إنجيل لوقا – الإصحاح ١٤
الأعياد والدعوات
أولاً. معجزة شفاء يوم السبت
أ ) الآية (١): يسوع يأكل في بيت أَحَدِ رُؤَسَاءِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ
١وَإِذْ جَاءَ إِلَى بَيْتِ أَحَدِ رُؤَسَاءِ الْفَرِّيسِيِّينَ فِي السَّبْتِ لِيَأْكُلَ خُبْزًا، كَانُوا يُرَاقِبُونَهُ.
- وَإِذْ جَاءَ إِلَى بَيْتِ أَحَدِ رُؤَسَاءِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ فِي ٱلسَّبْتِ لِيَأْكُلَ خُبْزًا: على الرغم من نزاعاته مع الفريسيين، إلا أن يسوع لا يزال يتعامل معهم – لا لكي يكون واحداً منهم، ولكن ليحبهم ويكون لهم مثالاً صالحاً.
-
كَانُوا يُرَاقِبُونَهُ: كان يسوع تحت المراقبة المستمرة، وأرادوا أن يعرفوا ماذا سيفعله في مواقف مختلفة، وبناءً على ذلك كَوَّنَوا آرائهم حوله (وحول إلهه).
- رَاقِبُونَهُ: كتب باركلي (Barclay): “تشير كلمة يُرَاقِبُونَهُ المستخدمة هنا إلى التجسس بهدف المعرفة أو التجسس بهدف شرير. وكتب تراب (Trapp): “كانوا يراقبونه كما يراقب الكلب العظمة بكل اهتمام.”
- يشرح بولس في كورنثوس الثانية ٢:٣-٣ بأننا رسالة يسوع الَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ؛ وهذه الرسالة ليست مكتوبة بحبٍر، بل بالروح القدس، وليست مكتوبة على ورق، ولكن مَكْتُوبَةً فِي قُلُوبِنَا. فحياتنا هي الإنجيل الوحيد الذي سيقرأه الكثيرين.
ب) الآيات (٢-٤): يسوع يشفي المريض أمام منتقديه
٢وَإِذَا إِنْسَانٌ مُسْتَسْقٍ كَانَ قُدَّامَهُ. ٣فَأَجَابَ يَسُوعُ وَكَلَّمَ ٱلنَّامُوسِيِّينَ وَٱلْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلًا: «هَلْ يَحِلُّ ٱلْإِبْرَاءُ فِي ٱلسَّبْتِ؟». ٤فَسَكَتُوا. فَأَمْسَكَهُ وَأَبْرَأَهُ وَأَطْلَقَهُ.
- وَإِذَا إِنْسَانٌ مُسْتَسْقٍ كَانَ قُدَّامَهُ. (مَرَضِ الاستِسقاءِ): كان هذا المريض من المدعوين لأن الأمر حدث في بَيْتِ أَحَدِ رُؤَسَاءِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ (لوقا ١:١٤). ويعتقد البعض أن الهدف من دعوة المريض كانت ببساطة للإيقاع بيسوع.
- علّقَ كلارك (Clarke): “ربما دعا الفريسي المريض إلى بيته، لأنه كان متأكداً أن عين الرب ستؤثر على قلبه وسيشفيه في الحال؛ وعندها سيتهمه بالجرم المشهود لخرقه يوم السبت. وإذا كان هذا هو الهدف، وهو كذلك على الأرجح، فهذا يُظهر مدى خبث هذا الفريسي!”
- كان الرجل مصاباً بمَرَضِ الاستِسقاءِ، ويشرح ليفيلد (Liefeld): “أنه تراكم غير طبيعي للسوائل المصلية (سوائل مختلفة في الجسم) في أنسجة الجسم.” ويضيف باركلي (Barclay):”ونتيجة لهذا التجمع في التجاويف والأنسجة، يتضخم جسم الإنسان.” تأتي كلمة مُسْتَسْقٍ هنا من كلمات اليونانية مثل: “المياه” و “الوجه” أو “الملامح” لأن هذا المرض في كثير من الأحيان يؤدي إلى انتفاخ الوجه وتغيير الملامح.
- فَأَجَابَ يَسُوعُ: علّقَ مورغان (Morgan) على هذه الآية: “كلمة فَأَجَابَ ملفتة للنظر. فهؤلاء الرجال لم يتفوهوا بكلمة ومع ذلك أجابهم.” لم يجيب عن تساؤلهم بطرح سؤالٍ فقط بل بالعمل أيضاً.
- هَلْ يَحِلُّ ٱلْإِبْرَاءُ فِي ٱلسَّبْتِ؟: لم يتعلق الأمر بعملية الشفاء بحد ذاتها، بل بالشفاء فِي ٱلسَّبْتِ. عندما شفى يسوع الرجل، قال متهموه أنه عمل في السبت وانتهك وصية الله، ولكن هذا لم يكن صحيحاً. ذكّرهم يسوع بهذا السؤال أنه لم تكن هناك وصية تمنع الشفاء في السبت.
- لم يكسر يسوع وصايا الله قط، ولكنه أحياناً كان يسيء إلى التقاليد البشرية التي كانت تزيد على وصايا الله. فوصايا الله بحد ذاتها كافية، ولا ينبغي علينا أن نساوي تقاليد البشر – حتى الجيدة منها – بوصايا الله (مرقس ٨:٧-٩).
- سَكَتُوا: من الجدير بالذكر أن المشتكون لم يقدروا أن يجيبوا على سؤال يسوع.
- فَأَمْسَكَهُ وَأَبْرَأَهُ وَأَطْلَقَهُ: نلاحظ أنه كلما قام يسوع بشفاء أحدهم، لم تكن هناك أية احتفالات أو خزعبلات. كان يشفي بكل بساطة وبدون أي ضجيج، وكان الشفاء كاملاً. إضافة إلى ذلك، تغير مظهر هذا الرجل عندما نال الشفاء، لأن هذا المرض كان عادة يشوه الهيئة. يا لها من معجزة رائعة حقاً.
