أعمال الرسل – الإصحاح ٢٦
دفاع بولس عن نفسه أمام ٱلْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ
أولاً. بولس يتكلم في جلسة الاستماع أمام أغريباس
أ ) الآيات (١-٣): كلمات بولس الاستهلالية
١فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِبُولُسَ: «مَأْذُونٌ لَكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ لِأَجْلِ نَفْسِكَ». حِينَئِذٍ بَسَطَ بُولُسُ يَدَهُ وَجَعَلَ يَحْتَجُّ: ٢«إِنِّي أَحْسِبُ نَفْسِي سَعِيدًا أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ، إِذْ أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَحْتَجَّ ٱلْيَوْمَ لَدَيْكَ عَنْ كُلِّ مَا يُحَاكِمُنِي بِهِ ٱلْيَهُودُ. ٣لَا سِيَّمَا وَأَنْتَ عَالِمٌ بِجَمِيعِ ٱلْعَوَائِدِ وَٱلْمَسَائِلِ ٱلَّتِي بَيْنَ ٱلْيَهُودِ. لِذَلِكَ أَلْتَمِسُ مِنْكَ أَنْ تَسْمَعَنِي بِطُولِ ٱلْأَنَاةِ».
- فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِبُولُسَ: وقف بولس أمام الرجل الذي حاول جده الأكبر قتل الطفل يسوع وقطع جده رأس يوحنا المعمدان وقتل والده أول شهيد في المسيحية يعقوب الرسول. من غير المرجح أن يتعاطف أغريباس مع بولس بسبب تاريخ عائلته الدموي.
- إِنِّي أَحْسِبُ نَفْسِي سَعِيدًا أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ، إِذْ أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَحْتَجَّ ٱلْيَوْمَ لَدَيْكَ: على الرغم من أن بولس كان سجيناً لكنه كان سَعِيدًا لأنه سيقدم دعواه أمام أغريباس. كان سعيداً أولاً لأن كبار المسؤولين سيفحصون الأدلة المقدمة ضده وكان سعيداً ثانياً لأنه سيكرز بالإنجيل أمام الملوك والحكام.
- تكلم بولس في دَارِ ٱلِٱسْتِمَاعِ في قيصرية أمام فَسْتُوسَ وأَغْرِيبَاسُ وَبَرْنِيكِي وقادَةِ الجَيشِ وَوُجَهاءِ المدينة (أعمال الرسل ٢٣:٢٥). كان بولس سَعِيدًا بهذه الفرصة الهائلة.
- كان هذا تحقيقاً جزئياً لوعد الله عن بولس: «لِأَنَّ هَذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ ٱسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ» (أعمال الرسل ١٥:٩).
ب) الآيات (٤-٥): بولس الفريسي المتشدد
٤فَسِيرَتِي مُنْذُ حَدَاثَتِي ٱلَّتِي مِنَ ٱلْبُدَاءَةِ كَانَتْ بَيْنَ أُمَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ يَعْرِفُهَا جَمِيعُ ٱلْيَهُودِ، ٥عَالِمِينَ بِي مِنَ ٱلْأَوَّلِ، إِنْ أَرَادُوا أَنْ يَشْهَدُوا، أَنِّي حَسَبَ مَذْهَبِ عِبَادَتِنَا ٱلْأَضْيَقِ عِشْتُ فَرِّيسِيًّا.
- فَسِيرَتِي مُنْذُ حَدَاثَتِي ٱلَّتِي مِنَ ٱلْبُدَاءَةِ كَانَتْ بَيْنَ أُمَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ: ولد بولس في مدينة طرسوس التي تبعد مئات الكيلومترات عن أورشليم ولكنه انتقل للعيش فِي أُورُشَلِيمَ منذ حداثته.
- أَنِّي حَسَبَ مَذْهَبِ عِبَادَتِنَا ٱلْأَضْيَقِ عِشْتُ فَرِّيسِيًّا: لم يكن بولس يهودياً متعصباً فحسب بل كان معروفاً بتشدده كفريسي وهو المذهب الأضيق (مَذْهَبِ عِبَادَتِنَا ٱلْأَضْيَقِ).
