما بالك يا شاول تفعل هذا الشيء العقيم.”
- أَنَا يَسُوعُ: كان اسم يسوع شائعاً إلى حد ما في ذلك الوقت إلا أن يسوع الناصري المُقام لم يحتاج لكثير من التعريف. فعندما قال أَنَا يَسُوعُ عرف شاول تماماً أي يسوع كان. سمع شاول على الأرجح يسوع يُعلم في أورشليم من قبل، ولأنه كان عضواً في السنهدريم لا بد وأنه جلس أثناء محاكمته قبل الصلب.
- “سواء كان شاول يهذي أم لا فإن ظهور يسوع أثبت أنه حي وأنه هو الله.” بويس (Boice)
- مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟… يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟: رد شاول بأهم سؤالين يمكن لأي شخص أن يسألهم (ويجب أن يسألهم).
- كل منا لديه تساؤلات ويريد طرحها على الله. قدمت مؤسسة غالوب (Gallup) نتائج مسح أجرته عام ١٩٩٠ عن أهم ثلاثة اسئلة يرغب الناس بطرحها على الله. كانت أفضل خمسة ردود كالتالي:
- “هل سيعم السلام الأرض؟”
- “كيف أصبح شخص أفضل؟”
- “ماذا سيحل بي وبعائلتي في المستقبل؟”
- “هل سيكون هناك دواء لكل مرض؟”
- “لماذا المعاناة في العالم؟”
- من الغريب أن يطرح الناس مثل هذه الأسئلة على الله رغم أن الإجابة موجودة في الكتاب المقدس. ولكنها في الحقيقة ليست أهم الأسئلة. أما شاول فطرح الأسئلة الصحيح.
- مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟: علينا رفع هذا السؤال لله بكل تواضع. أظهر يسوع بوضوح من هو الله وهو الوحيد القادر على إعطائنا الإجابة. قضى بولس بقية حياته في البحث عن إجابة شاملة عن هذا السؤال (فيلبي ١٠:٣).
- مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟: لا يجرؤ سوى عدد قليل جداً على طرح هذا السؤال على الله، ولكن حين نفعل علينا طرحه بخضوع ثابت.
- كان سؤال شاول ’مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟‘ شخصياً للغاية. نهتم غالباً بما يريده الله من الآخرين ولكن القلب الخاضع يسأل: “مَاذَا تُرِيدُ أنا أَنْ أَفْعَلَ؟”
- كل منا لديه تساؤلات ويريد طرحها على الله. قدمت مؤسسة غالوب (Gallup) نتائج مسح أجرته عام ١٩٩٠ عن أهم ثلاثة اسئلة يرغب الناس بطرحها على الله. كانت أفضل خمسة ردود كالتالي:
- صَعْبٌ عَلَيْكَ أَن تَرْفُسَ مَنَاخِسَ: تصريح يسوع هذا ما هو إلا مَثَل بسيط يتكلم عن حياة شاول.
- إقحام الجملتين صَعْبٌ عَلَيْكَ أَن تَرْفُسَ مَنَاخِسَ ويَا رَبُّ مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟ في أعمال الرسل ٥:٩-٦ كان دقيقاً للغاية بالرغم من عدم وجودهما في النص الأصلي. قام الكتبة بإضافة هذه الجمل لاحقاً بناءً على أعمال الرسل ١٠:٢٢ و ١٤:٢٦ واعتقدوا أنهم بهذا يقدمون خدمة لله.
- المِنخَس هو عبارة عن عصى طويلة ذات نهاية حادة ويستخدم لنخز قدم الثور من الخلف ليتعاون مع المزارع ويسير على الدرب المطلوب.
- نستطيع القول وبشكل أساسي بأن شاول هو الثور ويسوع هو المزارع. كان شاول عنيداً وغبياً ولكنه كان نافعاً ومهماً لخدمة السيد. نخز يسوع شاول كي يسير في الاتّجاه الصحيح وهذا سَبَّبَ الألم لشاول وبدلاً من الخضوع ليسوع كان يركل ضد المناخس مما زاد من ألمه.
- وليس من المبالغة القول أننا نتصرف كالثيران الغبية إن لم نطرح هذين السؤالين المهمين ونستمع بطاعة لردود الله.
- ربما نتذمر من مقارنة الله لنا بالثيران وهي فعلاً مقارنة غير عادلة. ففي نهاية المطاف هل سبق وتمرد الثور على الله مثلنا؟ أظنّ أن الله مدين للثيران بالاعتذار!
- كان هناك ما يَنخَز ضمير شاول. فعلى الرغم من كل الثقة التي أظهرها شاول كان هناك ما يزعجه من الداخل. كان شاول يقاوم هذا الشعور ومع ذلك لم يزول، ربما بدأ هذا الصراع بعد صلاة استفانوس (أعمال الرسل ٥٧:٧-٦٠).
- صَعْبٌ عَلَيْكَ: تُظهر هذه الجملة محبة يسوع العظيمة. فبالرغم من تعرضه للاضطهاد فقد كان قلقاً على شاول. يا لقلب يسوع الرقيق.
- وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: حقيقة أن شاول كان مُرْتَعِداً وَمُتَحَيِّراً تؤكد على أن المواجهة مع الله ليست بالأمر الممتع. كان شاول مرتعداً من هذا الاختبار ولم تتملكه مشاعر فياضة دافئة.
- لا يقدم أعمال الرسل الأصحاح ٩ تفاصيل ما حدث هنا ولكننا نعرف المزيد عن هذا الاختبار من بولس نفسه في أعمال الرسل ٣:٢٢-١١، ١٨، كورنثوس الأولى ١:٩، ٨:١٥ ومن برنابا في أعمال الرسل ٢٧:٩ ومن حنانيا في أعمال الرسل ١٧:٩. وتشير كل هذه الروايات إلى أن يسوع ظهر لشاول شخصياً في هذه الرؤيا المجيدة.
- أغمض شاول عينيه بشدة بلا شك كرد فعل طبيعية مع هذا النور العظيم ومع ذلك ظهر يسوع أمامه. وهذا ما اختبرناه نحن أيضاً حيث ظهر يسوع وتعامل معنا حتى عندما كانت أعيننا مغمضة.
- تَعَلَّم شاول الإنجيل الذي سيكرز به طيلة حياته عندما التقى بيسوع. فيقول في رسالته إلى أهل غلاطية ١١:١-١٢ “أيُّها الإخوَةُ أُرِيدُكُمْ أنْ تَعرِفُوا أنَّ البِشارَةَ الَّتِي بَشَّرْتُكُمْ بِها لَيسَتْ مِنْ مَصْدَرٍ بَشَرِيٍّ. فَأنا لَمْ آخُذْها مِنْ إنسانٍ وَلَمْ يُعَلِّمْنِي إيّاها إنسانٌ وَلَكِنَّ يَسُوعَ المَسِيحَ كَشَفَها لِي.”
- يَا رَبُّ مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟: عندما طرح شاول هذا السؤال أخبره يسوع عما يجب أن يفعله في تلك اللحظة فقط.
