إنجيل لوقا – الإصحاح ١٨
الصلاة والتواضع والتلمذة
أولاً. مَثَل عن المثابرة في الصلاة.
أ ) الآية (١): الغرض من المَثَل: وُجُوبِ الصَّلاَةِ دونَ كَلَلٍ أو مَلَل
١وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلًا فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلَا يُمَلَّ.
- يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ: خُلق الإنسان بغريزة روحية (جَعَلَ ٱلْأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ – سفر الجامعة ١١:٣)، وبالتالي الصلاة تأتي بشكل طبيعي. إلا أن العقبات قد تقف في طريق الصلاة الفعالة والمستمرة، ولهذا عرف يسوع حاجتنا كي نتعلم الصلاة ونتشجع أَنْ نصلي كُلَّ حِينٍ.
- لم يقصد يسوع أن علينا البقاء على ركبنا وعيوننا مُغمضة كل حين، ولكن أن نبقى دائماً في حالة من الصلاة أو كما يُقال بروح الصلاة. ذكر بولس هذه الفكرة في تسالونيكي الأولى ١٧:٥ عندما قال: “صَلُّوا بِلَا ٱنْقِطَاعٍ.” من الصعب قياس الخير الذي سيأتي نتيجة المُداومة على الصلاة، وكم السوء الذي ستحفظنا منه.
- وَلَا يُمَلَّ: كثيراً ما نفشل في الصلاة لأننا نمل. فنشعر بالإحباط وعندها لا نُصلي كما ينبغي.
- من السهل علينا أن نمل من الصلاة لأنها عمل شاق وغالباً ما نتعامل معها بخفة. مدح بولس في كولوسي ١٢:٤ رجلاً يدعى أَبَفْرَاسُ لأنه مُجَاهِدٌ كُلَّ حِينٍ بِٱلصَّلَوَاتِ. عرف بولس أن الصلاة كانت عملاً شاقاً وتتطلب العمل الدؤوب. حاول موريسون (Morrison) أن يشرح سبب الصعوبة في الصلاة، وقال أن الصعوبة تكمن في أن الإنسان يستخدم ثلاثة أجزاء من كيانه حينما يصلي: “فهناك الفهم الذي يحرك الذكاء، وهناك القلب الذي يحرك الإرادة، وهناك الإرادة التي تحرك العزيمة.”
- ومن السهل أن نشعر بالملل من الصلاة لأن الشيطان يكره الصلاة. فإذا كانت الصلاة عاجزة، فسيكون الأمر أسهل عليه.
- كما أنه من السهل أن نتعب من الصلاة لأننا لسنا مقتنعين أساساً بقوتها. كثيراً ما تصبح الصلاة الملاذ الأخير بدلاً من الملاذ الأول.
- تذكر أن يسوع عاش حياة الصلاة، وكان فِي كُلِّ حِينٍ يصلي لِيَشْفَعَ فِيهِمْ (٢٥:٧). لهذا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ.
- استمرت المرأة الكنعانية في الصلاة رغم أن طلبتها رُفضت أول مرة.
- رفض يعقوب أن يترك من يصارعه حتى بعدما شُلت ساقه.
- قالت راحيل ليعقوب، “أعطني الأولاد، وإلا أموت!”
ب) الآيات (٢-٨): مَثَل الأرملة وقاضي الظلم
٢قَائِلًا: «كَانَ فِي مَدِينَةٍ قَاضٍ لَا يَخَافُ ٱللهَ وَلَا يَهَابُ إِنْسَانًا. ٣وَكَانَ فِي تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ أَرْمَلَةٌ. وَكَانَتْ تَأْتِي إِلَيْهِ قَائِلَةً: أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي! ٤وَكَانَ لَا يَشَاءُ إِلَى زَمَانٍ. وَلَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: وَإِنْ كُنْتُ لَا أَخَافُ ٱللهَ وَلَا أَهَابُ إِنْسَانًا، ٥فَإِنِّي لِأَجْلِ أَنَّ هَذِهِ ٱلْأَرْمَلَةَ تُزْعِجُنِي، أُنْصِفُهَا، لِئَلَّا تَأْتِيَ دَائِمًا فَتَقْمَعَنِي!». ٦وَقَالَ ٱلرَّبُّ: «ٱسْمَعُوا مَا يَقُولُ قَاضِي ٱلظُّلْمِ. ٧أَفَلَا يُنْصِفُ ٱللهُ مُخْتَارِيهِ، ٱلصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلًا، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ ٨أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعًا! وَلَكِنْ مَتَى جَاءَ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ ٱلْإِيمَانَ عَلَى ٱلْأَرْضِ؟».
- قَاضٍ لَا يَخَافُ ٱللهَ وَلَا يَهَابُ إِنْسَانًا: كان القاضي شرير، كرجل وكقاضي. مع ذلك، وفي النهاية استجاب لطلبة المرأة. والسبب الوحيد الذي جعله يعطيها ما تريد كان لأنها استمرت في إزعاجه.
- “من الواضح أن القاضي ليس يهودياً، لأنه جرت العادة أن على كل اليهود المتشاحنين الذهاب إلى الشيوخ. هذا القاضي عُين مباشرة من قبل هيرودس أو الرومان براتب مالي معين. أمثال هذا القاضي اشتهروا بالصيت السيء.” باركلي (Barclay)
- فسر كلارك (Clarke) أن كلمة فَتَقْمَعَنِي تعني: “توجيه الضربة القاضية. وهي استعارة مأخوذة من الملاكمين الذين يكدمون بعضهم البعض.” وأضاف بايت (Pate): “تعني الكلمة hypopiaze حرفياً كدمات حول العين جراء اللكمات (قارن مع كورنثوس الأولى ٢٧:٩).
- وَإِنْ كُنْتُ لَا أَخَافُ ٱللهَ وَلَا أَهَابُ إِنْسَانًا، فَإِنِّي لِأَجْلِ أَنَّ هَذِهِ ٱلْأَرْمَلَةَ تُزْعِجُنِي، أُنْصِفُهَا: اِستجاب قاضي الظلم لطلب المرأة على مضض. ولكن يسوع لم يقصد في هذا المثل تشبيه الله بقاضي الظلم، بل على العكس تماماً. يريد الله أن يستجيب لصلواتنا ويساعدنا عندما نصلي. فهو معك وأنت تُصلي، وليس ضدك (كما كان قاضي الظلم ضد الأرملة).
- كان على المرأة أن تتغلب على تردد القاضي. كثيراً ما نشعر بأن علينا أن نفعل مثل المرأة عندما نصلي – نُلح كي نتغلب على تردد (تباطؤ) الله. فليس هذا هو القصد من المثل. فيسوع لا يطلب منا أن نصلي كل حين لأن الله يتردد أو لأنه لا يريد أن يستجيب لصلواتنا، بل على العكس تماماً، ولكنه يطلب منا أن نصلي لأن الصلاة هي مصدر تشجيع لنا.