ج ) الآيات (٥-٦): يشرح يسوع لماذا يجوز الشفاء يوم السبت
٥ثُمَّ أجَابَهم وَقَالَ: «مَنْ مِنْكُمْ يَسْقُطُ حِمَارُهُ أَوْ ثَوْرُهُ فِي بِئْرٍ وَلَا يَنْشُلُهُ حَالًا فِي يَوْمِ ٱلسَّبْتِ؟». ٦فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُجِيبُوهُ عَنْ ذَلِكَ.
- مَنْ مِنْكُمْ يَسْقُطُ حِمَارُهُ أَوْ ثَوْرُهُ فِي بِئْرٍ وَلَا يَنْشُلُهُ حَالًا فِي يَوْمِ ٱلسَّبْتِ؟: رغم أن منطق يسوع كان بسيطاً، إلا أنه كان يستحيل الجدل. فإذا كان يجوز مساعدة الحيوانات يوم السبت، أليس الأهم شفاء الناس المخلوقين على صورة الله؟
- علّقَ بايت (Pate): “إن أجابوه بلا، فسيكشفون عن حقيقتهم: قادة بلا رحمة. وإن أجابوه بنعم، سيكسرون قوانينهم الخاصة التي تحكم السبت.”
- فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُجِيبُوهُ عَنْ ذَلِكَ: التشبيه الذي استخدمه يسوع جعلهم عاجزين حتى عن الإجابة، لأنه خاطب الصلاح الذي بداخلهم. وكأنه يقول: “أنتم لستم قساة ومتوحشين. لأنكم حتماً ستساعدون حيواناتكم إن سقطت يوم السبت. والآن، ما رأيكم أن تزيدوا من كرمكم وتساعدوا الناس المحتاجة!”
- كتب مورغان (Morgan): “في حين وبخ الرب إتجاه قلب هؤلاء الرجال، إلا أنه فعل ذلك بالتركيز على ما هو صالح بداخلهم ودعاهم أن يكونوا حقيقيين مع أنفسهم. فلم يكن هدفه أن يخزيهم بل أن يخلصهم.”
ثانياً. تعليم يسوع عن الكبرياء والتواضع
أ ) الآية (٧): خلفية هذا التعليم
٧وَقَالَ لِلْمَدْعُوِّينَ مَثَلًا، وَهُوَ يُلَاحِظُ كَيْفَ ٱخْتَارُوا ٱلْمُتَّكَآتِ ٱلْأُولَى قَائِلًا لَهُمْ:
- وَقَالَ لِلْمَدْعُوِّينَ مَثَلًا: أخذ يسوع مَثَل من واقع الحياة ليفسر حق كتابي. فالأمثال ليست خرافات أو قصص خيالية تحمل عبرة أخلاقية. فقد كان يسوع يأخذ مواقف من الحياة مألوف للجميع، ويحولها للحديث عن حق إلهي، بهدف أن يسمعها من كانوا مفتوحين لسماع الحق.
- وَهُوَ يُلَاحِظُ كَيْفَ ٱخْتَارُوا ٱلْمُتَّكَآتِ ٱلْأُولَى: لاحظ يسوع وهو في بيت الفريسي كيف وضع الناس أنفسهم بأماكن استراتيجية كي يكونوا في ٱلْمُتَّكَآتِ ٱلْأُولَى؛ أي في الأماكن الأكثر فخراً وشرفاً؛ مكان الصدارة.
- في زمن يسوع، كان ترتيب المقاعد على مائدة العشاء يعتمد على المنزلة أو المقام. فالشخص ذو المنزلة الأعلى كان يجلس في مقعد معين، وبجانبه يجلس من له منزلة أقل بقليل، وهكذا دواليك.
ب) الآيات (٨-٩): تفادى اختيار ٱلْمُتَّكَإِ ٱلْأَوَّلِ
٨مَتَى دُعِيتَ مِنْ أَحَدٍ إِلَى عُرْسٍ فَلَا تَتَّكِئْ فِي ٱلْمُتَّكَإِ ٱلْأَوَّلِ، لَعَلَّ أَكْرَمَ مِنْكَ يَكُونُ قَدْ دُعِيَ مِنْهُ. ٩فَيَأْتِيَ ٱلَّذِي دَعَاكَ وَإِيَّاهُ وَيَقُولَ لَكَ: أَعْطِ مَكَانًا لِهَذَا. فَحِينَئِذٍ تَبْتَدِئُ بِخَجَلٍ تَأْخُذُ ٱلْمَوْضِعَ ٱلْأَخِيرَ.
- مَتَى دُعِيتَ مِنْ أَحَدٍ إِلَى عُرْسٍ: كان حفل الزفاف من أهم المناسبات الإجتماعية عند اليهود في ذلك الوقت. ويشير ترتيب المقاعد حول الطاولة إلى مكانة المرء في المجتمع.
- فَلَا تَتَّكِئْ فِي ٱلْمُتَّكَإِ ٱلْأَوَّلِ: إذا أخذ المرء ٱلْمُتَّكَإِ ٱلْأَوَّلِ، قد يطلب المُضيف منه الإنتقال إلى مقعد آخر لَعَلَّ أَكْرَمَ مِنْكَ يَكُونُ قَدْ دُعِيَ مِنْهُ.
- ليس لدينا في الغرب نفس هذه العادات في حفل الزفاف. ولكن هناك مناسبات عدة في الحياة المعاصرة يستعرض فيها المرء نفسه ويظهر مدى أهميته واعتزازه بذاته.