ج) الآيات (٦-٨): يواجه بولس اليهودي المتعصب أغريباس بعدم إيمانه
٦وَٱلْآنَ أَنَا وَاقِفٌ أُحَاكَمُ عَلَى رَجَاءِ ٱلْوَعْدِ ٱلَّذِي صَارَ مِنَ ٱللهِ لِآبَائِنَا، ٧ٱلَّذِي أَسْبَاطُنَا ٱلِٱثْنَا عَشَرَ يَرْجُونَ نَوَالَهُ، عَابِدِينَ بِٱلْجَهْدِ لَيْلًا وَنَهَارًا. فَمِنْ أَجْلِ هَذَا ٱلرَّجَاءِ أَنَا أُحَاكَمُ مِنَ ٱلْيَهُودِ أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ. ٨لِمَاذَا يُعَدُّ عِنْدَكُمْ أَمْرًا لَا يُصَدَّقُ إِنْ أَقَامَ ٱللهُ أَمْوَاتًا؟
- وَٱلْآنَ أَنَا وَاقِفٌ أُحَاكَمُ عَلَى رَجَاءِ ٱلْوَعْدِ ٱلَّذِي صَارَ مِنَ ٱللهِ لِآبَائِنَا: أوضح بولس أنه ظل يهودياً أميناً في قلبه وعقله وأن إيمانه بيسوع زاد من ثقته برَجَاءِ ٱلْوَعْدِ ٱلَّذِي صَارَ مِنَ ٱللهِ وجادل قائلاً: مِنْ أَجْلِ هَذَا ٱلرَّجَاءِ أَنَا أُحَاكَمُ مِنَ ٱلْيَهُودِ.
- لِمَاذَا يُعَدُّ عِنْدَكُمْ أَمْرًا لَا يُصَدَّقُ إِنْ أَقَامَ ٱللهُ أَمْوَاتًا؟: بما أن أغريباس كان مُطَّلِعاً اطِّلاعاً واسِعاً عَلَى كُلِّ التَّقالِيدِ وَالمُجادَلاتِ اليَهُودِيَّةِ (أعمال الرسل ٣:٢٦) كان يتحتم عليه أن يعرف أن الله قادر على قيامة الأموات.
- لِمَاذَا لاَ تُصَدِّقُونَ بأن عند الله كل شيءٍ مستطاع كما قال يسوع؟ (متى ٢٦:١٩). كان على أغريباس أن يصدق أن الله أَقَامَ أَمْوَاتًا من التصريحات الواضحة في العهد القديم (مثل سفر أيوب ٢٥:١٩-٢٧) ومن طبيعة الله ومن إدراك البشر البديهي لوجود الأبدية.
د ) الآيات (٩-١١): يشرح بولس أنه في وقت ما اضطهد أتباع يسوع
٩فَأَنَا ٱرْتَأَيْتُ فِي نَفْسِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَصْنَعَ أُمُورًا كَثِيرَةً مُضَادَّةً لِٱسْمِ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيِّ. ١٠وَفَعَلْتُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي أُورُشَلِيمَ، فَحَبَسْتُ فِي سُجُونٍ كَثِيرِينَ مِنَ ٱلْقِدِّيسِينَ، آخِذًا ٱلسُّلْطَانَ مِنْ قِبَلِ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ. وَلَمَّا كَانُوا يُقْتَلُونَ أَلْقَيْتُ قُرْعَةً بِذَلِكَ. ١١وَفِي كُلِّ ٱلْمَجَامِعِ كُنْتُ أُعَاقِبُهُمْ مِرَارًا كَثِيرَةً، وَأَضْطَرُّهُمْ إِلَى ٱلتَّجْدِيفِ. وَإِذْ أَفْرَطَ حَنَقِي عَلَيْهِمْ كُنْتُ أَطْرُدُهُمْ إِلَى ٱلْمُدُنِ ٱلَّتِي فِي ٱلْخَارِجِ.
- فَأَنَا ٱرْتَأَيْتُ فِي نَفْسِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَصْنَعَ أُمُورًا كَثِيرَةً مُضَادَّةً لِٱسْمِ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيِّ: آمن بولس قبل إيمانه أَنَّهُ يَنْبَغِي أن يضطهد أتباع يسوع. فوضع البعض في السجن (فَحَبَسْتُ فِي سُجُونٍ) وقتل البعض (وَلَمَّا كَانُوا يُقْتَلُونَ) وأجبر الكثيرين على إنكار إيمانهم بيسوع (وَأَضْطَرُّهُمْ إِلَى ٱلتَّجْدِيفِ).
- يتحدث بولس في وقت لاحق عن ندمه الشديد على حياته السابقة كمضطهد للمؤمنين (كورنثوس الأولى ٩:١٥ وتيموثاوس الأولى ١٥:١). ولعل إجبارهم على ٱلتَّجْدِيفِ كان أكثر ما أتعب ضميره بشكل خاص.
- أَلْقَيْتُ قُرْعَةً بِذَلِكَ (أُعْطِي صَوْتِي بِالْمُوَافَقَةِ): وهذا يعني ضمناً أن بولس كان عضواً في السنهدريم ويملك الحق في التصويت ضد المسيحيين عندما كانوا يحاكمون أمام السنهدريم (كما حدث مع استيفانوس في أعمال الرسل ٧).
- بما أن بولس كان عضواً في السنهدريم فهذا يعني أنه كان متزوجاً في ذلك الوقت لأن الزواج كان مطلوباً لكل أعضاء السنهدريم. ولكن بولس صار أعزب منذ أن أصبح مؤمناً مسيحياً (كورنثوس الأولى ٧:٧-٩). ربما لأن زوجته ماتت أو ربما لأنها هجرته عندما أصبح مؤمناً.
