تفسير انجيل يوحنا – الإصحاح ١
الْكَلِمَة والشَّاهِد
أولاً. يوحنا: الإنجيل الرابع
تفسير انجيل يوحنا، أ ) إنجيل يوحنا هو الجزء الرابع مما يسميه البعض بالإنجيل الرباعي الذي يعرض أربعة وجهات نظر مختلفة عن حياة يسوع الناصري. فَهِم الكُتاب المسيحيون الأوائل مثل أوريجانوس (١٨٥-٢٥٤م) أنه لا توجد أربعة أناجيل بل إنجيلٌ واحد رباعي الجوانب.
- كان إنجيل يوحنا على الأرجح آخر إنجيل كُتب من الأناجيل الأربعة وقد كتبه يوحنا في ضوء ما قاله الثلاثة الأوائل مما جعل رواية يوحنا عن حياة يسوع تختلف بطرق شتى عن متى ومرقس ولوقا.
- ذكر كل من متى ومرقس ولوقا أحداثاً بارزة عن خدمة يسوع ولكن يوحنا لم يذكرها البتة، بما في ذلك:
- ولادة يسوع
- معمودية يسوع
- تجربة يسوع في البرية
- طرد يسوع للأرواح الشريرة
- تعليم يسوع بأمثال
- العشاء الأخير
- آلام جثسيماني
- الصعود
- ركزت الأناجيل الثلاثة الأولى على خدمة يسوع في منطقة الجليل، أما يوحنا فركز روايته على ما قاله يسوع وعمله في أورشليم.
- ركز كل إنجيل على أصل يسوع ونسبه من زاوية مختلفة.
- بيّن متى أن يسوع جاء من نسل إبراهيم عن طريق داود وقدمه كالمسيا المنتظر بحسب نبوات الأنبياء في العهد القديم (يوحنا ١:١-١٧).
- أظهر مرقس أن يسوع جاء من بلدة الناصرة وقدمه كالخادم (مرقس ٩:١).
- أظهر لوقا أن يسوع جاء من نسل آدم وقدمه كالإنسان الكامل (لوقا ٢٣:٣-٣٨).
- أظهر يوحنا أن يسوع جاء من السماء وقدمه كالإله المتجسد.
- غير أنه من الخطأ الاعتقاد أن يوحنا دوّن كل تفاصيل قصة يسوع. كتب يوحنا لاحقاً أن قصة يسوع لو دونت كلها بالتفصيل فلن يتسع العالم كله للكتب التي كانت ستُكتب يوحنا ٢٥:٢١).
ب) عُرِفت الأناجيل الثلاثة الأولى متى ومرقس ولوقا بالأناجيل الإزائية (السينوبتيّة) وسميت كذلك لأنها تقدم إلى حد كبير صورة متكاملة ومتشابهة أو متوازية عن حياة يسوع. ركزت الأناجيل الثلاثة الأولى على ما علمه يسوع وفعله أما يوحنا فركز على هوية وحقيقة يسوع.
- وضح يوحنا هوية يسوع بتسليط الضوء على سبع آيات (معجزات) صنعها، ست منها لم تُذكر في الأناجيل الثلاثة الأولى.
- وضح يوحنا هوية يسوع باستخدام المصطلح “أنا هو” سبع مرات وهو أمر لا نجده في الأناجيل الثلاثة الأولى.
- وضح يوحنا هوية يسوع بشهادة الشهود الذين أعلنوا عن هويته الحقيقة. ففي الأصحاح الأول وحده عرض يوحنا شهادة أربعة من هؤلاء الشهود.
ج) كُتِبَّ إنجيل يوحنا لغرض محدد فقط: “أن تُؤْمِنُوا.” نجد الآية المفتاحية لفهم إنجيل يوحنا في آخر إصحاح: وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِٱسْمِهِ (يوحنا ٣١:٢٠).
- ساعد إنجيل يوحنا حتى الباحثين المتشككين على الإيمان بيسوع. ومن أقدم المخطوطات للعهد الجديد التي تم العثور عليها في مصر كانت جزء من الأصحاح الثامن عشر من إنجيل يوحنا والذي يعود تاريخه إلى ما قبل العام ١٥٠م مما يدل على أن إنجيل يوحنا كان واسع الانتشار في ذلك الوقت.
- لا يخبرنا يوحنا الكثير عن نفسه في تسجيله للأحداث في إنجيله ولكننا نستطيع أن نعرف بعض الأمور عنه.
- أبو يوحنا كان اسمه زَبْدِي.
- كانت أمه سالُومَة التي ذهبت إلى القبر في الصباح الذي اكتشف فيه يعقوب شقيق يوحنا قيامة يسوع.
- كان بطرس شريكه في الصيد.
- لُقِبَّ مع أخاه يعقوب: ’ٱبْنَيِ ٱلرَّعْدِ.‘
د ) عُرِف بإنجيل يوحنا الحبيب. وبسبب التناقض الواضح في أسلوبه السهل الممتنع الذي يجمع بين البساطة والعمق دعاه البعض: “بركة يمكن للطفل خوضها وللفيل السباحة فيها.”
- “قصصه بسيطة للغاية سيحبها حتى الأطفال أما تصريحاته فعميقة جداً ولا يستطيع حتى الفيلسوف سبر غورها.” إردمان (Erdman)
- إذا كانت الأمور الترفيهة والرياضة والموسيقى أو الأخبار تسترعي انتباهنا بهذا الشكل، فكم بالحري علينا أن ننتبه. قال يوحنا فم الذهب: “عندما ينطق رجل بكلمات سماوية أوضح من الرعد؟”
ثانياً. مقدمة الإنجيل بحسب يوحنا
هذا الجزء المميز والرائع ليس مجرد مقدمة أو مدخل لإنجيل يوحنا بل تلخيصاً للكتاب بأكمله. فالجزء المتبقي من إنجيل يوحنا يتناول الموضوعات المعروضة هنا: هوية الكلمة والحياة والنور والتجديد والنعمة والحق وإعلان الآب عن نفسه في شخص يسوع الابن.
أ ) الآيات (١-٢): ٱلْكَلِمَة الأزلية (لوغوس Logos)
١فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللهَ. ٢هَذَا كَانَ فِي ٱلْبَدْءِ عِنْدَ ٱللهِ.
- فِي ٱلْبَدْءِ: تشير هذه الكلمات إلى الأبدية المذكورة في سفر التكوين ١:١ (فِي ٱلْبَدْءِ خَلَقَ ٱللهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضَ). وكأنه يقول: “عندما بدأ ٱلْبَدْءِ كان ٱلْكَلِمَةُ موجوداً.” والفكرة هنا أن ٱلْكَلِمَةُ موجود قبل الخليقة أو حتى قبل الزمن.
- يشرح يوحنا أن ٱلْكَلِمَةُ لم يكن ٱلْبَدْءِ فقط بل بداية ٱلْبَدْء. فهو فِي ٱلْبَدْءِ قبل وجود أي شيء.
- كَانَ ٱلْكَلِمَةُ: “هل كان للكلمة بداية؟ قال يوحنا: ’كلا… لأنه إن تمكنا من العودة لأية بداية فسنجد الكلمة حاضراً‘ وسندرك في الحال أن يوحنا في الرؤيا كان يشير إلى الله الأزلي.” ترينش (Trench)
- “قُدِم هذا الوصف كي ندرك في الحال أنه تاريخ مستمر ينبع من تاريخ غير مُقاس ومن هوية الشخص الذي يتمحور حوله هذا التاريخ.” دودز (Dods)
- فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ: ترجمة ’ٱلْكَلِمَةُ‘ في اليونانية القديمة هي اللوغوس (Logos). وكان لكلمة لوغوس جذور عميقة ومتأصلة في الفكر اليهودي واليوناني.
- غالباً ما يشير معلمو اليهود إلى الله (خاصة عند الحديث عن شخصه) مستخدمين تعبير ’الكلمة.‘ على سبيل المثال: غيرت الإضافات العبرية القديمة للعهد القديم الآية في سفر الخروج ١٧:١٩ (وَأَخْرَجَ مُوسَى ٱلشَّعْبَ مِنَ ٱلْمَحَلَّةِ لِمُلَاقَاةِ ٱللهِ) لتصبح “وَأَخْرَجَ مُوسَى ٱلشَّعْبَ مِنَ ٱلْمَحَلَّةِ لِمُلَاقَاةِ كلمة ٱللهِ.” فحسب التفكير اليهودي القديم يجوز استخدام العبارة ” كلمة الله” بدلاً من الله.
- رأى الفلاسفة اليونانيين أن اللوغوس هو القوة التي تعطي للعالم معنى وتجعله منظماً وبعيداً عن الفوضى وتسيره بشكل مثالي وتحافظ عليه ليبقى هكذا. فاللوغوس هو “المنطق الأسمى” الذي يتحكم في كل شيء. (دودز وموريس وباركلي وبروس وآخرون).
- خاطب يوحنا في هذه المقدمة كل من اليهود واليونانيين على حد سواء وقال: “لعدة قرون وأنتم تتحدثون وتفكرون وتكتبون عن ٱلْكَلِمَةُ (لوغوس) والآن سأخبرك من يكون.” استخدم يوحنا معرفة اليهود واليونانيين وشرح لهم عن يسوع بمفردات يفهمونها.