- فَحِينَئِذٍ تَبْتَدِئُ بِخَجَلٍ تَأْخُذُ ٱلْمَوْضِعَ ٱلْأَخِيرَ: ذكّرهم يسوع بالخجل الذي غالباً ما يصيب المرء الذي يمجد ذاته. عندما نسمح للآخرين (وخاصة الله) بتعزيزنا ورفِعنا، فلن نتعرض لنفس الخطر الذي يتعرض له الشخص الذي يرفع نفسه.
- يذكرنا الكتاب المقدس بألا نروج لأنفسنا. بل أن نعمل بجد كما للرب وليس للناس، واسمح للرب أن يرفعك. فَإِنَّ الرِّفْعَةَ لاَ تَأْتِي مِنَ الْمَشْرِقِ وَلاَ مِنَ الْمَغْرِبِ. وَلاَ مِنَ الشِّمَالِ وَلاَ مِنَ الْجَنُوبِ. فَاللهُ هُوَ الدَّيَّانُ، يَرْفَعُ وَاحِداً وَيَخْفِضُ آخَرَ (مزمور ٧٥: ٦-٧).
ج ) الآيات (١٠-١١): اختار ٱلْمَوْضِعِ ٱلْأَخِيرِ، ودع الله يرفعك
١٠بَلْ مَتَى دُعِيتَ فَٱذْهَبْ وَٱتَّكِئْ فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلْأَخِيرِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ ٱلَّذِي دَعَاكَ يَقُولُ لَكَ: يَا صَدِيقُ، ٱرْتَفِعْ إِلَى فَوْقُ. حِينَئِذٍ يَكُونُ لَكَ مَجْدٌ أَمَامَ ٱلْمُتَّكِئِينَ مَعَكَ. ١١لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ».
- فَٱذْهَبْ وَٱتَّكِئْ فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلْأَخِيرِ: عندما تختار الموضع الأخير، لا تختاره كي يلاحظك الآخرين ويدعونك للجلوس في مكان أفضل. ولا تجلس هناك عابساً وبائساً وتجعل الكل يرى ذلك من تعبيرات وجهك. فهناك شيء رائع في القناعة بأي مكان يعطيه الله لك.
- لم يُعَلِم يسوع مجرد مجموعة من الآداب العامة الجيدة، بل علمهم أسلوب حياة: بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ ٱلْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (فيلبي ٣:٢).
- يَا صَدِيقُ، ٱرْتَفِعْ إِلَى فَوْقُ. حِينَئِذٍ يَكُونُ لَكَ مَجْدٌ أَمَامَ ٱلْمُتَّكِئِينَ مَعَكَ: إذاً، علينا أن نفرح بالمتكأ الأخير؛ ولا نتكبر معتقدين أننا لا ننتمي هناك. وإن دعانا صاحب العرس لنجلس في مكان أفضل، عندها لن نعترض (حِينَئِذٍ يَكُونُ لَكَ مَجْدٌ أَمَامَ ٱلْمُتَّكِئِينَ مَعَكَ).
- هناك شيء رائع في معرفة أن الله هو من رفعك، خاصة في الخدمة المسيحية، بدلاً من أن ترفع أنت نفسك لتظهر للآخرين بصورة مختلفة.
- لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ: عندما نسعى إلى رفع ذواتنا، حتماً سننكسر – إن لم يكن على الأرض، فبالأبدية. فالوعد بأن مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ سيتحقق في الأبدية حتماً.
- صحيح أننا نملك في الغرب نفس الثقافة في أعراسنا. ونرغب بالتأكيد في الحصول على مكانة أو منزلة معينة. وتعلمنا كيف نفعل ذلك بغطاء روحي.
- قد نختار المكان الأدنى ونتصرف بوداعة وبتواضع، كي يلاحظ الآخرين تواضعنا. وهذا النوع المتخفي من الكبرياء الروحي خطير جداً.
- عندما نصل إلى المكانة التي كنا نسعى إليها، إما عن طريق الكبرياء الواضح أو الخفي، ونقول بصوتٍ عالٍ: “الفضل كله يعود للرب،” إلا أننا نعرف في قرارة أنفسنا أننا وصلنا لتلك المكانة بمجهودنا الشخصي. علينا أن نتذكر كلمات جورج ماكدونالد: عندما يفعل الإنسان أمراً بدون الله، فإنه سيفشل ببؤس شديد أو سينجح ببؤس أشد.
- لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ: كان يسوع أفضل من يعلم حول هذا الموضوع، لأنه طبقه بحذافيره. فهو المثل الأعلى لشخص يستحق أعلى مكانة، ولكنه أخذ أدنى مكانة، وثم أعطيَّ أعلى مكانة. (فيلبي ٢: ٥-١١).
د ) الآيات (١٢-١٤): يحذر يسوع الذي دَعَاهُ من خطر الكبرياء فيما يتعلق بقائمة المدعويين.
١٢وَقَالَ أَيْضًا لِلَّذِي دَعَاهُ: «إِذَا صَنَعْتَ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً فَلَا تَدْعُ أَصْدِقَاءَكَ وَلَا إِخْوَتَكَ وَلَا أَقْرِبَاءَكَ وَلَا ٱلْجِيرَانَ ٱلْأَغْنِيَاءَ، لِئَلَّا يَدْعُوكَ هُمْ أَيْضًا، فَتَكُونَ لَكَ مُكَافَاةٌ. ١٣بَلْ إِذَا صَنَعْتَ ضِيَافَةً فَٱدْعُ: ٱلْمَسَاكِينَ، ٱلْجُدْعَ، ٱلْعُرْجَ، ٱلْعُمْيَ، ١٤فَيَكُونَ لَكَ ٱلطُّوبَى إِذْ لَيْسَ لَهُمْ حَتَّى يُكَافُوكَ، لِأَنَّكَ تُكَافَى فِي قِيَامَةِ ٱلْأَبْرَارِ».