- وَإِذْ أَفْرَطَ حَنَقِي عَلَيْهِمْ: كان بولس قبل إيمانه رجلاً غاضباً. وهذا الغضب كشف عن علاقته غير الصحيحة مع الله رغم تمسكه الشديد بديانته.
هـ) الآيات (١٢-١٥): ظهور يسوع لبولس على الطريق إلى دمشق
١٢«وَلَمَّا كُنْتُ ذَاهِبًا فِي ذَلِكَ إِلَى دِمَشْقَ، بِسُلْطَانٍ وَوَصِيَّةٍ مِنْ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ، ١٣رَأَيْتُ فِي نِصْفِ ٱلنَّهَارِ فِي ٱلطَّرِيقِ، أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ، نُورًا مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَفْضَلَ مِنْ لَمَعَانِ ٱلشَّمْسِ، قَدْ أَبْرَقَ حَوْلِي وَحَوْلَ ٱلذَّاهِبِينَ مَعِي. ١٤فَلَمَّا سَقَطْنَا جَمِيعُنَا عَلَى ٱلْأَرْضِ، سَمِعْتُ صَوْتًا يُكَلِّمُنِي وَيَقُولُ بِٱللُّغَةِ ٱلْعِبْرَانِيَّةِ: شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ. ١٥فَقُلْتُ أَنَا: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ: أَنَا يَسُوعُ ٱلَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ.
- وَلَمَّا كُنْتُ ذَاهِبًا فِي ذَلِكَ إِلَى دِمَشْقَ: يقدم بولس هنا تقريراً مفصلاً عن تجربته على الطريق إلى دمشق. أشار أولاً إلى أنه ذهب ليتمم مهمته المليئة بالكراهية والاضطهاد بِسُلْطَانٍ وَوَصِيَّةٍ مِنْ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ الذين يشتكون عليه الآن.
- نُورًا مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَفْضَلَ مِنْ لَمَعَانِ ٱلشَّمْسِ: رأى بولس النور الحرفي قبل أن يرى النور المجازي. ذهب بولس إلى دمشق واثقاً تماماً أنه كان على حق. وكان عليه أن يرى نوراً أفضل من لمعان الشمس فِي نِصْفِ ٱلنَّهَارِ لكي يدرك أنه كان على خطأ.
- شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ: كرر بولس الكلمات المذكورة في أعمال الرسل ٣:٩-٦. والتي ركزت على:
- دعوة يسوع الشخصية له (شَاوُلُ، شَاوُلُ!).
- اضطهاده الموجه بالاتجاه الخطأ (تَضْطَهِدُنِي؟).
- حماقة اضطهاده ليسوع (لِمَاذَا؟)
- أَنَا يَسُوعُ ٱلَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ: غيرت هذه الكلمات حياة بولس بالكامل. فهم بولس على الفور أن يسوع حي ولم يمت وفهم أن يسوع يحكم في المجد وليس محكوماً عليه باللعنة والعار. كما أدرك أن اضطهاده لأتباع يسوع يعني اضطهده ليسوع نفسه مما يعني اضطهده لإله آبائه.
- كان على بولس أن يتوب فوراً: أي تغيير في العقل الذي يقود إلى تغيير في التصرفات. لم تكن توبة بولس تتعلق بحياته الأخلاقية لأنه كان يعيش حياة أخلاقية عالية ولكن كان عليه أن يتوب من تعصبه الديني المضلل وأفكاره الخاطئة عن الله.
و ) الآيات (١٦-١٨): مأمورية يسوع لبولس على الطريق إلى دمشق
١٦وَلَكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لِأَنِّي لِهَذَا ظَهَرْتُ لَكَ، لِأَنْتَخِبَكَ خَادِمًا وَشَاهِدًا بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ، ١٧مُنْقِذًا إِيَّاكَ مِنَ ٱلشَّعْبِ وَمِنَ ٱلْأُمَمِ ٱلَّذِينَ أَنَا ٱلْآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ، ١٨لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ ٱلشَّيْطَانِ إِلَى ٱللهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِٱلْإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا وَنَصِيبًا مَعَ ٱلْمُقَدَّسِينَ.
- وَلَكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ: طلب يسوع من بولس الوقوف على رجليه. لا يعود ذلك لأن تواضعه لم يكن لائقاً بل لأن عليه الذهاب إلى مكان ما. وكأن يسوع يقول له: “دعنا نذهب الآن.”
- لِأَنِّي لِهَذَا ظَهَرْتُ لَكَ: أرسله القادة الدينيين إلى دمشق لتحقيق غاية ما بِسُلطَةٍ وَتَفوِيضٍ منهم. والآن عليه أن يختار غرض آخر أي يسوع.