- “استخدم يوحنا مصطلحاً شائعاً يعرفه الجميع ويحمل أكثر من معنى واعتمد على أن الجميع سيفهمون قصده.” مورس (Morris)
- “أخذ يوحنا هذه الكلمة التي كانت متداولة على نطاق واسع وتساعد المفكرين في جهودهم لفهم علاقة الله بالعالم واستخدمها ليعلن عن الشخص الذي سيكشف عن حقيقة الله الأزلي الذي يتعذر فهمه.” دودز (Dods)
- وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللهَ: بهذا التصريح الرائع يبين يوحنا ’الثالوث‘أحد أهم أسس إيماننا. ويمكننا تتبع منطق يوحنا كالتالي:
- ثمة ’كائن‘ يُسمىٱلْكَلِمَة.
- هذا ’الكائن‘ هو الله لأنه أزلي (فِي ٱلْبَدْءِ).
- هذا ’الكائن‘ هو الله لأنه يُدعى صراحة كذلك (وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللهَ).
- وفي نفس الوقت لا يشمل هذا ’الكائن‘ الله بكل ما فيه فالله الآب هو أقنوم مستقل عن ٱلْكَلِمَةُ (وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللهِ).
- فالآب والابن إذًا (يُسمى الابن هنا ٱلْكَلِمَةُ) هما إله واحد متساوٍ ولكن بسمات متميزة لكل أقنوم. فالآب ليس هو الابن والابن ليس هو الآب. ومع ذلك، فالآب والابن والروح القدس معاً هم الإله الواحد المثلث الأقانيم.
- وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللهِ:“يفترض حرف الجر ضمناً وجود علاقة بينهما لكن شخصياتهما منفصلة. وكما أشار يوحنا فم الذهب: ’ليس في الله ولكن عند الله (كشخص مع شخص آخر) منذ الأزل.‘” دودز (Dods)
- وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللهَ:“هذه هي الصيغة الصحيحة للجملة وليس ’كان الله الكلمة‘ وهو المطلوب في اللغة اليونانية.” آلفورد (Alford)
- “قال لوثر إن عبارة ’كان الكلمة الله‘ كانت موجهة مباشرة ضد أريوس وعبارة ’الكلمة كان عند الله‘ كانت موجهة مباشرة ضد سابيليوس.” دودز (Dods)
- وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللهَ: “كل ما يمكن قوله عن الله الآب يمكن أن يقال عن الله الابن. فكنوز الحكمة والمجد والسلطان والمحبة والقداسة والعدل والصلاح والحق عن الآب السماوي تكمن في يسوع المسيح. ففي يسوع يصبح الآب السماوي معروفاً.” بويس (Boice)
- فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللهَ: ترجم شهود يهوه في كتابهم المقدس (جمعية برج المراقبة The Watchtower ويدعى ترجمة العالم الجديد) هذه الجملة بشكل مختلف تماماً. ترجموها هكذا: “في [البداية] كان الكلمة وكان الكلمة عند الله وكان الكلمة إلهاً.” وتهدف هذه الترجمة إلى نقض التعليم بأن يسوع هو الله، وهي ترجمة خاطئة ومضللة.
- دفاع شهود يهوه الوحيد على ترجمتهم ليوحنا ١:١-٢ هو عدم وجود أداة تعريف (ال) قبل كلمة ’الله‘ المذكورة في المرة الثانية (مكتوب ’إله‘ وليس ’الله‘). وللرد على هذه الحجة باستخدام قواعد اللغة اليونانية والترجمة نفسها يمكننا القول أن كلمة ’الله‘ دون أداة التعريف ذكرت أكثر من مرة في العهد الجديد. فإن كان شهود يهوه صادقين وثابتين في تفاسيرهم فعليهم أن يستخدموا نفس القاعدة ويترجموا كلمة ’الله‘ إلى ’إله‘ في كل مرة تظهر فيها دون أداة التعريف ولكن يبدو أن هذه القاعدة النحوية لا تستخدم إلا لدعم معتقداتهم. فقد ترجم شهود يهوه الآيات في متى ٩:٥ و٢٤:٦ ولوقا ٣٥:١ و٧٥:١ ويوحنا ٦:١ و١٢:١-١٣ و١٨ ورومية ٧:١، ١٧ بنفس الطريقة وباستخدام نفس القاعدة النحوية في اللغة اليونانية ولكنهم لم يستبدلوا كلمة ’الله‘ بـ’إله‘ إلا عندما توافق الأمر مع غاياتهم.
- اقتبس شهود يهوه في كتابهم بعنوان (الملكوت بين السطور) من باحثين معروفين في اللغة اليونانية لدعم معتقداتهم وليثبتوا أن ترجمتهم للنص كانت صحيحة. ولكن شهود يهوه في الواقع أساءوا الاقتباس من هؤلاء الكاتبين مما دفع أحدهما وهو الدكتور مانتي (Mantey) للمطالبة بإزالة اسمه من الكتاب. استخدم شهود يهوه جوهانسن جريبر (Johannes Greber) وهو علّامة آخر في كتابهم الشهير بعنوان (الكلمة: من هو؟ حسب إنجيل يوحنا)، ولكن جوهانسن في الواقع كان شخصاً يؤمن بالسحر والشعوذة ولم يكن باحثاً في الكتب المقدسة اليونانية.
- لا يعترف علماء اللغة أو الحضارة اليونانية بترجمة شهود يهوه للآيات في يوحنا ١:١-٢.
- “يا لها من ترجمة مضللة! فترجمة يوحنا ١:١ إلى ’الكلمة كانت إلهاً‘ ليست ترجمة علمية ولا حتى معقولة. وحسب معرفتي لم يترجم أحد من الباحثين في العالم من ترجمة هذه الآية كما فعل شهود يهوه.” د. جوليوس مانتي (Dr. Julius R. Mantey)
- “يبالغ هواة القواعد الآريوسيين في قضية عدم ورود أداة التعريف من أمام الكلمة ’الله‘ في العبارة: “وكان الكلمة الله.” فعدم ذكرها أمرٌ شائع مع الأسماء التي تكون خبراً في الجملة. الترجمة ’إلهاً‘ ترجمة لا يمكن الدفاع عنها.” بروس (Dr. F.F. Bruce)
- “أستطيع أن أؤكد لكم أن ترجمة الآية في يوحنا ١:١ حسب شهود يهوه لا يؤيدها أي عالم يوناني مرموق.” شارلز فينبرغ (Dr. Charles L. Feinberg)
- “يثبت شهود يهوه جهلهم بالمبادئ الأساسية لقواعد اللغة اليونانية في ترجمتهم الركيكة ليوحنا ١:١.” بول كوفمن (Dr. Paul L. Kaufman)
- “تظهر هذه الترجمة تشويش هذه الطائفة الواضح والمتعمد للحق. فترجمة الآية في >يوحنا ١:١ ’كان الكلمة إلهاً‘ مستحيلة لغوياً. تظهر هذه الترجمة بوضوح تام عدم أمانة هذه الطائفة من الناحية الفكرية.” وليم باركلي (Dr. William Barclay)
- هَذَا كَانَ فِي ٱلْبَدْءِ عِنْدَ ٱللهِ: تبين هذه الآية مرة أخرى تميز الآب عن الابن، وتميز الابن عن الآب. فكل منهما هو الله لكنهما أقنومين منفصلين.
ب) الآيات (٣-٥) عمل وطبيعة ٱلْكَلِمَة
٣كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. ٤فِيهِ كَانَتِ ٱلْحَيَاةُ، وَٱلْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ ٱلنَّاسِ، ٥وَٱلنُّورُ يُضِيءُ فِي ٱلظُّلْمَةِ، وَٱلظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ.
- كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ: خلق ٱلْكَلِمَة كُلُّ شَيْء في الكون وبالتالي هو ذاته ليس مخلوقاً كما تقول الآية في كولوسي ١٦:١.
- “نقرأ في سفر التكوين ١:١ أن الله خلق كل شيء وتقول الآية في يوحنا ٣:١ أن يسوع خلق كل شيء وبأن نفس الروح المعصوم عن الخطأ تكلم من خلال موسى والرسل؛ وبناءً على هذا فإن يسوع والآب واحد.” كلارك (Clarke)
- فِيهِ كَانَتِ ٱلْحَيَاةُ:الكلمة هو مصدر الحياة، ليس الحياة الزمنية البيولوجية فحسب بل جوهر الحياة ذاتها. فالترجمة اليونانية للكلمة ’ٱلْحَيَاةُ‘ هي ’زوي zoe‘ وتعني “جوهر الحياة” وليس ’بيوس bios‘ أي الحياة الزمنية المخلوقة.
- “الكلمة هو تلك القوة التي خلقت الحياة وحافظت عليها.” دودز (Dods)
- وَٱلْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ ٱلنَّاسِ: ٱلْحَيَاةُ هي نُورَ ٱلنَّاسِوهذا يشير إلى الاستنارة الروحية والاستنارة الطبيعية من الشمس. لا يعني هذا أن الكلمة فيه حياة ونور بل هو نفسه الحَيَاةُ والنُور.
- فمن دون يسوع نحن أموات بالذنوب والخطايا ونعيش في ظلمة وضياع. فالإنسان يعاني بشكل ملحوظ من خوف فطري من الموت والظلمة.
- وَٱلنُّورُ يُضِيءُ فِي ٱلظُّلْمَةِ، وَٱلظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ: ترجمة أخرى للجملة ’لَمْ تُدْرِكْهُ‘ هي ’لَمْ تَهزِمْهُ أو تتغلب عليه.‘ لا يمكن للنور أن يخسر أمام الظلمة؛ فالظلمة لن تتغلب على النور أبداً.
