أعمال الرسل – الإصحاح ٢٥
مثول بولس أمام فَسْتُوسُ
أولاً. بولس يرفع دعواه إلى القيصر لتجنب مؤامرة تستهدف حياته
أ ) الآية (١-٣): قرر المشتكين اليهود عندما تغير فيلكس فتح القضية ضد بولس من جديد
١فَلَمَّا قَدِمَ فَسْتُوسُ إِلَى ٱلْوِلَايَةِ صَعِدَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ قَيْصَرِيَّةَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. ٢فَعَرَضَ لَهُ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ وَوُجُوهُ ٱلْيَهُودِ ضِدَّ بُولُسَ، وَٱلْتَمَسُوا مِنْهُ ٣طَالِبِينَ عَلَيْهِ مِنَّةً، أَنْ يَسْتَحْضِرَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَهُمْ صَانِعُونَ كَمِينًا لِيَقْتُلُوهُ فِي ٱلطَّرِيقِ.
- فَلَمَّا قَدِمَ فَسْتُوسُ إِلَى ٱلْوِلَايَةِ: ينتهى الأصحاح ٢٤ بتعيين بوركيوس فَسْتُوسُ حَاكِماً خَلَفاً لِفِيلِكْسَ. كان فيلكس بلا شك رجلاً سيئاً ولكن يخبرنا التاريخ بأن فَسْتُوسُ كان رجلاً صالحاً بشكل عام ويحكم بعدل على الرغم من كل المشاكل التي خلفها وراءه فيلكس.
- تشير الجملة “صَعِدَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ قَيْصَرِيَّةَ إِلَى أُورُشَلِيمَ” إلى قيادة فستوس الجيدة والقوية. قام فستوس بزيارة أُورُشَلِيمَ أهم مدينة في المقاطعة حال وصوله الى قَيْصَرِيَّةَ عاصمة مقاطعة اليهودية.
- فَعَرَضَ لَهُ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ وَوُجُوهُ ٱلْيَهُودِ ضِدَّ بُولُسَ: على الرغم من مرور عامين فقد كانت قضية بولس مهمة جداً بالنسبة للقادة اليهود وكانوا يأملون أن يمثل بولس أمامهم ثانية في أورشليم.
- كان سجن بولس المُريح في قيصرية في الواقع رعاية إلهية لحمايته من القادة الدينيين الذين أرادوا قتله. وكان أيضاً وقتاً للراحة ولتجديد القوة بعد سنوات من الخدمة الصعبة ولإعداده لمواجهة التحديات في السنوات المقبلة.
- أَنْ يَسْتَحْضِرَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَهُمْ صَانِعُونَ كَمِينًا لِيَقْتُلُوهُ فِي ٱلطَّرِيقِ: عرف القادة الدينيين أن بولس سينال البراءة في أي محكمة عادلة وبالتالي لم تكن في نيتهم أن تتم محاكمته ثانية بل أرادوا أن ينصبوا له كَمِينًا ويقتلوه قبل المثول في أي محكمة.
- كان هؤلاء قادة الدين ورجال متدينين ومع ذلك تظهر تصرفاتهم خطر الدين الذي لا شأن له بالله. فإذا كان دينك يطلب منك أن تكذب وتقتل فهناك شيء خطأ بديانتك.
- كتب بويس (Boice): “ثمة نمو وتطور ملحوظ في الفساد. ففي أعمال الرسل الأصحاح ٢٣ نرى أن المتعصبون هم من بدأوا بالتآمر على بولس. ولكننا نرى الآن في الأصحاح ٢٥ أن القادة هم من يترأسون ما كانوا متورطين به بشكل غير مباشر منذ البداية.”
ب) الآيات (٤-٦أ): رفض فستوس أن يعيد محاكمة بولس في أورشليم
٤فَأَجَابَ فَسْتُوسُ أَنْ يُحْرَسَ بُولُسُ فِي قَيْصَرِيَّةَ، وَأَنَّهُ هُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَنْطَلِقَ عَاجِلًا. ٥وَقَالَ: «فَلْيَنْزِلْ مَعِي ٱلَّذِينَ هُمْ بَيْنَكُمْ مُقْتَدِرُونَ. وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا ٱلرَّجُلِ شَيْءٌ فَلْيَشْتَكُوا عَلَيْهِ». وَبَعْدَ مَا صَرَفَ عِنْدَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ٱنْحَدَرَ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ.
