أعمال الرسل – الإصحاح ٢
حُلول الروح القدس على الكنيسة
أولاً. الاختبار الأول للملء من ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ
أ ) الآيات (١-٤أ): ٱمْتَلَأَ ٱلتَّلَامِيذ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ
١وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ ٱلْخَمْسِينَ كَانَ ٱلْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ٢وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلَأَ كُلَّ ٱلْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، ٣وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَٱسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. ٤وَٱمْتَلَأَ ٱلْجَمِيعُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ…
- يَوْمُ ٱلْخَمْسِينَ (عيد الأسابيع/عيد الحصاد): هو عيد باكورية حصاد القمح عند اليهود ويُحتَفلُ به في اليومِ الخمسينِ بعد عيد الفصح.
- كانوا يقدمون في عيد الفصح، ووفقاً للطقوس اليهودية في ذلك الوقت، أول حزمة من الشعير لله وبعد خمسين يوماً من عيد الفصح كانوا يقدمون باكورة حصاد القمح لهذا أطلق عليه اسم عيد الباكورة (سفر العدد ٢٦:٢٨).
- وقد علَّمَ التقليد اليهودي بأن يَوْمُ ٱلْخَمْسِينَ كان تذكاراً لليوم الذي أُعَطِّي فيه الناموس. كما استخدم اليهود أحياناً (zman matan torah) أو “موسم إعطاء الناموس.”
- كان يَوْمُ ٱلْخَمْسِينَ في العهد القديم تذكاراً لحصول إسرائيل على الشريعة؛ وكان يَوْمُ ٱلْخَمْسِينَ في العهد الجديد تذكاراً لحصول الكنيسة على روح النعمة.
- “كان عدد الحضور في هذا العيد أفضل من أي عيد رئيسي آخر لأن المواصلات كانت في أحسن حالتها. فلم يكن يجتمع في أورشليم مثل هذا العدد الكبير من الناس إلا في عيد الباكورة.” هيوز (Hughes)
- يُقدم سفر اللاويين ١٥:٢٣-٢٢ تعليمات حول كيفية الاحتفال بيوم الخمسين. كان الكاهن يرفع رَغِيفَيِّ خُبزٍ مخبوزان مَعَ خَمِيرَةٍ كتَقدِمَة للهِ كجزء من الاحتفال. ويُعلّق سبيرجن (Spurgeon) على هذا ويقول: “ألم يكن هناك رغيفي خبز؟ هذا يعني أن الخلاص لن يكون لإسرائيل فحسب بل سيرجع الكثير من الأمم إلى الرب يسوع المسيح أيضاً.”
- وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ ٱلْخَمْسِينَ: مر ١٠ أيام على صعود يسوع إلى السماء (أعمال الرسل ٣:١) وعلى وصيته أن ينتظروا موعد الروح القدس.
- لم يكن التلاميذ حديثي العهد بشخص وعمل الروح القدس.
- رَأَّى التلاميذ عمل الروح القدس في خدمة يسوع.
- اِختَبَرَ التلاميذ قوة الروح القدس عندما خرجوا للخدمة (لوقا ١:١٠-٢٠).
- سمِعَ التلاميذ وعد يسوع بعمل جديد قادم من خلال الروح القدس (يوحنا ١٥:١٤-١٨).
- اِستَقبَلَ التلاميذ الروح القدس بطريقة جديدة بعدما أنهى يسوع عمله على الصليب وأسس العهد الجديد بدمه (يوحنا ١٩:٢٠-٢٣).
- أَطاعَ التلاميذ وصية يسوع بانتظار وعد المعمودية بالروح القدس الذي سيؤهلهم ليكونوا له شهوداً (أعمال الرسل ٤:١-٥).
- انْتَظِرُوا إلى أن حَضَرَ يَوْمُ ٱلْخَمْسِينَ ولكنهم لم يعرفوا مسبقاً كم هي مدة الانتظار. ربما كان سهلاً بالنسبة لهم أن يظنوا أن الروح القدس سيأتي مباشرة بعد صعود يسوع إلى السماء أو بعد ٣ أيام أو ٧ أيام. ولكن كان عليهم أن ينتظروا ١٠ أيام بأكملها.
- المكان الوحيد الذي ذكر فيه هذا العدد المحدد من الأيام نجده في سفر إرميا ٧:٤٢ “وَكَانَ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ أَنَّ كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا.” ولكن من سيفكر بهذه الطريقة؟ ربما استخدم الله هذه الأيام ليكسرهم ثم ليبنيهم ثانية. تعرض صبرهم ولطفهم للاختبار خلال هذه الفترة ومع ذلك كَانَ ٱلْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ.
- ماذا تخبرنا هذه الآيات عن عطية الروح القدس:
- عطية الروح القدس هي وَعَدَ الله لنا.
- عطية الروح القدس تستحق الانتظار.
- عطية الروح القدس تأتي حسب مشيئته ولا تأتي دائماً وفقاً لتوقعاتنا.
- عطية الروح القدس يمكن أن تأتي لمجموعة من الناس وليس لأفراد فقط (أنظر أعمال الرسل ٤:٢، ٣١:٤، ٤٤:١٠).
- عطية الروح القدس تُعطى غالباً بينما يتعامل الله مع الجسد ويحدث موت عن الذات.
- ماذا لا تخبرنا هذه الآيات عن عطية الروح القدس:
- أن عطية الروح القدس تُعطى وفقاً لصيغة معينة.
- أننا ننال عطية الروح القدس عندما نسعى وراءها.
- لم يكن التلاميذ حديثي العهد بشخص وعمل الروح القدس.
- كَانَ ٱلْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ: كانوا مجتمعين معاً بنفس القلب وبنفس المحبة لله وبنفس الثقة بوعده وبنفس المكان.
- علينا قبل الامتلاء بالروح القدس أن نعترف بعجزنا. وهذا ما فعله التلاميذ أثناء انتظارهم معاً بروح الصلاة وبكل طاعة وحينها فقط أَدْرَكَوا أنهم عاجزين عن القيام بالمهمة الموكلة إليهم كما وأَدْرَكَوا أهمية الاعتماد الكامل على عمل الله.
- وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ صَوْتٌ: الربط بين الصَوت النازل مِنَ السَّماءِ الذي يُشبِهُ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وبين امتلاء ٱلْبَيْتِ بالروح القدس كان اِستثنائيّاً. فكلمة الروح القدس في اللغة العبرية واليونانية هي نفسها كلمة نَفَخَ فِي أو رِيحٍ (ينطبق هذا على اللغة اللاتينية أيضاً) فالصوت النازل من السماء هنا كان صوت اِنسِكاب الروح القدس على التلاميذ.
- كان من السهل على هؤلاء الرجال والنساء أن يربطوا هذا الصَوْت الذي يُشبِهُ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ بحضور الروح القدس لأنهم كانوا على دراية جيدة بالكتب العبرية.
- نقرأ في سفر التكوين ١:١-٢ أن رُوحُ ٱللهِ كان يَرِفُّ (نفخة/ريح) عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ في الأرض التي أنشأت حديثاً.
- ونقرأ في سفر التكوين ٧:٢ أن روح الله نَفَخَ فِي أَنْفِ الإنسان المخلوق حديثاً نَسَمَةَ حَيَاة.
- وفي حزقيال ٩:٣٧-١٠ نجد أن روح الله يهب على ٱلْعِظَامُ ٱلْيَابِسَةُ لشعب إسرائيل كي تحيا وتتشدد.
- تخبرنا هذه الآية الكثير عن تحركات الروح القدس:
- بَغْتَةً: يتحرك الله أحياناً بطريقة مفاجئة.
- صَوْتٌ: كان حقيقياً على الرغم من أنهم لم يتمكنوا من لمسه إلا أنهم سمعوه بآذانهم.
- مِنَ ٱلسَّمَاءِ: لم يأتي من الأرض ولم يكن مخلوقاً أو مصنوعاً بأيدي الناس.
- عَاصِفَةٍ: جاء بقوة هائلة.
- كان من السهل على هؤلاء الرجال والنساء أن يربطوا هذا الصَوْت الذي يُشبِهُ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ بحضور الروح القدس لأنهم كانوا على دراية جيدة بالكتب العبرية.
- وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَٱسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: كان ظَهَور أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاستقرارها عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أمراً اِستثنائيّاً أيضاً. وربما علينا ربط هذا بنبوة يوحنا المعمدان عندما قال عن يسوع: هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ وَنَارٍ (متى ١١:٣).