- وهذا ما يفعله الله غالباً حينما يقود حياتنا. فهو يرشدنا خطوة بخطوة ولا يعطينا كل التفاصيل دفعة واحدة.
ج ) الآيات (٧-٩): شاول بعد الطريق إلى دمشق
٧وَأَمَّا الرِّجَالُ الْمُسَافِرُونَ مَعَهُ فَوَقَفُوا صَامِتِينَ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَلاَ يَنْظُرُونَ أَحَداً. ٨ فَنَهَضَ شَاوُلُ عَنِ الأَرْضِ وَكَانَ وَهُوَ مَفْتُوحُ الْعَيْنَيْنِ لاَ يُبْصِرُ أَحَداً. فَاقْتَادُوهُ بِيَدِهِ وَأَدْخَلُوهُ إِلَى دِمَشْقَ. ٩وَكَانَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ يُبْصِرُ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ.
- وَأَمَّا الرِّجَالُ الْمُسَافِرُونَ مَعَهُ فَوَقَفُوا صَامِتِينَ: كانت هذه التجربة غير مفهومة للمسافرين مع شاول ولكن عندما فتح شاول عينيه (من المحتمل أنه أغلق عينيه خوفاً من النور السماوي) لم يتمكن من رؤية أحد (وَكَانَ وَهُوَ مَفْتُوحُ الْعَيْنَيْنِ لاَ يُبْصِرُ أَحَداً).
- وكأن الله يقول لشاول: “ستبقى أعمى جسدياً بعض الوقت لأنك كنت أعمى روحياً ولأنك أغلقت عينيك عن رؤية نوري ومخلصي.”
- وَكَانَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ يُبْصِرُ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ: يبدو أن شاول كان مصدوماً للغاية من تلك التجربة حتى أنه لم يتمكن من الأكل أو الشرب لمدة ثلاثة أيام وكل ما فعله هو الجلوس في صمت أعمى. يا لها من تجربة مُذلة بالنسبة له ولا بد أنها تحدت كل أفكاره السابقة عن حقيقة الله والسؤال عما يرضيه.
- كان شاول يموت عن الذات لمدة ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لا يبصر أو يأكل أو يشرب فيها ولكن سرعان ما سيحصل على حياة القيامة من يسوع.
ثانياً. الله يرعى شاول من خلال حنانيا
أ ) الآيات (١٠-١٢): رسالة الله لحنانيا
١٠وَكَانَ فِي دِمَشْقَ تِلْمِيذٌ اسْمُهُ حَنَانِيَّا فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ فِي رُؤْيَا: «يَا حَنَانِيَّا». فَقَالَ: «هَأَنَذَا يَا رَبُّ». ١١فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى الزُّقَاقِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُسْتَقِيمُ وَاطْلُبْ فِي بَيْتِ يَهُوذَا رَجُلاً طَرْسُوسِيّاً اسْمُهُ شَاوُلُ – لأَنَّهُ هُوَذَا يُصَلِّي. ١٢وَقَدْ رَأَى فِي رُؤْيَا رَجُلاً اسْمُهُ حَنَانِيَّا دَاخِلاً وَوَاضِعاً يَدَهُ عَلَيْهِ لِكَيْ يُبْصِرَ».
- وَكَانَ فِي دِمَشْقَ تِلْمِيذٌ اسْمُهُ حَنَانِيَّا: لا نعرف شيئاً عن حنانيا قبل أو بعد لقائه هذا مع شاول ولا نعرف كيف وصل إلى دِمَشْقَ وما حل به لاحقاً. ولكن يبدو مما نعرفه عنه أنه كان مؤمناً عادياً “تِلْمِيذٌ.”
- كان حنانيا رجلاً عادياً ولم يكن رسولاً أو نبياً أو راعياً أو مبشراً أو شيخاً أو حتى شماساً ولهذا استخدمه الله. إن كان مَنْ خَدَمَ شاول رسولاً أو شخصاً مهماً لقال الناس أن الإنجيل جاء لشاول من البشر وليس من يسوع. وبنفس الطريقة يريد الله أن يستخدم تِلْمِيذ عادي لأنه هناك خدمة خاصة له.
- من الناحية النظرية لم يكن من الضروري أن يستخدم الله شخص كحنانيا ليعمل في حياة شاول بهذه الطريقة. ولأن حَنَانِيَّا تِلْمِيذٌ عادي نستطيع القول أن الله استخدمه بكل بساطة لأنه يحب استخدام الأشخاص العاديين ولأن حنانيا كان خادماً مستعداً. سأل حنانيا نفس سؤال شاول: “يَا رَبُّ مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟” (أعمال الرسل ٦:٩) وكان هذا ظاهراً في حياته.
- فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ فِي رُؤْيَا: تكلم الله مع حنانيا بطريقة تختلف تماماً عن شاول. فقد كانت مواجهة شاول مع الله عنيفة وجريئة بعض الشيء أما حنانيا فقد سمع دعوة الله له كصوت عذب من خلال رؤيا وأطاع بدوره. كانت إجابة حنانيا: ’هَأَنَذَا يَا رَبُّ‘ هي الإجابة الأمثل.
- ينبغي ألا نتعجب عندما يتجاوب بعض الأشخاص مع كلمة الله بمقاومة وشك كما فعل شاول في البداية. وليس من الغريب بل من الطبيعي أن يتجاوب تلاميذ يسوع مع كلمة الله كما فعل حنانيا تماماً.
- كانت رؤيا حنانيا محددة للغاية. فقد أخبره الله بالتحديد عن:
- اسم الشارع (إِلَى الزُّقَاقِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُسْتَقِيمُ)
- والمنزل (بَيْتِ يَهُوذَا)
- والشخص (رَجُلاً طَرْسُوسِيّاً اسْمُهُ شَاوُلُ)
- وماذا كان يفعل (هُوَذَا يُصَلِّي)
- والرؤيا التي اختبرها (قَدْ رَأَى فِي رُؤْيَا رَجُلاً اسْمُهُ حَنَانِيَّا)
- كان هذا التحديد ضرورياً وهاماً بالنسبة لحنانيا لأن لقاءه مع شاول المضطهد العظيم كان مليئاً بالمخاطر ويتطلب جرأة شديدة. احتاج حنانيا لتأكيد من أن الرؤيا هي من الله لهذا قدم الله عدة تأكيدات ليطمئنه.
- قُمْ وَاذْهَبْ: كانت تعليمات الله لحنانيا واضحة جداً ولكن الغريب أن الله أخبر حنانيا أثناء الرؤيا عن تفاصيل رؤيا شاول.
- هُوَذَا يُصَلِّي: يدل هذا على تغيير حقيقي في قلب المضطهد الشهير لتلاميذ المسيح. نستطيع القول أن شاول لم يصلِ صلاة حقيقة من قبل واعتاد على ترديد الصلوات الشكلية:
- كانت صلواته ميكانيكية أكثر منها روحية.
