إنجيل لوقا – الإصحاح ١٢
الاتجاه القلبي لأتباع يسوع
أولاً. اتجاه قلب من يتعرضون للِاضطهاد
أ ) الآيات (١-٣): تحذير من ٱلرِّيَاء
١وَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ، إِذِ ٱجْتَمَعَ رَبَوَاتُ ٱلشَّعْبِ، حَتَّى كَانَ بَعْضُهُمْ يَدُوسُ بَعْضًا، ٱبْتَدَأَ يَقُولُ لِتَلَامِيذِهِ: «أَوَّلًا تَحَرَّزُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَمِيرِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ ٱلَّذِي هُوَ ٱلرِّيَاءُ، ٢فَلَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ، وَلَا خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَفَ. ٣لِذَلِكَ كُلُّ مَا قُلْتُمُوهُ فِي ٱلظُّلْمَةِ يُسْمَعُ فِي ٱلنُّورِ، وَمَا كَلَّمْتُمْ بِهِ ٱلْأُذْنَ فِي ٱلْمَخَادِعِ يُنَادَى بِهِ عَلَى ٱلسُّطُوحِ.
- إِذِ ٱجْتَمَعَ رَبَوَاتُ ٱلشَّعْبِ: استمر يسوع في السير نحو أورشليم، واستمرت الجموع تحتشد لسماعه. كان عدد الناس كبيراً جداً لدرجة أن بعضهم تأذى (حَتَّى كَانَ بَعْضُهُمْ يَدُوسُ بَعْضًا).
- تَحَرَّزُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَمِيرِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ ٱلَّذِي هُوَ ٱلرِّيَاءُ: وجه يسوع كلامه في المقام الأول لتلاميذه (ٱبْتَدَأَ يَقُولُ لِتَلَامِيذِهِ)، محذراً إياهم من خطر ٱلرِّيَاءُ، مشبهاً إياه بالخَمِيرِة.
- وجه الشبه بين ٱلرِّيَاءُ والخَمِيرةِ هو أنك إن استخدمت جزء صغير منه فإنه سيؤثر على كتلة كبيرة. فكمية قليلة من الرياء (النفاق) يمكن أن تكون مثل الزرنيخ (مادة سامة للغاية). في ضوء شعبيتهم الكبيرة، كان من الضروري أن يتذكر التلاميذ هذا الكلام. فإغراء الرياء غالباً ما يؤثر أكثر على من يتمتع بقدر من النجاح.
- كتب تراب (Trapp): “هكذا يشبه الرياء الخميرة: ١) الانتشار، ٢) الانتفاخ، ٣) إفساد الوجبة.”
- يعتقد البعض أن أفضل طريقة لتجنب الرياء هي عدم وجود أي طموح في الحياة. ولكن هذا أمر خطير سواء على النفس أو على المجتمع. فعلينا أن نطمح لأعلى المستويات، ولكن علينا أن نبقى صادقين بالتعامل مع الصعوبات التي تواجهنا كي نصل لتلك المستويات.
- فَلَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ، وَلَا خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَفَ: يعتمد فن الرياء على التغطية (الإخفاء)، ولكن سيأتي اليوم الذي سيُسْتَعْلَنَ فيه كل شيء. يمكننا أن نكون منافقين أمام الناس، ولكننا لن ننجح أمام الله. فهو يرى ما وراء القِناع.
- في عام ١٩٨٥، كتب إنجيلي وباحث معروف كتاباً يدين فيه الخطية في أمريكا، وخاصة الخطايا الجنسية والمواد الإباحية. وبعد فترة قصيرة، اعترف بدموع بتورطه بهذه الخطايا ولعدة سنوات، ووعد بالتوبة – ولكن بعد بضع سنوات، تم القبض عليه مرة أخرى لارتكابه جرائم مماثلة. ربما فاجأ نفاقه الكثيرين، ولكنه لم يفاجئ الله. فقد عرف الله بالأمر طيلة الوقت.
ب) الآيات (٤-٥): لا تخافوا الاضطهاد
٤وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ يَا أَحِبَّائِي: لَا تَخَافُوا مِنَ ٱلَّذِينَ يَقْتُلُونَ ٱلْجَسَدَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَفْعَلُونَ أَكْثَرَ. ٥بَلْ أُرِيكُمْ مِمَّنْ تَخَافُونَ: خَافُوا مِنَ ٱلَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ، لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: مِنْ هَذَا خَافُوا!
- وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ يَا أَحِبَّائِي: من الصعب أن نعرف هل وجه يسوع كلامه هذا لتلاميذه (كما هو الحال في لوقا ١:١٢-٣) أم للجُمُوع. ولكن بالنظر إلى سياق النص، فمن المرجح أنه وجه كلامه للتلاميذ، ولكن بحضور الجموع.
- ربما كانت حلقة الوصل بين كلامه السابق والحالي أن المُرائين سيكرهون المؤمنين بكل تأكيد، لذا على أتباع يسوع أن يكونوا مستعدين لمواجهة الاضطهاد.
- لَا تَخَافُوا مِنَ ٱلَّذِينَ يَقْتُلُونَ ٱلْجَسَدَ: عندما تحدث يسوع مع تلاميذه عن الاستشهاد والاضطهاد، كان يعلم أن كل منهم – باستثناء يوحنا – سيموت شهيداً. كما وعَلِمَّ أن ألمه قريب.
- بالنظر إلى المقاومة التي شهدها يسوع مؤخراً (لوقا ٥٣:١١-٥٤) من المنطقي أن يشعر التلاميذ بالضغط والقلق المتزايدين حتى يأتي وقت الصلب. كانوا يحتاجون إلى السلام الذي كان يسوع يتمتع به، وأن يضعوا الخوف في منظوره الصحيح.
- وَبَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَفْعَلُونَ أَكْثَرَ: كل ما يمكن أن يفعله المُضايقين هو قتل الجسد، ولكن الله هو من يملك السلطة الكاملة على حياة وموت المؤمن. لذلك، لا ينبغي أن نخشى مضايقينا، ولكن علينا أن نثق ونطيع الله أكثر من الناس.
- كتب كلارك (Clarke): “لدى الإنسان حياة واحدة ليخسرها، وروح واحدة لينقذها؛ ومن الجنون التضحية بخلاص الروح للحفاظ على حياة الجسد.”
- خَافُوا مِنَ ٱلَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ، لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ: أُخذت كلمة جَهَنَّمَ من وَادِي هِنُّومَ (ويدعى حالياً وادي الربابة)، الذي يقع على الجانبين الجنوبي والغربي لمدينة القدس. حيث كانت تقدم فيه ذبائح بشرية من الأطفال لِمُولَكَ (أخبار الأيام الثاني ٣:٢٨، إرميا ٣٠:٧-٣١، ١:١٩-٦، ٣٥:٣٢). وعندما حكم الملك يوشيا، توقفوا عن تقديم الذبائح في وَادِي هِنُّومَ (ملوك الثاني ١٠:٢٣) وأصبح الوادي مكب للنفايات وتخرج منه رائحة النيران المشتعلة باستمرار. في زمن يسوع، ربط الناس هذا المكان بالجحيم – واطلقت عليه بعض النصوص اسم بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ (رؤيا يوحنا ٢٠:١٩، ١:٢٠-٣).
- نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: مِنْ هَذَا خَافُوا: هناك الملايين من الأشخاص يواجهون الاضطهاد ويقفون بقوة بسبب إيمانهم بيسوع – هؤلاء كرموا الله أكثر من الناس. فيما يلي قصة رجل إنجليزي يدعى رولاند تايلور (Rowland Taylor).
- في كتاب طُبع لأول مرة عام ١٨٩٠، وصف جون رايلي (John Ryle) موت رولاند تايلور (Rowland Taylor) الذي أُعدم في انكلترا لأنه قال يجوز للكهنة أن يتزوجوا، وأن الخبز والنبيذ في فريضة كسر الخبز لا يتحولون حرفياً إلى جسد ودم يسوع.
- في اليوم الأخير من يناير ١٥٥٥، وقف تايلور مع اثنين آخرين أمام مطران وينشستر، واتهموا بالهرطقة وبتقسيم الكنيسة. وعندما رفضوا تغيير أقوالهم، حُكم عليهم بالإعدام. وحينما أصدر المطران الحكم عليهم، قالوا: “نعلم أن الله، القاضي الصالح، سيطلب دمنا من يديك، والمتكبر منكم سيندم على كل الظلم والإستبداد الذي أظهرتموه لأتباع المسيح.”
- في الرابع من فبراير، طُرد تايلور من الكهنوت، وفي تلك الليلة، سُمِحَ لزوجته وابنه بتناول وجبة العشاء معه. وغادروا بعد العشاء بالكثير من الدموع. في اليوم التالي، أُخذ إلى هادلي (Hadleigh) المدينة الذي خدم فيها كراعي، حيث سيحرق حتى الموت أمام الجميع.