- فَأَجَابَ فَسْتُوسُ أَنْ يُحْرَسَ بُولُسُ فِي قَيْصَرِيَّةَ: لا نعرف ما إذا كان فستوس يعرف نوايا القادة اليهود أم لا. ولكنه رفض في كلتا الحالتين طلبهم بتغيير مكان الدعوة. نستطيع القول أن ما حدث ما هو إلا وسيلة أخرى لرعاية الله لبولس.
- فَلْيَنْزِلْ مَعِي ٱلَّذِينَ هُمْ بَيْنَكُمْ مُقْتَدِرُونَ. وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا ٱلرَّجُلِ شَيْءٌ فَلْيَشْتَكُوا عَلَيْهِ: كان فستوس على استعداد لمحاكمة بولس مرة أخرى بهدف حل المسألة ولكنه أصر أن يقوموا بهذا في قيصرية وليس في أورشليم.
ج) الآيات (٦ب-٨): فستوس يعيد فتح المحاكمة في قيصرية
وَفِي ٱلْغَدِ جَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ ٱلْوِلَايَةِ وَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى بِبُولُسَ. ٧فَلَمَّا حَضَرَ، وَقَفَ حَوْلَهُ ٱلْيَهُودُ ٱلَّذِينَ كَانُوا قَدِ ٱنْحَدَرُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، وَقَدَّمُوا عَلَى بُولُسَ دَعَاوىَ كَثِيرَةً وَثَقِيلَةً لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُبَرْهِنُوهَا. ٨إِذْ كَانَ هُوَ يَحْتَجُّ: «أَنِّي مَا أَخْطَأْتُ بِشَيْءٍ، لَا إِلَى نَامُوسِ ٱلْيَهُودِ وَلَا إِلَى ٱلْهَيْكَلِ وَلَا إِلَى قَيْصَرَ».
- جَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ ٱلْوِلَايَةِ وَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى بِبُولُسَ: ومرة أخرى يقف بولس ليحاكم أمام والي أممي كمتهم من الزعماء اليهود. وها هي حياة بولس في خطر ثانية إذا ثبت أنه مذنب.
- وَقَدَّمُوا عَلَى بُولُسَ دَعَاوىَ كَثِيرَةً وَثَقِيلَةً لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُبَرْهِنُوهَا: وكما في السابق أدلى الزعماء الدينيين اتهاماتهم ضد بولس ولكن دون أي دليل. وتجاوب بولس مستنداً بثقة على الأدلة ونزاهته الواضحة.
- تعرض الكثيرون في الكتاب المقدس للاتهامات الكاذبة (مثل يوسف ودانيال). وكل تلميذ ليسوع هو عرضة أيضاً للاتهامات الكاذبة من ٱلْمُشْتَكِي عَلَى الاخوة (رؤيا يوحنا ١٠:١٢). ولكن شكراً لله لأن يسوع هو الذي يُحامِي عَنّا ضد أي إدانة أو أتهام كاذب (رومية ٣٣:٨-٣٤).
د ) الآيات (٩-١٢): بولس يرفع الأمر إلى قيصر
٩وَلَكِنَّ فَسْتُوسَ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُودِعَ ٱلْيَهُودَ مِنَّةً، أَجَابَ بُولُسَ قَائِلًا: «أَتَشَاءُ أَنْ تَصْعَدَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِتُحَاكَمَ هُنَاكَ لَدَيَّ مِنْ جِهَةِ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ؟». ١٠فَقَالَ بُولُسُ: «أَنَا وَاقِفٌ لَدَى كُرْسِيِّ وِلَايَةِ قَيْصَرَ حَيْثُ يَنْبَغِي أَنْ أُحَاكَمَ. أَنَا لَمْ أَظْلِمِ ٱلْيَهُودَ بِشَيْءٍ، كَمَا تَعْلَمُ أَنْتَ أَيْضًا جَيِّدًا. ١١لِأَنِّي إِنْ كُنْتُ آثِمًا، أَوْ صَنَعْتُ شَيْئًا يَسْتَحِقُّ ٱلْمَوْتَ، فَلَسْتُ أَسْتَعْفِي مِنَ ٱلْمَوْتِ. وَلَكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا يَشْتَكِي عَلَيَّ بِهِ هَؤُلَاءِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُسَلِّمَنِي لَهُمْ. إِلَى قَيْصَرَ أَنَا رَافِعٌ دَعْوَايَ!». ١٢حِينَئِذٍ تَكَلَّمَ فَسْتُوسُ مَعَ أَرْبَابِ ٱلْمَشُورَةِ، فَأَجَابَ: «إِلَى قَيْصَرَ رَفَعْتَ دَعْوَاكَ. إِلَى قَيْصَرَ تَذْهَبُ!».