- لِأَنِّي لِهَذَا ظَهَرْتُ لَكَ، لِأَنْتَخِبَكَ خَادِمًا وَشَاهِدًا: دُعيَّ بولس خادماً ليشهد عن الأمور التي رآها والتي سيُظهرها له يسوع (لِأَنْتَخِبَكَ خَادِمًا وَشَاهِدًا بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ). فمأمورية المؤمن أن يخدم رسالة الإنجيل فقط لا أن يستغلها أو يستخدم شهادته الشخصية لتحقيق مكاسب خاصة.
- لِأَنْتَخِبَكَ خَادِمًا وَشَاهِدًا: دُعيَّ بولس شَاهِدًا لما رأى (بِمَا رَأَيْتَ). فمأمورية كل مؤمن ليس تأليف اختبار ما أو خلق رسالة جديدة بل أن يشهد (شَاهِدًا) عن الحق وعن اختباره.
- أَنَا ٱلْآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ، لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ: وصف يسوع الخدمة التي سيقوم بها بولس. كان بولس أعملى في تلك اللحظة على الطريق إلى دمشق بسبب النور العظيم من السماء، ورغم عماه الجسدي أرسله يسوع ليفتح عيون الآخرين (اليهود والأمم).
- ثم أخبر يسوع بولس عن أربعة نتائج ستحدث من فتح العيون:
- كي يرجعوا من ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ
- كي يرجعوا من سُلْطَانِ ٱلشَّيْطَانِ إِلَى ٱللهِ
- لينالوا غُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا
- لينالوا نَصِيبًا مَعَ ٱلْمُقَدَّسِينَ
- حَتَّى يَنَالُوا بِٱلْإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا وَنَصِيبًا مَعَ ٱلْمُقَدَّسِينَ (فَيَنَالُوا غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيباً بَيْنَ الَّذِينَ تَقَدَّسُوا بِالإِيمَانِ بِي – الترجمة العربية المبسطة): هذه هي الطريقة التي وصف بها يسوع أتباعه وشعبه وعائلته: ٱلْمُقَدَّسِينَ (المعزولين عن الخطية والذات) وهم الَّذِينَ تَقَدَّسُوا بِالإِيمَانِ بيسوع (ليس بالأعمال أو الإنجاز الروحي بل بعلاقة محبة وثقة بيسوع).
- كانت دَارِ ٱلِٱسْتِمَاعِ التي تحدث فيها بولس مليئة بالشخصيات المهمة (أعمال الرسل ٢٣:٢٥) ولكن وجه بولس هذه الكلمات بالتحديد للملك أغريباس. كانت تلك دعوة ليصبح أغريباس واحداً من الَّذِينَ تَقَدَّسُوا بِالإِيمَانِ بيسوع ويمكن أن تُفتح عيناه أيضاً كما حصل مع بولس.
ز ) الآيات (١٩-٢٠): طاعة بولس ليسوع
١٩«مِنْ ثَمَّ أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ لَمْ أَكُنْ مُعَانِدًا لِلرُّؤْيَا ٱلسَّمَاوِيَّةِ، ٢٠بَلْ أَخْبَرْتُ أَوَّلًا ٱلَّذِينَ فِي دِمَشْقَ، وَفِي أُورُشَلِيمَ حَتَّى جَمِيعِ كُورَةِ ٱلْيَهُودِيَّةِ، ثُمَّ ٱلْأُمَمَ، أَنْ يَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا إِلَى ٱللهِ عَامِلِينَ أَعْمَالًا تَلِيقُ بِٱلتَّوْبَةِ.
- أَغْرِيبَاسُ لَمْ أَكُنْ مُعَانِدًا لِلرُّؤْيَا ٱلسَّمَاوِيَّةِ: كان تجاوب بولس منطقياً نظراً للتجربة التي وصفها لتوه. لا أحد يجرؤ على معصية الله الذي كشف عن نفسه بهذه القوة. قدم بولس حجة قوية لأغريباس ولكل الحاضرين عن السبب الذي جعله يبشر ويعيش بهذه الطريقة.
- أَنْ يَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا إِلَى ٱللهِ عَامِلِينَ أَعْمَالًا تَلِيقُ بِٱلتَّوْبَةِ: يا له من تلخيص رائع لرسالة بولس. وضع بولس التوبة والرجوع إلى الله جنباً إلى جنب موضحاً أن الأمرين يسيران معاً. فلا يستطيع المرء الرجوع إلى الله إلا عندما يتوب وتعكس تصرفاته تلك التوبة الحقيقية (عَامِلِينَ أَعْمَالًا تَلِيقُ بِٱلتَّوْبَةِ).