- عندما غادر سجن لندن صباح الخامس من فبراير كان الظلام ما زال دامساً. ولأن زوجته توقعت أنهم سيأخذونه ذلك الصباح، انتظرته مع ابنتيها خارج السجن. ولما نادته، سمُح لها أن تجلس مع زوجها في آخر لقاء لهم كأسرة. أخذ رولاند تايلور ابنته الصغرى ماري بين ذراعيه، بينما ركعت إليزابيث بجانبه وصلت الصلاة الربانية. صلوا معاً ثم قبلوا وعانقوا بعضهم البعض. ثم قال تايلور لزوجته: “وداعاً يا زوجتي العزيزة … تشجعي … أنا مطمئن، لأن الرب سوف يقيم أب لبناتي.” قبلة ابنته ماري فقال: “الرب يباركك ويجعلك خادمته.” وقال وهو يُقّبل إليزابيث: “الرب يباركك. أصلي أن تثبتوا جميعاً بقوة المسيح وكلمته.” وبينما كان يغادرهم، نادته زوجته وقالت: “الله معكم عزيزي رولاند، بنعمة الله، سأراك في هادلي.”
- استغرقت الرحلة من لندن إلى هادلي عدة أيام، كان رولاند تايلور فرحاً ومرحاً طيلة الرحلة، وكأنه ذاهب إلى مأدبة أو حفلة. وفي ٩ فبراير ١٥٥٥، وصلوا إلى المدينة. وهم على بُعد ميلين منها، قفز تايلور عن حصانه وبدأ يمشي سيراً على الأقدام – لكنه كان يمشي بسرعة، وكأنه يرقص. سأله نقيب الشرطة عن حاله، فأجاب: “المجد لله… أنا بخير وفي أفضل حال. لأني أعرف أني اقتربت من البيت … بيت أبي … أشكرك يا رب لأني سأرى شعب كنيستي مرة أخيرة قبل أن أموت، هذا الشعب الذي أحببته كثيراً وعلمته كل ما أعرف بأمانة. يا الهي الصالح، باركهم واحفظهم راسخين في كلمتك وفي حقك.”
- عندما وصلوا هادلي، وضعوا غطاء على رأسه، وساروا فوق جسرٍ. عند أسفل الجسر كان يقف رجل فقير ومعه خمسة أطفال، وعندما رآهم بدأ يصرخ: “يا دكتور تايلور، يا أبي العزيز وراعيَّ الصالح، أصلي كي يعينك الرب كما فعلت معي ومع أولادي العديد من المرات.” كانت شوارع المدينة مكتظة بالناس الذين جاؤوا لرؤيته، وصاروا يبكون وينوحون عندما إتجه نحو مكان الإعدام. وكانوا يصرخون: “آه، يا الهنا الصالح، ها هو راعينا الصالح، الذي علمنا بأمانة، واهتم بنا كالأب، وقادنا بكل تقوى. يا رب يا رحيم، ماذا نفعل الآن؟ ماذا حل بهذا العالم الشرير؟ يا رب أعطيه القوة والعزاء.” حينها أجاب تايلور: “لقد علمتكم كلمة الله والحق، وقد أتيت اليوم لأختم ما علمتكم إياه بالدم.”
- سمع تايلور حينما وصلوا إلى ساحة البلدة صوت جمع كبير وسأل عن مكانهم. وعندما أخبروه أنهم كانوا في المكان الذي سيعدم فيه، وأزالوا عن رأسه الغطاء، قال: “أشكرك يا رب، قد وصلت إلى البيت.” حينما رأى الناس وجهه، تدفقت العواطف. صاروا يبكون ويصرخون قائلين: “الرب ينجيك، يا دكتور تايلور الصالح. نصلي كي يعطيك يسوع المسيح القوة، وأن يمنحك الروح القدس العزاء.” وكانوا يرفعون صلوات أخرى مختلفة. أراد تايلور التحدث إلى الشعب مرة أخيرة، ولكن بمجرد أن فتح فمه، وضع الحارس رمح على فمه المفتوح، وأمره بالسكوت.
- بدأ يُعطي ملابسه للناس – أولاً حذائه ثم معطفه وسترته، حتى لم يتبقى له سوى سرواله وقميصه. ثم صرخ بصوتٍ عالٍ: “أيها الناس الطيبون، لم أعلمك سوى كلمة الله المقدسة. وأتيت اليوم لختمها بدمي.” ولكن قام أحد الحراس بضربه على رأسه وقال: “أما طلبت منك أن تبقى صامتاً أيها الكافر؟” فعندما رأى أنه لا يستطيع الكلام، ركع ليصلي. فجاءت امرأة فقيرة وركعت بجانبه وبدأت تصلي أيضاً. حاول الحراس دفعها بعيداً ولكنها لم تستجيب.
- وحينما انتهى من الصلاة، وقف عند العمود الذي سيربط عليه وقَبَلَهُ. وقف ويديه مطوية في وضعية الصلاة وعيناه شاخصة نحو السماء. ربطوه في العمود. وبعد دقائق مؤلمة، أشعلوا النيران، ورفع رولاند تايلور صلاته الأخيرة صارخاً: “يا إله السماء الرحيم، من أجل خاطر يسوع المسيح مخلصي، في يديك أستودع روحي.” ثم وقف بلا حراك والنيران تندلع من حوله، دون أي بكاء أو حركة، إلى أن ضربه أحد الحراس على الرأس، عندها سقطت جثته في النار. وضعوا لافتة هناك تقول: “السنة ١٥٥٥: الدكتور تايلور الذي دافع عن الحق، وترك دمه في هذا المكان.”
ج ) الآيات (٦-٧): قيمتك الحقيقية في الله
٦أَلَيْسَتْ خَمْسَةُ عَصَافِيرَ تُبَاعُ بِفَلْسَيْنِ، وَوَاحِدٌ مِنْهَا لَيْسَ مَنْسِيًّا أَمَامَ ٱللهِ؟ ٧بَلْ شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ أَيْضًا جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ. فَلَا تَخَافُوا! أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ!
- وَوَاحِدٌ مِنْهَا لَيْسَ مَنْسِيًّا أَمَامَ ٱللهِ: إذا كان الله يتذكر العَصَافِيرَ، فلن ينساك – فلا تفقد الأمل. هناك أمور أخرى أسوأ من الشعور بأنك مَنْسِيًّا. أكد يسوع لكل مؤمن أن حياتهم ثمينة في نظر الله.
- قبل أن يغادر لندن ليتم إعدامه، كتب رولاند تايلور أفكاره الأخيرة في كتاب وقدمه إلى ابنه: “أقول لزوجتي وأولادي، أنتم هدية من الرب. والرب أخذني منكم، كما وأخذكم مني. مبارك اسم الرب! أؤمن أن الموتى في الرب مباركين. فالله يهتم بالعصافير، وبشعور رؤوسنا. لقد اختبرت أمانة ورعاية الرب لي أكثر مما يقدمه أي أب أو زوج. لهذا، ثق به على حساب مخلصنا العزيز، وآمن به واعشقه وخافه وأطعه. صلي له، لأنه وعد بتقديم العون. لا تعتبرني ميتاً، لأني سأعيش ولن أموت أبداً. أنا سبقتك إلى موطننا الأزلي، وحتماً ستتبعني لاحقاً.”
- بَلْ شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ أَيْضًا جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ: يقال أن لدى أحمر الشعر حوالي ٩٠٠٠٠ شعرة. والشعر الداكن حوالي ١٢٠٠٠٠ شعرة، والأشقر حوالي ١٤٥٠٠٠. شعور رؤوسنا جميعها محصاة ويعرفها الله جيداً. فإن كان يعرف هذا عنا، فحتماً يعرف كل ما هو مهم في حياتنا.
- أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ: الذين يتعرضون للاضطهاد يستسلمون للشعور بعدم القيمة وأنه ليس هناك من يهتم بهم. ولكن إله المحبة في السماء يهتم بتفصيل حياة كل ولد من أولاده.
- تخبرنا الآية في متى ٢٩:١٠ أَلَيْسَ عُصْفُورَانِ يُبَاعَانِ بِفَلْسٍ؟ وهذا يعني أنك تستطيع شراء عصفوران بفلسٍ واحد فقط. مما يعني أن ثمن خمسة عصافير سيكون فلسين. فقد كان هناك خصم إن قررت شراء المزيد، فإن اشتريت 5 عصافير ستدفع 4 فلوس فقط.
د ) الآيات (٨-١٠): أهمية الاعتراف
٨وَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنِ ٱعْتَرَفَ بِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، يَعْتَرِفُ بِهِ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ قُدَّامَ مَلَائِكَةِ ٱللهِ. ٩وَمَنْ أَنْكَرَنِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، يُنْكَرُ قُدَّامَ مَلَائِكَةِ ٱللهِ. ١٠وَكُلُّ مَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ يُغْفَرُ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ جَدَّفَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ فَلَا يُغْفَرُ لَهُ.
- كُلُّ مَنِ ٱعْتَرَفَ بِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، يَعْتَرِفُ بِهِ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ قُدَّامَ مَلَائِكَةِ ٱللهِ: عزى يسوع المؤمنين عندما وضح أن المؤمن الذي يُعاني سيُكافأ ويُكرم قدام عرش الله (مَلَائِكَةِ ٱللهِ تقف حول العرش).
