أعمال الرسل – الإصحاح ٢٧
حطام السفينة المتجهة إلى روما
أولاً. من قَيْصَرِيَّةَ إلى ٱلْمَوَانِي ٱلْحَسَنَة
أ ) الآيات (١-٢): بولس ورفقائه يتركون قيصرية
١فَلَمَّا ٱسْتَقَرَّ ٱلرَّأْيُ أَنْ نُسَافِرَ فِي ٱلْبَحْرِ إِلَى إِيطَالِيَا، سَلَّمُوا بُولُسَ وَأَسْرَى آخَرِينَ إِلَى قَائِدِ مِئَةٍ مِنْ كَتِيبَةِ أُوغُسْطُسَ ٱسْمُهُ يُولِيُوسُ. ٢فَصَعِدْنَا إِلَى سَفِينَةٍ أَدْرَامِيتِينِيَّةٍ، وَأَقْلَعْنَا مُزْمِعِينَ أَنْ نُسَافِرَ مَارِّينَ بِٱلْمَوَاضِعِ ٱلَّتِي فِي أَسِيَّا. وَكَانَ مَعَنَا أَرِسْتَرْخُسُ، رَجُلٌ مَكِدُونِيٌّ مِنْ تَسَالُونِيكِي.
- قَائِدِ مِئَةٍ مِنْ كَتِيبَةِ أُوغُسْطُسَ ٱسْمُهُ يُولِيُوسُ: لا نعرف الكثير عن كَتِيبَةِ أُوغُسْطُسَ (فقد حمل الكثيرون هذا اللقب) ولكنه كان معروفاً أن يرافق الجنود الرومان المجرمين الذين ينتظرون المحاكمة أثناء نقلهم من مكان لآخر في السفن التجارية المحملة بٱلْحِنْطَةَ من مصر إلى روما.
- وَكَانَ مَعَنَا أَرِسْتَرْخُسُ، رَجُلٌ مَكِدُونِيٌّ مِنْ تَسَالُونِيكِي: كان مع الرسول بولس في هذه الرحلة كل من لوقا وأَرِسْتَرْخُسُ (لاحظ عودة الضمير المتكلم في الآية ٢ وما بعدها). المعاملة الطيبة التي قدمها يُولِيُوسُ لبولس (كما في الآية ٣) تعني أنه سمح له باِصطِحَاب رفقائه معه.
ب) الآيات (٣-٨): من قيصرية إلى المواني الحسنة
٣وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلْآخَرِ أَقْبَلْنَا إِلَى صَيْدَاءَ، فَعَامَلَ يُولِيُوسُ بُولُسَ بِٱلرِّفْقِ، وَأَذِنَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أَصْدِقَائِهِ لِيَحْصُلَ عَلَى عِنَايَةٍ مِنْهُمْ. ٤ثُمَّ أَقْلَعْنَا مِنْ هُنَاكَ وَسَافَرْنَا فِي ٱلْبَحْرِ مِنْ تَحْتِ قُبْرُسَ، لِأَنَّ ٱلرِّيَاحَ كَانَتْ مُضَادَّةً. ٥وَبَعْدَ مَا عَبَرْنَا ٱلْبَحْرَ ٱلَّذِي بِجَانِبِ كِيلِيكِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ، نَزَلْنَا إِلَى مِيرَا لِيكِيَّةَ. ٦فَإِذْ وَجَدَ قَائِدُ ٱلْمِئَةِ هُنَاكَ سَفِينَةً إِسْكَنْدَرِيَّةً مُسَافِرَةً إِلَى إِيطَالِيَا أَدْخَلَنَا فِيهَا. ٧وَلَمَّا كُنَّا نُسَافِرُ رُوَيْدًا أَيَّامًا كَثِيرَةً، وَبِٱلْجَهْدِ صِرْنَا بِقُرْبِ كِنِيدُسَ، وَلَمْ تُمَكِّنَّا ٱلرِّيحُ أَكْثَرَ، سَافَرْنَا مِنْ تَحْتِ كِرِيتَ بِقُرْبِ سَلْمُونِي. ٨وَلَمَّا تَجَاوَزْنَاهَا بِٱلْجَهْدِ جِئْنَا إِلَى مَكَانٍ يُقَالُ لَهُ «ٱلْمَوَانِي ٱلْحَسَنَةُ» ٱلَّتِي بِقُرْبِهَا مَدِينَةُ لَسَائِيَةَ.
- فَعَامَلَ يُولِيُوسُ بُولُسَ بِٱلرِّفْقِ، وَأَذِنَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أَصْدِقَائِهِ لِيَحْصُلَ عَلَى عِنَايَةٍ مِنْهُمْ: أقلعت السفينة أولاً الى صَيْدَاءَ (صَيدا) وهناك سُمِحَ لبولس أن يذهب إلى أصدقائه لِكَي يَهتَمُّوا بِحاجاتِهِ (لِيَحْصُلَ عَلَى عِنَايَةٍ مِنْهُمْ). أعطى القائد الروماني بولس الكثير من الحرية لأنه لم يُدان بعد وكان ينتظر الوقوف أمام قيصر. تصرفات بولس ومحبته الواضحة للجميع جعلت يوليوس يتصرف معه بهذه الطريقة الطيبة.