- لم يصلِ قبلاً ليسوع الوسيط الوحيد.
- لم يصلِ قبلاً باسم يسوع.
- لم يصلِ قبلًا بقلب متواضع قريب من الله.
- رفع شاول الكثير من الصلوات من قبل ولكنه لم يصلِ في الواقع مطلقاً.
ب) الآيات (١٣-١٦): تعامل الله مع اعتراضات حنانيا
١٣فَأَجَابَ حَنَانِيَّا: «يَا رَبُّ قَدْ سَمِعْتُ مِنْ كَثِيرِينَ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ كَمْ مِنَ الشُّرُورِ فَعَلَ بِقِدِّيسِيكَ فِي أُورُشَلِيمَ. ١٤وَهَهُنَا لَهُ سُلْطَانٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ أَنْ يُوثِقَ جَمِيعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِكَ». ١٥فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ لأَنَّ هَذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. ١٦لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي».
- يَا رَبُّ قَدْ سَمِعْتُ مِنْ كَثِيرِينَ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ: سمع حنانيا بكل تأكيد بأن شاول الطرسوسي المضطهد الغاضب والعنيف كان قادماً من أورشليم. حتماً استعد التلاميذ في دمشق بقلق بالغ للاضطهاد المحتوم.
- سَمِعْتُ مِنْ كَثِيرِينَ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ كَمْ مِنَ الشُّرُورِ فَعَلَ: كانت اعتراضات حنانيا منطقية جداً ومبنية على أساس سليم ولكنها افترضت بأن الله يحتاج لتوجيه أو على الأقل يحتاج لنصيحة، وكأنه يقول لله: “أتعرف يا رب أي نوع من الرجال شاول؟”
- عرف حنانيا الكثير عن مهمة شاول (كَمْ مِنَ الشُّرُورِ فَعَلَ بِقِدِّيسِيكَ فِي أُورُشَلِيمَ… وَهَهُنَا لَهُ سُلْطَانٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ أَنْ يُوثِقَ جَمِيعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِكَ) ويبدو أن هذا كان معروفاً على نطاق واسع.
- هَذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي: كان لله دعوة خاصة على حياة شاول ولكنه لم يوضحها له بعد حتى هذه النقطة ولكنه أعلنها لحنانيا.
- اعتبر الله شاول إِنَاءٌ مُخْتَارٌ له منذ زمن طويل وقبل أن يظهر فيه شيء يستحق التقدير. عرف الله ماذا سيصنع من شاول حتى قبل أن يعرف ذلك شاول أو حنانيا.
- لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ: تصف هذه الآية الخطوط العريضة للدعوة وللخدمة المستقبلية التي سيقوم بها هذا الرجل المكسور والأعمى والبائس الذي سيقابله حنانيا قريباً. فقد دعاه الله ليكرز عنه (اسْمِي) وعن عمله العظيم للأُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ.
- لا يمكننا أن نلوم حنانيا على عدم إيمانه فقد كانت تلك دعوة رائعة وعظيمة ولا تتناسب مع شخص كشاول.
- لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي: هذه الكلمات إضافة واقعية للدعوة العظيمة التي وضعها الله على حياة شاول. فسوف يتخلى شاول عن حياة مليئة بالامتيازات ليحتضن دعوى أسمى ولكنها دعوة ستجعله يتألم كثيراً.
ج ) الآيات (١٧-١٩): صلاة حنانيا وشفاء شاول وقبوله للروح القدس
١٧فَمَضَى حَنَانِيَّا وَدَخَلَ الْبَيْتَ وَوَضَعَ عَلَيْهِ يَدَيْهِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الأَخُ شَاوُلُ قَدْ أَرْسَلَنِي الرَّبُّ يَسُوعُ الَّذِي ظَهَرَ لَكَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جِئْتَ فِيهِ لِكَيْ تُبْصِرَ وَتَمْتَلِئَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ». ١٨فَلِلْوَقْتِ وَقَعَ مِنْ عَيْنَيْهِ شَيْءٌ كَأَنَّهُ قُشُورٌ فَأَبْصَرَ فِي الْحَالِ وَقَامَ وَاعْتَمَدَ. ١٩وَتَنَاوَلَ طَعَاماً فَتَقَوَّى. وَكَانَ شَاوُلُ مَعَ التَّلاَمِيذِ الَّذِينَ فِي دِمَشْقَ أَيَّاماً.
- فَمَضَى حَنَانِيَّا وَدَخَلَ الْبَيْتَ: تطلب هذا الكثير من الشجاعة. تعامل المؤمنين على مر العصور مع أشخاص تظاهروا بالإيمان ليتغلغلوا وسط الكنيسة. كان على حنانيا أن يتغلب على مشاعر الخوف والشك.
- وَوَضَعَ عَلَيْهِ يَدَيْهِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الأَخُ شَاوُلُ»: يُظهر الفعل وَوَضَعَ عَلَيْهِ يَدَيْهِ والكلمات أَيُّهَا الأَخُ شَاوُلُ محبة الله بقوة. لم يتمكن شاول الأعمى من رؤية محبة حنانيا ولهذا كان على حنانيا أن يوّصل تلك المحبة له باللمس والكلمات.
- وَتَمْتَلِئَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ: يبدو أنها اللحظة التي ولد فيها شاول ثانية. وهنا امتلأ شاول من الروح القدس وشُفيَّ من عماه الروحي والجسدي أيضاً.
- تَمْتَلِئَ: كسر الله شاول ولكنه لا يريده أن يبقى كذلك. أراد الله أن يكسر شاول ليتمكن من ملئه وتركه ممتلئاً.
- “كثيراً ما يقال أن شاول اهتدى (تجدد) في الطريق إلى دمشق ولكن ليس لذلك أي أساس من الصحة. تغير شاول عندما تواجه مع الناموس ولكن هذا التغيير لم يتم إلا عندما دخلت البشارة إلى قلبه بالإيمان ولم يحدث هذا على الطريق بل في دمشق.” لينسكي (Lenski)
- فَأَبْصَرَ فِي ٱلْحَالِ، وَقَامَ وَٱعْتَمَدَ: أراد شاول عندما أبصر جسدياً وروحياً أن يتحد مع يسوع ومع التلاميذ ولهذا قَامَ وَٱعْتَمَدَ.
- لا نعلم إن كان حنانيا قد عَلَمَ شاول عن المعمودية ربما قد فعل ولكن الاحتمال الأرجح هو أن شاول رأى معمودية من قبل (كالذي حصل يوم الخمسين في أعمال الرسل ٤١:٢). وربما عرف عن المعمودية من ضمن الأشياء الكثيرة التي سمعها من الله مباشرة بينما كان ينتظر وصول حنانيا ولا سيما أنه أخبره عن اسم الرجل الذي كان سيأتي ويصلي له كي يبصر (أعمال الرسل ١٢:٩).
- وَتَنَاوَلَ طَعَامًا فَتَقَوَّى: بدأ شاول يتقوى جسدياً وروحياً في الحال. كان الله مهتماً بكلا الأمرين.