ح) الآيات (٢١-٢٣): بولس يلخص دفاعه
٢١مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَمْسَكَنِي ٱلْيَهُودُ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَشَرَعُوا فِي قَتْلِي. ٢٢فَإِذْ حَصَلْتُ عَلَى مَعُونَةٍ مِنَ ٱللهِ، بَقِيتُ إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ، شَاهِدًا لِلصَّغِيرِ وَٱلْكَبِيرِ. وَأَنَا لَا أَقُولُ شَيْئًا غَيْرَ مَا تَكَلَّمَ ٱلْأَنْبِيَاءُ وَمُوسَى أَنَّهُ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ: ٢٣إِنْ يُؤَلَّمِ ٱلْمَسِيحُ، يَكُنْ هُوَ أَوَّلَ قِيَامَةِ ٱلْأَمْوَاتِ، مُزْمِعًا أَنْ يُنَادِيَ بِنُورٍ لِلشَّعْبِ وَلِلْأُمَمِ.
- مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَمْسَكَنِي ٱلْيَهُودُ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَشَرَعُوا فِي قَتْلِي: بولس يكشف عن الحقيقة. السبب الحقيقي الذي من أجله أمسكه اليهود (أَمْسَكَنِي ٱلْيَهُودُ) وأرادوا قتله (شَرَعُوا فِي قَتْلِي) كان لأنه جلب رسالة إنجيل يسوع المسيح إلى الأمم وليس لأنه كان مناضلاً سياسياً أو لأنه دنس الهيكل.
- فَإِذْ حَصَلْتُ عَلَى مَعُونَةٍ مِنَ ٱللهِ، بَقِيتُ إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ، شَاهِدًا لِلصَّغِيرِ وَٱلْكَبِيرِ: نال بولس مَعُونَةٍ مِنَ ٱللهِ بينما كان مسجوناً لمدة عامين. فحتى هذه النقطة لم تطلق تلك المعونة سراحه ولكنها فتحت أمامه هذه الفرصة وأعطته القدرة للكلام عن يسوع وما فعله لِلصَّغِيرِ وَٱلْكَبِيرِ.
- يبدو أن بولس لم يبالي بالأمر وكان اهتمامه منصباً على الشهادة عن يسوع بدلاً من المشاركة عن حريته الشخصية.
- وَأَنَا لَا أَقُولُ شَيْئًا غَيْرَ مَا تَكَلَّمَ ٱلْأَنْبِيَاءُ وَمُوسَى أَنَّهُ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ: أعلن بولس أيضاً أنه لم يحيد عما تنبأ وتكلم عنه ٱلْأَنْبِيَاءُ وَمُوسَى لأنه مبني على كلمة الله لا على تقاليد الإنسان أو تجاربه الشخصية.
- إِنْ يُؤَلَّمِ ٱلْمَسِيحُ، يَكُنْ هُوَ أَوَّلَ قِيَامَةِ ٱلْأَمْوَاتِ، مُزْمِعًا أَنْ يُنَادِيَ بِنُورٍ لِلشَّعْبِ وَلِلْأُمَمِ: كانت تلك النقاط الرئيسية الثلاثة لعظة بولس: موت يسوع وقيامته والإعلان عن هذا الخبر السار للعالم كله دون أي تمييز بين اليهودي أو الأممي.
ثانياً. تجاوب كل من فَسْتُوس وأَغْرِيبَاس
أ ) الآيات (٢٤-٢٦): فستوس يؤكد على جنون بولس ورد بولس عليه
٢٤وَبَيْنَمَا هُوَ يَحْتَجُّ بِهَذَا، قَالَ فَسْتُوسُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «أَنْتَ تَهْذِي يَا بُولُسُ! ٱلْكُتُبُ ٱلْكَثِيرَةُ تُحَوِّلُكَ إِلَى ٱلْهَذَيَانِ!». ٢٥فَقَالَ: «لَسْتُ أَهْذِي أَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ فَسْتُوسُ، بَلْ أَنْطِقُ بِكَلِمَاتِ ٱلصِّدْقِ وَٱلصَّحْوِ. ٢٦لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ، عَالِمٌ ٱلْمَلِكُ ٱلَّذِي أُكَلِّمُهُ جِهَارًا، إِذْ أَنَا لَسْتُ أُصَدِّقُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ هَذَا لَمْ يُفْعَلْ فِي زَاوِيَةٍ.
- أَنْتَ تَهْذِي يَا بُولُسُ! ٱلْكُتُبُ ٱلْكَثِيرَةُ تُحَوِّلُكَ إِلَى ٱلْهَذَيَانِ!: من الواضح أن بولس كان شخصاً ذكياً ومُتَبَحِراً فِي العِلْمِ ومع ذلك اعتقد فستوس في تلك اللحظة أن بولس كان مجنوناً وقال هذا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ. ثمة بعض الأسباب التي جعلت شخص مثل فستوس يعتقد أن بولس كان يهْذِي إذا أخذنا بعين الاعتبار سلوكه في الجلسة.
