إنجيل لوقا – الإصحاح ١٠
إرسال السبعين
أولاً. يسوع يعطي توجيهاته إلى السبعين تلميذاً قبل رحيلهم
أ ) الآيات (١-٣): تعيين السبعين تلميذاً وإرسالهم
١وَبَعْدَ ذَلِكَ عَيَّنَ ٱلرَّبُّ سَبْعِينَ آخَرِينَ أَيْضًا، وَأَرْسَلَهُمُ ٱثْنَيْنِ ٱثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعًا أَنْ يَأْتِيَ. ٢فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ ٱلْحَصَادَ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّ ٱلْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَٱطْلُبُوا مِنْ رَبِّ ٱلْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ. ٣اِذْهَبُوا! هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ مِثْلَ حُمْلَانٍ بَيْنَ ذِئَابٍ.
- وَبَعْدَ ذَلِكَ عَيَّنَ ٱلرَّبُّ سَبْعِينَ آخَرِينَ أَيْضًا: عرف يسوع أن وقت صلبه كان قريباً، وأنه لا يزال هناك العديد من القرى التي لم تسمع برسالته بعد. لهذا طلب يسوع من هذه المجموعة الكبيرة من التلاميذ أن يكونوا رُسله لإعداد هذه الأماكن أمامه (حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعًا أَنْ يَأْتِيَ).
- كان هناك مجموعة أكبر من المهتمين بإتباع يسوع من ٱلِٱثْنَا عَشَرَ الذين اختارهم كتلاميذ ورُسل. ومن هذه المجموعة عَيَّنَ ٱلرَّبُّ سَبْعِينَ آخَرِينَ أَيْضًا للقيام بعمله. وهناك بضعة أسباب لماذا اختار سَبْعِينَ.
- ربما كان السبعين مجرد رقم حكيم يمكن من خلاله استخدام الأشخاص المهتمين بطريقة أكثر فعالية.
- ربما يشير الرقم سبعين إلى الشيوخ السبعين الذين صعدوا مع موسى على جبل سيناء ورأوا مجد الله (خروج ١:٢٤، ٩). فقد اختار يسوع هؤلاء السبعين لرؤية مجد الله يعمل أثناء خدمتهم وتمثيلهم له.
- ربما يشير الرقم سبعين إلى أعضاء السنهدريم السبعين. ويُظهر يسوع بعمله هذا أنه يؤسس نظاماً جديداً وقيادة جديدة.
- ربما يشير الرقم سبعين إلى السبعين الذين ترجموا الكتاب المقدس من العبرية إلى اليونانية (الترجمة السبعينيه)، ويظهر يسوع هنا أن هؤلاء “سيترجمون” كلمته إلى حياة عملية يومية.
- كتب موريسون (Morrison): “من الأفضل أن تكون واحداً من السبعين غير المعروفين والذين قاموا بعملهم وكانوا سعداء للغاية، ولا يعرف اسمائهم سوى الله وحده. من أن تكون معروفاً من بين ٱلِٱثْنَا عَشَرَ كيهوذا، فلا نقرأ عن شبيه ليهوذا من بين السبعين.”
- وَأَرْسَلَهُمُ ٱثْنَيْنِ ٱثْنَيْنِ: كتب كلارك (Clarke): “أرسل يسوع ٱثْنَيْنِ ٱثْنَيْنِ: أولاً. ليعلمهم أهمية الوحدة بين الخدام، ثانياً. الاعتراف بأي أمر قانونياً كان يتم على فم اثنين من الشهود، وثالثاً. كي يشجعوا ويدعموا بعضهم البعض بهذا العمل الشاق.”
- حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعًا أَنْ يَأْتِيَ: كتب سبيرجن (Spurgeon): “يا لها من رحمة عندما يعرف الواعظ أن سيده سيأتي بعده، ويكون قادراً على سماع خطوات سيده خلفه! يا له من أمر مُشجع! فهو يعلم أنه يفعل القليل، ولكن عمله هذا سيمهد الطريق لمن يستطيع أن يفعل أكثر.”
- إِنَّ ٱلْحَصَادَ كَثِيرٌ: باستخدام صورة الحصاد، يشرح يسوع السبب من وراء إلحاحه المتزايد على الخدمة. حيث نظر للناس على أنهم الحصاد المستعد للجمع، وفكر في احتياجهم الكبير، ورأى أن تلك فرصة مناسبة.
- باستخدام الصورة التي اقترحها يسوع، يمكننا أن نقول أن الحقل نفسه كان كبيراً جداً، وبأن الحصاد كان ضخماً للغاية أيضاً. لم تكن تلك المرة الأولى التي يتكلم بها يسوع هكذا. تكلم يسوع عن نفس الموضوع تقريباً في وقت سابق وفي أماكن مختلفة (متى ٣٧:٩-٣٨). ربما كانت تلك عبارة يسوع المألوفة، وتُعبر عما لاحظه وردده مراراً وتكراراً.
- ولا يزال هذا صحيحاً. إن كنا نؤمن بأن مجيء يسوع الثاني قريب، فعلينا أن نتبنى مبادئ إرسالية يسوع العظمى للسبعين.
- كتب موريسون (Morrison): “هل يمكنك أن تتصور المحنة التي يشعر بها المزارع عندما يرى حقله المليء بالحصاد الذهبي، وليس هناك خُدام لجمع هذا الحصاد؟ وهذا تماماً الألم الذي شعر به يسوع كلما نظر إلى حقله المليء بالحصاد.”
- ٱلْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ: لا يعني هذا زيادة عدد الفعلة فحسب، ولكن على الفعلة أن يقوموا بعملهم بعناية فائقة. فعندما يكون هناك عمل كثير وفعلة قليلون، يحتاج المرء أن يكون مشغولاً بالعمل.
- إنه حصادٌ يحتاج إلى فَعَلَة. يمكن أن يلقى كل الحصاد في النفايات إذا لم يكن هناك فَعَلَة. حذرنا يسوع من أن الفرصة لتلبية احتياجات الناس وإحضارهم إلى ملكوته قد تضيع بسبب نقص الفَعَلَة.
- فَٱطْلُبُوا مِنْ رَبِّ ٱلْحَصَادِ: أمرهم يسوع أن يصلوا، فالعمل أمامهم عظيم ولا يمكن إنجازه بدون اللجاجة في الصلاة. خصوصاً لأنهم يطلبون مِنْ رَبِّ ٱلْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ. وهذا يتحدث بقوة عن:
- الحاجة للصلاة من أجل خدمة الكرازة (فَٱطْلُبُوا).
- صانع الحصاد (رَبِّ ٱلْحَصَادِ).
- الحاجة إلى عمال في حقل الكرازة (فَعَلَةً).
- دعوة الله للعمل في جمع الحصاد (أَنْ يُرْسِلَ).
- طبيعة العمل في الحصاد (فَعَلَةً).
- الحاجة إلى الاعتراف لمن ينتمي الحصاد ( (إِلَى حَصَادِهِ).
- علينا أن نصلي لله كي يُرْسِلَ فَعَلَةً. كتب سبيرجن (Spurgeon): “اللغة اليونانية هنا أكثر تعبيراً، وتعني أن الله سوف يدفعهم نحو الأمام، وكأنه يفرض عليهم الأمر فرضاً؛ وهي نفس الكلمة التي تُستخدم لطرد الأرواح الشريرة. فإخراج الشياطين يحتاج لقوة، وبنفس الطريقة، هناك احتياج لقوة الله كي يرسل فَعَلَةً إلى الخدمة.”
- اِذْهَبُوا: أمرهم يسوع اِذْهَبُوا، وهكذا سيستجيب الله لصلاتهم. فالصلاة: “يا رب أرسل فعلة إلى حصادك” هي أفضل طريقة لولادة شوق نحو الخدمة في قلب المُصلي.
- هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ مِثْلَ حُمْلَانٍ بَيْنَ ذِئَابٍ: أمرهم يسوع بأن يذهبوا وبداخلهم قلب من نوع خاص وبثقة كبيرة بالله وألا يسيئوا معاملة الآخرين. الذهاب مِثْلَ حُمْلَانٍ بَيْنَ ذِئَابٍ لا تبدو فكرة جذابة جداً؛ ومع ذلك، هكذا جاء يسوع، وهكذا عملت قوة الله من خلاله بقوة عظيمة.