- إِذَا صَنَعْتَ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً فَلَا تَدْعُ أَصْدِقَاءَكَ: وجه يسوع كلامه تحديداً لِلَّذِي دَعَاهُ. ولاحظ أن مضيفه اختار ضيوفه بناءً على كبريائه وعدم محبته للآخرين. ثم طلب يسوع منه ألا يدعو فقط من يستطيعون رد الدعوة وَيُعَوِّضُونَه.
- كتب جيلدنهويس (Geldenhuys) أن جملة فَلَا تَدْعُ تَدْعُ تعني “لا تدعُ باستمرار.” فليس هناك خطأً في دعوة أَصْدِقَاءَكَ وَلَا إِخْوَتَكَ … والخ؛ ولكن الخطأ أن تدعو هؤلاء فقط.
- لِئَلَّا يَدْعُوكَ هُمْ أَيْضًا، فَتَكُونَ لَكَ مُكَافَاةٌ: من الخطأ أن نربط أنفسنا بالأشخاص الذين نستفيد منهم فقط. فالأسهل بالنسبة لنا اختيار الأصدقاء الذين نعرف التواصل معهم بدلاً من التواصل مع الأشخاص المختلفين عنا.
- يحذرنا يسوع من الارتباط بالناس على أساس المصلحة فقط، فهذا النوع من التفكير يُظهر حياة متمركزة حول الذات. نحن مدعوون لإتباع يسوع، وأن نُظهر حياة مركزها الآخرين.
- يا له من شعور رائع أن تعطي هدية لشخص لا يمكنه تعويضك. هذه هي البَرَكَةٌ الأكثَرُ التي تحدث عنها يسوع عندما قال: فِي العَطاءِ بَرَكَةٌ أكثَرُ مِمّا فِي الأخذِ (أعمال الرسل ٣٥:٢٠). هذا يساعدنا على فهم فرح الرب عندما يعطي لأولاده هبة الخلاص وكل البركات.
- لِأَنَّكَ تُكَافَى فِي قِيَامَةِ ٱلْأَبْرَارِ: هذا النوع من الحياة سيكلفنا شيئاً؛ ولكننا سنُكافأ بالكامل فِي قِيَامَةِ ٱلْأَبْرَارِ. . يُظهر يسوع ثانية أهمية العيش بمنظور أبدي.
- تذكرنا جملة لِأَنَّكَ تُكَافَى بأننا لن نخسر أبداً عندما نقتدي بسخاء وكرم الله.
ثالثاً. المدعوين لوليمة المسيا
أ ) الآية (١٥): هتاف بشأن وليمة المسيا
١٥فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْمُتَّكِئِينَ قَالَ لَهُ: «طُوبَى لِمَنْ يَأْكُلُ خُبْزًا فِي مَلَكُوتِ ٱللهِ».
- فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْمُتَّكِئِينَ: لا يزال يسوع في بيت الفريسي يتناول العشاء (لوقا ١:١٤)، وقد أنهى لتوه حديثه الصعب عن التقاليد والكبرياء والاستثناءات. ربما فكر هذا الوَاحِد أن يكسر التوتر الذي نشأ بعد كل هذه التحذيرات.
- طُوبَى لِمَنْ يَأْكُلُ خُبْزًا فِي مَلَكُوتِ ٱللهِ: تكلم الرجل عن البركة والخير في عشاء المسيا العظيم الذي تنبأ عنه العهد القديم مراراً، وكان معروفاً باسم عَشَاءِ عُرْسِ ٱلْخَرُوفِ في العهد الجديد: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ ٱلْخَرُوفِ! (رؤيا يوحنا ٩:١٩).
ب) الآيات (١٦-٢٠): مَثَل الوليمة العظيمة: الدعوات والأعذار
١٦فَقَالَ لَهُ: «إِنْسَانٌ صَنَعَ عَشَاءً عَظِيمًا وَدَعَا كَثِيرِينَ، ١٧وَأَرْسَلَ عَبْدَهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعَشَاءِ لِيَقُولَ لِلْمَدْعُوِّينَ: تَعَالَوْا لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ أُعِدَّ. ١٨فَٱبْتَدَأَ ٱلْجَمِيعُ بِرَأْيٍ وَاحِدٍ يَسْتَعْفُونَ. قَالَ لَهُ ٱلْأَوَّلُ: إِنِّي ٱشْتَرَيْتُ حَقْلًا، وَأَنَا مُضْطَرٌّ أَنْ أَخْرُجَ وَأَنْظُرَهُ. أَسْأَلُكَ أَنْ تُعْفِيَنِي. ١٩وَقَالَ آخَرُ: إِنِّي ٱشْتَرَيْتُ خَمْسَةَ أَزْوَاجِ بَقَرٍ، وَأَنَا مَاضٍ لِأَمْتَحِنَهَا. أَسْأَلُكَ أَنْ تُعْفِيَنِي. ٢٠وَقَالَ آخَرُ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ بِٱمْرَأَةٍ، فَلِذَلِكَ لَا أَقْدِرُ أَنْ أَجِيءَ.
- إِنْسَانٌ صَنَعَ عَشَاءً عَظِيمًا وَدَعَا كَثِيرِينَ: قال يسوع مَثَل عن رجل صنع عشاءً عظيماً، مأدبة كبيرة، ودعا العديد من الناس. ويفرح الناس عادة بحضور مناسبات كهذه، ويسرون بتلقي الدعوة.
- تَعَالَوْا لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ أُعِدَّ: في ذلك العصر، وقبل اختراع الساعة، كان يُعلن عن تاريخ المأدبة قبل موعدها بفترة طويلة، ولكن كان يُعلن عن الساعة في نفس اليوم.