- كان سعيداً على الرغم من أنه سجين مكبل بالسلاسل (أعمال الرسل ٢:٢٦).
- كان مصِرّاً على قدرة الله على قيامة الأموات (أعمال الرسل ٨:٢٦، ٢٣).
- شارك اختباره عن الرؤيا السماوية التي غيرت حياته (أعمال الرسل ١٤:٢٦-١٩).
- كان مهتماً أكثر بشأن الإعلان عن يسوع بدلاً من حريته الشخصية (أعمال الرسل ٢٢:٢٦).
- آمن برسالة رجاء وفداء للبشرية جمعاء وليست مخصصة لليهود فقط أو للأمم فقط (أعمال الرسل ٢٣:٢٦).
- عندما نُعلن في حياتنا عن الإنجيل بالشكل الصحيح سيعتقد الناس أننا مجانين أو أننا نَهْذِي. عبر بولس عن هذا عندما كتب رسالته الأولى لأهل كورنثوس ١٨:١ “فَإِنَّ كَلِمَةَ ٱلصَّلِيبِ عِنْدَ ٱلْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ ٱلْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ ٱللهِ.”
- لَسْتُ أَهْذِي أَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ فَسْتُوسُ، بَلْ أَنْطِقُ بِكَلِمَاتِ ٱلصِّدْقِ وَٱلصَّحْوِ: عرف بولس أن إنجيله ليس صحيحاً فحسب بل معقولاً أيضاً. قد يتصرف الله أحياناً بطريقة لا يستوعبها العقل ولكنها لن تكون مُنافية للعقل أبداً.
- لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ، عَالِمٌ ٱلْمَلِكُ ٱلَّذِي أُكَلِّمُهُ جِهَارًا، إِذْ أَنَا لَسْتُ أُصَدِّقُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (وَالمَلِكُ عارِفٌ بِهَذِهِ الأُمُورِ. لِهَذا يُمكِنُنِي أنْ أتَحَدَّثَ إلَيهِ بِحُرِّيَّةٍ. وَأنا واثِقٌ مِنْ أنَّهُ يَعرِفُ هَذِهِ الأُمُورَ كُلَّها – الترجمة العربية المبسطة): وصل فستوس حديثاً من روما لهذا لم يعرف الكثير عن يسوع وعن حركة المؤمنين الأوائل أما أغريباس فكان يعرف جيداً بِهَذِهِ الأُمُورِ، لذا ناشد بولس معرفته للأحداث التاريخية التي كانت معروفة للجميع وأساس الإيمان المسيحي، كما أضاف أن ما حدث لم يحدث في مَكانٍ مُنعَزِلٍ (لِأَنَّ هَذَا لَمْ يُفْعَلْ فِي زَاوِيَةٍ).
- تميزت رسالة بولس بِكَلاَمِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ (ٱلصِّدْقِ وَٱلصَّحْوِ) لأنها تستند على أحداث تاريخية (مثل صلب وقيامة يسوع) وهي أمور لم تحدث فِي الخفاء (لِأَنَّ هَذَا لَمْ يُفْعَلْ فِي زَاوِيَةٍ) ولكنها كانت قابلة للفحص من الجميع.
- الأساس التاريخي لرسالة بولس جعلتها صحيحة ودقيقة (ٱلصِّدْقِ). أما كونها مَعقُولَة (ٱلصَّحْوِ) فهذا يعني أنه ليس من المعقول بكل بساطة تجاهل أو إنكار ما قد حدث بالفعل. ولهذا ينبغي التحقق من يسوع ومما فعله باعتباره حدثاً تاريخياً.
ب) الآيات (٢٧-٢٩): أغريباس يكاد يقتنع
٢٧«أَتُؤْمِنُ أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ بِٱلْأَنْبِيَاءِ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكَ تُؤْمِنُ». ٢٨فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِبُولُسَ: «بِقَلِيلٍ تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيًّا!». ٢٩فَقَالَ بُولُسُ: «كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى ٱللهِ أَنَّهُ بِقَلِيلٍ وَبِكَثِيرٍ، لَيْسَ أَنْتَ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا جَمِيعُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَنِي ٱلْيَوْمَ، يَصِيرُونَ هَكَذَا كَمَا أَنَا، مَا خَلَا هَذِهِ ٱلْقُيُودَ».
- أَتُؤْمِنُ أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ بِٱلْأَنْبِيَاءِ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكَ تُؤْمِنُ: استغل بولس هيجان فستوس ليناشد المعرفة التي كانت عند الملك أغريباس (أعمال الرسل ٢٦:٢٦) ثم تحداه بشكل مباشر وسأل: أَتُؤْمِنُ.