- في زمن المؤمنين الأوائل، كان من يعترف بيسوع قدام الناس شرفٌ عظيم. هؤلاء هم من عانوا من أجل يسوع، ولكن نجوا من الموت.
- وَمَنْ أَنْكَرَنِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، يُنْكَرُ قُدَّامَ مَلَائِكَةِ ٱللهِ: عزى يسوع المؤمنين عندما وضح أن المؤمن الذي يُعاني سيُكافأ ويُكرم قدام عرش الله (مَلَائِكَةِ ٱللهِ تقف حول العرش).
- لم يقل يسوع، ينكرني في قلبه أو في ذهنه بل من ينكرني قُدَّامَ ٱلنَّاس. فالإعلان العلني عن الولاء ليسوع هام للغاية. ويعتبر هذا الأمر من أصعب الأمور بالنسبة للكثيرين – والسبب هو الخوف من الناس، وهو ما حذر يسوع منه في كلامه السابق (لوقا ٤:١٢-٧).
- يمكن لهذا الاختبار (الاعتراف بيسوع قدام الناس أو إنكاره) أن يأتي بعدة أشكال، ولكننا سنواجهه حتماً. ومن المفيد أن نعقد العزم في قلوبنا وعقولنا قبل أن يأتي الاختبار.
- من الواضح أن يسوع يدعو مستمعيه أن يختاروا. وكما قرأنا في لوقا ٢٣:١١ كان الاختيار بين أن تكون مع يسوع أو ضده. أما هنا فالاختيار بين الاعتراف بيسوع قدام الناس أو إنكاره.
- وَكُلُّ مَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ: ربما يشير هذا إلى لحظة ضعف (خاصة أثناء الشهادات العامة)، وهذه الزلة يمكن أن تُغفر. ولكن مَنْ جَدَّفَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ يرفض الحق الإلهي عن قصد، وهذا يُغْفَرُ لَهُ.
- قال يسوع هذا الكلام عندما أصبح ذو شعبية كبيرة (لوقا ١:١٢). فقد عرف يسوع أن الشعبية ليست مهمة بقدر الاعتراف والوثوق به. فدعا مستمعيه أن يختاروا، ولكنه حذرهم من الاختيار الخطأ.
- إن خدمة الروح القدس الرئيسية هي أن يَشْهَد عن يسوع (يَشْهَدُ لِي، يوحنا ٢٦:١٥). فالذي يرفض شهادة الروح القدس عن يسوع، فهو بذلك يجدف على الروح القدس ويدعوه بالكاذب. أولئك الذين يرفضون يسوع هم مذنبون بخطية التجديف.
- فَلَا يُغْفَرُ لَهُ: تجبرنا النتائج الأبدية لهذه الخطية على النظر إليها بجدية. فكيف يمكن لأحد أن يعرف إذا جدف على الروح القدس؟ الإجابة بسيطة: فالذي يريد أن يعرف المزيد عن يسوع ليس مذنباً بهذه الخطية. والذي يرفض يسوع باستمرار، يقسي قلبه ويدخل في طريق لا عودة له.
- ينطق بعض الناس – وعلى سبيل المزاح أو التحدي – بكلمات عن غير قصد للتجَدَّيفَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. إذ يعتقدون أنها لا تشكل أي خطورة وتافهة. ولكن التجَدَّيفَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ عن قصد هو أكثر من مجرد كلمات؛ هي اختيار المرء أن يعيش برفض كامل لشهادة الروح القدس عن يسوع. ولكن حتى هؤلاء يستطيعون التوبة والتوقف عن رفضهم المتعمد ليسوع.
- إن التجديف على الروح القدس لَا يُغْفَرُ أبداً – ليس لأنه خطية كبيرة جداً ويُصعب على الله مغفرتها، ولكن لأنها تكشف عن الموقف القلبي لشخص لا يكترث بغفران الله. فمن يجدف لا يريد الغفران وفقاً لشروط الله، بل وفقاً لشروطه الخاصة.
- الطريقة لعدم التجديف على الروح القدس هي الإيمان بيسوع المسيح والوثوق به، والتوقف عن رفض عمل الروح القدس في احضارنا ليسوع.
هـ) الآيات (١١-١٢): فَلَا تَهْتَمُّوا بِمَا تَقُولُونَ، لِأَنَّ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ سيعينكم
١١وَمَتَى قَدَّمُوكُمْ إِلَى ٱلْمَجَامِعِ وَٱلرُّؤَسَاءِ وَٱلسَّلَاطِينِ فَلَا تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَحْتَجُّونَ (تُدافِعونَ) أَوْ بِمَا تَقُولُونَ، ١٢لِأَنَّ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ يُعَلِّمُكُمْ فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ مَا يَجِبُ أَنْ تَقُولُوهُ».
- وَمَتَى قَدَّمُوكُمْ إِلَى ٱلْمَجَامِعِ وَٱلرُّؤَسَاءِ وَٱلسَّلَاطِينِ: حذرهم يسوع أيضاً من اضطهاد الناس لهم في الميادين العامة (ٱلرُّؤَسَاءِ) وفي الميادين الدينية (ٱلْمَجَامِعِ). عليهم أن يتوقعوا المقاومة من قاعة البلدية ومن القاعات الدينية.
- قال يسوع هذه الكلمات للرجال الذين كانوا سيواجهون هذا التحدي بالذات. ومنذ ذلك الوقت، واجه الآلاف من المؤمنين هذا التحدي ونعمة الله أيدتهم.
- فَلَا تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَحْتَجُّونَ أَوْ بِمَا تَقُولُونَ: كان بإمكان تلاميذ يسوع أن يضعوا ثقتهم الكاملة في الله في مثل هذه الأوقات الصعبة، عالمين أن الروح القدس سيتكلم من خلالهم حتى وإن كانوا غير مستعدين.
- وكتب تراب (Trapp): “أسكتت الشهيدة أليس درايفر (Alice Driver) أثناء استجوابها كل الأطباء، بحيث لم يكن لديهم ما يقولونه ما عدا الذهول. ثم قالت: “أليس لديكم ما تقولونه؟ المجد لله … فأنتم لا تستطيعون مقاومة روح الله الذي بداخلي أنا المرأة المسكينة.” في نهاية المطاف، أدانها المستشار، وعادت إلى السجن فرحة جداً.” أحرقت أليس قبل أسبوعين من نهاية عهد ماري الأولى ملكة إنجلترا.
- بِمَا تَحْتَجُّونَ (تُدافِعونَ) في لوقا ١١:١٢ هي الكلمة اليونانية القديمةapologeomai والتي تعني الدفاع أو إعطاء إجابة مناسبة. ومن هنا حصلنا على المصطلح الحديث “علم الدفاعيات.”
- لِأَنَّ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ يُعَلِّمُكُمْ فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ مَا يَجِبُ أَنْ تَقُولُوهُ: هذا أعطاهم الثقة بأن ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ سيتكلم معهم ومن خلالهم في اللحظة المناسبة، حتى وإن لم يكونوا مستعدين.
- هذا ليس مبرراً لنا لعدم دراسة الكلمة أو الإستعداد للوعظ منها، فالرب أعطى وعد بمنح القوة والإرشاد للمضطهدين الذين لديهم فرصة للشهادة عن يسوع.
ثانياً. اتجاه القلب فيما يتعلق بالممتلكات المادية
أ ) الآيات (١٣-١٥): المبدأ العام فيما يختص بالأمور المادية
١٣وَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْجَمْعِ: «يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لِأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي ٱلْمِيرَاثَ». ١٤فَقَالَ لَهُ: «يَا إِنْسَانُ، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا أَوْ مُقَسِّمًا؟». ١٥وَقَالَ لَهُمُ: «ٱنْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ ٱلطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لِأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ».
- يا مُعَلّمُ، قُلْ لأخي أنْ يُقاسِمَني الميراثَ: قد علّم يسوع لتوه عن قيمتنا الكبيرة في الله وعن أهمية الدفاع عنه. وفي خضم هذا التعليم، جاء رجل وقاطع يسوع ليطلب منه أن يأخذ صفه في نزاع مادي.
- كتب باركلي (Barclay): “وفقاً لقانون تلك الفترة، كان الأخ الأكبر يأخذ ثلثي الميراث والأخ الأصغر الثلث.” لم يطلب هذا الرجل أن يستمع يسوع إلى الطرفين ويقدم حكماً عادلاً؛ بل طلب من يسوع أن يقف معه ضد أخيه (قُلْ لأخي أنْ يُقاسِمَني الميراثَ).
- من الواضح أن كلمات يسوع السابقة عن الالتزام الكامل ورعاية الله لنا لم تخترق قلب هذا الرجل. شعر بالحاجة للقتال للحصول على ما كان له.
- علّقَ مورغان (Morgan): “إن تعلم كل منهم المعنى الحقيقي للحياة، وسعى ليكون “غنياً في علاقته مع الله” فإن مسألة الممتلكات ستُحسم بتلقائية. سيحرص الأول على المشاركة، ولن يهتم الآخر بالأخذ.”