- كان بولس مختلفاً عن باقي السجناء على متن السفينة. ربما حُكم على جميعهم بالإعدام وهم في طريقهم لروما للموت في الميدان.
- سَفِينَةً إِسْكَنْدَرِيَّةً مُسَافِرَةً إِلَى إِيطَالِيَا: كانت سفن الشحن هذه مخصصة لنقل ٱلْحِنْطَةَ من مصر إلى إيطاليا. كان حجم السفينة في تلك الفترة وفقاً لهيوز (Hughes) ٤٢ متراً طولاً و١١ متر عرضاً وعليها سارية واحدة بشراع كبير مربع. كانت السفينة توجه بمجدافين وضعا خلفها وليس بدفة كما هو معروف لدينا. كانت السفن متينة جداً ولكنها لم تصمم لتبحر في مهب الريح.
- وَبَعْدَ مَا عَبَرْنَا ٱلْبَحْرَ ٱلَّذِي بِجَانِبِ كِيلِيكِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ، نَزَلْنَا إِلَى مِيرَا… بِقُرْبِ كِنِيدُسَ… بِقُرْبِ سَلْمُونِي… ٱلْمَوَانِي ٱلْحَسَنَة: بدأت السفينة تشق طريقها غرباً وأخيراً وصلت إلى ميناء يسمى ٱلْمَوَانِي ٱلْحَسَنَة الذي يقع على الجانب الجنوبي من جزيرة كريت.
ج) الآيات (٩-١٠): نصيحة بولس لقبطان السفينة وطاقمها
٩وَلَمَّا مَضَى زَمَانٌ طَوِيلٌ، وَصَارَ ٱلسَّفَرُ فِي ٱلْبَحْرِ خَطِرًا، إِذْ كَانَ ٱلصَّوْمُ أَيْضًا قَدْ مَضَى، جَعَلَ بُولُسُ يُنْذِرُهُمْ ١٠قَائِلًا: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، أَنَا أَرَى أَنَّ هَذَا ٱلسَّفَرَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بِضَرَرٍ وَخَسَارَةٍ كَثِيرَةٍ، لَيْسَ لِلشَّحْنِ وَٱلسَّفِينَةِ فَقَطْ، بَلْ لِأَنْفُسِنَا أَيْضًا».
- وَصَارَ ٱلسَّفَرُ فِي ٱلْبَحْرِ خَطِرًا، إِذْ كَانَ ٱلصَّوْمُ أَيْضًا قَدْ مَضَى: لا نعلم بالتحديد تاريخ يَومُ الصَّومِ وربما كان في الخامس من أكتوبر يوم عيد الكَفّارة عند اليهود عام ٥٩م. والفكرة هنا أنه مع اقتراب فصل الشتاء تكثر العواصف وَاضطرابات البحر مما يشكل خطورة للإبحار.
- كتب بروس (Bruce): “كانت الفترة ما بين ١٤ سبتمبر/أيلول وحتى ١١ نوفمبر/تشرين الثاني أخطر فترة للإبحار ولهذا كانت الملاحة تتوقف تماماً حتى ينتهي فصل الشتاء.”
- جَعَلَ بُولُسُ يُنْذِرُهُمْ قَائِلًا: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، أَنَا أَرَى أَنَّ هَذَا ٱلسَّفَرَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بِضَرَرٍ وَخَسَارَةٍ كَثِيرَةٍ، لَيْسَ لِلشَّحْنِ وَٱلسَّفِينَةِ فَقَطْ، بَلْ لِأَنْفُسِنَا أَيْضًا»: لم يتكلم بولس هنا بالضرورة كنبي الله ولكن ربما كمسافر يملك خبرة بالبحر الأبيض المتوسط حيث أنه قطع مسافة ٥٦٠٠٠ كيلومتراً عبره. نصحهم بولس بالتوقف عن الإبحار ربما لأنه كان يعرف بالفصول والظروف الجوية أو ربما لأنه كان يتمتع بحكمة نازلة من السماء.
- تخبرنا الآية في كورنثوس الثانية ٢٥:١١ أنه حتى هذه اللحظة تعرض بولس للغرق ثلاثة مرات (تَحَطَّمَتْ بِي السَّفِينَةُ ثَلاثَ مَرّاتٍ). كان يعلم كغيره من المسافرين أن الإبحار في هذا الموسم كان خطيراً للغاية.
د ) الآيات (١١-١٢): عقدوا العزم على الاستمرار
١١وَلَكِنْ كَانَ قَائِدُ ٱلْمِئَةِ يَنْقَادُ إِلَى رُبَّانِ ٱلسَّفِينَةِ وَإِلَى صَاحِبِهَا أَكْثَرَ مِمَّا إِلَى قَوْلِ بُولُسَ. ١٢وَلِأَنَّ ٱلْمِينَا لَمْ يَكُنْ مَوْقِعُهَا صَالِحًا لِلْمَشْتَى، ٱسْتَقَرَّ رَأْيُ أَكْثَرِهِمْ أَنْ يُقْلِعُوا مِنْ هُنَاكَ أَيْضًا، عَسَى أَنْ يُمْكِنَهُمُ ٱلْإِقْبَالُ إِلَى فِينِكْسَ لِيَشْتُوا فِيهَا. وَهِيَ مِينَا فِي كِرِيتَ تَنْظُرُ نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ وَٱلشَّمَالِ ٱلْغَرْبِيَّيْنِ.