- لَمْ تُدْرِكْهُ: “ليس من السهل ترجمة الفعل اليوناني هنا. فالكلمة تحمل فكرة تمسك الشخص بشيء ما إلى أن يمتلكه وقد يعني ’تغلغل الفكرة بالرأس‘ وثم ’السيطرة على الشخص.‘ فالفعل الذي نناقشه هنا يعني ’الغلبة‘ وهو معنى نادر للغاية ولكنه المعنى المقصود هنا.” موريس (Morris)
- “في الخلق الأول ’َكانَ َعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ‘ (تكوين ٢:١) إلى أن قالَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ» وهكذا ساهمت الخليقة الجديدة بإبعاد الظلمة الروحية من خلال النور الذي يشع في الكلمة.” بروس (Bruce)
ج) الآيات (٦-٨): مُعِدّ الطريق أمام ٱلْكَلِمَة
٦كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ ٱللهِ ٱسْمُهُ يُوحَنَّا. ٧هَذَا جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ، لِكَيْ يُؤْمِنَ ٱلْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ. ٨لَمْ يَكُنْ هُوَ ٱلنُّورَ، بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ.
- كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ ٱللهِ: جاء يوحنا المعمدان ليشهد عن النورلِكَيْ يُؤْمِنَ
ٱلْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ.بِوَاسِطَتِهِ. لهذا ركز يوحنا المعمدان في خدمته على جذب الناس للإيمان بيسوع المسيح.- “لم تقدم شهادة يوحنا مجرد تأريخ للأحداث لكنها كانت تهدف لإظهار العمى الروحي لكل من رفض المسيح.” دودز (Dods)
- لَمْ يَكُنْ هُوَ ٱلنُّورَ، بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ:حظي عمل يوحنا المعمدان بقبول جيد على نطاق واسع. كان من المهم بالنسبة ليوحنا كاتب الإنجيل أن يوضح بأن يوحنا المعمدان لَمْ يَكُنْ هُوَ ٱلنُّورَ بل جاء ليشير وليشهد عن ذلك ٱلنُّورَ.
- لَمْ يَكُنْ هُوَ ٱلنُّورَ:“ربما وجه يوحنا هذا الكلام إلى الطائفة التي عاشت زمنه والتي حافظت على تعاليم يوحنا المعمدان ولم تعرف أن المسيح أتم العمل بالكامل على الصليب (أعمال الرسل ٢٤:١٨–٢٥،١:١٩-٧). تيني (Tenney)
- “رغم أن يوحنا عُرف باسم ’يوحنا المعمدان‘ إلا أن الإشارات للمعمودية في هذا الإنجيل كانت مجرد شيء ثانوي، لكن الإشارات لشهادته عن المسيح كانت متكررة.” موريس (Morris)
- “’الشهادة‘ أمر مهم لإنها تثبت الحق وتقدم لنا أساساً للإيمان. لكنها أكثر من ذلك بكثير إذ أنها تلزم الشاهد بشهادته. فعندما يقف الشخص على منصة الشهود ليقدم شهادة صادقة، فهو لم يعد شخصاً محايداً بل صار ملتزماً بشهادته. يخبرنا يوحنا الحبيب أن هناك أشخاص يشبهون يوحنا المعمدان كرسوا أنفسهم بالكامل للشهادة عن يسوع المسيح.” موريس (Morris)
د ) الآيات (٩-١١): رفض ٱلْكَلِمَة
٩كَانَ ٱلنُّورُ ٱلْحَقِيقِيُّ ٱلَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِياً إِلَى ٱلْعَالَمِ. ١٠كَانَ فِي ٱلْعَالَمِ، وَكُوِّنَ ٱلْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ ٱلْعَالَمُ. ١١إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ.
- كَانَ ٱلنُّورُ ٱلْحَقِيقِيُّ ٱلَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِياً إِلَى ٱلْعَالَمِ:لم يقصد يوحنا بهذه الكلمات أن ٱلْكَلِمَة ستعطي ٱلنُّورُ لكل إنسان بمعنى الخلاص المطلق للجميع، لكنه يقول إن سبب تمتع أي شخص في العالم بمن يحبه ويرعاه ويقدم الخير له هو هذا ٱلنُّورُ ٱلْحَقِيقِي الذي يقدمه الله إِلَى ٱلْعَالَمِ.
- وَلَمْ يَعْرِفْهُ ٱلْعَالَمُ: يا له من أمر غريب. جاء الله إلى نفس العالم الذي خلقه وإلى الخليقة التي صنعها على صورته ومع ذلك لَمْ يَعْرِفْهُ ٱلْعَالَم. يظهر هذا مدى رفض الطبيعة الساقطة لله ويظهر رفض الكثيرين لكلمة الله وٱلنُّورُ (وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ).
- إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ: “قد نترجم هذه الكلمات هكذا: ’عاد إلى بيته.‘ وهي نفس الكلمات التي قالها الرب يسوع وهو على الصليب للتلميذ الحبيب: «هُوَذَا أُمُّكَ» وَمِنْ تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ أَخَذَهَا ٱلتِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ (يوحنا ٢٧:١٩، ٣٢:١٦). فعندما جاء الكلمة إلى هذا العالم لم يأتِ كشخص غريب أجنبي بل جاء إلى بيته وإلى خاصته.” موريس (Morris)
- “قيل أن كلمة ’خاصته‘ وردت بمعنى أنهم ’لم يعرفوه‘ ولهذا لم يقبلوه. ولكن نرى في مثل الكرامين الأشرار أن الرب يسوع قدمهم كقتلة للوريث وأنهم قتلوه لا عن جهل لكن لأنهم عرفوا من يكون.” دودز (Dods)
- “لم يعرف هذا العالم الصغير المسيح لأن الله أخفاه كابنٍ لنجار. فمجده كان مخفياً في ذاته وملكوته لم يكن ظاهراً للعيان.” تراب (Trapp)
هـ) الآيات (١٢-١٣): قبول ٱلْكَلِمَة
١٢وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلَادَ ٱللهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ. ١٣اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلَا مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلَا مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ، بَلْ مِنَ ٱللهِ.
- وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلَادَ ٱللهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ:مع أن البعض رفض هذا الوحي إلا أن آخرون قَبِلُوهُ وصاروا أولاداً لله؛ أي أصبحوا أَوْلَادَ ٱللهِ من خلال الميلاد الثاني: وُلِدُوا… مِنَ ٱللهِ.
- “ليست نهاية القصة هي مأساة الرفض بل نعمة القبول.” موريس (Morris)
- وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ: فكرة “قبول المسيح” صحيحة كتابياً. فعلينا قبوله والتمسك به. فجملة وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ ما هي إلا طريقة أخرى للقول: ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ. “يعني الإيمان هنا ’قبول‘ يسوع. وكأنك تضع كأساً فارغاً تحت ينبوع يجري؛ ومثل اليد المحتاجة التي تمتد لتأخذ عطايا سماوية.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَنْ يَصِيرُوا أَوْلَادَ ٱللهِ:“الكلمة أَوْلَادَ (tekna) هنا توازي الكلمة الاسكتلندية ’المولودين حديثاً‘ وتركز على أصل المولود وتستخدم كمصطلح للتعبير عن المحبة الأبوية (لوقا ٣١:١٥). فالمؤمنون هم أبناء الله الصغار بالولادة.” تيني (Tenney)
- لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلَا مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلَا مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ، بَلْ مِنَ ٱللهِ:يذكرنا يوحنا بطبيعة هذه الولادة. فالذين قبلوه هم مولودون من الله وليس بفضل مجهود بشري أو أي إنجازات.
- تُحدث هذه الولادة الجديدة تغييراً جذرياً في الحياة. “يشبه الإنسان الساعة التي تم تركيب نابض جديد بداخلها وليس مجرد تصليح عقاربها الخارجية، وهذا التغيير أدى إلى أداء أفضل في الوقت وحتى في النغمة؛ إذ كانت الساعة لا تعمل بشكل سليم في السابق أما الآن فأصبحت تعمل بالشكل الصحيح لأن الداخل قد تجدد.” سبيرجن (Spurgeon)
و ) الآية (١٤): ٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً
١٤وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلْآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً.
- وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا: هذه من أروع الكلمات التي قالها يوحنا حتى الآن وربما الأكثرها إدهاشاً. لا بد وأن الآية ’وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً‘ أدهشت المفكرين في كل من العالم اليهودي واليوناني على حد سواء.
- “الكلمة صار جسداً… تعبير مألوف جداً في الحق الإلهي، أي أن الكلمة اتخذ صورة الجسد الذي يتكون منه الإنسان. ولا بد أن بساطة هذا التعبير كانت موجهة ضد بدعة الدوسيتية التي كانت منتشرة أيام الرسول والتي كانت تقول أن الكلمة اتخذ الطبيعة البشرية فقط دون الجسد.” آلفورد (Alford)
- لم يعتبر اليونان الله شيئاً عظيماً لهذا كتب لهم يوحنا: وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً. فبالنسبة لليونانيين القدماء مثل زوس وهيرمس كانت الآلهة مجرد رجال يتمتعون بقوى خارقة وليسوا موازين للوغوس ومنطقه، لذلك قال يوحنا للمفكرين اليونان: “اللوغوس الذي تعرفونه والذي خلق ونظم هذا الكون صَارَ جَسَداً.”
- أما اليهود فكانوا يعتبرون الله شيئاً عظيماً لهذا كتب لهم يوحنا: وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا. فقد كان من الصعب على قدماء اليهود قبول فكرة أن الله العظيم الذي كشف عنه العهد القديم يمكن أن يتخذ شكل إنسان، لهذا قال يوحنا للمفكرين اليهود: “كلمة الله صَارَ جَسَداً.”
