تفسير أعمال الرسل – الإصحاح ١
صعود يسوع إلى السماء، اِختيار رسول جديد
أولاً. المقدمة
أ ) الآية (١): الإشارة إلى الكتابات السابقة
١اَلْكَلَامُ ٱلْأَوَّلُ أَنْشَأْتُهُ يَا ثَاوُفِيلُسُ، عَنْ جَمِيعِ مَا ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ
- اَلْكَلَامُ ٱلْأَوَّلُ أَنْشَأْتُهُ: أي إنجيل لوقا الذي كان الكتاب الأول. كان إنجيل لوقا وسفر أعمال الرسل في السابق أشبه بكتابٍ واحد في مجلدين.
- تخيل معي ما سيكون عليه الحال لو لم يكن سفر أعمال الرسل في الكتاب المقدس! كنت ستقرأ عن نهاية خدمة يسوع في إنجيل يوحنا وبعدها ستقرأ عن رجل يُدْعَى بولس يكتب رسائل لأتباع يسوع في روما. ولكن من هو بولس؟ وكيف انتقلت البشارة من أورشليم إلى روما؟ يجيب سفر أعمال الرسل عن كل هذه التساؤلات. كتب باركلي (Barclay): “وفقاً لمفسر مشهور للعهد الجديد يمكننا تغيير عنوان سفر أعمال الرسل ليصبح: كيف نشروا الأخبار السارة من أورشليم إلى روما.”
- قصة اِنتِشار البشارة من أورشليم إلى روما قصة رائعة للغاية. “لم يكن للمسيحية أي مستقبل من الناحية البشرية فلم يكن هناك نقود أو قيادات مؤهلة أو أدوات تكنولوجية لنشر الإنجيل كما وواجهت المسيحية العديد من العراقيل وكانت حديثة العهد نسبياً. بالإضافة لكل هذا علّمت المسيحية حقائق اعتبرها العالم غير المتجدد غريبة مما عرضها لأشد الكراهية والاضطهاد.” بويس (Boice)
- كُتِبَ سفر أعمال الرسل على نفس النمط الأدبي للترجمة اليونانية للعهد القديم والمعروفة باسم الترجمة السبعينية. “تَعَمَّدَ لوقا أن يكتب بأسلوب مختلف (لوقا ١:١-٤) ربما لأنه أعتبر نفسه مؤرخاً للتاريخ المُقدس.” مارشل (Marshall)
- لا نعرف الكثير عن لوقا من العهد الجديد.
- نعرف فقط أنه كان طبيباً (كولوسي ١٤:٤).
- وكان أممياً (من اِسمه).
- ورفيقاً مخُلِصاً لبولس (من نصوص في أعمال الرسل وكولوسي ١٤:٤ وفليمون ٢٤ وتيموثاوس الثانية ١١:٤).
- جاء وقت اِعتقد فيه الكثير من المفسرين والنُقاد أن سفر أعمال الرُسل عبارة عن رواية رومانسية تحكي قصة الكنيسة الأولى كُتِبت بعد أكثر من ١٠٠ سنة من الأحداث التي يفترض أنها وقعت فعلاً. أثبت وليم رامزي (William Ramsay) وهو عالم الآثار المعروف والباحث في الكتاب المقدس، أن التسجيل الدقيق للأحداث التاريخية في أعمال الرسل كان واضحاً للغاية خاصة فيما يتعلق بالممارسات والقوانين والعادات التي تخص فترة كتابة السفر. ومن الواضح أيضاً أن أحداث السفر مأخوذة من شهود عيان معاصرين.
- كتب الخبير في التاريخ اليوناني الروماني من أكسفورد شيرون وايت (A.N. Sherwin-White) في منتصف الستينات: “الإطار التاريخي فيما يتعلق بالزمان والمكان دقيق للغاية. كما تنتمي وثائق هذا السرد إلى نفس الفترة التاريخية لسجلات للمحاكم الرومانية المحلية والعالمية وللمصادر الأدبية ولكتابات القرن الأول وبداية القرن الثاني بعد الميلاد. كانت التأكيدات التاريخية على صحة سفر أعمال الرسل ساحقة. وأي محاولة لرفض هذا الأساس التاريخي خاصة فيما يتعلق بالتفاصيل تبدو سخيفة. وقد اِعتَبَرَ المؤرخون الرومان منذ زمن طويل أنه أمر مفروغ منه.”
- كتب جون كالفن (John Calvin) أن سفر أعمال الرسل ما هو إلا “كنز ضخم.” وعلّقَ مارتن لويد جونز (Martyn Lloyd-Jones) وقال: “أعمال الرسل هو أعظم القصائد الغنانية على الإطلاق، أُشجعك أن تغوص فيه فهو مشروب منعش – بل هو أعظم مشروب منعش أعرفه في عالم الروح. ” (وردت في كتابات جون ستوت).
- ثَاوُفِيلُسُ: ثَاوُفِيلُسُ: قد يعود الاسم ثاوفيلس لشخص مؤمن يحتاج إلى التعليم أو لمسؤول روماني كتب له لوقا ليُطلعه على تاريخ الحركة المسيحية أو ببساطة قد تكون كلمة ثَاوُفِيلُسُ رمزية وتعني “الذي يُحب الله.”
- خاطب لوقا ثَاوُفِيلُسُ في مقدمة المجلد الأول (لوقا ٣:١) بلقب “صاحِبَ السَّعادَةِ (أَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ)” فهكذا كانوا يخاطبون من يشغل منصباً مرموقاً في الدولة.