- وَلَكِنْ كَانَ قَائِدُ ٱلْمِئَةِ يَنْقَادُ إِلَى رُبَّانِ ٱلسَّفِينَةِ وَإِلَى صَاحِبِهَا أَكْثَرَ مِمَّا إِلَى قَوْلِ بُولُسَ: ليس من المستغرب أن يقتنع قَائِدُ ٱلْمِئَةِ برأي القبطان وصاحب السفينة أكثر من رأي بولس. فسيفقد كليهما الكثير إن لم تصل السفينة إلى روما.
- وَلِأَنَّ ٱلْمِينَا لَمْ يَكُنْ مَوْقِعُهَا صَالِحًا لِلْمَشْتَى: لم يكن الاسم ٱلْمَوَانِي ٱلْحَسَنَة (أعمال الرسل ٨:٢٧) دقيقاً تماماً خاصة في فصل الشتاء على الأقل. موقع الميناء جعله عرضة لرياح الشتاء والعواصف ولهذا لم يكن المكان المثالي لقضاء فصل الشتاء وانتظار الموسم المقبل.
- لم يكن الميناء مكاناً ممتعاً لهذا لم يتحمس طاقم السفينة قضاء كل فصل الشتاء في هذه البلدة الصغيرة. اقترح أحد المعلقين أن غرفة التجارة المحلية أطلقت على المكان اسم “ٱلْمَوَانِي ٱلْحَسَنَة.”
- ٱسْتَقَرَّ رَأْيُ أَكْثَرِهِمْ أَنْ يُقْلِعُوا مِنْ هُنَاكَ أَيْضًا: بناءً على تصويت الأغلبية قرروا الإبحار إلى ميناء فِينِكْسَ. يقع ميناء فينكس على جزيرة كريت نفسها ويبعد حوالي ٦٥ كيلومتر عنها. لهذا لم يبدو الوصول إلى فينكس صعباً أو جنونياً بالنسبة لهم بل كان أفضل بكثير من قضاء فصل الشتاء البائس في “ٱلْمَوَانِي ٱلْحَسَنَة.”
- رفضوا حكمة الرسول بولس التي أتضح لاحقاً أنها كانت نبوة: أَنَّ هَذَا ٱلسَّفَرَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بِضَرَرٍ وَخَسَارَةٍ كَثِيرَةٍ. كان عليهم الإصغاء إلى بولس وهذا ما قاله لهم لاحقاً (أعمال الرسل ٢١:٢٧).
ثانياً. الرحلة العاصفة من ٱلْمَوَانِي ٱلْحَسَنَة إلى جزيرة مالطة
أ ) الآيات (١٣-١٦): بداية موفقة من كريت ولكن سرعان ما واجهت السفينة عاصفة هوجاء
١٣فَلَمَّا نَسَّمَتْ رِيحٌ جَنُوبٌ، ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ مَلَكُوا مَقْصَدَهُمْ، فَرَفَعُوا ٱلْمِرْسَاةَ وَطَفِقُوا يَتَجَاوَزُونَ كِرِيتَ عَلَى أَكْثَرِ قُرْبٍ. ١٤وَلَكِنْ بَعْدَ قَلِيلٍ هَاجَتْ عَلَيْهَا رِيحٌ زَوْبَعِيَّةٌ يُقَالُ لَهَا «أُورُوكْلِيدُونُ». ١٥فَلَمَّا خُطِفَتِ ٱلسَّفِينَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُقَابِلَ ٱلرِّيحَ، سَلَّمْنَا، فَصِرْنَا نُحْمَلُ. ١٦فَجَرَيْنَا تَحْتَ جَزِيرَةٍ يُقَالُ لَهَا «كَلَوْدِي» وَبِٱلْجَهْدِ قَدِرْنَا أَنْ نَمْلِكَ ٱلْقَارِبَ.
- فَلَمَّا نَسَّمَتْ رِيحٌ جَنُوبٌ: أقلعوا من ٱلْمَوَانِي ٱلْحَسَنَة لأن الرياح بدت مواتية. ولكن بمجرد ابتعادهم عن كريت هاجت الرياح وتحولت الرحلة لخطر.
- هَاجَتْ عَلَيْهَا رِيحٌ زَوْبَعِيَّةٌ يُقَالُ لَهَا «أُورُوكْلِيدُونُ»: كان البحارة في القديم يخشون هذه الرياح لقوتها المدمرة. ولأنهم لم يتمكنوا من التقدم باتجاه الريح فَاسْتَسلَموا للريح وصارَتْ تَقُودُهم (سَلَّمْنَا، فَصِرْنَا نُحْمَلُ).
- وَبِٱلْجَهْدِ قَدِرْنَا أَنْ نَمْلِكَ ٱلْقَارِبَ: يجر قارب النجاة عادة خلف السفينة ولكن بسبب الأحوال الجوية السيئة تمكنوا من رفعه على ظهر السفينة لِتَأْمِينِه.
- ربما لأن لوقا الطبيب ساعدهم على رفع القارب إلى السفينة، قال هذه الكلمات: بِٱلْجَهْدِ قَدِرْنَا أَنْ نَمْلِكَ ٱلْقَارِبَ.
