أعمال الرسل – الإصحاح ٤
بطرس ويوحنا أمام السنهدريم
أولاً. بطرس يبشر القادة اليهود
أ ) الآيات (١-٤): اِعتقال بطرس ويوحنا
١وَبَيْنَمَا هُمَا يُخَاطِبَانِ ٱلشَّعْبَ، أَقْبَلَ عَلَيْهِمَا ٱلْكَهَنَةُ وَقَائِدُ جُنْدِ ٱلْهَيْكَلِ وَٱلصَّدُّوقِيُّونَ، ٢مُتَضَجِّرِينَ مِنْ تَعْلِيمِهِمَا ٱلشَّعْبَ، وَنِدَائِهِمَا فِي يَسُوعَ بِٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ. ٣فَأَلْقَوْا عَلَيْهِمَا ٱلْأَيَادِيَ وَوَضَعُوهُمَا فِي حَبْسٍ إِلَى ٱلْغَدِ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ صَارَ ٱلْمَسَاءُ. ٤وَكَثِيرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ سَمِعُوا ٱلْكَلِمَةَ آمَنُوا، وَصَارَ عَدَدُ ٱلرِّجَالِ نَحْوَ خَمْسَةِ آلَافٍ.
- وَقَائِدُ جُنْدِ ٱلْهَيْكَلِ: أي الشرطة التي كانت تحمي الهيكل. جاء قَائِدُ جُنْدِ ٱلْهَيْكَلِ مع ٱلْكَهَنَةُ وَٱلصَّدُّوقِيُّونَ لإلقاء القبض على بطرس ويوحنا.
- أَقْبَلَ عَلَيْهِمَا: علّقَ بويس (Boice) على أن التشديد في النص الأصلي يشير إلى أنهم أوقفوا بطرس ويوحنا أولاً ثم ألقوا القبض عليهم فجأة. وربما قالوا في البداية: ’توقفوا عن هذا‘ ثم أمسكوا بهما وأخذوهما إلى الحبس.
- مُتَضَجِّرِينَ (انزَعَجُوا): كان ٱلصَّدُّوقِيُّونَ منزعجين جداً مِنْ تَعْلِيمِهِمَا ٱلشَّعْبَ وَنِدَائِهِمَا فِي يَسُوعَ بِٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ. فلم يؤمن الصدوقيون بالحياة بعد الموت أو حتى بالقيامة.
- وَوَضَعُوهُمَا فِي حَبْسٍ إِلَى ٱلْغَدِ: من الطبيعي أن تكون تلك تجربة مخيفة بالنسبة لبطرس ويوحنا: الاعتقال المفاجئ وانزعاج المسؤولين والتعامل معهم بقسوة (فَأَلْقَوْا عَلَيْهِمَا ٱلْأَيَادِيَ) والتهديدات الموجهة ضدهم (أعمال الرسل ٢١:٤ تشير إلى ذلك) ثم وضعهما في السجن. فكل ما حدث كان هدفه تخويفهما.
- تشير الآية في ٢١:٤ إلى مَزِيدٍ مِنَ التَّهدِيدِ مما يشير إلى أنهم تعرضوا للتهديد من قبل. ربما قالوا لهم: إن استمريتم في الوعظ سنقبض عليكم ونضربكم… إن استمريتم في الوعظ سنؤذي عائلاتكم… لا تنسوا ماذا فعلنا بيسوع…”
- كانت المسيحية ضعيفة للغاية في تلك المرحلة المبكرة.
- كان عددهم قليل جداً.
- كانوا عديمي الخبرة في القيادة.
- تلقوا الأوامر بعدم المقاومة فلم يكونوا من المحاربين.
- عارضتهم مؤسسات كانت قائمة منذ مئات السنين.
- لاحظ بويس (Boice) أنه بحسب أعمال الرسل ١:٤-٦ كانت هناك أكثر من ١١ فئة مختلفة من الأفراد والمجموعات تقاوم هؤلاء التلاميذ.
- المجموعات: ٱلْكَهَنَةُ وَٱلصَّدُّوقِيُّونَ (أعمال الرسل ١:٤) والرؤساء والشيوخ والكتبة (أعمال الرسل ٥:٤) وأفراد من عشيرة رؤساء الكهنة (أعمال الرسل ٦:٤).
- الأفراد: قَائِدُ جُنْدِ ٱلْهَيْكَلِ (أعمال الرسل ١:٤) وحَنَّانَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ وَقَيَافَا وَيُوحَنَّا وَٱلْإِسْكَنْدَرِ (أعمال الرسل ٦:٤).
- “كانوا يعلنون أنهم أصحاب القرار وكأنهم يقولون: إن سُمح لكم بالتبشير فهذا لأننا سمحنا لكم بذلك ولكننا قادرون على حبسكم في أي وقت نشاء.” بويس (Boice)
- تشير الآية في ٢١:٤ إلى مَزِيدٍ مِنَ التَّهدِيدِ مما يشير إلى أنهم تعرضوا للتهديد من قبل. ربما قالوا لهم: إن استمريتم في الوعظ سنقبض عليكم ونضربكم… إن استمريتم في الوعظ سنؤذي عائلاتكم… لا تنسوا ماذا فعلنا بيسوع…”
- وَصَارَ عَدَدُ ٱلرِّجَالِ نَحْوَ خَمْسَةِ آلَافٍ: كان عدد المؤمنون في تزايد مستمر رغم المعارضة. وأصبح عددهم الآن خمسة آلاف (أعمال الرسل ٤١:٢). فالمعارضة لم تعيق نمو الكنيسة البتة.
- تبين الآية في أعمال الرسل ٤:٤ أن الدور الذي لعبته السلطات من تهديدات وترهيب لم يأتي بأي نتيجة بل أدى إلى زيادة عدد أتباع يسوع.