- تشير فكرة النار عادة إلى التنقية: كتنقية الذهب الخام بالنار. فالنار تحرق كل ما هو مؤقت وتترك كل ما هو دائم. يا له من مثلٌ رائع لعمل الروح القدس، فالملء بالروح القدس ليس مجرد قوة بل تطهير وتنقية للنفس.
- نرى في أماكن معينة من العهد القديم كيف كان الله يرسل نار من السماء لتلتهم الذبيحة كتعبير عن سروره بها. والاختبار الذي مر به تلاميذ يسوع يوم الخمسين ما هو إلا مثل آخر على إرسال الله للنار من السماء كتعبير عن سروره، ولكن النار التي نزلت هذه المرة نزلت على ذبائح حية (١:١٢).
- علّق بيرسون (Pierson) على الآية (ٱسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) هكذا: “كلمة (ٱسْتَقَرَّ) أو (حَلَّ) هامة للغاية في العهد الجديد وتحمل فكرة اِنْتِهاءُ فترة الإعداد ولكن الحفاظ على نفس المَكَانَة والحالة.”
- نرى في العهد القديم كيف كان الروح القدس يستقر أو يحل على كل شعب الله (أمة إسرائيل). ولكننا نرى أن الأمر يختلف في العهد الجديد فالروح القدس يحل على شعب الله كأفراد – ٱسْتَقَرَّتْ (الألسنة) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. لم نرى هذه الظاهرة الغريبة من قبل ولن نراها تتكرر ثانية عبر صفحات الكتاب المقدس ولكنها ذُكرت للتركيز على أن روح الله كان حاضراً بالأفراد ومن خلالهم.
- وَٱمْتَلَأَ ٱلْجَمِيعُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ: وبشكل أساسي كان هُبُوبِ الرِيحٍ والأَلْسِنَةٌ المُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ أمراً اِستثنائيّاً ولكنها كانت ظاهرة مؤقتة رافقت العطية الحقيقية وهي ٱمْتَلَاء ٱلْجَمِيعُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ.
- من الخطأ أن نتوقع هُبُوبِ الرِيحٍ والأَلْسِنَةٌ المُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ عند انسكاب الروح القدس علينا اليوم إلا أنه يمكننا اِختبار العطية الحقيقية ويمكننا أن نمتلئ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ.
- ولكن علينا أن نفعل ما فعله التلاميذ قبل وأثناء اِمتَلأَهم مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ.
- ٱمْتَلَأَ التلاميذ وآمنوا بتحقيق الوعد.
- ٱمْتَلَأَ التلاميذ عندما قبلوا بالإيمان.
- ٱمْتَلَأَ التلاميذ حسب توقيت الله.
- ٱمْتَلَأَ التلاميذ عندما كانوا مجتمعين بنفسٍ واحدة.
- ٱمْتَلَأَ التلاميذ بطرق اِستثنائية.
- كان حلول الروح القدس على التلاميذ أمراً رائعاً وضرورياً جداً لخدمة المؤمنين الأوائل كما وأكد على كلام يسوع: خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لَا يَأْتِيكُمُ ٱلْمُعَزِّي (يوحنا ٧:١٦).
ب) الآيات (٤ب-١٣): ظاهرة التكلم بألسنة
وَٱبْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ ٱلرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا. ٥وَكَانَ يَهُودٌ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ سَاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ. ٦فَلَمَّا صَارَ هَذَا ٱلصَّوْتُ، ٱجْتَمَعَ ٱلْجُمْهُورُ وَتَحَيَّرُوا، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ يَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ. ٧فَبُهِتَ ٱلْجَمِيعُ وَتَعَجَّبُوا قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «أَتُرَى لَيْسَ جَمِيعُ هَؤُلَاءِ ٱلْمُتَكَلِّمِينَ جَلِيلِيِّينَ؟ ٨فَكَيْفَ نَسْمَعُ نَحْنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لُغَتَهُ ٱلَّتِي وُلِدَ فِيهَا؟ ٩فَرْتِيُّونَ وَمَادِيُّونَ وَعِيلَامِيُّونَ، وَٱلسَّاكِنُونَ مَا بَيْنَ ٱلنَّهْرَيْنِ، وَٱلْيَهُودِيَّةَ وَكَبَّدُوكِيَّةَ وَبُنْتُسَ وَأَسِيَّا ١٠وَفَرِيجِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ وَمِصْرَ، وَنَوَاحِيَ لِيبِيَّةَ ٱلَّتِي نَحْوَ ٱلْقَيْرَوَانِ، وَٱلرُّومَانِيُّونَ ٱلْمُسْتَوْطِنُونَ يَهُودٌ وَدُخَلَاءُ، ١١كِرِيتِيُّونَ وَعَرَبٌ، نَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا بِعَظَائِمِ ٱللهِ!». ١٢فَتَحَيَّرَ ٱلْجَمِيعُ وَٱرْتَابُوا قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا؟». ١٣وَكَانَ آخَرُونَ يَسْتَهْزِئُونَ قَائِلِينَ: «إِنَّهُمْ قَدِ ٱمْتَلَأُوا سُلَافَةً».
- وَٱبْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى: ابتدأ الجميع (وليس التلاميذ فقط) يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى تجاوباً مع الامتلاء من الروح القدس. وكَمَا أَعْطَاهُمُ ٱلرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا تكلموا بلغات أجنبية حقيقية لم يعرفوها من قبل.
- وَكَانَ يَهُودٌ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ: تجمع الحشد الكبير من كل أمة تحت السماء في أورشليم بسبب عيد يوم الخمسين (عيد الباكورة/عيد العنصرة). وكان هؤلاء هم نفس الأشخاص الذين تجمعوا في أورشليم في العيد الأخير أي عيد الفصح عندما طالبوا بغضب إعدام يسوع.
- فَلَمَّا صَارَ هَذَا ٱلصَّوْتُ: ٱجْتَمَعَ ٱلْجُمْهُورُ بسرعة عند سماعهم ٱلصَّوْتُ (صوت الريح العاصفة أو صوت الألسنة الأخرى) كما وسمعوا التلاميذ يتكلمون بلغة البلد التي جاؤوا منها. ربما سمعوا الصوت عبر نوافذ العُلية أو لأن التلاميذ وقفوا على شرفة ما أو لأنهم ذهبوا إلى الهيكل.
- كانت البيوت صغيرة في ذلك الوقت ومن المستحيل أن تسع ١٢٠ شخص في آن واحد. كانت العلية على الأغلب جزءً من الهيكل الضخم الذي كان يحتوي على الكثير من الشرفات والأروقة والغرف، وهكذا تجمع الجمهور الذي كان يتجول في أروقة الهيكل.
- نَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا بِعَظَائِمِ ٱللهِ!: سمع الجمهور التلاميذ يتكلمون عن عظائم الله وهذا جعلهم يتحيرون ويرتابون. سأل البعض بصدق: مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا؟ أما البعض فاستهزأوا بعمل الله قَائِلِينَ: إِنَّهُمْ قَدِ ٱمْتَلَأُوا سُلَافَةً (لَقَدْ أسرَفَ هَؤلاءِ فِي شُربِ النَّبِيذِ!).
- َتُرَى لَيْسَ جَمِيعُ هَؤُلَاءِ ٱلْمُتَكَلِّمِينَ جَلِيلِيِّينَ؟ من المعروف عن أهل الجليل (الجَلِيلِيِّينَ) أنهم كانوا غير مثقفين وهذا ما جعل الناس تتعجب من قدرتهم على الكلام بطلاقة وبلغاتٍ أخرى. كتب لونجنيكر (Longenecker) هذا التعليق: “كان أهل الجليل يستصعبون نطق الحروف الحَلْقيَّة (الأصوات التي تخرج من الحَلْق عند النُّطق) واعتادوا بلع المقاطع اللفظية عند الكلام ولهذا كان يراهم سكان أورشليم كالقرويين السذج (عَامِّيُّون).”
- بالرغم من أن التلاميذ تكلموا بألسنة مختلفة لكن وحدتهم كانت واضحة للغاية. علّق ستوت (Stott): “أجمع المفسرون منذ فجر المسيحية أنه كانت هناك بركة خاصة يوم الخمسين هدفها تغيير وعكس اللعنة التي وقعت على البشرية بعد حادثة برج بابل.”
- مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا؟ ماذا نفهم من ظاهرة التكلم بالألسنة؟ كان هذا الموضوع ولا يزال النقطة المحورية لجدل كبير في الكنيسة ولا يزال الناس يطرحون نفس السؤال الذي طرحه المارة يوم الخمسين.
- ليس هناك جدل أو شك بأن الله أعطى الكنيسة موهبة التكلم بألسنة مرة واحدة على الأقل. ولكن الكثير من الجدل يتمحور حول السؤال: “ما هو قصد الله من إعطاء هذه الموهبة؟”
- يرى البعض أن موهبة التكلم بألسنة أُعطيت في المقام الأول كعلامة (آيَةٌ) لغير المؤمنين (كورنثوس الأولى ٢١:١٤-٢٢) وكوسيلة معجزية لتوصيل رسالة الإنجيل بلغات مختلفة وأنه ليس هناك حاجة لمثل هذه الموهبة في الكنيسة اليوم.
- ويجادل آخرون: صحيح أن موهبة التكلم بالألسنة كانت آية لغير المؤمنين كما ذكرنا سابقاً في كورنثوس الأولى ٢١:١٤-٢٢ إلا أنها في المقام الأول موهبة خاصة يمنحها الله للمؤمن ليتواصل معه (كورنثوس الأولى ٢:١٤، ١٣-١٥) وهي موهبة لا يزال الله يمنحها لأولاده اليوم.
- يخطئ الكثيرون في تفسير ما حدث في أعمال الرسل ٢ على افتراض أن التلاميذ استخدموا الألسنة لتبشير الجمهور، ولكن نظرة متأنية للنص تبين أن هذا الافتراض خطأ. لاحظوا أن الجمهور سمع التلاميذ: يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا بِعَظَائِمِ ٱللهِ، فكل ما فعله التلاميذ هو رفع الحمد والتسبيح والشكر لله بلغة غريبة لم تكن معروفة بالنسبة لهم وكل ما سمعه الجمهور كان ببساطة إعلان التلاميذ عن عظائم الله.
- فكرة أن التلاميذ بشروا الجمهور (الذي جاء مِنْ أُمَمِ الْعَالَمِ كُلِّهَا) مستخدمين الألسنة خاطئة تماماً. فقد كان الحشد يتكلم لغة مشتركة وهي اللغة اليونانية ولم يكن هناك داعٍ للغات أخرى، وبالمناسبة كانت تلك هي نفس اللغة التي استخدمها بطرس في عظته في أعمال الرسل ١٤:٢-٤٠.
- نَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا بِعَظَائِمِ ٱللهِ!: موهبة التكلم بألسنة هي موهبة شخصية يستخدمها المؤمن لرفع صلاته لله خارج حدود المعرفة والفهم (كورنثوس الأولى ١٤:١٤-١٥).
- لموهبة التكلم بألسنة مكانة هامة جداً في خلوة المؤمن ومكانة بسيطة جداً في حياة الكنيسة (كورنثوس الأولى ١٨:١٤-١٩) خاصة في الاجتماعات العامة (كورنثوس الأولى ٢٣:١٤).
- عندما تُمارس موهبة التكلم بألسنة في الكنيسة يجب السيطرة عليها بعناية ولا يجب أن تُمارس أبداً دون ترجمة مُعطاة من الروح القدس (كورنثوس الأولى ٢٧:١٤-٢٨).
- القدرة على الصلاة بلسانٍ غير معروف ليست موهبة تُعطى لكل مؤمن (كورنثوس الأولى ٣٠:١٢).
- القدرة على الصلاة بلسانٍ غير معروف ليست الدليل الأساسي أو الوحيد للملء من الروح القدس. هذه الطريقة في التفكير تجعل الكثيرون يسعون وراء موهبة التكلم بالألسنة وتزييفها لمجرد أن يثبتوا لأنفسهم وللآخرين أنهم حقاً مملوئين من الروح القدس.
- وَٱبْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ ٱلرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا: هل موهبة التكلم بالألسنة في سفر أعمال الرسل ٢ هي نفسها الموصوفة في كورنثوس الأولى ١٢ و١٤؟
- يقول البعض أننا نتعامل مع موهبتين منفصلتين هنا ويجادلون أن الموهبة المذكورة في كورنثوس الأولى يجب أن تكون بِلَياقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيب، في حين الموهبة المذكورة في سفر أعمال الرسل ٢ يمكن استخدامها في أي وقت ودون أي تَرْتِيب. ويؤكد الذين يؤمنون بهذه الفكرة أن الغرباء ميزوا العظة المذكورة في أعمال الرسل ٢ على الفور أما العظة في كورنثوس الأولى فلم يفهمها سوى من يملك موهبة الترجمة (التفسير).
- لكن من يفكر بهذه الطريقة لا يأخذ بعين الاِعتبار أن الاختلاف له علاقة بالظروف التي تم فيها ممارسة الموهبة وليس في الموهبة نفسها.
- كان ٱلْجُمْهُور في أورشليم فريداً من نوعه لأنه متعدد الجنسيات ومتعدد اللغات. وكانت المدينة مكتظة باليهود القادمين من الشتات من جميع أنحاء العالم بسبب العيد وبالتالي اِحتمال سماع لغة مألوفة لأحدهم كان وارداً جداً. ومن الناحية الأخرى لم تمارس موهبة الألسنة في مدينة كورنثوس (رغم أنها مدينة عالمية في حد ذاتها) إلا داخل الكنيسة المحلية بوجود أعضاء يتقاسمون لغة مشتركة (وهي اللغة اليونانية). وإذا زار نفس هذا التنوع من الأجانب كنيسة كورنثوس ووجدوهم يتكلمون بألسنة فعلى الأغلب سيسمع العديد منهم لغته الأم من أعضاء الكنيسة الذين يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِهم عن عَظَائِمِ ٱللهِ!
- بالإضافة إلى ذلك ينبغي ألا نفترض أبداً أن كل شخص كان حاضراً يوم الخمسين في ذلك اليوم تكلم بلغة مفهومة لأحد الحاضرين. قرأنا أنهم ٱبْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى مما يعني أن كل الحاضرين تكلموا بلسانٍ آخر. وبما أن الأمم المذكورة في أعمال الرسل ٩:٢-١١ كان عددهم ١٥ فقط (ربما كان هناك أمم أخرى لم تُذكر) فمن المحتمل أن الكثير (إن لم يكن المعظم) من الـ ١٢٠ مجدوا الله في لغة لم يفهمها أحد الحاضرين. فالنص ببساطة لا يشير أن أحد الحاضرين أستطاع أن يفهم كل شخص تكلم بلسانٍ.
- لا ينبغي أن نفترض أن الذين تكلموا بألسنة تكلموا بكلام غير مفهوم وبلا معنى (كما يحدث هذه الأيام). ربما سبحوا الله بلغة لم تكن معروفة للحاضرين حينها ولكنها لغة بشرية معروفة ومستخدمة في مكانٍ ما. فمثلاً: كيف ستبدو لغة قبيلة الأزتيك بالنسبة لشخص روماني؟ سيعتقد أنهم يثرثرون ولكنهم في الواقع ينطقون بلغتهم. من الجائز أن يُعطي الله لسان فريد من نوعه لن يفهمه سوى الله وحده. فالقصد في النهاية من موهبة الألسنة هو التواصل مع الله وليس مع الإنسان (كورنثوس الأولى ٢:١٤). فالكلام الذي لا يعني شيئاً للمارة ليس دليلاً على أن الشخص يَتَكَلَّمُ بِرَطانَةٍ (ينطق بهذيان). قد نُسبح الله باستخدام عبارات بسيطة ومتكررة وقد لا تكون مفهومة للشخص الذي يتكلم بلسان لأنها كلمات خارجة من القلب لا العقل (كورنثوس الأولى ١٤:١٤) ولكنه مفهوم لدى لله دون شك.
- وعلينا بالمجمل أن نعتبر أن موهبة الألسنة المُشار إليها في أعمال الرسل ٢ وكورنثوس الأولى هي ذاتها والسبب ببساطة هو استخدام التعبير نفسه في المقطعين في اللغة الأصلية (هيتيرايس غلوسيس heterais glossais). كما أن الفعل المُترجم ’أَعْطَاهُمُ أَنْ يَنْطِقُوا‘ في أعمال الرسل ٤:٢ هو نفسه المُستخدم بشكلٍ متكرِّر في الكتابات اليونانية للحديث عن التكلُّم المدفوع روحياً (بحالة النشوة الروحية) ولذا ينبغي ألا يُفَهم بمعنى الترجمة إلى “لغات أخرى” أو التكلم بهذه اللغات فقط.
ثانياً. عظة بطرس يوم الخمسين
أ ) الآيات (١٤-١٥): عظة بطرس
١٤فَوَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ ٱلْأَحَدَ عَشَرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْيَهُودُ وَٱلسَّاكِنُونَ فِي أُورُشَلِيمَ أَجْمَعُونَ، لِيَكُنْ هَذَا مَعْلُومًا عِنْدَكُمْ وَأَصْغُوا إِلَى كَلَامِي، ١٥لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا سُكَارَى كَمَا أَنْتُمْ تَظُنُّونَ، لِأَنَّهَا ٱلسَّاعَةُ ٱلثَّالِثَةُ مِنَ ٱلنَّهَارِ.
- فَوَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ ٱلْأَحَدَ عَشَرَ: وقف بطرس وتكلم مع الحشد كالممثل الرسمي عن كل التلاميذ.
- من الجدير بالملاحظة أن الألسنة توقفت عندما بدأ بطرس بالكلام. فالروح القدس سيبدأ عمله في النفوس الآن من خلال عظة بطرس ولن يعمل بهم في نفس الوقت من خلال الألسنة.
- وَرَفَعَ صَوْتَهُ: كان هناك تغييرٌ ملحوظ في بطرس. فبطرس الآن أصبح ممتلئ بالروح القدس ويملك الشجاعة والجرأة بعد أن أنكر سيده.
- لم يُعلم بطرس يوم الخمسين كما كان يفعل المُعلم اليهودي في عصره. فقد اعتاد المعلم وقتها أن يجمع تلاميذه حوله (ومن يسمع من المارة) ويعلموهم. أما بطرس فأعلن الحق مثل المُنادي (رَفَعَ صَوْتَهُ).
- لم يكن هناك أي تحضير لهذه العظة الرائعة بل قُدمت بشكل تلقائي. لم يستيقظ بطرس في ذلك الصباح عالماً أنه سيعظ للآلاف وأنهم بدورهم سيؤمنون بالمسيح. ومع ذلك نستطيع القول أنها كانت عظة مُعدة جيداً لأنها كانت تتدفق بشكل تلقائي وطبيعي من علاقة حقيقية مع الله ومع يسوع المسيح ونتيجة إقتناع وإيمان عميقين.
- من الجيد أن نتذكر أن ما نقرأه في أعمال الرسل ٢ ما هو إلا جزء بسيط مما قاله بطرس فعلاً. تخبرنا الآية في أعمال الرسل ٤٠:٢ “وَبِأَقْوَالٍ أُخَرَ كَثِيرَةٍ كَانَ يَشْهَدُ لَهُمْ وَيَعِظُهُمْ.” وكحال كل العظات المُسجلة في الكتاب المقدس ما لدينا هو مجرد الجزء المختصر الذي أوحى به الروح القدس من أصل رسالة أطول.
- هَؤُلَاءِ لَيْسُوا سُكَارَى: رد بطرس على النقد الساخر بأن التلاميذ كانوا سكارى. فكان من غير المعقول في تلك الأيام أن يكون هناك شخص سكير في مثل هذا الوقت المبكر من اليوم (حوالي التاسعة صباحاً).
- “معظم اليهود – الأتقياء وغيرهم – لا يأكلوا أو يشربون إلا بعد ٱلسَّاعَةُ ٱلثَّالِثَةُ مِنَ ٱلنَّهَارِ وهو موعد الصلاة، وكانوا يأكلون فقط بعد الانتهاء من واجباتهم الدينية نحو الله.” آدم كلارك (Adam Clarke)
- هَؤُلَاءِ لَيْسُوا سُكَارَى: لا ينبغي أن نفكر أن المؤمنين كانوا يتصرفون كما لو كانوا في حالة سُّكر. وبالمناسبة فإن فكرة “الثمالة في الروح” ليس لها أي أساس في الكتاب المقدس. فتعليق الساخرين في يوم الخمسين لم يكن له أي أساس من الصحة.
- “نضيف هنا على أن الملء بالروح القدس الذي اختبره التلاميذ لم يبدو لهم وللآخرين كحالة من السُّكر فهم لم يفقدوا السيطرة على تصرفاتهم. فثمر الروح هو التَعَفُّفٌ أو ضَبْطُ النَّفْسِ وليس فقدانها.” ستوت (Stott)
ب) الآيات (١٦-٢١): يشرح بطرس الاحداث الغريبة التي حدثت يوم الخمسين مقتبساً من سفر يوئيل ٢.
١٦بَلْ هَذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ ٱلنَّبِيِّ: ١٧يَقُولُ ٱللهُ: وَيَكُونُ فِي ٱلْأَيَّامِ ٱلْأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلَامًا. ١٨وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضًا وَإِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ. ١٩وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَآيَاتٍ عَلَى ٱلْأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ: دَمًا وَنَارًا وَبُخَارَ دُخَانٍ. ٢٠تَتَحَوَّلُ ٱلشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ وَٱلْقَمَرُ إِلَى دَمٍ، قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ ٱلرَّبِّ ٱلْعَظِيمُ ٱلشَّهِيرُ. ٢١وَيَكُونُ كُلُّ مَنْ يَدْعُو بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَخْلُصُ.
- بَلْ هَذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ ٱلنَّبِيِّ: ماذا فعل بطرس عند انسكاب الروح القدس؟ قال ببساطة: “لندرس الكلمة ولنرى مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ ٱلنَّبِيِّ.”
- هذه مقدمة للاقتباسات الثلاثة التي سيستخدمها بطرس من العهد القديم: سفر يوئيل ٢٨:٢-٣٢ ومزمور ٨:١٦-١١ ومزمور ١:١١٠.
- هذا التركيز على كلمة الله لم يطفئ الروح القدس بل حقق تماماً مشيئة الروح القدس. فالآيات والعجائب والتكلم بألسنة كانت تُعِد القلوب لعمل كلمة الله.
- قال بعضهم للأسف أن كلمة الله تعمل ضد الروح إذ يعتقدون أنهم سيكونون أكثر روحانية إن لم يكن هناك دراسة للكتاب المقدس. ويعود السبب وراء ذلك إلى التعليم الضعيف وغير الروحي لبعض مُعلمي الكتاب المقدس.
- يُوئِيلَ ٱلنَّبِيِّ: يركز هذا الاقتباس من سفر يوئيل ٢٨:٢-٣٢ على وعد الله بأنه سَيسكُبُ رُوحِه عَلَى كُلِّ النّاسِ وما حدث في يوم الخمسين ما هو إلا تحقيق جزئي لهذا الوعد، ولكن التحقيق الكامل سيكون في الأيام الأخيرة (وكان لدى بطرس سبباً وجيهاً للتفكير بأن هذا سيكون في الأيام الأخيرة).
- دارت معظم نبوات يوئيل حول الدينونة القادمة على شعب إسرائيل في القديم ولكن في خضم تلك التحذيرات أعطى الله وعود ببركات مستقبلية أيضاً – مثل الإعلان عن موعد انسكاب الروح القدس.
- وَيَكُونُ فِي ٱلْأَيَّامِ ٱلْأَخِيرَةِ: تشير ٱلْأَيَّامِ ٱلْأَخِيرَةِ إلى أوقات المسيا وتشمل في العادة مجيئه الأول والثاني: مجيئه المتواضع الأول وعودته ثانية في المجد. ولأن يسوع قد سبق وجاء بالفعل بتواضع كامل أدركوا أن مجيئه الثاني في المجد حتماً سيتحقق قريباً وفي أي وقت.
- رغم أن مجيء يسوع كان بعد حوالي ألفي سنة فإن أحداث التاريخ حتى هذه النقطة كانت تتجه نحو تأسيس ملكوت الله النهائي على الأرض ومنذ ذلك الحين والتاريخ يسير بتوازٍ مع تلك النقطة إستعداداً للتحقيق الكامل لهذا الوعد.
- من المفيد أيضاً أن نرى ٱلْأَيَّامِ ٱلْأَخِيرَةِ كحقبة زمنية (أي فترة عامة من الزمن) وليس كفترة محددة كأُسْبُوعٍ مثلاً. في كل فترة خطة الله للتاريخ البشري نعيش الآن في حقبة ٱلْأَيَّامِ ٱلْأَخِيرَةِ.
- “لم يقل بطرس: ’تحققت النبوة التي تكلم عنها يوئيل الآن،‘ ولكنه قال بحذر: ’هَذَا مَا قِيلَ‘ مما يعني أن كلمات يوئيل تقدم تفسير لما حدث يوم الخمسين الأول وليست التحقيق الكامل للوعد.” بيرسون (Pierson)
- أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ: شرح بطرس عندما اقتبس من يوئيل للمتفرجين الفضوليين المعنى من وراء ما حدث، فما شاهدوه كان اِنسِكاب الروح القدس على الناس. كان الروح القدس في السابق ينزل قَطْرَةً قَطْرَةً على بعض الناس أما الآن فقد انسكب بتدفق عَلَى كُلِّ بَشَرٍ.
- يا له من حدثٍ مجيد. تمتع البعض في العهد القديم بالملء من الروح القدس وحدث ذلك في أوقات معينة ولأغراض محددة. أما الآن وفي ظل العهد الجديد انسكب الروح القدس على كل مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ حتى على عَبِيدِي (رِجالاً وَنِساءً).
- “لم يكن هناك أي وعد بحضور الروح القدس الثابت في حياة أي قديس في العهد القديم ولم يكن متاحاً لأحد.” هيوز (Hughes). ولكن تغير كل هذا بموجب العهد الجديد.
- وَيَكُونُ كُلُّ مَنْ يَدْعُو بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَخْلُصُ: استخدم بطرس هذا المقطع من يوئيل بغرض التبشير أيضاً. فهذا الإنسكاب للروح القدس يعني أن الله الآن يُعلن خلاصه ويقدمه بطريقة لم تكن معروفة من قبل – لكُلُّ مَنْ يَدْعُو بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ إن كان يهودياً أو أممياً.
- لم تُقدم البشارة للأمم إلا بعد سنين كثيرة ومع ذلك قدم بطرس دعوة للجميع حين قال: وَيَكُونُ كُلُّ مَنْ يَدْعُو بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَخْلُصُ.
- تم التعبير عن نفس الفكرة في سفر الأمثال ١٠:١٨ “اِسْمُ ٱلرَّبِّ بُرْجٌ حَصِينٌ يَرْكُضُ إِلَيْهِ ٱلصِّدِّيقُ وَيَتَمَنَّعُ.”
ج ) الآيات (٢٢-٢٤): يقدم بطرس الفكرة الرئيسية لعظته: يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ المسيا المُقام.
٢٢«أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِسْرَائِيلِيُّونَ ٱسْمَعُوا هَذِهِ ٱلْأَقْوَالَ: يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ ٱللهِ بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا ٱللهُ بِيَدِهِ فِي وَسْطِكُمْ، كَمَا أَنْتُمْ أَيْضًا تَعْلَمُونَ. ٢٣هَذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّمًا بِمَشُورَةِ ٱللهِ ٱلْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ ٱلسَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. ٢٤اَلَّذِي أَقَامَهُ ٱللهُ نَاقِضًا أَوْجَاعَ ٱلْمَوْتِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ.
- أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِسْرَائِيلِيُّونَ ٱسْمَعُوا هَذِهِ ٱلْأَقْوَالَ: أشار الكثيرون أنه كان بإمكان بطرس أن يكتفي بالآية من يوئيل لما فيها من جواهر. أشار يوئيل إلى:
- اِنسِكاب الروح القدس
- الأحلام والرؤى والتنبؤات المعجزية
- العجائب والآيات التي تشير إلى مجيء يوم الرب العظيم.
- الدعوة لطلب اسم الرب
- لكن هذا لم يكن كافياً لأن بطرس لم يتحدث بعد عن عمل يسوع الكّفَاري عوضاً عنا. كل ما قاله بطرس حتى هذه النقطة كان مجرد مُقدمة أراد بها أن يشرح للناس الأشياء الغريبة التي شاهدوها، ولكنه سيبدأ الآن بمشاركتهم عن أهم وأعظم رسالة في الوجود.
- أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِسْرَائِيلِيُّونَ ٱسْمَعُوا هَذِهِ ٱلْأَقْوَالَ: كان هذا شبيهاً لما قاله بطرس سابقاً في أعمال الرسل ١٤:٢ “لِيَكُنْ هَذَا مَعْلُومًا عِنْدَكُمْ وَأَصْغُوا إِلَى كَلَامِي.” أرادهم أن يستمعوا جيداً لكلامه لأن ما سيقوله كان في غاية في الأهمية – وهذا ما فشل أن يفعله الكثير من المُعلمين اليهود.
- أَنْتُمْ أَيْضًا تَعْلَمُونَ: أشار بطرس أولاً إلى ما يعرفه هؤلاء الناس عن يسوع، فقد عرفوا الكثير عن حياته وعن معجزاته. علينا في كثير من الأحيان وأثناء حديثنا مع الناس عن يسوع أن نبدأ بما يعرفونه عنه.
- مُسَلَّمًا بِمَشُورَةِ ٱللهِ ٱلْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ ٱلسَّابِقِ: عَرِفَّ بطرس أن موت يسوع كان حسب مشيئة وخطة الله، ولكن في نفس الوقت كان الذين رفضوه وطالبوا بصلبه مسؤولين عن أفعالهم الشريرة (وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ).
- لم يتردد بطرس في القول: “أنتم صلبتم هذا الرجل الذي أرسله الله.” فلم يكن اهتمامه الأول إرضاء الجمهور بل أن يخبرهم الحق. كان بطرس الممتلئ بالروح يختلف تماماً عما كان عليه قبل عدة أشهر (متى ٦٩:٢٦-٧٥).
- إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا: عَرِفَّ بطرس أنه لم يكن ممكناً للموت أَنْ يُمْسَكَ بيسوع (كما هو موضح في الاقتباس اللاحق من المزمور ١٦). فلم يكن ممكناً أن يبقى يسوع ضحية لخطية الإنسان وحتماً سينتصر عليها.
- نَاقِضًا أَوْجَاعَ ٱلْمَوْتِ: (مُحَرِّراً إيّاهُ مِنْ آلامِ المَوتِ) كلمة أَوْجَاعَ في العبارة أَوْجَاعَ ٱلْمَوْتِ تأتي بمعنى آلام الولادة. وبهذا المعنى كان القبر بالنسبة ليسوع كالرَّحَم.
- لم يكن ممكناً أن يبقى مختار الله في قبضة الموت. كتب بروس (Bruce) نقلاً عن بيرترام (Bertram): “لم يكن ممكناً للهاوية أن تُبقي الفادي فيها تماماً كحال المرأة الحامل التي لن تتمكن من الاحتفاظ بطفلها في بطنها إلى الأبد.”
د ) الآيات (٢٥-٣٣): يشرح بطرس عن يسوع المُقام مقتبساً من المزمور ١٦.
٢٥لِأَنَّ دَاوُدَ يَقُولُ فِيهِ: كُنْتُ أَرَى ٱلرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ، أَنَّهُ عَنْ يَمِينِي، لِكَيْ لَا أَتَزَعْزَعَ. ٢٦لِذَلِكَ سُرَّ قَلْبِي وَتَهَلَّلَ لِسَانِي. حَتَّى جَسَدِي أَيْضًا سَيَسْكُنُ عَلَى رَجَاءٍ. ٢٧لِأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي ٱلْهَاوِيَةِ وَلَا تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَادًا. ٢٨عَرَّفْتَنِي سُبُلَ ٱلْحَيَاةِ وَسَتَمْلَأُنِي سُرُورًا مَعَ وَجْهِكَ. ٢٩أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِخْوَةُ، يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ لَكُمْ جِهَارًا عَنْ رَئِيسِ ٱلْآبَاءِ دَاوُدَ إِنَّهُ مَاتَ وَدُفِنَ، وَقَبْرُهُ عِنْدَنَا حَتَّى هَذَا ٱلْيَوْمِ. ٣٠فَإِذْ كَانَ نَبِيًّا، وَعَلِمَ أَنَّ ٱللهَ حَلَفَ لَهُ بِقَسَمٍ أَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ صُلْبِهِ يُقِيمُ ٱلْمَسِيحَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ لِيَجْلِسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، ٣١سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ ٱلْمَسِيحِ، أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي ٱلْهَاوِيَةِ وَلَا رَأَى جَسَدُهُ فَسَادًا. ٣٢فَيَسُوعُ هَذَا أَقَامَهُ ٱللهُ، وَنَحْنُ جَمِيعًا شُهُودٌ لِذَلِكَ. ٣٣وَإِذِ ٱرْتَفَعَ بِيَمِينِ ٱللهِ، وَأَخَذَ مَوْعِدَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ مِنَ ٱلْآبِ، سَكَبَ هَذَا ٱلَّذِي أَنْتُمُ ٱلْآنَ تُبْصِرُونَهُ وَتَسْمَعُونَهُ.
- لِأَنَّ دَاوُدَ يَقُولُ فِيهِ: عَرِفَّ بطرس أن المزمور يتكلم عن داود إلا أنه أشار إلى من هو أعظم من داود: المسيا يسوع المسيح. ربما عَلَمَ يسوع من قبل بطرس والتلاميذ هذا الكلام عندما فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا ٱلْكُتُبَ. (لوقا ٤٤:٢٤-٤٥).
- قُدُّوسَكَ:حَمَلَ يسوع كل غضب الله على الصليب وكأنه هو المذنب بل صار خَطِيَّةً لِأَجْلِنَا (كورنثوس الثانية ٢١:٥) ولكنه فعل ذلك محتفظاً بقداسته ومُظهراً محبة عجيبة لنا. ورغم أنه حمل كل خطايانا إلا أنه لم يتلوث بها مثلنا.
- هذه هي البشارة: أخذ يسوع المخلص عقاب الخطية على الصليب وبقي كاملاً وبلا خطية أثناء ذلك والدليل: قيامته. ولولا القيامة لما كان لنا أي دليل أن يسوع المسيح اِنتَصَر ودفع ثمن خطايانا بالكامل.
- وَلَا تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَادًا: لم يتأثر يسوع عندما حمل عنا خطايانا وبقي باراً حتى في موته: قُدُّوسَكَ. في حين لا يمكننا أن نفهم بالكامل كيف يمكن للموت أن يُمسك قدوس الله ولكن ما نفهمه أن القيامة كانت حتمية.
- حاز يسوع على المكافئة بدلاً من العقاب مقابل عمله على الصليب. وكما وصف كاتب المزمور: عَرَّفْتَنِي سُبُلَ ٱلْحَيَاةِ وَسَتَمْلَأُنِي سُرُورًا مَعَ وَجْهِكَ.
- دَاوُدَ … مَاتَ وَدُفِنَ: يؤكد بطرس أن هذا المزمور لا يمكن أن يشير إلى مؤلفه البشري دَاوُدَ لأنه مات ودفن بل يتنبأ عن المسيا يسوع المسيح.
- فَيَسُوعُ هَذَا أَقَامَهُ ٱللهُ، وَنَحْنُ جَمِيعًا شُهُودٌ لِذَلِكَ: يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ الذي عرفوه (كَمَا أَنْتُمْ أَيْضًا تَعْلَمُونَ، أعمال الرسل ٢٢:٢) هو من حقق وتمم هذا المزمور النبوي. كيف عرف بطرس هذا؟ لأنه كان شاهداً على القيامة. الدليل الرئيسي على القيامة كان ببساطة تقرير شهود العيان الموثوق بهم: وَنَحْنُ جَمِيعًا شُهُودٌ لِذَلِكَ.
- سَكَبَ هَذَا ٱلَّذِي أَنْتُمُ ٱلْآنَ تُبْصِرُونَهُ وَتَسْمَعُونَهُ: أكد بطرس أن ما شاهده الحشد كان عمل يسوع المُقام الذي أرسل روحه القدوس على كنيسته.
هـ) الآيات (٣٤-٣٦): يشرح بطرس عن ألوهية المسيا مقتبساً من المزمور ١١٠.
٣٤لِأَنَّ دَاوُدَ لَمْ يَصْعَدْ إِلَى ٱلسَّمَاوَاتِ. وَهُوَ نَفْسُهُ يَقُولُ: قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي ٣٥حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ. ٣٦فَلْيَعْلَمْ يَقِينًا جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ ٱللهَ جَعَلَ يَسُوعَ هَذَا، ٱلَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، رَبًّا وَمَسِيحًا».
- قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: الاقتباس الثالث من العهد القديم الذي استخدمه بطرس في عظته كان المزمور ١:١١٠. اقتبست هذه الآية أكثر من أي آية أخرى في العهد الجديد: ٢٥ مرة على الأقل. نرى في هذا المزمور أن داود فهم ألوهية المسيا وأعلن عنها.
- سجل الملك داود في هذا المزمور – بوحي من الروح القدس – أن يهوه، إله إسرائيل (ٱلرَّبُّ) تكلم مع رب داود (رَبِّي) وخاطبه كالله. استخدم بطرس هذا ليظهر أن المسيا وهو محور المزمور ١١٠ هو في الواقع الله ذاته.
- فَلْيَعْلَمْ يَقِينًا جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ: أنهى بطرس عظته بتقديم الخُلاَصة التالية: فَليَعلَمْ كُلُّ بَنِي إسرائِيلَ أنَّ اللهَ أعلَنَ يَسُوعَ هَذا رغم أنكم صَلَبتُمُوهُ، رَبّاً وَمَسِيحاً.
- كأنه يقول: “كنتم مخطئين بحكمكم على يسوع. ولكن الله أثبت من خلال القيامة أنه رباً ومسيحاً رغم أنكم صلبتموه كمجرم.”
- عندما طلب بطرس منهم أن يدعو باسم الرب كي يخلصوا (أعمال الرسل ٢١:٢) كان يشير دون شك إلى أن ٱلرَّبُّ الذي يتكلم عنه هو يَسُوعَ.
- “فهم المسيحيون الأوائل معنى لقب ٱلرَّبُّ جيداً ولم يبخلوا بإعطاءه ليسوع، كما لم يتوانوا في تطبيق المقاطع الكتابية التي كانت تشير إلى يهوه عليه أيضاً.” بروس (Bruce)
ثالثاً. التجاوب مع وعظة بطرس
أ ) الآية (٣٧): تجاوبوا سائلين: مَاذَا نَصْنَعُ؟
٣٧فَلَمَّا سَمِعُوا نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ، وَقَالُوا لِبُطْرُسَ وَلِسَائِرِ ٱلرُّسُلِ: «مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِخْوَةُ؟».
- فَلَمَّا سَمِعُوا … مَاذَا نَصْنَعُ؟ من الواضح أن تجاوبهم هذا كان نتيجة لعمل الروح القدس الرائع. تأثر الحشد بعد سماع إعلان بطرس الجريء عن الحق. وسألوه عن كيفية التجاوب.
- من الخطأ الاعتقاد أن بطرس لم يقدم الدعوة أو لم يتحدى مستمعيه على التجاوب معها. تُظهر الآية في أعمال الرسل ٤٠:٢ أنه «بِأَقْوَالٍ أُخَرَ كَثِيرَةٍ كَانَ يَشْهَدُ لَهُمْ وَيَعِظُهُمْ قَائِلًا: «ٱخْلُصُوا مِنْ هَذَا ٱلْجِيلِ ٱلْمُلْتَوِي». من الواضح إذاً أن بطرس شجعهم على التجاوب مع الرسالة وطالبهم بالقول: «ٱخْلُصُوا». ولهذا استجاب الحشد بمبادرة ملحوظة.
- يساعدنا تجاوب الحشد على وضع أحداث يوم الخمسين في منظورها الصحيح. فموهبة التكلم بالألسنة لم تحث الناس سوى على السخرية والاستهزاء، ولكن عند سماعهم لرسالة الإنجيل نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ. وهذا هو بالتحديد ما أراد الله تحقيقه في يوم الخمسين.
- نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ: هذا وصفٌ رائع لتبكيت الروح القدس في القلوب. فقد أدركوا الآن أنهم المسؤولين عن موت يسوع (وجميعنا مذنبين معهم) وأن عليهم أن يفعلوا شيئاً لتحمل مسؤولية أفعالهم.
- اِختَبَرَ بطرس هذا النوع من التبكيت من قبل. عندما جاؤوا لاعتقال يسوع استلّ بُطْرُسَ سَيف وضَرَبَ بهِ خادِمَ رَئيسِ الكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذُنَهُ اليُمنى (يوحنا ١٠:١٨) مما سَبَّبَ بإِحْدَاث الفَوْضَى وكان على يسوع أن يصحح الأمر. أظهرت تلك الأحداث بطرس في الجسد، وكيف بذل قصارى جهده ليظهر قوته الشخصية باستخدام سيفٍ حقيقي (بكل معنى الكلمة).
- اِستَطاعَ بطرس عندما غير يسوع المُقام حياته وامتلأ بالروح القدس أن يقوم بعمل رائع في تبكيت القلوب وفتحِها لاستقبال خلاص يسوع. هذا ما تمكن بطرس من فعله بقوة الروح القدس وبذل قصارى جهده ليظهر عظمة الله باستخدام سيف الروح أي كلمة الله. فأي سيف برأيكم كان الأقوى؟
- مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِخْوَةُ؟: عندما يعمل الله في قلب أحدهم نراه يسعى للاقتراب إليه وسرعان ما يتخذ خطوة نحو الله.
- يقال أن الخادم في موسم خدمته الأسبوعية العادية يسعى لجذب الخطاة ولكن تتغير الأمور في مواسم الاجتماعات الانتعاشية والنهضات حيث يسعى الخاطئ وراء الخادم. فنرى في أعمال الرسل الأصحاح الثاني أن يوم الخمسين كان أحد هذه المواسم العظيمة لعمل الله.
ب) الآيات (٣٨-٤٠): يدعو بطرس الجُمُوع لقبول يسوع المخلص.
٣٨فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى ٱسْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ ٱلْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. ٣٩لِأَنَّ ٱلْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلِأَوْلَادِكُمْ وَلِكُلِّ ٱلَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ، كُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ ٱلرَّبُّ إِلَهُنَا». ٤٠وَبِأَقْوَالٍ أُخَرَ كَثِيرَةٍ كَانَ يَشْهَدُ لَهُمْ وَيَعِظُهُمْ قَائِلًا: «ٱخْلُصُوا مِنْ هَذَا ٱلْجِيلِ ٱلْمُلْتَوِي».
- فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: تجاوب بطرس مع السؤال الجمع: “مَاذَا نَصْنَعُ؟” ولا بد أنه اندهش من عمل الله في هذه المناسبة. وبدلاً من صراخ الناس أن يُصلب من أجل كلامه عن يسوع أرادوا أن يضعوا ثقتهم بيسوع رَبّاً وَمَسِيحاً.
- تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ: تجاوباً مع السؤال: “مَاذَا نَصْنَعُ؟” طلب بطرس منهم أن يفعلوا شيئاً. مما يعني أن علينا القيام بأمر ما كي نخلص وعلينا أن نفعل شيئاً كي نتبع يسوع. فالأمر لا يحدث بشكل سحري وهناك خطوات علينا اتخاذها.
- لم يقل بطرس: “لا تفعلوا شيئاً. إن خلصك الله فأنت مُخلص وإن لم يخلصك الله فلن تخلص أبداً.” صحيح أن الله هو وحده القادر على منحك الخلاص ولكن عليك أن تقبل عمله بالإيمان والتوبة، الإيمان الذي يقود إلى فعل ما كالمعمودية مثلاً.
- تُوبُوا:طلب بطرس منهم أولاً أن يتُوبُوا. لا تعني التوبة الشعور بالأسف ولكن أن تغير طريقة تفكيرك واِتِّجَاه قلبك. اعتقدوا في السابق أن يسوع صُلب عن حق وأنه كان مستحقاً لذلك أما الآن فعليهم أن يغيروا طريقة تفكيرهم تماماً ويتمسكوا بيسوع رَبّاً وَمَسِيحاً.
- يبدو أن كلمة التوبة تخرج لاذعة من أفواه الكثير من الوعاظ هذه الأيام ولها وقع سيء على المستمعين ولكنها جانب أساسي في الكرازة بالإنجيل. وكان من المناسب جداً أن يطلق على كلمة التوبة: “أول كلمة في الإنجيل.”
- عندما جَاءَ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانُ كرز قائلاً: “تُوبُوا، لِأَنَّهُ قَدِ ٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱلسَّماوَاتِ” (متى ٢:٣). وعندما ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ يَكْرِزُ كان يَقُولُ: “تُوبُوا لِأَنَّهُ قَدِ ٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ” (متى ١٧:٤). ونرى الآن بطرس يبدأ كرازته قائلاً: تُوبُوا.
- لا ينبغي أن نفكر بالتوبة على أنها شيء علينا القيام به قبل الرجوع إلى الله فالتوبة تعني الاقتراب من الله. لا تستطيع السير نحو الله دون أن تترك الأشياء التي هي ضده ولا ترضيه.
- نستطيع القول أن التوبة تحمل رجاء عظيم وتقول: “لا داعي للسير على الطريقة القديمة يمكنك تغير الاتجاه وتسير نحو الله.”
- “لا يمكننا الاستغناء عن نعمة التوبة التقليدية. فلا بد أن يكون هناك حزن على الخطايا وأن يكون هناك قَلْب منكسر ومنسحق لأن ٱللهُ لَا يَحْتَقِرُهُ. والتجديد الذي لا ينتج عنه مثل هذه الثمار لن يعتبره الله تجديداً حقيقياً.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى ٱسْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ: هذا هو الأمر الثاني الذي طلبه بطرس منهم. فالمعمودية علَى ٱسْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ هي التعبير عن إيمانهم وثقتهم الكاملة به.
- المعمودية هي تصريح واضح عن الإيمان. لم يعتمد اليهود في تلك الأيام وكانت المعمودية مخصصة للأمم الذين يريدون أن يصبحوا يهوداً. ولهذا أظهرت خطوة المعمودية التي قام بها هؤلاء الرجال والنساء اليهود حاجتهم القوية لخلاص يسوع.
- “في حين أن المعمودية بالماء كانت علامة على التجديد لكنها ليست أمر أساسي للخلاص.” لونجنيكر (Longenecker)
- لِأَنَّ ٱلْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلِأَوْلَادِكُمْ وَلِكُلِّ ٱلَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ: سينال هؤلاء بعد التوبة والمعمودية التي أظهرت إيمانهم وطاعتهم عَطِيَّةَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ كما حدث مع التلاميذ الأوائل. وعدهم بطرس تحديداً بأن مَوْعِدَ الروح القدس سيكون لكل من يؤمن عبر الأجيال القادمة (وَلِكُلِّ ٱلَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ).
- كانوا شهود عيان لعمل الروح القدس بين التلاميذ وأخبرهم بطرس أنهم يستطيعون أن يكونوا جزءاً من هذا الحدث الرائع لا متفرجين فقط. وبما أن الوعد كان لِكُلِّ ٱلَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ فهذا يشمل كل الناس حتى يومنا هذا.
- من المهم أن نلاحظ أن بطرس لم يطلب من غير المؤمنين والأطفال القُصَّر أن يعتمدوا. بل قال ببساطة بأن الوعد بغُفْرَانِ ٱلْخَطَايَا وعَطِيَّةَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ سيكون لكل من يتوب ويؤمن ليس فقط الآن بل لكل الأجيال القادمة وَلِكُلِّ ٱلَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ، وكُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ ٱلرَّبُّ إِلَهُنَا.
- “هذا يعني أن وعد العهد العظيم ’كُلُّ مَنْ يَدْعُو بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَخْلُصُ‘ هو لك ولأولادك ولقبيلة من أفريقيا وللهندوسي ولكل من تُوجه إليه الدعوة.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَبِأَقْوَالٍ أُخَرَ كَثِيرَةٍ كَانَ يَشْهَدُ لَهُمْ وَيَعِظُهُمْ: لم تنتهي عظة بطرس عند هذا الحد بل استمر في حث الجمهور على تسليم حياتهم ليسوع بتوبة.
- ٱخْلُصُوا مِنْ هَذَا ٱلْجِيلِ ٱلْمُلْتَوِي: أي جيل مسؤول عن الحكم على يسوع بالموت يُعتبر جِيلِ مُلْتَوِي. ولكن بما أن كل جيل مسؤول عن موت يسوع، فإذاً كل جيل يحتاج إلى الخلاص.
ج) الآية (٤١): التجاوب مع عظة بطرس
٤١فَقَبِلُوا كَلَامَهُ بِفَرَحٍ، وَٱعْتَمَدُوا، وَٱنْضَمَّ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ نَحْوُ ثَلَاثَةِ آلَافِ نَفْسٍ.
- وَٱنْضَمَّ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ نَحْوُ ثَلَاثَةِ آلَافِ نَفْسٍ: حصد يوم الخمسين الكثير من النفوس ذلك اليوم. وازداد عدد الكنيسة من ١٢٠ نفس إلى ٣١٢٠ نفس في يوم واحد.
- تخيل عدد النفوس التي تغيرت في يوم واحد. جاء الكثيرون منهم إلى أورشليم للاحتفال بعيد الخمسين وجاؤوا متوقعين شيئاً خاصاً من الله ولكن ليس بهذه الطريقة، ثم عادوا إلى بلادهم البعيدة وأخذوا معهم الأخبار السارة عن يسوع المسيح وشاركوها مع الآخرين.
- فَقَبِلُوا كَلَامَهُ بِفَرَحٍ وَٱعْتَمَدُوا: الذين آمنوا بيسوع ذلك اليوم آمنوا بِفَرَحٍ وعبّروا عن ذلك بالمعمودية. لا نعتقد أنهم كانوا سيأخذون خطوة المعمودية إن لم يقتنعوا تماماً بيسوع وبحاجتهم له كمخلص.
- كيف يمكنك أن يعتمد ٣٠٠٠ شخص في نفس المكان؟ كان هناك موارد هائلة من الماء على جبل الهيكل، بَرْكُ وخزانات مياه قريبة، لذلك لم يكن من الصعب العثور على مكان لتعميد كل هؤلاء.
- ولا يزال الله يعمل أمور عظيمة حتى يومنا هذا. اعتمد الكثيرون في اجتماع خاص في العام ١٩٩٠ في كاليفورنيا ولكنهم لم يتمكنوا من معرفة العدد. ولكن حضر ذلك الإجتماع أكثر من ٥٠٠٠ شخص وقيل أنها كانت أكبر خدمة للمعمودية في التاريخ الأمريكي.
رابعاً. حياة المؤمنين الأوائل
أ ) الآية (٤٢): أساس حياتهم المسيحية
٤٢وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ ٱلرُّسُلِ، وَٱلشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ ٱلْخُبْزِ، وَٱلصَّلَوَاتِ.
- وَكَانُوا يُواظِبُونَ: كان هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ والأَلْسِنَةٌ المُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وخلاص نَحْوُ ثَلَاثَةِ آلَافِ نَفْسٍ في يوم الخمسين أحداثاً اِستثنائيّة. ولكن الأشياء الموصوفة في أعمال الرسل ٤٢:٢ كانت إرثاً ثابتاً لعمل الله.
- وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ ٱلرُّسُلِ: اعتمد المؤمنون الجدد على تعليم الرسل ليفهموا أكثر عن يسوع وعن عمله. وضعوا ثقتهم بيسوع وأرادوا الآن أن يعرفوا المزيد عنه.
- كتب لونجنيكر (Longenecker) تعليقًا على الآية ’وَكَانُوا يُواظِبُونَ‘: “يشير الفعل اليوناني هنا إلى المواظبة بإخلاص وبعزيمة وبتركيز على مسار معين ومحدد.” لم يبتعدوا أبداً عن تَعْلِيمِ ٱلرُّسُلِ لأنها كانت الحق الإلهي.
- نشكر الله أنه سمح لنا أن نتعلم مما كتبه الرسل في العهد الجديد. وعلى كل راعي كنيسة أن لا يبحث عن التفرد في التعليم ولا يخلق لاهوته الخاص بل أن يواظب على تَعْلِيمِ ٱلرُّسُلِ.
- وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى … ٱلشَّرِكَةِ: تحمل الكلمة اليونانية القديمة كوينونيا (koinonia) (والتي ترجمت هنا ٱلشَّرِكَةِ) فكرة الاتحاد والتعاون معاً؛ وتعني أن تشترك مع أحدهم في شيء ما.
- الهدف من الحياة المسيحية أن يتمتع المؤمن بٱلشَّرِكَةِ مع الآخرين. فنحن كمؤمنين:
- نشترك بنفس الإيمان بشخص الرب يسوع.
- ونشترك بنفس دليل الحياة.
- ونشترك بنفس المحبة لله.
- ونتشارك بنفس الرغبة في تقديم العبادة لله.
- ونتشارك بنفس الصراعات.
- ونتشارك بنفس الانتصارات.
- ونتشارك بنفس الهدف وهو أن نحيا له.
- ونتشارك بنفس الفرح بالكرازة بالإنجيل.
- الهدف من الحياة المسيحية أن يتمتع المؤمن بٱلشَّرِكَةِ مع الآخرين. فنحن كمؤمنين:
- وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى … كَسْرِ ٱلْخُبْزِ: رغم أنهم كانوا يعيشون على مقربة من الوقت الذي صلب فيه يسوع لكنهم أرادوا أن يتذكروا ما فعله من أجلهم على الصليب. فكم بالحري نحن هذه الأيام؟
- وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى … ٱلصَّلَوَاتِ: يجتمع المؤمنين لرفع الصلوات وتقديم الشكر والتسبيح كلما حقق الله مشيئته وقام بعمل عظيم.
- “تظهر أداة التعريف في اللغة اليونانية قبل كلمة الصلوات مما يعني أنهم كرسوا أنفسهم لكسر الخبز وللصلوات. ومن الواضح أن هذا يشير إلى اجتماع رسمي للعبادة حيث يجتمع المؤمنون ويسبحون الله معاً.” بويس (Boice)
- وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ ٱلرُّسُلِ، وَٱلشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ ٱلْخُبْزِ، وَٱلصَّلَوَاتِ: كل ما نقرأه عن قوة ومجد الكنيسة الأولى كان منبعه هذه الأساسات: الكلمة والشركة وكسر الخبز (خدمة العشاء الرباني أي ذكرى عمل يسوع على الصليب) والصلاة.
- وفقاً لقاموس لاهوت العهد الجديد وصف لوقا الكنيسة الأولى كالتالي: “قد يعتقد القارئ اليوناني المثقف أن فكرة المجتمع الأمثل قد تحققت بالفعل من خلال هذه الكنيسة.”
- “قُدِمت الكنيسة الأولى كالكنيسة النموذجية ولكن هذا لا يعني أنها كانت كاملة وخالية من العيوب. وسنرى بعد عدة إصحاحات أنها كانت تبعد كل البعد عن الكمال.” بويس (Boice)
ب) الآية (٤٣): قوة حضور الله
٤٣وَصَارَ خَوْفٌ فِي كُلِّ نَفْسٍ. وَكَانَتْ عَجَائِبُ وَآيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُجْرَى عَلَى أَيْدِي ٱلرُّسُلِ.
- وَصَارَ خَوْفٌ فِي كُلِّ نَفْسٍ: هذا دليلٌ على قوة الله. فأعظم وأقوى عمل يفعله الله في النفوس هو تغيير قلب الإنسان ليخضع بخشوع له.
- وَكَانَتْ عَجَائِبُ وَآيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُجْرَى: هذا دليلٌ على قوة الله. عندما يعمل الله وسط الناس ستختبر القلوب عجائب وآيات كثيرة.
ج ) الآيات (٤٤-٤٥): كَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا
٤٤وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا. ٤٥وَٱلْأَمْلَاكُ وَٱلْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ ٱلْجَمِيعِ، كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ ٱحْتِيَاجٌ.
- وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا: انضم معظم المؤمنون الجدد إلى الكنيسة في أورشليم ولكنهم لم يملكون أية وظائف لهذا قدم الجميع كل ما لديهم للمساعدة.
- ولا ينبغي أن نعتبرها تجربة مبكرة للشيوعية لأنها كانت اختيارية ومؤقتة ومليئة بالعيوب لأن الكنيسة في أورشليم كانت في حاجة مستمرة للدعم المالي من الكنائس الأخرى. كما أننا لا نملك أي دليل على استمرار هذا الوضع لمدة طويلة.
- وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعًا: اعتاد اليهود تقديم الضيافة للزوار خاصة في فترة الأعياد. كانوا يستقبلون الزوار في منازلهم ولم يكن مسموحاً لأحدهم بتلقي الأجر مقابل تقديم سرير لزائر أو توفير لاحتياجاته الأساسية. نرى هنا أن المؤمنون الأوائل طبقوا هذه العادة يومياً.
- وَٱلْأَمْلَاكُ وَٱلْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ ٱلْجَمِيعِ، كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ ٱحْتِيَاجٌ: قوة الله كانت واضحة هنا لأن يسوع أصبح أكثر أهمية لهم من ممتلكاتهم.
د ) الآيات (٤٦-٤٧): عاش المؤمنون معاً ونمت الكنيسة
٤٦وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي ٱلْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ ٱلْخُبْزَ فِي ٱلْبُيُوتِ، كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ ٱلطَّعَامَ بِٱبْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ، ٤٧مُسَبِّحِينَ ٱللهَ، وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ. وَكَانَ ٱلرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى ٱلْكَنِيسَةِ ٱلَّذِينَ يَخْلُصُونَ.
- وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي ٱلْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ ٱلْخُبْزَ فِي ٱلْبُيُوتِ: القصد من وجود الكنيسة هو تقديم العبادة لله ودراسة الكلمة معاً. ولكن على الكنيسة أن تفعل أكثر من ذلك. يريد الله منا أن نتشارك معاً بنفسٍ واحدةٍ.
- مُسَبِّحِينَ ٱللهَ، وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ: كان اختبارهم يومي ومليء بالبهجة وَببَسَاطَةِ قَلْبٍ وهذا مثل جيد علينا الاحتذاء به.
- وَكَانَ ٱلرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى ٱلْكَنِيسَةِ ٱلَّذِينَ يَخْلُصُونَ: هذا وصف الله عن نمو الكنيسة. إذا اِتَّبَعَنا مثال التلاميذ كما هو مذكور في أعمال الرسل ٤٢:٢-٤٧أ حينها سيهتم الله بزيادة عدد أعضاء الكنيسة بنفسه.