- وَكَانَ شَاوُلُ مَعَ ٱلتَّلَامِيذِ ٱلَّذِينَ فِي دِمَشْقَ أَيَّامًا: أصبح شاول محسوباً الآن على ٱلتَّلَامِيذِ كما وأصبح صديقاً مع الذين حاول أن يسجنهم أو يقتلهم في السابق. وهذا يدل على تغيير جذري وملحوظ.
- اعتبر بولس تجربة اهتدائه كنمط عام لكل المؤمنين: أَنَا ٱلَّذِي كُنْتُ قَبْلًا مُجَدِّفًا وَمُضْطَهِدًا وَمُفْتَرِيًا. وَلَكِنَّنِي رُحِمْتُ، لِأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْلٍ فِي عَدَمِ إِيمَانٍ. لَكِنَّنِي لِهَذَا رُحِمْتُ: لِيُظْهِرَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ فِيَّ أَنَا أَوَّلًا كُلَّ أَنَاةٍ، مِثَالًا لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ لِلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ. (تيموثاوس الأولى ١٣:١، ١٦).
- إن كانت تجربة بولس هي النمط إذاً نستطيع تقاسم خبراته. ولكي يحصل هذا على يسوع أن يواجهنا بنفسه وبخطايانا وعصياننا ضده حتى التي ارتكبناها عن جهل. وحينما نضع إيماننا وثقتنا به علينا أن ننتظر بتواضع عمله في قلوبنا وهو الأمر الذي لا يستطيع أحد أن يفعله سواه.
- يذكرنا اهتداء شاول بأن جوهر الخلاص هو عمل الله فينا ودورنا أن نتجاوب مع هذا العمل.
- يذكرنا اهتداء شاول أن الله يجد أولئك الذين لا يبحثون عنه ظاهرياً على الإطلاق. رؤية تعامل الله مع شاول يشجعنا على الثقة بقدرته على التعامل مع أولئك الذين نعتقد أنهم بعيدين جداً عنه. فكثيراً ما نفشل من الآخرين حولنا ونعتقد أنهم لن يؤمنوا بيسوع أبداً ولكن أظهر مثل شاول أن الله قادر على التعامل مع أي شخص مهما كانت حالته.
- يذكرنا اهتداء شاول بأن الله يبحث عن أشخاص مستعدين للتعاون معه على تغيير حياة الآخرين حتى وإن شعروا بعدم أهمية الدور الذي يلعبونه، فالله يريد من خلالهم أن يبرهم على أهمية كل عضو من عائلته.
- يذكرنا اهتداء شاول أن الانكسار أمام الله ليس كافياً بالضرورة على الرغم من أهميته. فالله يريد أن يستخدم الانكسار كمقدمة للملء.
ثالثاً. بداية خدمة شاول في دمشق وأورشليم
أ ) الآيات (٢٠-٢٢): شاول يكرز بقوة في دمشق
٢٠وَلِلْوَقْتِ جَعَلَ يَكْرِزُ فِي ٱلْمَجَامِعِ بِٱلْمَسِيحِ: «أَنْ هَذَا هُوَ ٱبْنُ ٱللهِ». ٢١فَبُهِتَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا: «أَلَيْسَ هَذَا هُوَ ٱلَّذِي أَهْلَكَ فِي أُورُشَلِيمَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ بِهَذَا ٱلِٱسْمِ؟ وَقَدْ جَاءَ إِلَى هُنَا لِهَذا لِيَسُوقَهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ!». ٢٢وَأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَزْدَادُ قُوَّةً، وَيُحَيِّرُ ٱلْيَهُودَ ٱلسَّاكِنِينَ فِي دِمَشْقَ مُحَقِّقًا: «أَنَّ هَذَا هُوَ ٱلْمَسِيحُ».
- وَلِلْوَقْتِ جَعَلَ يَكْرِزُ فِي ٱلْمَجَامِعِ بِٱلْمَسِيحِ: لأن شاول كان طالباً مجتهداً عند غَمَالَائِيلُ مُعَلِّم النَّامُوسِ العظيم، استغل على الفور تقاليد المجمع والتي كانت تسمح بأن يقف أي رجل يهودي لديه القدرة على شرح الكتب المقدسة ويعلم الشعب.
- يَكْرِزُ فِي ٱلْمَجَامِعِ بِٱلْمَسِيحِ: كانت رسالة شاول تتمحور حول يسوع. فقد عرف تماماً أنهم بحاجة لمعرفة حقيقة يسوع وأَنْه هُوَ ٱبْنُ ٱللهِ.
- يعتقد كثيرون أن تسمية يسوع بلقب ابن الله يعني أنه يحتل مكانة أقل من الله. ولكن عرف كل من عاش في زمن يسوع معنى هذا اللقب تماماً. فعندما يدعى أحدهم “ابن فلان” فهذا يعني ارتباطه الكامل بهذا الشخص وبأن هويتهم أصبحت هويتك. فعندما دعا يسوع نفسه ابن الله، وعندما دعاه البعض بهذا اللقب، عرف الجميع أنه يشير إلى ألوهيته.
- اِتَّهَمَوا يسوع بالتجديف في مناسبتين مختلفتين عندما أدعى أنه ابن الله (يوحنا ١٧:٥-١٨، متى ٦٣:٢٦-٦٥). فهم الجميع ما عناه يسوع عندما قال عن نفسه ابن الله وبالتالي فهم الجميع ما عناه شاول عندما كرز أن يسوع هُوَ ٱبْنُ ٱللهِ.
- الكرازة عن يسوع ٱبْنُ ٱللهِ تعني الحديث عن حياته المثالية وخاصة عمله من أجلنا على الصليب. الكرازة هي الحديث عن كيف خلصنا الله من خلال عمل يسوع.
- أَلَيْسَ هَذَا هُوَ ٱلَّذِي أَهْلَكَ فِي أُورُشَلِيمَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ بِهَذَا ٱلِٱسْمِ؟: اندهش الناس فعلاً من اهتداء شاول وكان من الصعب عليهم أن يصدقوا كيف يمكن ليسوع أن يغير حياة أحدهم بهذه الطريقة. كتب بولس بعد سنوات الكلمات التالية: إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: ٱلْأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا (كورنثوس الثانية ١٧:٥). عاش بولس هذه الآية قبل أن يكتبها بسنوات عدة.
- وَأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَزْدَادُ قُوَّةً: لا ينبغي أن نتفاجأ من خدمة شاول مباشرة بعد اهتدائه. فبداية الإيمان هو أفضل وقت عادة للخدمة ولتوصيل رسالة الإنجيل للآخرين. ففي بداية إيماننا، نحن لا زلنا نفهم الطريقة التي يفكر بها غير المؤمنين.
- فكرة عدم تولي حديثي الإيمان مناصب في الكنيسة صحيحة للغاية (تيموثاوس الأولى ٦:٣) ولكنك لا تحتاج إلى منصب لتخدم الله وتخبر الآخرين عن يسوع.