- كتب سبيرجن (Spurgeon): “مهمة الحملان بين الذئاب مليئة بالأمل، لأننا نرى في العالم حولنا أن عدد الحملان، رغم أنها ضعيفة، يفوق عدد الذئاب بكثير. وسيأتي اليوم الذي سينقص فيه عدد المضطهدين كالذئاب، وسيزداد عدد القديسين كالحملان.”
ب) الآيات (٤-٨): تعليمات محددة عن خدمتهم
٤لَا تَحْمِلُوا كِيسًا وَلَا مِزْوَدًا وَلَا أَحْذِيَةً، وَلَا تُسَلِّمُوا عَلَى أَحَدٍ فِي ٱلطَّرِيقِ. ٥وَأَيُّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوهُ فَقُولُوا أَوَّلًا: سَلَامٌ لِهَذَا ٱلْبَيْتِ. ٦فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ٱبْنُ ٱلسَّلَامِ يَحُلُّ سَلَامُكُمْ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَيَرْجِعُ إِلَيْكُمْ. ٧وَأَقِيمُوا فِي ذَلِكَ ٱلْبَيْتِ آكِلِينَ وَشَارِبِينَ مِمَّا عِنْدَهُمْ، لِأَنَّ ٱلْفَاعِلَ مُسْتَحِقٌّ أُجْرَتَهُ. لَا تَنْتَقِلُوا مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ. ٨وَأَيَّةَ مَدِينَةٍ دَخَلْتُمُوهَا وَقَبِلُوكُمْ، فَكُلُوا مِمَّا يُقَدَّمُ لَكُمْ.
- لَا تَحْمِلُوا كِيسًا وَلَا مِزْوَدًا وَلَا أَحْذِيَةً: طلب يسوع منهم أولاً أن يصلوا؛ ثم أن يذهبوا؛ ثم كيف يذهبوا. أعطى يسوع السبعين تلميذاً تعليمات محددة تُظهر ما في قلبهم نحو الخدمة التي تمثل يسوع ومأموريته.
- عليهم ألا يلتهوا بالأمور المادية (لَا تَحْمِلُوا كِيسًا وَلَا مِزْوَدًا وَلَا أَحْذِيَةً).
- عليهم ألا يلتهوا بتقاليد والأمور الإجتماعية المملة (وَلَا تُسَلِّمُوا عَلَى أَحَدٍ فِي ٱلطَّرِيقِ).
- كتب موريسون (Morrison): “تحيات الشرق الأوسط مملة جداً ومليئة بالإطراء، ومن المؤكد أنها ستؤدي في النهاية إلى القيل والقال. كان الرجال الذين يعملون بجد ينعتون في بعض الأحيان بأنهم غير اجتماعيين.”
- وَأَيُّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوهُ فَقُولُوا أَوَّلًا: سَلَامٌ لِهَذَا ٱلْبَيْتِ: كانت العادة في تلك الأيام أن يستقبل المُضيف الزائر في بيته (لأن الفندق عادة كان مكان للدعارة ولا يليق بأن يبيت فيه الخدام الأتقياء). فطلب يسوع منهم أن يأتوا ببركة السلام على كل بيت يستقبلهم.
- فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ٱبْنُ ٱلسَّلَامِ: كتب كلارك (Clarke): “من المتعارف عليه في العالم اليهودي أن يُطلق على الرجل اسم ابن كذا أو كذا، مهما كانت صفاته، جيدة كانت أم سيئة. فمصطلح ٱبْنُ ٱلسَّلَامِ في النص لا يعني فقط أن الشخص كان هادئاً ومُسالماً، بل كان صالحاً ويفعل الخير ومشهود له من الجميع أيضاً. لهذا سيكون عار على الخدمة أن يبيت الخدام في أماكن غير لائقة.”
- وَأَقِيمُوا فِي ذَلِكَ ٱلْبَيْتِ آكِلِينَ وَشَارِبِينَ مِمَّا عِنْدَهُمْ: كان عليهم أن يثقوا بأن الله سيسدد احتياجاتهم من خلال كرم الآخرين، وكان عليهم أن يقبلوا ما يُقدم لهم بشكر – دون التسول مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ.
- لِأَنَّ ٱلْفَاعِلَ مُسْتَحِقٌّ أُجْرَتَهُ: : قال يسوع لتلاميذه أن لا يعتبروا الدعم الذي يُقدم لهم كنوع من الصدقة، وإنما أجرٌ لائق مقابل عملهم في ملكوت الله.
ج ) الآية (٩): ماذا طلب يسوع أن يفعل السبعين تلميذاً؟ أن يشفوا وأن يعلّموا.
٩وَٱشْفُوا ٱلْمَرْضَى ٱلَّذِينَ فِيهَا، وَقُولُوا لَهُمْ: قَدِ ٱقْتَرَبَ مِنْكُمْ مَلَكُوتُ ٱللهِ.
- وَٱشْفُوا ٱلْمَرْضَى ٱلَّذِينَ فِيهَا: كانت معجزات الشفاء مهمة لأنها أظهرت أن ملكوت الله جاء بسلطان وقوة (كما توقع الجميع)، والدليل على تلك القوة كان أعمال الرحمة واللطف (ولم يتوقعه الجميع ذلك).
- وَقُولُوا لَهُمْ: قَدِ ٱقْتَرَبَ مِنْكُمْ مَلَكُوتُ ٱللهِ: وهذا يعني أن الشفاء كان جزءاً من الوعظ. فبالإضافة إلى معجزات الشفاء، كانوا يعلمون عن طبيعة ملكوت الله كما علّمهم يسوع.
- قَدِ ٱقْتَرَبَ مِنْكُمْ: كتب بايت (Pate)، تعني الكلمة اليونانية القديمة (engiken) “وصل” بمعنى أنه حاضر الآن، أو “على مقربة” من الوصول. ربما كان الهدف من العرض الملحوظ لقوة الله من خلال خدمة السبعين أن يُعد الناس للإعلان الكامل عن قوة الله والملكوت من خلال موت وقيامة يسوع القريب.
د ) الآيات (١٠-١٦): ماذا سيحدث لأولئك الذين يرفضون رسالة السبعين.
١٠وَأَيَّةُ مَدِينَةٍ دَخَلْتُمُوهَا وَلَمْ يَقْبَلُوكُمْ، فَٱخْرُجُوا إِلَى شَوَارِعِهَا وَقُولُوا: ١١حَتَّى ٱلْغُبَارَ ٱلَّذِي لَصِقَ بِنَا مِنْ مَدِينَتِكُمْ نَنْفُضُهُ لَكُمْ. وَلَكِنِ ٱعْلَمُوا هَذَا: إنَّهُ قَدِ ٱقْتَرَبَ مِنْكُمْ مَلَكُوتُ ٱللهِ. ١٢وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَكُونُ لِسَدُومَ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ حَالَةٌ أَكْثَرُ ٱحْتِمَالًا مِمَّا لِتِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ. ١٣«وَيْلٌ لَكِ يَا كُورَزِينُ! وَيْلٌ لَكِ يَا بَيْتَ صَيْدَا! لِأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي صُورَ وَصَيْدَاءَ ٱلْقُوَّاتُ ٱلْمَصْنُوعَةُ فِيكُمَا، لَتَابَتَا قَدِيمًا جَالِسَتَيْنِ فِي ٱلْمُسُوحِ وَٱلرَّمَادِ. ١٤وَلَكِنَّ صُورَ وَصَيْدَاءَ يَكُونُ لَهُمَا فِي ٱلدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ ٱحْتِمَالًا مِمَّا لَكُمَا. ١٥وَأَنْتِ يَا كَفْرَنَاحُومَ ٱلْمُرْتَفِعَةُ إِلَى ٱلسَّمَاءِ! سَتُهْبَطِينَ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ. ١٦اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي، وَٱلَّذِي يُرْذِلُكُمْ يُرْذِلُنِي، وَٱلَّذِي يُرْذِلُنِي يُرْذِلُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي».