- يبدو لنا أحياناً أن الله يتباطأ في الرد على صلواتنا. ولكن ليس الهدف من التأخير تغيير فكر الله، بل تغييرنا نحن. فالثبات في الصلاة يغير حياتنا ويبنينا روحياً كي نصير مشابهين لصورة اِبنه. إنها الطريقة التي يستخدمها الله لنتعلم كيف نهتم بما يشغل قلبه. علّقَ سبيرجن (Spurgeon): “تُشبه كثرة الصلوات ولد يدق على باب أحدهم ليأخذ شيئاً، ولكنه لا ينتظر إلى أن يَفتح المعُطي الباب.”
- صلى يسوع في (مرقس ٣٩:١٤) وبولس في (كورنثوس الثانية ٨:١٢) مراراً وتكراراً لنفس الأمر. غير أن علينا الحذر من المثابرة بشك – بمعنى أن نكرار الصلاة لأننا نعتقد أن الله لم يسمعنا من المرة الأولى.
- هناك العديد من التناقضات بين هذا القاضي وبين الله الذي يسمع صلاتنا.
- كان القاضي غير عادل. أما الله فعادل.
- لم يهتم القاضي بمصلحة الأرملة. أما الله فيحب ويهتم بالذين يلتمسون وجهه.
- استجاب القاضي لطلبة الأرملة كانت لمصلحته الشخصية. يحب الله أن يبارك شعبه ويعمل لخيرهم دائماً.
- أَفَلَا يُنْصِفُ ٱللهُ مُخْتَارِيهِ، ٱلصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلًا: على الأرجح كان يسوع يفكر بصلاة المؤمنين المضطهدين، الذين يتوقون للعدالة ويصرخون نَهَارًا وَلَيْلًكيينصفهم الله ويتعامل مع مضطهديهم.
- من يعانون من الاضطهاد يحتاجون إلى نعمة خاصة للمثابرة في الصلاة دون ملل، ويحتاجون إلى دليل أن الله لا يشبه قاضي الظلم أبداً. لذا علينا أن نثابر في الصلاة للرب القادر أن يبدد كل الصعوبات ويحولها للخير.
- إلهُنا قاضٍ بار وعظيم:
- نأتي إلى قاضٍ كامل وسامي الصفات.
- نأتي إلى قاضٍ يحب ويهتم بأولاده.
- نأتي إلى قاضٍ حنان ورحيم.
- نأتي إلى قاضٍ يعرفنا.
- نأتي إلى هذا القاضي مع شفيعنا وهو الصديق الذي سيُمثلنا أمامه.
- نأتي إلى القاضي بوعود تشجعنا.
- نأتي إلى القاضي بإذن للدخول إلى محضره بأي وقت، قاضٍ يهتم بمصلحتنا الشخصية.
- وَلَكِنْ مَتَى جَاءَ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ ٱلْإِيمَانَ عَلَى ٱلْأَرْضِ؟: تربط هذه الآية كلام يسوع عن مجيئه الثاني في نهاية الإصحاح السابق. إلى أن نعرف من هو الله (ليس كقاضي الظلم) ونتعلم أن نصلي بلا ملل، فلن نملك الإيمان اللازم الذي يبحث عنه يسوع عند عودته.
ثانياً. دروس عن التواضع
أ ) الآيات (٩-١٤): مَثَل لتوبيخ البر الذاتي
٩وَقَالَ لِقَوْمٍ وَاثِقِينَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ، وَيَحْتَقِرُونَ ٱلْآخَرِينَ هَذَا ٱلْمَثَلَ: ١٠«إِنْسَانَانِ صَعِدَا إِلَى ٱلْهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَا، وَاحِدٌ فَرِّيسِيٌّ وَٱلْآخَرُ عَشَّارٌ. ١١أَمَّا ٱلْفَرِّيسِيُّ فَوَقَفَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ هَكَذَا: اَللَّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي ٱلنَّاسِ ٱلْخَاطِفِينَ ٱلظَّالِمِينَ ٱلزُّنَاةِ، وَلَا مِثْلَ هَذَا ٱلْعَشَّارِ. ١٢أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي ٱلْأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ. ١٣وَأَمَّا ٱلْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لَا يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلًا: ٱللهُمَّ ٱرْحَمْنِي، أَنَا ٱلْخَاطِئَ. ١٤أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هَذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا دُونَ ذَاكَ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ».
- لِقَوْمٍ وَاثِقِينَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ، وَيَحْتَقِرُونَ ٱلْآخَرِينَ: لا يمكننا تقريباً تجنب العلاقة بين الوَاثِقِينَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ وبين الذين يَحْتَقِرُونَ ٱلْآخَرِينَ. فإذا افترضت أني ناضج روحياً، سيكون من الأسهل، عندما أقارن نفسي بالآخرين، أن احتقرهم لأنهم بنظري جسديين في سيرهم مع الله.
- إِنْسَانَانِ صَعِدَا إِلَى ٱلْهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَا: نقرأ في هذا المَثَل عن رَجُلينِ صعدا ليُصليا، ولكنهما لم يأتيان إلى الله بنفس الطريقة. صعد الفريسي إلى الهيكل ليصلي، ولكنه لم يصلي، بل تكلم فِي نَفْسِهِ وليس مع الله. نلاحظ من صلاته القصيرة أنه ذكر نفسه ٥ مرات.
- “من الممكن توجيه كلامك لله، ولكنك في الواقع تصلي لنفسك، لأن تركيزك منصبٌ عليها وليس على الله. فشغفك هو تحقيق جدول أعمالك الخاص، وليس ما يريده الله. وموقف قلبك: لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتُكَ بَلْ إِرَادَتِي. وكان مليئاً بالحمد والثناء “ليس لله بل لنفسه.” بايت (Pate)
- اَللَّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي ٱلنَّاسِ: في (ما تُسمى) صلاته، مدح الفريسي نفسه، وقارنها مع بَاقِي ٱلنَّاسِ. فليس من الصعب أن نعتز بأنفسنا عندما نقارنها بالآخرين؛ وليس من المستحيل أن نجد أشخاص أسوأ منا.
- مِثْلَ هَذَا ٱلْعَشَّارِ: علّقَ بايت (Pate): “باستخدامه للضمير ’هذا‘(houtos) ميز الفريسي نفسه عن نظيره في الهيكل.”
- علّقَ كلارك (Clarke): “كان الحاخام شمعون بن جوكاي، أحد مُعلمي اليهود القدامى، نموذج جيد على هذا النوع من الكبرياء حين قال: “إِنْ وَجَدْ ثلاثين بَارًّا في العالم، فأكون أنا وابني من ضمنهم؛ وإن وجد هناك عشرون، فأنا وابني سنُشمل بالعدد؛ وإن وجد عشرة، فنكون معهم؛ وإن وجد خمسة، فحتماً أنا وابني سنكون من الخمسة؛ وإن وجد رجلين بارين في العالم أذاً هم أنا وابني، وإن كان هناك بارٌ واحد في العالم فحتماً هو أنا.”
- أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي ٱلْأُسْبُوعِ: جرت العادة أن يصوم اليهود مرتين في الأسبوع، في اليوم الثاني والخامس، لأنهم كانوا يؤمنون أن موسى صعد على جبل سيناء لتلقي الناموس في اليوم الخامس، ونزل مع الناموس في اليوم الثاني. علّقَ باركلي (Barclay): “الذين يريدون جزاءً خاصاً كان عليهم أن يصوموا في يومي الإثنين والخميس، وجدير بالذكر أن هذين اليومين هما أيام السوق في أورشليم حيث تكتظ المدينة وتزدحم بالريفيين، وكان الصائمون يبيضون وجوههم ويرتدون ثيابهم البالية، فتلك الأيام كانت أنسب وقت لعرض تقواهم على أكبر عدد من الناس.”
- كتب بايت (Pate): “أنا لست مثل هذا العشار، لأنه أسوأ مني بكثير، ويعتقد أنه أفضل مني.”
- وكتب موريس (Morris): “ما قاله الفريسي عن نفسه كان صحيحاً. فلم تكن مشكلته أنه كان بعيداً عن الطريق، بل كان على الطريق الخطأ.”
- مِثْلَ هَذَا ٱلْعَشَّارِ: علّقَ بايت (Pate): “باستخدامه للضمير ’هذا‘(houtos) ميز الفريسي نفسه عن نظيره في الهيكل.”
- وَأَمَّا ٱلْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لَا يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلًا: ٱللهُمَّ ٱرْحَمْنِي، أَنَا ٱلْخَاطِئَ: اِعتْمَدَ الفريسي على قوته الخاصة وعلى أعماله أمام الله، وأما العشار فقد اِعتْمَدَ على رحمة الله وتعاطفه. واِعْتَرَفَ أنه خاطئ ويحتاج إلى رحمة الله.
- يمكننا بسهولة أن نتخيل الفريسي وهو يُصلي بطلاقة مستخدماً كلمات بليغة ومصطلحات روحية كبيرة؛ ومن يسمعه سيقول أنه رجل متدين وروحي حقاً. في المقابل، يمكننا أن نتخيل العشار بصلاته الغريبة، حيث كان يتلعثم وكان مرتعداً؛ ولكن صلاته حازت على قبول الله.
- بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ: الفكرة من وراء ذلك هي إدراك المرء لخطيته وقلبه الفاسد. فكانوا يقرعون على صدورهم كنوع من العقاب. وفقاً لموريس (Morris)، الفعل في الآية قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ هي فعل مضارع؛ وتعني أنه اِسْتَمَرَّ في القرع على صدره. كتب سبيرجن (Spurgeon): ” لا يشير النص الأصلي أنه قرع على صدره مرة واحدة، بل مراراً وتكراراً. كان فِعْلٌ مستمر. يبدو وكأنه يقول: يا قلبيَّ الشرير، سأُسبب لك الأذى. لهذا اِستمر العشار في التعبير عن حزنه الشديد باستخدام هذه الإيماءة المأخوذة من تقاليد الشرق الأوسط، لأنه لم يعرف كيف يعبر عن حزنه.”
- اِعْتَقَدَ الفريسي أنه يختلف عن باقي الناس؛ وأنه كان أفضل منهم. واِعْتَقَدَ العشار أيضاً أنه لم يكن كباقي الناس؛ بل كان أسوأ منهم. كتب باركلي (Barclay): “كانت صلاته ’اللهم ارحمني أنا الخاطئ‘ أي لم يكن الخاطئ العادي بل كأنه الخاطئ الوحيد في العالم وفاقت خطاياه الجميع.” وأضاف سبيرجن (Spurgeon): “إن لم يكن هناك خاطئ آخر في العالم، كان هو ذلك الخاطئ؛ وفي عالم مليءٌ بالخطاة، كان هو أولهم – كبير الخطاة. وضع نفسه في خانة المذنب بشكلٍ لافتٍ للنظر.”
- ترجمة الكلمة اليونانية القديمة ٱرْحَمْنِي هي hilaskomai؛ وهي في الواقع كلمة تشير إلى الذبيحة الكفارية. فإذا أردنا أن نفهم صلاة العشار بالمعنى الأدق، فستكون: “ارحَمنِي يا اللهُ من أجل خاطر ذبيحتك الكفارية عن الخطايا، فَأنا إنسانٌ خاطِئ.” المكان الوحيد الذي اُستُخدمت فيه هذه الكلمة في العهد الجديد كان في الرسالة إلى العبرانيين ١٧:٢، وترجمت: كَفّارَةً.
- كتب سبيرجن (Spurgeon): “تم استخدام كلمات أقل في اللغة اليونانية الأصلية للتعبير عن هذه الصلاة عما في اللغات المترجمة. أتمنى أن يتعلم الناس الصلاة بكلمات أقل وبمعنى أكبر (أعمق). هذه الطِلبة البسيطة مليئة بالكنوز الرائعة: الله والرحمة والخطية والكفارة والغفران.”
- إِنَّ هَذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا دُونَ ذَاكَ: نزل العشار مُبرراً على الفور، لأنه جاء بتواضع إلى الله على أساس الذبيحة الكفارية. لم يكسب هذا التبرير، ولم يحظى بفترة تجريبية؛ بل إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا بكل بساطة.
- تَبَرر لأنه صلى بتواضع طالباً الرحمة، والرحمة تأتي بمعنى الذبيحة الكفارية. صلى: “يا رب، اقبل الذبيحة واغفر لي.”
- لم يصلِ: “ٱللهُمَّ ٱرْحَمْنِي، أَنَا لست كالفريسي.”
- لم يصلِ: “ٱللهُمَّ ٱرْحَمْنِي، أَنَا خاطئ نادم.”
- لم يصلِ: “ٱللهُمَّ ٱرْحَمْنِي، أَنَا خاطئ أصلي.”
- لم يصلِ: “ٱللهُمَّ ٱرْحَمْنِي، أَنَا مجرد بشر.”
- لم يصلِ: “ٱللهُمَّ ٱرْحَمْنِي، سأحسن من ادائي.”
- بل صلى ببساطة من كل روحه ونفسه وجسده: “ٱللهُمَّ ٱرْحَمْنِي، أَنَا ٱلْخَاطِئَ.”
- تَبَرر لأنه صلى بتواضع طالباً الرحمة، والرحمة تأتي بمعنى الذبيحة الكفارية. صلى: “يا رب، اقبل الذبيحة واغفر لي.”
- لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ: رأى الفريسي أن صلاته وحياته الروحية هي الطريقة ليرفع نفسه (وسيلة للتعالي)، ولكن العشار اقترب إلى الله بكل تواضع.
- التواضع الحقيقي هو ببساطة رؤية الأمور على حقيقتها. رأى الفريسي نفسه كشيء عظيم مع أنه لم يكن كذلك، ورأى العشار نفسه كخاطئ يحتاج إلى رحمة الله، وهو كذلك فعلاً.