- وهذا يعني أن الكثيرين قبلوا الدعوة عندما قُدمت لهم أول مرة؛ ولكنهم غيروا رأيهم عندما حان الوقت. ويُعلّق باركلي (Barclay): “كان الرفض في يوم الوليمة إهانة كبرى في حق المُضيف.”
- وبطريقة مماثلة، يمكننا أن نقول أن الله قَدْ أُعِدَّ كُلَّ شَيْءٍ للإنسان كي يأتي إليه ويَسْتَقْبِلُ منه. وعندما نأتي إلى الله نجده مستعداً دائماً لاِسْتِقْبالِنا.
- فَٱبْتَدَأَ ٱلْجَمِيعُ بِرَأْيٍ وَاحِدٍ يَسْتَعْفُونَ: كانت الأعذار هي محور هذا المَثَل. كانت الأعذار مختلفة، ولكنها في الواقع متشابهة فَابتَدَأُوا جَمِيعاً يَختَلِقُونَ الأعذارَ.
- أُختُلِقت الأعذار لراحتهم الشخصية، وتمسكوا بها بيأس. فلا يبدأ الأمل حتى تنتهي الأعذار. كتب سبيرجن (Spurgeon): “الأعذار هي لعنات، وعندما تنتهي من خلق الأعذار، عندها سيأتي الأمل.”
- تبدأ الأعذار بشرح سبب رفضهم للدعوة. وهذا يجيب على سؤال مهم يطرحه الكثيرون: إذا كانت المسيحية هي الديانة الحق، فلماذا لا يؤمن بها الكثيرون؟ ولماذا لا تُقبل الدعوة من الكثيرين؟
- إِنِّي ٱشْتَرَيْتُ حَقْلًا … إِنِّي ٱشْتَرَيْتُ خَمْسَةَ أَزْوَاجِ بَقَرٍ: كان العذرين الأولين يتعلقان بالأمور المادية، وكانت بصراحة أعذار غبية. فالأحمق فقط هو من يشتري حقلاً قبل أن يراه. والأحمق فقط من يقوم بفحص خَمْسَةَ أَزْوَاجِ بَقَرٍ بعد شرائها.
- عندما نشتري شيئاً جديداً، عادة ما يشغلنا لفترة. الانشغال بالأمور المادية هو عذر مألوف لعدم اتباع يسوع.
- إِنِّي تَزَوَّجْتُ بِٱمْرَأَةٍ: كان العذر الثالث يتعلق بوضع العائلة على قائمة الأولويات. ولكن أفضل ما يمكننا إظهاره لعائلتنا هو وضع يسوع المسيح في أعلى القائمة.
- أدان هؤلاء أنفسهم؛ وكانت أعذارهم مجرد أقنعة تخفي حقيقة أنهم لا يريدون تلبية الدعوة. كتب مورغان (Morgan): “وراء كل عذر هناك عدم رغبة.” ليس هناك سبب منطقي يمنع المرء من أن يكون جزءاً من هذه الوليمة؛ هم ببساطة لا يريدون تلبية الدعوة.
- لَا أَقْدِرُ أَنْ أَجِيءَ: “عندما يقول المرء ’ لَا أَقْدِرُ أَنْ أَجِيءَ‘ فإنه يريد حسم المسأله، ويُعرب بهذه الكلمات أنه عقد العزم، ولم يعد هناك مجال للمفاوضات، لا يريد الكلام ولا يحتاج لمن يقنعه؛ لَا أَقْدِرُ أَنْ أَجِيءَ … وانتهى الكلام.” سبيرجن (Spurgeon)
ج ) الآيات (٢١-٢٤): مَثَل الوليمة العظيمة: ملء البيت بٱلْمَدْعُوِّينَ.
٢١فَأَتَى ذَلِكَ ٱلْعَبْدُ وَأَخْبَرَ سَيِّدَهُ بِذَلِكَ. حِينَئِذٍ غَضِبَ رَبُّ ٱلْبَيْتِ، وَقَالَ لِعَبْدِهِ: ٱخْرُجْ عَاجِلًا إِلَى شَوَارِعِ ٱلْمَدِينَةِ وَأَزِقَّتِهَا، وَأَدْخِلْ إِلَى هُنَا ٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْجُدْعَ وَٱلْعُرْجَ وَٱلْعُمْيَ. ٢٢فَقَالَ ٱلْعَبْدُ: يَا سَيِّدُ، قَدْ صَارَ كَمَا أَمَرْتَ، وَيُوجَدُ أَيْضًا مَكَانٌ. ٢٣فَقَالَ ٱلسَّيِّدُ لِلْعَبْدِ: ٱخْرُجْ إِلَى ٱلطُّرُقِ وَٱلسِّيَاجَاتِ وَأَلْزِمْهُمْ بِٱلدُّخُولِ حَتَّى يَمْتَلِئَ بَيْتِي، ٢٤لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ أُولَئِكَ ٱلرِّجَالِ ٱلْمَدْعُوِّينَ يَذُوقُ عَشَائِي».
- فَأَتَى ذَلِكَ ٱلْعَبْدُ وَأَخْبَرَ سَيِّدَهُ بِذَلِكَ: لا بد وأن سيد البيت تفاجأ من الردود؛ وكان غاضباً بالفعل. فقد كان غريباً ومُسيئاً أن يختلق الكثيرين مثل هذه الأعذار لدعوة رائعة كهذه.
- ٱخْرُجْ عَاجِلًا إِلَى شَوَارِعِ ٱلْمَدِينَةِ وَأَزِقَّتِهَا، وَأَدْخِلْ إِلَى هُنَا ٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْجُدْعَ وَٱلْعُرْجَ وَٱلْعُمْيَ: إذا رفض المدعوين الأولين الدعوة إلى الوليمة، فهذا لا يمنع استمرار الوليمة، لأن السيد لن يسمح بأن يذهب كل التعب هباءً.