- لم يسأل بولس أغريباس منذ البداية إن كان يؤمن بيسوع بل سأله: أَتُؤْمِنُ أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ بِٱلْأَنْبِيَاءِ؟ سأل بولس هذا السؤال لأنه إن كان يؤمن بالأنبياء فإن الحق والمنطق سيقودانه حتماً للإيمان بيسوع. أراد بولس أن يضع إيمان أغريباس في المكان الصحيح.
- وبهذه الكلمات وضع بولس التحدي والقرار مباشرة أمام أغريباس. هذا الجزء ضروري جداً حينما نبشر الآخرين عن يسوع وعما فعله لأجلنا، فعلينا أن نتحدى المستمع وندعوه لاتخاذ القرار.
- «بِقَلِيلٍ تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيًّا!»: عندما دعاه بولس للإيمان بالانبياء وبيسوع رفض أغريباس أن يعترف أنه كان يؤمن بهم. كاد بولس أن يقنعه بِقَلِيلٍ.
- الفكرة من وراء الكلمة بِقَلِيلٍ هي: “قَلِيلاً بَعْدُ، وَتُقْنِعُنِي بِأَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيّاً!” وقد تعني “فِي هَذِهِ المُدَّةِ القَصِيرَةِ أتَظُنُّ أنَّكَ تَستَطِيعُ أنْ تُقنِعَنِي بِأنْ أكُونَ مَسِيحِيّاً؟” أو “ثمة مسافة بسيطة بيني وبين الإيمان المسيحي.” وبغض النظر عن مدى قرب أغريباس من الإيمان إلا أنه لم يكن قريباً بما فيه الكفاية.
- وإذا كانت كلمة بِقَلِيلٍ تعني نوعاً ما فنستطيع القول أن جواب أغريباس كان محزناً. وبطبيعة الحال، كون المرء مؤمناً نوعاً ما يعني أنه يملك الحياة الأبدية نوعاً ما وأنه لن ينال دينونة الجحيم تقريباً… ولكن تقريباً ليست كافية على الإطلاق.
- وبدلاً من الإعجاب بمدى قرب أغريباس من الإيمان علينا أن نحزن لأنه أدان نفسه أكثر بسبب رفضه لرسالة الإنجيل رغم معرفته بها.
- أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيًّا: يمكننا القول أن بولس ردد كلمات يسوع التي قالها على الطريق إلى دمشق والتي تشير إلى حقيقة المؤمن (أعمال الرسل ١٨:٢٦). ولكن أغريباس رفض ذلك.
- رفض أن يرجع من الظلمة إلى النور
- رفض أن يرجع من سلطان الشيطان إلى الله
- رفض أن ينال مغفرة عن الخطايا
- رفض أن يكون له نصيب مع المقدسين
- رفض أن يكون له مكان بين الذين تقدسوا بالإيمان بيسوع
- «بِقَلِيلٍ تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيًّا!»: ما الذي منع أغريباس من أن يصبح مؤمناً بالمسيح؟ لماذا اقتنع بِقَلِيلٍ؟
- لماذا لم يقتنع أغريباس؟ ربما بسبب المرأة التي كانت تجلس بالقرب منه: بَرْنِيكِي. كانت برنيكي رفيقة زانية وغير أخلاقية. وربما أدرك أغريباس عن حق أن إيمانه يعني خسارتها وخسارة باقي أصدقائه الآثمين. لم يكن أغريباس مستعداً لتقديم مثل هذه التضحية.
- كان يجلس بالقرب من أغريباس الملك فستوس الرجل بكل معنى الكلمة والذي لا يتفوه بالتفاهات، وهو من نَعَتَ بولس بالجنون. وربما اعتقد أغريباس: “لا أستطيع أن أصبح مؤمناً. سيعتقد فستوس أني مجنون.” رفض أغريباس يسوع لأنه كان يفضل الثناء من الإنسان. كتب سبيرجن (Spurgeon): “وآسفاه… كم عدد الأشخاص الذين يخشون الناس! أيها الجبناء هل ستسمحون لخوفكم أن يدينكم؟ هل ستسمحون بهلاك أرواحكم بدلاً من التصدي لكلام مخلوقات ضعيفة؟ ألا تجرأون على السير وراء الحق عكس كل من يسير وراء الباطل؟ يا لكم من جبناء وتستحقون الهلاك لأنكم لا تملكون الشجاعة الكافية لحفظ أرواحكم بل ترتجفون خوفاً أمام تعييرات الحمقى!”
- وقف أمام أغريباس بولس الرجل القوي والنبيل والحكيم وصاحب الصفات الحسنة رغم القيود في يديه. هل قال أغريباس: “هل سأكبل بالسلاسل إن صرت مؤمناً كما حصل مع بولس أو سأسجن معه مثلاً… كلا… لن أسمح بهذا أبداً فأنا شخص مهم.” كتب سبيرجن (Spurgeon): “يا ليت الإنسان يملك ما يكفي من حكمة ليدرك أن المعاناة من أجل يسوع ما هو إلا شرف وأن الموت من أجل الحق ما هو إلا ربح وأن الكرامة الحقيقية تكمن في القيود على اليدين وليس في القيود على الروح.”
- كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى ٱللهِ أَنَّهُ بِقَلِيلٍ وَبِكَثِيرٍ، لَيْسَ أَنْتَ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا جَمِيعُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَنِي ٱلْيَوْمَ، يَصِيرُونَ هَكَذَا كَمَا أَنَا، مَا خَلَا هَذِهِ ٱلْقُيُودَ: أعلن بولس ثقته الكاملة في إنجيل يسوع المسيح وأنه لم يتراجع عنه إنشٌ واحد على الرغم من السجن.
- مَا خَلَا هَذِهِ ٱلْقُيُودَ (ولكِنْ دُونَ هَذِهِ السَّلاَسِلِ!): رفع بولس يديه المربوطة بالقيود أمام الجميع ليبين أنه كان يتمتع بحرية أكبر في يسوع من كل النبلاء الحاضرين.
ج) الآيات (٣٠-٣٢): يعترف أغريباس ببراءة بولس ومع ذلك يحيله إلى قيصر
٣٠فَلَمَّا قَالَ هَذَا قَامَ ٱلْمَلِكُ وَٱلْوَالِي وَبَرْنِيكِي وَٱلْجَالِسُونَ مَعَهُمْ، ٣١وَٱنْصَرَفُوا وَهُمْ يُكَلِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَائِلِينَ: «إِنَّ هَذَا ٱلْإِنْسَانَ لَيْسَ يَفْعَلُ شَيْئًا يَسْتَحِقُّ ٱلْمَوْتَ أَوِ ٱلْقُيُودَ». ٣٢وَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِفَسْتُوسَ: «كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُطْلَقَ هَذَا ٱلْإِنْسَانُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْ رَفَعَ دَعْوَاهُ إِلَى قَيْصَرَ».
- فَلَمَّا قَالَ هَذَا قَامَ ٱلْمَلِكُ: لم يحتمل كل من أغريباس وفستوس والباقين تحدي بولس المباشر. فقد كان كلامه في الصميم وشخصي للغاية وشعروا بحاجتهم لإنهاء اللقاء بسرعة ووقف الجلسة.
- إِنَّ هَذَا ٱلْإِنْسَانَ لَيْسَ يَفْعَلُ شَيْئًا يَسْتَحِقُّ ٱلْمَوْتَ أَوِ ٱلْقُيُودَ: لم يرى أغريباس أي دليل على صحة التهم الموجهة ضد بولس ولكنه احترم نزاهة بولس كثيراً ومع ذلك رفض رسالة الإنجيل. أعلن أغريباس ومن معه أن بولس غير مذنب.
- كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُطْلَقَ هَذَا ٱلْإِنْسَانُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْ رَفَعَ دَعْوَاهُ إِلَى قَيْصَرَ: ومع ذلك لم يكن بإمكانهم إطلاق سراح بولس لأنه رَفَعَ دَعْوَاهُ إِلَى قَيْصَرَ. ويبدو أنه بمجرد رفع الدعوة إلى قيصر لا يمكن التراجع عنها أبداً.
- قَدْ رَفَعَ دَعْوَاهُ إِلَى قَيْصَرَ: يبدو أنه كان بإمكان إطلاق سراح بولس لولا أنه رفع قضيته إلى القيصر. فهل كانت رفع الدعوة إلى قيصر أمراً جيداً أم سيئاً؟
- اعتقد البعض أن هذا كان سيئاً لأنه يظهر أن بولس كان يعتمد على قوة القانون الروماني بدلاً من قوة الله. ويقولون أنه كان بإمكان أغريباس أن يطلق سراحه لو لم يرفع قضيته إلى قيصر.
- ومع هذا علينا أن ننظر لكل الأحداث على أنها تحقيق لمشيئة وخطة الله. برفع دعواه إلى قيصر سيتمكن بولس من توصيل الرسالة إلى الإمبراطور الروماني كما فعل مع فِيلِكس وفستوس وأغريباس وبالتالي سيتحقق الوعد بأن بولس سيَحْمِلَ ٱسْمِي أَمَامَ مُلُوكٍ (أعمال الرسل ١٥:٩).
- الوقوف أمام قيصر والذهاب إلى روما على نفقة الإمبراطورية كان تحقيقاً آخر لكلام الروح القدس في أعمال الرسل ٢١:١٩، <١١:٢٣ “يَنْبَغي أنْ أذْهَبَ إلَى رُوما أيضاً… سَتَشهَدُ فِي رُوما أيضاً»” وكان تحقيقاً لصلوات بولس الذي كان يتوق لزيارة الكنيسة هناك (رومية ٩:١-١٣).