- لن نستفيد إن أتينا إلى الله بكذبة الكبرياء. مبدأ: يُقَاوِمُ ٱللهُ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا ٱلْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً هام جداً لله وكرره ثلاث مرات (أمثال ٣٤:٣، يعقوب ٦:٤، بطرس الأولى ٥:٥).
ب) الآيات (١٥-١٧): الأطفال كمثال للتواضع
١٥فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ ٱلْأَطْفَالَ أَيْضًا لِيَلْمِسَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمُ ٱلتَّلَامِيذُ ٱنْتَهَرُوهُمْ. ١٦أَمَّا يَسُوعُ فَدَعَاهُمْ وَقَالَ: «دَعُوا ٱلْأَوْلَادَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلَا تَمْنَعُوهُمْ، لِأَنَّ لِمِثْلِ هَؤُلَاءِ مَلَكُوتَ ٱللهِ. ١٧اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لَا يَقْبَلُ مَلَكُوتَ ٱللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ».
- فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ ٱلْأَطْفَالَ أَيْضًا لِيَلْمِسَهُمْ: كان الأطفال يحبون الاقتراب من يسوع، وهذا يُظهر أمرٌ رائع عنه. فلم يكن شخصاً لئيماً وفظاً، فالأطفال لا يحبون مثل هؤلاء الأشخاص.
- كتب باركلي (Barclay): “اعتادت الأمهات إحضار أطفالهن في عيد ميلادهم الأول إلى أحد مُعلمي اليهود المشهورين ليباركهم.”
- لِيَلْمِسَهُمْ:عرف يسوع أن هؤلاء الأطفال، رغم عدم فهمهم لكلامه وتعليمه، سيتجاوبون مع لمسته. يعرف يسوع كيف يتواصل معنا بالطريقة التي نفهمها.
- تخبرنا الآية في متى ١٣:١٩ تحديداً: “لِكَيْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَيُصَلِّيَ” وهكذا بارك يسوع الأطفال. وضع الأيادي كانت الطريقة المعهودة في الكتاب المقدس لمباركة الآخرين (أعمال الرسل ٦:٦، ١٧:٨، ١٧:٩، تيموثاوس الأولى ٢٢:٥، تيموثاوس الثانية ٦:١).
- علّقَ سبيرجن (Spurgeon): “لم يعمدهم، بل باركهم.”
- دَعُوا ٱلْأَوْلَادَ يَأْتُونَ إِلَيَّ لا يجوز منع الأولاد من الاقتراب إلى يسوع، فهم يحبون ذلك، وعلينا أن نفتح الطريق أمامهم. فنحن اليوم نعرف عن يسوع أكثر بكثير من النساء اللواتي من منطقة اليهودية؛ ولهذا لا يوجد أي سبب يجعلنا نبعد أولادنا عنه.
- لِأَنَّ لِمِثْلِ هَؤُلَاءِ مَلَكُوتَ ٱللهِ: يحصل الأطفال على بركة يسوع دون الحاجة للعمل للحصول عليها، ودون التظاهر أنهم لا يحتاجون إليها. ونحن أيضاً نحتاج إلى الحصول على بركات الله بنفس الطريقة.
- كتب بايت (Pate): “لم يرحب يسوع بهذه الكائنات الصغيرة كأعضاء في ملكوت الله فحسب؛ ولكنه مدحهم لكونهم المواطنين الأمثل، بسبب قدرتهم على المحبة والثقة.”
ثالثاً. الغِنَى والتلمذة الحقيقية
أ ) الآيات (١٨-١٩): جاء الرئيس الغني عند يسوع
١٨وَسَأَلَهُ رَئِيسٌ قَائِلًا: «أَيُّهَا ٱلْمُعَلِّمُ ٱلصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لِأَرِثَ ٱلْحَيَاةَ ٱلْأَبَدِيَّةَ؟» ١٩فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ ٱللهُ.
- وَسَأَلَهُ رَئِيسٌ: عُرِفَ عن هذا الرجل بالرئيس الشاب الغني، فقد وصف بالرَئِيس في (لوقا ١٨:١٨)، وبالغني في (لوقا ٢٣:١٨)، وبالشاب في (متى ٢٣:١٩). نحن لا نعلم ما إذا كانت سلطته من العالم السياسي أم من العالم الديني.
- أَيُّهَا ٱلْمُعَلِّمُ ٱلصَّالِحُ: الطريقة التي خاطبه بها يسوع كانت مثيرة للإعجاب وربما للدهشة. لم يكن يطلق لقب “ٱلْمُعَلِّمُ ٱلصَّالِحُ” في زمن يسوع إلا على المعلمين اليهود (الحاخامات)، لأنه يعني ضمناً أن حامل اللقب كان بلا خطية وصالح. عَلِمَ يسوع، كما عَلِمَ الجميع، أن لقب ٱلْمُعَلِّمُ ٱلصَّالِحُ كان فريداً.
- استشهد بلامر (Plummer) عن جيلدنهويس (Geldenhuys): “لا توجد أية حادثة مُسجلة في التلمود عن مُعلم يهودي لُقِبَ بٱلْمُعَلِّمُ ٱلصَّالِحُ. فقد أصروا ألا يدعو أحداً ’صالحاً‘ سوى الله.”
- مَاذَا أَعْمَلُ لِأَرِثَ ٱلْحَيَاةَ ٱلْأَبَدِيَّةَ؟: يُظهر هذا السؤال بأن هذا الرجل، كباقي الناس، يبحث عن طريقة لكسب الحياة الأبدية. فقد أراد أن يعرف ما هو العمل الصالح أو النبيل الذي ينبغي أن يفعله ليرث الحياة الأبدية.
- لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟: بهذا السؤال، لم ينكر يسوع صلاحه. بل سأل الرجل: “هل أنت مدرك أنك دعوتني صالحاً؟ لأن لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ ٱللهُ.”
- وكأن يسوع يقول: “جئت لتسألني عن العَمَلُ الصالح الّذي عليك القيامُ بِهِ لترث الحياة الأبدية؛ ولكن ماذا تعرف حقاً عن الصلاح؟” علّقَ سبيرجن (Spurgeon): “الحجة واضحة هنا: إما أن يكون يسوع صالحاً فعلاً، أو لما كان ينبغي على الشاب أن يدعوه بالصالح؛ ولأنه ليس أحدٌ صالحاً إلا واحدٌ وهو الله، إذاً يسوع الصالح هو الله نفسه.”
- نستطيع القول أن الرئيس لم يكن يعرف حقاً من هو يسوع. وإن عَرِفَ من كان، لتواضع كما فعل العشار في القصة التي قالها يسوع في بداية الإصحاح (لوقا ١٠:١٩-١٤). تبين الآيات التالية أن هذا الشاب الغني لم يعرف حتى حقيقة نفسه أيضاً.
ب) الآيات (٢٠-٢١): يسوع يسأل الغني عن حياته
٢٠أَنْتَ تَعْرِفُ ٱلْوَصَايَا: لَا تَزْنِ. لَا تَقْتُلْ. لَا تَسْرِقْ. لَا تَشْهَدْ بِٱلزُّورِ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ». ٢١فَقَالَ: «هَذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي».