- كان استعداد شاول لخدمة الرب عاملاً مُساهماً في حقيقة أنه كان يَزْدَادُ قُوَّةً. يمنحنا الله حينما نسعى لخدمة الآخرين بمزيد من القوة.
- مُحَقِّقًا: «أَنَّ هَذَا هُوَ ٱلْمَسِيحُ» (مُبَرهِناً أنَّ يَسُوعَ هُوَ المَسِيحُ حَقّاً): كان بإمكان شاول الخبير في العهد القديم أن يبرهن بسهولة على أن يسوع هو المسيا الموعود به في الكتب العبرية المقدسة.
ب) الآيات (٢٣-٢٥): هروب شاول من دمشق
٢٣وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ تَشَاوَرَ ٱلْيَهُودُ لِيَقْتُلُوهُ، ٢٤فَعَلِمَ شَاوُلُ بِمَكِيدَتِهِمْ. وَكَانُوا يُرَاقِبُونَ ٱلْأَبْوَابَ أَيْضًا نَهَارًا وَلَيْلًا لِيَقْتُلُوهُ. ٢٥فَأَخَذَهُ ٱلتَّلَامِيذُ لَيْلًا وَأَنْزَلُوهُ مِنَ ٱلسُّورِ مُدَلِّينَ إِيَّاهُ فِي سَلٍّ.
- وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ: يشرح بولس في غلاطية ١٣:١-١٨ المزيد عما حدث في تلك الأيام الكثيرة. وصف ذهابه إلى العربية لفترة من الوقت ثم عودته إلى دمشق وثم إلى أورشليم. قضى شاول ما مجموعه ثلاث سنوات في دمشق والعربية (غلاطية ١٨:١) وهذا حقاً ما عنته الآية: أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ.
- أشار بولس في كورنثوس الثانية ٣٢:١١-٣٣ أن هذه الحادثة وقعت تَحتَ سُلطَةِ المَلِكِ الحارِث (أريتاس)، مما يعني أن هروبه من دمشق وقع ما بين العامين ٣٧ و٣٩ م. فإذا أخذنا بالاعتبار السنوات الثلاث المذكورة في غلاطية ١٨:١وهذه الحادثة التي وقعت في نهاية تلك السنوات الثلاث إذاً يمكننا أن نستنتج أن بولس آمن (اهتدى) في الفترة ما بين ٣٤ و٣٦م.
- تَشَاوَرَ ٱلْيَهُودُ لِيَقْتُلُوهُ: كانت تلك بداية المعاناة التي سيمر بها بولس من أجل اسم يسوع كما هو مذكور في أعمال الرسل ١٦:٩. أصبح شاول الآن مُضطَهَداً وليس المُضطهِد.
- فَعَلِمَ شَاوُلُ بِمَكِيدَتِهِمْ: عَلِمَ شاول الآن ما يعنيه الاضطهاد بسبب الإيمان ولكنه اختبر قوة الله المُحررة. تمتع شاول بالعناية الإلهية حتى إكتمال خدمته.
- فَأَخَذَهُ ٱلتَّلَامِيذُ لَيْلًا وَأَنْزَلُوهُ مِنَ ٱلسُّورِ مُدَلِّينَ إِيَّاهُ فِي سَلٍّ: اختبر شاول الحماية الإلهية وسط الاضطهاد فعلاً ولكنه عرف أيضاً أن عناية الله تأتي غالبًا بطرق بسيطة ومتواضعة. فليست هناك نصرة في الهرب لَيْلًا فِي سَلَّةٍ.
- “لم تكن تلك أول مرة يهرب فيها بولس بل كانت تلك مجرد البداية. لم يهرب بولس دائماً وكان يقبض عليه أحياناً ويوضع في السجن ويضرب. عانى بولس كثيراً من أجل خاطر يسوع.” بويس (Boice)
ج) الآيات (٢٦-٣٠): شاول مع المؤمنين في أورشليم
٢٦وَلَمَّا جَاءَ شَاوُلُ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَاوَلَ أَنْ يَلْتَصِقَ بِٱلتَّلَامِيذِ، وَكَانَ ٱلْجَمِيعُ يَخَافُونَهُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ أَنَّهُ تِلْمِيذٌ. ٢٧فَأَخَذَهُ بَرْنَابَا وَأَحْضَرَهُ إِلَى ٱلرُّسُلِ، وَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ أَبْصَرَ ٱلرَّبَّ فِي ٱلطَّرِيقِ وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ، وَكَيْفَ جَاهَرَ فِي دِمَشْقَ بِٱسْمِ يَسُوعَ. ٢٨فَكَانَ مَعَهُمْ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ فِي أُورُشَلِيمَ وَيُجَاهِرُ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ. ٢٩وَكَانَ يُخَاطِبُ وَيُبَاحِثُ ٱلْيُونَانِيِّينَ، فَحَاوَلُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ. ٣٠فَلَمَّا عَلِمَ ٱلْإِخْوَةُ أَحْدَرُوهُ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ وَأَرْسَلُوهُ إِلَى طَرْسُوسَ.
- حَاوَلَ أَنْ يَلْتَصِقَ بِٱلتَّلَامِيذِ، وَكَانَ ٱلْجَمِيعُ يَخَافُونَهُ: يبدو شك المؤمنين في أورشليم غريباً حتى بعد مرور ثلاث سنوات على اهتداء شاول. ربما ظنوا أنه كان جزءً من مؤامرة مُحكمة وواسعة النطاق ضدهم أو ربما تساءلوا عن سبب ذهابه بمفرده إلى العربية كل هذه الفترة أو ربما لم يقبلوا بمثل هذا التغيير الدراماتيكي قبل أن يختبروا إيمانه بأنفسهم. ولهذا كانوا غَيْرَ مُصَدِّقِينَ أَنَّهُ تِلْمِيذٌ.
- قد يترك البعض إيمانهم بيسوع إن تصرف معهم المؤمنين بهذه الطريقة وربما يقولون: “لقد خدمنا الرب لمدة ثلاث سنوات وكرزنا بيسوع المسيح وتحملنا عدة محاولات للاغتيال والكثير من التهديدات بالقتل ولا تقبلون بنا كمؤمنين مسيحيين؟ أهذه هي محبة يسوع؟”
- ولكن قلب شاول كان ممتلئاً بمحبة نحو يسوع ونحو التلاميذ. كان هذا مؤلماً بالنسبة له دون شك ولكنه عرف أن التلاميذ في أورشليم تذكروا حتماً المؤمنين الذين قتلهم شاول واضطهدهم. إن افتقر التلاميذ في أورشليم إلى بعض المحبة أضاف شاول محبته للتعويض عن ذلك النقص.
- فَأَخَذَهُ بَرْنَابَا وَأَحْضَرَهُ إِلَى ٱلرُّسُلِ: نشكر الله من أجل أشخاص مثل برنابا وحنانيا الذين سيرحبان بالناس في عائلة الله وسيبنون علاقة صداقة معهم.