- حَتَّى ٱلْغُبَارَ ٱلَّذِي لَصِقَ بِنَا مِنْ مَدِينَتِكُمْ نَنْفُضُهُ لَكُمْ: طلب يسوع من تلاميذه السبعين أن يعلنوا هذا في شوارع أي مدينة ترفضهم وترفض رسالتهم. كان من المهم أن تعرف تلك المدن ثمن رفض يسوع وملكوته.
- وَلَكِنِ ٱعْلَمُوا هَذَا: إنَّهُ قَدِ ٱقْتَرَبَ مِنْكُمْ مَلَكُوتُ ٱللهِ: كان على رسالتهم والمعجزات التي كانت دليل على قوة الملكوت أن يكونوا واضحين تماماً ليتمكن السبعين من قول هذا الكلام علناً للمدينة التي رفضتهم.
- هناك تعليق على عدم امتلاك المؤمنين المصداقية الكاملة في الخدمة هذه الأيام ليقولوا لمن يرفضهم ويرفض رسالتهم: “وَلَكِنِ ٱعْلَمُوا هَذَا: إنَّهُ قَدِ ٱقْتَرَبَ مِنْكُمْ مَلَكُوتُ ٱللهِ.”
- إِنَّهُ يَكُونُ لِسَدُومَ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ حَالَةٌ أَكْثَرُ ٱحْتِمَالًا مِمَّا لِتِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ: كانت مدن سدوم وصور وصيدا مليئة بالشر. قال يسوع أن المدن التي رفضت رسالته كانوا في ورطة أكبر من هذه المدن الثلاثة لأنهم رأوا أعمال الله العظيمة، بطريقة لم يراها أحد من قبل، ومع ذلك رفضوه.
- كلما سمعنا الحق ورأينا أعمال الله، كلما تحملنا مسئولة أكبر. شهد الناس في في كُورَزِينُ وبَيْتَ صَيْدَا وكَفْرَنَاحُومَ الكثير من المعجزات وٱلْقُوَّاتُ ٱلْمَصْنُوعَةُ المُقنعة، ولهذا سيتحملون المسؤولية الكاملة عما شهدوه.
- َتَابَتَا قَدِيمًا جَالِسَتَيْنِ فِي ٱلْمُسُوحِ وَٱلرَّمَادِ: تلقت مدن كُورَزِينُ وبَيْتَ صَيْدَا وكَفْرَنَاحُومَ الكثير ولكن توبتهم كانت قليلة. إنه لأمر عجيب أن يحصل البعض على فرص كثيرة ومع ذلك يرفضون التوبة.
- كَفْرَنَاحُومَ المُرْتَفِعَةُ إِلَى ٱلسَّمَاءِ: قال يسوع هذا لأنها المدينة التي عاش بها أثناء خدمته في منطقة الجليل، وقد سمع الناس الكثير من تعليمه ورأوا العديد من معجزاته.
- وقال يسوع أنه سيكون أَكْثَرُ ٱحْتِمَالًا للبعض في يوم الدينونة من آخرين. وهذا يقودنا إلى الاعتقاد بأنه في ذلك اليوم سيحصل البعض على حكم أسوأ من غيرهم. الجميع سيعاني في الجحيم، ولكن سيكون حال البعض أسوأ من غيرهم.
- لا يذكر الكتاب المقدس على وجه التحديد المعجزات التي صنعها يسوع في كُورَزِينُ. وهذا مؤشر على أن الأناجيل تقدم لنا لمحات بسيطة جداً عن حياة وخدمة يسوع، وليس التفاصيل الكاملة. اعترف يوحنا بهذا وقال سيكون من المستحيل أن نسجل كل ما فعله يسوع (يوحنا ٢٥:٢١).
- اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي، وَٱلَّذِي يُرْذِلُكُمْ يُرْذِلُنِي، وَٱلَّذِي يُرْذِلُنِي يُرْذِلُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي: رغم أن يسوع أرسلهم متوقعاً رفض البعض، إلا أنه شجعهم أيضاً بفكرة أنهم يمثلونه شخصياً، ولا ينبغي عليهم أخذ رفض الناس لهم (أو قبولهم) بصورة شخصية. فعندما يرفض الآخرون الرُسل فهم يرفضون يسوع ويرفضون الآب السماوي أيضاً (ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي).
- ومن المفيد لكل خدام الرب ألا يتمسكوا بشدة بمديح أو رفض الناس لهم. فإن كانوا يمثلون سيدهم بالفعل، فإن الفضل في نجاح عملهم أو رفضه يعود بالأساس عليه وليس عليهم. ولا يجب أن ينصب اهتمامهم الأول على النجاح أو الرفض، بل أن يمثلوا يسوع سيدهم بطريقة لائقة.
ثانياً. الفرح السبعين.
أ ) الآيات (١٧-٢٠): فرحة السبعين تلميذاً وتحذير يسوع لهم.
١٧فَرَجَعَ ٱلسَّبْعُونَ بِفَرَحٍ قَائِلِينَ: «يَا رَبُّ، حَتَّى ٱلشَّيَاطِينُ تَخْضَعُ لَنَا بِٱسْمِكَ!». ١٨فَقَالَ لَهُمْ: «رَأَيْتُ ٱلشَّيْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ ٱلْبَرْقِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ. ١٩هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا ٱلْحَيَّاتِ وَٱلْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ ٱلْعَدُوِّ، وَلَا يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ. ٢٠وَلَكِنْ لَا تَفْرَحُوا بِهَذَا: أَنَّ ٱلْأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ، بَلِ ٱفْرَحُوا بِٱلْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ».
- فَرَجَعَ ٱلسَّبْعُونَ بِفَرَحٍ: كان يوماً مثمراً وجيداً. تحمل تلاميذ وأتباع يسوع حصتهم من الارتباك والمشقة، ولكنهم تمتعوا أيضاً ببعض من البركات الرائعة نتيجة الخدمة الفعالة.
- رَجَعَ ٱلسَّبْعُونَ. علّقَ سبيرجن (Spurgeon): “لم تأكل الذئاب أي من الحملان.”
- حَتَّى ٱلشَّيَاطِينُ تَخْضَعُ لَنَا بِٱسْمِكَ: نظرة فاحصة للتعليمات التي أعطاها يسوع للسبعين في (لوقا ٩:١٠) تُظهر أن يسوع لم يأذن لهم أصلاً بإخراج الشياطين (كما فعل مع ٱلِٱثْنَيْ عَشَر فيلوقا ١:٩-٢). لذلك، قد نعتبر هذا بمثابة بركة غير متوقعة لخدمتهم.
- تعلم هؤلاء السبعون أنه عندما نفعل بجرأة ما يطلبه يسوع منا، يمكننا أن نتوقع بركات تتجاوز التوقعات.
- تُظهر كلمة بِٱسْمِكَ أنهم لم ينسبوا النجاح لأنفسهم. فقد كانوا يعرفون أن السبب كان قوة وسلطان يسوع. كتب ماير (Meyer): “لا تعتمد على الأعداد أو التنظيم بل على اسم يسوع، ولا تستخدمه وكأنه تعويذة، ولكن كتمثيل لائق لحياته على الأرض وصعوده.”
- رَأَيْتُ ٱلشَّيْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ ٱلْبَرْقِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ: إن نجاح هؤلاء التلاميذ – ولا سيما سلطانهم على الأرواح الشريرة – جعل يسوع يتحدث عن سقوط الشيطان بشكل سريع ودراماتيكي مِثْلَ ٱلْبَرْقِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ.
- يذكر الكتاب المقدس أربعة سقطات للشيطان:
- من المجد إلى النجاسة (حزقيال ١٤:٢٨-١٦).
- من التواجد في محضر الله (أيوب ١٢:١، ملوك الأول ٢١:٢٢، ١:٣) إلى القيود على الأرض (رؤيا يوحنا ٩:١٢).