- يَا إِنْسَانُ، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا أَوْ مُقَسِّمًا؟: لا يعني هذا أن يسوع كان غير مهتم بالعدالة؛ ولكنه أدرك تماماً أن طمع هذا الرجل سيضره أكثر من عدم أخذه لنصيبه من الميراث.
- قد نقاتل ونكافح من أجل حقنا؛ وفي النهاية، وعندما نحصل عليه، ربما سيصبح حالنا أسوأ مما لو كنا حقنا وسمحنا لله أن يهتم به.
- لم يشعر يسوع أنها مسؤوليته للحكم على كل مسألة أو أن يحل كل مشكلة. فقد رفض أن يتدخل في بعض الخلافات.
- تظهر هنا طبيعة القلب الخداع. فعادة ما نحجب طمعنا من خلال الإدعاء بأننا نقاتل من أجل قضية جيدة.
- ٱنْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ ٱلطَّمَعِ: استغل يسوع طلب هذا الرجل ليتحدث معه ومع الحشد عن الطمَع. ربما ما دفع الرجل لم يكن العدالة بل شيء آخر؛ ربما ما دفعه كان الطمَع وليس العدالة.
- الفكرة من كلمة تَحَفّظوا هي أن الطمع يهاجمنا جميعاً، وعلينا حماية أنفسنا منه.
- علّقَ كلارك (Clarke): “عادة ما يرافق الممتلكات الكثيرة الكبرياء والكسل والترف؛ وهذه كلها أعظم عدو للخلاص.”
- وكتب مورغان (Morgan): “تقسيم أي ممتلكات بين رجلين طماعين هو بداية لنزاع. والطريقة الوحيدة للسلام هي تحرير الرجلين من الطمع.”
- فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لِأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ: هذا هو المبدأ العام الذي سوف يطوره يسوع في القسم القادم من تعليمه عن الأمور المادية. عندما نعيش واتجاه قلوبنا أن نعتَمِدُ عَلَى مُقتَنَياتِنا، إذاً نحن نعيش في طَّمَعِ، والطمع هو عِبادَةُ أوثان (كولوسي ٥:٣).
- كتب تراب (Trapp): “الشخص الطماع الذي يسعى وراء المزيد، يفقد متعة ما يملكه، مثل الكلب الجالس عند طاولة سيده ويبتلع اللحوم التي تلقى له دون أي متعة، ويحدق منتظراً اللقمة التالية.”
ب) الآيات (١٦-٢١): مَثَل الغني الغبي
١٦وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا قَائِلًا: «إِنْسَانٌ غَنِيٌّ أَخْصَبَتْ كُورَتُهُ، ١٧فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلًا: مَاذَا أَعْمَلُ، لِأَنْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟ ١٨وَقَالَ: أَعْمَلُ هَذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ، وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَلَّاتِي وَخَيْرَاتِي، ١٩وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَٱشْرَبِي وَٱفْرَحِي! ٢٠فَقَالَ لَهُ ٱللهُ: يَا غَبِيُّ! هَذِهِ ٱللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهَذِهِ ٱلَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟ ٢١هَكَذَا ٱلَّذِي يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ غَنِيًّا لِلهِ».
- إِنْسَانٌ غَنِيٌّ أَخْصَبَتْ كُورَتُهُ: كان الرجل في مَثَل يسوع مباركاً لأنه يملك أرضاً خصبة. ويمكننا أن نفترض أنه كان ناجحاً مادياً أيضاً كي يتمكن من العمل بجد لتصبح أرضه خصبة هكذا. كان ناجحاً جداً لأنه واجه صعوبة في إدارة موارده (لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي).
- قد تجلت مشكلته وقلقه بعبارة “مَاذَا أَعْمَلُ؟” ويُعلّق موريسون (Morrison): “عندما كنا في عمر الشباب، كنا نعتقد أن الغِنِى يعني التحرر من القلق… ولكن هذا الرجل الغني كان مليئاً بالهموم تماماً كالمتسول الذي لا يملك شيئاً.”
- أَعْمَلُ هَذَا: بسبب ثروته الكبيرة، أستطاع الرجل أن يخطط لحياته بكل ثقة. وقرر أن يبني مكان أعظم ليدير ثروته بشكل أفضل، وبعدها سيستمتع بالحياة على أكمل وجه.
- فَقَالَ لَهُ ٱللهُ: يَا غَبِيُّ! هَذِهِ ٱللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ: تحطمت كل خطط وإنجازات هذا الرجل في ليلة واحدة. خطط لحياته، ولكنه لم يخطط ليوم مماته – وعلى الفور، أصبحت كل إنجازاته وخططه كلا شيء.
- كان الرجل غَبِيُّ – ليس لأنه كان غنياً، بل لأنه عاش دون أن يعطي أي اهتمام للأبدية أو الإستعداد لها.
- هَذِهِ ٱللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ: هذه الجملة تشير إلى المديونية. كان هذا الرجل مديناً بحياته ورزقه وثروته لله؛ ولكن الأهم أنه كان مديناً بنَفْسُه لله، ويوماً ما ستُطْلَبُ نفسه منه. كان مديناً لله كل يوم من حياته، ولكن يوم الممات ستُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ.
- يعتقد الكل أن الرجل في هذا المَثَل كان نجاحاً جداً، ولكن الله قال عنه غَبِيُّ. أثبتت الأبدية أنه كان رجلاً غبياً، وما فعله (وضع الأمور المادية أولوية في حياته) لم يكن خطية فحسب بل غباء.
- فَهَذِهِ ٱلَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟: بمعنى أو بآخر، فَهَذِهِ ٱلَّتِي أَعْدَدْتَهَا لا تنتمي إلى الله، لأن الرجل لم يسلمها لله أساساً. وهي لا تنتمي للغني الغبي، لأنه لم يأخذها معه عندما مات. فربما كانت تنتمي للشيطان.
- كتب جيلدنهويس (Geldenhuys): “غادر هذا العالم أفقر من أفقر متسول.”
- هَكَذَا ٱلَّذِي يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ: اعتقد الرجل الغني في المثل أنه يملك كل شيء. قال: أَثْمَارِي ومَخَازِنِي وغَلَّاتِي وَخَيْرَاتِي ونَفْسِي. كل شيء يدور حول نفسه، ولا شيء يتعلق بالله. وقد ثبت في النهاية أنه لا يملك شيئاً – حتى نفسه كانت مُلكاً لله. لم يملك أي أَثْمَارِ أو مَخَازِنِ أو خيرات، حتى أن نفسه ماتت.
- هَكَذَا ٱلَّذِي يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ غَنِيًّا لِلهِ: لم تكن مشكلة الرجل في أنه كان يملك كنزاً على الأرض؛ ولكن لأنه لم يَكُونَ غَنِيّاً بِاللهِ.
- قد نصبح أغنياء عند الله من خلال العطاء السخي لمن هم في احتياج (لوقا ٣٣:١٢، ٢٢:١٨؛ تيموثاوس الأولى ١٧:٦-١٩). بالإضافة إلى الثقة بأن يسوع سيسدد كل احتياج (رؤيا يوحنا ١٧:٣-١٨).
- لا يمكننا أن نخفي حقيقة أن الثروات الأرضية كثيراً ما تبعدنا عن الثروات السماوية. كتب بولس: أمّا الذينَ يَطلُبونَ الغِنى فيَقَعونَ في التّجرِبَةِ والفخّ وفي كثيرٍ مِنَ الشّهواتِ العَمياءِ المُضِرّةِ التي تُغرِقُ النّاسَ في الدّمارِ والهَلاكِ (تيموثاوس الأولى ٩:٦). معظمنا يخافون من الفقر؛ ولكن الأصح أن نخاف من الغِنى.
- عَلّمَ جون ويسلي وعاش بحكمة فيما يتعلق بالمال. وقال أن عليك أن تكسب بقدر ما تستطيع، وتدخر بقدر ما تستطيع، وتُعطي بقدر ما تستطيع. كان ينفق على معيشته ٢٨ جنيهاً في السنة ويتبرع بالباقي للمحتاجين، حتى عندما زاد دخله تدريجياً من ٣٠ إلى ٦٠ إلى ٩٠ إلى ١٢٠ استمر في إنفاق نفس المبلغ على معيشته في السنة.
ج ) الآيات (٢٢-٢٣): تحذير ضد القلق
٢٢وَقَالَ لِتَلَامِيذِهِ: «مِنْ أَجْلِ هَذَا أَقُولُ لَكُمْ: لَا تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ، وَلَا لِلْجَسَدِ بِمَا تَلْبَسُونَ. ٢٣اَلْحَيَاةُ أَفْضَلُ مِنَ ٱلطَّعَامِ، وَٱلْجَسَدُ أَفْضَلُ مِنَ ٱللِّبَاسِ.
- مِنْ أَجْلِ هَذَا أَقُولُ لَكُمْ: لَا تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ: الطمع والقلق مرتبطين ارتباطاً وثيقاً. فالطمع لا يمكنه أبداً الحصول على ما يكفي، والقلق يخشى أنه لن يكون هناك ما يكفي – وكليهما لا ينظر إلى يسوع.