- وَلَكِنَّ فَسْتُوسَ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُودِعَ ٱلْيَهُودَ (لَكِنَّ فِستُوسَ أرادَ أنْ يُرضِيَ اليَهودَ): رغم أن فستوس كان رجلاً طيباً لكنه فهم أهمية الحفاظ على علاقات جيدة مع الشعب اليهودي في مقاطعته.
- أَتَشَاءُ أَنْ تَصْعَدَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِتُحَاكَمَ هُنَاكَ لَدَيَّ مِنْ جِهَةِ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ؟: وجد فستوس صعوبة في إتخاذ القرار بشأن قضية بولس. ربما لم ينقل فستوس المحكمة إلى أورشليم لأن بولس كان مواطناً رومانياً ولهذا السبب سأله عن رأيه.
- قد نتساءل هل عرف فستوس عن المؤامرة التي كانت ضد بولس أم لم يكن على دراية بالأمر؟ لو كان حقاً يعرف فهو يرسل بولس إلى كمين يعلم أنه سيؤدي إلى موته حتماً، وإن كان لا يعرف فهدفه كان إرضاء ومجاملة القادة الدينيين بالموافقة على طلبهم بإرسال بولس إلى أورشليم.
- فَقَالَ بُولُسُ: «أَنَا وَاقِفٌ لَدَى كُرْسِيِّ وِلَايَةِ قَيْصَرَ حَيْثُ يَنْبَغِي أَنْ أُحَاكَمَ… إِلَى قَيْصَرَ أَنَا رَافِعٌ دَعْوَايَ!»: أدرك بولس المؤامرة التي كانت ضده. ربما كان ذلك من خلال كلام علم أو من خلال الفطنة والاستنتاج المُعطى من الله. لذلك طالب برفع قضيته إلى قيصر.
- كان طلب بولس مناسباً وحكيماً لأنه أراد تجنب الموت إن أمكن. فهو لم يخشى مواجهة الأسود ولكنه لم يكن يريد أن يضع رأسه في فم الأسد إذا كان بإمكانه تجنب ذلك.
- كان طلب بولس معقولاً لأنه كان مقتنعاً بأن الأدلة بصفه وأنه سينتصر في محكمة عادلة. وربما تساءل إن كان قاضيه الحالي (فستوس) متعاطفاً مع القادة اليهود.
- إِلَى قَيْصَرَ أَنَا رَافِعٌ دَعْوَايَ: كان من حق كل مواطن روماني أن يرفع دعواه لقيصر بعد فشل المحاكمات الأولية ودعاوى الاستئناف للتوصل إلى قرار مُرَضٍّ. وكأنه يرفع دعواه إلى المحكمة العليا للإمبراطورية الرومانية.
- استشهد هيوز (Hughes) عن كالفن (Calvin): “الله الذي عيّن المحاكم القانونية أعطى أيضاً شعبه الحرية لاستخدامها بشكل قانوني.”
- أراد بولس أن يرفع دعوته إلى القيصر نيرون بالتحديد الذي أصبح لاحقاً عدواً لدوداً للمسيحيين. ولكن في السنوات الخمس الأولى من حكمه وتحت تأثير الرجال الطيبين حوله كان يعتبر حاكماً حكيماً وعادلاً. لم يعرف بولس حينها بأن نيرون سيصبح معادياً للمسيحية.
ثانياً. بولس أمام الملك أغريباس
أ ) الآيات (١٣-١٤أ): الملك أَغْرِيبَاسُ وَبَرْنِيكِي يزوران مدينة قَيْصَرِيَّةَ
١٣وَبَعْدَمَا مَضَتْ أَيَّامٌ أَقْبَلَ أَغْرِيبَاسُ ٱلْمَلِكُ وَبَرْنِيكِي إِلَى قَيْصَرِيَّةَ لِيُسَلِّمَا عَلَى فَسْتُوسَ. ١٤وَلَمَّا كَانَا يَصْرِفَانِ هُنَاكَ أَيَّامًا كَثِيرَةً، عَرَضَ فَسْتُوسُ عَلَى ٱلْمَلِكِ أَمْرَ بُولُسَ.