- اقترب الله منك في يسوع المسيح فليس عليك أن تجاهد بعد الآن في البحث عنه لأنه جاء إليك. من الشائع أن يذهب بعض الناس من مكان لآخر بحثاً عن الله ولكنهم سرعان ما يتركون ذلك المكان حال اقتراب الله منهم.
- “دخل المسيح إلى الوجود في بُعدٍ جديد من خلال الولادة البشرية وسكن بين الناس.” تيني (Tenney)
- “قال أغسطينوس أنه قرأ ودرس أقوال الفلاسفة الوثنيين العظماء قبل إيمانه وقرأ أشياء كثيرة أخرى ولكنه لم يقرأ أبداً بأن الكلمة صار جسداً.” باركلي (Barclay)
- وَحَلَّ بَيْنَنَا: معنى العبارة حرفياً: ينصب خيمة أو يسكن في خيمة بيننا. ربط يوحنا مجيء يسوع للبشرية بسكنى مجد الله وسط شعب اسرائيل في خيمة الإجتماع، لهذا نستطيع القول: “خَيَّمَ بيننا.”
- “تعني حَلَّ بَيْنَنَا (أو خَيَّمَ بيننا) أن الإله الذي بلا عيب أو دنس اتخذ الطبيعة البشرية واتخذ جسد العذراء مقاماً أو منزلاً أو هيكلاً يسكن فيه. والكلمة على الأرجح فيها إشارة لسكنى الشكينة الإلهية في هيكل اليهود.” كلارك (Clarke)
- “يشير الفعل هنا إلى شخص ينصب خيمة” موريس (Morris). “فكر يوحنا بخيمة الإجتماع في البرية عندما نصب يهوه خيمة الاجتماع وسط خيام شعبه.” دودز (Dods)
- كانت خيمة الإجتماع تمثل أموراً كثيرة بالنسبة لشعب الله مثل يسوع بالنسبة لنا اليوم:
- المركز لمخيم شعب إسرائيل
- المكان الذي يحفظ فيه ناموس موسى
- مكان سكنى الله
- مكان الوحي
- مكان تقديم الذبائح
- مركز عبادة شعب إسرائيل
- “إن كان الله قد حَلَّ بين الناس من خلال الكلمة الذي صار جسداً فدعونا ننصب خيامنا حول هذه الخيمة المركزية ودعونا ألا نسمح لأنفسنا أن نعيش كما لو أن الله بعيدٌ عنا.” سبيرجن (Spurgeon)
- “تعني الشكينة إقامة مسكن وهي نفس الكلمة التي تشير لحضور لله الواضح بين الناس.” باركلي (Barclay)
- وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ: تكلم يوحنا عن هذا الأمر كشاهد عيان تماماً كما فعل يوحنا المعمدان. كان بإمكان يوحنا أن يقول بصدق: “رأيت مجده ذَلِكَ المَجْدَ الَّذِي نالَهُ مِنَ الآبِ باعتِبارِهِ ابْنَهُ لوَحِيْدَ.”
- كلمة رَأَيْنَا لا تأتي بالمعنى العادي هنا وكأن يوحنا يريد أن يقول إنه درس مع التلاميذ الآخرين مجد الكلمة الذي صار جسداً بعناية.
- “استخدم يوحنا (كما في العهد الجديد كله) الفعل “رأينا” بنفس الطريقة دائماً وليشير إلى رؤية الشيء بالعين المجردة ولم يستخدمها ليشير إلى الأحلام والرؤى. تحدث يوحنا عن المجد الذي رآه متجسداً في يسوع الناصري.” موريس (Morris)
- مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً: لم يكن مجد يسوع مجرد شيء عابر أو عرضاً مؤقتاً بل كان مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً.
- “لاحظ يا عزيزي أن كل هذه الصفات هي في ملئها لدى ربنا. فالله “مملوءاً نعمةً” ومن يستطيع أن يحقق ذلك؟ وهكذا فإن نعمة الله غير المحدودة محفوظة في شخص يسوع المسيح.” سبيرجن (Spurgeon)
- “على هذين المفهومين معاً ’الله المملوء نعمةً وحقاً” أن يشغلا عقولنا ويوجها حياتنا، وليس أحدهما دون الآخر. لهذا لا يمكن التنازل عن مقياس الحق البسيط والصارم في ملكوته ومن المستحيل تغيير مسار النعمة وشغفها.” مورغان (Morgan)
ز ) الآيات (١٥-١٨): الشاهد على نظام الله الجديد
١٥يُوحَنَّا شَهِدَ لَهُ وَنَادَى قَائِلاً: «هَذَا هُوَ ٱلَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: إِنَّ ٱلَّذِي يَأْتِي بَعْدِي صَارَ قُدَّامِي، لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي». ١٦وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعاً أَخَذْنَا، وَنِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ. ١٧لِأَنَّ ٱلنَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ، أَمَّا ٱلنِّعْمَةُ وَٱلْحَقُّ فَبِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ صَارَا. ١٨ٱللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلِٱبْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلْآبِ هُوَ خَبَّرَ.
- إِنَّ ٱلَّذِي يَأْتِي بَعْدِي صَارَ قُدَّامِي، لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي: كانت شهادة يوحنا المعمدان تدرك تماماً أبعاد وحقيقة وجود يسوع الأزلي وكان يعلم جيداً أنه كان قَبْلِه.
- “كان تقدم العمر في العصور القديمة يعني الأولوية وكان الرجال متواضعين في ذلك الجيل ويعتقدون حقاً أن آبائهم كانوا أكثر حكمة منهم وهذا أمر لا ينطبق على جيلنا الحالي.” موريس (Morris)
- وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعاً أَخَذْنَا، وَنِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ: هذا النظام الجديد لديه إمدادات لا تنضب من النعمة والحق (يُستخدم التعبير نِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ كتعبير مجازي ويشبه الكلمات المذكورة في فيلبي: حُزْنٌ عَلَى حُزْنٍ) وهما أمران لا يتماشيان مع القوانين واللوائح الصارمة التي أُعطِيَت بِواسِطَةِ مُوسَى (لِأَنَّ ٱلنَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ).
- “تعني الآية نِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ حرفياً ’نِعْمَةً بدلاً من نِعْمَةٍ.‘ ويبدو أن يوحنا أراد أن يشدد على فكرة النعمة. وربما قصد أيضاً أن أي نقص للنعمة الإلهية (إذا جاز التعبير) يتم استبداله بجزء آخر. فنعمة الله لشعبه مستمرة ولا تنفد أبداً… نعمة لا تعرف أي انقطاع ولا حدود.” موريس (Morris)
- لِأَنَّ ٱلنَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ، أَمَّا ٱلنِّعْمَةُ وَٱلْحَقُّ فَبِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ صَارَا:تصف هذه الآية وتظهر ملئ النعمة التي أعلن عنها يوحنا المعمدان وقدمها يسوع المسيح. قدم يسوع المسيح الله الكلمة نظاماً مختلفاً عن النظام الذي أعطي بموسى.
- أَمَّا ٱلنِّعْمَةُ وَٱلْحَقُّ فَبِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ صَارَا: “نرى هنا كما هو الحال في كتابات بولس كيف فصل المسيح بين قانون موسى باعتباره محور الوحي الإلهي وبين أسلوب وطريقة الحياة.” بروس (Bruce)
- ٱللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ:يسوع الكلمة هو الإعلان الكامل عن الله غير المنظور. ولأن الآب والابن ينتميان إلى نفس العائلة، خَبَّرَ الابن الإنسان عن طبيعة الله الذي لم يره أحد قط. فلا ينبغي أن نتساءل بعد عن طبيعة وشخصية الله لأن يسوع خَبَّرَ عنه في تعاليمه وفي حياته.
- “إن الاسم ’الله‘ (ثيون) لا يوجد قبله أداة التعريف في النص اليوناني مما يعني أن الكاتب يقدم الله في طبيعته أكثر منه كشخص. ’ألوهية Deity‘ قد تكون ترجمة أكثر دقة والمعنى أنه لا يوجد إنسان قد رأى جوهر الألوهية.” تيني (Tenney)
- “رؤية الله هنا ليس مجرد رؤيته بالعين المجردة (بالرغم من أن هذا صحيح بحسب الآيات في سفر الخروج ٢٠:٣٣ وفي تيموثاوس الأولى ١٦:٦) لكنها هنا تعني رؤيته من خلال معرفتنا البديهية عنه وبهذه الطريقة فقط سنتمكن من الإعلان عن طبيعته وإرادته.” آلفورد (Alford)
- وعلق آلفورد على الآية ’ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلْآبِ‘: “يشير هذا التعبير (ويؤيد ذلك يوحنا فم الذهب) إلى الحميمية والوحدة في الجوهر وهي فكرة مستمدة من العلاقة الحميمة والوحدة بين الأبناء والأهل.
ثالثاً. شَهادَةُ يُوحَنّا المَعْمَدان
أ ) الآيات (١٩-٢٢): قادة الدين في أورشليم يستجوبون يوحنا المعمدان
١٩وَهَذِهِ هِيَ شَهَادَةُ يُوحَنَّا، حِينَ أَرْسَلَ ٱلْيَهُودُ مِنْ أُورُشَلِيمَ كَهَنَةً وَلَاوِيِّينَ لِيَسْأَلُوهُ: «مَنْ أَنْتَ؟». ٢٠فَٱعْتَرَفَ وَلَمْ يُنْكِرْ، وَأَقَرَّ: «إِنِّي لَسْتُ أَنَا ٱلْمَسِيحَ». ٢١فَسَأَلُوهُ: «إِذاً مَاذَا؟ إِيلِيَّا أَنْتَ؟». فَقَالَ: «لَسْتُ أَنَا». «أَلنَّبِيُّ أَنْتَ؟». فَأَجَابَ: «لَا». ٢٢فَقَالُوا لَهُ: «مَنْ أَنْتَ، لِنُعْطِيَ جَوَاباً لِلَّذِينَ أَرْسَلُونَا؟ مَاذَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ؟».