ب) الآيات (١٧-١٩): أخذ الاحتياطات اللازمة لإنقاذ السفينة
١٧وَلَمَّا رَفَعُوهُ طَفِقُوا يَسْتَعْمِلُونَ مَعُونَاتٍ، حَازِمِينَ ٱلسَّفِينَةَ، وَإِذْ كَانُوا خَائِفِينَ أَنْ يَقَعُوا فِي ٱلسِّيرْتِسِ، أَنْزَلُوا ٱلْقُلُوعَ، وَهَكَذَا كَانُوا يُحْمَلُونَ. ١٨وَإِذْ كُنَّا فِي نَوْءٍ عَنِيفٍ، جَعَلُوا يُفَرِّغُونَ فِي ٱلْغَدِ. ١٩وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ رَمَيْنَا بِأَيْدِينَا أَثَاثَ ٱلسَّفِينَةِ.
- طَفِقُوا يَسْتَعْمِلُونَ مَعُونَاتٍ، حَازِمِينَ ٱلسَّفِينَةَ (ثُمَّ رَبَطُوا الْحِبَالَ حَوْلَ السَّفِينَةِ لِتَأْمِينِهَا): كان هذا إجراء طبيعي في حالات الطوارئ ويساعد على ثبات السفينة وسط العاصفة.
- أَنْزَلُوا ٱلْقُلُوعَ، وَهَكَذَا كَانُوا يُحْمَلُونَ: خوفهم من تصادم السفينة بالساحل الرملي عند سِّيرْتِسِ (منطقة ضحلة اشتهرت بتحطيم السفن قبالة سواحل شمال أفريقيا) جعلهم ينزلون الشراع ويتركوا السفينة تنساق مع الريح كيفما تشاء متخلين عن أي أمل في الإبحار وسط العاصفة.
- جَعَلُوا يُفَرِّغُونَ… رَمَيْنَا بِأَيْدِينَا أَثَاثَ ٱلسَّفِينَةِ: كان هذين الأمرين آخر ما يمكن عمله لإنقاذ السفينة. التخفيف من الحمولة أولاً وثم التخلص من المعدات والأثاث. وبعد كل هذا بقيت السفينة في مهب الريح لعدة أيام.
ج) الآية (٢٠): يأس طاقم السفينة والركاب
٢٠وَإِذْ لَمْ تَكُنِ ٱلشَّمْسُ وَلَا ٱلنُّجُومُ تَظْهَرُ أَيَّامًا كَثِيرَةً، وَٱشْتَدَّ عَلَيْنَا نَوْءٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ، ٱنْتُزِعَ أَخِيرًا كُلُّ رَجَاءٍ فِي نَجَاتِنَا.
- وَإِذْ لَمْ تَكُنِ ٱلشَّمْسُ وَلَا ٱلنُّجُومُ تَظْهَرُ أَيَّامًا كَثِيرَةً: كان اعتماد البحارة في التنقل على ٱلشَّمْس أو ٱلنُّجُوم. شعر الطاقم باليأس لأن الشمس والنجوم لم تظهر لعدة أيام. دفعهم النَوْء العظيم غرباً عبر البحر الأبيض المتوسط غير مدركين لموقعهم.
- ٱنْتُزِعَ أَخِيرًا كُلُّ رَجَاءٍ فِي نَجَاتِنَا: تخبرنا الآية في أعمال الرسل ٣٧:٢٧ بأن عدد الركاب والطاقم كان ٢٧٦ نفساً. يبدو أنهم جميعاً قد قطعوا كل أَمَلٍ فِي النَّجَاةِ (ٱنْتُزِعَ أَخِيرًا كُلُّ رَجَاءٍ فِي نَجَاتِنَا).
د ) الآيات (٢١-٢٢): بولس يشجع طاقم السفينة
٢١فَلَمَّا حَصَلَ صَوْمٌ كَثِيرٌ، حِينَئِذٍ وَقَفَ بُولُسُ فِي وَسْطِهِمْ وَقَالَ: «كَانَ يَنْبَغِي أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ أَنْ تُذْعِنُوا لِي، وَلَا تُقْلِعُوا مِنْ كِرِيتَ، فَتَسْلَمُوا مِنْ هَذَا ٱلضَّرَرِ وَٱلْخَسَارَةِ. ٢٢وَٱلْآنَ أُنْذِرُكُمْ أَنْ تُسَرُّوا، لِأَنَّهُ لَا تَكُونُ خَسَارَةُ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ، إِلَّا ٱلسَّفِينَةَ».
- فَلَمَّا حَصَلَ صَوْمٌ كَثِيرٌ (وَلَمْ يَكُنْ أحَدٌ قَدْ أكَلَ شَيئاً مُنذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ): لا تعني هذه الجملة أن البحارة كانوا في حالة صوم وصلاة ولكن حَصَلَ صَوْمٌ كَثِيرٌ ربما بسبب سوء حالة الطعام ودوار البحر.
- كَانَ يَنْبَغِي أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ أَنْ تُذْعِنُوا لِي: لم يستطيع بولس أن يمنع نفسه من القول: “أخبرتكم أن هذا سيحدث” (وكان محقاً في ذلك). فلو أذعنوا لكلامه في أعمال الرسل ١٠:٢٧ لما وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الذي يبدو يائساً.