- رد يسوع على هتاف الرجل: طُوبَى لِمَنْ يَأْكُلُ خُبْزًا فِي مَلَكُوتِ ٱللهِ في (لوقا ١٥:١٤) بسؤال: “من الواضح أنك مُعجب بوليمة المسيا؛ ولكن هل أنت مستعد لتلبية الدعوة؟ أم هل ستختلق الأعذار أيضاً؟”
- هذا سؤال هام جداً بالنظر إلى نوعية الناس التي ستأتي إلى الوليمة: فهناك سيكون الخطاة المفديين وَٱلْجُدْعَ وَٱلْعُرْجَ وَٱلْعُمْيَ.
- وَأَلْزِمْهُمْ بِٱلدُّخُولِ حَتَّى يَمْتَلِئَ بَيْتِي: كان سيد البيت مُصراً أن يستمتع الناس بما أعده. ولأن المدعويين الأولين قدموا الأعذار، أمر السيد عبيده أن يستخدموا كل وسائل الإقناع ((وَأَلْزِمْهُمْ بِٱلدُّخُولِ) ليمتلئ البيت.
- استخدم يسوع كلمة أَلْزِمْهُمْ إشارة إلى رغبة الله في ملء بيته، ولأن هؤلاء المتجولين والمنبوذين بحاجة لمن يقنعهم بأنه مرحب بهم … إلزام بالمحبة.
- ويُعلّق سبيرجن (Spurgeon): “إذا أردنا أن نُخلص الكثيرين، فعلينا أن نترك أمكاننا المريحة، ونذهب للأماكن التي لا نذهب إليها عادة. وعلينا أن نبشر في الشارع أو في السوق أو في الحقول الخضراء.”
- للأسف استخدم أغسطينوس وآخرون هذه الآية وَأَلْزِمْهُمْ بِٱلدُّخُولِ كمبرر لإجبار الناس على المسيحية، وكانوا أحياناً يستخدمونها كمبرر للاضطهاد الديني والتعذيب. كتب باركلي (Barclay): “استخدمها كأمر لإلزام الناس على الدخول إلى الإيمان المسيحي. كما استخدمت في الدفاع عن محاكم التفتيش التي قتلت وشردت واضطهدت من وصفوهم بالإلحاد والهرطقة، وكل من جلب العار على المسيحية.”
- علّقَ بروس (Bruce) على كلمة وَأَلْزِمْهُمْ: “تعكس هذه الكلمة في المقام الأول رغبة السيد الُملحة في أن يَمتَلِئَ بيته بالمدعويين، وفي المقام الثاني في الحاجة إلى استخدام الضغط للتغلب على شكوك المدعويين فيما يتعلق بالدعوة الموجهة لهم كي يأخذوها على محمل الجد. من الوارد أنهم سيستَهْزِئون بالخادم المُرسل.”
- كتب بايت (Pate): “يلاحظ المفسرين أن هذا المثل يكشف حقيقة أن الأمم سيُدعون قريباً للدخول إلى ملكوت الله بالإيمان بالمسيح.”
رابعاً. ثمن التَبعيِّة (حِسابُ النفقة)
أ ) الآيات (٢٥-٢٦): على التلميذ أن يضع يسوع أولاً
٢٥وَكَانَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ سَائِرِينَ مَعَهُ، فَٱلْتَفَتَ وَقَالَ لَهُمْ: ٢٦«إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلَا يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَٱمْرَأَتَهُ وَأَوْلَادَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضًا، فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا.
- وَكَانَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ سَائِرِينَ مَعَهُ: مع استمرار يسوع بالتوجه نحو أورشليم، تبعه جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ … فَٱلْتَفَتَ وَقَالَ لَهُمْ.
- فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا: تكلم يسوع بوضوح عن نوع الشخص الذي لا يمكن أن يكون تِلْمِيذًا. وتعني كلمة التِلْمِيذ ببساطة “المُتعلم.” التلميذ هو الطالب عند يسوع والمتعلم عند قدميه.
- قال يسوع سابقاً أن المجيء إلى الله كان مثل قبول الدعوة (لوقا ١٤: ١٦-٢٤). وأضاف أن تبعيته لا تعني قبول الدعوة فحسب، بل هناك المزيد أيضاً.
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلَا يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَٱمْرَأَتَهُ وَأَوْلَادَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضًا، فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا: قال يسوع بجرأة أن التلميذ الحقيقي يأتي إليه دون أية تحفظات وواضعاً يسوع أولاً. وكل العلاقات الأخرى تأتي بالمرتبة الثانية بعد الإخلاص والطاعة ليسوع.
- كان هذا طلباً جريئاً حتماً. فلم يطلب أي من الأنبياء أو الرسل مثل هذا الالتزام الشخصي والتفاني من قبل. فإن لم يكن يسوع هو الله، لقيل أن هذا الكلام هو تحريض على عبادة إله آخر (الزنى الروحي) أو درب من الجنون.
- فهم نابليون هذا المبدأ جيدًا عندما قال: “أنا أعرف الرجال جيداً؛ وأوكد لكم أن يسوع المسيح لم يكن مجرد رجل عادي. فلا يوجد مقارنة بينه وبين أي شخص آخر في العالم. كل من الإسكندر الكبير وقيصر وملك الفرنجة وأنا أسسنا إمبراطوريات. ولكننا حققنا كل ذلك بالقوة. ولكن يسوع المسيح أسس امبراطوريته على المحبة؛ وبهذه الساعة سيضحي الملايين من الرجال بحياتهم لأجله.”