- لَا تَهْتَمُّوا: هي وصية مليئة بالمحبة. غالباً ما نفشل في تقدير الدمار الذي يفعله التوتر في حياتنا. أظهرت الدراسات بأن التوتر يُضعف جهاز المناعة؛ فالأشخاص الذين يعيشون تحت ضغط مستمر يعانون من نقص في الخلايا التائية (بالإنجليزية: T cell) وهي مجموعة من الخلايا اللمفية الموجودة بالدم وتلعب دوراً أساسياً في جهاز المناعة. كما أن للتوتر تأثيراً واضحاً على الخصوبة. وقد أثبتت الدراسات أيضاً أن التوتر المطول يؤثر على الدماغ، مما يجعل الشخص أقل تجاوباً مع التوتر في المستقبل. ويرتبط التوتر أيضاً بفشل القلب المفاجئ.
- لَا تَهْتَمُّوا: هناك فرق كبير بين الإحساس بالمسؤولية الصحي وبين القلق غير الواثق وغير الصحي. ومع ذلك، القلق غير الصحي والذي لا يثق عادة ما يتخفى تحت غطاء المسؤولية.
- اَلْحَيَاةُ أَفْضَلُ مِنَ ٱلطَّعَامِ: القلق الذي تحدث عنه يسوع يضع مكانة المرء على نفس مستوى الحيوان الذي يسعى فقط لتحقيق احتياجاته الجسدية. حياتك أَفْضَلُ، ولديك أمور أبدية لتسعى خلفها.
د ) الآيات (٢٤-٢٨): أسباب عدم القلق
٢٤تَأَمَّلُوا ٱلْغِرْبَانَ: أَنَّهَا لَا تَزْرَعُ وَلَا تَحْصُدُ، وَلَيْسَ لَهَا مَخْدَعٌ وَلَا مَخْزَنٌ، وَٱللهُ يُقِيتُهَا. كَمْ أَنْتُمْ بِٱلْحَرِيِّ أَفْضَلُ مِنَ ٱلطُّيُورِ! ٢٥وَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا ٱهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَامَتِهِ ذِرَاعًا وَاحِدَةً؟ ٢٦فَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَقْدِرُونَ وَلَا عَلَى ٱلْأَصْغَرِ، فَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِٱلْبَوَاقِي؟ ٢٧تَأَمَّلُوا ٱلزَّنَابِقَ كَيْفَ تَنْمُو: لَا تَتْعَبُ وَلَا تَغْزِلُ، وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ وَلَا سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا. ٢٨فَإِنْ كَانَ ٱلْعُشْبُ ٱلَّذِي يُوجَدُ ٱلْيَوْمَ فِي ٱلْحَقْلِ وَيُطْرَحُ غَدًا فِي ٱلتَّنُّورِ يُلْبِسُهُ ٱللهُ هَكَذَا، فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي ٱلْإِيمَانِ؟
- تَأَمَّلُوا ٱلْغِرْبَانَ … ٱللهُ يُقِيتُهَا: يوفر الله الطعام للطيور، ويهتم بهم. لذلك، علينا أن نتوقع عناية الله لنا.
- ومع ذلك لاحظ أن الطيور لا تقلق، ولكنها تعمل بجد. ولا تجلس بأفواه مفتوحة، متوقعة الطعام من الله.
- كَمْ أَنْتُمْ بِٱلْحَرِيِّ أَفْضَلُ مِنَ ٱلطُّيُورِ!: القلق الذي يعاني منه الكثيرون إزاء الأشياء المادية متأصل في عدم معرفتهم لقيمتهم في نظر الله. فهم لا يفهمون مقدار محبة ورعاية الله لهم.
- وَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا ٱهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَامَتِهِ ذِرَاعًا وَاحِدَةً؟: : القلق لا يحقق شيئاً؛ لن نضيف (نزِيدَ) شيئاً على حياتنا بالقلق. قد يكون هناك خطايا أكبر من القلق، ولكن لا يوجد ما هو أكثر قهراً للذات وأكثر عقماً.
- يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ: قد تعني الجملة في اللغة اليونانية القديمة أَنْ يَزِيدَ عَلَى الحياة بدلاً من أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَامَتِهِ، ولكن الفكرة هي ذاتها. وهذا صحيح، فبدلاً من أن نضيف إلى حياتنا، يمكننا أن نضر أنفسنا من خلال القلق. الإجهاد يعتبر واحد من أكبر الأسباب للمرض ولسوء الصحة.
- فَإِنْ كَانَ ٱلْعُشْبُ ٱلَّذِي يُوجَدُ ٱلْيَوْمَ فِي ٱلْحَقْلِ وَيُطْرَحُ غَدًا فِي ٱلتَّنُّورِ يُلْبِسُهُ ٱللهُ هَكَذَا: الله يهتم حتى بٱلْعُشْبُ، لذا سيرعاك بكل تأكيد. نحن نثق بقوة وبرعاية أبونا السّماويّ المُحب.
- فالله يهتم بالزهور، ولكن لا يعني هذا أن كل يوم سيكون مشمساً وجميلاً. فوجود الشمس الدائم دون غيوم أو مطر سيؤدي إلى موت الزهور السريع.
- كتب سبيرجن (Spurgeon): “يَا قَلِيلِي ٱلْإِيمَانِ: ليست غلطة بسيطة؛ لأنها تسيء كثيراً للرب، وتحزن من يقلق. أن نفكر بأن الرب الذي يُلبس زنابق الحقل ممكن أن يترك أولاده عراة، هو لأمر مخجل. يَا قَلِيلِي ٱلْإِيمَانِ، تعلموا الأخلاق الحميدة!”
هـ) الآيات (٢٩-٣١): قصد الله أن نهتم بملكوته وبكنوزه، لا في ملكوت وكنوز هذا العالم.
٢٩فَلَا تَطْلُبُوا أَنْتُمْ مَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَشْرَبُونَ وَلَا تَقْلَقُوا، ٣٠فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا أُمَمُ ٱلْعَالَمِ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَبُوكُمْ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هَذِهِ. ٣١بَلِ ٱطْلُبُوا مَلَكُوتَ ٱللهِ، وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ.
- فَلَا تَطْلُبُوا أَنْتُمْ مَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَشْرَبُونَ وَلَا تَقْلَقُوا: أخبار يسوع السارة بسيطة للغاية. فلا داعي للتمسك بأمور هذا العالم بقبضة من حديد. فقد ترك يسوع كل ما في السماء وكان سعيداً بثقته البسيطة في الله.
- الكلمة لَا تَقْلَقُوا (لا تُشغِلوا بالكم) في اللغة اليونانية القديمة تأتي من جذر كلمة النَيزَك (الشهاب الساقط). اعتقد تراب (Trapp) أن القصد من وراء الكلمة هو: “التعلق بتردد، كما يفعل النيزك في الهواء، غير متأكد إن كان سيبقى عالقاً أم يسقط على الأرض.”
- فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا أُمَمُ ٱلْعَالَمِ: قارن يسوع حياة الذين لا يعرفون الله ومنفصلين عنه مع أولئك الذين يعرفون الله ويقبلون رعايته. على الذين يعرفون الله أن يطْلُبُوا ويسعوا وراء هذه الأمور.
- ويُعلّق سبيرجن (Spurgeon): “أنت تقول أنك غير قادر على التخلص من القلق المستمر. إذاً، يا صديقي العزيز، دعني أسألك بشكل مباشر: ما هو الفرق بينك وبين أهل العالم؟”
- بَلِ ٱطْلُبُوا مَلَكُوتَ ٱللهِ: لا بد أن يكون هذا ما يحكم حياتنا عندما نرتب أولوياتنا. ومع ذلك، من الخطأ أن نعتقد أن هذه مجرد أولوية أخرى علينا أن نضعها في قائمة أولوياتنا. بل علينا أن نطلب ملكوت الله أولاً في كل شيء نفعله.
- علينا أن نقرأ هذا الكلام في سياقه المباشر. يذكرنا يسوع بأن الرفاهية المادية لا تستحق أن نكرس حياتنا لأجلها. فإذا كنت تعتقد أن عبادة المال شيء مهم، إذاً ستُبتلى حياتك بالقلق وستعيش حياة شبيهة بالحيوان الذي يهتم فقط بتسديد احتياجاته المادية.
- علينا أن نقرأ هذا الكلام في سياقه المباشر. يذكرنا يسوع بأن الرفاهية المادية لا تستحق أن نكرس حياتنا لأجلها. فإذا كنت تعتقد أن عبادة المال شيء مهم، إذاً ستُبتلى حياتك بالقلق وستعيش حياة شبيهة بالحيوان الذي يهتم فقط بتسديد احتياجاته المادية.
- لم يطلب يسوع منهم أن يتوقفوا عن القلق بل أن يحل ملكوت الله محل القلق. فلا يمكن التخلي عن أي عادة أو شغف إن لم يكن هناك بديل أعظم.
- وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ: إن وضعت ملكوت الله أولاً وليس رفاهيتك المادية عندها ستستمتع بهَذِهِ كُلُّهَا. فقد وَعَدَّ بكنز سماوي وبراحة في العناية الإلهية وبتحقيق قصد الله العظيم للإنسان وأن يكون لنا شركة معه ونكون جزءاً من ملكوته.