- قدم برنابا ببساطة محبة يسوع لشاول. كتب بولس لاحقاً المحبة تُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ (كورنثوس الأولى ٧:١٣).
- فَكَانَ مَعَهُمْ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ فِي أُورُشَلِيمَ: كتب بولس في غلاطية ١٨:١ أنه مكث عند بطرس خمسة عشر يوماً في رحلته الأولى إلى أورشليم. وكتب أنه لم يتقابل مع كل الرُسل بل تقابل فقط مع بطرس ويعقوب أخو يسوع.
- الوقت الذي صرفه شاول مع الُرسل في أورشليم كان مهماً لأنهم أخيراً رحبوا به وقبلوه كجزء من العائلة. ولكنه أشار للوقت البسيط الذي صرفه مع الرسل ليؤكد على حقيقة أن أنجيله لم يأتي منهم. مع أنه استمتع بالبركة واستفاد كثيراً من وقته هناك ولكنه تلقى رسالته مباشرة من يسوع على الطريق إلى دمشق. ألمح لوقا إلى أن شاول تكلم مع الرسل وحَدَّثَهُمْ كَيْفَ أَبْصَرَ ٱلرَّبَّ فِي ٱلطَّرِيقِ وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ. ولا شك في أن الرسل فرحوا لأنهم جميعاً تلقوا نفس الرسالة من يسوع.
- وَيُجَاهِرُ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ… فَحَاوَلُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ: ومرة أخرى نرى كيف واجه شاول الاضطهاد ومحاولات القتل. أصبح هذا نمطاً متكرراً في حياته.
- بدأت قصة اهتداء شاول لحظة خروجه من أورشليم لاضطهاد أتباع يسوع وانتهت عندما ترك أورشليم كتلميذ مضطهد.
- أَحْدَرُوهُ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ وَأَرْسَلُوهُ إِلَى طَرْسُوسَ: بسبب الاضطهاد أَحْدَرُوهُ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ. مرت عدة سنوات من حياة شاول (ما بين ٨ و١٢ سنة تقريباً) قبل أن يبدأ خدمته الثانية ويعمل كمُرسل من الكنيسة في أنطاكية. أهتم بَرْنَابَا بشاول في ذلك الوقت وأحبه.
- كان شاول الطرسوسي مُعلم يهودي يافع ونشط، ثم أصبح شاول المضطهد وبعدها شاول الأعمى، ثم شاول المؤمن ثم المُبشر. ولكنه قضى ما بين ٨ و١٢ عاماً كشاول المجهول وغير المعروف قبل أن يصبح الرسول بولس. لم تهدر تلك سنوات بل كانت سنوات جيدة وضرورية.
- كانت طَرْسُوسَ من المدن الكبرى في العالم القديم وتتمتع بموقع استراتيجي على الطرق التجارية وبها ميناء. وكانت مشهورة بشكل خاص كمدينة جامعية باعتبارها إحدى أكبر ثلاث مدن تعليمية في منطقة البحر الابيض المتوسط. كتب وليامز (Williams): “تحدث سترابو (Strabo) عن جامعة تارسيان وكيف كانت تتفوق في بعض النواحي على جامعات أثينا والأسكندرية (Geography ١٤.٥.١٣). بالإضافة إلى ذلك كانت مهمة كونها مركزاً للفلسفة الرواقية.”
د ) الآية (٣١): اِزدِهار الكنيسة في المنطقة كلها
٣١وَأَمَّا ٱلْكَنَائِسُ فِي جَمِيعِ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَٱلْجَلِيلِ وَٱلسَّامِرَةِ فَكَانَ لَهَا سَلَامٌ، وَكَانَتْ تُبْنَى وَتَسِيرُ فِي خَوْفِ ٱلرَّبِّ، وَبِتَعْزِيَةِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ كَانَتْ تَتَكَاثَرُ.
- ٱلْكَنَائِسُ فِي جَمِيعِ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَٱلْجَلِيلِ وَٱلسَّامِرَةِ: يبدأ الأصحاح التاسع من أعمال الرسل عن رجل كان يَفُورُ بِالتَّهْدِيدِ وَالْقَتْلِ عَلَى تَلاَمِيذِ الرَّبِّ (أعمال الرسل ١:٩). ولكن الله قادر على تحويل التهديد لبركة رائعة. يُظهر لوقا هنا أن عمل الله في الكنيسة لم يستمر فحسب بل ازداد قوة رغم المقاومة.
- ٱلْجَلِيلِ: لا يخبرنا سفر أعمال الرسل شيئاً عن زرع كنائس في منطقة الجليل ولا نعلم من بدأ هذه الكنائس وكيف فعلوا ذلك وما هي الأعمال العظيمة التي صنعها الله في هذه الكنائس الجديدة. وهذا يذكرنا بأن أعمال الرسل ليس سوى جزء بسيط لتاريخ عمل الله خلال هذه الفترة.
- أَمَّا ٱلْكَنَائِسُ … فَكَانَ لَهَا سَلَامٌ: لا يعني هذا أن الاضطهاد توقف، بل على العكس تماماً، لقد تمتعوا بالسلام رغم الاضطهاد.
- نصل في نهاية الأصحاح التاسع إلى مفترق تاريخي هام في أحداث سفر أعمال الرسل والأحداث في الامبراطورية الرومانية. تم استبدال قيافا رئيس الكهنة في العام ٣٧م وحل مكانه يوناثان أولاً ثم ثيوفيلوس وفي نفس العام أصبح غاليغولا الإمبراطور في روما بعد طايبيريوس. وكان غاليغولا معادياً لليهود وتم اغتياله بعد توليه الحكم بأربع سنوات.
- أَمَّا ٱلْكَنَائِسُ… كَانَتْ تُبْنَى: تحمل كلمة تُبْنَى فكرة البناء (النمو). كانت الكنائس تنمو وتتقوى بالأعداد وبالإيمان.
- وَتَسِيرُ فِي خَوْفِ ٱلرَّبِّ، وَبِتَعْزِيَةِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ كَانَتْ تَتَكَاثَرُ: عندما يسير شعب الله فِي خَوْفِ ٱلرَّبِّ وَبِتَعْزِيَةِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ من الطبيعي أن تَتَكَاثَرُ الكنيسة.
- خَوْفِ ٱلرَّبِّ … تَعْزِيَةِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ: يحتاج المؤمن في مسيرته مع المسيح إلى الأمرين. قد يحتاج أحياناً إلى خَوْفِ ٱلرَّبِّ وأحياناً أخرى إلى تَعْزِيَةِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. غالباً ما يزعزع الله راحة المؤمن لينال المزيد من خَوْفِ ٱلرَّبِّ ويرسل للمتألم تَعْزِيَةِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ.
- تَعْزِيَةِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ: يشير بيرسون (Pierson) إلى أن الكلمة المترجمة تَعْزِيَةِ هنا هي في الأساس نفس الكلمة المترجمة مُعَزِّيًا أو مُعِيْناً في يوحنا ١٦:١٤ (paraclesis).