- وَهَذِهِ هِيَ شَهَادَةُ يُوحَنَّا:سبق وعرفنا أن يوحنا المعمدان جَاءَ لِلشَّهَادَةِ (يوحنا ٧:١
و١٥:١) وسنعرف الآن ما هي شَهَادَةُ يُوحَنَّا عن يسوع.- ٱلْيَهُودُ: “هنا ولأول مرة نرى مصطلح ’اليهود‘ في هذا الإنجيل ولكنه لا يستخدم للدلالة على الشعب بأكمله بل ليشير إلى مجموعة معينة هي المؤسسة الدينية في أورشليم.” بروس (Bruce)
- “رغم أن والدا الرجل الذي ولد أعمى كانا من الأمة اليهودية لكنهما كانا يخافان من ’اليَهُودِ‘ (يوحنا ٢٢:٩). موريس (Morris)
- إِنِّي لَسْتُ أَنَا ٱلْمَسِيحَ: أكد يوحنا للقادة اليهود أنه ليس المسيا. فهو لم يأتِ للفت الأنظار لنفسه إنما جاء ليشير إلى المسيا.
- “لم يرفض يوحنا المعمدان هذا الإدعاء فحسب بل قدم معه تلميحاً معيناً. ففي اللغة اليونانية يختلف معنى كلمة ’أنا‘ بحسب موقعها في الجملة، وبناءً على ذلك كأنه يقول: “إِنِّي لَسْتُ ’أَنَا هو‘ ٱلْمَسِيحَ… يا ليتكم عرفتم أنه ههنا.” باركلي (Barclay)
- فَٱعْتَرَفَ وَلَمْ يُنْكِرْ: “وبكل إخلاصٍ وحزم تخلى عن هذا الشرف وغسل يديه بالكامل منه عالماً خطورة الإساءة إلى الله الغيور.” تراب (Trapp)
- كان من المهم بالنسبة لكاتب إنجيل يوحنا أن يوضح لقرائه أن يوحنا المعمدان لم يدع لنفسه أكثر مما كان. “تخبرنا إقرارات كلمنتين (Clementine Recognitions) أنه وحتى أواخر العام ٢٥٠م كان بعض من تلاميذ يوحنا المعمدان يقولون أنه المسيا.” باركلي (Barclay)
- إِيلِيَّا أَنْتَ؟:قد يكون من السهل على الكهنة واللاويين من أورشليم ربط يوحنا مع إيليا بسبب شخصيته وبسبب الوعد بأن إيليا سيأتي قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ ٱلرَّبِّ (ملاخي ٥:٤-٦).
- كان يوحنا حريصاً على ألا يقول عن نفسه أنه إيليا. ومع ذلك أشار يسوع بطريقة أو بأخرى إلى أن يوحنا كان يخدم بنفس مكانة وروح إيليا.
- أَلنَّبِيُّ أَنْتَ؟:وعد الله في سفر التثنية ١٥:١٨-١٩ بنبي آخر سيأتي في الوقت المعين. وبناءً على ذلك كانوا يتوقعون مجيء النَّبِي وتساءلوا عما إذا كان هو يوحنا.
ب) الآيات (٢٣-٢٨): يوحنا يُعرف عن نفسه للقادة اليهود
٢٣قَالَ: «أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: قَوِّمُوا طَرِيقَ ٱلرَّبِّ، كَمَا قَالَ إِشَعْيَاءُ ٱلنَّبِيُّ». ٢٤وَكَانَ ٱلْمُرْسَلُونَ مِنَ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ، ٢٥فَسَأَلُوهُ وَقَالُوا لَهُ: «فَمَا بَالُكَ تُعَمِّدُ إِنْ كُنْتَ لَسْتَ ٱلْمَسِيحَ، وَلَا إِيلِيَّا، وَلَا ٱلنَّبِيَّ؟». ٢٦أَجَابَهُمْ يُوحَنَّا قَائِلاً: «أَنَا أُعَمِّدُ بِمَاءٍ، وَلَكِنْ فِي وَسْطِكُمْ قَائِمٌ ٱلَّذِي لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ. ٢٧هُوَ ٱلَّذِي يَأْتِي بَعْدِي، ٱلَّذِي صَارَ قُدَّامِي، ٱلَّذِي لَسْتُ بِمُسْتَحِقٍّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ». ٢٨هَذَا كَانَ فِي بَيْتِ عَبْرَةَ فِي عَبْرِ ٱلْأُرْدُنِّ حَيْثُ كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ.
- أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: اقتبس يوحنا من إشعياء ٣:٤٠ ليشرح طبيعة عمله وهو أن يمهد طَرِيقَ ٱلرَّبِّ. فمعموديته أعدت الناس وشجعتهم على التوبة استعداداً لمجيء الملك. وكانت الفكرة: “تطهروا واستعدوا للزيارة الملكية.”
- “خدمة يوحنا الحقيقية لم تكن تعليم الأخلاق للناس إنما توجيهم نحو يسوع. فالآية ’أَقِيمُوا طَرِيقاً مُسْتَقِيماً لإِلَهِنَا‘ هي دعوة للاستعداد لمجيء المسيا القريب.” موريس (Morris)
- أراد القادة اليهود معرفة حقيقة يوحنا ولكنه لم يكن مهتماً بالإجابة على هذا السؤال وأراد فقط الحديث عن مهمته وهي إعداد الطريق للمسيح.
- فَمَا بَالُكَ تُعَمِّدُ إِنْ كُنْتَ لَسْتَ ٱلْمَسِيحَ: شكك الفريسيون في السلطان الذي خول يوحنا أن يُعمد لأنه لم يكن النبي الموعود. ومع هذا كانت معمودية يوحنا مناسبة لدعوته كما شرح لاحقاً.
- “كانت معموديته مميزة على ما يبدو لأنه هو شخصياً عمد الناس وهذا يختلف عن المعمودية التقليدية للمهتدين إلى الدين اليهودي (معمودية الدخلاء) التي كانت تمارس ذاتياً.” بروس (Bruce)
- أَنَا أُعَمِّدُ بِمَاءٍ: أظهرت معمودية يوحنا الرغبة الحقيقية في التوبة والتطهير والاستعداد لمجيء المسيا. ومع ذلك لم تقدم معمودية يوحنا شيئاً يساعد الشخص على البقاء نقياً. فعمل يسوع ومعموديته بالروح أعظم من معمودية يوحنا.
- مارس الشعب اليهودي المعمودية زمن يوحنا كجزء من طقوس الاغتسال والتطهير ولكن هذه الممارسة كانت مخصصة للأمم الذين يريدون الإنضمام لليهودية. فحينما يمارس اليهودي معمودية يوحنا فإنه يتحد مع المتهودين الأمم وكانت هذه علامة على التوبة الحقيقية.
- “ليس مستبعداً أن يتبع يوحنا نفس نمط معمودية الدخلاء التي تتطلب التخلي عن كل الشر والانغماس الكامل في الماء ومن ثم ارتداء الملابس التي تليق بالشركة المقدسة لحافظي الشريعة.” تيني (Tenney)
- “الأمر الجديد والأصعب في معمودية يوحنا هو أنه استخدم مع اليهود نفس الطقس الذي كان يُستخدم مع أبناء الأمم القادمين حديثاً للإيمان … ووضع اليهودي على نفس المستوى مع الأممي أمر مرعب للغاية.” موريس (Morris)
- وَلَكِنْ فِي وَسْطِكُمْ قَائِمٌ ٱلَّذِي لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ. هُوَ ٱلَّذِي يَأْتِي بَعْدِي، ٱلَّذِي صَارَ قُدَّامِي: أوضح يوحنا للقادة الدينيين أنه لم يكن هو محور خدمته، بل كان محور خدمته الشخص القائم في وسطهم. كانت مهمة يوحنا أن يُعد الطريق أمام ذلك الشخص.
- ٱلَّذِي لَسْتُ بِمُسْتَحِقٍّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ: كان حل رِباطَ الحذاء (قبل غسل الرجلين) من واجبات العبد الأدنى منزلة في البيت.
- كانت العلاقة بين مُعلمي الدين اليهود وتلاميذهم علاقة المعلم بالطالب التي قد تنطوي على بعض الإساءة أو الاستغلال. فقد كان من الممكن أن يطلب المعلم خدمات غير معقولة من تلاميذه، ومن ضمنها أن يطلب المعلم من تلميذه أن يحل سيور حذائه، لكننا نرى يوحنا هنا يقول أنه ليس مستحقاً حتى أن يفعل ذلك.
- “قال أحد المعلمين اليهود: ’على العبد أن يخدم سيده على أكمل وجه باستثناء حلّ سيور الحذاء.‘” بروس (Bruce)
- هَذَا كَانَ فِي بَيْتِ عَبْرَةَ فِي عَبْرِ ٱلْأُرْدُنِّ: “حدث اللقاء فِي قرية بَيْتَ عَنْيا التي تقع على الضفة الشرقية من نهر الأردن في منطقة سميت زمن أوريجانوس بَيْتِ عَبْرَةَ وهي نفس المنطقة التي مر منها تابوت العهد وأمة إسرائيل زمن يشوع (يشوع ١٤:٣-١٧).” ترينش (Trench)
ج) الآية (٢٩): شهادة يوحنا المعمدان: يسوع حَمَلُ ٱللهِ.