- هذا الاختيار أطلبوا أولاً ملكوت الله – هو الخيار الأساسي الذي يتخذه الجميع عند توبتهم الأولى وخلاصهم. ولكن في كل يوم من حياتنا كمؤمنين إما أن نعزز هذا القرار أو ننكره.
و ) الآيات (٣٢-٣٤): الثقة بالعناية الإلهية تعزز روح العطاء في تلاميذ يسوع
٣٢«لَا تَخَفْ، أَيُّهَا ٱلْقَطِيعُ ٱلصَّغِيرُ، لِأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ ٱلْمَلَكُوتَ. ٣٣بِيعُوا مَا لَكُمْ وَأَعْطُوا صَدَقَةً. اِعْمَلُوا لَكُمْ أَكْيَاسًا لَا تَفْنَى وَكَنْزًا لَا يَنْفَدُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، حَيْثُ لَا يَقْرَبُ سَارِقٌ وَلَا يُبْلِي سُوسٌ، ٣٤لِأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكُمْ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكُمْ أَيْضًا.
- لَا تَخَفْ، أَيُّهَا ٱلْقَطِيعُ ٱلصَّغِيرُ: تستخدم اللغة الأصلية صيغة التصغير المزدوجة: ٱلصَّغِيرُ، ٱلْقَطِيعُ ٱلصَّغِيرُ (مقتبسة من كتابات كل من تراب وكلارك). فالآب سيُعطي الملكوت لهذا القطيع الصغيرة والمشكوك فيه. رغم أنه قطيع صغير ولكنه قطيعه وينتمي إليه.
- كانوا صغاراً، ولكنهم كانوا قَطِيع – وهذا يعني أن هناك راعٍ. فالقطيع الصغير بصحبة الراعي الصالح أفضل من القطيع الكبير مع أَجِيرِ.
- لِأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ ٱلْمَلَكُوتَ: كان هذه صحيحاً بالمعنى الشخصي بالنسبة للتلاميذ، فقد تمتعوا بحضور الملك يسوع بينهم وتمتعوا بفوائد ملكوته. ولكنه كان صحيحاً بمعنى آخر أيضاً؛ فعندما صعد يسوع إلى السماء، ترك ٱلْمَلَكُوتَ في أيديهم بطريقة ما. وكانت هذه الدعوة العظيمة هي أيضاً وعداً ببركات هائلة وبالحماية وبالرعاية.
- مدّهم يسوع بالثقة عندما قال أَبَاكُمْ بدلاً من “أبي.”
- بِيعُوا مَا لَكُمْ وَأَعْطُوا صَدَقَةً: وصية أن نُعطي ما نملك هي امتحان للتلمذة، وهي أيضاً أداة لتدريبنا كالتلاميذ. وتشير هذه الكلمات إلى أن العطاء هو ترياق أو علاج لجشعنا وطمعنا.
- علّقَ بايت (Pate): “الإستعداد للتجاوب مع دعوة العطاء (التخلي والتنازل عن ما لنا) هو علامة على تغيير حقيقي، وعلامة على الولاء الكامل ليسوع، وعلامة على الإيمان الثابت به.”
- لِأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكُمْ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكُمْ أَيْضًا: العلاقة بين إتجاه القلب ومكان الكنز ليس مجرد اقتراح، بل حقيقة بسيطة. إذا كنت تعتبر ممتلكاتك المادية هي كنزك، إذاً فشوق قلبك أرضي وليس سماوي.
- كتب بايت (Pate): “إذا كانت اهتمامات أي شخص بالأمور الأرضية فقط، إذاً هناك سيكون إلتزامه أيضاً.”
- يجب ألا ننسى أن هذا التعليم عن الثراء والجشع جاء من شخص قاطع عظة يسوع طالباً منه تسوية نزاع بينه وبين أخيه. حذر يسوع هذا الرجل (ويحذرنا أيضاً)، عندما قال: لِأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكُمْ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكُمْ أَيْضًا.
ثالثاً. إتجاه القلب حيال مجيء يسوع الثاني.
أ ) الآيات (٣٥-٤٠): كن مستعداً وانتظر مجيء السيد الثاني.
٣٥«لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً، ٣٦وَأَنْتُمْ مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ مَتَى يَرْجِعُ مِنَ ٱلْعُرْسِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ وَقَرَعَ يَفْتَحُونَ لَهُ لِلْوَقْتِ. ٣٧طُوبَى لِأُولَئِكَ ٱلْعَبِيدِ ٱلَّذِينَ إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُمْ يَجِدُهُمْ سَاهِرِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَتَمَنْطَقُ وَيُتْكِئُهُمْ وَيَتَقَدَّمُ وَيَخْدُمُهُمْ. ٣٨وَإِنْ أَتَى فِي ٱلْهَزِيعِ ٱلثَّانِي أَوْ أَتَى فِي ٱلْهَزِيعِ ٱلثَّالِثِ وَوَجَدَهُمْ هَكَذَا، فَطُوبَى لِأُولَئِكَ ٱلْعَبِيدِ. ٣٩وَإِنَّمَا ٱعْلَمُوا هَذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ ٱلْبَيْتِ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي ٱلسَّارِقُ لَسَهِرَ، وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. ٤٠فَكُونُوا أَنْتُمْ إِذًا مُسْتَعِدِّينَ، لِأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لَا تَظُنُّونَ يَأْتِي ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ».
- وَأَنْتُمْ مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ: تعلمنا أن على تلاميذ يسوع ألا يكونوا جشعين أو قلقين، ونرى الآن أن عليهم أن يصبوا كل اهتمامهم على مجيء يسوع الثاني. وهو أمر يستحق أن نكرس حياتنا لأجله.
- كتب جيلدنهويس (Geldenhuys): “هذه الكلمات التي قالها المُخلص ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتحذيرات السابقة التي تتحدث عن أهمية أن يكون تفكيرنا سماوي لا أرضي.”
- لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً: هناك ترجمة أخرى لهذه الآية تعبر عن الفكرة بشكل جيد: شُدُّوا أحْزِمَتَكُمْ مُتَأهِّبينَ لِلعَمَلِ، وَحافِظُوا عَلَى مَصابِيحِكُمْ مُشتَعِلَةً دائِماً.”
- نتذكر أيضاً الآية من (مزمور ١٠٥:١١٩) سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلَامُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي. والتأكيد هنا على فكرة أنه يمكن للمرء أن يكون مستعداً داخلياً لخدمة الله (أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً) ولكنه لا يملك الِاستنارة اللازمة للخدمة (أي نور كلمة الله المشتعل).
- اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَتَمَنْطَقُ وَيُتْكِئُهُمْ وَيَتَقَدَّمُ وَيَخْدُمُهُمْ: الخُدام المستعدين سيخدمهم السيد ويباركهم؛ وهناك مكافأة كبيرة لمن يعيش في توقع وانتظار لمجيء يسوع ثانية.
- كتب بايت (Pate): “الخدام المستعدين لمجيء السيد سيكونوا مباركين للغاية. في الواقع، سيكونوا مباركين لدرجة تجعل الرب يعكس الأدوار ويخدمهم: وسيَشُدُّ حِزامَهُ، وَيُجلِسُهُمْ عَلَى مائِدَتِهِ وَيَخدِمُهُمْ.”
- فَكُونُوا أَنْتُمْ إِذًا مُسْتَعِدِّينَ، لِأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لَا تَظُنُّونَ يَأْتِي ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ: اختبرنا جميعاً الشعور بالإحراج عندما اكتشف أحدهم أننا غير مستعدين. طلب يسوع من الجميع أن يكونوا مستعدين لمجيئه – وهذا أهم أمر يمكن لأي شخص أن يكون مستعداً له.
- لا يعلن اللص أبداً عن مجيئه؛ وعادة ما يأتي في الأوقات التي لا نتوقعها. والطريق لحماية أنفسنا من اللص هي أن نعيش في حالة إستعداد دائم، والطريقة لنكون مستعدين لعودة يسوع هي أن نعيش في حالة إستعداد مستمر أيضاً.