- بما أن سفر أعمال الرسل انتهى بانتظار بولس للمحاكمة أمام قيصر تساءل البعض عما إذا كان القصد من كتابة لوقا لإنجيله ولسفر أعمال الرسل هو إعطاء المسؤولين الرومان فكرة عن خلفية القضية التي كانت موجهة ضد بولس وليكونوا كوثيقة دفاع عنه. نقرأ في أعمال الرسل ١٧:٢١ أن لوقا وصل مع بولس إلى أورشليم ثم سافر معه إلى روما (أعمال الرسل ١:٢٧). كان لدى لوقا الكثير من الوقت في هذين العامين للبحث ولكتابة إنجيلَهُ وأعمال الرسل.
- “كانت الكُتب القديمة تُكتب عادة على ورق بردي طوله لا يتعدى عشرة أمتار وإن زادت عن ذلك تصبح المخطوطة ضخمة ويُصعب حملها من مكان لآخر. وهذا حدد وقيّد حجم العديد من الكتب في الكتاب المقدس.” بويس (Boice). اِستخدم لوقا مخطوطتين ليكتب قصته: تُدعى المخطوطة الأولى “إنجيل لوقا” والمخطوطة الثانية “أعمال الرسل.”
- أراد لوقا أن يُظهر لثَاوُفِيلُسُ وللرومان:
- أن المسيحية غير مؤذية (هذا ما صدقه بعض المسؤولين الرومان).
- أن المسيحية بريئة (لم يجد القضاة الرومان أساساً للملاحقة القضائية).
- أن المسيحية قانونية (مُكَمِّلة للديانة اليهودية التي كان معترف بها في الإمبراطورية الرومانية).
- عَنْ جَمِيعِ مَا ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ: لاحظ أن اَلْكَلَامُ ٱلْأَوَّلُ يتعلق بكل ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ. يركز إنجيل لوقا على بداية خدمة يسوع أما سفر أعمال الرسل فيركز على استمرار تلك الخدمة… ولا تزال خدمة يسوع مستمرة حتى يومنا هذا.
- علينا أن نتذكر أن سفر أعمال الرسل لا يعطينا التاريخ الكامل عن الكنيسة خلال تلك الفترة. فعلى سبيل المثال ليس هناك أي ذكر لنشأة الكنائس في الجليل والسامرة (أعمال الرسل ٣١:٩) أو للكنيسة القوية في مصر.
- يُغطي سفر أعمال الرسل ٣٠ عام تقريباً وتأخذنا الأحداث حتى العام ٦٠ أو ٦١م حيث كان بولس ينتظر في روما للمثول أمام الإمبراطور نيرون. مع العلم أن اضطهاد نيرون المُخزي للمسيحيين اِبتدأَ في العام ٦٤م.
- وبطريقة رائعة مَا ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا. فسفر أعمال الرسل لا يزال يُكتب اليوم ليس بالمعنى الحرفي طبعاً بل بمعنى أن الله لا يزال يعمل في العالم من خلال روحه ومن خلال كنيسته.
- “علينا دراسة سفر أعمال الرسل في الدرجة الأولى لتحقيق هذا الغرض المزدوج: أولاً لتَتَبُّعُ استمرار الأَعْمَال والأَقوال الإلهية رغم أنها غير منظورة ولكنها واقعية وثانياً لتَتَبُّعُ خدمة الروح القدس الذي لا زال يعمل في الكنيسة.” بيرسون (Pierson)
ب) الآيات (٢-٣): آخر عمل قام به يسوع قبل صعوده إلى السماء
٢إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي ٱرْتَفَعَ فِيهِ، بَعْدَ مَا أَوْصَى بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱلرُّسُلَ ٱلَّذِينَ ٱخْتَارَهُمْ. ٣اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ ٱلْأُمُورِ ٱلْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ ٱللهِ.
- إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي ٱرْتَفَعَ فِيهِ: أعطَى يسوع تَعلِيماتٍ لِلرُّسُلِ مِنْ خِلالِ الرُّوحِ القُدُسِ بشأن ما عليهم فعله أثناء غيابه: أَوْصَى بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱلرُّسُلَ.
- فَعَلَ الرب الممجد يسوع المسيح المُقام من الأموات وصاحب كل السلطة والسيادة هذا من خلال الرُّوحِ القُدُسِ. اختار يسوع ألا يعتمد على مصادره الخاصة (إذا جاز التعبير) بل أن يعتمد على سلطان وحضور وسُكنى الرُّوحِ القُدُسِ.
- الرُّوحِ القُدُسِ الأقنوم الثالث – هو جزء من الله يعيش في الإنسان ويمنحه القوة والاستنارة. فالروح القدس يعمل في الذين لم يؤمنوا بعد، ولكنه يعمل بشكل رائع أيضاً في الذين آمنوا.
- وكما اِحتاجَ يسوع المُقام الممجد الروح القدس واعتمد عليه هكذا ينبغي أن نفعل نحن أيضاً. تُظهر الأحداث في سفر أعمال الرسل عمل الروح القدس من خلال الكنيسة. “ما مِنْ تِلمِيذٍ أفضَلُ مِنْ مُعَلِّمِهِ وَلا عَبدٍ أعظَمُ مِنْ سَيِّدِهِ. لا يمكننا القيام بالخدمة بالموكلة إلينا دون الحصول على قوة ومسحة الروح القدس.” بيرسون (Pierson)
- اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ: أسس يسوع حقيقة قيامته بِبَراهِينَ كَثِيرَة وظهر لَهُم أربَعِينَ يَوماً إلى أن صعد إلى السماء. وبهذا أثبت لهم القيامة تماماً كما وعد.