- أَقْبَلَ أَغْرِيبَاسُ ٱلْمَلِكُ وَبَرْنِيكِي إِلَى قَيْصَرِيَّةَ: حكم هيرودس أغريباس الثاني على منطقة صغيرة تابعة للإمبراطورية الرومانية تقع شمال شرقي مقاطعة فستوس. كان أَغْرِيبَاسُ خبيراً بالعقيدة اليهودية وبطقوسها الدينية. وعلى الرغم من عدم وجود أي سلطة قضائية لأغريباس على بولس فإن استماعه للقضية سيساعد فستوس كثيراً.
- حاول الجد الأكبر لأغريباس قتل الطفل يسوع وأمر جده بقطع رأس يوحنا المعمدان وقتل والده أول شهيد في المسيحية يعقوب الرسول. وها هو بولس يقف الآن أمام واحد من سلالة هيرودس وهو هيرودس أغريباس.
- كانت بَرْنِيكِي أخت أغريباس. يسجل التاريخ شائعات عن علاقتها الجنسية بأخيها أغريباس.
- لم يحكم هيرودس أغريباس الثاني مقاطعة كبيرة ولكنه تمتع بصلاحيات كبيرة من الإمبراطور للإشراف على شؤون الهيكل في أورشليم وعلى تعيين رئيس الكهنة.
- عَرَضَ فَسْتُوسُ عَلَى ٱلْمَلِكِ أَمْرَ بُولُسَ: يبدو أن فستوس الذي تولى منصبه حديثاً لم يعرف الكثير عن التقاليد والعادات اليهودية ويبدو أنه كان حائراً نوعاً ما بقضية بولس. وعلى الرغم من عدم وجود أدلة كافية لإدانة بولس فقد استمر في تحقيقاته.
- ربما كانت القضية مربكة بالنسبة لفستوس بسبب لعدم وجود أدلة ملموسة. فلم يكن هناك ما يكفي من الأدلة لإدانة بولس لأنه لم يرتكب أي ذنب! وهذا بحد ذاته يعتبر سبباً كافياً لبراءته.
- هذا الظهور أمام أَغْرِيبَاسُ ٱلْمَلِكُ كان مجرد جلسة استماع وليس محاكمة فلم تكن لأغريباس أي صلاحيات للحكم في هذه المسألة. ومع ذلك كان بإمكانه أن يؤثر على قرار فستوس.
ب) الآيات (٢٢ب-١٤): قدم فستوس للملك أغريباس ملخصاً عن وقائع القضية ضد بولس
قَائِلًا: «يُوجَدُ رَجُلٌ تَرَكَهُ فِيلِكْسُ أَسِيرًا، ١٥وَعَرَضَ لِي عَنْهُ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَمَشَايِخُ ٱلْيَهُودِ لَمَّا كُنْتُ فِي أُورُشَلِيمَ طَالِبِينَ حُكْمًا عَلَيْهِ. ١٦فَأَجَبْتُهُمْ أَنْ لَيْسَ لِلرُّومَانِيِّينَ عَادَةٌ أَنْ يُسَلِّمُوا أَحَدًا لِلْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ ٱلْمَشْكُوُّ عَلَيْهِ مُواجَهَةً مَعَ ٱلْمُشْتَكِينَ، فَيَحْصُلُ عَلَى فُرْصَةٍ لِلِٱحْتِجَاجِ عَنِ ٱلشَّكْوَى. ١٧فَلَمَّا ٱجْتَمَعُوا إِلَى هُنَا جَلَسْتُ مِنْ دُونِ إِمْهَالٍ فِي ٱلْغَدِ عَلَى كُرْسِيِّ ٱلْوِلَايَةِ، وَأَمَرْتُ أَنْ يُؤْتَى بِٱلرَّجُلِ. ١٨فَلَمَّا وَقَفَ ٱلْمُشْتَكُونَ حَوْلَهُ، لَمْ يَأْتُوا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا كُنْتُ أَظُنُّ. ١٩لَكِنْ كَانَ لَهُمْ عَلَيْهِ مَسَائِلُ مِنْ جِهَةِ دِيَانَتِهِمْ، وَعَنْ وَاحِدٍ ٱسْمُهُ يَسُوعُ قَدْ مَاتَ، وَكَانَ بُولُسُ يَقُولُ: إِنَّهُ حَيٌّ. ٢٠وَإِذْ كُنْتُ مُرْتَابًا فِي ٱلْمَسْأَلَةِ عَنْ هَذَا قُلْتُ: أَلَعَلَّهُ يَشَاءُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَيُحَاكَمَ هُنَاكَ مِنْ جِهَةِ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ؟ ٢١وَلَكِنْ لَمَّا رَفَعَ بُولُسُ دَعْوَاهُ لِكَيْ يُحْفَظَ لِفَحْصِ أُوغُسْطُسَ، أَمَرْتُ بِحِفْظِهِ إِلَى أَنْ أُرْسِلَهُ إِلَى قَيْصَرَ». ٢٢فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِفَسْتُوسَ: «كُنْتُ أُرِيدُ أَنَا أَيْضًا أَنْ أَسْمَعَ ٱلرَّجُلَ». فَقَالَ: «غَدًا تَسْمَعُهُ».