- “أليس واضحاً أن الكنيسة اليوم لا تقدر البركة العظيمة الكامنة في تعزية ومعونة الروح القدس؟ ماذا يمكن أن يحدث لو أنّ الكنيسة تعلَّمت هذا الدرس ثانية؟ يا للسلام الذي يمكن للكنيسة أن تحصِّله بتحرُّرها من الانقسام الداخلي ومن البدع والانشقاقات! ويا للبناء الذي يمكن أن يحدث إذ تُبنى على إيمانها الأقدس! ويا لروعة السير “في مخافة الرب” والنمو والكرازة التي ستشمل كل العالم إن تعلمت الكنيسة هذا الدرس ثانية! ليس من شرّ يصيب أو يهدِّد حياة الكنيسة لا يمكن لـ”تعزية الروح القدس” أن تشفيه وربما تنزعه.” بيرسون (Pierson)
رابعاً. الله يصنع المعجزات من خلال الرسول بطرس
أ ) الآيات (٣٢-٣٥): بطرس يشفي إِينِيَاسُ فِي لُدَّةَ (اللِّدِّ)
٣٢وَحَدَثَ أَنَّ بُطْرُسَ وَهُوَ يَجْتَازُ بِٱلْجَمِيعِ، نَزَلَ أَيْضًا إِلَى ٱلْقِدِّيسِينَ ٱلسَّاكِنِينَ فِي لُدَّةَ، ٣٣فَوَجَدَ هُنَاكَ إِنْسَانًا ٱسْمُهُ مُضْطَجِعًا عَلَى سَرِيرٍ مُنْذُ ثَمَانِي سِنِينَ، وَكَانَ مَفْلُوجًا. ٣٤فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «يَا إِينِيَاسُ، يَشْفِيكَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ. قُمْ وَٱفْرُشْ لِنَفْسِكَ!». فَقَامَ لِلْوَقْتِ. ٣٥وَرَآهُ جَمِيعُ ٱلسَّاكِنِينَ فِي لُدَّةَ وَسَارُونَ، ٱلَّذِينَ رَجَعُوا إِلَى ٱلرَّبِّ.
- وَحَدَثَ أَنَّ بُطْرُسَ وَهُوَ يَجْتَازُ بِٱلْجَمِيعِ (وَبَينَما كانَ بُطرُسُ يَطُوفُ بِكُلِّ المُدُنِ): كان الرُسل يخدمون من أورشليم كل من يأتي إليهم طلباً للشفاء من بلاد بعيدة (كما هو موضح في أعمال الرسل ١٦:٥) ولكن هذا النمط القديم قد تغير الآن. أصبح بُطرُسُ يَطُوفُ بِكُلِّ المُدُنِ يخدم الجميع وسافر مسافة ٥٥ كيلومتراً من أورشليم إلى لُدَّةَ.
- تقع “لُدَّةَ” بالقرب من مدينة اللِّدِّ الحديثة، موقع مطار بن غوريون خارج تل أبيب.
- فَوَجَدَ هُنَاكَ إِنْسَانًا: وجد بطرس إنسان محتاج يريد الله أن يشفيه بمعجزة بينما كان يطوف يخدم الناس باسم يسوع. إذا كنا نريد أن نكون مثل بطرس الذي كان يَطُوفُ بِكُلِّ المُدُنِ فسنجد الفرص لإظهار قوة الله المعجزية.
- يَا إِينِيَاسُ، يَشْفِيكَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ: عرف بطرس أن يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ هو الذي كان يشفي وأنه مجرد أداة في يده. شفى يسوع بقوة يسوع، أما بطرس فلم يشفي بقوة بطرس بل كان اعتماده الكامل على قوة يسوع.
- أراد بطرس عندما قال: “قُمْ وَٱفْرُشْ لِنَفْسِكَ” (فَانهَضْ وَرَتِّبْ فِراشَكَ بِنَفسِكَ) أن يقلد ما قاله يسوع عندما شفى الرجل المشلول في إنجيل مرقس ١٠:٢-١٢.
- وَرَآهُ جَمِيعُ ٱلسَّاكِنِينَ فِي لُدَّةَ وَسَارُونَ، ٱلَّذِينَ رَجَعُوا إِلَى ٱلرَّبِّ: رجع كثيرون إلى الرب بسبب شفاء إِينِيَاسُ المعجزي وبسبب وعظ بطرس.
ب) الآيات (٣٦-٣٨): موت طابيثا (غَزَالَةُ) من يَافَا
٣٦وَكَانَ فِي يَافَا تِلْمِيذَةٌ ٱسْمُهَا طَابِيثَا، ٱلَّذِي تَرْجَمَتُهُ غَزَالَةُ. هَذِهِ كَانَتْ مُمْتَلِئَةً أَعْمَالًا صَالِحَةً وَإِحْسَانَاتٍ كَانَتْ تَعْمَلُهَا. ٣٧وَحَدَثَ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ أَنَّهَا مَرِضَتْ وَمَاتَتْ، فَغَسَّلُوهَا وَوَضَعُوهَا فِي عِلِّيَّةٍ. ٣٨وَإِذْ كَانَتْ لُدَّةُ قَرِيبَةً مِنْ يَافَا، وَسَمِعَ ٱلتَّلَامِيذُ أَنَّ بُطْرُسَ فِيهَا، أَرْسَلُوا رَجُلَيْنِ يَطْلُبَانِ إِلَيْهِ أَنْ لَا يَتَوَانَى عَنْ أَنْ يَجْتَازَ إِلَيْهِمْ.
- ٱسْمُهَا طَابِيثَا، ٱلَّذِي تَرْجَمَتُهُ غَزَالَةُ: كانت هذه المرأة عضوة محبوبة في المجتمع المسيحي في يافا لأنها كَانَتْ مُمْتَلِئَةً أَعْمَالًا صَالِحَةً وَإِحْسَانَاتٍ.
- أشار لوقا بأن طابيثا كَانَتْ مُمْتَلِئَةً أَعْمَالًا صَالِحَةً وَإِحْسَانَاتٍ. بعض الأشخاص ممتلئين أَعْمَالًا صَالِحَةً وَإِحْسَانَاتٍ ولكن دوافعهم أنانية. أما طابيثا فكانت مشغولة دائماً بفعل الخير ومساعدة الفقراء بدوافع نقية. ولهذا السبب أضاف لوقا جملة: كَانَتْ تَعْمَلُهَا.
- أَنْ لَا يَتَوَانَى عَنْ أَنْ يَجْتَازَ إِلَيْهِمْ: لم يكن بطرس في يافا عندما ماتت طابيثا ولكنه لم يكن في مكان بعيد. سمع المؤمنين أن الله كان يصنع المعجزات من خلال بطرس في مدينة اللد القريبة ولهذا طلبوه، ولا نعرف إن طلبوا ذلك بينما كانت طابيثا حية أو عند لحظة وفاتها.