- يصف بولس في كورنثوس الأولى ٦:١٥ أحد هذه البراهين: ثُمَّ ظَهَرَ لِأكثَرَ مِنْ خَمسِ مِئَةِ أخٍ مَرَّةً واحِدَةً وَمُعظَمُ هَؤُلاءِ مازالَوا أحياءَ إلَى الآنِ. رأى أكثر من ٥٠٠ شخص يسوع المُقام وبقي معظمهم على قيد الحياة في زمن بولس أي بعد حوالي ٢٥ عام.
- وَيَتَكَلَّمُ عَنِ ٱلْأُمُورِ ٱلْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ ٱللهِ: لم تُسجل كل التعليم التي علم بها يسوع في تلك الفترة ولكننا نعرف أنه اِستَخدَمَ ذلك الوقت ليَتَكَلَّمُ عَنِ ٱلْأُمُورِ ٱلْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ ٱللهِ.
- يعتقد بعض مُعلمي الغنوسية والعصر الجديد (New Age) أن يسوع اِستَخدَمَ الأربعين يوماً ليُعلم تلاميذه عقائد غريبة وغامضة علينا إعادة اِكتِشافها مع الِاكتِشافات الجديدة اليوم. ولكن يخبرنا لوقا أن يسوع علم ببساطة الكثير من الأمور والمواضيع التي كان قد علمهم أثناء خدمته الأرضية والتي تتعلق بٱلْأُمُورِ ٱلْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ ٱللهِ.
ثانياً. صعود الرب يسوع إلى السماء
أ ) الآيات (٤-٥): تعليمات يسوع الأخيرة للتلاميذ
٤وَفِيمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ مَعَهُمْ أَوْصَاهُمْ أَنْ لَا يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا «مَوْعِدَ ٱلْآبِ ٱلَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي، ٥لِأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِٱلْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، لَيْسَ بَعْدَ هَذِهِ ٱلْأَيَّامِ بِكَثِيرٍ».
- أَوْصَاهُمْ أَنْ لَا يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ: كانت طلبة يسوع الأخيرة للتلاميذ أن يَنْتَظِرُوا مجيء الروح القدس (مَوْعِدَ ٱلْآبِ). عَرِفَّ يسوع أن الخدمة في ملكوت الله لن تكون فعالة إلا بحلول الروح القدس.
- يعني الِانتِظار أن الأمر يستحق الانتظار.
- يعني الِانتِظار أن الوعد سيتحقق بكل تأكيد.
- يعني الِانتِظار أن عليهم أن يحصلوا على الروح القدس وأنهم لن يتمكنوا من صُنعِهِ بأنفسهم.
- يعني الِانتِظار أن اِنتظارهم قد يمتحن بعض الشيء.
- أَوْصَاهُمْ … مَوْعِدَ ٱلْآبِ … فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ: هذا مَثَلٌ آخر على أن الثالوث – الله الواحد في ثلاثة أقانيم – محبوك في نسيج العهد الجديد. نرى في هذه الآية يسوع الذي (أَوْصَاهُمْ) أن يَنْتَظِرُوا مَوْعِدَ ٱلْآبِ الذي سيأتي بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ.
- من المهم أن نلاحظ أن مجيء وسكنى وقوة الروح القدس يسمى ’مَوْعِدَ ٱلْآبِ.‘
- لأنه يظهر أهمية اِنتظاره بشوق لأن أي “مَوْعِدَ من ٱلْآبِ” سيكون لخيرنا حتماً.
- لأنه يظهر أنه مصدر موثوق فالآب لن يقدم موعد لن يتممه.
- لأنه يظهر أن المَوْعِدَ هو لكل أولاده بما أنه وعد من ٱلْآبِ.
- لأنه يظهر أن علينا قبوله بالإيمان كما هو الحال مع كل مواعيد الله عبر الكتاب المقدس.
- “أصبح مَوْعِدَ ٱلْآبِ هو مَوْعِدَ اَلِٱبْن أيضاً.” بيرسون (Pierson)
- من المهم أن نلاحظ أن مجيء وسكنى وقوة الروح القدس يسمى ’مَوْعِدَ ٱلْآبِ.‘
- وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ: فكرة المعمودية هي تغطيس شيء بشيء آخر أو تغطيته. وكما عَمَدَ يوحنا الناس في الماء هكذا سيَعتَمِدَ (سيُغمر) الروح القدس هؤلاء التلاميذ.
- من الأفضل أن نَصْف معمودية الروح القدس كاختبار مستمر وليس كاختبار حدث مرة في الماضي وانتهى. ومن المستحسن أن نسأل: “هل اعتمدت من الروح القدس؟” بدلاً من: “هل سبق لك واعتمدت من الروح القدس؟”
- لَيْسَ بَعْدَ هَذِهِ ٱلْأَيَّامِ بِكَثِيرٍ: علِموا أن مَوْعِدَ ٱلْآبِ سيأتي ولكنه لن يأتي فوراً بل بَعْدَ هَذِهِ ٱلْأَيَّامِ بِكَثِيرٍ. قَصَدَ يسوع ألا يخبرهم عن الموعد بالتحديد.
ب) الآية (٦): سؤال التلاميذ الأخير ليسوع قبل صعوده
٦أَمَّا هُمُ ٱلْمُجْتَمِعُونَ فَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: «يَا رَبُّ، هَلْ فِي هَذَا ٱلْوَقْتِ تَرُدُّ ٱلْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟».
- أَمَّا هُمُ ٱلْمُجْتَمِعُونَ: كانت هذه آخر مرة سيرى فيها التلاميذ يسوع في جسده المادي حتى اللقاء معه ثانية في السماء إلى الأبد. لا نجد في النص ما يبين أنهم كانوا يعرفون أنها ستكون المرة الأخيرة وكل ما نعرفه هو السؤال الذي كان يشغل أذهانهم وطرحوه عليه.