- طَالِبِينَ حُكْمًا عَلَيْهِ: تمنى القادة اليهود أن يصدر فستوس حكماً ضد بولس دون الاستماع له.
- لَيْسَ لِلرُّومَانِيِّينَ عَادَةٌ: أشار فستوس لقوة التقاليد والنظام القانوني للرومان ورفض أن يدين بولس دون محاكمة عادلة.
- لَمْ يَأْتُوا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا كُنْتُ أَظُنُّ: تفاجأ فستوس لأن التهم ضد بولس كانت غير مهمة بالنسبة له. فقد تمحورت الاتهامات حول مَسَائِلُ مِنْ جِهَةِ دِيَانَتِهِمْ وَعَنْ وَاحِدٍ ٱسْمُهُ يَسُوعُ قَدْ مَاتَ، وَكَانَ بُولُسُ يَقُولُ: إِنَّهُ حَيٌّ.
- إنه لشيء مسلٍّ أن نرى القادة يحتجون أمام فستوس لأن بولس لا يتوقف عن الكلام عن يَسُوعُ المقام ويأملون أن يأمره بالتوقف.
- تظهر الجملة “عَنْ وَاحِدٍ ٱسْمُهُ يَسُوعُ” أن فستوس لم يعرف الكثير عن يسوع. ومن الجيد أن نتذكر أن الأشخاص المهمين والذين يملكون السلطة في زمن بولس لم يعرفوا الكثير عن يسوع وكان عليهم أن يعرفوا. كتب سبيرجن (Spurgeon): “لهذا أيها الأخوة علينا ألا نتوقف عن الكرازة بيسوع المسيح لأنه غير معروف للكثيرين. فالجماهير في هذه المدينة يجهلون يسوع تماماً كما كان فستوس.”
- عَنْ وَاحِدٍ ٱسْمُهُ يَسُوعُ قَدْ مَاتَ، وَكَانَ بُولُسُ يَقُولُ: إِنَّهُ حَيٌّ: تُظهر معرفة فستوس المحدودة أن محور رسالة بولس كانت موت وقيامة يسوع.
- يظهر هذا أيضاً أن بولس ركز على الصليب. فمن غير المعقول أن يكون فستوس قد سمع أن بولس كرز عن موت يسوع دون أن يسمع أيضاً عن طريقة موته.
- كُنْتُ أُرِيدُ أَنَا أَيْضًا أَنْ أَسْمَعَ ٱلرَّجُلَ: كان فضول أغريباس بالنسبة لبولس باباً جديداً ليشارك عن الحق الإلهي لحاكم أممي. وستكون هذه فرصة بولس الثالثة للكرازة لمسؤول أممي في أعمال الرسل ٢٤-٢٦ (فيلكس وفستوس والآن أغريباس).
ج) الآية (٢٣): بولس السجين يقف أمام أَغْرِيبَاسُ وَبَرْنِيكِي وفَسْتُوسُ
٢٣فَفِي ٱلْغَدِ لَمَّا جَاءَ أَغْرِيبَاسُ وَبَرْنِيكِي فِي ٱحْتِفَالٍ عَظِيمٍ، وَدَخَلَا إِلَى دَارِ ٱلِٱسْتِمَاعِ مَعَ ٱلْأُمَرَاءِ وَرِجَالِ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْمُقَدَّمِينَ، أَمَرَ فَسْتُوسُ فَأُتِيَ بِبُولُسَ.