- من الأرض إلى العبودية في الْهَاوِيَةِ مُدَّةَ أَلْفِ سَنَةٍ (رؤيا يوحنا ١:٢٠-٣).
- من الْهَاوِيَةِ إلى بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ (رؤيا يوحنا ١٠:٢٠).
- يتكلم يسوع هنا عن سقوط الشيطان الأول، من المجد إلى النجاسة. فجملة سَاقِطًا مِثْلَ ٱلْبَرْقِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ لا تعني أن الشيطان سقط من السماء، ولكن أن سقوطه كان دراماتيكياً ومفاجئاً تماماً كما يسقط ٱلْبَرْقِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ. ووفقاً للآيات في أيوب ١٢:١ وملوك الأول ٢١:٢٢ و١:٣ نرى أن الشيطان لا يزال بإمكانه الدخول إلى السماء والتواجد في محضر الله. ولكن نجاح التلاميذ ضد الأرواح الشريرة كان تأكيداً على أن الشيطان، رغم قوته، قد سقط من مكان سلطانه وقوته إلى مكان وضيع ورديء.
- كان سقوط الشيطان هو حُكم الله الفوري على تلك الروح المتمردة (حتى وإن لم تكن تلك الدينونة الكاملة بعد، ولكنها تنتظره حتماً). وكلما شارك أحدهم عن ملكوت يسوع بقوة وبسلطان، كلما كانت دينونة أخرى على الشيطان وعلى جميع الذين يملكون روحه المتمردة. ويُعلّق سبيرجن (Spurgeon) على هذا ويقول: “كلما بُشِرَّ بالإنجيل بسلطان إلهي، يسقط الشيطان من عرشه، في قلوب وعقول البشر، وبسرعة مثل البرق النازل من السماء؛ وعندما نرى مملكته تهتز، نفرح في الروح مثل يسوع.”
- عندما تحدث يسوع عن سقوط الشيطان، فإنه يحذرهم أيضاً من الكبرياء. فإذا الشيطان نفسه قد سقط مثل ٱلْبَرْقِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ من مكانته الروحية العالية ومن كل الإمتيازات التي كانت له، ألن يحدث هذا مع التلاميذ أيضاً؟ كتب مورغان (Morgan): “خطر تمجيد الذات أثناء الخدمة يتربص في الأفق دوماً.”
- يذكر الكتاب المقدس أربعة سقطات للشيطان:
- هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا: بسبب سقوط الشيطان ولأن التلاميذ كانوا رُسلاً ليسوع ولملكوته، استمتعوا بقوة الله العليا على الشيطان.
- كتب ماير (Meyer): “إذا كنت تجرؤ على العيش بقوة المسيح المُقام، فسيكون لك نصيب في إمبراطوريته وفي ثمار انتصاره على الشيطان.”
- وَلَكِنْ لَا تَفْرَحُوا بِهَذَا: أَنَّ ٱلْأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ: طلب يسوع منهم أن يفرحوا بما فعله الله معهم (أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ)، أكثر من فرحهم بما فعلوه لله (أَنَّ ٱلْأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ).
- ولم يكن من الخطأ أن يفرحوا بالنجاح؛ ولكن عليهم أن يفرحوا أكثر في أعظم معجزة وهي الوعد بالخلاص. كتب سبيرجن (Spurgeon): “لم يقصد أن ينتقدهم بسبب فرحهم الحالي بالنجاح، بل أن يجعله ثانوياً بالمقارنة مع فرح آخر، ولمنعه من النمو بشكل مفرط والتغلب على الآخر.”
- يصبح البعض عاطفيين جداً وكأنهم سكارى بعد النجاح الذي حققوه في خدمة ما أو بعد إظهار قوة روحية معينة. وبعد أن يستخدمهم الله بطريقة أو بأخرى، يُعجبون بأنفسهم بغطرسة ويفتخرون بكل ما فعلوه من أجل الله. يريد الله منا أن نرى دائماً أن ما فعله لنا أكبر بكثير مما يمكن أن نفعله نحن له. من الجيد أن نكون معتدلين في الفرح الذي نشعر به تجاه مواهبنا ونجاحنا.
- أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ: علّقَ تراب (Trapp) على هذه الآية: “وهذا يعني أننا أصبحنا الآن مواطنين في أورشليم الجديدة. ولكون بولس رومانياً، استطاع أن ينجو من الجلد بالسوط؛ أما نحن فنجونا من الدينونة.”
- كل شعب الرب يشترك بهذا الفرح. وحسب التقديرات البشرية، يحقق البعض نجاحاً أكثر من غيرهم، ولكن هذا الفرح يوحد جميع المؤمنين.
ب) الآيات (٢١-٢٢): فرح يسوع لأنه رأى عمل الله في شعبه
٢١وَفِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ تَهَلَّلَ يَسُوعُ بِٱلرُّوحِ وَقَالَ: «أَحْمَدُكَ أَيُّهَا ٱلْآبُ، رَبُّ ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ، لِأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هَذِهِ عَنِ ٱلْحُكَمَاءِ وَٱلْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلْأَطْفَالِ. نَعَمْ أَيُّهَا ٱلْآبُ، لِأَنْ هَكَذَا صَارَتِ ٱلْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ». ٢٢وَٱلْتَفَتَ إِلَى تَلَامِيذِهِ وَقَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي. وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ ٱلِٱبْنُ إِلَّا ٱلْآبُ، وَلَا مَنْ هُوَ ٱلْآبُ إِلَّا ٱلِٱبْنُ، وَمَنْ أَرَادَ ٱلِٱبْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ».
- وَفِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ تَهَلَّلَ يَسُوعُ بِٱلرُّوحِ: كان يسوع متحمساً للغاية. يقول النص اليوناني أنه شعر بسعادة غامرة (تهلل). هذا الفرح الفريد ليسوع كان بسبب خدمة تلاميذه. يُسر الله في استخدام ضُعَفَاءَ وجُهَّالَ ٱلْعَالَمِ لِيُخْزِيَ ٱلْحُكَمَاءَ (كورنثوس الأولى ٢٧:١-٢٩).
- هذه هي المرة الوحيدة في الأناجيل التي نقرأ فيها أن يسوع تَهَلَّلَ. يا لها من جملة فريدة؛ ومع ذلك لا ينبغي أن نفكر أن يسوع لم يفرح أبداً بمناسبات أخرى. ويُعلّق سبيرجن (Spurgeon): “لا نسمع أنه ضحك من قبل، ولكننا نقرأ أنه بكى ثلاث مرات؛ ولأول مرة، وكحادثة فريدة من نوعها، نرى أن الوحي المقدس يؤكد أنه تهلل.”
- كتب جيلدنهويس (Geldenhuys) أن الكلمة اليونانية القديمة تَهَلَّلَ: “تشير إلى فرح استثنائي.” تهلل يسوع ليس خارجياً فقط؛ ولكن فرحه كان (بِٱلرُّوحِ).
- ويُعلّق موريسون (Morrison): “كان رَجُلُ الأوْجَاعٍ هذا مبتهجاً معظم الوقت، ولكن كانت فرحته الكبرى في نجاح أصدقائه … يتهلل يسوع عندما يزدهر أولاده.”
- فرح يسوع لأن كل انتصار كان مهماً بالنسبة له. كتب ماير (Meyer): “انتصار تلميذ واحد أو حفنة من التلاميذ، سيكون له أكبر الأثر حتماً على ساحة المعركة بأكملها.”
- أَحْمَدُكَ أَيُّهَا ٱلْآبُ: فرح يسوع جعله يرفع صلاة للآب. قدم يسوع الحمد لله الآب على حكمته وخطته وعلى علاقته الفريدة به كأبيه السماوي.
- شكر يسوع الآب السماوي، ولم يمدح خدمته الشخصية.
- شكر يسوع الآب السماوي على خطته الحكيمة، وغير المتوقعة أحياناً.
- شكر يسوع الآب السماوي على الخدام الذين معه.
- شكر يسوع الآب السماوي على بساطة هؤلاء الخدام.
- تكلم يسوع عن وحدته مع الآب السماوي (كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي).