- وَٱلْآنَ أُنْذِرُكُمْ أَنْ تُسَرُّوا (لَكِنِّي الآنَ أحُثُّكُمْ عَلَى أنْ تَتَشَجَّعُوا): تمنى الرسول بولس أن يبعث الأمل ثانية في قلوب الركاب وطاقم السفينة. فلم يقصد بكلامه أن يقول أنه كان على حق ولكن أن يزف لهم الأخبار السارة.
- لِأَنَّهُ لَا تَكُونُ خَسَارَةُ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ، إِلَّا ٱلسَّفِينَةَ: يا لها من رسالة متضاربة. فالوعد بأنهم لن يفقدوا أحد (نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) كان يصعب تصديقه لأن ٱلسَّفِينَةَ كانت تتحطم! وكان من الأنباء السيئة أيضاً أن أنهم سيفقدون السفينة بأكملها مع البضاعة (أعمال الرسل ١٨:٢٧).
هـ) الآيات (٢٣-٢٦): بولس يخبر طاقم السفينة عن زيارة الملاك
٢٣«لِأَنَّهُ وَقَفَ بِي هَذِهِ ٱللَّيْلَةَ مَلَاكُ ٱلْإِلَهِ ٱلَّذِي أَنَا لَهُ وَٱلَّذِي أَعْبُدُهُ، ٢٤قَائِلًا: لَا تَخَفْ يَا بُولُسُ. يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَقِفَ أَمَامَ قَيْصَرَ. وَهُوَذَا قَدْ وَهَبَكَ ٱللهُ جَمِيعَ ٱلْمُسَافِرِينَ مَعَكَ. ٢٥لِذَلِكَ سُرُّوا أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، لِأَنِّي أُومِنُ بِٱللهِ أَنَّهُ يَكُونُ هَكَذَا كَمَا قِيلَ لِي. ٢٦وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ نَقَعَ عَلَى جَزِيرَةٍ».
- لِأَنَّهُ وَقَفَ بِي هَذِهِ ٱللَّيْلَةَ مَلَاكُ: أرسل الله ملاكاً إلى بولس يحمل أخباراً سارة ومشجعة عندما بدا الوضع ميؤوساً منه. لم يظهر يسوع كما حدث في أورشليم (أعمال الرسل ١١:٢٣) بل وقف به مَلَاك. تكلم الله مع بولس بطرق وبأوقات مختلفة.
- مَلَاكُ ٱلْإِلَهِ ٱلَّذِي أَنَا لَهُ وَٱلَّذِي أَعْبُدُهُ (وَقَفَ إلَى جانِبِي مَلاكٌ مِنْ عِندِ اللهِ الَّذِي أنتَمِي إلَيهِ وَأخدِمُهُ): كان ظهور الملاك مشجعاً للغاية ولكن جملة اللهِ الَّذِي أنتَمِي إلَيهِ وَأخدِمُهُ كانت مشجعة أكثر. تذكر بولس أنه ينتمي إلى الله وأنه خادمٌ لله. فالله لا ينسى أبداً أولاده الذين يخدمونه.
- لا يعني هذا أن حياة أولاد الله ومن يخدمونه ستكون سهلة. حياة بولس المليئة بالكوارث أثبتت ذلك. ولكن حتى وسط المصاعب عينا الله تكون على خائفيه ويرعاهم دائماً.
- لَا تَخَفْ: احتاج بولس إلى سماع هذه الكلمات لأنه شعر أيضاً بالخوف وسط العاصفة (في البداية على الأقل). فعندما كان بولس في حالة روحية عالية كان متأكداً من وصوله إلى روما لأن الله وعد بذلك، ولكنه بدأ يشك وسط العاصفة (عاصفة حرفية). احتاج بولس لهذا النوع من الضمان.
- وَهُوَذَا قَدْ وَهَبَكَ ٱللهُ جَمِيعَ ٱلْمُسَافِرِينَ مَعَكَ: يدل هذا على أن بولس صلى من أجل سلامة كل المسافرين معه. فقد سبق وحصل على وعد من الله بأنه سيحفظ حياته ولكن هذا لم يكن كافياً بالنسبة لبولس بل صلى بجهد من أجل سلامة وبركة من كانوا معه المؤمنين منهم وغير المؤمنين بعد. أظهر بولس اهتمامه بهم ومحبته لهم بالصلاة لهم بلجاجة إلى أن منحه الله الوعد بسلامتهم (قَدْ وَهَبَكَ ٱللهُ جَمِيعَ ٱلْمُسَافِرِينَ مَعَكَ).
- لِذَلِكَ سُرُّوا أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ: نقرأ في الآية ٢٢ تشجيع بولس لهم وها هو هنا يكرر التشجيع ولكن هذه المرة في ضوء الوحي الإلهي. وكأنه يقول: “عليكم أن تتشجعوا لأن الله يضمن لكم سلامتكم وأنا أُومِنُ بِٱللهِ.”
- لم يتمكن بولس من عدم مشاركة الرجاء الذي كان له مع المؤمنين معه على متن السفينة ومع الذين لم يؤمنوا بعد.