- لَمَّا جَاءَ أَغْرِيبَاسُ وَبَرْنِيكِي فِي ٱحْتِفَالٍ عَظِيمٍ: لم تكن هذه مجرد جلسة استماع عادية بل احتفال عظيم. وقد عقد الإجتماع في قاعة المقابلات (دَارِ ٱلِٱسْتِمَاعِ) بحضور ٱلْأُمَرَاءِ وَرِجَالِ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْمُقَدَّمِينَ (قادَةِ الجَيشِ وَوُجَهاءِ المَدِينَةِ). يا لها من فرصة رائعة بالنسبة لبولس.
- أَمَرَ فَسْتُوسُ فَأُتِيَ بِبُولُسَ: أتى بولس إلى دار الاستماع المليئة بوجهاء مدينة قيصرية وخارجها. وكان القصد من الاحْتِفَال العَظِيمٍ والبَاذِخ الفصل بين الاشخاص المهمين وغير المهمين.
- معظم الحاضرين – ربما استثناء الرسول بولس – كانوا مخطئين في تقديراتهم حول من كان مهماً ومن لم يكن. تمتع بولس بسلطان وكرامة أعظم من أي شخص كان حاضراً في تلك الجلسة.
- كتب بروس (Bruce): “سيتفاجأ كل هؤلاء الأشخاص المهمين وربما سيشعرون بالخجل إن أمكنهم سماع الأراء التي ستشكلها الأجيال اللاحقة عنهم وعن السجين الذي كان يقف أمامهم الآن ليقدم دعواه.”
د ) الآيات (٢٤-٢٧): يقدم فستوس بيانه الافتتاحي أمام أغريباس
٢٤فَقَالَ فَسْتُوسُ: «أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ وَٱلرِّجَالُ ٱلْحَاضِرُونَ مَعَنَا أَجْمَعُونَ، أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ هَذَا ٱلَّذِي تَوَسَّلَ إِلَيَّ مِنْ جِهَتِهِ كُلُّ جُمْهُورِ ٱلْيَهُودِ فِي أُورُشَلِيمَ وَهُنَا، صَارِخِينَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعِيشَ بَعْدُ. ٢٥وَأَمَّا أَنَا فَلَمَّا وَجَدْتُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا يَسْتَحِقُّ ٱلْمَوْتَ، وَهُوَ قَدْ رَفَعَ دَعْوَاهُ إِلَى أُوغُسْطُسَ، عَزَمْتُ أَنْ أُرْسِلَهُ. ٢٦وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ يَقِينٌ مِنْ جِهَتِهِ لِأَكْتُبَ إِلَى ٱلسَّيِّدِ. لِذَلِكَ أَتَيْتُ بِهِ لَدَيْكُمْ، وَلَا سِيَّمَا لَدَيْكَ أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ، حَتَّى إِذَا صَارَ ٱلْفَحْصُ يَكُونُ لِي شَيْءٌ لِأَكْتُبَ. ٢٧لِأَنِّي أَرَى حَمَاقَةً أَنْ أُرْسِلَ أَسِيرًا وَلَا أُشِيرَ إِلَى ٱلدَّعَاوى ٱلَّتِي عَلَيْهِ».
- وَأَمَّا أَنَا فَلَمَّا وَجَدْتُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا يَسْتَحِقُّ ٱلْمَوْتَ: كان مهماً بالنسبة للوقا أن يسجل هذه الكلمات لأنها توضح أن بولس كان بريئاً.
- حَتَّى إِذَا صَارَ ٱلْفَحْصُ يَكُونُ لِي شَيْءٌ لِأَكْتُبَ: أراد فستوس أن يستخدم هذه المحاكمة لإعداد موجز رسمي لمحاكمة بولس المقبلة أمام قيصر.
- لا يستطيع فستوس أن يرسل بولس إلى قيصر بكل بساطة برسالة فحواها: “أنا لا أعرف ما هي تهمة هذا الرجل وعلى الأرجح هو بريء ومع هذا قررت أن أرسله لك على أية حال.” ستقضي رسالة كهذه على شعبيته أمام قيصر بكل تأكيد.
- لِأَنِّي أَرَى حَمَاقَةً أَنْ أُرْسِلَ أَسِيرًا وَلَا أُشِيرَ إِلَى ٱلدَّعَاوى ٱلَّتِي عَلَيْهِ: كان بولس بريئاً لدرجة أن فستوس وجد صعوبة في وصف أو تحديد التهم الموجهة إليه.