ب) الآيات (٤١-٤٨): كن وَكِيلاً أميناً في غياب السيد
٤١حينَئِذٍ قالَ بُطرُسُ: «يا رَبُّ، هَلْ تَروِي هَذا المَثَلَ لَنا أمْ لِلجَمِيعِ أيضاً؟» ٤٢فَقالَ الرَّبُّ: «فَمَنْ هُوَ إذاً الوَكِيلُ الأمِينُ الفَطِنُ الَّذِي يُعَيِّنُهُ السَّيِّدُ مَسؤُولاً عَنْ خُدّامِهِ، لِيُعطِيَهُمْ حِصَّتَهُمْ مِنَ الطَّعامِ فِي وَقتِها المُناسِبِ؟٤٣هَنِيئاً لِذَلِكَ الخادِمِ الَّذِي حِينَ يَأْتِي سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَقُومُ بِواجِبِهِ.٤٤أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ، إنَّهُ سَيُوكِلُهُ عَلَى جَمِيعِ أملاكِهِ. ٤٥«لَكِنْ قَدْ يَقُولُ هَذا الخادِمُ فِي نَفسِهِ: ‹يَبدُو أنَّ سَيِّدِي سَيَتَأخَّرُ فِي مَجِيئِهِ.› فَيَبدَأُ بِضَربِ الخُدّامِ وَالخادِماتِ، وَيَبدَأُ يَأكُلُ وَيَشرَبُ وَيَسكَرُ.٤٦فَيَأتِي سَيِّدُ ذَلِكَ الخادِمِ فِي يَومٍ لا يَتَوَقَّعُهُ، وَفِي ساعَةٍ لا يَعرِفُها، فَيُعاقِبُهُ كَما يُعاقَبُ الخائِنُ. ٤٧«فَمِثلُ هَذا الخادِمِ الَّذِي عَرَفَ إرادَةَ سَيِّدِهِ، لَكِنَّهُ لا يَستَعِدَّ وَلا يَعمَلُ بِها، سَيُعاقَبُ عِقاباً شَدِيداً.٤٨أمّا الخادِمُ الَّذِي لا يَعرِفُ إرادَةَ سَيِّدِهِ، وَفَعَلَ شَيئاً يَستَحِقُّ العِقابَ، فَسَيُعاقَبُ عِقاباً أخَفَّ. فَمَنْ يُعطَى كَثِيراً يُطلَبُ مِنهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُؤتَمَنُ عَلَى كَثِيرٍ سَيُطالَبُ بِالكَثِيرِ.»
- حينَئِذٍ قالَ بُطرُسُ: «يا رَبُّ، هَلْ تَروِي هَذا المَثَلَ لَنا أمْ لِلجَمِيعِ أيضاً؟»: كانت إجابة يسوع لبطرس أنه يوجه كلامه للجميع، وأن على الجميع أن يكونوا كالوَكِيلُ الأمِينُ الفَطِنُ. وكأن يسوع يقول: “أوجه كلامي لكل من سيعيش حياته مستعداً، كالوَكِيلُ الأمِينُ الفَطِنُ.”
- على أتباع يسوع أن يكونوا مستعدين لعودته، ولكن على الخُدام (المتفرغين للخدمة بالذات) أن يكونوا أكثر إستعداداً. ويُعلّق بوول (Poole): “الجاهل بأمور الله لا يبرره أبداً وسيعاقب حتماً، ولكنه سَيُعاقَبُ عِقاباً أخَفَّ، ودينونته ستكون ألطف مقارنة مع الخادم الذي يعرف إرادة سيده ولا يعمل بها ولا يُعلمها للآخرين … ينظر الله إلى الخادم الشرير والرخو والمخزي والمؤذي وكأنه أعظم شرير، وسيتعامل معه على هذا الأساس.”
- لَكِنْ قَدْ يَقُولُ هَذا الخادِمُ فِي نَفسِهِ: ‹يَبدُو أنَّ سَيِّدِي سَيَتَأخَّرُ فِي مَجِيئِهِ›: سيواجه الوكيل الضعيف الذي يعيش دون توقع لمجيء السيد العديد من المشاكل:
- سيسيء معاملة الخدام الآخرين: فَيَبدَأُ بِضَربِ الخُدّامِ وَالخادِماتِ.
- سيهتم بملذات هذا العالم: يَأكُلُ وَيَشرَبُ.
- سيستسلم للكحول: وَيَسكَرُ.
- ربط يسوع بوضوح هنا الإستعداد لمجيئه بالحياة المليئة بالمحبة والتركيز الروحي وضبط النفس. ومن يقول: “يَبدُو أنَّ سَيِّدِي سَيَتَأخَّرُ فِي مَجِيئِهِ” سنجد أن قلبه سيرتبط بالحياة غير المثمرة والمتدنية.
- يشعر البعض بالضيق من طول فترة الإنتظار أو نراهم متشائمين لأنه تأخر. وهذا بالضبط ما يحذرنا يسوع منه. ويشعر البعض أنه بما أن يسوع سَيَتَأخَّرُ فِي مَجِيئِهِ، إذاً علينا أن نستغل الوقت لإنقاذ المزيد من الناس من الدينونة الآتية على العالم في الأيام الأخيرة.
- فَيَأتِي سَيِّدُ ذَلِكَ الخادِمِ فِي يَومٍ لا يَتَوَقَّعُهُ: سواء كنت مستعداً أم لا، فهو آتٍ لا محالة. وعندما يأتي، سيعاقب من كانوا غير مستعدين وينكرون عودته، وسيكافئ من كانوا مستعدين.
- فَمِثلُ هَذا الخادِمِ الَّذِي عَرَفَ إرادَةَ سَيِّدِهِ، لَكِنَّهُ لا يَستَعِدَّ وَلا يَعمَلُ بِها، سَيُعاقَبُ عِقاباً شَدِيداً. أمّا الخادِمُ الَّذِي لا يَعرِفُ إرادَةَ سَيِّدِهِ، وَفَعَلَ شَيئاً يَستَحِقُّ العِقابَ، فَسَيُعاقَبُ عِقاباً أخَفَّ: عندما يأتي السيد، سيكون عقابه مطابقاً للإساءة. فأولئك الذين عرفوا أن عليهم الإستعداد ولم يستعدوا سيكون عقابهم أسوأ من أولئك الذين لم يعرفوا وكانوا غير مستعدين.
ج ) الآيات (٤٩-٥٣): سيأتي يسوع بنار للتنقية وللانقسام
٤٩«جِئْتُ لِأُلْقِيَ نَارًا عَلَى ٱلْأَرْضِ، فَمَاذَا أُرِيدُ لَوِ ٱضْطَرَمَتْ؟ ٥٠وَلِي صِبْغَةٌ أَصْطَبِغُهَا، وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ حَتَّى تُكْمَلَ؟ ٥١أَتَظُنُّونَ أَنِّي جِئْتُ لِأُعْطِيَ سَلَامًا عَلَى ٱلْأَرْضِ؟ كَلَّا، أَقُولُ لَكُمْ: بَلِ ٱنْقِسَامًا. ٥٢لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ ٱلْآنَ خَمْسَةٌ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُنْقَسِمِينَ: ثَلَاثَةٌ عَلَى ٱثْنَيْنِ، وَٱثْنَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ. ٥٣يَنْقَسِمُ ٱلْأَبُ عَلَى ٱلِٱبْنِ، وَٱلِٱبْنُ عَلَى ٱلْأَبِ، وَٱلْأُمُّ عَلَى ٱلْبِنْتِ، وَٱلْبِنْتُ عَلَى ٱلْأُمِّ، وَٱلْحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا، وَٱلْكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا».
- جِئْتُ لِأُلْقِيَ نَارًا عَلَى ٱلْأَرْضِ، فَمَاذَا أُرِيدُ لَوِ ٱضْطَرَمَتْ؟: يمكن للمرء أن يرى هذه النار بعدة طرق محتملة:
- قد تشير النار التي تحدث عنها يسوع هنا إلى الدينونة الآتية على الشعب اليهودي في العقود القادمة. كتب باركلي (Barclay): “كان اليهود يؤمنون أن كلمة ’نار‘ تشير إلى الدينونة، واعتبروا مجيء ملكوت يسوع هو زمن الدينونة.”
- وقد تشير النار التي تحدث عنها يسوع هنا إلى قوة الروح القدس التي لا يمكن أن تأتي إلا بعد أن يُنهي عمله على الصليب (وَلِي صِبْغَةٌ أَصْطَبِغُهَا – لِي مَعمُودِيَّةٌ لا بُدَّ أنْ أتَعَمَّدَ بِها).
- وقد تشير النار التي تحدث عنها يسوع هنا إلى انتشار الخبر السار وامتداد ملكوته في جميع أنحاء العالم، والتي لا يمكن أن تحدث إلا عندما ينجز عمله على الصليب.
- حقيقة أن يسوع تكلم عن معاناته وكأنها معمودية (صِبْغَةٌ) لها معنى كبير. فهو لم يُرش بالمعاناة والألم؛ ولكنه غُمر بالعذاب. وبنفس الطريقة، علينا أن ننال المعمودية في يسوع المسيح وفي الروح القدس عن طريق الغمر والتغطيس وليس بالرش.
- وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ حَتَّى تُكْمَلَ؟ لَنْ تَهدَأ نفس يسوع حَتَّى يتمم عمله على الصليب لأنه كان يعلم الخير القادم منه. ٱلَّذِي مِنْ أَجْلِ ٱلسُّرُورِ ٱلْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، ٱحْتَمَلَ ٱلصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِٱلْخِزْيِ (العبرانيين ٢:١٢).
- يَنْقَسِمُ ٱلْأَبُ عَلَى ٱلِٱبْنِ، وَٱلِٱبْنُ عَلَى ٱلْأَبِ، وَٱلْأُمُّ عَلَى ٱلْبِنْتِ، وَٱلْبِنْتُ عَلَى ٱلْأُمِّ: قد يكون هذا هو الثمن الذي على المرء أن يدفعه لكونه وكيلاً أميناً. عندما تتبع يسوع بإخلاص، قد يكون هناك انقسام في حياتك بسببه.