- لِأَنِّي أُومِنُ بِٱللهِ أَنَّهُ يَكُونُ هَكَذَا كَمَا قِيلَ لِي: تعبر كلمات بولس المليئة بالثقة للبحارة المضطربين على سفينة في بحر هائج عن جوهر الإيمان بالله وبكلمته. أعطى الله لبولس هذه الكلمات عن طريق الملاك وكان رد بولس: “أُومِنُ بِٱللهِ.”
- لاحظوا ما قاله بولس: “أُومِنُ بِٱللهِ (أَنَا عِنْدِي إِيمَانٌ بِاللهِ)” ولم يقل “أنا أؤمن بوجود الله.” فالشيطان يؤمن في الجحيم بوجود الله. أعلن بولس عن ثقته الكاملة بالله الذي يعرف حالته وأعلن عن هذه الثقة بالتمسك بوعد الله حتى وسط العاصفة.
- وضع بولس إيمانه بالله حينما لم يكن هناك أي أمل آخر يستند عليه. لم يستطع بولس أن يضع ثقته بالبحارة أو بالسفينة أو بالأشرعة أو بالريح أو بقائد المئة أو ببراعة الإنسان أو بأي شيء آخر سوى الله وحده. لم يكن هذا إيمان يعتمد على الظروف بل يعتمد على الإيمان بالله وسط العاصفة وفي أحلك الظروف. كان بإمكان بولس أن يقول مع أيوب: هَلْ سَيَقتُلُنِي اللهُ؟ حَتَّى لَوْ فَعَلَ، فَرَجائِي فِيهِ (سفر أيوب ١٥:١٣). كانت العاصفة أمراً حقيقياً بالنسبة لبولس ولكن الله كان أكثر واقعية.
- لم يخجل بولس من الإعلان عن إيمانه بالله. كتب سبيرجن (Spurgeon): “أتمنى حقاً أن يكون كل مؤمن مستعد لقبول هذا التحدي ويعلن بصراحة عن موقفه؛ فإن كان الله لا يعني لنا شيئاً فلا داعي للتظاهر بأننا نثق به، وإن كان الإنجيل مجرد كذبة فدعونا على الأقل أن نكون صادقين ونعترف بذلك.”
- ثقة بولس الثابتة في الله جعلته قائداً وسطهم رغم أنه سجين لدى روما.
- وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ نَقَعَ عَلَى جَزِيرَةٍ: كانت هذه أخباراً مختلطة. فوقوعهم على جزيرة يعني أن السفينة ستتحطم. وكأن بولس يقول: “ستتحطم السفينة وسنرسو على جزيرة مجهولة ولكننا سننجو جميعاً.”
- يعني عَلَى جَزِيرَةٍ دون أية تسمية أن الله لم يعلن لبولس تفاصيل ما سيحدث. كان على بولس أن يثق بأن الله يعرف أي جزيرة سيقعون عليها حتى لو لم تكن لديه أية معلومات عنها.
و ) الآيات (٢٧-٢٩): الاقتراب من اليابسة
٢٧فَلَمَّا كَانَتِ ٱللَّيْلَةُ ٱلرَّابِعَةَ عَشْرَةَ، وَنَحْنُ نُحْمَلُ تَائِهِينَ فِي بَحْرِ أَدْرِيَا، ظَنَّ ٱلنُّوتِيَّةُ، نَحْوَ نِصْفِ ٱللَّيْلِ، أَنَّهُمُ ٱقْتَرَبُوا إِلَى بَرٍّ. ٢٨فَقَاسُوا وَوَجَدُوا عِشْرِينَ قَامَةً. وَلَمَّا مَضَوْا قَلِيلًا قَاسُوا أَيْضًا فَوَجَدُوا خَمْسَ عَشْرَةَ قَامَةً. ٢٩وَإِذْ كَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يَقَعُوا عَلَى مَوَاضِعَ صَعْبَةٍ، رَمَوْا مِنَ ٱلْمُؤَخَّرِ أَرْبَعَ مَرَاسٍ، وَكَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَصِيرَ ٱلنَّهَارُ.
- فَلَمَّا كَانَتِ ٱللَّيْلَةُ ٱلرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قضوا أسبوعين كاملين في حالة من البؤس والرعب وسط العاصفة.
- ظَنَّ ٱلنُّوتِيَّةُ، نَحْوَ نِصْفِ ٱللَّيْلِ، أَنَّهُمُ ٱقْتَرَبُوا إِلَى بَرٍّ: شعر البحارة أنهم اقتربوا من اليابسة (وربما سمعوا الأمواج المتكسرة على الشاطئ) فاتخذوا الاحتياطات المناسبة حتى لا تتحطم السفينة على الصخور التي لا يرونها (رَمَوْا مِنَ ٱلْمُؤَخَّرِ أَرْبَعَ مَرَاسٍ، وَكَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَصِيرَ ٱلنَّهَارُ).
- وَكَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَصِيرَ ٱلنَّهَارُ: الخوف من تحطم السفينة ومن الموت جعل ٱلنُّوتِيَّة يصلون.