- أَنْتَ تَعْرِفُ ٱلْوَصَايَا: كان هذا الشاب يهودي مثقف، وكان يعرف ٱلْوَصَايَا بكل تأكيد. كان بإمكان يسوع أن يُسحره بهذه المعرفة المشتركة.
- قد لا يتفق البعض تماماً في وقتنا الحالي مع ٱلْوَصَايَا التي يشير إليها يسوع هنا. ولكن بشكل عام لا يختلفون معها، لأن الله يتحدث مع البشر من خلال الخليقة والضمير (رومية ١٩:١-٢٠، ١٤:٢-١٥).
- رغم معرفة الكثيرين للوصايا إما عن طريق التَعَلم أو بالغريزة، إلا أن بعضهم مهتم فقط بالسؤال الأساسي: “ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟”
- لَا تَقْتُلْ: سأل يسوع الشاب عن الوصايا التي لها علاقة بأخيه الإنسان. ورد عليه قائلاً: “هَذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي” وبهذا ادّعَى أنه تمم كل وصايا الله فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الآخرين.
- هَذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي: من العدل أن نتساءل إن كان حقاً قد حفظ كل الوصايا. ومن المحتمل أنه حفظها فعلاً بطريقة تجعله يبدو باراً في نظر الناس. تحدث بولس عن نفس الفكرة في رسالته إلى أهل فيلبي ٦:٣ “مِنْ جِهَةِ ٱلْبِرِّ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّامُوسِ: بِلَا لَوْمٍ.” ولكنه بالتأكيد لم يحفظها بالمعنى الكامل الذي تحدث عنه يسوع في موعظته على الجبل.
- كتب بايت (Pate): “عندما قال الشاب مُنْذُ حَدَاثَتِي فهو يشير إلى “بار متسفا” bar mitzvah (ابن الناموس)، وهو حفل يهودي ديني يقام عند بلوغ الشاب اليهودي ١٣ سنة، وبالتالي يُصبح مُلزماً بأداء كل الفرائض في شريعة موسى.”
ج ) الآيات (٢٢-٢٣): إرشادات يسوع للشاب الغني
٢٢فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ ذَلِكَ قَالَ لَهُ: «يُعْوِزُكَ أَيْضًا شَيْءٌ: بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَوَزِّعْ عَلَى ٱلْفُقَرَاءِ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَتَعَالَ ٱتْبَعْنِي». ٢٣فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ حَزِنَ، لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا جِدًّا.
- فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ ذَلِكَ: قال يسوع هذا الكلام لهذا الرجل بالتحديد في ضوء من كان وماذا قال. كانت تلك كلمة محددة له، ولكن المبدأ ينطبق على الجميع.
- يضيف مرقس في روايته أمر آخر. كتب مرقس: فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ… (مرقس ٢١:١٠). كان رد يسوع على هذا الرجل مليءٌ بالمحبة، لأنه أدرك الفراغ الذي بداخل هذا الشاب والضلال الذي كان يعيش فيه. نستطيع القول أن هذا الرجل صعد إلى أعلى درجة في سلم النجاح، ولكنه اكتشف أن السلم كان موضوعاً على المبنى الخطأ.
- يُعْوِزُكَ أَيْضًا شَيْءٌ: على الرغم من أن هذا الرجل كان يملك كل شيء: الغِنى والتقوى والاحترام والمكانة، إلا أن يسوع قال له: “يُعْوِزُكَ أَيْضًا شَيْءٌ.” كان يملك كل شيء ولكنه عرف أنه لا يملك الحياة الأبدية، وبالتالي لا يملك شيئًا.
- يُعْوِزُكَ أَيْضًا شَيْءٌ: بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَوَزِّعْ عَلَى ٱلْفُقَرَاءِ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَتَعَالَ ٱتْبَعْنِي: بدلاً من مواجهة الغني بكلامه حول حفظه للناموس (ويحق ليسوع أن يفعل ذلك) وجه نظره إلى ما يُسمى بالجدول الأول من الناموس – وهي الوصايا التي تتعلق بعلاقتنا مع الله. حثه يسوع على أن يضع الله أولاً؛ وأن يتمم الوصية الأولى في الناموس: تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ (سفر التثنية ٥:٦).
- تحدى يسوع الرجل وطلب منه أن يختار الله على المال والأشياء المادية عندما قال: “بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَوَزِّعْ عَلَى ٱلْفُقَرَاءِ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَتَعَالَ ٱتْبَعْنِي،”
- طلب يسوع من الرجل التخلي عن أمواله لأنه كان إلهه. وطلب منه أن يعطيه للفقراء لأنه عرف أنه لا يحب الآخرين كما يجب.
- بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَوَزِّعْ عَلَى ٱلْفُقَرَاءِ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَتَعَالَ ٱتْبَعْنِي: الدعوة للتخلي عن كل شيء وإتباع يسوع هي الدعوة لوضع الله أولاً وقبل كل شيء. هي الطاعة الكاملة للجدول الأول من الناموس الذي يتعامل مع علاقة الإنسان بالله.
- قد نرتكب خطأين هنا. الخطأ الأول أن نعتقد أن هذا الكلام ينطبق على الجميع. ولكن يسوع لم يعمم هذا الأمر على كل من يريد أن يكون تلميذاً، بل خصصه لهذا الغني التي كانت ثروته عقبة واضحة في طريقه ليصبح تلميذاً. فيمكن للأغنياء أن يفعلوا الكثير من الخير للعالم من خلال كسب المزيد من المال واستخدامه لمجد الله وخير الآخرين. أما الخطأ الثاني فهو الاعتقاد بأن هذا لا ينطبق على أحد. بل سفي الواقع، نستطيع القول أن حال البعض سيكون أفضل روحياً اليوم إن تخلوا عن الماديات التي تدمرهم. كان فرنسيس الأسيزي شخصاً مرموقاً، ولكنه عندما شعر أن يسوع يوجه له هذا الكلام شخصياً، قام وباع كل ما له وتبعه.
- رغم كل هذا، نلاحظ أن يسوع دعا الرجل أن يصبح تلميذاً له عندما قال: “ٱتْبَعْنِي.” وقد استخدم يسوع لغة مماثلة عندما دعا الكثير من التلاميذ (١٩:٤؛ ٢٢:٨؛ ٩:٩؛ مرقس ١٤:٢). طلب يسوع من هذا الرجل أن يتبعه بكل بساطة، ولكن الأمر لم يكن بسيطاً بالنسبة للغني لأنه يعني التخلي عن كل ثروته الغالية على قلبه.
- كتب تراب (Trapp): “لا تفكر كما يفعل الكثيرون ويقولون: لا يوجد جحيم أقصى من الفقر وسماء أفضل من الغِنى.”
- فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ حَزِنَ، لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا جِدًّا: تذكر باقي الأناجيل أن الرجل “مَضَى حَزِينًا” (متى ٢٢:١٩، ٢٢:١٠). أما لوقا فركز على تعبيرات وجهه وردة فعله: حَزِنَ (وتضيف ترجمات أخرى: حُزنًا شَديدًا). فعندما سمع دعوة يسوع له كي يصبح تلميذاً، قال: لا أستطيع ذلك. لا أستطيع التخلي عن كل شيء ببساطة. يبدو أنني سأذهب إلى الجحيم.
- حُزنًا شَديدًا وغَنِيًّا جِدًّا يا له من مزيج مأساوي، ومع ذلك يعتبر تصرفاً شائعاً لمن إلههم المال.
- المبدأ لا يتغير: قد يتحدى الله أحدهم ويطلب منه أن يتخلى عن أمر من أجل الملكوت، ولكن قد يسمح به لآخر. كثيرون يهلكون لأنهم لن يتخلوا عن أمر يطلبه الله منهم.
- حَزِنَ، لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا جِدًّا: كتب كلارك (Clarke): “ما قيمة هذه الأشياء بالمقارنة مع راحة الضمير والعقل؟ علاوة على ذلك، قدم يسوع الدليل القاطع بأن هذه الأمور لن تساهم في راحة الشاب الغني، لأنه أصبح الآن أكثر تعاسة رغم امتلاكه لكل ذلك المال. وهذا ما سيحصل مع كل نفس تضع الأشياء الأرضية مكان الله العظيم.”
د ) الآيات (٢٤-٢٧): مُشكلة الغِنى
٢٤فَلَمَّا رَآهُ يَسُوعُ قَدْ حَزِنَ، قَالَ: «مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي ٱلْأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ ٱللهِ! ٢٥لِأَنَّ دُخُولَ جَمَلٍ مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ ٱللهِ!». ٢٦فَقَالَ ٱلَّذِينَ سَمِعُوا: «فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟» ٢٧فَقَالَ: «غَيْرُ ٱلْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ ٱلنَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ ٱللهِ».
- فَلَمَّا رَآهُ يَسُوعُ: لم يغير يسوع متطلبات التلمذة عندما مضى الشاب الغني. ولكنه استخدم حُزن الغني كوسيلة لتعليم التلاميذ وكل السامعين.
- مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي ٱلْأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ ٱللهِ!: قد تُسبب الثروات مشكلة لأنها تشبعنا بهذه الحياة بدلاً من التطلع للحياة الأبدية. كما أنه يمكن للمرء أن يسعى وراء الثروات على حساب السعي وراء الله.
- أوضح يسوع في كلامه أن الثروات قد تُشكل عقبة أمام ملكوت الله. ونميل للتفكير بأن الفقر يمثل مشكلة. ولكن يسوع يؤكد لنا أنه يمكن للثروات أن تمثل مشكلة أخطر.
- نستثني عادة أنفسنا من هذا الكلام لأننا لا نعتبر أنفسنا أغنياء. ولكننا في الواقع نستمتع برفاهية اليوم مقارنة مع زمن يسوع، فما نملكه يعتبر حلم لكثيرين في زمن يسوع. لهذا فإن قصة الغني تنطبق علينا اليوم أكثر مما نتخيل.
- لِأَنَّ دُخُولَ جَمَلٍ مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ ٱللهِ!: يشرح يسوع الصعوبة التي تقدمها الثروات لدخول ملكوت الله مُقدماً هذه الصورة المضحكة. وعلى الفور سندرك أنه لأمر مستحيل.
- كتب موريس (Morris): “حاول كثيرون شرح هذه الآية التي تتكلم عن الجمل وثقب الإبرة. بعضهم استخدم فكرة الجمل الذي يزحف للدخول من بوابة خلفية صغيرة. والبعض تلاعب بحروف كلمة جمل في اللغة اليونانية لتصبح حبل… الخ. ولكن مثل هذه التفسيرات ليست صحيحة على الإطلاق، وتبعد كل البعد عن الفكرة الرئيسية وهي أن يسوع بكل بساطة، استخدم صورة مضحكة.”
- كتب باركلي (Barclay): “استخدم المعلمين اليهود هذه الجملة: ’يعسر دخول فيل من ثقب إبرة‘ ولكن بسخرية لأنها كانت فكرة خيالية.” لطَفَ يسوع هذا المثل الشعبي المعروف لأن يبدو أن طريقة استخدامه في ذلك الوقت كانت سوقية بعض الشيء. خلاصة الأمر، نعرف أن الجَمَل أصغر حجماً من الفيل، ولكن هذا لا يغير فكرة أنه غير قادر على الدخول من ثقب إبرة.
- فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟: كانت ردة الفعل هذه طبيعية وتتوافق مع الطبيعة البشرية. فنستطيع الآن أن نرى كيف يمكن للثروات أن تعيقنا من ملكوت الله. فغالباً ما ينصب تفكيرنا على البركة والخير الذي تجلبه الثروات فقط.
- كانوا على الأرجح يأملون عند إتباعهم ليسوع أن يصبحون أغنياء وقادة ولهم تأثير في مملكتِهِ. علّقَ فرانس (France) على هذا: “يبدو أن طريقة حياة يسوع وتلاميذه كانت تختلف تماماً وبشكل واضح عن الثقافة التي كانت تعتبر أن الِغنى هو علامة على بركة الله، وأن على المعلم الديني أن يكون معتدلاً مادياً.”
- نتذكر كلام بولس لتيموثاوس: وَأَمَّا ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ، تُغَرِّقُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْعَطَبِ وَٱلْهَلَاكِ. لِأَنَّ مَحَبَّةَ ٱلْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ ٱلشُّرُورِ، ٱلَّذِي إِذِ ٱبْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ ٱلْإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ (تيموثاوس الأولى ٩:٦-١٠).
- غَيْرُ ٱلْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ ٱلنَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ ٱللهِ: من الممكن لشخص غني أن يَخلُص. فنعمة الله تكفي لخلاص أي غني؛ ولدينا أمثلة عن أشخاص مثل زَكَّا ويُوسُفُ مِنَ ٱلرَّامَةِ وبَرْنَابَا، كانوا أغنياء ولكنهم استطاعوا أن يضعوا الله في المكانة الأولى وليس ثرواتهم.
- “لم يقل يسوع أن كل الفقراء سيدخلون ملكوت الله فقط، ولن يدخلها أيٌ من الأثرياء. لأن هذا سيستثني إبراهيم ويعقوب وإسحق، ولا داعي لذكر داود وسليمان ويوسف من الرامة.” كارسون (Carson)
- “يحاول الإنسان دائماً أن يدخل في ملكوت الله شخصياً واجتماعياً عبر المساعي البشرية، ولكن هذا لن ينجح أبداً. فغير المستطاع عند الناس مُستطاع عند الله.” مورغان (Morgan)
هـ) الآيات (٢٨-٣٠): مكافأتنا والحل لمشكلة الثراء
٢٨فَقَالَ بُطْرُسُ: «هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ». ٢٩فَقَالَ لَهُمُ: «ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتًا أَوْ وَالِدَيْنِ أَوْ إِخْوَةً أَوِ ٱمْرَأَةً أَوْ أَوْلَادًا مِنْ أَجْلِ مَلَكُوتِ ٱللهِ، ٣٠إِلَّا وَيَأْخُذُ فِي هَذَا ٱلزَّمَانِ أَضْعَافًا كَثِيرَةً، وَفِي ٱلدَّهْرِ ٱلْآتِي ٱلْحَيَاةَ ٱلْأَبَدِيَّةَ».
- هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ: تخلى التلاميذ عن كل شيء (أو المعظم على الأقل) ليتبعوا يسوع، على عكس الشاب الغني. ويتساءل بطرس هنا عن المكافأة التي سيحصل عليها الذين أطاعوا.
- سيحظى هؤلاء التلاميذ بمقامٍ رفيع. وسيكون لهم مكانة خاصة في دينونة العالم، وربما سيديرون بعض الأمور في الحُكم الألفي. بالإضافة إلى ذلك، كان لهم الشرف في بناء أساس واحد للكنيسة (أفسس ٢٠:٢)، وتكريم خاص في أورشليم الجديدة (رؤيا يوحنا ١٤:٢١).
- ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ: قد تكون هناك مكافأة مميزة للِٱثْنَي عَشَر، ولكن سيكون هناك شرف كبير لكل الذين ضحوا من أجل خاطر يسوع. وكل ما تركنا من أجله، سيرجع لنا أَضْعَافًا كَثِيرَةً، سواء فِي هَذَا ٱلزَّمَانِ، وَفِي ٱلدَّهْرِ ٱلْآتِي ٱلْحَيَاةَ ٱلْأَبَدِيَّةَ.”
- أَضْعَافًا كَثِيرَةً: لا تعني طبعاً التعويض المادي. فلم يعدنا يسوع بمائة زوجة. بل أَضْعَافًا كَثِيرَةً من الناحية الروحية.
- وصف ماثيو بوله (Matthew Poole) بعض الطرق للحصول على أَضْعَافًا كَثِيرَةً:
- فرح في الروح القدس وراحة الضمير والتلامس مع محبة الله.
- القناعة. سيملكون قناعة في كل الأمور.
- سيحرك الله قلوب الآخرين ليسدد احتياجهم بطرق تفوق التوقعات.
- سيعوضهم الله أحياناً في هذه الحياة، كما فعل مع أيوب بعد التجربة وحصل على ثروات أكبر.
- المبدأ لا يتغير: الله لا يبقى مديونًا لأحد. من المستحيل أن نعطي لله أكثر من عطاياه لنا. القلب السخي يحفظ الإنسان من فساد الغِنى. علينا جميعاً أن نُطبق ما جاء في المزمور ١٠:٦٢ “إِنْ زَادَ ٱلْغِنَى فَلَا تَضَعُوا عَلَيْهِ قَلْبًا.” العطاء هو المفتاح.
و ) الآيات (٣١-٣٤): يُعلن يسوع ثانية عن مصيره القادم في أورشليم
٣١وَأَخَذَ ٱلِٱثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ: «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَسَيَتِمُّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِٱلْأَنْبِيَاءِ عَنِ ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ، ٣٢لِأَنَّهُ يُسَلَّمُ إِلَى ٱلْأُمَمِ، وَيُسْتَهْزَأُ بِهِ، وَيُشْتَمُ وَيُتْفَلُ عَلَيْهِ، ٣٣وَيَجْلِدُونَهُ، وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ». ٣٤وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَكَانَ هَذَا ٱلْأَمْرُ مُخْفًى عَنْهُمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا مَا قِيلَ.
- هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ: لم يتفاجأ التلاميذ من هذا الكلام. حتى لو لم يخبرهم يسوع، كان من الواضح أنهم سيكونون في أُورُشَلِيمَ وقت عيد الفصح بناءاً على طريقة سيرهم من جنوب الجليل.
- وَسَيَتِمُّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِٱلْأَنْبِيَاءِ عَنِ ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ: شدد يسوع عندما قال ” كُلُّ” على الجوانب المتعلقة بابْنِ ٱلْإِنْسَانِ التي كان يتجاهلها الشعب اليهودي في زمنه، أي أن المسيا سيتألم ويموت من أجل الخطايا.
- لِأَنَّهُ يُسَلَّمُ إِلَى ٱلْأُمَمِ، وَيُسْتَهْزَأُ بِهِ، وَيُشْتَمُ وَيُتْفَلُ عَلَيْهِ: ذَكَرَ يسوع تلاميذه بالألم القادم والموت، مركزاً على العار والإذلال الذي سيتعرض إليه.
- أَنَّهُ يُسَلَّمُ: تشير الآية هنا عن خيانة يسوع. فسوف يقوم أحد التلاميذ بتسليمه إلى القادة اليهود مقابل المال. لم يرتب يسوع هذه الخيانة بكل تأكيد، ولكنه كان يعلم أنه أمر واقع.
- وَيُسْتَهْزَأُ بِهِ، وَيُشْتَمُ وَيُتْفَلُ عَلَيْهِ: تنبأ يسوع عن الإِذلاَل والسخرية المرافقة لآلامه القادمة – والتي لا يمكن ترتيبها على المستوى البشري. كتب سبيرجن (Spurgeon): “نتفوا شعره وضربوه على وجهه وتفلوا عليه. فلا يمكن للسخرية أن تفعل المزيد. كانت سخرية قاسية ولاذعة وكريهة.”
- وَيَجْلِدُونَهُ: كان الجلد عنيفاً ووحشياً وكان الهدف منه إذلال يسوع وتعذيبه بطريقة لا تُحتمل.
- وَيَقْتُلُونَهُ:لن تنتهي المعاناة بالإذلال والضرب المبرح. بل ستستمر إلى أن يقتلوا يسوع.
- وفي النهاية، كانت كلها صورة تُعبر عن معاناة لا توصف.
- عانى من عدم ولاء أصدقائه
- عانى من الظُلم
- عانى من الإهانة المتعمدة
- عانى من الآلام الجسدية
- عانى من الإذلال الشديد والخزي
- وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ: أخبر يسوع تلاميذه بأن قصته لن تنتهي بالألم والذل والموت. بل فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ في مجد القيامة.
- كان يبدو وكأن الأمر خرج عن سيطرة يسوع. ومع ذلك، أعلن بثقة لتلاميذه أن هذا سيحدث.
- وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا: صحيح أنهم سمعوا كلام يسوع، ورأوا تعبيرات وجهه، ولكنهم لم يفهموا – لأن هَذَا ٱلْأَمْرُ مُخْفًى عَنْهُمْ. لم يستطيعوا أن يروا أو يفهموا الحق إلى أن فتح الله أعينهم.
- ولعل السبب في أن الله لم يفتح عيونهم ليروا الحق بعد، لأنهم لا يستطيعون تَحَمُلهُ. فلو عرفوا حقاً ماذا سيحدث ليسوع، وكم كان ذلك مختلفاً عما تخيلوه عن حُكم المسيا المجيد والمنتصر، فربما استسلموا في ساعتها.