٢٩وَفِي ٱلْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ ٱللهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ!»
- وَفِي ٱلْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ:وفقاً لأغلب التقديرات حدث هذا بعد معمودية يسوع وبعد التجربة في البرية التي دامت ٤٠ يوماً. عاد يسوع لرؤية يوحنا أثناء خدمته في تعميد الناس.
- “ربما مضت عدة أسابيع منذ أن عمد يوحنا يسوع؛ فقد قضى يسوع بعض الوقت في البرية ولكنه يعود الآن ويوحنا يوجه الجماهير إليه.” بروس (Bruce)
- “يجب أن نفهم الآية ٢٩ على أنها حدثت بعد المعمودية وبعد التجربة في البرية. ليس من الصعب افتراض هذا.” آلفورد (Alford)
- فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ ٱللهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ!»: منذ بداية خدمة يسوع كانت هناك إشارات تُعلن عن مصيره: أي الألم والموت على الصليب بدلاً عن خطية البشر. فقد كان الصليب يُلقي بظلاله على خدمة يسوع بأكملها.
- لم يقدم يوحنا يسوع كقدوة في الأخلاق أو كمعلم عن القداسة والمحبة بل قدمه كالذبيحة عن الخطية. فلم يقل “هوذا المثل العظيم” أو “هوذا المعلم العظيم” – بل قال: هُوَذَا حَمَلُ ٱللهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ!
- “استخدم يوحنا كلمة “الحَمَل” كرمز للتضحية بشكل عام. وقال إن كل تضحية حيوانية هي عبارة عن رمز.” دودز (Dods)
- هُوَذَا حَمَلُ ٱللهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ!: يلخص يوحنا المعمدان في هذه الجملة عمل يسوع العظيم وهو التعامل مع مشكلة الخطية التي يعاني منها الجنس البشري. فكل كلمة من هذه الجملة مهمة للغاية.
- هُوَذَا! قال يوحنا هذا عندما نَظَرَ يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ. ولأنه كان يعظهم رأى يوحنا يسوع أولاً ثم وجه نظر الجموع إليه.
- حَمَلُ ٱللهِ: استخدم يوحنا صورة الحمل الذبيح الذي تحدث عنه العهد القديم عدة مرات. فيسوع هو التحقيق الكامل لهذه الصورة أينما وردت:
- هو الحمل المذبوح قبل تأسيس العالم.
- هو الحيوان المذبوح في جنة عَدْن ليغطي عري أول الخطاة.
- هو الحمل الذي سيقدمه الله لإبراهيم بدلاً عن إِسحاق.
- هو خروف الفصح لإسرائيل.
- هو ذبيحة الإثم في ذبائح اللاويين.
- هو الشاه التي تساق للذبح في إشعياء.
- كل من هذه الحملان تممت غرض تقديمها كذبيحة في إعلان أن يسوع سيموت كذبيحة ليرفع خَطِيَّةَ ٱلْعَالَم.
- ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ: المعنى في اللغة الأصلية يجمع الكلمتين ’يحمل‘ و’يرفع.‘ فقد حمل يسوع الخطية على نفسه ورفعها (وأزالها). “ينقل الفعل “يرفع” فكرة: “أن يحمل أو يزيل.” موريس (Morris)
- “لا يقول يوحنا “خطايا العالم” كما تقول بعض الترجمات غير الدقيقة ولكنه قال: “خطية العالم.” وكأن خطية العالم بأكمله وضعت معاً في حزمة سوداء رهيبة ووضعت على كتفيه القوية ليزيلها ويرفعها بعيداً.” ماكلارين (Maclaren)
- خَطِيَّةَ: ليس خطايا بل خَطِيَّةَ واحدة، وكأن ذنوب البشرية كلها جمعت ووضعت على يسوع. “بعد فترة سيتمكن الإنجيلي حينما ينظر إلى الوراء أن يفهم تماماً ما قصده المعمدان.” ترينش (Trench)
- ٱلْعَالَمِ: كانت تضحية حَمَلُ ٱللهِ قادرة على مغفرة كل خطية وأن تطهر كل خاطئ في كل ٱلْعَالَمِ. “سيقدم نفسه كالذبيحة الكفارية ليس من أجل خطايا شعبه فحسب بل من أجل كل بذرة للخطية في نسل آدم والعالم والمرتدين في جنة عدن أيضاً. فهذا كان حجم وعمق رؤية المعمدان.” ترينش (Trench)
د ) الآيات (٣٠-٣٤): شهادة يوحنا المعمدان: يسوع هُوَ ٱبْنُ ٱللهِ.
٣٠هَذَا هُوَ ٱلَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: يَأْتِي بَعْدِي، رَجُلٌ صَارَ قُدَّامِي، لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي. ٣١وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ. لَكِنْ لِيُظْهَرَ لِإِسْرَائِيلَ لِذَلِكَ جِئْتُ أُعَمِّدُ بِٱلْمَاءِ». ٣٢وَشَهِدَ يُوحَنَّا قَائِلاً: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ ٱلرُّوحَ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. ٣٣وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، لَكِنَّ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي لِأُعَمِّدَ بِٱلْمَاءِ، ذَاكَ قَالَ لِي: ٱلَّذِي تَرَى ٱلرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرّاً عَلَيْهِ، فَهَذَا هُوَ ٱلَّذِي يُعَمِّدُ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. ٣٤وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ٱبْنُ ٱللهِ».
- لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي:عرف يوحنا المعمدان أنه ولد قبل يسوع (لوقا ١) ولكن عندما قال لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي كان يتحدث عن أزلية يسوع. فقد عرف يوحنا أن يسوع هو الإله الأبدي.
- يَأْتِي بَعْدِي:“نرى أن المصطلح اليوناني أنير aner‘ المذكور هنا يركز على الذكورة – وهو معنى لا تشمله كلمة Anthropos ذات المعنى الشمولي. وقد استخدم هذا المصطلح ليعلن عن رياسة المسيح على أتباعه كالعلاقة بين الرجل والمرأة.” تيني (Tenney)
- ٱلَّذِي تَرَى ٱلرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرّاً عَلَيْهِ، فَهَذَا هُوَ ٱلَّذِي يُعَمِّدُ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ: كانت العلامة التي أعطاها الله ليوحنا المعمدان ليتعرف على هوية المسيا هي نزول الرُّوحِ ٱلْقُدُسِ من السماء والاستقرار عليه. ولأن الله أعطى هذا الدليل ليوحنا المعمدان كانت شهادته موثوقاً بها.
- “لم يحصل يسوع في المعمودية على شيء لم يملكه من قبل، فما رآه المعمدان في ذلك اليوم كان مجرد رمز ملموس لما حدث مسبقاً في الخفاء عندما تكون يسوع في الرحم.” ترينش (Trench)
- “إذا كان التطهير بالماء مرتبطاً بخدمة يوحنا فعطية الروح كانت مدخرة لمن هو أعظم من يوحنا.” بروس (Bruce)
- وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ٱبْنُ ٱللهِ: كانت شهادة يوحنا المعمدان الوحيدة هي أن يسوع هو ٱبْنُ ٱلله بالمعنى الموضح في يوحنا ١٨:١ – اَلِٱبْنُ ٱلْوَحِيدُ أعلن (خَبَّرَ) عن طبيعة وشخصية الله الآب.
- يشدد إنجيل يوحنا على دور يوحنا الشاهد وليس المُعمِّد. فالشهود يدلون بشهاداتهم بشأن ما شاهدوه واختبروه لترسيخ الحقيقة وكل ما هو بخلاف ذلك لا يمكن الوثوق به لأنه يعتمد على الأقاويل لا على الدليل المباشر.
- “كان يوحنا متأكداً تماماً أن يسوع هو ٱبْنُ ٱللهِ. وابن الله هنا جاءت بنفس المعنى في العقيدة المسيحية التي تقول إن الإنسان يسوع هو أيضاً الابن الأبدي للآب الأبدي والمساوي له.” ترينش (Trench)
- لا يمكن للشهود أن يكونوا محايدين لأنهم ملتزمون بقول الحقيقة وإلا لأصبحوا شهود زور. كان يوحنا شاهداً موثوقاً به وعرف جيداً من يكون يسوع لأنه رأى بأم عينيه.
رابعاً. شَهادَةُ التلاميذ الأولون
أ ) الآيات (٣٥-٣٩): اثنان من تلاميذ يوحنا بدءا يتبعا يسوع
٣٥وَفِي ٱلْغَدِ أَيْضاً كَانَ يُوحَنَّا وَاقِفاً هُوَ وَٱثْنَانِ مِنْ تَلَامِيذِهِ، ٣٦فَنَظَرَ إِلَى يَسُوعَ مَاشِياً، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ ٱللهِ!». ٣٧فَسَمِعَهُ ٱلتِّلْمِيذَانِ يَتَكَلَّمُ، فَتَبِعَا يَسُوعَ. ٣٨فَٱلْتَفَتَ يَسُوعُ وَنَظَرَهُمَا يَتْبَعَانِ، فَقَالَ لَهُمَا: «مَاذَا تَطْلُبَانِ؟». فَقَالَا: «رَبِّي» ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا مُعَلِّمُ. «أَيْنَ تَمْكُثُ؟». ٣٩فَقَالَ لَهُمَا: «تَعَالَيَا وَٱنْظُرَا». فَأَتَيَا وَنَظَرَا أَيْنَ كَانَ يَمْكُثُ، وَمَكَثَا عِنْدَهُ ذَلِكَ ٱلْيَوْمَ. وَكَانَ نَحْوَ ٱلسَّاعَةِ ٱلْعَاشِرَةِ.