- يَا رَبُّ، هَلْ فِي هَذَا ٱلْوَقْتِ تَرُدُّ ٱلْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟: كان سؤال التلاميذ الآن ملائماً للغاية رغم أنه قد طرح كثيراً في السابق. سألوا هذا السؤال لأنهم عرفوا الآن أن يسوع أسس العهد الجديد (لوقا ٢٠:٢٢) كما وعرفوا أن رد ٱلْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ ما هو إلا جزء من العهد الجديد (كما نقرأ في إرميا ١:٢٣-٨، حزقيال ١٦:٣٦-٣٠، ٢١:٣٧-٢٨).
- كان من المنطقي أن يتساءلوا الآن عن موعد تحقيق هذا الوعد. ولكننا نلاحظ في الآيات التالية أن رد يسوع لم يحمل أي نوع من التوبيخ أو التقويم بل قال ببساطة لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا ٱلْأَزْمِنَةَ وَٱلْأَوْقَاتَ.
- “يُظهر الفعل (تَرُدّ) أنهم كانوا يتوقعون مملكة سياسية وإقليمية ويُظهر الاسم (إِسْرَائِيلَ) أنهم كانوا يتوقعون مملكة وطنية وتظهر جملة الشرط (فِي هَذَا ٱلْوَقْتِ) أنهم كانوا يتوقعون إنشائها فوراً.” ستوت (Stott)
- عَرِفَ التلاميذ الكثير عن النبّوَات التي تتحدث عن النهضة الروحية والوطنية لإسرائيل في العهد القديم، ولهذا ربما آمنوا أن النهضة الوطنية قادمة لا محالة بما أن الولادة الجديدة الروحية مؤكدة.
ج) الآيات (٧-٨): تعليم يسوع الأخير ووعده قبل الصعود
٧فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا ٱلْأَزْمِنَةَ وَٱلْأَوْقَاتَ ٱلَّتِي جَعَلَهَا ٱلْآبُ فِي سُلْطَانِهِ، ٨لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَٱلسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى ٱلْأَرْضِ».
- لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا: حذر يسوع التلاميذ من السؤال عن موعد مجيء ملكوت الله لأن هذه الأمور تنتمي لله الآب وحده (ٱلَّتِي جَعَلَهَا ٱلْآبُ فِي سُلْطَانِهِ).
- كان من الحكمة ألا يُحدد يسوع موعد تحقيق هذا الوعد وكان من الجيد ألا يعرف التلاميذ أن رد المُلك لإسرائيل لن يحدث قريباً لأن هذا الأمر ربما كان سيؤثر على حماسهم نحو الخدمة الموكلة إليهم وربما كان سيجعلهم يستخفون بفكرة ملكوت الله الحاضر بينهم.
- لم يقول يسوع أن المُلك لن يرد لإسرائيل بل قال ببساطة ليس على التلاميذ أن يعرفوا الْأَزْمِنَةَ وَٱلْأَوْقَاتَ.
- فِي سُلْطَانِهِ: أظهر يسوع المسيح المُقام مرة أخرى طاعته وخضوعه الكاملين للآب. فخضوعه للآب لم يكن مؤقتاً بل أبدياً.
- لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً: حتى وإن تأخرت المملكة الأرضية التي كانوا ينتظرونها إلا أن القُوَّةً التي يحتاجونها لن تتأخر. لَكِنَّهم سَتنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ عَلَيكم.
- ربما سعى التلاميذ للحصول على قوة قيصر وليس قوة الله التي ربما اعتقدوا أنها كانت غير كافية.
- وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا: النتيجة الطبيعية لنوال هذه القوة الموعودة هي أن يصبحوا شُهُودًاليسوع في كل الأرض.
- لاحظوا أن الجملة لم تأتي بصيغة الأمر بل كبيان بسيط للحقيقة: مَتَى حَلَّ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ عَلَيْكُمْ … تَكُونُونَ لِي شُهُودًا. الكلمة تَكُونُونَ تأتي بالصيغة الدلالية وليس بصيغة الأمر. فلم يوصيهم يسوع أن يصبحوا شُهُودًابل قال أنهم سيكونون شُهُودًا كنتيجة طبيعية لحلول الروح.
- إذا أراد يسوع أن نصبح له شُهُودًا نحتاج إذاً للإمتلاء من الروح القدس. لن يكون لأفضل برنامج تدريبي على الكرازة أي تأثير على حياتنا إن لم نمتلئ من الروح القدس.
- أعلن الله لشعبه وقال ’أنتُمْ شُهُودِي‘ (إشَعْياء ١٠:٤٣). بنى أتباع هرطقة شهود يهوه عقيدتهم على هذه الآية وادّعوا أنها وصية الله لهم. ولكنهم لم ينظروا إلى هذه الآية في ضوء أعمال الرسل ٨:١. فلن نكون شهوداً ليهوه إن لم نكن شهوداً ليسوع المسيح أولاً.
- فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَٱلسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى ٱلْأَرْضِ: أصبح اِنتِشار رسالة الإنجيل من أُورُشَلِيمَ إلى ٱلْيَهُودِيَّةِ وَٱلسَّامِرَةِ ومن ثم إِلَى أَقْصَى ٱلْأَرْضِ هو المخطط العام لسفر أعمال الرسل.
- أعمال الرسل ١-٧ يصف الإنجيل في أُورُشَلِيمَ.
- أعمال الرسل ٨-١٢ يصف الحديث عن الإنجيل في ٱلْيَهُودِيَّةِ وَٱلسَّامِرَةِ.
- أعمال الرسل ١٣-٢٨ يصف ذهاب الإنجيل إِلَى أَقْصَى ٱلْأَرْضِ.