- تكلم يسوع عن علاقته الخاصة مع الآب السماوي (وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ ٱلِٱبْنُ إِلَّا ٱلْآبُ، وَلَا مَنْ هُوَ ٱلْآبُ إِلَّا ٱلِٱبْنُ).
- تكلم يسوع عن سماح الله لنا بأن نكون طرفاً في تلك العلاقة الخاصة (وَمَنْ أَرَادَ ٱلِٱبْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ).
- لِأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هَذِهِ عَنِ ٱلْحُكَمَاءِ وَٱلْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلْأَطْفَالِ: تهلل يسوع لأن ٱلْمُزْدَرَى يتعلمون عن الله، كما أنه يستخدمهم. السبعين تلميذاً هم الْأَطْفَالِ؛ المؤمنين البسطاء الذين يستقبلون الحكمة الحقيقية من إعلان الله.
- كان عليه أن يرسل البسطاء، لأن حكمة هذا العالم لن تخرج أبداً كالحملان وسط الذئاب.
- كان عليه أن يرسل البسطاء، لأنهم لن يغيروا الرسالة.
- كان عليه أن يرسل البسطاء، لأنه أراد الوصول إلى البسطاء.
- كان عليه أن يرسل البسطاء، لأنهم سيقومون بالعمل باسمه.
- كان عليه أن يرسل البسطاء، لأنهم سيفرحون بالخدمة.
- كان عليه أن يرسل البسطاء، لأنهم سيقدمون الحمد والثناء ليسوع.
ج ) الآيات (٢٣-٢٤): يسوع يخبر التلاميذ عن البركة الفريدة التي لهم.
٢٣وَٱلْتَفَتَ إِلَى تَلَامِيذِهِ عَلَى ٱنْفِرَادٍ وَقَالَ: «طُوبَى لِلْعُيُونِ ٱلَّتِي تَنْظُرُ مَا تَنْظُرُونَهُ! ٢٤لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَنْبِيَاءَ كَثِيرِينَ وَمُلُوكًا أَرَادُوا أَنْ يَنْظُرُوا مَا أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وَلَمْ يَنْظُرُوا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا».
- طُوبَى لِلْعُيُونِ ٱلَّتِي تَنْظُرُ مَا تَنْظُرُونَهُ: عاش التلاميذ في وقت مميز للغاية، وكان من الجيد أن يعرفوا البركة التي لهم كونهم جزءاً من عمل المسيا.
- علّقَ باركلي (Barclay): “كان يسوع القمة التي يصبو إليها التاريخ، بل الهدف الذي يسير إليه، وهو الإلهام الذي تأثر به رجال الله.”
- كما وعلّقَ كلارك (Clarke): “هناك قول مماثل لهذا بين رجال الدين اليهود: طوبى لذلك الجيل الذي رأى المسيا على الأرض.”
- إِنَّ أَنْبِيَاءَ كَثِيرِينَ وَمُلُوكًا أَرَادُوا أَنْ يَنْظُرُوا مَا أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وَلَمْ يَنْظُرُوا: كان رجال العهد القديم العظماء يتوقون لرؤية خدمة يسوع وأن يخدموا باسمه. ويمكننا أن نتخيل الملك داود وكم تمنى أن يرى يسوع وهو يخدم، وإشعياء كم تمنى أن يسمع أقوال وتعليم يسوع.
- يتمتع عصرنا اليوم بإمتيازات خاصة، وأنه لأمرٍ جيد أن نرى تلك البركات في عصرنا الحالي.
- عندما نقرأ عن الأعمال التي قام بها السبعين كما هو موضح في لوقا ١٠ نستطيع أن نرى بعض الطرق التي يمكننا من خلالها أن نخدم يسوع وننشر كلمته.
- إِنَّ ٱلْحَصَادَ كَثِيرٌ: نخدم عالمين حجم العمل أمامنا.
- ٱلْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ: نخدم عالمين أهمية خدمتنا.
- ٱطْلُبُوا مِنْ رَبِّ ٱلْحَصَادِ: نخدم رافعين الصلاة كل حين.
- اِذْهَبُوا: علينا أن نذهب فعلياً ونخدم.
- مِثْلَ حُمْلَانٍ بَيْنَ ذِئَابٍ: نخدم بكل شفافية وتواضع وبساطة، طالبين القوة من الله.
- لَا تَحْمِلُوا: نخدم دون الاعتماد على أي شيء إلا إنجيل وقوة الله.
- وَلَا تُسَلِّمُوا عَلَى أَحَدٍ: نخدم دون أن نسمح للالتزامات الاجتماعية أن تعرقل خدمتنا.
- وَأَيُّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوهُ: نخدم متوقعين المعونة من الله.
- آكِلِينَ وَشَارِبِينَ مِمَّا عِنْدَهُمْ: نخدم دون التعلق بالأمور البسيطة.
- ٱشْفُوا ٱلْمَرْضَى: نخدم الإنسان ككل ومن جميع النواحي بقوة الله.
- وَقُولُوا لَهُمْ: قَدِ ٱقْتَرَبَ مِنْكُمْ مَلَكُوتُ ٱللهِ: نخدم واعظين بأن الملك ومملكته حالّين بيننا.
- وَأَيَّةُ مَدِينَةٍ دَخَلْتُمُوهَا وَلَمْ يَقْبَلُوكُمْ، فَٱخْرُجُوا إِلَى شَوَارِعِهَا: علينا ألا نضيع أوقاتنا أثناء الخدمة مع الذين يرفضون الإنجيل.
- اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي، وَٱلَّذِي يُرْذِلُكُمْ يُرْذِلُنِي: نخدم عالمين من نخدم ومن نُمثل.
- فَرَجَعَ ٱلسَّبْعُونَ بِفَرَحٍ: نخدم منتظرين من الله أن يفعل أكثر مما نتوقع.
- تَهَلَّلَ يَسُوعُ بِٱلرُّوحِ: نخدم عالمين أن يسوع سيتهلل عندما نقوم بعمله.
ثالثاً. مَثَل السامري الصالح
أ ) الآيات (٢٥-٢٩): رجل قانون يسأل.
٢٥وَإِذَا نَامُوسِيٌّ قَامَ يُجَرِّبُهُ قَائِلًا: «يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا أَعْمَلُ لِأَرِثَ ٱلْحَيَاةَ ٱلْأَبَدِيَّةَ؟». ٢٦فَقَالَ لَهُ: «مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي ٱلنَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟». ٢٧فَأَجَابَ وَقَالَ: «تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ». ٢٨فَقَالَ لَهُ: «بِٱلصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هَذَا فَتَحْيَا». ٢٩وَأَمَّا هُوَ فَإِذْ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ، قَالَ لِيَسُوعَ: «وَمَنْ هُوَ قَرِيبِي؟».
- وَإِذَا نَامُوسِيٌّ قَامَ يُجَرِّبُهُ: أراد هذا الناموسي (الخبير في الناموس) أن يجرب يسوع. والفكرة وراء الكلمة اليونانية القديمة يُجَرِّبُهُ لا تعني بالضرورة أمر سلبي. فقد يكون هذا سؤالاً صادقاً من باحث مُخلص.
- مَاذَا أَعْمَلُ لِأَرِثَ ٱلْحَيَاةَ ٱلْأَبَدِيَّةَ؟: لا يشير مفهوم الكتاب المقدس عن ٱلْحَيَاةَ ٱلْأَبَدِيَّةَ إلى المدة الزمنية للحياة لأن الإنسان سيعيش إلى الأبد، سواء في السماء أو في الجحيم. ولا تشير أيضاً إلى حياة تبدأ فقط عندما نموت. فٱلْحَيَاةَ ٱلْأَبَدِيَّةَ هي نوعية معينة من الحياة، حياة منبعها الله، ويمكننا التمتع بها الآن.
- مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي ٱلنَّامُوسِ؟: وجه يسوع نظر الناموسي إلى وصايا الله. فإذا كان السؤال: “مَاذَا أَعْمَلُ لِأَرِثَ ٱلْحَيَاةَ ٱلْأَبَدِيَّةَ؟” إذاً فالإجابة البسيطة هي: احفظ ٱلنَّامُوسِ وطبقه بحذافيره.