- علّقَ باركلي (Barclay): “في مجيئه تمزق وانقسام، وهكذا تم… ولهذا السبب بعينه أبغض الرومان المسيحية لزعمهم أنها السبب في تمزيق وانقسام العائلات.”
د ) الآيات (٥٤-٥٦): أهمية تمييز الأزمنة والأوقات
٥٤ثُمَّ قَالَ أَيْضًا لِلْجُمُوعِ: «إِذَا رَأَيْتُمُ ٱلسَّحَابَ تَطْلُعُ مِنَ ٱلْمَغَارِبِ فَلِلْوَقْتِ تَقُولُونَ: إِنَّهُ يَأْتِي مَطَرٌ، فَيَكُونُ هَكَذَا. ٥٥وَإِذَا رَأَيْتُمْ رِيحَ ٱلْجَنُوبِ تَهُبُّ تَقُولُونَ: إِنَّهُ سَيَكُونُ حَرٌّ، فَيَكُونُ. ٥٦يَا مُرَاؤُونَ! تَعْرِفُونَ أَنْ تُمَيِّزُوا وَجْهَ ٱلْأَرْضِ وَٱلسَّمَاءِ، وَأَمَّا هَذَا ٱلزَّمَانُ فَكَيْفَ لَا تُمَيِّزُونَهُ؟
- تَعْرِفُونَ أَنْ تُمَيِّزُوا وَجْهَ ٱلْأَرْضِ وَٱلسَّمَاءِ، وَأَمَّا هَذَا ٱلزَّمَانُ فَكَيْفَ لَا تُمَيِّزُونَهُ؟: وبخ يسوع الشعب لأنهم لم يميزوا هَذَا ٱلزَّمَانُ. كان عليهم أن يفهموا النبوءات عن مجيئه الأول وأن يميزوا العلامات الواضحة التي تؤكد أنه هو المسيا الموعود.
- عرف المستمعين أنه عندما تتجمع السحب في الناحية الغربية فوق البحر الأبيض المتوسط، فإن المطر سيتساقط قريباً. وكانوا يعرفون أيضاً أنه كلما هبت ريح الجنوب من الصحراء الشرقية، فإن موجة الحر على الأبواب.
- قَالَ أَيْضًا لِلْجُمُوعِ: قال يسوع هذا الكلام لِلْجُمُوعِ، وليس للتلاميذ فحسب. أراد يسوع من الجميع أن يميزوا هَذَا ٱلزَّمَانُ ويكونوا مستعدين لمجيئه.
- هناك عدة أسبابللاعتقاد بأن يسوع آتٍ عن قريب في وقتنا الحالي، مما يضيف الإحساس بتقصير الوقت آملين أن نميز هَذَا ٱلزَّمَان.
- أصبح المسرح مُعداً لإعادة بناء الهيكل، وهذا ضروري لتحقيق النبوءات التي تتحدث عن متى رجاسة الخراب (١٥:٢٤، مرقس ١٤:١٣، تسالونيكي الثانية ٣:٢-٤). منذ عام ١٩٤٨ أصبحت إسرائيل دولة مرة أخرى، والآمال في إعادة بناء الهيكل تتزايد بين اليهود.
- أصبح المسرح مُعداً لقيام إتحاد كونفدرالي يسيطر على العالم، وهذا الإتحاد هو الوريث الذي سيقيم الإمبراطورية الرومانية من جديد (دانيال ٣٦:٢-٤٥، رؤيا يوحنا ١:١٣-٨، ١٠:١٧-١٤). ومن المرجح أن هذا الإتحاد سيرتبط بالمجتمع الأوروبي الحديث، وسيكون وليد أهداف القادة وفوضى العصر.
- أصبح المسرح مُعداً لقيام قائد سياسي واقتصادي، وهذا القائد السياسي هو الوحيد الذي سيقود هذا الإتحاد الكونفدرالي العالمي (تسالونيكي الثانية ٣:٢-١٢، رؤيا يوحنا ٤:١٣-٧).
- أصبح المسرح مُعداً لظهور الدين المزيف، الذي يقول عنه الكتاب المقدس أنه سيتبلور في الأيام الأخيرة (الثانية ٤:تسالونيكي ٢، ٩:٢-١٢، رؤيا يوحنا ١١:١٣-١٥، ١:١٧-٦).
- أصبح المسرح مُعداً لبدء نوع من النظام الإقتصادي المتوقع أن ينشأ في الأيام الأخيرة (رؤيا يوحنا ١٥:١٣-١٧). فالتكنولوجيا متوفرة، والحاجة موجودة.
- لا تضمن أي من هذه الأمور عودة يسوع القريب. ومن الممكن، بحكمة الله، أن الوقت ليس قريب البتة – مع ذلك، وإذا كانت هذه هي القضية، فإن على الله أن يسمح لنفس الظروف التي تميز عصرنا الحالي أن تجتمع ثانية ولكن في وقت لاحق.
هـ) الآيات (٥٧-٥٩): ميز الأوقات، وصحح علاقتك مع الله الآن
٥٧وَلِمَاذَا لَا تَحْكُمُونَ بِٱلْحَقِّ مِنْ قِبَلِ نُفُوسِكُمْ؟ ٥٨حِينَمَا تَذْهَبُ مَعَ خَصْمِكَ إِلَى ٱلْحَاكِمِ، ٱبْذُلِ ٱلْجَهْدَ وَأَنْتَ فِي ٱلطَّرِيقِ لِتَتَخَلَّصَ مِنْهُ، لِئَلَّا يَجُرَّكَ إِلَى ٱلْقَاضِي، وَيُسَلِّمَكَ ٱلْقَاضِي إِلَى ٱلْحَاكِمِ، فَيُلْقِيَكَ ٱلْحَاكِمُ فِي ٱلسِّجْنِ. ٥٩أَقُولُ لَكَ: لَا تَخْرُجُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى تُوفِيَ ٱلْفَلْسَ ٱلْأَخِيرَ».
- وَلِمَاذَا لَا تَحْكُمُونَ بِٱلْحَقِّ مِنْ قِبَلِ نُفُوسِكُمْ؟ يسأل يسوع مستمعيه: لِماذا لا تَحكُمُونَ بِأنفُسِكُمْ ما هُوَ الصَّوابُ؟ فأي شخص قادر على أن يحكم بالحق يستطيع أن يرى أهمية أن يصحح علاقته بالله قبل الوقوف أمامه كالقاضي. سيخسر الفرصة من ينتظر حتى يقف أمام كرسي الدينونة، فقد فات الأوان.
- ٱبْذُلِ ٱلْجَهْدَ وَأَنْتَ فِي ٱلطَّرِيقِ لِتَتَخَلَّصَ مِنْهُ: في التوضيح الذي استخدمه يسوع كان من المنطقي تسوية الخلاف قبل المثول أمام القاضي. وبشكل مماثل، يمكننا القول أنه في ضوء عمل يسوع على الصليب، ستقدم المحكمة (أي الله) الحل لخلافنا مع الله (قبل إصدار الحُكم)، عن طريق وضع ثقتنا في يسوع وبما فعله على الصليب من أجلنا.
- لَا تَخْرُجُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى تُوفِيَ ٱلْفَلْسَ ٱلْأَخِيرَ: ذكّرهم يسوع (ويذكرنا أيضاً) بالعقوبة التي ستقع عليهم إن لم يتصالحوا مع الله قبل يوم الدينونة. كل هذا يجب أن يدفعنا لتصحيح علاقتنا مع الله الآن، وأن نعيش حياتنا منتظرين ومستعدين لمجيء يسوع الثاني.
- أشار يسوع هنا إلى فكرة أن هناك ثمن علينا أن ندفعه في الجحيم (حَتَّى تُوفِيَ ٱلْفَلْسَ ٱلْأَخِيرَ). وهذا يساعد على تفسير الحقيقة المخيفة ولكنها كتابية. فالجحيم أبدي؛ وهناك ثمن يجب أن يدفع عن الخطايا، والإنسان الخاطي غير قادر على تسديد الثمن المناسب الذي يطالب به الإله الكامل.
- كتب باركلي (Barclay): “العُملة التي أشار إليها يسوع هنا كانت “ليبتون Lepton” وتعني الشيء الصغير جداً. وكانت أصغر عملة متوفرة في ذلك الوقت.”
- عقاب الجحيم أبدي، تماماً كالحياة الأبدية في السماء (متى ٤٦:٢٥، تسالونيكي الثانية ٩:١). وعذاب الجحيم إِلَى أَبَدِ ٱلْآبِدِينَ. (رؤيا يوحنا ١١:١٤)، وَٱلنَّارُ لَا تُطْفَأُ هناك، بل تحترق إلى الأبد (مرقس ٤٨:٩). وسيقوم الأشرار لِكَيْ يُواجِهُوا الدَّيْنُونَةَ، ويفترض أنهم سيقومون بأجساد مناسبة تحتمل عقوبة الجحيم (يوحنا ٢٩:٥، أعمال الرسل ١٥:٢٤).