- نستطيع أن نتخيل بسهولة الِاعتراضات التي أثارها التلاميذ عن أماكن الخدمة التي عينها يسوع.
- أورُشَلِيمَ: المدينة التي صُلب فيها يسوع بطلب من الحَشدٍ الغاضب.
- ٱلْيَهُودِيَّةِ: المدينة التي رَفَضَت خدمته.
- ٱلسَّامِرَةِ: الأرض الخربة المليئة بشعب نجس.
- إِلَى أَقْصَى ٱلْأَرْضِ: حيث يسكن الأمم الذين كانوا بالنسبة لليهود في ذلك الوقت لا يصلحون سوى لنار جهنم.
- ومع ذلك أراد الله أن يُرسل شهوداً لكل هذه الأماكن بقوة الروح القدس لتحقيق هذا الأمر.
د ) الآيات (٩-١١): يَسُوعُ يَرْتَفِعُ إلَى السَّماء
٩وَلَمَّا قَالَ هَذَا ٱرْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ. ١٠وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ، إِذَا رَجُلَانِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ، ١١وَقَالَا: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هَذَا ٱلَّذِي ٱرْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى ٱلسَّمَاءِ سَيَأْتِي هَكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى ٱلسَّمَاءِ».
- وَلَمَّا قَالَ هَذَا ٱرْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ: ٱرْتَفَعَ يسوع عنهم وهو يباركهم (لوقا ٥٠:٢٤). استمروا في النظر إلى الأعلى أثناء صعود يسوع ببطء نحو السماء والسَحَابَة تغطيه.
- اِقترح البعض أن السحابة التي أخذته تشير إلى سحابة المجد (الشكينة) والتي هي علامة على الحضور الإلهي في العهدين القديم والجديد.
- وَهُمْ يَنْظُرُونَ… أَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ: كان من المهم أن يترك يسوع تلاميذه بهذه الطريقة. فمن الناحية النظرية كان بإمكانه أن يختفي ببساطة ويصعد إلى السماء ليكون في محضر الآب دون أن يراه أحد. ولكن أراد يسوع من خلال صعوده بهذه الطريقة أن يعرف أتباعه أنه سيتركهم تماماً هذه المرة على النقيض من المرات السابقة التي ظهر بها خلال الأربعين يوماً بعد القيامة.
- هل تذكرون كلمات يسوع لتلاميذه في يوحنا ٧:١٦ “لَكِنِّي أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ: إنَّ ذَهابِي سَيَكُونُ لِخَيْرِكُمْ. لِأنَّ المُعِيْنَ لَنْ يَأْتِيَكُمْ ما لَمْ أذْهَب. أمّا إذا ذَهَبْتُ، فَسَأُرْسِلُهُ إلَيْكُمْ.” سيتأكد التلاميذ الآن أن الوعد سيتحقق وأن الروح القدس سيأتي لا محالة لأن يسوع قد وعد بهذا.
- مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ؟: طلب الرَجُلَانِ (ملائكة على ما يبدو) من التلاميذ أن يصبوا اِهتمامهم في المكان الصحيح (أي في طاعة وصية يسوع بالعودة إلى أورشليم) وليس في التساؤل أين اختفى يسوع. طلب يسوع منهم الذهاب إلى أقصى الأرض ولكنهم وقفوا هناك ينْظُرُونَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ.
- تكهن مورغان (Morgan) أن الرَجُلَانِ كانا موسى وإيليا ولكن من الأفضل أن نقول ببساطة أنهما كانا ملاكين.
- إِنَّ يَسُوعَ هَذَا: يا لها من جملة مجيدة وتذكرنا أن يَسُوعَ الذي صعد إلى السماء وجلس في يمين عرش الله الآب هو يَسُوعَ المذكور في الأناجيل. وهو يَسُوعَ الممتلئ بالمحبة والنعمة والصلاح والحكمة والرعاية.
- سَيَأْتِي هَكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى ٱلسَّمَاءِ: سيأتي يسوع ثانية كما صعد تماماً.
- صَعَد بالجسد وسَيَأْتِي ثانِيَةً هَكَذَا
- صَعَد بوضوح أمام الجميع وسَيَأْتِي ثانِيَةً هَكَذَا
- صَعَد من جبل الزيتون وسَيَأْتِي ثانِيَةً هَكَذَا
- صَعَد بحضور التلاميذ وسَيَأْتِي ثانِيَةً هَكَذَا
- صَعَد وهو يبارك كنيسته وسَيَأْتِي ثانِيَةً هَكَذَا
ثالثاً. اختيار متياس كبديل عن يهوذا
أ ) الآيات (١٢-١٤): رجوع التلاميذ إلى أورشليم
١٢حِينَئِذٍ رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنَ ٱلْجَبَلِ ٱلَّذِي يُدْعَى جَبَلَ ٱلزَّيْتُونِ، ٱلَّذِي هُوَ بِٱلْقُرْبِ مِنْ أُورُشَلِيمَ عَلَى سَفَرِ سَبْتٍ. ١٣وَلَمَّا دَخَلُوا صَعِدُوا إِلَى ٱلْعِلِّيَّةِ ٱلَّتِي كَانُوا يُقِيمُونَ فِيهَا: بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ وَتُومَا وَبَرْثُولَمَاوُسُ وَمَتَّى وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى وَسِمْعَانُ ٱلْغَيُورُ وَيَهُوذَا أَخُو يَعْقُوبَ. ١٤هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى ٱلصَّلَاةِ وَٱلطِّلْبَةِ، مَعَ ٱلنِّسَاءِ، وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ، وَمَعَ إِخْوَتِهِ.