- كتب بايت (Pate): “بدا وكأن الجزء الأول ساخر إلى حد ما، “ماذا يقول الناموس؟” وبعبارة أخرى، “أنت رجل دين والمحامي عن الناموس وتفسر الناموس يومياً؛ فأنت من يجب أن يخبرني ماذا يقول.”
- «تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ»: كان الناموسي حكيماً بما فيه الكفاية ليعرف أن هذا هو جوهر الناموس. وكان يعرف تماماً كل متطلبات الناموس، وكل ما عليه فعله الآن هو أن يعيشه ويطبقه: اِفْعَلْ هَذَا فَتَحْيَا.
- معنى أن نحب الله بكل ما نملك واضح جداً، على الرغم من صعوبة التطبيق أحياناً. ولكن هناك الكثير من الخلط حول ما تعنيه جملة أن تحب قَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ. لا يعني هذا أن علينا أن نحب أنفسنا أولاً قبل أن نحب الآخرين؛ بل تعني أننا كما نهتم بأنفسنا ونقلق إزاء مصالحنا الخاصة، ينبغي علينا أن نهتم أيضاً بمصلحة الآخرين.
- وَأَمَّا هُوَ فَإِذْ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ، قَالَ لِيَسُوعَ: «وَمَنْ هُوَ قَرِيبِي؟»: فحص الناموسي نفسه في ظل الوصيتين. ورأى أنه أطاع الوصية الأولى جيداً جداً، ولكن تطبيق الوصية الثانية يعتمد على تعريف: مَنْ هُوَ قَرِيبِي؟
- كان خطأه الأول وربما الأكبر، هو افتراض أنه تمم الوصية الأولى. فعندما نفكر ملياً بما تعنيه هذه الكلمات، نرى أنفسنا نتساءل من منا يحب الله فعلاً مِنْ كُلِّ قَلْبِه، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِه، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِه، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِه؟ فحتى أثناء عبادتنا لله، من السهل علينا أن تتشتت أفكارنا في أي من هذه الدوائر؛ فما بالك في حياتنا اليومية.
- وكان خطأه الثاني في الاعتقاد أنه تمم وصية أن يُحب الله بكل ما فيه، وما زال غير قادر على محبة قريبه. إِنْ قَالَ أَحَدٌ: «إِنِّي أُحِبُّ ٱللهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لِأَنَّ مَنْ لَا يُحِبُّ أَخَاهُ ٱلَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ ٱللهَ ٱلَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟ وَلَنَا هَذِهِ ٱلْوَصِيَّةُ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ يُحِبُّ ٱللهَ يُحِبُّ أَخَاهُ أَيْضًا (يوحنا الأولى ٢٠:٤-٢١).
- وأخيراً، كان خطأه الثالث في الطريقة التي أراد أن يحدد بها القَرِيبِ. فإذا كان أصدقائنا ومن نحب هم القريب، إذاً ربما استطاع هذا الرجل أن يتمم الوصية نوعاً ما وإن لم تكن بحذافيرها. ولكن كل هذا يعتمد على مدى اتساع التعريف. فقد آمن اليهود في زمن يسوع بفكرة أن عليك أن تحب قَرِيبَكَ؛ولكنهم آمنوا أيضاً بفكرة أنه من واجبك أمام الله أن تكره عدوك. إذاً، كل هذا يعتمد على من هو قَرِيبَكَ ومن هو عدوك.
ب) الآيات (٣٠-٣٥): عَرَفَ يسوع من هو القريب باستخدام مَثَل.
٣٠فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «إِنْسَانٌ كَانَ نَازِلًا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَرِيحَا، فَوَقَعَ بَيْنَ لُصُوصٍ، فَعَرَّوْهُ وَجَرَّحُوهُ، وَمَضَوْا وَتَرَكُوهُ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيْتٍ. ٣١فَعَرَضَ أَنَّ كَاهِنًا نَزَلَ فِي تِلْكَ ٱلطَّرِيقِ، فَرَآهُ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. ٣٢وَكَذَلِكَ لَاوِيٌّ أَيْضًا، إِذْ صَارَ عِنْدَ ٱلْمَكَانِ جَاءَ وَنَظَرَ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. ٣٣وَلَكِنَّ سَامِرِيًّا مُسَافِرًا جَاءَ إِلَيْهِ، وَلَمَّا رَآهُ تَحَنَّنَ، ٣٤فَتَقَدَّمَ وَضَمَدَ جِرَاحَاتِهِ، وَصَبَّ عَلَيْهَا زَيْتًا وَخَمْرًا، وَأَرْكَبَهُ عَلَى دَابَّتِهِ، وَأَتَى بِهِ إِلَى فُنْدُقٍ وَٱعْتَنَى بِهِ. ٣٥وَفِي ٱلْغَدِ لَمَّا مَضَى أَخْرَجَ دِينَارَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا لِصَاحِبِ ٱلْفُنْدُقِ، وَقَالَ لَهُ: ٱعْتَنِ بِهِ، وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ أَكْثَرَ فَعِنْدَ رُجُوعِي أُوفِيكَ.
- إِنْسَانٌ كَانَ نَازِلًا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَرِيحَا، فَوَقَعَ بَيْنَ لُصُوصٍ: كانت الطريق من أورشليم إلى أريحا مشهورة بالجريمة والسطو. فلم يستغرب المستمعين عندما استخدم يسوع هذه الطريق بالتحديد لسرد قصته.
- كتب بايت (Pate): “كان هذا الطريق محفوفاً بالمخاطر، خاصة اللصوص (يوسيفوس، J.W. 2.451-75).”
- وعلّقَ باركلي (Barclay): “من الواضح أن المسافر كان مجازفاً متهوراً، إذ يندر أن نجد إنساناً منفرداً يستخدم هذه الطريق في سفره من أورشليم إلى أريحا وخاصة إذا كان يحمل من البضائع والمتاع الشيء الثمين. فكل من أراد سفراً آمناً لا بد أن يبحث عن رفقاء له، فكانوا يسافرون في قوافل أو جماعات ليجدوا من التئام شملهم قوة وشجاعة إذا أصابهم أذى، لذلك كان اللوم كله يقع على هذا الرجل لسفره وحيداً فأوقع نفسه بالتالي في كارثة مؤلمة.”
- فَعَرَضَ أَنَّ كَاهِنًا نَزَلَ فِي تِلْكَ ٱلطَّرِيقِ: رأى الكاهن واللاوي (وكلاهما مسؤولين دينيين) شقيقهم اليهودي مُلقى في حالة يرثى لها – ولكنهما لم يفعلا شيئاً. كلاهما جَازَ مُقَابِلَهُ.
- ويُعلّق كلارك (Clarke): “سبب ذِكر الكاهن واللاوي هنا، يرجع جزئياً إلى أنهما كانا أكثر من يستخدم هذه الطريق، وأيضاً لإظهار أن هؤلاء الأشخاص، بسبب طبيعة عملهم، مجبرين على تقديم أعمال الرحمة؛ أما بالنسبة للشخص الذي كان في محنة، فكان يحق له أن يتوقع منهم العزاء والعون على الفور؛ لهذا، كان سلوكهم اللاإنساني هنا، خرقاً صريحاً للناموس.”
- فكر في كل المبررات التي ربما استخدموها:
- “هذا الطريق خطيرة جداً فلا أستطيع التوقف كي أساعد هذا الرجل.”
- “قد يكون فخاً وضعه اللصوص للإيقاع بي.”
- “علي الذهاب إلى الهيكل وأداء خدمتي للرب.”
- “يجب أن أعود إلى المنزل لأرى عائلتي.”
- “على أحدهم أن يساعد هذا الرجل.”
- “إن كنت سأخدم في الهيكل، فلا أستطيع أن ألطخ ملابسي بالدماء.”
- “أنا لا أعرف الإسعافات الأولية.”
- “انها حالة ميؤوس منها.”
- “أنا مجرد شخص واحد فقط، والمهمة كبيرة جداً.”