- وَلَا يُبْغِضُ: نرى في الكتاب المقدس مراراً وتكراراً أن يسوع رسم طريقه على أساس المحبة لا الكراهية. ومع ذلك استخدم يسوع الكلمة القوية يُبْغِضُ ليُظهر أهمية أن يكون هناك فرق كبير بين ولائنا ليسوع وولائنا للجميع ولأي شيء آخر.
- كتب سبيرجن (Spurgeon): “لا يمكننا استخدام هذا المصطلح إلا بهدف المقارنة فقط، فلم يقصد المسيح أن يستخدم الكلمة بحرفيتها؛ وليضيف المزيد من الوضوح، قال أن علينا أن نُبْغِضُ أنَفْسَنا.”
- عادة ما يصبح تلميذ يسوع شخص أفضل ومحبوب أكثر من أفراد أسرته؛ وليس من الطبيعي أن يتسبب هذا في تقسيم الأسرة. ومع ذلك، هذا ما يحدث أحياناً، وخاصة بين الثقافات غير المسيحية أو ضد المسيحية.
- الخطر الأكبر على الزنى الروحي لا يأتي من ما هو سيء، بل مما هو صالح – مثل العلاقات الأسرية. فالتهديد الأكبر للأولوية الأولى يأتي من الأولوية الثانية.
ب) الآية (٢٧): على التلاميذ أن يعتبروا أنفسهم أموات ؛ حتى آخِرِ رَمَقٍ
٢٧وَمَنْ لَا يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا.
- وَمَنْ: كما سبق وقلنا، قال يسوع هذه الكلمات للجموع الكثيرة، مُعلماً إياهم ما معنى أن يصبح المرء تِلْمِيذًا – وخاصة، أن الأمر هو ليس مجرد قبول للدعوة.
- يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي: ما قاله يسوع للجموع الكثيرة هنا يشبه ما قاله للتلاميذ سراً في لوقا ٢٣:٩ – إتباع يسوع يشبه حمل الصليب.
- ربما أرعب هذا الكلام مستمعيه، لأنهم فهموا جيداً ما عناه يسوع بكلامه هذا. ففي العالم الروماني، وقبل أن يموت رجل على الصليب، كان عليه أن يحمل صليبه (أو على الأقل يحمل الخشبة الأفقية للصليب) إلى مكان التنفيذ. فكانوا لا يعلقون المجرم على الصليب فحسب، بل كانوا يعلقون عليه الصليب أولاً.
- كتب باركلي (Barclay): “عندما قام الجنرال الروماني فاروس (Varus) بالقضاء على تمرد يهوذا في الجليل (عام ٤ ق.م.)، صلب ألفي يهودي، ووضع الصلبان على طول الطريق إلى الجليل.” وكان الجميع يعرف هذا.
- حَمْل الصليب يؤدي دائماً إلى الموت عليه. فلا أحد يحمل الصليب للمتعة. لم يحتاج مستمعي يسوع تفسيراً لما يعنيه الصليب؛ كانوا يعرفون جيداً أنه أداة للتعذيب والموت والإذلال. وإذا حمل أحدهم صَلِيبَهُ، فلن يعود أبداً. كانت رحلة في اتجاه واحد.
- صَلِيبَهُ: اختار يسوع هذه الصيغة بدلاً من “الصليب” أو “صليب.” والفكرة هي أن هناك صليب يتناسب مع كل فرد، فتجربة شخص ما مع الصليب قد لا تشبه تجربة شخص آخر معه.
- كتب جيلدنهويس (Geldenhuys): “الفكرة العامة بان كلمات يسوع هذه حول حِمْل الصليب تشير إلى الرضوخ السلبي لجميع أنواع المصائب التي تأتي على حياة الإنسان مثل خيبات الأمل والألم والمرض والحزن، هي فكرة خاطئة جداً … فالشخص الذي يتنازل عن كل حقوقه ويترك كل رغباته من أجل خدمة السيد، هو من يستحق أن يكون له تلميذاً.”
- وَيَأْتِي وَرَائِي: أوضح يسوع أن من يحمل صليبه، عليه أن يعيش كما عاش يسوع. لقد عرف يسوع أنه سيحمل صليبه قريباً جداً.
- هذا ما يعنيه ببساطة إتباع يسوع. على أتباعه أن يحملوا صليبهم. عاش يسوع ميتاً عن الذات، وهذا ما يجب أن يفعله أتباعه أيضاً.
- كتب باركلي (Barclay): “قال يسوع هذه الكلمات وهو في طريقه إلى أورشليم، وهو عالم أنه في طريقه نحو الصلب، بينما فكر الذين معه أنه في طريقه ليملك.”
- فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا: لقد أوضح يسوع أن من يحمل الصليب هو فقط من يصلح أن يكون له تلميذاً. قد نقلل أحياناً من مطالب يسوع عندما نقدم الإنجيل للآخرين. وربما نعطيهم الانطباع بأن قبول يسوع هو مجرد الإيمان ببعض الحقائق بدلاً من تسليم الحياة بالكامل ليسوع.
- كتب باركلي (Barclay): “قد تتبع المسيح وأنت لست تلميذاً؛ أو تتبع معسكر يسوع وأنت لست جندياً.”