- نادراً ما يواجه المؤمنون في الغرب الاضطهاد. ولكن هاجم الشيطان الغرب بالانشغال بالأمور الدنيوية والكبرياء والأنانية والحاجة إلى القبول وإلى المكانة الاجتماعية. يستطيع الشهيد أن يؤثر على غير المؤمن بشجاعته وإيمانه أما المؤمن المتحور حول الذات والمساوم فسيحتقره العالم.
ب) الآيات (٥-٧): مثول بطرس ويوحنا أمام السنهدريم
٥وَحَدَثَ فِي ٱلْغَدِ أَنَّ رُؤَسَاءَهُمْ وَشُيُوخَهُمْ وَكَتَبَتَهُمُ ٱجْتَمَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ ٦مَعَ حَنَّانَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ وَقَيَافَا وَيُوحَنَّا وَٱلْإِسْكَنْدَرِ، وَجَمِيعِ ٱلَّذِينَ كَانُوا مِنْ عَشِيرَةِ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ. ٧وَلَمَّا أَقَامُوهُمَا فِي ٱلْوَسْطِ، جَعَلُوا يَسْأَلُونَهُمَا: «بِأَيَّةِ قُوَّةٍ وَبِأَيِّ ٱسْمٍ صَنَعْتُمَا أَنْتُمَا هَذَا؟».
- وَحَدَثَ فِي ٱلْغَدِ أَنَّ رُؤَسَاءَهُمْ وَشُيُوخَهُمْ وَكَتَبَتَهُمُ ٱجْتَمَعُوا: كان الهدف من هذا إظهار القوة وبث الخوف في النفوس. فقد كان هؤلاء هم نفس المجموعة التي أدانت يسوع بالموت وأرادوا الآن أن يعرف بطرس ويوحنا أن لديهم القدرة على الحكم عليهم بالموت أيضاً.
- بِأَيَّةِ قُوَّةٍ وَبِأَيِّ ٱسْمٍ صَنَعْتُمَا أَنْتُمَا هَذَا؟ تحمل الجملتين بِأَيَّةِ قُوَّةٍ وبِأَيِّ ٱسْمٍ نفس المعنى تقريباً. الاسم يعني القوة ويمثل صفات الشخص.
- يمكننا القول أن سؤالهم كان في محله وتحقيقهم كان مشروعاً. فقد كان هؤلاء هم حُراس العقيدة اليهودية وكان من الطبيعي أن يهتموا بما يُعلم في الهيكل. ولكن طريقة تحقيقهم كانت خاطئة (مستخدمين الضغط والترهيب) وما فعلوه بالنتائج كان خاطئاً أيضاً.
ج ) الآيات (٨-١٢): بطرس يبشر القادة اليهود بكل مجاهرة
٨حِينَئِذٍ ٱمْتَلَأَ بُطْرُسُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ وَقَالَ لَهُمْ: «يَا رُؤَسَاءَ ٱلشَّعْبِ وَشُيُوخَ إِسْرَائِيلَ، ٩إِنْ كُنَّا نُفْحَصُ ٱلْيَوْمَ عَنْ إِحْسَانٍ إِلَى إِنْسَانٍ سَقِيمٍ، بِمَاذَا شُفِيَ هَذَا، ١٠فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ، أَنَّهُ بِٱسْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلنَّاصِرِيِّ، ٱلَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ، ٱلَّذِي أَقَامَهُ ٱللهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ، بِذَاكَ وَقَفَ هَذَا أَمَامَكُمْ صَحِيحًا. ١١هَذَا هُوَ: ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي ٱحْتَقَرْتُمُوهُ أَيُّهَا ٱلْبَنَّاؤُونَ، ٱلَّذِي صَارَ رَأْسَ ٱلزَّاوِيَةِ. ١٢وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ ٱلْخَلَاصُ. لِأَنْ لَيْسَ ٱسْمٌ آخَرُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ».
- حِينَئِذٍ ٱمْتَلَأَ بُطْرُسُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ: وفي الحال ٱمْتَلَأَ بُطْرُسُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ثانية وكان هذا واضحاً من طريقة كلامه وقدرته على توصيل البشارة مباشرة دون لفٍ أو دوران.
- لم تكن حادثة الملء من الروح القدس الذي اختبره بطرس في أعمال الرسل ٤:٢ (مع باقي التلاميذ) لمرة واحدة فقط. فرغبة الله أن يستمر في ملئهم بالروح طيلة حياتهم.
- إِنْ كُنَّا نُفْحَصُ ٱلْيَوْمَ عَنْ إِحْسَانٍ إِلَى إِنْسَانٍ سَقِيمٍ (هَلْ تُحَقِّقُونَ مَعَنا اليَومَ بِشَأْنِ عَمَلٍ صالِحٍ قُمنا بِهِ نَحوَ إنسانٍ مُقعَدٍ وَتَسألُونَنا كَيفَ شُفِيَ؟): تُظهر نبرة بطرس أنه لم يكن خائفاً من تلك المحكمة. ولكن إن نظرنا للأمر من الناحية البشرية فقد كان عليه أن يخاف لأنها كانت نفس المحكمة التي أصدرت قراراً بصلب يسوع.
- عَنْ إِحْسَانٍ (عَمَلٍ صالِحٍ): كان منطق بطرس ثاقباً وكأنه يسألهم: هل تحققون معنا لأننا قمنا بعَمَلٍ صالِح؟
- أَنَّهُ بِٱسْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلنَّاصِرِيِّ: تكلم بطرس عن يَسُوعَ الَّذِي صَلَبوهُ وعن يسوع الذي أقامَهُ اللهُ مِنَ المَوتِ وعن يسوع الذي شفى هذا الرجل.
- هَذَا هُوَ: ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي ٱحْتَقَرْتُمُوهُ أَيُّهَا ٱلْبَنَّاؤُونَ: كان مناسباً هنا أن يقتبس بطرس هذه الآية من المزمور ٢٢:١١٨. فقد رفض هؤلاء الناس يسوع ولكن رَفَّعَهُ اللهُ الآب إلَى أعلَى مَرتِبَةٍ.
- وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ ٱلْخَلَاصُ: لم يعلن بطرس أن يسوع هو مجرد طريق للخلاص بل هو الطريق الوحيد للخلاص. وفكرة أنه لا يوجد بِأَحَدٍ غَيْرِهِ ٱلْخَلَاصُ وأنه لَيْسَ ٱسْمٌ آخَرُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ كانت يصعب على الكثيرين قبولها ولكنه قالها على أية حال.
- “يكره العالم مثل هذه التصريحات. فإذا كنت تريد أن تكون موضع سخرية واستهزاء وتُكره من الجميع وحتى تُضطهد إذاً ٱكْرِزْ بحصرية يسوع المسيح وأنه ليس بأحد غيره الخلاص.” بويس (Boice)
- من الطبيعي أن يتجاوب شخص مع مثل هذا التصريح بالقول: “ألا يوجد طريقة أخرى يمكنني فيها إنقاذ نفسي؟ ألا يخلص يسوع فقط من هو غير قادر على تخليص نفسه؟” الإجابة كلا. إذا كنت تريد الخلاص من الخطية والتصالح مع الله فالطريقة الوحيدة هي من خلال يسوع.
- أيعني هذا أن على كل شخص منا أن يقرر قبول يسوع كمخلص لينجو من الهلاك الأبدي؟ ما هو مصير الأطفال الذين يموتون؟ والأشخاص الذين لم يسمعوا عن يسوع من قبل؟ نستطيع القول بكل ثقة أن الله سيتعامل معهم بكل عدل وإنصاف. ومن يخلص سينجو من خلال الإيمان بعمل يسوع المسيح على الصليب بدلاً عنه حتى لو لم يملك المعرفة الكاملة. ولكن ماذا عنك أنت الذي سمعت وربما رفضت؟
- إن أراد أحد أن يؤمن أن الجميع سيخلصون في نهاية المطاف وأن هناك أكثر من طريق إلى السماء أو أن المرء يستطيع أن يجمع بين كل المعتقدات ويُشكل إيمانه الخاص فلا بأس! آمن بهذه الطريقة وتَحَمَّل النتائج… ولكن أرجوك لا تدّعي أن هذا ما يعلمه الكتاب المقدس.
ثانياً. ردة فعل القادة اليهود تجاه عظة بطرس
أ ) الآية (١٣): ماذا رأوا في شخصية بطرس ويوحنا
١٣فَلَمَّا رَأَوْا مُجَاهَرَةَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، وَوَجَدُوا أَنَّهُمَا إِنْسَانَانِ عَدِيمَا ٱلْعِلْمِ وَعَامِّيَّانِ، تَعَجَّبُوا. فَعَرَفُوهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا مَعَ يَسُوعَ.
- أَنَّهُمَا إِنْسَانَانِ عَدِيمَا ٱلْعِلْمِ وَعَامِّيَّانِ: قد نختلف في الرأي مع القادة اليهود الذين كانوا يحاكمون بطرس ويوحنا. صحيح أنهما كانا عَدِيمَا ٱلْعِلْمِ وكيسوع لم يتربيا في المدارس اليهودية حسب عادات وتقاليد ذلك العصر إلا أنهما تلقيا التعليم بطريقتين هامتين: عرفوا الكتب المقدسة وكَانَا مَعَ يَسُوعَ.
- تم إثبات صحة وأهمية هذين الأمرين (ويعتبروا أهم من أي تعليم رسمي) في حياة الكثير من خدام الله على مر العصور من أمثال: تشارلز سبيرجن ود. ل. مودي وويليام كاري ومارتن للويد جونز وهدسون تايلور.
- من الضروري أن نتذكر بالإضافة إلى ذلك كيف استخدم الله عبر التاريخ أشخاصاً نالوا تعليماً عالياً أمثال موسى ودانيال وبولس المذكورين في الكتاب المقدس وأوغسطين ومارتن لوثر وبيلي غراهام وغيرهم المذكورين في كتب التاريخ. ومن الخطأ أن نعتقد أن التعليم العالي لن يؤهل أحدهم للخدمة الفعالة أو سيؤهله تلقائياً لها.
- “لدى الرجال لهفة زائدة إلى أن يُحسَبوا مع العلماء. ولذا حين يحصل خطأ ما وتزول مظاهر العلم اللامعة كجلد الأفعى اللامع ويدسّ الشخص نفسه في كرسي المعلم ومنبر الواعظ ولا يجرأ أحد على سحقه بضربةٍ قاضية!” بيرسون (Pierson)
- رَأَوْا مُجَاهَرَةَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا: كانوا يتكلمون بمجاهرة لأنهما كَانَا مَعَ يَسُوعَ. لن يخاف المؤمن من حُكم الآخرين عليه عندما يكون خادماً لله العظيم.
- “صوت عدد قليل من الرجال العُزل أقوى بكثير من صوت العالم وإن هاج.” كالفن (Calvin)
- “تعني كلمة المجاهرة تقديم بيان بكل وضوح وجراءة. وتعني الكلمة اليونانية parresia البوح بكل شيء.” أوجيلفي (Ogilvie)
- “من أهم السمات التي نحتاج إليها في الكرازة اليوم هي التكلم بمجاهرة ناجمة عن الملء من الروح القدس.” بيرسون (Pierson)
- من المثير للانتباه أن المعلمين اليهود لم يفعلوا شيئاً لدحض قيامة يسوع فقد كان هذا أنسب وقت ومع ذلك لم يحركوا ساكناً. علّقَ بروس (Bruce): “لو كان من السهل دحض القيامة عند هذه المرحلة لقام السنهدريم باستغلال الفرصة بكل تأكيد! وإن نجحوا بذلك كانوا سينجحون بتدمير الحركة الجديدة بالكامل وبسرعة هائلة.”
- فَعَرَفُوهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا مَعَ يَسُوعَ: يعني هذا أن الإعلان الجريء عن تفرد يسوع كالطريق الوحيد للخلاص (أعمال الرسل ١٢:٤) كان مقترناً بمحبة يسوع التي كانت تشع بوضوح من خلال التلميذين. فإن كنا سنبشر باسم يسوع وأنه ليس بأحد غيره الخلاص إذاً على حياتنا أن تعكس أننا مَعَ يَسُوعَ.
- ولكن للأسف عندما يصبح لدى المؤمنون سلطة أكبر وتزداد نفوذهم وتصبح الكنيسة مجرد مؤسسة، يبدأون باعتقال الناس طالبين منهم الصمت ويهددونهم باستخدام العنف. وهذا لا يعكس أبداً أنهم مَعَ يَسُوعَ.
- يسوع مُتاح للجميع ولكن المعظم يرفضه والسبب في ذلك هو حياتنا وتصرفاتنا لأننا المرآة الوحيدة التي تعكس لهم يسوع. لهذا علينا أن نعمل بجهد كي نعكس أننا مَعَ يَسُوعَ تماماً كما فعل التلاميذ في حياتهم وتصرفاتهم.
ب) الآية (١٤): ماذا رأوا في الرجل الَّذِي شُفِيَ
وَلَكِنْ إِذْ نَظَرُوا الإِنْسَانَ الَّذِي شُفِيَ وَاقِفاً مَعَهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ يُنَاقِضُونَ بِهِ.
- لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ يُنَاقِضُونَ بِهِ: فحص المتشككين هذه المعجزة جيداً وأثبتت صحتها. فهي لم تكن معجزة مؤقتة دامت ساعات كما يحدث في هذه الأيام.
- يُنَاقِضُونَ بِهِ: : كان هذا الرجل مشلولاً بالكامل وكان يجب أن يُحمل إن أراد الذهاب لأي مكان (أعمال الرسل ٢:٣) ولكنه نال الشفاء الكامل الآن. وهذا يتناقض تماماً مع ما يحدث هذه الأيام حيث يترك البعض كراسيهم المتحركة في “خدمات الشفاء” ويسيرون لبضعة دقائق نتيجة الضجيج والانفعال والأدرينالين ولكنهم سرعان ما يفقدون الشفاء حال تركهم للمكان.
ج) الآيات (١٥-١٨): أمر القادة اليهود بعد التشاور أن يتوقف بطرس ويوحنا عن الكرازة بيسوع
١٥فَأَمَرُوهُمَا أَنْ يَخْرُجَا إِلَى خَارِجِ الْمَجْمَعِ وَتَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ ١٦قَائِلِينَ: «مَاذَا نَفْعَلُ بِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ؟ لأَنَّهُ ظَاهِرٌ لِجَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ أَنَّ آيَةً مَعْلُومَةً قَدْ جَرَتْ بِأَيْدِيهِمَا وَلاَ نَقْدِرُ أَنْ نُنْكِرَ. ١٧وَلَكِنْ لِئَلاَّ تَشِيعَ أَكْثَرَ فِي الشَّعْبِ لِنُهَدِّدْهُمَا تَهْدِيداً أَنْ لاَ يُكَلِّمَا أَحَداً مِنَ النَّاسِ فِيمَا بَعْدُ بِهَذَا الاِسْمِ». ١٨فَدَعُوهُمَا وَأَوْصُوهُمَا أَنْ لاَ يَنْطِقَا الْبَتَّةَ وَلاَ يُعَلِّمَا بِاسْمِ يَسُوعَ.
- وَتَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: ربما عرف لوقا أن السنهدريم تآمروا فيما بينهم لأن واحداً منهم أصبح مؤمناً لاحقاً: شاول الطرسوسي. توضح الآية في أعمال الرسل ١٠:٢٦ أن بولس (شاول) كان عضواً في السنهدريم وصوَّتَ ضد المسيحيين الأوائل.
- إن كان هذا صحيحاً إذاً نستطيع القول أن بطرس ويوحنا لم يعرفا أنهما كانا يبشران من سيُصبح أعظم رسول في عصر الكنيسة. يا له من مثال رائع عن حقيقة أن الله يريد أن يستخدمنا بطرق عظيمة حتى وإن كنا لا ندري أين ومتى.
- وَلاَ نَقْدِرُ أَنْ نُنْكِرَ: كان الفساد في قلوبهم واضحاً للغاية. اعترفوا بحدوث معجزة فريدة ومع ذلك رفضوا أن يخضعوا لله الذي صنع المعجزة.
- وَلَكِنْ لِئَلاَّ تَشِيعَ أَكْثَرَ فِي الشَّعْبِ: كان خوفهم من البشارة باسم يسوع متأصلاً في حبهم لمصلحتهم الشخصية وليس خوفاً على مصلحة الناس لحمايتهم.
د ) الآيات (١٩-٢٠): رد بطرس ويوحنا على أوامر السنهدريم بالتوقف عن الكرازة
١٩فَأَجَابَهُمْ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا: «إِنْ كَانَ حَقّاً أَمَامَ اللهِ أَنْ نَسْمَعَ لَكُمْ أَكْثَرَ مِنَ اللهِ فَاحْكُمُوا. ٢٠لأَنَّنَا نَحْنُ لاَ يُمْكِنُنَا أَنْ لاَ نَتَكَلَّمَ بِمَا رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا»
- إِنْ كَانَ حَقّاً أَمَامَ اللهِ أَنْ نَسْمَعَ لَكُمْ أَكْثَرَ مِنَ اللهِ فَاحْكُمُوا: كان واضحاً تماماً بالنسبة لهم أن طاعة الله كانت أهم بكثير من طاعة الناس. قدم بطرس حجة فعالة ليدعم هذا الحق.