- “أستطيع أن أصلي من أجله.”
- “انه جلب هذا على نفسه، فلا يجوز أن يسلك هذا الطريق الخطر بمفرده.”
- “هو لم يطلب مني المساعدة.”
- كل هذه مجرد أعذار. كتب سبيرجن (Spurgeon): “لم أعرف أبداً رجلاً رفض مساعدة الفقراء دون إعطاء عذر واحد على الأقل.”
- وَلَكِنَّ سَامِرِيًّا مُسَافِرًا جَاءَ إِلَيْهِ، وَلَمَّا رَآهُ تَحَنَّنَ: عندما سمع المستمعون عن الكاهن واللاوي، ربما توقعوا أن يقول يسوع أن الشخص التالي الذي جاء للمساعدة كان يهودياً عادياً. ولكن يسوع صدمهم بالقول أن الرجل الذي قدم المساعدة كان سامرياً. هذه القصة هي طريقة أخرى أظهر فيها يسوع فساد القادة اليهود في يومه.
- سَامِرِيًّا: كان اليهود والسامريين عموماً، يحتقرون بعضهم البعض عنصرياً ودينياً على حد سواء. قدمت الثقافة لهذا السامري الكثير من الأسباب لكراهية هذا الرجل اليهودي والعبور عنه.
- عَلَمَ بعض القادة اليهود أنه كان محظوراً على اليهودي أن يساعد امرأة أممية أثناء الولادة؛ لأنهم إن فعلوا، فهم يساعدون على إضافة أممي آخر إلى العالم. كثيراً ما كانوا يعتقدون أن السامريين أسوأ من غيرهم من الأممين.
- وَلَمَّا رَآهُ تَحَنَّنَ، فَتَقَدَّمَ وَضَمَدَ جِرَاحَاتِهِ، وَصَبَّ عَلَيْهَا زَيْتًا وَخَمْرًا، وَأَرْكَبَهُ عَلَى دَابَّتِهِ، وَأَتَى بِهِ إِلَى فُنْدُقٍ وَٱعْتَنَى بِهِ: : فبدلاً من أن يجتازه، تحنن عليه. لم ينتظر أن يطلب منه المساعدة؛ رأى الحاجة وتجاوب معها على الفور. كما وأعطى بوفرة من وقته وموارده.
- كان الخَمْر لتطهير جراح الرجل. أما الزيت فيساعد على تخفيف الألم. وَأَرْكَبَهُ عَلَى دَابَّتِهِ تعني أن السامري تمكن من السير على قدميه.
- َخْرَجَ دِينَارَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا لِصَاحِبِ ٱلْفُنْدُقِ: يبدو أن الدِينَارَيْنِ سيكونان كافيين لسد احتياجات الرجل في الفندق لمدة أسبوعين أو ثلاثة على الأقل.
- كان السامري يشبه يسوع بعدة طرق:
- كان السامري غريباً ومحتقر من الكثيرين.
- جاء السامري بعد فشل الآخرين في تسديد الحاجة.
- جاء السامري قبل فوات الأوان.
- جاء السامري بكل ما هو ضروري.
- جاء السامري مباشرة إلى الرجل المنكوب.
- قدم السامري رعاية كاملة.
- وفر السامري الاحتياجات المستقبلية.
ج ) الآيات (٣٦-٣٧): يسوع يُطبق المَثَل
٣٦فَأَيَّ هَؤُلَاءِ ٱلثَّلَاثَةِ تَرَى صَارَ قَرِيبًا لِلَّذِي وَقَعَ بَيْنَ ٱللُّصُوصِ؟». ٣٧فَقَالَ: «ٱلَّذِي صَنَعَ مَعَهُ ٱلرَّحْمَةَ». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ٱذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَٱصْنَعْ هَكَذَا».
- فَأَيَّ هَؤُلَاءِ ٱلثَّلَاثَةِ تَرَى صَارَ قَرِيبًا: وفقاً لتفكير ذلك اليوم، كان الكاهن واللاوي هم “القريب” بالنسبة للرجل الذي تعرض للضرب والسرقة. ولكنهم لم يتصرفوا مثل القريب على الإطلاق.
- ٱلَّذِي صَنَعَ مَعَهُ ٱلرَّحْمَةَ: عرف الفريسي من هو قريبه الحقيقي؛ ومع ذلك لم يتمكن من قول “السامري.” ربما توقعنا أن عدو، ولكنه كان القريب ٱلَّذِي صَنَعَ مَعَهُ ٱلرَّحْمَةَ.
- من الواضح أن الفريسي عرف أنه لم يعد قادر على تبرير نفسه. فلم يملك هذا النوع من الحب، حب تجاوز تعريفه لكلمة “قريب.”
- ٱذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَٱصْنَعْ هَكَذَا: سمح يسوع للمثل أن يجيب عن سؤال الفريسي ويقوده للتطبيق. علي أن أحب قريبي، وقريبي هو الذي قد يعتبره الآخرون عدوي. قريبي هو أي شخص أراه لديه احتياج.
- كتب سبيرجن (Spurgeon): “عندما نرى أشخاصاً أبرياء يعانون نتيجة لخطيئة الآخرين، ينبغي أن تزداد شفقتنا عليهم.” ثم أعطى أمثلة على الحالات التي ينبغي أن تثير الشفقة في المؤمن:
- أطفال مرضى وجوعى بسبب أب مخمور.
- زوجة منهكة من العمل بسبب زوج كسول وقاسي.
- عمال يقبلون بأجور بسيطة وظروف عمل سيئة فقط للبقاء على قيد الحياة.
- أولئك الذين يعانون من الحوادث والمرض.
- هذا لا يعني أن علينا تسديد احتياج كل حالة تظهر أمامنا. فلا نرى أن السامري أسس مستشفى للمسافرين المُصابين. ولكن المقصود هنا أن نهتم بمن هم حولنا إجتماعياً وروحياً. كتب ماكلارن (Maclaren): “سيتغير العالم إذا اهتم كل مؤمن بالأحزان التي يراها في منطقته.”
- كثير من الناس – بل المُعظم – لا يملكون هذه المحبة لله أو للآخرين. فكيف إذاً سيحصلون على الحياة الأبدية؟ أولاً، من خلال رفض الحصول على الحياة الأبدية عن طريق الأعمال، بل الإيمان بيسوع؛ والثقة بأن يسوع دفع ثمن العقوبة التي تستحقها في كل مرة تعجز فيها عن محبة الله أو محبة الآخرين بالطريقة المناسبة. ثم بعد نوال الحياة الأبدية، وبعد أن يضع الله روحه بداخلك، سيعطيك الموارد كي تحبه أكثر وتحب الآخرين بطريقة أفضل. لا يمكنك أن تفعل ذلك بعيداً عن وجوده في حياتك.
- كتب سبيرجن (Spurgeon): “دعونا ألا ننسى أبداً أن ما يطلبه الناموس منا، يُظهره الإنجيل في حياتنا.”
- كتب سبيرجن (Spurgeon): “عندما نرى أشخاصاً أبرياء يعانون نتيجة لخطيئة الآخرين، ينبغي أن تزداد شفقتنا عليهم.” ثم أعطى أمثلة على الحالات التي ينبغي أن تثير الشفقة في المؤمن:
رابعاً. مريم ومرثا
أ ) الآيات (٣٨-٤٠): مرثا تناشد يسوع
- فَقَبِلَتْهُ ٱمْرَأَةٌ ٱسْمُهَا مَرْثَا فِي بَيْتِهَا: كان كلاً من مرثا ومريم وشقيقهما لعازر أصدقاء يسوع المقربين، وكانوا يعيشون في بيت عنيا. ومن السهل أن نتصور أن مرثا أرادت أن يكون كل شيء مثالي عند زيارة يسوع.
- علّقَ كلارك (Clarke): “إن كانت هذه القرية هي بيت عنيا، حيث تعيش مرثا ومريم، فهي تبعد حوالي ٣ كيلومتر عن مدينة أورشليم.”