- كَانَ يُوحَنَّا وَاقِفاً هُوَ وَٱثْنَانِ مِنْ تَلَامِيذِهِ: يخبرنا كاتب الإنجيل أن أحدهما كان أَنْدَرَاوُسُ (يوحنا ٤٠:١) أما الآخر فلم تحدد هويته، ولكن من المنطقي الاعتقاد ولعدة أسباب أنه كان يوحنا كاتب الإنجيل نفسه الذي ظهر عدة مرات في إنجيله ولكن لم يذكر اسمه تحديداً.
- “لا نعرف من كان التلميذ الآخر ولكن دعونا نفكر فيما يلي: أولاً. من المستحيل أن يذكر كاتب الإنجيل نفسه في إنجيله، ثانياً. كانت الرواية دقيقة للغاية وحملت بصمات شاهد العيان من عدة نواحي حتى أن ساعات اليوم كانت محددة، ثالثاً. كان يمكن تسمية التلميذ الآخر بناءً على النقطة السابقة ولكن هذا لم يحدث لأسباب خاصة ولهذا نستنتج أنه كان كاتب الإنجيل نفسه.” آلفورد (Alford)
- فَنَظَرَ إِلَى يَسُوعَ:“كلمة ’نَظَرَ‘ في اللغة الأصلية تعني أنهما ثبتا نظرهما باهتمام عليه.” كلارك (Clarke). “أن يلقي المرء نظرة فاحصة على أحدهم.” موريس (Morris)
- «هُوَذَا حَمَلُ ٱللهِ!»:قد سبق يوحنا وقال هذه الكلمات عن يسوع في يوحنا ٢٩:١ وربما بحلول هذا الوقت (بعد عودة يسوع من برية التجربة) ردد يوحنا هذه الكلمات في كل مرة رأى فيها يسوع لأنها كانت أهم أمر بالنسبة له.
- فَتَبِعَا يَسُوعَ:لا يقول النص هذا تحديداً ولكن مضمونه قد يحمل معنى أن هذين التلميذين فعلا ذلك بإذن من يوحنا ووفقاً لتوجيهاته. فيوحنا المعمدان لم يهتم بجمع أتباع لنفسه لهذا لم يمانع أن يتركه هؤلاء ليتبعا يسوع ويمكننا القول أن ما حدث تمم خدمته ولم ينقص منها شيئاً.
- «مَاذَا تَطْلُبَانِ؟»…. «تَعَالَيَا وَٱنْظُرَا»: سأل يسوع التلميذين سؤالاً هاماً ومنطقياً وهو نفس السؤال الذي لا يزال يوجهه للبشرية جمعاء اليوم. أما بالنسبة للإجابة نرى أن يسوع وجههم إلى نفسه وإلى الشركة معه ولم يوجههم نحو يوحنا أو أي شخص آخر (تَعَالَيَا وَٱنْظُرَا).
- مَاذَا تَطْلُبَانِ؟: “لم يكن من قبيل الصدفة أن تكون الكلمات الأولى التي نطق بها السيد بصفته المسيا هي هذا السؤال الهام ’مَاذَا تَطْلُبَانِ؟‘ فهو السؤال الذي يطرحه علينا جميعاً اليوم.” ماكلارين (Maclaren)
- “حثهم على معرفة دافعهم الحقيقي أهو حب الفضول أم رغبة حقيقية لمعرفته.” تيني (Tenney)
- لم يرجعهم يسوع إلى يوحنا المعمدان على الرغم من معرفته الكثير عن يسوع. فإن أرادوا أن يصبحوا تلاميذاً ليسوع عليهم أن يتعاملوا مع يسوع مباشرة. لهذا دعا يسوع يوحنا وأندراوس ليكونا جزءً من حياته. لم يعش يسوع حياة منعزلة وخاصة جداً بل قام بتعليم وتدريب تلاميذه الاثني عشر من خلال السماح لهم بالعيش معه.
- وَكَانَ نَحْوَ ٱلسَّاعَةِ ٱلْعَاشِرَةِ:كانت هذه مناسبة لا تُنسى بالنسبة للكاتب لأنه تذكر الساعة التي التقى فيها مع يسوع. وهذا دليل خفي على أن أحد التلميذين الذين جاءا إلى يسوع كان الرسول يوحنا نفسه.
ب) الآيات (٤٠-٤٢): أحضر أَنْدَرَاوُسُ أخاه سِمْعَانَ بُطْرُسَ إلى يسوع
٤٠كَانَ أَنْدَرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ وَاحِداً مِنَ ٱلِٱثْنَيْنِ ٱللَّذَيْنِ سَمِعَا يُوحَنَّا وَتَبِعَاهُ. ٤١هَذَا وَجَدَ أَوَّلاً أَخَاهُ سِمْعَانَ، فَقَالَ لَهُ: «قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا» ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: ٱلْمَسِيحُ. ٤٢فَجَاءَ بِهِ إِلَى يَسُوعَ. فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَنْتَ سِمْعَانُ بْنُ يُونَا. أَنْتَ تُدْعَى صَفَا» ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: بُطْرُسُ.
- هَذَا وَجَدَ أَوَّلاً أَخَاهُ سِمْعَانَ: عندما تقابل أندراوس مع يسوع أرد لأخوه سِمْعَانَ بُطْرُسَ أن يتقابل معه أيضاً. وفي كل مرة يُذكر أندراوس في إنجيل يوحنا نراه يجلب شخصاً ما إلى يسوع (أنظر يوحنا ٨:٦ و٢٢:١٢).
- هذه هي الطريقة التي آمن بها معظم الناس بيسوع المسيح عبر الزمان. شخص كأندراوس يُعرّف شخصاً آخر كبطرس على يسوع. وهذا أمر طبيعي لأن هذا ما يحدث بصورة تلقائية عندما يصبح المرء مؤمناً ويريد أن ينقل اختباره للآخرين لكي يتمتعوا بنفس هذه التجربة الرائعة.
- “بحث أندراوس أولاً عن شقيقه سمعان مما يعني أن التلميذ الثاني بحث عن أخيه أيضاً وحين وجده أحضره إلى نفس المكان وفي نفس اليوم.” ترينش (Trench)
- «قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا»: يا لها من شهادة بسيطة ولكنها رائعة في ذات الوقت. فقد عرف أندراوس أن يسوع هو المَسِيَّا مخلص إسرائيل والعالم المنتظر.
- أَنْتَ تُدْعَى صَفَا:أعطى يسوع سمعان اسماً جديداً (صَفَا أو بطرس الذي يعني «صَخْر») وكأنه يخبره بأي نوع من الرجل سيصبح. وقبل أن ينتهي يسوع من العمل في حياة بطرس سيصبح بالفعل الصخرة التي سيعتمد عليها يسوع المسيح.
ج ) الآيات (٤٣-٤٤): يسوع يدعو فِيلُبُّسَ ليتبعه
٤٣فِي ٱلْغَدِ أَرَادَ يَسُوعُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى ٱلْجَلِيلِ، فَوَجَدَ فِيلُبُّسَ فَقَالَ لَهُ: «ٱتْبَعْنِي». ٤٤وَكَانَ فِيلُبُّسُ مِنْ بَيْتِ صَيْدَا، مِنْ مَدِينَةِ أَنْدَرَاوُسَ وَبُطْرُسَ.
- فَوَجَدَ فِيلُبُّسَ فَقَالَ لَهُ: «ٱتْبَعْنِي»: إذا كان لدينا إنجيل يوحنا فقط قد نعتقد أن هذه كانت المرة الأولى التي يلتقي فيها يسوع مع هؤلاء الجليليين. ولكن الأناجيل الأخرى تخبرنا أن يسوع قد التقى مع الكثيرين منهم من قبل ومع ذلك كانت تلك دعوته الرسمية لفيلبس.
- «ٱتْبَعْنِي»:لم يكن هناك شيء مثير في دعوة يسوع لفيلبس وكل ما قاله ببساطة «ٱتْبَعْنِي» وهذا ما فعل بالفعل.
- “استخدم الفعل “اتبع” هنا بمعناه الكامل أي بمعنى “اتبعني كتلميذ” ويشير الفعل المضارع إلى الاستمرارية أي “استمر في التبعية.” موريس (Morris)
- “تقع بَيْتِ صَيْدَا على بُعد مسافة قصيرة شرق النقطة التي يصب فيها نهر الأردن في بحيرة الجليل.” بروس (Bruce)
د ) الآيات (٤٥-٥١): نَثَنَائِيلَ يتغلب على تعصبه ليتبع يسوع
٤٥فِيلُبُّسُ وَجَدَ نَثَنَائِيلَ وَقَالَ لَهُ: «وَجَدْنَا ٱلَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي ٱلنَّامُوسِ وَٱلْأَنْبِيَاءُ يَسُوعَ ٱبْنَ يُوسُفَ ٱلَّذِي مِنَ ٱلنَّاصِرَةِ». ٤٦فَقَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «أَمِنَ ٱلنَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟». قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: «تَعَالَ وَٱنْظُرْ». ٤٧وَرَأَى يَسُوعُ نَثَنَائِيلَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ عَنْهُ: «هُوَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ حَقّاً لَا غِشَّ فِيهِ». ٤٨قَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُنِي؟». أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «قَبْلَ أَنْ دَعَاكَ فِيلُبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ ٱلتِّينَةِ، رَأَيْتُكَ». ٤٩أَجَابَ نَثَنَائِيلُ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ٱبْنُ ٱللهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!». ٥٠أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «هَلْ آمَنْتَ لِأَنِّي قُلْتُ لَكَ إِنِّي رَأَيْتُكَ تَحْتَ ٱلتِّينَةِ؟ سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ هَذَا!». ٥١وَقَالَ لَهُ: «ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ ٱلْآنَ تَرَوْنَ ٱلسَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَمَلَائِكَةَ ٱللهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ».
- ٱلَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي ٱلنَّامُوسِ وَٱلْأَنْبِيَاءُ: كانت هذه شهادة فِيلُبُّسُ عن يسوع وأعلن أنه المسيا المخلص الذي تنبأ عنه العهد القديم.
- “يُعرف نَثَنَائِيل اليوم ببَرْثُولَمَاوُسُ وهو واحد من التلاميذ. قد يكون نَثَنَائِيلَ اسمه الأول وبَرْثُولَمَاوُسُ (ابن ثولماي) هو اسم الأب أو اسم العائلة.” ترينش (Trench)
- «أَمِنَ ٱلنَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟»: كان رد نَثَنَائِيل على كلام فِيلُبُّسُ متحيزاً. فعندما سمع نَثَنَائِيل أن يسوع جاء من ٱلنَّاصِرَةِ لم يعتقد أنه المسيا أو حتى أي شخص آخر مهم.
- «تَعَالَ وَٱنْظُرْ»:وبدلاً من الجدل مع تحيز نَثَنَائِيل طلب منه فِيلُبُّسُ بكل بساطة أن يتقابل مع يسوع.
- «هُوَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ حَقّاً لَا غِشَّ فِيهِ»: («هَذا إسْرائِيلِيٌّ أصِيلٌ لا خِداعَ فِيْهِ!» الترجمة العربية المبسطة) يا لها من مجاملة رائعة تلك التي قدمها يسوع لنثنائيل. وكأنه يقول أن نثنائيل مستقيماً ولا يعرف الغش أو الرياء ولا يلبس أية أقنعة.
- غِشَّ: “استخدم المؤلفون اليونانيون القدامى هذه الكلمة باعتبارها ’طُّعْم‘ (لصيد الأسماك) ومع الوقت أصبحت للدلالة على أي وسيلة تستخدم للغش أو للاحتيال بحرفية. وقد استخدمت هذه الكلمة في الكتاب المقدس لتصف يعقوب قبل أن يتغير قلبه (سفر التكوين ٣٥:٢٧) وهي النقطة التي يوضحها تفسير تيمبل (Temple): “هَذا إسْرائِيلِيٌّ أصِيلٌ لا يَعقُوب فِيْهِ!” موريس (Morris)
- “هذا إسرائيلي أصيل وهو النوع الذي أعلن عنه كاتب المزمور بأنه ’الرجل المبارك‘ حينما قال: طُوبَى لِرَجُلٍ لَا يَحْسِبُ لَهُ ٱلرَّبُّ خَطِيَّةً، وَلَا فِي رُوحِهِ غِشٌّ (مزمور ٢:٣٢).” تاسكر (Tasker)
- وَأَنْتَ تَحْتَ ٱلتِّينَةِ، رَأَيْتُكَ: من المحتمل أن نَثَنَائِيل كان يحب الصلاة والتأمل في الكلمة تحت ظل شجرة تِينٍ. في حين كان المعلمون اليهود يستخدمون عبارة تَحْتَ ٱلتِّينَةِ لوصف التأمل في الكتب المقدسة. ومع ذلك يمكن أن نتصور نَثَنَائِيل يصلي ويتأمل فعلاً حينما رآه يسوع هناك لهذا قال: رَأَيْتُكَ.
- “يقال عن المعلم هسا (Rabbi Hasa) في تدوينات بيريشيث Bereshith (في البدء بالعبرية) أنه اعتاد وتلاميذه الدراسة تحت شجرة التين.” ترينش (Trench)
- “لا توجد طريقة للتأكد من أنه كان المكان الذي جلس فيه نَثَنَائِيل للتأمل ولسماع صوت الله. ولكن من المؤكد أن ظل هذه التينة جعلها مناسبة للجلوس تحتها خاصة أيام الصيف الحارة.” بروس (Bruce)
- «أَنْتَ ٱبْنُ ٱللهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!»: كانت هذه شهادة نَثَنَائِيل عن يسوع. فتعبير ’ٱبْنُ ٱللهِ‘ يصف العلاقة الفريدة بين يسوع والله الآب و’مَلِكُ إِسْرَائِيلَ‘ تصف مكانته كالمسيا و’المَلِكُ.‘
- “نرى هنا مرة أخرى أهمية أداة التعريف في عبارة (ٱبْنُ ٱللهِ). وهذا يشير إلى أن التعبير المستخدم يجب فهمه كمحتوى كامل وليس كوصف محدود. فنحن بصدد شخص لا يمكننا وصفه بالتعابير البشرية التقليدية.” موريس (Morris)
- سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ هَذَا!: اندهش نَثَنَائِيل كثيراً مما رآه في يسوع ومع ذلك أخبره يسوع أن هناك الكثير ليراه بعد: سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ هَذَا!
- ما زال الوعد سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ هَذَا مستمراً للمؤمن اليوم. “هل اختبرت يسوع الكلمة؟ لكنه ليس الكلمة فقط، فهو روح وحياة أيضاً. هل صار جسداً؟ سوف تراه في مجده الذي كان له قبل تأسيس العالم. هل عرفته كالبداية وقبل كل شيء؟ هو أيضاً النهاية. هل تقابلت مع يوحنا المعمدان؟ سوف تتقابل مع شخص أعظم منه بكثير. هل اختبرت المعمودية بالماء؟ سوف تختبر المعمودية بالنار. هل رأيت حمل الله معلقاً على الصليب؟ سوف تراه وسط العرش في السماء.” ماير (Meyer)
- مِنَ ٱلْآنَ تَرَوْنَ ٱلسَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَمَلَائِكَةَ ٱللهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ: وعد يسوع نَثَنَائِيل بأنه سيرى آية أعظم من التي رآها في السابق وبأنه سيرى ٱلسَّمَاءَ مَفْتُوحَةً.
- ربما كان إعلان يسوع بأن مَلَائِكَةَ ٱللهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ مرتبطاً بحلم يعقوب في سفر التكوين ١٢:٢٨ حينما رَأى سُلَّماً قائِمَةً عَلَى الأرْضِ وَقِمَّتُها تَصِلُ السَّماءَ وَمَلائِكَةُ اللهِ تَصعَدُ وَتَنْزِلُ عَلَيها. قال يسوع أنه السُلَّم (حلقة الوصل) الذي يربط بين السماء والأرض. وعندما يدرك نَثَنَائِيل أن يسوع هو الوسيط بين الله والإنسان سيرى أنها آية أعظم (سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ هَذَا).
- “عرف الآن أن يسوع هو السلم الحقيقي الذي سيسد الفجوة بين الأرض والسماء.” تاسكر (Tasker)
- يبدو أن هذه كانت إشارة غامضة بعض الشيء ولكنها كانت ذات مغزى كبير بالنسبة لنَثَنَائِيل. ومن المحتمل أن هذا كان المقطع الكتابي الذي كان نَثَنَائِيل يتأمله وهو يجلس تَحْتَ ٱلتِّينَةِ.
- ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ: لا تشير هذه العبارة إلى ’الإنسان الكامل‘ أو ’الإنسان المثالي‘ أو حتى ’الإنسان العادي‘ بل تشير إلى ما جاء في سفر دانيال ١٣:٧-١٤ حينما يأتي ملك المجد ليدين العالم ويدعى ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ.
- استخدم يسوع لقب ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ كثيراً لأنه كان لقباً محصوراً بيسوع المسيح في زمنه ولأنه كان بعيداً عن أي إشارات سياسية أو قومية. فعندما كان اليهودي يسمع لقب “الملك” أو “المسيا” كان يفكر على الفور بالمخلص السياسي أو العسكري. لهذا شدد يسوع على مصطلح آخر وكان يُلقب نفسه ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ في أغلب الأحيان.
- “يوجه المصطلح ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ أنظارنا نحو مفهوم المسيح عن نفسه فهو من أصل سماوي وصاحب مجدٍ سماوي. كما ويوجه أنظارنا نحو تواضعه وآلامه بدلاً عن الإنسان. ولا يمكن فصل الأمرين لأنهم واحد.” موريس (Morris)
- يُظهر هذا الجزء من إنجيل يوحنا أربع طرق للمجيء إلى يسوع:
- جاء أَنْدَرَاوُس إلى يسوع بسبب تعليم يوحنا المعمدان.
- جاء بُطْرُس إلى يسوع بسبب شهادة أخوه.
- جاء فِيلُبُّس إلى يسوع نتيجة للدعوة المباشرة من يسوع.
- جاء نَثَنَائِيلَ إلى يسوع عندما تغلب على تعصبه الشخصي حينما تقابل شخصياً مع يسوع.
- يُظهر هذا الجزء أربع شهود مختلفين يشهدون على هوية يسوع. هل هناك حاجة لمزيد من الشهود؟
- شهد يُوحَنَّا المعمدان بأن يسوع أزلي وممسوح بمسحة خاصة من الروح القدس وأنه حمل الله وٱبْنُ ٱللهِ الوحيد.
- شهد أَنْدَرَاوُس بأن يسوع هو الْمَسِيَّا أَيِ الْمَسِيح.
- شهد فِيلُبُّس بأن يسوع هو من تنبأت عنه الكتب المقدسة (العهد القديم).
- شهد نَثَنَائِيلَ بأن يسوع ٱبْنُ ٱللهِ ومَلِكُ إِسْرَائِيل.