- قال جيلدنهيز (Geldenhuys): “لم يُعلم القادة اليهود عن المسيا المتألم (المسيا ابن يوسف) بقدر المسيا المنتصر (المسيا ابن يهوذا) إلا بعد فترة من الزمن.”
ز ) الآيات (٣٥-٣٩): أعمى يتوسل عطف يسوع في أريحا
٣٥وَلَمَّا ٱقْتَرَبَ مِنْ أَرِيحَا كَانَ أَعْمَى جَالِسًا علَى ٱلطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي. ٣٦فَلَمَّا سَمِعَ ٱلْجَمْعَ مُجْتَازًا سَأَلَ: «مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا؟». ٣٧فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ مُجْتَازٌ. ٣٨فَصَرَخَ قَائِلًا: «يَا يَسُوعُ ٱبْنَ دَاوُدَ، ٱرْحَمْنِي!». ٣٩فَٱنْتَهَرَهُ ٱلْمُتَقَدِّمُونَ لِيَسْكُتَ، أَمَّا هُوَ فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيرًا: «يَا ٱبْنَ دَاوُدَ، ٱرْحَمْنِي!».
- وَلَمَّا ٱقْتَرَبَ مِنْ أَرِيحَا: كانت أَرِيحَا من أكثر الطرق استخداماً للتنقل ما بين الجليل وأورشليم. ويعني ٱقْتَرَب يسوع من هذه المدينة القديمة أنه لم يكن بعيداً عن أورشليم وعن المصير الذي كان ينتظره هناك. نقرأ في مرقس ٤٦:١٠ أن اسم الرجل الأعمى كان بَارْتِيمَاوُسُ ٱبْنُ تِيمَاوُسَ.
- لم يتمكن الرجل الأعمى من رؤية يسوع، ولكنه اِستَطاعَ أن يسمعه فَلَمَّا سَمِعَ ٱلْجَمْعَ مُجْتَازًا سَأَلَ: «مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا؟». وبدلاً من الاستسلام لأنه لم يتمكن من رؤية يسوع، طلبه بالطريقة التي كانت متاحة له – عن طريق السمع.
- كتب كل من متى (٢٩:٢٠) ومرقس (٤٦:١٠) أن هذه المعجزة حدثت فِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ أَرِيحَا مَعَ تَلَامِيذِهِ وَجَمْعٍ غَفِيرٍ. ويمكننا فهم التناقض الذي يبدو واضحاً مع إنجيل لوقا في ضوء علم الآثار الذي كشف أنه كان هناك مدينتين في زمن يسوع تدعيا أريحا: المدينة القديمة والمدينة الرومانية الحديثة. وقد وقعت المعجزة بين هاتين المدينتين، تركوا الواحدة ودخلوا الأخرى.
- فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيرًا: سمع الرجل أنه كان مُجْتَازًا، وأراد بشدة أن يلفت اِنتباه يسوع. ولن يوقفه شعوره بالحرج ولن يصمت. عرف أن يسوع هو ٱبْنَ دَاوُدَ، أي المسيا المنتظر، واستمر يصرخ طالباً رحمته.
- يشير وليم باركلي إلى وجود اِختلاف في الكلمة اليونانية القديمة المستخدمة لوصف ما فعله الرجل الأعمى في لوقا ٣٨:١٨ و٣٩:١٨، وتُظهر قنوط ويأس الرجل الأعمى:
- فَصَرَخَ:في الآية ٣٨ تصف الصراخ العالي ليلفت الأنظار إليه.”
- فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيرًا: “في الآية ٣٩ تصف العواطف الجياشة المتدفقة وغير المنضبطة كصراخ حيوان يزأر ويجأر.”
- ٱرْحَمْنِي: عرف الرجل الأعمى أنه يحتاج إلى الرحمة من يسوع. لم يعتقد أن الله مديون له بشيء؛ وكل طلبه كان الرحمة.
- يشير وليم باركلي إلى وجود اِختلاف في الكلمة اليونانية القديمة المستخدمة لوصف ما فعله الرجل الأعمى في لوقا ٣٨:١٨ و٣٩:١٨، وتُظهر قنوط ويأس الرجل الأعمى:
ح ) الآيات (٤٠-٤٣): شفاء الرجل الأعمى
٤٠فَوَقَفَ يَسُوعُ وَأَمَرَ أَنْ يُقَدَّمَ إِلَيْهِ. وَلَمَّا ٱقْتَرَبَ سَأَلَهُ ٤١قَائِلًا: «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟». فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، أَنْ أُبْصِرَ!». ٤٢فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَبْصِرْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ». ٤٣وَفِي ٱلْحَالِ أَبْصَرَ، وَتَبِعَهُ وَهُوَ يُمَجِّدُ ٱللهَ. وَجَمِيعُ ٱلشَّعْبِ إِذْ رَأَوْا سَبَّحُوا ٱللهَ.
- فَوَقَفَ يَسُوعُ: لا شيء يمكن تعطيل رحلته إلى أورشليم؛ ومع ذلك توَقَفَ للرد على الصراخ المتواصل للرحمة.
- مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟: يا له من سؤال رائع وبسيط، ولم يتوقف الله يوماً عن طرحه. ندخل محضر الله أحياناً ونخرج دون الحصول على ما يريد الله أن يعطيه لنا، وذلك لأننا ببساطة لا نجيب عن هذا السؤال، ولا نملك لأننا لا نطلب (٢:٤).
- سأل يسوع هذا السؤال رغم معرفته الكاملة أن هذا الرجل كان أعمى. وكان يعرف تماماً ما يحتاج إليه وماذا يريد، ومع ذلك يريدنا الله أن نخبره عن طلباتنا واحتياجاتنا كوسيلة للتعبير المستمر عن ثقتنا به واعتمادنا عليه.
- يَا سَيِّدُ (يَارَبُّ – ترجمة أخرى)، أَنْ أُبْصِرَ!: عرف الرجل الأعمى كيف يخضع ليسوع – دعا يسوع “يَا سَيِّدُ” وطلب أن يبْصِرَ.
- أَبْصِرْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ: استجاب يسوع لطلب الأعمى وشفاه، وربط شفاءه بإيمانه. كان هناك العديد من المظاهر الواضحة لإيمان الرجل مما جعله مستعداً لاستقبال الرد من يسوع.
- الإيمان طلب يسوع.
- الإيمان عرف من يكون.
- الإيمان عرف ما يستحق من يسوع.
- الإيمان عرف ماذا يطلب من يسوع.
- الإيمان وحده قادر أن يدعو يسوع “يَارَبُّ.”
- وَفِي ٱلْحَالِ أَبْصَرَ، وَتَبِعَهُ وَهُوَ يُمَجِّدُ ٱللهَ: تبع الرجل الأعمى يسوع بعد أن نال الشفاء والخلاص. وهكذا أصبحت طريق يسوع هي طريقه. وكان هذا مهم للغاية إذا أخذنا بالاعتبار أن يسوع كان في طريقة إلى أورشليم ليُصلب.