- لاَ يُمْكِنُنَا أَنْ لاَ نَتَكَلَّمَ: كان على بطرس ويوحنا أن يتكلما بما رأوه وسمعوه. وكانوا يفعلون ذلك ليس بدافع من الروح القدس فحسب بل لأن يسوع أوصاهم أن يكونوا له: شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ (أعمال الرسل ٨:١).
- نَتَكَلَّمَ بِمَا رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا: لم يخترع بطرس ويوحنا هذه القصة بل كانوا شهود عيان.
هـ) الآيات (٢١-٢٢): إطلاق سراح بطرس ويوحنا تحت التهديد
٢١وَبَعْدَمَا هَدَّدُوهُمَا أَيْضاً أَطْلَقُوهُمَا إِذْ لَمْ يَجِدُوا الْبَتَّةَ كَيْفَ يُعَاقِبُونَهُمَا بِسَبَبِ الشَّعْبِ لأَنَّ الْجَمِيعَ كَانُوا يُمَجِّدُونَ اللهَ عَلَى مَا جَرَى ٢٢ لأَنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي صَارَتْ فِيهِ آيَةُ الشِّفَاءِ هَذِهِ كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
- لَمْ يَجِدُوا الْبَتَّةَ كَيْفَ يُعَاقِبُونَهُمَا بِسَبَبِ الشَّعْبِ: لم يتأثر القادة اليهود البتة بالمعجزة التي صنعها الله ولكنهم تجاوبوا مع طلبة الشعب. وهذا يثبت أنهم كانوا يهتمون برأي الناس أكثر من الله.
- لأَنَّ الْجَمِيعَ كَانُوا يُمَجِّدُونَ اللهَ عَلَى مَا جَرَى: بدى المشهد سيئاً للغاية. وقف بطرس ويوحنا أمام نفس المحكمة التي أمرت بإرسال يسوع إلى بيلاطس للصلب. كان المقصود شراً ولكن في النهاية حوله الله إلى خير. أنظروا عمل الله:
- آمن أكثر من ألفين شخص بالمسيح.
- امتلأ بطرس من الروح القدس ثانية.
- امتلأ بطرس من الروح القدس ثانية.
- أكد الفاحصين المُعادين حدوث المعجزة.
- كان هناك تشويش واضح بين أعداء يسوع.
- أصبح بطرس ويوحنا أكثر مجاهرة من قبل.
- تمجد الله.
ثالثاً. الكنيسة الأولى تصلي للمجاهرة بالإنجيل
أ ) الآيات (٢٣-٢٤) المقدمة: عرفوا إلههم
٢٣وَلَمَّا أُطْلِقَا أَتَيَا إِلَى رُفَقَائِهِمَا وَأَخْبَرَاهُمْ بِكُلِّ مَا قَالَهُ لَهُمَا رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ. ٢٤فَلَمَّا سَمِعُوا رَفَعُوا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ صَوْتاً إِلَى اللهِ وَقَالُوا: «أَيُّهَا السَّيِّدُ أَنْتَ هُوَ الإِلَهُ الصَّانِعُ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا».
- وَأَخْبَرَاهُمْ بِكُلِّ مَا قَالَهُ لَهُمَا رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ: كان يحمل كل من بطرس ويوحنا أخباراً سارة. ويمكننا أن نتخيلهم يقولون: “فُتح لنا الباب لنخبرهم عن يسوع! وقد لاحظوا أننا نشبه يسوع! وَأَوْصُونا أَنْ لاَ ننطق الْبَتَّةَ وَلاَ نُعلم بِاسْمِ يَسُوعَ!”
- عقدت الكنيسة الأولى والتلاميذ (رُفَقَائِهِمَا) اجتماع صلاة تجاوباً مع ما كان يحدث. فالأحداث الهامة دفعتهم إلى الصلاة.
- رَفَعُوا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ صَوْتاً: رفعوا أصواتهم في صلوات مسموعة. نستطيع الصلاة بصمت بكل تأكيد ولكن ما يركز أفكارنا ويجعل صلواتنا أكثر فعالية هو الصلاة بصوت مسموع.
- تأتي كلمة صَوْت بصيغة المفرد هنا وهذا يعني أنهم لم يصلوا بشكل فردي وفي نفس الوقت بل كان شخص يرفع الصلاة والآخرون يتفقون معه وهكذا رَفَعُوا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ صَوْتاً.
- “رفعوا بنفس واحدة صلواتهم لله. لا يعني هذا أنهم صلوا معاً في ذات الوقت لأن هذا من شأنه أن يُحدث ارتباكاً. فعدم وجود نظام أو ترتيب في الاجتماعات وتكلم عدد كبير من الناس في آن واحد وبصوت عالٍ مصاحب لحركات غير طبيعية في الجسم ما هو إلا دليل على عدم قيادة الروح القدس لأن الله ليس إله تشويش.” جيابيلين (Gaebelein)
- بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ: صلوا في وحدة تامة ولم يكن هناك أي نزاع أو خلاف بينهم. فلم تقل مجموعة: “يجب أن نصلي من أجل هذا” وأخرى: “كلا يجب أن نصلي من أجل ذاك.” كانوا يصلون معاً بنفسٍ واحدة.
- أَيُّهَا السَّيِّدُ أَنْتَ هُوَ الإِلَهُ: بدأوا صلاتهم بتذكير أنفسهم بالإله الذي يعبدونه. علموا أنهم يصلون لسيد كل الخليقة وللإله كلي القدرة.
- الكلمة اليونانية السَّيِّدُ (despotes) ليست بالكلمة المعتادة للإشارة إلى الرب في العهد الجديد. وكانت تستخدم لتشير إلى سيد العبيد أو الحاكم ذو السلطان العظيم. لهذا صلوا بكل قوة وثقة لأنهم عرفوا أن الله هو وحده صاحب السلطان.
- غالباً ما ننسى لمن نرفع صلواتنا. والأسوأ من ذلك نصلي لإله وهمي من نسيج الخيال. ولكن تمتع التلاميذ بسلطان عظيم أثناء الصلاة لأنهم عرفوا إلههم جيداً.