ج ) الآيات (٢٨-٣٣): حساب ثمن التَبعيِّة
٢٨وَمَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجًا لَا يَجْلِسُ أَوَّلًا وَيَحْسِبُ ٱلنَّفَقَةَ، هَلْ عِنْدَهُ مَا يَلْزَمُ لِكَمَالِهِ؟ ٢٩لِئَلَّا يَضَعَ ٱلْأَسَاسَ وَلَا يَقْدِرَ أَنْ يُكَمِّلَ، فَيَبْتَدِئَ جَمِيعُ ٱلنَّاظِرِينَ يَهْزَأُونَ بِهِ، ٣٠قَائِلِينَ: هَذَا ٱلْإِنْسَانُ ٱبْتَدَأَ يَبْنِي وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُكَمِّلَ. ٣١وَأَيُّ مَلِكٍ إِنْ ذَهَبَ لِمُقَاتَلَةِ مَلِكٍ آخَرَ فِي حَرْبٍ، لَا يَجْلِسُ أَوَّلًا وَيَتَشَاوَرُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُلَاقِيَ بِعَشَرَةِ آلَافٍ ٱلَّذِي يَأْتِي عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفًا؟ ٣٢وَإِلَّا فَمَا دَامَ ذَلِكَ بَعِيدًا، يُرْسِلُ سِفَارَةً وَيَسْأَلُ مَا هُوَ لِلصُّلْحِ. ٣٣فَكَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَا يَتْرُكُ كُلَّ مَا يَمْلِكُهُ، لَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا.
- يَجْلِسُ أَوَّلًا وَيَحْسِبُ ٱلنَّفَقَةَ: قال يسوع في مَثَل البُرج: “اجلس واحسب إن كان بإمكانك تحّمل نفقة إتباعي.”
- يَجْلِسُ أَوَّلًا وَيَتَشَاوَرُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُلَاقِيَ بِعَشَرَةِ آلَافٍ ٱلَّذِي يَأْتِي عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفًا؟: قال يسوع في مَثَل الملك: “اجلس واحسب إذا كان بإستطاعتك رفض مطالبي.”
- شَبَهَ يسوع العمل في ملكوته كالبناء والمعركة، لأن كلاهما يكلفان عادة أكثر من التوقعات الأولى.
- فَكَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَا يَتْرُكُ كُلَّ مَا يَمْلِكُهُ، لَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا: نجد صعوبة في فهم وتوصيل الإنجيل من خلال هذه الآية؛ وعلينا تجنب نوعان من التطرف:
- لا يمكننا أبداً أن نُعطي للناس انطباعاً بأن عليهم أن ينظفوا حياتهم قبل المجيء إلى يسوع؛ كالاغتسال قبل الِاستحمام.
- ولا يمكننا أبداً أن نعطي للناس انطباعاً بأن يسوع لا يريد تعاونهم عندما ينظف حياتهم بعد أن يأتوا إليه.
- على كل تلميذ – كالحشد العظيم التي تبع وسمع يسوع (لوقا ٢٥:١٤) – أن يحسب نفقة إتباعه ليسوع. وعلى كل من يرفض الله ويقاومه أن يحسب النفقة أيضاً. فماذا نستفيد من معارضتنا لله؟ إتباعك ليسوع سيكلفك شيئاً؛ ورفضك له سيكلفك المزيد.
- لَا يَتْرُكُ كُلَّ مَا يَمْلِكُهُ: تحمل هذه العبارة اليونانية القديمة فكرة: “أن تقول وداعاً.” يخبرنا يسوع أن علينا أن نودع كل ما نملك ونسلمه له.
د ) الآيات (٣٤-٣٥): بالنظر إلى شروط التلمذة، لا تكون فاتراً في إتباعك ليسوع.
٣٤«اَلْمِلْحُ جَيِّدٌ. وَلَكِنْ إِذَا فَسَدَ ٱلْمِلْحُ، فَبِمَاذَا يُصْلَحُ؟ ٣٥لَا يَصْلُحُ لِأَرْضٍ وَلَا لِمَزْبَلَةٍ، فَيَطْرَحُونَهُ خَارِجًا. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ».
- وَلَكِنْ إِذَا فَسَدَ ٱلْمِلْحُ: الملح الذي يفقد “ملوحته” ليس له أي فائدة. هكذا الحال مع المؤمن الذي يفقد تمييزه للأمور أو نكهته أو تأثيره بسبب فساد العالم أو المساومة معه، يصبح بلا فائدة كتابع ليسوع.
- لَا يَصْلُحُ لِأَرْضٍ وَلَا لِمَزْبَلَةٍ: لن يكون الملح مفيداً إلا عندما يحافظ على طبيعته. هكذا المؤمن، لن يكون مفيداً إلا عندما يحافظ على طبيعته في المسيح.
هـ ) الآية (١) من الإصحاح ١٥: ردة فعل الجموع لدعوة الولاء ليسوع
١وَكَانَ جَمِيعُ ٱلْعَشَّارِينَ وَٱلْخُطَاةِ يَدْنُونَ مِنْهُ لِيَسْمَعُوهُ.
- وَكَانَ جَمِيعُ ٱلْعَشَّارِينَ وَٱلْخُطَاةِ: كان أكبر الخطاة يَدْنُونَ من يسوع من بين الجموع الكبيرة الموصوفة في لوقا ٢٥:١٤ رداً على كلماته القوية عن التلمذة.
- كانت الدعوة القوية للتلميذ متناغمة مع محبة يسوع؛ كانت الدعوة نتيجة محبته.
- كانت الدعوة القوية للتلميذ متناغمة مع محبة يسوع؛ كانت الدعوة نتيجة محبته.
- يَدْنُونَ مِنْهُ لِيَسْمَعُوهُ: لم يقدموا ولائهم ومحبته ليسوع على الفور. ولكنهم كانوا يريدون سماع المزيد. لمس الخطاة والمنبوذين المحبة التي كانت تحث على الدعوة الجريئة للتلمذة، وتجاوبوا معها.
- يتجاوب الناس مع البشارة التي تتحداهم إذا قيلت بمحبة. ونتسبب بضرر كبير عندما نُلطف رسالة الإنجيل، سواء للآخرين أو لأنفسنا.