- حِينَئِذٍ رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ: كانت تلك طاعة واضحة. طلب يسوع منهم الرجوع إلى أورشليم وانتظار حلول الروح القدس (أعمال الرسل ٤:١) وهذا ما فعلوه بالضبط. لم ينسوا العظة مباشرة بعد سماعها بل تمموا مشيئة يسوع رغم عدم وجوده معهم في الجسد.
- عَلَى سَفَرِ سَبْتٍ: يقع جبل الزيتون خارج مدينة أورشليم القديمة. وتصف هذه الكلمات أن المسافة كانت قصيرة بما يتناسب مع المسافة المسموح بها للسير يوم السبت.
- وَلَمَّا دَخَلُوا صَعِدُوا إِلَى ٱلْعِلِّيَّةِ: تخبرنا الآية في أعمال الرسل ١٥:١ أن عدد الحضور كان ١٢٠ شخصاً وهذا العدد يشمل ٱلْأَحَدَ عَشَرَ تلميذاً (ٱلِٱثْنَيْ عَشَرَ ينقصهم يهوذا) ومَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ وَإِخْوَتِهِ (يَعْقُوب وَيَهُوذَا) وغيرهن من النساء اللواتي تبعن يسوع.
- كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ: يا لها من وَحْدَة واضحة. اعْتَدْنا أن نرى التلاميذ يتشاجرون في الأناجيل ولكن ما الذي تغير هنا؟ فتاريخ بطرس الذي أنكر سيده لم يتغير ومتى لا يزال عشاراً وسمعان لا يزال غيوراً واِخْتَلَافاتهم لا تزال موجودة ولكن قيامة يسوع أسمى من أي اختلافات.
- كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى ٱلصَّلَاةِ وَٱلطِّلْبَةِ: كانت صلاتهم واضحة للجميع إذ كانوا بنفس واحدة يُواظِبُونَ عَلَى ٱلصَّلَاةِ وَٱلطِّلْبَةِ. والفكرة وراء ٱلطِّلْبَةِهو الشعور باليأس مما يدفع المرء للمثابرة على الصلاة.
- نرى هنا ثلاثة خطوات هامة في اتخاذ القرارات التي هي حسب مشيئة الله: على التلاميذ أن يطيعوا وأن يكونوا في شركة مع الآخرين وأن يكونوا في حالة صلاة مستمرة.
ب) الآيات (١٥-٢٠): اِقتراح بطرس لإيجاد بديل ليهوذا
١٥وَفِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ قَامَ بُطْرُسُ فِي وَسْطِ ٱلتَّلَامِيذِ، وَكَانَ عِدَّةُ أَسْمَاءٍ مَعًا نَحْوَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ: ١٦«أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِخْوَةُ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هَذَا ٱلْمَكْتُوبُ ٱلَّذِي سَبَقَ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ فَقَالَهُ بِفَمِ دَاوُدَ، عَنْ يَهُوذَا ٱلَّذِي صَارَ دَلِيلًا لِلَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ، ١٧إِذْ كَانَ مَعْدُودًا بَيْنَنَا وَصَارَ لَهُ نَصِيبٌ فِي هَذِهِ ٱلْخِدْمَةِ. ١٨فَإِنَّ هَذَا ٱقْتَنَى حَقْلًا مِنْ أُجْرَةِ ٱلظُّلْمِ، وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ ٱنْشَقَّ مِنَ ٱلْوَسْطِ، فَٱنْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا. ١٩وَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ، حَتَّى دُعِيَ ذَلِكَ ٱلْحَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ «حَقَلْ دَمَا» أَيْ: حَقْلَ دَمٍ. ٢٠لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ ٱلْمَزَامِيرِ: لِتَصِرْ دَارُهُ خَرَابًا وَلَا يَكُنْ فِيهَا سَاكِنٌ. وَلْيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ آخَرُ.
- قَامَ بُطْرُسُ فِي وَسْطِ ٱلتَّلَامِيذِ: يأخذ بطرس هنا دوره الطبيعي كالقائد وسط التلاميذ. فليس هناك ما يمنع أن يكون بطرس هو قائد المجموعة الأولى من الرُسل فقد سبق وأن كان المتحدث الرسمي عن التلاميذ أثناء خدمة يسوع على الأرض في العديد من المرات.
- فكرة أن بطرس حصل على السلطان مباشرة من الأعالي وثم أعطاه للآخرين من بعده هي فكرة غير كتابية وخاطئة.
- أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِخْوَةُ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هَذَا ٱلْمَكْتُوبُ: كانت كلمات بطرس مليئة بحكمة لم نراها من قبل. وبدأ كلامه بالإشارة إلى أن يهوذا لم يُفسد خطة الله ولكنه تممها (كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هَذَا ٱلْمَكْتُوبُ). وهذا أمر لا يمكن إلا للتلميذ الناضج والحكيم أن يراه عند وقوع الشر.
- وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ ٱنْشَقَّ مِنَ ٱلْوَسْطِ، فَٱنْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا (لَكِنَّهُ وَقَعَ عَلَى رَأسِهِ أَوَّلاً وَانشَقَّ مِنَ الوَسَطِ، فَخَرَجَتْ أمعاؤُهُ كُلُّها): ملاحظة لوقا التاريخية هنا تلفت الِانتباه إلى طريقة موت يهوذا. يخبرنا متى ٥:٢٧ أن يهوذا شنق نفسه ولكن يبدو هنا أنه سقط من الشجرة وهو يحاول وبالتالي مات نتيجة ارتطامه بالأرض في حَقْلَ الدَمٍ.