ج ) الآيات (٣٩-٤٢): قيامة طابيثا من الأموات
٣٩فَقَامَ بُطْرُسُ وَجَاءَ مَعَهُمَا. فَلَمَّا وَصَلَ صَعِدُوا بِهِ إِلَى ٱلْعِلِّيَّةِ، فَوَقَفَتْ لَدَيْهِ جَمِيعُ ٱلْأَرَامِلِ يَبْكِينَ وَيُرِينَ أَقْمِصَةً وَثِيَابًا مِمَّا كَانَتْ تَعْمَلُ غَزَالَةُ وَهِيَ مَعَهُنَّ. ٤٠فَأَخْرَجَ بُطْرُسُ ٱلْجَمِيعَ خَارِجًا، وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى، ثُمَّ ٱلْتَفَتَ إِلَى ٱلْجَسَدِ وَقَالَ: «يَا طَابِيثَا، قُومِي!». فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا. وَلَمَّا أَبْصَرَتْ بُطْرُسَ جَلَسَتْ، ٤١فَنَاوَلَهَا يَدَهُ وَأَقَامَهَا. ثُمَّ نَادَى ٱلْقِدِّيسِينَ وَٱلْأَرَامِلَ وَأَحْضَرَهَا حَيَّةً. ٤٢فَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا فِي يَافَا كُلِّهَا، فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِٱلرَّبِّ.
- فَقَامَ بُطْرُسُ وَجَاءَ مَعَهُمَا: عندما وصل التلاميذ الذين من يافا إلى بطرس في اللد جاؤوا متأملين مساعدة بطرس أو على الأقل مساعدة مجتمع المؤمنين هناك أثناء حزنهم.
- ليس هناك ما يشير في سفر أعمال الرسل أن قيامة الأموات كانت أمراً متوقعاً وشائعاً بين المؤمنين. ذكرت هذه المعجزة (ومعجزات أخرى مماثلة في أعمال الرسل) فقط لأنها معجزة غير عادية وملحوظة.
- فَوَقَفَتْ لَدَيْهِ جَمِيعُ ٱلْأَرَامِلِ يَبْكِينَ: ربما كل ما توقعه الجميع هو مجرد تعزية خاصة من بطرس في حزنهم على موت طابيثا. ولكن بطرس شعر بقيادة خاصة ليفعل ما فعله يسوع في إنجيل مرقس ٣٨:٥-٤٣ وطلب أن يخرج الجميع متوقعاً أن يفعل الله مع طابيثا كما فعل مع ابنة يايرس رئيس المجمع.
- يَا طَابِيثَا، قُومِي!: يبدو أن بطرس تذكر جيداً ما فعله يسوع في إنجيل مرقس ٣٨:٥-٤٣ (أو إنجيل لوقا ٥٠:٨-٥٦). قال يسوع: يَا طَابِيثَا، قُومِي. وقال بطرس: يَا طَابِيثَا، قُومِي. استطاع بطرس أن يسمع كلمات يسوع في رأسه عندما كان يخدم.
- حاول بطرس ببساطة أن يفعل ما فعله يسوع قائده ومثله الأعلى ولم يحاول أن يقود كما فعل في السابق عندما طلب من يسوع ألا يذهب إلى الصليب ( متى ٢٢:١٦). تعلم بطرس الآن أن يترك القيادة ليسوع.
- فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا، وَلَمَّا أَبْصَرَتْ بُطْرُسَ جَلَسَتْ: تشير الأدلة إلى أن طابيثا قامت من بين الأموات وعادت للحياة ثانية. لم تكن تلك المعجزات رائعة وغير عادية فحسب بل كل ما حدث ولا زال يحدث كان رائعاً أيضاً (ولكن الحكمة تقتضي أن يفحص المرء كل معجزة يسمع عنها ولا يقبلها بسذاجة).
- علينا أن نُذكر أنفسنا دائماً بأن طابيثا لم تقم من بين الأموات بل تم إنعاشها لترجع لحياتها القديمة حيث ستموت ثانية.
- تُظهر حقيقة أن الرب أقام طابيثا من بين الأموات ولم يُقم استفانوس (أو يعقوب لاحقاً في أعمال الرسل ٢:١٢)، أنه لا سبيل لمعرفة طرق الرب. رغم أن استفانوس ويعقوب كانا أكثر أهمية للكنيسة من طابيثا، ومع ذلك علينا أن نثق بحكمة الله وعلمه في هذه الأمور.
- لم تقم طابيثا من بين الأموات لتستمتع بحياتها فقط (ستتمتع بالسماء أكثر بكل تأكيد) ولكنها قامت من بين الأموات لتخدم الآخرين، وهو نفس السبب الذي لأجله ٱنْتَقَلَنا مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ (يوحنا ٢٤:٥).
- ثُمَّ نَادَى ٱلْقِدِّيسِينَ وَٱلْأَرَامِلَ: تشير الآيات في أعمال الرسل ٣٢:٩ و٤١ إلى ٱلْقِدِّيسِينَ في لُدَّةَ ويافا. كانت تلك أول مرة يطلق فيها سفر أعمال الرسل اسم ٱلْقِدِّيسِينَ على المؤمنين. عندما يدعو الكتاب المقدس المؤمنون بٱلْقِدِّيسِينَ فهذا لا يعني أنهم مثاليين بل مختلفين. فالقديسون منفصلين عن العالم تماماً وهم أيضاً مميزون.
د ) الآية (٤٣): بطرس يمكث عند سمعان دَبّاغُ جُلُودٍ
٤٣وَمَكَثَ أَيَّامًا كَثِيرَةً فِي يَافَا، عِنْدَ سِمْعَانَ رَجُلٍ دَبَّاغٍ.
- وَمَكَثَ أَيَّامًا كَثِيرَةً فِي يَافَا، عِنْدَ سِمْعَانَ رَجُلٍ دَبَّاغٍ: سيصاب اليهودي المتعصب بالصدمة في ذلك العصر من هذه الجملة. فوفقاً لمفهومهم عن الناموس، لا يجوز التعامل مع شخص يتعامل مع الحيوانات الميتة.
- كان على الدباغ وفقاً للشريعة في ذلك الوقت، أن يعيش على بُعد ٧٥ قدماً على الأقل (٢٥ متراً) خارج القرية بسبب عمله النجس.
- “كانت مهنة الدباغة محتقرة جداً وممكن أن تتسبب في فك الخطوبة إن ارتبطت فتاة بشخص دون أن تعلم أنه يعمل بهذه المهنة.” مورغان (Morgan)
- وَمَكَثَ أَيَّامًا كَثِيرَةً فِي يَافَا، عِنْدَ سِمْعَانَ رَجُلٍ دَبَّاغٍ: نرى هنا أن بطرس لم يعد يهتم كثيراً بالتقاليد اليهودية ولا بالطقوس كما كان يفعل سابقاً. فعمل الله في قلب بطرس وضع الأساس لما سيفعله الله من خلاله في الأصحاح التالي.