- مَرْيَمَ، ٱلَّتِي جَلَسَتْ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ وَكَانَتْ تَسْمَعُ كَلَامَهُ: : لم تحصل مرثا على المساعدة التي أرادتها من مريم شقيقتها. ولكن هذا لا يعني أن مريم كانت كسولة – فحتماً شاركت في التحضيرات مع مرثا، ولكنها جَلَسَتْ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ بعد الانتهاء من التحضيرات.
- ويُعلّق كلارك (Clarke): ” كان الطالب اليهودي يجلس عند قدمي مُعلمه يستمع لتعاليمه. ومن هذا المنطلق يقول بولس أنه قد ترعرع عِنْدَ رِجْلَيْ غَمَالَائِيلَ (أعمال الرسل ٣:٢٢).”
- وَأَمَّا مَرْثَا فَكَانَتْ مُرْتَبِكَةً فِي خِدْمَةٍ كَثِيرَةٍ: لم تخطئ مرثا لأنها عملت بجد من أجل يسوع – بل كان هذا جيداً. بل كانت مشكلتها أنها أصبحت مُرْتَبِكَةً فِي خِدْمَةٍ كَثِيرَةٍ. كانت مرتبكة بعيداً عن يسوع.
- الكثير من الناس يصبحون عصبيين وحادي الطبع أثناء خدمتهم للرب مثلما كانت مرثا. فمن السهل أن ننظر إلى كل ما نفعله ونقارنه بالآخرين وننتقدهم لأنهم لا يفعلون الكثير. لم تكن مشكلة مرثا الحقيقية مريم؛ بل مرثا نفسها. لقد أصبحت مرتبكة وأشاحت بنظرها عن يسوع.
- الإحباط الذي شعرت به مرثا كان مثالياً لأولئك الذين يخدمون بجد وبحسن نية، ولكنهم ينسون الجلوس عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ. سبيرجن (Spurgeon): “أهم ما في الأمر بالنسبة لمن يشبهون مرثا إنجار المهمة، أما بالنسبة لمن يشبهون مريم، أهم ما في الأمر التساؤل إن كان يسوع مسروراً أم لا. كل ما يُعمل يجب أن يُعمل باسمه وبروحه، وإلا ما المنفعة من الخدمة.”
ب) الآيات (٤١-٤٢): يسوع يجيب على سؤال مرثا
٤١فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَها: «مَرْثَا، مَرْثَا، أَنْتِ تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لِأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، ٤٢وَلَكِنَّ ٱلْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَٱخْتَارَتْ مَرْيَمُ ٱلنَّصِيبَ ٱلصَّالِحَ ٱلَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا».
- مَرْثَا، مَرْثَا: يمكننا أن نشعر بمحبة يسوع من هذه الكلمات. مرثا فعلت الصواب – وأرادت أن تخدم يسوع؛ ولكنها نسيت أن ٱلْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. الكتاب المقدس يتحدث عن هذا الأمر دوماً.
- وَاحِدَةً سَأَلْتُ مِنَ ٱلرَّبِّ وَإِيَّاهَا أَلْتَمِسُ: أَنْ أَسْكُنَ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى جَمَالِ ٱلرَّبِّ، وَأَتَفَرَّسَ فِي هَيْكَلِهِ. (مزمور ٤:٢٧)
- فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ ذَلِكَ قَالَ لَهُ: «يُعْوِزُكَ أَيْضًا شَيْءٌ … َتَعَالَ ٱتْبَعْنِي». (لوقا ٢٢:١٨)
- أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلَكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ، أَسْعَى نَحْوَ ٱلْغَرَضِ لِأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ ٱللهِ ٱلْعُلْيَا فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. (فيلبي ١٣:٣-١٤)
- ويُعلّق سبيرجن (Spurgeon): “الأمر الوحيد الذي نحتاجه هو ما اختارته مريم – النصيب الصالح الذي لا يجب أن ينزع منها. فأهم شيء في حياتنا هو الجلوس عند قدمي يسوع والاستماع إلى كلمته.”
- الجلوس عند قدمي يسوع يدل على الاستعداد لقبول وطاعة تعاليم يسوع.
- الجلوس عند قدمي يسوع يدل على الخضوع ليسوع، وأن عصياننا ضده انتهى تماماً.
- الجلوس عند قدمي يسوع يدل على الإيمان في حقيقة يسوع.
- الجلوس عند قدمي يسوع يدل على التلمذة.
- الجلوس عند قدمي يسوع يدل على الحب.
- “إذا كنا نريد أن نكون أقوياء في خدمتنا بعيداً عن تلاهي الحياة والاضطرابات، علينا أن نجد الوقت وسط كل متطلبات الحياة للجلوس عند قدميه كالتلاميذ.” مورغان (Morgan)
- “الطريق للنهضة هو الجلوس عند قدمي السيد؛ إذهب هناك مع مريم وبعد ذلك إذهب للعمل مع مرثا.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَٱخْتَارَتْ مَرْيَمُ ٱلنَّصِيبَ ٱلصَّالِحَ ٱلَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا: كان النصيب الصالح الذي اختارته مريم هو تقديم العبادة ليسوع، ومحبته من خلال الاستماع إلى كلمته، وهذا ما ركزت عليه مريم.
- “الجلوس عند قدمي يسوع ليس بالأمر البسيط أو بلا معنى. إنه يعني السلام، فالذي يخضع ليسوع يجد السلام من خلال دمه الثمين. إنه يعني القداسة، فالذي يتعلم عن يسوع يتعلم البر وكل ما صيته حسن. إنه يعني القوة، فالذي يجلس عند قدمي يسوع ويتغذى منه، يمتلئ بقوته؛ لِأَنَّ فَرَحَ ٱلرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُمْ. إنه يعني الحكمة، لأن الذي يتعلم من ابن الله يفهم أكثر من الآباء لأنه يحفظ الناموس. إنه يعني الغيرة المقدسة، لأن محبة المسيح تشعل القلب، والذي يسلك مع يسوع يصبح كيسوع، «غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي».” سبيرجن (Spurgeon)
- يقولون أننا بحاجة إلى نهضة؛ إذاً، علينا أن نجلس عند قدمي يسوع ونسمع كلمته.
- يقولون إننا بحاجة إلى الوحدة؛ إذاً، علينا أن نجلس عند قدمي يسوع ونسمع كلمته.
- يقولون أننا بحاجة إلى كسب المناقشات والجدل؛ إذاً، علينا أن نجلس عند قدمي يسوع ونسمع كلمته.
- يقولون العالم يحتاج إلى الكرازة؛ إذاً، علينا أن نجلس عند قدمي يسوع ونسمع كلمته.
- يمكننا القول أن هذه الرواية تظهر لنا ثلاثة أنواع من الذين يقولون أنهم يتبعون يسوع المسيح.
- هناك أشخاص مثل مريم: يعرفون كيف يخدموا ولكن يعرفون أهمية الجلوس عند قدمي يسوع.
- هناك أشخاص مثل مرثا: يخدمون بجد وبنية صالحة، ولكنهم يتركون الشيء الوحيد المهم – التركيز على يسوع – والنتيجة إحباط كبير.
- هناك أشخاص لا يقومون بأي من الأمرين. إنهم ليسوا حتى في المنزل مع يسوع، لأنهم مشغولون في السعي وراء مصالحهم الخاصة.
- “الجلوس عند قدمي يسوع ليس بالأمر البسيط أو بلا معنى. إنه يعني السلام، فالذي يخضع ليسوع يجد السلام من خلال دمه الثمين. إنه يعني القداسة، فالذي يتعلم عن يسوع يتعلم البر وكل ما صيته حسن. إنه يعني القوة، فالذي يجلس عند قدمي يسوع ويتغذى منه، يمتلئ بقوته؛ لِأَنَّ فَرَحَ ٱلرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُمْ. إنه يعني الحكمة، لأن الذي يتعلم من ابن الله يفهم أكثر من الآباء لأنه يحفظ الناموس. إنه يعني الغيرة المقدسة، لأن محبة المسيح تشعل القلب، والذي يسلك مع يسوع يصبح كيسوع، «غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي».” سبيرجن (Spurgeon)