- أُطِلقَ على المكان اسم حَقْلَ دَمٍ ليس لأن دم يهوذا انسكب هناك ولكن لأن يهوذا اشْتَرَى حَقْلاً بِالْمَالِ (مال الظُلم) الَّذِي تَقَاضَاهُ ثَمَناً لِلْخِيَانَةِ.
- لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: اِقتَبَسَ بطرس من مزمورين مختلفين ليُظهر لماذا أراد الله لهم أن يختاروا تلميذ آخر ليحل رسمياً محل يهوذا.
- كان اعتمادهم الكامل على كلمة الله واضحاً. فلم تكن تلك حكمة بشرية ولكن مبدأ كشفته الكتب المقدسة. كانت تلك أول مرة نقرأ فيها في العهد الجديد عن اقتباس بطرس من الكُتب المقدسة.
- لِتَصِرْ دَارُهُ خَرَابًا: عَرِفَ داود الذي كتب هذه المزامير معنى الخيانة جيداً. فعندما كان داود فاراً من وجه شاول خانه رجل ٱسْمُهُ دُوَاغُ ٱلْأَدُومِيُّ (صموئيل الأول ٢١-٢٢) وكانت النتيجة موت الكثير من الأبرياء. وكتب داود على الأرجح هذه الكلمات إشارة لهذا الخائن.
- وَلْيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ آخَرُ: تمنى داود عندما تعرض للخيانة أن تُصبح دار الخائن خربة وأن يأخذ شخص آخر وظيفته. لهذا لم يكن من الصعب أن يرغب ٱبْنِ دَاوُدَ (يسوع) بنفس الأمر.
- كانت رغبتهم في معرفة إرادة الله واضحة. قرروا بسبب هذا المبدأ الموجود في الآيات المقتبسة استبدال يهوذا لأنهم آمنوا أن هذه كانت مشيئة يسوع وليست مشيئتهم.
ج) الآيات (٢١-٢٣): تحديد المؤهلات وترشيح شخصين
٢١فَيَنْبَغِي أَنَّ ٱلرِّجَالَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَمَعُوا مَعَنَا كُلَّ ٱلزَّمَانِ ٱلَّذِي فِيهِ دَخَلَ إِلَيْنَا ٱلرَّبُّ يَسُوعُ وَخَرَجَ، ٢٢مُنْذُ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي ٱرْتَفَعَ فِيهِ عَنَّا، يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِدًا مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ». ٢٣فَأَقَامُوا ٱثْنَيْنِ: يُوسُفَ ٱلَّذِي يُدْعَى بَارْسَابَا ٱلْمُلَقَّبَ يُوسْتُسَ، وَمَتِّيَاسَ.
- يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِدًا مَعَنَا (إذْ يَنبَغِي أنْ يَكُونَ هَذا الرَّجُلُ شاهِداً مَعَنا): تحلى التلاميذ بالجرأة الكافية لِاتخاذ هذا القرار لأنهم عرفوا أنه كان حسب مشيئة الله الواضحة في كلمته. لم يتخذ التلاميذ قرارهم لأنهم شعروا بانسكاب الروح القدس فالروح لم يكن قد أتى بعد ولم يتركهم الله بلا إرشاد. كانوا يعرفون ما عليهم فعله من خلال الكتب المقدسة.
- نستطيع أن نميز صوت الله بوضوح من خلال كلمته حتى وإن كنا لا نشعر بتوجيه خاص من الروح القدس. وأي توجيه من الروح القدس لن يتعارض أبداً مع الكلمة المكتوبة التي بين أيدينا.
- ٱلَّذِينَ ٱجْتَمَعُوا مَعَنَا كُلَّ ٱلزَّمَانِ: على الشخص الذي سيأخذ مكان يهوذا أن يكون واحد من التلاميذ الذين كانوا وقت معمودية يوحنا المعمدان وبقي معهم أثناء خدمة يسوع الأرضية وكان شاهداً على قيامة يسوع.
- ليس هناك أي دليل على أنهم اِكتَشَفَوا هذه المؤهلات من الكتاب المقدس أو بإِرشادٍ خاص من الروح القدس. ولكننا نستطيع القول بكل بساطة أنهم اِستخدموا منطقاً سليماً مقدساً (بَدَاهَةٍ مُقدسة) وعلى الأرجح كانت تلك متطلبات منطقية ومناسبة لبديل يهوذا.
- تقدست بداهتهم لأنهم كانوا في حالة طاعة وعبادة مستمرة ولأنهم كانوا يدرسون الكلمة ويرغبون بتطبيق مشيئة الله.
- كانت تلك بَدَاهَة مُقدسة واضحة. لم تجيب عن كل تساؤلاتهم ولكنها حصرت الاختيار في رجلين.
- يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِدًا مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ (إذْ يَنبَغِي أنْ يَكُونَ هَذا الرَّجُلُ شاهِداً مَعَنا عَلَى قِيامَتِهِ): كانت تلك الوظيفة الرئيسية للتلميذ الذي سيأخذ مكان يهوذا. كان من المهم أن يكون شاهداً عَلَى قِيامَتِهِ خاصة بعد صعود يسوع إلى السماء.
- ويمكننا أيضاً أن نكون شهوداً عَلَى قِيامَتِهِ بوضع ثقتنا بشهادة الرُسل والإعلان عنها ومن خلال شهادتنا الخاصة بأن يسوع المُقام يعيش فينا ومن خلالنا.