ز ) الآيات (٣٠-٣٢): أراد بعض ٱلنُّوتِيَّة أن يهربوا من السفينة
٣٠وَلَمَّا كَانَ ٱلنُّوتِيَّةُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَهْرُبُوا مِنَ ٱلسَّفِينَةِ، وَأَنْزَلُوا ٱلْقَارِبَ إِلَى ٱلْبَحْرِ بِعِلَّةِ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَمُدُّوا مَرَاسِيَ مِنَ ٱلْمُقَدَّمِ، ٣١قَالَ بُولُسُ لِقَائِدِ ٱلْمِئَةِ وَٱلْعَسْكَرِ: «إِنْ لَمْ يَبْقَ هَؤُلَاءِ فِي ٱلسَّفِينَةِ فَأَنْتُمْ لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْجُوا». ٣٢حِينَئِذٍ قَطَعَ ٱلْعَسْكَرُ حِبَالَ ٱلْقَارِبِ وَتَرَكُوهُ يَسْقُطُ.
- وَلَمَّا كَانَ ٱلنُّوتِيَّةُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَهْرُبُوا مِنَ ٱلسَّفِينَةِ: لم يهتم هؤلاء البحارة بالركاب أبداً. وعندما سنحت لهم الفرصة للنجاة أرادوا أن يتركوا السفينة ويتخلوا عن الركاب.
- قَالَ بُولُسُ لِقَائِدِ ٱلْمِئَةِ وَٱلْعَسْكَرِ: «إِنْ لَمْ يَبْقَ هَؤُلَاءِ فِي ٱلسَّفِينَةِ فَأَنْتُمْ لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْجُوا»: كان بولس يعرف سببين لضرورة بقائهم معاً. أولاً كان المسافرين في أمس الحاجة لخبرة البحارة وبالتأكيد ستحدث كارثة إن تخلى البحارة عن السفينة. ثانياً ربما شعر بولس أن الله سيخلص كل النفوس التي كانت معه في السفينة ولهذا توقع بقائهم معاً.
- حِينَئِذٍ قَطَعَ ٱلْعَسْكَرُ حِبَالَ ٱلْقَارِبِ وَتَرَكُوهُ يَسْقُطُ: يبدو أن الجنود بدأوا يثقون ببولس.
ح) الآيات (٣٣-٣٨): بولس يشجع المسافرين والطاقم عند الفجر
٣٣وَحَتَّى قَارَبَ أَنْ يَصِيرَ ٱلنَّهَارُ كَانَ بُولُسُ يَطْلُبُ إِلَى ٱلْجَمِيعِ أَنْ يَتَنَاوَلُوا طَعَامًا، قَائِلًا: «هَذَا هُوَ ٱلْيَوْمُ ٱلرَّابِعَ عَشَرَ، وَأَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ لَا تَزَالُونَ صَائِمِينَ، وَلَمْ تَأْخُذُوا شَيْئًا. ٣٤لِذَلِكَ أَلْتَمِسُ مِنْكُمْ أَنْ تَتَنَاوَلُوا طَعَامًا، لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ مُفِيدًا لِنَجَاتِكُمْ، لِأَنَّهُ لَا تَسْقُطُ شَعْرَةٌ مِنْ رَأْسِ وَاحِدٍ مِنْكُمْ». ٣٥وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ ٱللهَ أَمَامَ ٱلْجَمِيعِ، وَكَسَّرَ، وَٱبْتَدَأَ يَأْكُلُ. ٣٦فَصَارَ ٱلْجَمِيعُ مَسْرُورِينَ وَأَخَذُوا هُمْ أَيْضًا طَعَامًا. ٣٧وَكُنَّا فِي ٱلسَّفِينَةِ جَمِيعُ ٱلْأَنْفُسِ مِئَتَيْنِ وَسِتَّةً وَسَبْعِينَ. ٣٨وَلَمَّا شَبِعُوا مِنَ ٱلطَّعَامِ طَفِقُوا يُخَفِّفُونَ ٱلسَّفِينَةَ طَارِحِينَ ٱلْحِنْطَةَ فِي ٱلْبَحْرِ.
- لِأَنَّهُ لَا تَسْقُطُ شَعْرَةٌ مِنْ رَأْسِ وَاحِدٍ مِنْكُمْ: قدم بولس للطاقم والركاب كلمات مليئة بالإيمان والثقة. لن يستفيد من هذه الكلمة سوى من يؤمن بها.
- أعطانا الله العشرات من الوعود عن تعزيته ورعيته لنا في الأوقات الصعبة ولكنها لن تفيدنا إن كنا لا نؤمن بها.
- وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ ٱللهَ أَمَامَ ٱلْجَمِيعِ، وَكَسَّرَ، وَٱبْتَدَأَ يَأْكُلُ. فَصَارَ ٱلْجَمِيعُ مَسْرُورِينَ (فَتَشَجَّعُوا كُلُّهُمْ): هناك إشارات تدل على أن بولس تعامل مع هذه الوجبة وكأنها مائدة عشاء الرب للمؤمنين الحاضرين معه.
- طَفِقُوا يُخَفِّفُونَ ٱلسَّفِينَةَ: يعكس إلقائهم ٱلْحِنْطَةَ فِي ٱلْبَحْرِ على يأسهم الشديد. قاموا بتخفيف السفينة من قبل (أعمال الرسل ١٨:٢٧) ولكن هذه الحنطة كانت آخر البضائع الأساسية على السفينة. كانت كلها محاولات للبقاء على قيد الحياة.
ط) الآيات (٣٩-٤١): السفينة ترتطم بالشاطئ وتتحطم
٣٩وَلَمَّا صَارَ ٱلنَّهَارُ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ ٱلْأَرْضَ، وَلَكِنَّهُمْ أَبْصَرُوا خَلِيجًا لَهُ شَاطِئٌ، فَأَجْمَعُوا أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِ ٱلسَّفِينَةَ إِنْ أَمْكَنَهُمْ. ٤٠فَلَمَّا نَزَعُوا ٱلْمَرَاسِيَ تَارِكِينَ إِيَّاهَا فِي ٱلْبَحْرِ، وَحَلُّوا رُبُطَ ٱلدَّفَّةِ أَيْضًا، رَفَعُوا قِلْعًا لِلرِّيحِ ٱلْهَابَّةِ، وَأَقْبَلُوا إِلَى ٱلشَّاطِئِ. ٤١وَإِذْ وَقَعُوا عَلَى مَوْضِعٍ بَيْنَ بَحْرَيْنِ، شَطَّطُوا ٱلسَّفِينَةَ، فَٱرْتَكَزَ ٱلْمُقَدَّمُ وَلَبِثَ لَا يَتَحَرَّكُ. وَأَمَّا ٱلْمُؤَخَّرُ فَكَانَ يَنْحَلُّ مِنْ عُنْفِ ٱلْأَمْوَاجِ.
- لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ ٱلْأَرْضَ (لَمْ يَستَطِيعُوا أنْ يُمَيِّزُوا الأرْضَ): لم يعرفوا في البداية أنهم وصلوا إلى جزيرة تدعى مالطة. يدعى المكان الذي وصلوا إليه الآن: خليج القديس بولس (St. Paul’s Bay).
- كتب بروس (Bruce) مقتبساً عن رامزي (Ramsay): ” لا يمكن تحقيق النهاية السعيدة التي آلت إليها أمور إلا بصدفة نادرة تحت ظروف مواتية. توحدت كل الظروف في خليج القديس بولس.”
- كتب بروس (Bruce): “إن لم يصلوا إلى جزيرة مالطة لمكثوا في البحر لمدة طويلة إلى أن يضربوا السواحل التونسية التي كانت تبعد حوالي ٣٠٠ كيلومتر. ومن غير المتوقع أن تصمد السفينة كل تلك المدة الطويلة.”
- فَٱرْتَكَزَ ٱلْمُقَدَّمُ وَلَبِثَ لَا يَتَحَرَّكُ. وَأَمَّا ٱلْمُؤَخَّرُ فَكَانَ يَنْحَلُّ مِنْ عُنْفِ ٱلْأَمْوَاجِ: تحطمت الأجزاء الضعيفة من السفينة عندما غَرَزَتِ = على مرتفع رملي بالقرب من الشاطئ بسبب عنف الأمواج وتحتم على الجميع مغادرة السفينة قبل أن تتفكك السفينة بالكامل.
ي) الآيات (٤٢-٤٤): تركوا السفينة ووصلوا بأمان إلى البر
٤٢فَكَانَ رَأْيُ ٱلْعَسْكَرِ أَنْ يَقْتُلُوا ٱلْأَسْرَى لِئَلَّا يَسْبَحَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَيَهْرُبَ. ٤٣وَلَكِنَّ قَائِدَ ٱلْمِئَةِ، إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُخَلِّصَ بُولُسَ، مَنَعَهُمْ مِنْ هَذَا ٱلرَّأْيِ، وَأَمَرَ أَنَّ ٱلْقَادِرِينَ عَلَى ٱلسِّبَاحَةِ يَرْمُونَ أَنْفُسَهُمْ أَوَّلًا فَيَخْرُجُونَ إِلَى ٱلْبَرِّ، ٤٤وَٱلْبَاقِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَلْوَاحٍ وَبَعْضُهُمْ عَلَى قِطَعٍ مِنَ ٱلسَّفِينَةِ. فَهَكَذَا حَدَثَ أَنَّ ٱلْجَمِيعَ نَجَوْا إِلَى ٱلْبَرِّ.
- فَكَانَ رَأْيُ ٱلْعَسْكَرِ أَنْ يَقْتُلُوا ٱلْأَسْرَى لِئَلَّا يَسْبَحَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَيَهْرُبَ: كان منطقياً بالنسبة للجنود أن يفكروا بهذه الطريقة ويقتلوا السجناء، لأنه وفقاً للقانون الروماني كان على الحارس الذي يسمح بهروب سجينه أن يتحمل نفس العقوبة التي يستحقها سجينه الهارب، وفي هذه الحالة كان عقاب معظم هؤلاء السجناء هو الإعدام.
- وَلَكِنَّ قَائِدَ ٱلْمِئَةِ، إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُخَلِّصَ بُولُسَ، مَنَعَهُمْ مِنْ هَذَا ٱلرَّأْيِ: أعطى الله نعمة لبولس في عيون قَائِدَ ٱلْمِئَة وهذه النعمة حافظت على حياة بولس وكل السجناء الذين كانوا معه. كما وكان هذا تحقيقاً للوعد الذي أعطاه الله لبولس: وَهُوَذَا قَدْ وَهَبَكَ ٱللهُ جَمِيعَ ٱلْمُسَافِرِينَ مَعَكَ (أعمال الرسل ٢٤:٢٧). فكلمة الله لا تسقط أبداً.