ب) الآيات (٢٥-٢٨): صلوا مستخدمين الكلمة المقدسة
٢٥ٱلْقَائِلُ بِفَمِ دَاوُدَ فَتَاكَ: لِمَاذَا ٱرْتَجَّتِ ٱلْأُمَمُ وَتَفَكَّرَ ٱلشُّعُوبُ بِٱلْبَاطِلِ؟ ٢٦قَامَتْ مُلُوكُ ٱلْأَرْضِ، وَٱجْتَمَعَ ٱلرُّؤَسَاءُ مَعًا عَلَى ٱلرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ. ٢٧لِأَنَّهُ بِٱلْحَقِيقَةِ ٱجْتَمَعَ عَلَى فَتَاكَ ٱلْقُدُّوسِ يَسُوعَ، ٱلَّذِي مَسَحْتَهُ، هِيرُودُسُ وَبِيلَاطُسُ ٱلْبُنْطِيُّ مَعَ أُمَمٍ وَشُعُوبِ إِسْرَائِيلَ، ٢٨لِيَفْعَلُوا كُلَّ مَا سَبَقَتْ فَعَيَّنَتْ يَدُكَ وَمَشُورَتُكَ أَنْ يَكُونَ.
- ٱلْقَائِلُ بِفَمِ دَاوُدَ فَتَاكَ: عَرِفَّ بطرس الذي كان يتحدث نيابة عن كل التلاميذ (الذين كانوا يصلون بنفسٍ واحدة) أن كلمات العهد القديم (المزمور الثاني بالتحديد) كانت كلمات الله نفسه: تكلم الله بِفَمِ دَاوُدَ فَتَاه.
- هذه نقطة غاية في الأهمية. آمن بطرس بأن كلمات الملك داود حسب المزمور الثاني كانت في الواقع كلمات الرب الإله بِفَمِ داود الملك. كانت الكتب المقدسة تحتل مكانة عالية جداً في حياة بطرس.
- لِمَاذَا ٱرْتَجَّتِ ٱلْأُمَمُ وَتَفَكَّرَ ٱلشُّعُوبُ بِٱلْبَاطِلِ؟ اقتبس بطرس من المزمور الثاني لأنه فهم مع التلاميذ ما الذي كان يدور من حولهم لأنهم عرفوا الكتب جيداً. فهموا من المزمور الثاني أن عليهم أن يتوقعوا مثل هذا النوع من المقاومة وأن عليهم ألا يضطربوا لأن الله هو صاحب السلطان على كل شيء.
- يُعبر المزمور الثاني عن الثقة والنصرة الكاملة في الله. كتب بويس (Boice): “هو الملك. هو الحَاكِمِ في صِهْيَوْن. يمكنك تقييد الخُدام ولكنك لا تستطيع تقييد كلمة الله. تلك الكلمة القوية والفعّالة التي انطلقت من أورشليم تلك المدينة النائية في الإمبراطورية الرومانية كانت قادرة في النهاية على اختراق العالم وتغيره بالكامل.”
- علينا أن نرى ظروفنا حينما نصلي في ضوء كلمة الله. فعلى سبيل المثال وعندما نواجه المشاكل علينا أن نعرف أنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ ٱلرُّؤَسَاءِ، مَعَ ٱلسَّلَاطِينِ، مَعَ وُلَاةِ ٱلْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا ٱلدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ ٱلشَّرِّ ٱلرُّوحِيَّةِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ (١٢:٦).
- رؤية ظروفنا في ضوء كلمة الله يعني أيضاً رؤية الخطية في داخلنا. وعندما يحدث هذا نستطيع أن نقول مع المرنم: “طَوالَ سُكُوتِي عَنْ خَطِيَّتِي، كُنْتُ أزدادُ ضَعفاً، وأنا أصرخ كل يوم. ثَقِيلَةٌ يَدُكَ كانَتْ عَلَيَّ. تَبَخَّرَتْ قُوَّتِي كَما تَتَبَخَّرُ رُطُوبَةُ النَّباتاتِ فِي حَرِّ الصَّيفِ” (المزمور ٣:٣٢-٤). ولعلنا نشعر كما شعر المرنم في هذا المزمور ونجد أنفسنا تحت وطأة الخطية وأننا بحاجة لأن نعترف ونتصالح مع الله.
- نستخدم الكتاب المقدس في الصلاة أيضاً للمطالبة بوعود الله. فعندما نحتاج إلى القوة والمعونة نستطيع أن نصلي الكلمات المذكورة في <أفسس ١٦:٣ ’وَأسألُهُ، حَسَبَ غِناهُ المَجِيدِ، أنْ يُقَوِّيَكُمْ بِشِدَّةٍ مِنَ الدّاخِلِ بِرُوحِهِ.‘ كلمة الله قادرة على أن تخاطب حالتنا واحتياجاتنا.
- لِيَفْعَلُوا كُلَّ مَا سَبَقَتْ فَعَيَّنَتْ يَدُكَ وَمَشُورَتُكَ أَنْ يَكُونَ: لأنهم رأوا ظروفهم في ضوء كلمة الله استطاعوا أن يميزوا أن غضب الإنسان لا يعمل أبداً بمعزل عن سيطرة الله. فهؤلاء الأعداء لا يمكنهم إلا أن يَفْعَلُوا كُلَّ مَا سَبَقَتْ فَعَيَّنَتْ يَد وَمَشُورَة الله.
- يأتينا السلام الحقيقي عندما ندرك أن كل ما يجري في حياتنا سبق وعينته يد ومشورة الله ولن يسمح أبداً بأن يتسبب الشر بضرر دائم.
ج ) الآيات (٢٩-٣٠): صلوا طالبين المزيد من المجاهرة والمزيد من السلطان والمزيد من المتاعب.
٢٩وَٱلْآنَ يَا رَبُّ، ٱنْظُرْ إِلَى تَهْدِيدَاتِهِمْ، وَٱمْنَحْ عَبِيدَكَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِكَلَامِكَ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ، ٣٠بِمَدِّ يَدِكَ لِلشِّفَاءِ، وَلْتُجْرَ آيَاتٌ وَعَجَائِبُ بِٱسْمِ فَتَاكَ ٱلْقُدُّوسِ يَسُوعَ».
- وَٱمْنَحْ عَبِيدَكَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِكَلَامِكَ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ: هدف هذه الطلبة تحقيق مشيئة الله ومجده وليس راحة وتقدم التلاميذ. صلوا طالبين المزيد من الأمور التي من شأنها إثارة المواجهات وليس التقليل منها.
- بِمَدِّ يَدِكَ لِلشِّفَاءِ: : لم يطلبوا أن يصنعوا المعجزات بأنفسهم لأنهم علموا جيداً أن يسوع هو الشافي وهو قادر أن يفعل ذلك من السماء من خلالهم.
- الشوق المستمر في أن يستخدمني الله للقيام بمعجزات خطير جداً وغالباً ما ينبع من الكبرياء الذي يريد أن يعكس عظمتي وليس عظمة الله. عليَّ أن أفرح بقوة الله وليس لأنه استخدمني لإظهارها.
د ) الآية (٣١): استجابة الصلاة
٣١وَلَمَّا صَلَّوْا تَزَعْزَعَ ٱلْمَكَانُ ٱلَّذِي كَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِيهِ، وَٱمْتَلَأَ ٱلْجَمِيعُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامِ ٱللهِ بِمُجَاهَرَةٍ.
- وَلَمَّا صَلَّوْا تَزَعْزَعَ ٱلْمَكَانُ ٱلَّذِي كَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِيهِ: كان الزلزال علامة على سرور الله. لا نعرف شيئاً عن قوة الزلزال وربما اقتصر على المكان الذي كانوا مجتمعين فيه.
- “كان حضور الروح القدس واضحاً بشكل رائع حتى أن الجدران الميتة شعرت بتلك القوة. ونرى هنا استجابة المادة الخام مع الروح القدس.” بيرسون (Pierson). لم تتغير هذه الجدران ولم يصبح ذلك المنزل مكاناً مقدساً خاصاً يسكنه روح الله. وبطريقة مماثلة يمكن للروح القدس أن يهز حياة أي إنسان ومع ذلك لن يحدث أي تغيير ولن يسكن بداخله.
- وَٱمْتَلَأَ ٱلْجَمِيعُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ: ومرة أخرى نراهم يمتلئون من الروح القدس. اختبار الامتلاء بالروح القدس يوم الخمسين لم يكن لمرة واحدة فقط. تعتبر هذه هي المرة الثالثة بالنسبة لبطرس.
- فكرة “الامتلاء من الروح القدس” في “معمودية الروح القدس” فقط هي فكرة خاطئة مع أنه اختبار رائع تماماً كالاختبار الأول لسكنى الروح. علينا أن نمتلئ باستمرار من الروح القدس، وأن “نُغمر” به يومياً.
- وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامِ ٱللهِ بِمُجَاهَرَةٍ: حصلوا على المجاهرة التي صلوا لأجلها. كتب أوجيلفي (Ogilvie): “تعني كلمة المجاهرة بيان واضح وجريء. وتأتي في اليونانية parresia بمعنى: “البوح بكل شيء.”
- هذه المجاهرة ضرورية جداً في وقتنا الحاضر. فعلينا أن نخبر الجميع برسالة الإنجيل دون أي تنازلات أو مساومة. في كثير من الأحيان نتعمد عدم الإعلان عن عمل الله في حياتنا للآخرين الذين قد يستفيدون من سماع ذلك.
- كانت تلك المجاهرة عطية من الله نالوها كاستجابة لصلاتهم ولم تكن شيئاً تعلموا أن يفعلوه بأنفسهم.
رابعاً. تَشارُكُ المُؤمِنِين الأوائل
أ ) الآية (٣٢): موقفهم القلبي نحو بعضهم البعض ونحو ممتلكاتهم
٣٢وَكَانَ لِجُمْهُورِ ٱلَّذِينَ آمَنُوا قَلْبٌ وَاحِدٌ وَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِ لَهُ، بَلْ كَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا.
- وَكَانَ لِجُمْهُورِ ٱلَّذِينَ آمَنُوا قَلْبٌ وَاحِدٌ وَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِ لَهُهذه الوحدة كانت دليلاً رائعاً على عمل روح الله فيهم. وبسبب وحدتهم كان الناس أكثر أهمية بالنسبة لهم من الأشياء.
- “لا تعني وحدتهم أنهم كانوا متطابقين تماماً. فهم لم يكونوا مؤسسة يجبر الجميع فيها على الإيمان بنفس المعتقد. فأسوأ تاريخ للكنيسة كان عندما أصبح الجميع جزءاً من منظمة واحدة كبيرة. ولكن النص لا يتحدث عن هذا النوع من الوحدة.” بويس (Boice)
- بَلْ كَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا: اعترفوا بملكية الله لكل شيء وأن ممتلكاتهم كانت تنتمي لله ولشعبه. ولأن الله لمس حياتهم وغيّرهم كان من السهل عليهم أن يكون كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا.
- كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا: ليس من الصائب النظر إلى هذا الأمر على أنه بداية الشيوعية. فالشيوعية هي ليست الشركة (koinonia). كتب لاسور (LaSor): “تقول الشيوعية: ’بما أن ما هو لك هو لي إذاً سآخذه بالقوة.‘ أما الشركة فتقول: ’سأشركك بكل ما أملك عن طيب خاطر.”
- “لا تعني الكلمة اليونانية هنا أن الجميع باع ممتلكاته في الحال بل كانوا يفعلون ذلك من وقت لآخر كلما نبههم الله لسد حاجة معينة.” هورتون (Horton)
- ثمة سبب جعل كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا بينهم. إزداد عدد ٱلَّذِينَ آمَنُوا فمنذ يوم الخمسين ومكث معظمهم في أورشليم لأنهم أرادوا معرفة المزيد عن تبعية يسوع. ولأنهم جاؤوا من مدنٍ بعيدة وكانوا بلا مأوى أو عمل احتاجوا لدعم خاص من المجتمع المسيحي.
- اعتقد البعض أن فكرة المشاركة بهذه الطريقة كانت خاطئة للغاية لأنها مبنية على فكرة مجيء يسوع القريب جداً وأدت إلى ضعف موارد الكنيسة في أورشليم في وقت لاحق.
ب) الآية (٣٣): شهادة الرُسل الفعالة
٣٣وَبِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَانَ ٱلرُّسُلُ يُؤَدُّونَ ٱلشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ.
- وَبِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ: كان هذا نتيجة موقفهم القلبي في الآية السابقة ومقدار تأصل عمل الروح القدس في قلوبهم. تبين الآية في أعمال الرسل ٣٢:٤ بأنهم وضعوا الله أولاً ثم الناس ثم الأشياء المادية.
- يُؤَدُّونَ ٱلشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ: لاحظ مرة أخرى مركزية قيامة يسوع في شهادة المؤمنين الأوائل: يُؤَدُّونَ ٱلشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ.
- وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ: كانت النعمة التي هي استحسان من الله وابتسامته من السماء عَلَى جَمِيعِهِمْ. كانت نعمة الله واضحة في كل مكان.
- وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ: يقول هيوز (Hughes) كانت النعمة عظيمة جداً وكانت القوة عظيمة أيضاً: بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ.
ج) الآيات (٣٤-٣٧): أمثلة عن العطاء في السابق
٣٤إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ مُحْتَاجًا، لِأَنَّ كُلَّ ٱلَّذِينَ كَانُوا أَصْحَابَ حُقُولٍ أَوْ بُيُوتٍ كَانُوا يَبِيعُونَهَا، وَيَأْتُونَ بِأَثْمَانِ ٱلْمَبِيعَاتِ، ٣٥وَيَضَعُونَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ ٱلرُّسُلِ، فَكَانَ يُوزَّعُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ كَمَا يَكُونُ لَهُ ٱحْتِيَاجٌ. ٣٦وَيُوسُفُ ٱلَّذِي دُعِيَ مِنَ ٱلرُّسُلِ بَرْنَابَا، ٱلَّذِي يُتَرْجَمُ ٱبْنَ ٱلْوَعْظِ (ابنَ التَّشجِيعِ)، وَهُوَ لَاوِيٌّ قُبْرُسِيُّ ٱلْجِنْسِ، ٣٧إِذْ كَانَ لَهُ حَقْلٌ بَاعَهُ، وَأَتَى بِٱلدَّرَاهِمِ وَوَضَعَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ ٱلرُّسُلِ.
- لِأَنَّ كُلَّ ٱلَّذِينَ كَانُوا أَصْحَابَ حُقُولٍ أَوْ بُيُوتٍ كَانُوا يَبِيعُونَهَا: كان هذا العطاء السخي ضرورياً جداً لتسديد احتياجات هذه الكنيسة المتنامية بسرعة. تذكروا أن العديد من هؤلاء المؤمنون في أورشليم عاشوا كلاجئين قادمين من بلاد بعيدة بعد أن تجاوبوا مع البشارة يوم الخمسين.
- لِأَنَّ كُلَّ ٱلَّذِينَ كَانُوا أَصْحَابَ حُقُولٍ: لم ينتظر المؤمنون العطاء من الآخرين بل كان أصحاب الحقول يقدمون المساعدة كلما نشأت الحاجة.
- فَكَانَ يُوزَّعُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ كَمَا يَكُونُ لَهُ ٱحْتِيَاجٌ: ولكن للأسف سرعان ما بدأ يُساء استخدام كرم المؤمنون الأوائل. نرى في وقت لاحق تعليم بولس الرسول بشأن من ينبغي مساعدته وكيف تقديم تلك المساعدة. كانت توجيهات بولس كالتالي:
- على الكنيسة أن تميز من لديه احتياج حقيقي (تيموثاوس الأولى ٣:٥).
- إن كان الشخص قادراً على العمل فعليه أن يعمل ليعول نفسه ولا يجوز للكنيسة تقديم المساعدة له لأنه قادر على توفير احتياجاته الخاصة (تسالونيكي الثانية ١٠:٣-١٢، تيموثاوس الأولى ٨:٥، تسالونيكي الأولى ١١:٤).
- إن كان بإمكان العائلة دعم شخص محتاج فلا يجوز للكنيسة تقديم المساعدة لنفس الشخص (تيموثاوس الأولى ٣:٥-٤).
- إن كان شخصًا يتلقى الدعم من الكنيسة، فعليه المساهمة بطريقة ما في مساعدة أعضاء الكنيسة الآخرين (تيموثاوس الأولى ٥:٥، ١٠).
- من حق الكنيسة أن تفحص حياة الشخص الأخلاقية قبل تقديم المساعدة له (تيموثاوس الأولى ٩:٥-١٣).
- على الكنيسة أن تركز في دعمها على الاحتياجات الأساسية للحياة (تيموثاوس الأولى ٨:٦).
- وَيُوسُفُ ٱلَّذِي دُعِيَ مِنَ ٱلرُّسُلِ بَرْنَابَا: كان بَرْنَابَا مثالاً بارزاً على روح العطاء الرائعة. كان من المعروف أنه كان يعطي أكثر من مجرد الأشياء المادية، فقد كان سخياً في التَّشجِيعِ حتى أنهم أطلقوا عليه اسم بَرْنَابَا ٱلَّذِي يُتَرْجَمُ ٱبْنَ ٱلْوَعْظِ (ابنَ التَّشجِيعِ).