د ) الآيات (٢٤-٢٦): صلى التلاميذ ثُمَّ أَلْقَوْا قُرْعَتَهُمْ لاِختيار بديل ليهوذا
٢٤وَصَلَّوْا قَائِلِينَ: «أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلْعَارِفُ قُلُوبَ ٱلْجَمِيعِ، عَيِّنْ أَنْتَ مِنْ هَذَيْنِ ٱلِٱثْنَيْنِ أَيًّا ٱخْتَرْتَهُ، ٢٥لِيَأْخُذَ قُرْعَةَ هَذِهِ ٱلْخِدْمَةِ وَٱلرِّسَالَةِ ٱلَّتِي تَعَدَّاهَا يَهُوذَا لِيَذْهَبَ إِلَى مَكَانِهِ». ٢٦ثُمَّ أَلْقَوْا قُرْعَتَهُمْ، فَوَقَعَتِ ٱلْقُرْعَةُ عَلَى مَتِّيَاسَ، فَحُسِبَ مَعَ ٱلْأَحَدَ عَشَرَ رَسُولًا.
- وَصَلَّوْا: كان من السهل عليهم أن يصلّوا أولاً لأنهم كَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى ٱلصَّلَاةِ (أعمال الرسل ١٤:١).
- كانت رغبتهم في التَّشَبُّه بِيسوع واضحة. نتذكر من الآيات في لوقا ١٢:٦-١٣ كيف صلى يسوع قبل اختيار التلاميذ. وهذا ما فعله التلاميذ بالضبط: صلوا طالبين الحكمة ليميزوا مشيئة الله بخصوص اختيار التلميذ المناسب.
- ثُمَّ أَلْقَوْا قُرْعَتَهُمْ: ثم وبكل بساطة ألقوا قرعة ليعرفوا الإجابة ربما عن طريق استخدام أحجار النّرْد أو سحب قشة. وقد شكك الكثيرون في طريقة الاختيار هذه. فبعد كل الخطوات الروحية الرائعة التي قاموا بها انتهى بهم المطاف باستخدام أحجار النّرْد ليعرفوا الفائز! ويبدو من العدل أن نتسأل: “هل هذه هي الطريقة المناسبة لاختيار أي رسول؟”
- ومع ذلك كان توكُّلهم على الله واضحاً. على الرغم من أنهم لم يمتلئوا بالروح القدس بعد كما ينبغي فقد أرادوا أن يختاروا حسب مشيئة الله. ولعلهم تذكروا الآية في سفر الأمثال ٣٣:١٦ “قَدْ تُلْقَى القُرعَةُ فِي حِضنِكَ، لَكِنَّ الأحكامَ مِنَ اللهِ.” (الترجمة العربية المبسطة)
- قد لا تكون القرعة هي الطريقة الأمثل لتمييز مشيئة الله ولكنها بالتأكيد أفضل بكثير من الوسائل التي يستخدمها العديد من المؤمنين اليوم مثل الاعتماد على المشاعر أو الظروف أو الشهوات الجسدية … الخ.
- فَوَقَعَتِ ٱلْقُرْعَةُ عَلَى مَتِّيَاسَ: أَصَرَ البعض على أن اختيار مَتِّيَاسَ كان خطأً وأن استخدام القرعة في اِتِّخاذ القرار لم يكن صائباً البتة وأن الله ربما كان يريد أن يحل بولس مكانه إذا تُرِكَ المكان شاغراً. ولكن علينا أن نحترم شهادة الكتاب المقدس فمشيئة الله أن لا يُترك المكان خالياً. فالمكان الخالي قد يُعتبر اِنتِصار للشيطان لأن عدد التلاميذ أصبح الآن ١١ بدلاً من ١٢ وهذا يتعارض مع مشيئة يسوع. فقد أراد يسوع أن يكون هناك ١٢ رسولاً بالتحديد.
- رغم أننا لا نقرأ المزيد عن متياس فيما بعد ولكن هذا لا يعني أنه كان فاشلاً. فبعد أعمال الرسل الأصحاح الأول ليس هناك أي ذكر لأي من التلاميذ الأصليين سوى بطرس ويوحنا. فعدم ذكر متى أو أنْدَراوُس أو تُوما أو أي من التلاميذ الآخرين لا يعني أبداً أنهم كانوا فاشلين.
- اعتبر بولس نفسه رسولاً رغم أنه قال عن نفسه: جَنِينٌ وُلِدَ فِي غَيْرِ الْمِيعَادِ (كورنثوس الأولى ٨:١٥). ويبدو أنه لم يعترض على اختيار متياس.
- يبرز أمامنا في سفر رؤيا يوحنا ١٤:٢١ سؤال هام. تخبرنا الآية أن سُورُ المَدِينَةِ مَبنِيّاً عَلَى اثنَي عَشَرَ حَجَرَ أساسٍ كُتِبَتْ عَلَيها أسماءُ رُسُلِ الحَمَلِ الاثنَي عَشَرَ. فأي اسم يا تُرى سنرى على الحجر الثاني عشر عندما نصل إلى السماء؟ اسم بولس أم اسم متياس؟
- فَحُسِبَ مَعَ ٱلْأَحَدَ عَشَرَ رَسُولًا: لا يستطيع أحد أن يلومهم على ما فعلوه قبل القاء القرعة. وعلينا أن نؤمن بأن كل هذه الأمور وضعتهم في المكان الصحيح ليميزوا مشيئة الله.
- لن نتخذ الكثير من القرارات الخاطئة إذا فعلنا كل الأشياء التي فعلها التلاميذ:
- كانوا مطيعين.
- كانوا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وفي شركة دائمة.
- كانوا يواظبون على الصلاة.
- كانوا يدرسون الكلمة.
- كانوا يريدون تتميم مشيئة الله.
- كانوا يستخدمون منطِقهم السليم المُقدس.
- كانوا يريدون الاِحْتِذَاءَ بيسوع.
- كانوا معتمدين بالكامل على الله.
- لن نتخذ الكثير من القرارات الخاطئة إذا فعلنا كل الأشياء التي فعلها التلاميذ: