أعمال الرسل – الإصحاح ٥
نمو الكنيسة رغم المعارضة
أولاً. كذبة حَنَانِيَّا وَسَفِّيرَةُ
أ ) الآيات (١-٢): ماذا فعلا
١وَرَجُلٌ ٱسْمُهُ حَنَانِيَّا، وَٱمْرَأَتُهُ سَفِّيرَةُ، بَاعَ مُلْكًا ٢وَٱخْتَلَسَ مِنَ ٱلثَّمَنِ، وَٱمْرَأَتُهُ لَهَا خَبَرُ ذَلِكَ، وَأَتَى بِجُزْءٍ وَوَضَعَهُ عِنْدَ أَرْجُلِ ٱلرُّسُلِ.
- وَرَجُلٌ ٱسْمُهُ حَنَانِيَّا، وَٱمْرَأَتُهُ سَفِّيرَةُ، بَاعَ مُلْكًا: بعد أن شاهد حنانيا وسفيرة تقدمة برنابا السخية والاحترام الذي ناله من الآخرين (أعمال الرسل ٣٦:٤-٣٧) أرادا الحصول على نفس الاحترام والتقدير من الآخرين.
- وَٱخْتَلَسَ مِنَ ٱلثَّمَنِ: باعوا مُلْكًا ثم قدموا جزءاً منه ووضعوه عند أرجل الرُسل قائلين أنهم قدموا كل المبلغ للكنيسة.
- تعني الكلمة اليونانية القديمة ٱخْتَلَسَ nosphizomai “سرقة شيء ما” استخدمت للإشارة إلى سرقة عَخَان في سفر يشوع ٢١:٧ كما استخدمت في العهد الجديد في تيطس ١٠:٢.
- “قصة حنانيا في سفر أعمال الرسل لها نفس تأثير قصة عخان المذكورة في سفر يشوع. ففي كِلا الروايتين كاد غشهم وخداعهم يفقد شعب الله انتصاره.” بروس (Bruce)
- وَٱمْرَأَتُهُ لَهَا خَبَرُ ذَلِكَ: من الواضح أنهما اتفقا معاً على تنفيذ الحيلة. فقد أرادا التفاخر بالعطاء والكرم أمام الناس دون أن يضحيا بسخاء.
- “ربما أرادا بصدق في البداية أن يقدما كامل المبلغ لله ولكنهما غيرا رأيهما فيما بعد وقدما جزءاً بسيطاً فقط.” بروس (Bruce)
- “عندما يسيطر حب المال على المرء فلن يتوانى عن فعل الشر للحفاظ عليه.” هورتون (Horton)
- وفقاً لكالفن (Calvin) كانت “الشرور” الكامنة وراء خطية حنانيا أعمق بكثير من مجرد خداع الله والكنيسة:
- عصيان الله
- الاختلاس
- الكبرياء والغرور العنيدين
- قلة الإيمان
- تحريف وصية جيدة ومقدسة
- الرياء
ب) الآيات (٣-٤): بطرس يواجه حنانيا
٣فَقَالَ بُطْرُسُ: «يَا حَنَانِيَّا، لِمَاذَا مَلَأَ ٱلشَّيْطَانُ قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ وَتَخْتَلِسَ مِنْ ثَمَنِ ٱلْحَقْلِ؟ ٤أَلَيْسَ وَهُوَ بَاقٍ كَانَ يَبْقَى لَكَ؟ وَلَمَّا بِيعَ، أَلَمْ يَكُنْ فِي سُلْطَانِكَ؟ فَمَا بَالُكَ وَضَعْتَ فِي قَلْبِكَ هَذَا ٱلْأَمْرَ؟ أَنْتَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى ٱلنَّاسِ بَلْ عَلَى ٱللهِ».
- يَا حَنَانِيَّا، لِمَاذَا مَلَأَ ٱلشَّيْطَانُ قَلْبَكَ: يبدو أن الله كشف لبطرس ما فعله حنانيا. سُميت هذه الموهبة الروحية حسب كورنثوس الأولى ٨:١٢ بكَلَامُ عِلْمٍ.
- لا بد أن كلام بطرس كان صادماً بالنسبة لحنانيا. فقد توقع الحصول على المديح بسبب تقدمته الرائعة ولكنه في المقابل حصل على التوبيخ. رأى بطرس عمل ٱلشَّيْطَانُ حتى وسط المؤمنين ومن خلال شخص كحنانيا.
- كان من المناسب أن تُفضح خطيته علناً لأنه اِشتهى المديح من الآخرين. كتب ستوت (Stott): “من الجيد وكقاعدة عامة التعامل مع الخطايا السرية بسرية ومع الخطايا الخاصة بخصوصية ومع الخطايا العلنية بعلانية.”
- لِمَاذَا مَلَأَ ٱلشَّيْطَانُ قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ: لم يتهم بطرس حنانيا بالكذب على الكنيسة أو على الرُسل بل اتهمه بالكذب عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ نفسه.
- آمن بطرس بأن ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ هو شخص فلا يستطيع المرء الكذب إلا على شخص وآمن أن الروح القدس هو الله نفسه (أَنْتَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى ٱلنَّاسِ بَلْ عَلَى ٱللهِ).
- أَلَيْسَ وَهُوَ بَاقٍ كَانَ يَبْقَى لَكَ؟ وَلَمَّا بِيعَ، أَلَمْ يَكُنْ فِي سُلْطَانِكَ؟ أكد بطرس على حقيقة أن قطعة الأرض كانت مُلكاً لحنانيا وليس لآخر وبهذا كان يملك كل الحق والحرية بأن يفعل بها ما يشاء. فجريمته لم تكن اختلاس المال بل لأنه قال أنه قدم كامل المبلغ للكنيسة.
- كانت خطية حنانيا الجشع بالتأكيد لأنه احتفظ بكامل المبلغ ولكن خطيته الكبرى كانت الكبرياء لأنه أراد أن يظهر بمظهر التقوى أمام الجميع حينما قال أنه قدم كل المبلغ في حين لم يفعل.
- خطية حنانيا وسفيرة ما زالت تحدث حتى يومنا هذا. قد نخدع الآخرين ونجعلهم يعتقدون أننا نعرف الكتاب المقدس جيداً وأننا مُصلون رائعون رغم أن الحقيقة هي العكس تماماً. ونسمح بأن نترك الانطباع بأن حياتنا رائعة رغم أنها ليست كذلك أبداً. ونبالغ في المشاركة بإنجازاتنا الروحية لكي نبدو بمظهر لا يعكس حقيقتنا. فمن السهل أن نعكس صورة التقوى بمعزل عن واقع حياتنا الروحية.
- كانت خطيتهم العظمى متأصلة في الكبرياء. فالكبرياء يفسد الكنيسة أسرع بكثير من أي شيء آخر.
- أَلَيْسَ وَهُوَ بَاقٍ كَانَ يَبْقَى لَكَ؟ وَلَمَّا بِيعَ، أَلَمْ يَكُنْ فِي سُلْطَانِكَ؟ يدل هذا الكلام على أنه لم يكن هناك أي سبب يدفعهم لارتكاب هذه الخطية. فقد كان لحنانيا مطلق الحرية في استخدام المال بالطريقة التي تحلو له ولكن ليس كطريقة لتضخيم صورته الروحية وكبريائه.
- فَمَا بَالُكَ وَضَعْتَ فِي قَلْبِكَ هَذَا ٱلْأَمْرَ؟ ملء الشيطان قلب حنانيا ومع ذلك سأله بطرس فَمَا بَالُكَ وَضَعْتَ فِي قَلْبِكَ هَذَا ٱلْأَمْرَ؟ (لِماذا نَوَيتَ هَذا الشِّيءَ فِي قَلبِكَ؟). يستطيع الشيطان بكل تأكيد أن يؤثر على حياة المؤمن حتى المؤمن الناضج ولكنه لن يخطئ بدلاً عنه. كانت النية موجودة في قلب حنانيا.
ج ) الآيات (٥-٦): موت حنانيا
٥فَلَمَّا سَمِعَ حَنَانِيَّا هَذَا ٱلْكَلَامَ وَقَعَ وَمَاتَ. وَصَارَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى جَمِيعِ ٱلَّذِينَ سَمِعُوا بِذَلِكَ. ٦فَنَهَضَ ٱلْأَحْدَاثُ وَلَفُّوهُ وَحَمَلُوهُ خَارِجًا وَدَفَنُوهُ.
- فَلَمَّا سَمِعَ حَنَانِيَّا هَذَا ٱلْكَلَامَ وَقَعَ وَمَاتَ: لم يحكم بطرس على حنانيا بالإعدام بل واجهه بخطيته بكل بساطة ثم وقع ومات. فليس من واجب الكنيسة أن تنطق بعقوبة الإعدام على أي شخص.
- ربما اندهش بطرس أكثر من الجميع عندما وقع حنانيا ومات. كتب مورغان (Morgan): “لاحظ أن بطرس لم يقل شيئاً لحنانيا عن موته. فما قاله بطرس لم تكن لعنة نزلت على حنانيا بل كان موته عقاباً من الله مباشرة.”
- وَقَعَ وَمَاتَ: كانت تلك عقوبة قاسية على خطية تبدو شائعة في وقتنا الحاضر. ويتساءل البعض إن كانت عقوبة الله على حنانيا قاسية بعض الشيء.
- ولكن الأغرب من ذلك هو تأجيل الله دينونته الصالحة على جميع الحالات الأخرى تقريباً. نال حنانيا ما يستحقه بالضبط فهو ببساطة لم يتمكن من العيش في جو من النقاء الذي كان يميز الكنيسة في ذلك الوقت.
- ربما كان سبب وفاة حنانيا نوبة قلبية ناجمة عن صدمة مفاجئة أو هلع. فقد عاش حنانيا في زمن يؤمن به الكثيرين بوجود إله في السماء وأن على الجميع أن يخضعوا له وبالتالي ربما خاف لأن خطيته قد كُشفت وعرف أنه سيعطي حساباً عن نفسه أمام الله. لم يُظهر عدم مبالاة أو لم يجادل حينما واجهه بطرس بخطيته بل وَقَعَ وَمَاتَ في الحال.
- يجب أن ننظر إلى ما فعله حنانيا في سياق عصره. كانت تلك نقطة تحول بالنسبة للكنيسة الأولى فهذه الخطية والنجاسة والفضيحة والتدخل الشيطاني يمكن أن يفسد الكنيسة بأكملها من الأعماق. “لم تتأذ الكنيسة أو تُقاوم من المعارضة الخارجية بل تعرضت للأذى والخطر والمقاومة من الداخل.” مورغان (Morgan)
- نستنتج من ذلك أننا لا نرى نفس الدينونة اليوم لأن لكنيسة الله الكثير من الفروع. فحتى لو كان جسد المسيح بأكمله في الولايات المتحدة فاسداً ومليئاً بالفضائح والخطايا إلا أن هناك الكثير من القوة في أجزاء أخرى من الشجرة في أجزاء أخرى من العالم.
- “تختلف إدارة الكنيسة اليوم عما كان سائداً في ذلك الوقت وإلا لوجدنا العديد من الرجال والنساء الموتى في نهاية بعض الاجتماعات.” مورغان (Morgan)
- وَقَعَ وَمَاتَ: كان الكشف عن خطية حنانيا صدمة كبيرة بالنسبة له. وهكذا الحال بالنسبة لكثير من المؤمنين المساومين اليوم فخوفهم الأكبر ليس من الخطية بحد ذاتها ولكن من أن يعرف الآخرون.
- نستطيع القول أن أهم درس يمكننا تعلمه من قصة حنانيا وسفيرة هو أننا نتجرأ كثيراً على الله أحياناً عندما نفترض أن هناك دائماً وقت للتوبة ووقت للتصالح معه. ولكن الوقت هو عطية من الله لا نستحقها والله لا يدين بالوقت لأحد لهذا علينا ألا نفترض أن الوقت سيكون متاحاً دائماً.
- “لا يجب أن نستنتج من ندرة هذه الأحكام أن الله غير رأيه نحو بشاعة وفظاعة الخطية التي وبخهها. فعلى هذا المثال الوحيد أن يذكرنا دائماً برأي الله نحو الخطية.” بيرسون (Pierson)
- وَصَارَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى جَمِيعِ ٱلَّذِينَ سَمِعُوا بِذَلِكَ: تم تحقيق قصد الله في الكنيسة ككل وما حدث كان دليلاً على عمل الله العظيم بين شعبه.
- كانت آخر عظة قدمها الدكتور إدوين أور (Dr. J. Edwin Orr’s) تحمل عنوان “النهضة تشبه يوم الدينونة.” ووصف بعظته أن عمل الله غالباً ما يصاحب النهضة الروحية لأنه من خلالها يتعامل الله مع خطايا المؤمنين.
- قال أور (Orr): “لنضع ما حدث مع حنانيا وسفيرة في سياق عصرنا الحديث. لو وقعت هذه الحادثة في كنائسنا اليوم لقمنا بعمل لجنة لتغطية الأحداث مهمتها عدم نشر الخبر خارج أسوار الكنيسة. ولكن تشجع لأنه كلما كشف الله عن الخطايا كلما تقوت الخدمة من جديد.”
- وأضاف أور (Orr): “قال وليم كاسل (William Castle) من سيشوان في الصين أن النهضة عبارة عن وقت للدينونة ولتقديم الحساب. وهذا ما حدث في شانتونغ حينما شعر كل المُرسلين والقساوسة والناس بالتبكيت شديد وساد الخوف الجميع ولكن اسم الرب تمجد. فمعظم الناس يملكون أفكاراً خاطئة عن النهضة ويعتقدون أنها شيء يدعو للانتصار ووقت لانسكاب بركات غير عادية ولكن الواقع أن النهضة هو يوم دينونة وتبكيت للكنيسة ولكن بعده تأتي البركات وتزيد.”
د ) الآيات (٧-٩): بطرس يواجه سفيرة
٧ثُمَّ حَدَثَ بَعْدَ مُدَّةِ نَحْوِ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ، أَنَّ ٱمْرَأَتَهُ دَخَلَتْ، وَلَيْسَ لَهَا خَبَرُ مَا جَرَى. ٨فأَجَابَهَا بُطْرُسُ: «قُولِي لِي: أَبِهَذَا ٱلْمِقْدَارِ بِعْتُمَا ٱلْحَقْلَ؟». فَقَالَتْ: «نَعَمْ، بِهَذَا ٱلْمِقْدَارِ». ٩فَقَالَ لَهَا بُطْرُسُ: «مَا بَالُكُمَا ٱتَّفَقْتُمَا عَلَى تَجْرِبَةِ رُوحِ ٱلرَّبِّ؟ هُوَذَا أَرْجُلُ ٱلَّذِينَ دَفَنُوا رَجُلَكِ عَلَى ٱلْبَابِ، وَسَيَحْمِلُونَكِ خَارِجًا».
- مَا بَالُكُمَا ٱتَّفَقْتُمَا عَلَى تَجْرِبَةِ رُوحِ ٱلرَّبِّ؟: كانت سفيرة شريكة في الخطية عن طيب خاطر وكانت ماهرة في التستر عليها. كانت دينونة الله لها عادلة تماماً كدينونته زوجها.
- ٱتَّفَقْتُمَا:لا نعلم إن تمتع حنانيا وسفيرة بزواج ناجح أم فاشل أو إن كانا على وفاق دائماً أم خلاف مستمر. ولكننا نعلم بكل تأكيد أنهما اتفقا عَلَى تَجْرِبَةِ رُوحِ ٱلرَّبِّ. كان عليهما أن يتفقا على إرضاء الله وليس عصيانه.
- لا نعرف إن كان حنانيا من اقترح هذا الأمر أم سفيرة ولكننا نعلم أنهما اتفقا معاً. وإن كانت تلك فكرة حنانيا وفرضها على سفيرة لكان تصرفه خطأ بكل تأكيد ولكن يجب لوم سفيرة أيضاً لأنها وافقته في الرأي. ففكرة الخضوع لا تعني أبداً الخضوع لعمل الخطية.
هـ) الآيات (١٠-١١): موت سفيرة
١٠فَوَقَعَتْ فِي ٱلْحَالِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَمَاتَتْ. فَدَخَلَ ٱلشَّبَابُ وَوَجَدُوهَا مَيْتَةً، فَحَمَلُوهَا خَارِجًا وَدَفَنُوهَا بِجَانِبِ رَجُلِهَا. ١١فَصَارَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى جَمِيعِ ٱلْكَنِيسَةِ وَعَلَى جَمِيعِ ٱلَّذِينَ سَمِعُوا بِذَلِكَ.
- فَوَقَعَتْ فِي ٱلْحَالِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَمَاتَتْ: من اللائق أن ينزل نفس عقاب حنانيا على سفيرة. وبما أنهما اشتركا في فعل نفس الخطية كان من الملائم أن يشتركا في نفس ردة الفعل حينما كُشف أمرهما: الشعور بالصدمة وبالرعب.
- مات كل من حنانيا وسفيرة ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنهما لم يصعدا إلى السماء فلا يمكننا تأكيد الأمر ولكن الله يعلم ماذا حل بهما. ولكننا نستطيع القول أنه يمكن للمؤمن أن يموت بسبب خطية ما (يوحنا الأولى ١٦:٥-١٧) ولدينا أمثلة من العهد الجديد عن مؤمنين حُكم عليهم ونالوا التأديب بالموت (كورنثوس الأولى ٢٧:١١-٣٢). علّقَ بويس (Boice) وقال: “المؤمنون الحقيقيون لا يفقدون خلاصهم عندما يخطئون. فالعقاب الذي ناله حنانيا وسفيرة رغم أنه كان قاسياً كان يخص هذه الحياة فقط.”
- عندما نقارن بين قصة حنانيا وسفيرة وبين عخان في سفر يشوع نرى بعض التناقضات. نرى في سفر يشوع أن الله توقع من شعبه أن يحكموا هم على الجاني ولكننا نرى في سفر أعمال الرسل أن الله نفذ حكم الدينونة بنفس وليس من خلال الكنيسة. وهذا دليل على أنه لا يجوز للكنيسة أن تنفذ مثل هذه الأحكام بنفسها أو تسمح للسلطات المدنية أن تفعل ذلك نيابة عنها.
- فَصَارَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى جَمِيعِ ٱلْكَنِيسَةِ: يعني اسم سفيرة “الجميلة” في اللغة الآرامية. ويعني اسم حنانيا في اللغة العبرية “الله كريم.” ويبدو أن أسمائهم تتناقض تماماً مع حياتهما ولكننا نرى روعة وجمال وكرم الله بطريقتين هامتين.
- إن كان حنانيا وسفيرة في السماء الآن فهذا يعني أن الله كان رحيماً وكريماً نحوهم ولم يحرمهم من الخلاص رغم خطيتهم.
- كان جمال وكرم الله واضحاً من خلال البركات التي استمرت على الكنيسة. فقد حمى الله الكنيسة ليس من الهجومات الخارجية فحسب بل من نفسها أيضاً. إن كان حنانيا وسفيرة مملوئين بالنعمة لجلب هذا السرور لقلبيهما. “يا رب خذنا إلى السماء الآن إن كانت مشيئتك. واسمح لعملك أن يستمر ولاسمك أن يتمجد.”
- كانت تلك المرة الأولى التي استخدمت فيها كلمة ٱلْكَنِيسَةِ في سفر أعمال الرسل. كتب بروس (Bruce): “الكلمة ekklesia كانت جديدة وقديمة في نفس الوقت: جديدة بسبب علاقتها وشهادتها عن يسوع كالرب وعن الأحداث التي أدت إلى قيامته وإرسال الروح القدس وقديمة لأنها كانت تمثل شعب الله الذي كان في السابق محصور في أمة واحدة. الكنيسة الآن وبسبب موت وقيامة المسيح أصبحت مفتوحة للجميع وتمثل كل مؤمن دون تمييز.”
ثانياً. استمرار لعمل القوة في الكنيسة
أ ) الآية (١٢): عرض لسلطان الرسل من خلال المعجزات والوحدة
١٢وَجَرَتْ عَلَى أَيْدِي ٱلرُّسُلِ آيَاتٌ وَعَجَائِبُ كَثِيرَةٌ فِي ٱلشَّعْبِ. وَكَانَ ٱلْجَمِيعُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ فِي رِوَاقِ سُلَيْمَانَ.
- وَجَرَتْ عَلَى أَيْدِي ٱلرُّسُلِ آيَاتٌ وَعَجَائِبُ كَثِيرَةٌ: نقرأ في سفر أعمال الرسل ٣٠:٤ أن المؤمنين الأوائل صلوا كي يستمر الله في صنع آيَاتٌ وَعَجَائِبُ بِٱسْمِ فَتَاكَ ٱلْقُدُّوسِ يَسُوعَ. وما حدث بعد ذلك يُظهر أن الله استجاب لصلاتهم واستمر الله في صنع الآيَاتٌ وَالعَجَائِبُ.
- لا يخبرنا الكتاب المقدس عن نوع الآيَاتٌ وَالعَجَائِبُ التي جرت على أيدي الرُسل. ولكن على الأرجح أنها كانت شبيهة لما نراه في أماكن عديدة في سفر أعمال الرسل والأناجيل: شفاء وتحرير من قوة الشر وبركات غير عادية.
- وَكَانَ ٱلْجَمِيعُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ: فكرة أن يكون شعب الله متحداً معاً بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ هي أعظم عرض لقوة الروح القدس من أي معجزات. فقد يكون من الأسهل تحريك الجبل على تحريك قلوبنا الأنانية وعقولنا القاسية.
- عَلَى أَيْدِي ٱلرُّسُلِ: يبدو أن الله اختار أن يصنع هذه الأعمال العظيمة من خلال ٱلرُّسُلِ وليس الآخرين. فقد اختار الله بعناية وبحكمة الأيدي التي ستُصنع من خلالها المعجزات. كان لدى الله قصد في أن يُجري المعجزات عَلَى أَيْدِي ٱلرُّسُلِ.
- رِوَاقِ سُلَيْمَانَ: كان الهيكل الثاني ضخم جداً وبه العديد من الأروقة الواسعة والأماكن المغطاة. ولا شك أن المؤمنين الأوائل كانوا يجتمعون في منطقة معينة من الهيكل وفي منطقة متاحة ومفتوحة للجميع.
ب) الآيات (١٣-١٤): سمعة الكنيسة ونموها
١٣وَأَمَّا ٱلْآخَرُونَ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَجْسُرُ أَنْ يَلْتَصِقَ بِهِمْ، لَكِنْ كَانَ ٱلشَّعْبُ يُعَظِّمُهُمْ. ١٤وَكَانَ مُؤْمِنُونَ يَنْضَمُّونَ لِلرَّبِّ أَكْثَرَ، جَمَاهِيرُ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ.
- وَأَمَّا ٱلْآخَرُونَ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَجْسُرُ أَنْ يَلْتَصِقَ بِهِمْ: : تمتع مجتمع المؤمنون بنزاهة وسمعة طيبة جداً وعرف الجميع أن إتباع المسيح ليس بالأمر السهل. وحادثة مثل حادثة حنانيا وسفيرة من شأنها أن تقلل من مستوى الالتزام السطحي بين المؤمنين.
- وَكَانَ مُؤْمِنُونَ يَنْضَمُّونَ لِلرَّبِّ أَكْثَرَ: ولكن الكنيسة استمرت في النمو. عرف الناس جدية الإيمان بيسوع واستمر روح الله في العمل وسط المؤمنين بقوة.
- يَنْضَمُّونَ لِلرَّبِّ أَكْثَرَ: كانت الجماهير تنضم للرب يومياً. لاحظ أنهم كانوا يَنْضَمُّونَ لِلرَّبِّ وليس للكنيسة أو لشخص أو حتى لحركة بل للرب نفسه.
- عندما ذكر لوقا الجَمَاهِيرُ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ أراد بذلك أن يذكرنا بأن تطهير الكنيسة الذي حدث بسبب حنانيا وسفيرة لم يُحدث ضرراً دائماً.
ج ) الآيات (١٥-١٦): توقع المعجزات بين المؤمنين الأوائل
١٥حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَ ٱلْمَرْضَى خَارِجًا فِي ٱلشَّوَارِعِ وَيَضَعُونَهُمْ عَلَى فُرُشٍ وَأَسِرَّةٍ، حَتَّى إِذَا جَاءَ بُطْرُسُ يُخَيِّمُ وَلَوْ ظِلُّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ. ١٦وَٱجْتَمَعَ جُمْهُورُ ٱلْمُدُنِ ٱلْمُحِيطَةِ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَامِلِينَ مَرْضَى وَمُعَذَّبِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ، وَكَانُوا يُبْرَأُونَ جَمِيعُهُمْ.
- كَانُوا يَحْمِلُونَ ٱلْمَرْضَى خَارِجًا فِي ٱلشَّوَارِعِ: كان الناس مقتنعون تماماً بحقيقة وقوة ما يؤمن به هؤلاء التلاميذ واعتقدوا انه بإمكانهم نوال الشفاء لمجرد أن يخيم ظل بطرس عليهم.
- حَتَّى إِذَا جَاءَ بُطْرُسُ يُخَيِّمُ وَلَوْ ظِلُّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ. لا يخبرنا النص على وجه التحديد أن نال الناس الشفاء حينما خيم ظِل بطرس عليهم ولكنه يخبرنا أن الناس آمنوا بهذا وتصرفوا بناءاً على ذلك. لا نعرف على وجه اليقين إن نال الناس الشفاء فعلاً عندما خَيِّم ظل بطرس عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ.
- حَتَّى إِذَا جَاءَ بُطْرُسُ يُخَيِّمُ وَلَوْ ظِلُّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ: علينا أن نفترض شفاء المرضى لأن ظل بطرس كان الطريقة التي عبر بها الناس عن إيمانهم بيسوع الشافي. ونستطيع القول أن الناس فهموا جيداً كلمات بطرس في أعمال الرسل ١٢:٣-١٦ عن قدرة يسوع الشافية حتى من خلال تلاميذه.
- ربما تبدو فكرة شفاء شخص لمجرد وقوفه تحت ظل شخص آخر جنونية ولكننا نعلم جيداً كيف شفى هُدْبَ ثَوْبِ يسوع امرأة (لوقا ٤٤:٨). بالطبع لم يكن هناك أي سحر في الرداء ولكنها كانت الطريقة التي عبرت بها هذه المرأة عن إيمانها. وبنفس الطريقة لم يكن هناك أي قوة في ظل بطرس نفسه ولكن كانت هناك قوة في ايمان الشخص بقوة يسوع الشافية وربما ساعد مرور ظل بطرس على زيادة إيمان البعض.
- “من الجدير بالملاحظة أن لوقا استخدم الفعل episkiazo والذي يعني يُخَيِّم بظله مرتين في إنجيله للإشارة لحضور الله.” ستوت (Stott)
- “فكرة أن الظل له قوة سحرية سواء كان للخير أو للشر كانت سائدة في العالم القديم وتفسر دافع الشعب.” مارشل (Marshall)
- يمكننا أن نثق بأن نية لوقا لم تكن مجرد تسجيل الأساطير. كتب لاسور (LaSor): “مما نعرفه عن الأطباء (مثل لوقا) حتى في تلك الأيام أنهم لن يقبلوا أي قصة عن ’الشفاء المعجزي‘ دون التحقق منها.”
- وَكَانُوا يُبْرَأُونَ جَمِيعُهُمْ: ومع ذلك اختار الله أن يشفي الجميع وليس هناك أدنى شك أن عمل رائع للشفاء كان حاضراً. علينا ألا ننسى العلاقة بين النقاء الذي كان واضحاً في الجزء الأول من الأصحاح (موت حنانيا وخوف الله الذي ساد الجميع) والقوة الظاهرة هنا. فالله يبارك الكنيسة النقية بمنحها السلطان.
- وَٱجْتَمَعَ جُمْهُورُ ٱلْمُدُنِ ٱلْمُحِيطَةِ إِلَى أُورُشَلِيمَ: كان هذا أول ذكر لامتداد الخدمة خارج أسوار أورشليم، فقد جاء الناس حيث كان التلاميذ وليس العكس. كان هذا حدثاً مثيراً فعلاً ولكنه لا يتوافق مع وصية يسوع. فقد طلب يسوع من تلاميذه أن يذهبوا ويكونوا له شهوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَٱلسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى ٱلْأَرْضِ (أعمال الرسل ٨:١). لم يترك الرُسل أورشليم إلا عندما أجبروا على ذلك وقت الاضطهاد (أعمال الرسل ١:١٢-٢).
ثالثاً. وضع القادة اليهود ٱلرُّسُلِ في السجن
أ ) الآيات (١٧-١٨): اعتقال وسجن الرُسل
١٧فَقَامَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ مَعَهُ، ٱلَّذِينَ هُمْ شِيعَةُ ٱلصَّدُّوقِيِّينَ، وَٱمْتَلَأُوا غَيْرَةً، ١٨فَأَلْقَوْا أَيْدِيَهُمْ عَلَى ٱلرُّسُلِ وَوَضَعُوهُمْ فِي حَبْسِ ٱلْعَامَّةِ.
- فَقَامَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ: اللقاء الذي تم بين بطرس ويوحنا مع القادة الدينيين في أعمال ارسل ٥:٤-٢٢ انتهى بسلام بالنسبة للمؤمنين الأوائل. ولكنها لم تكن النهاية فالمؤسسة الدينية لاحقتهم مرة أخرى فيما بعد.
- “نرى لوقا يتناوب هنا في عرض صورتين للكنيسة: الصور الأولى تعكس الكنيسة نفسها والصورة الثانية تعكس علاقة الكنيسة بالعالم الخارجي. ونجد أن الكنيسة في الصورة الثانية تتعرض للاضطهاد المستمر.” بويس (Boice)
- وَٱمْتَلَأُوا غَيْرَةً (وَمَلأهُمُ الحَسَدُ): تعرض الرُسل كحال يسوع الذي يشهدون عنه للاضطهاد لأن أعمالهم الصالحة وشهرتهم كانت تهدد مصالح أولئك الذين ينتمون للمؤسسة الدينية. ولكن للأسف كان تأثير المؤسسة الدينية على الناس في ذلك الوقت سلبي أكثر منه إيجابي.
- وَوَضَعُوهُمْ فِي حَبْسِ ٱلْعَامَّةِ: يبدو أن هذا شمل كل الرُسل (عَلَى ٱلرُّسُلِ). فلم تكن تلك المرة الأولى التي يُحبس فيها بطرس ويوحنا (٣:٤).
ب) الآيات (١٩-٢٠): تدخل ملائكي لتحرير الرُسل
١٩وَلَكِنَّ مَلَاكَ ٱلرَّبِّ فِي ٱللَّيْلِ فَتَحَ أَبْوَابَ ٱلسِّجْنِ وَأَخْرَجَهُمْ وَقَالَ: ٢٠«ٱذْهَبُوا قِفُوا وَكَلِّمُوا ٱلشَّعْبَ فِي ٱلْهَيْكَلِ بِجَمِيعِ كَلَامِ هَذِهِ ٱلْحَيَاةِ».
- مَلَاكَ ٱلرَّبِّ فِي ٱللَّيْلِ فَتَحَ أَبْوَابَ ٱلسِّجْنِ: كان ترتيب هذا الأمر سهلاً بالنسبة للرب. فالملائكة جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لِأَجْلِ ٱلْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا ٱلْخَلَاصَ (عبرانيين ١٤:١). أرسل الله هذا الملاك ليخدم الرُسل. فالأبواب المُغّلقة لا تعني شيئاً بالنسبة لله أو لأولئك الذين يستخدمهم.
- مَلَاكَ ٱلرَّبِّ: ربما فهموا لاحقاً أن من فعل ذلك كان ملاكاً. فغالباً ما كانت الملائكة تأتي بهيئة البشر ولكن لم يكن من السهل التعرف عليها دائماً (لوقا ٣:٢٤-٧، عبرانيين ١٣:٢).
- “نرى هنا نوعاً من الدعابة الإلهية فالصدوقيون (أعمال الرسل ١٧:٥) لا يؤمنون بالملائكة أيضاً.” هيوز (Hughes)
- ٱذْهَبُوا قِفُوا وَكَلِّمُوا ٱلشَّعْبَ فِي ٱلْهَيْكَلِ بِجَمِيعِ كَلَامِ هَذِهِ ٱلْحَيَاةِ: كان تحريرهم من السجن رائعاً ولكن الهدف كان استمرارهم في الخدمة. فلم يحررهم الله ليحميهم في المقام الأول بل فعل ذلك لهدف معين ومحدد. وسنرى لاحقاً أنه لم يكن ينجيهم دائماً.
- يُظهر تاريخ هؤلاء الرسل وآخرون معهم في الكنيسة الأولى أن الله كان يحررهم بمعجزة أحياناً ولكنه لم يفعل أحياناً أخرى. ووفقاً لتاريخ الكنيسة (الموثوق به إلى حد ما) والتقاليد لم تأتي الملائكة بطريقة معجزية لتحريرهم دائماً.
- قُطِعَّ رأسُ متى بالسيف.
- مات مرقس في الإسكندرية بعد أن جُرَّ في شوارع المدينة.
- شُنِقَّ لوقا على شجرة زيتون في اليونان.
- مات يوحنا موتاً طبيعياً ولكنهم حاولوا غليه بالزيت دون جدوى.
- صلب بطرس رأساً على عقب في روما.
- قطع رأس يعقوب في أورشليم.
- أُلقي يعقوب الأصغر من أعلى جبل وضرب بالعُصي.
- شُنِقَّ فِيلُبُّسَ.
- جُلِدَّ بَرثُولَماوُس وضرب حتى الموت.
- صُلب أَنْدَرَاوُسُ ولكنه بشر في أعلى صوته لمضطهديه حتى مماته.
- طُعن توما بالحربة.
- قُتِلَ يهوذا بسهام الجاني.
- رُجِمَّ متياس ثم قُطِعَّ رأسه – كما حدث مع برنابا.
- قُطِعَّ رأس بولس في روما.
- يذكرنا هذا بأن علينا أن نضع ثقتنا بالله كي يصنع المعجزات في حياتنا وأن نصلي لرؤية المزيد منها. ولكن علينا أيضاً أن نضع في الحسبان أن هناك دائماً قصد من عدم تحرير الله لنا في بعض الأحيان. وعلينا كما فعل الرُسل أن نعرف أن تحرير الله دائماً ما يكون لهدف معين وليس لمجرد أن نحيا لأنفسنا.
- “لم يكن ملاك الرب مبشراً رغم أنه فتح أبواب السجن وأطلق سراح المبشرين. قد يعطي الملاك الخُدام مهمتهم، ولكن مهمته ليست التبشير.” سبيرجن (Spurgeon)
- يُظهر تاريخ هؤلاء الرسل وآخرون معهم في الكنيسة الأولى أن الله كان يحررهم بمعجزة أحياناً ولكنه لم يفعل أحياناً أخرى. ووفقاً لتاريخ الكنيسة (الموثوق به إلى حد ما) والتقاليد لم تأتي الملائكة بطريقة معجزية لتحريرهم دائماً.
ج ) الآيات (٢١-٢٣): استأنف الرُسل خدمتهم واكتشف الجناة أنهم خارج السجن
٢١فَلَمَّا سَمِعُوا دَخَلُوا ٱلْهَيْكَلَ نَحْوَ ٱلصُّبْحِ وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ. ثُمَّ جَاءَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ، وَدَعَوْا ٱلْمَجْمَعَ وَكُلَّ مَشْيَخَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ٱلْحَبْسِ لِيُؤْتَى بِهِمْ. ٢٢وَلَكِنَّ ٱلْخُدَّامَ لَمَّا جَاءُوا لَمْ يَجِدُوهُمْ فِي ٱلسِّجْنِ، فَرَجَعُوا وَأَخْبَرُوا ٢٣قَائِلِينَ: «إِنَّنَا وَجَدْنَا ٱلْحَبْسَ مُغْلَقًا بِكُلِّ حِرْصٍ، وَٱلْحُرَّاسَ وَاقِفِينَ خَارِجًا أَمَامَ ٱلْأَبْوَابِ، وَلَكِنْ لَمَّا فَتَحْنَا لَمْ نَجِدْ فِي ٱلدَّاخِلِ أَحَدًا».
- دَخَلُوا ٱلْهَيْكَلَ نَحْوَ ٱلصُّبْحِ وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ: كانت طاعتهم وجرأتهم رائعين. لم يكونوا متأكدين من مشيئة الله فيما يتعلق بخدمتهم العامة ولكن كلمة الملاك في أعمال الرسل ٢٠:٥ أكدت لهم ذلك.
- ذهبوا إلى أكثر الأماكن العامة على الإطلاق (ٱلْهَيْكَلَ) وفعلوا ذلك بأسرع ما يمكن (نَحْوَ ٱلصُّبْحِ). وعندما اعتقد الجناة أنهم كانوا يقبعون في السجن كانوا يطيعون كلمة الله ويعلمون عامة الشعب.
- فَرَجَعُوا وَأَخْبَرُوا: هناك مفارقة مضحكة في كل ما كان يجري. اجتمعت المؤسسة الدينية رسمياً للتعامل مع صانعي المشاكل الذين يعلمون عن يسوع وهددوهم بالسجن وعرضوهم على الْمَجْمَعَ ليصدروا الحكم المناسب ومع ذلك عندما نظر المسؤولين إلى باب السجن كان مُغْلَقًا كما ينبغي وَٱلْحُرَّاسَ وَاقِفِينَ خَارِجًا أَمَامَ ٱلْأَبْوَابِ كما ينبغي أيضاً أما الرُسل فلم يكونوا داخل الزنزانة.
د ) الآيات (٢٤-٢٦): العثور على الرُسل واعتقالهم ثانية
٢٤فَلَمَّا سَمِعَ ٱلْكَاهِنُ وَقَائِدُ جُنْدِ ٱلْهَيْكَلِ وَرُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ هَذِهِ ٱلْأَقْوَالَ، ٱرْتَابُوا مِنْ جِهَتِهِمْ: مَا عَسَى أَنْ يَصِيرَ هَذَا؟ ٢٥ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ وَأَخْبَرَهُمْ قَائِلًا: «هُوَذَا ٱلرِّجَالُ ٱلَّذِينَ وَضَعْتُمُوهُمْ فِي ٱلسِّجْنِ هُمْ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَاقِفِينَ يُعَلِّمُونَ ٱلشَّعْبَ!». ٢٦حِينَئِذٍ مَضَى قَائِدُ ٱلْجُنْدِ مَعَ ٱلْخُدَّامِ، فَأَحْضَرَهُمْ لَا بِعُنْفٍ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ ٱلشَّعْبَ لِئَلَّا يُرْجَمُوا.
- ٱرْتَابُوا مِنْ جِهَتِهِمْ: مَا عَسَى أَنْ يَصِيرَ هَذَا؟: تحير القادة الدينيين عندما حدث هذا وتساءلوا عمن كانوا يتعاملون معهم. فقد تكررت الأدلة على وجود قوة خارقة للطبيعة تدعم أتباع يسوع.
- في تتبعنا لقصة لوقا عند هذه المرحلة نستطيع أن نفهم سبب ٱرْتَابُوا مِنْ جِهَتِهِمْ وقولهم: مَا عَسَى أَنْ يَصِيرَ هَذَا. ولكننا مع ذلك وكقراء لهذا النص لن نرتبك مثلهم لأننا متيقنين تماماً أن عمل الله سيستمر مهما حصل.
- مَضَى قَائِدُ ٱلْجُنْدِ مَعَ ٱلْخُدَّامِ، فَأَحْضَرَهُمْ لَا بِعُنْفٍ: تم اعتقال الرُسل مرة أخرى. ربما لم يتوقع الرسل أن يدخلوا السجن ثانية بما أن الله خلصهم بطريقة معجزية في المرة الأولى.
- عندما عاد الرُسل إلى السجن علموا جيداً أن أمر تحريرهم ثانية سيكون سهل للغاية على الله إن كانت تلك مشيئته. فاختبارهم السابق لقوة الله ملئهم إيماناً بالحاضر.
- فَأَحْضَرَهُمْ لَا بِعُنْفٍ: من الجدير بالذكر أن الرسل لم يستغيثوا بالرأي العام طلباً للحماية ضد القادة الدينيين. كان بإمكانهم أن يحرضوا الحشد بالقول: “هل ستدعوهم يأخذونا هكذا؟” ولكنهم وضعوا ثقتهم بالله وحده وليس آخر. كان الحل الجسدي لمشكلتهم متاحاً ولكنهم لم يستخدموه.
- لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ ٱلشَّعْبَ: ومرة أخرى تُنزع الأقنعة عن قلوب القادة الدينيين ويُكشف أمرهم. فقد كَانُوا يَخَافُونَ ٱلشَّعْبَ ولم يخافوا الله الذي أظهر بوضوح أكثر من مرة أنه كان يعمل من خلال التلاميذ.
هـ) الآيات (٢٧-٢٨): التهمة التي وجهوها للرُسل
٢٧فَلَمَّا أَحْضَرُوهُمْ أَوْقَفُوهُمْ فِي ٱلْمَجْمَعِ. فَسَأَلَهُمْ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ ٢٨قَائِلًا: «أَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ وَصِيَّةً أَنْ لَا تُعَلِّمُوا بِهَذَا ٱلِٱسْمِ؟ وَهَا أَنْتُمْ قَدْ مَلَأْتُمْ أُورُشَلِيمَ بِتَعْلِيمِكُمْ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْلِبُوا عَلَيْنَا دَمَ هَذَا ٱلْإِنْسَانِ».
- أَوْقَفُوهُمْ فِي ٱلْمَجْمَعِ: كانت تلك محاولة أخرى لتخويف الرُسل برهبة الوقوف أمام سلطات المجمع بكل ما يصاحب ذلك من عظمة. إلا أن الرُسل لم يشعروا بالخوف أو حتى يعجبوا بتلك الهيبة لأنهم كانوا يعلمون جيداً أن الله هو الذي سيحامي عنهم.
- أَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ وَصِيَّةً أَنْ لَا تُعَلِّمُوا بِهَذَا ٱلِٱسْمِ؟: قد سبق وأمروا بطرس ويوحنا ألا يعلموا باسم يسوع (أعمال الرسل ١٧:٤-١٨). ومع ذلك قال كل من بطرس ويوحنا علناً بأنهم سيستمران في تعليم الناس وأنهم سيطيعان الله الذي أمر بذلك أكثر من الناس (أعمال الرسل ١٩:٤-٢٠).
- قَدْ مَلَأْتُمْ أُورُشَلِيمَ بِتَعْلِيمِكُمْ: كان اتهام رئيس الكهنة شهادة رائعة عن فعالية الرسالة التي وعظ بها الرُسل عندما قال: قَدْ مَلَأْتُمْ أُورُشَلِيمَ بِتَعْلِيمِكُمْ.
- وَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْلِبُوا عَلَيْنَا دَمَ هَذَا ٱلْإِنْسَانِ: من الواضح أن القادة الدينيين أرادوا تجنب ذكر اسم يسوع عندما قالوا هَذَا ٱلْإِنْسَانِ ولكنهم لم يتمكنوا من تجنب سلطان يسوع لأن سلطانه كان جلياً للغاية.
- كانت التهمة: تُرِيدُونَ أَنْ تَجْلِبُوا عَلَيْنَا دَمَ هَذَا ٱلْإِنْسَانِ مثيرة للانتباه. لا شك أن رئيس الكهنة أراد أن يقول أن الرسل أرادوا تحميل القادة اليهود مسؤولية صلب يسوع إلى حد ما (كما هو مذكور في أعمال الرسل ٣٢:٢) ولكننا نعلم يقيناً أن الرسل تمنوا أن يؤمن رئيس الكهنة والقادة اليهود بيسوع كما فعل البعض من الكهنة لاحقاً (أعمال الرسل ٧:٦) وأرادوا أن يطهر دم يسوع ويغطي رئيس الكهنة والآخرين في المجمع.
رابعاً. حل قضيتهم أمام القادة اليهود
أ ) الآيات (٢٩-٣٢): شهادة الرُسل أمام السنهدريم
٢٩فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَٱلرُّسُلُ وَقَالُوا: «يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ ٱللهُ أَكْثَرَ مِنَ ٱلنَّاسِ. ٣٠إِلَهُ آبَائِنَا أَقَامَ يَسُوعَ ٱلَّذِي أَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُ مُعَلِّقِينَ إِيَّاهُ عَلَى خَشَبَةٍ. ٣١هَذَا رَفَّعَهُ ٱللهُ بِيَمِينِهِ رَئِيسًا وَمُخَلِّصًا، لِيُعْطِيَ إِسْرَائِيلَ ٱلتَّوْبَةَ وَغُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا. ٣٢وَنَحْنُ شُهُودٌ لَهُ بِهَذِهِ ٱلْأُمُورِ، وَٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ أَيْضًا، ٱلَّذِي أَعْطَاهُ ٱللهُ لِلَّذِينَ يُطِيعُونَهُ».
- يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ ٱللهُ أَكْثَرَ مِنَ ٱلنَّاسِ: يا لها من شجاعة رائعة وتتناقض تماماً من أعضاء المجلس الذين كانوا يخشون من رأي الناس أكثر من رأي الله.
- جواب الرُسل للمجمع لم يكن نوعاً من الدفاع عن النفس أو التماساً لرحمتهم بل كان ببساطة توضيحاً لتصرفاتهم. يعلم العهد الجديد بشكل عام بأن علينا أن نخضع للسلطات ولكن هذا الخضوع وعلى المستوى البشري لا ينبغي أن يكون مطلق ولا يجب أن يكون أهم من طاعتنا لله.
- علينا أن نخضع للسلطات ولكن ليس حينما يناقضون الله. كتب كالفن (Calvin): “إن أراد الأب البشري أن يسلب من الله الإكرام والتعظيم الذي يمكن أن يستحوذ عليه من أولاده فهذا تصرف طبيعي لأنه مجرد إنسان. وإذا أصبح الملك أو الحاكم أو القاضي متغطرساً بحيث يقلل من كرامة وسلطان الله فإنه ليس سوى إنسان أيضاً. وهكذا علينا أن نفكر بالرعاة أيضاً.”
- إِلَهُ آبَائِنَا أَقَامَ يَسُوعَ: قدم بطرس شهادة كاملة عن أساسيات الإيمان المسيحي. فتكلم عن:
- ذنب الإنسان (يَسُوعَ ٱلَّذِي أَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُ).
- موت يسوع (مُعَلِّقِينَ إِيَّاهُ عَلَى خَشَبَةٍ).
- قيامة يسوع (هَذَا رَفَّعَهُ ٱللهُ بِيَمِينِهِ).
- مسؤولية الإنسان في التجاوب مع الرسالة (لِيُعْطِيَ إِسْرَائِيلَ ٱلتَّوْبَةَ وَغُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا).
- أشار بطرس إلى الصليب مستخدماً كلمة خَشَبَةٍ المأخوذة من سفر التثنية ٢٢:٢١-٢٣ وتقول الآية أن الشخص الذي يُعلق على الخشبة هو ملعون من الله. لفت بطرس انتباههم هنا إلى رفضهم ليسوع مشيراً إلى أنهم قتلوه مستخدمين أسوأ الطرق الممكنة سواء من منظور الدولة الرومانية (الصليب) أو من المنظور اليهودي (خَشَبَةٍ).
- “استخدمت كلمة xylon (خَشَبَةٍ) في العصور القديمة لتصف أنواع مختلفة من الأشجار أو الأخشاب كالأعمدة ولتصف الأشياء المصنوعة من الخشب بما في ذلك المشنقة إلا أنها استخدمت في العهد الجديد لتشير إلى صليب المسيح.” لونجنيكر (Longenecker)
- وَنَحْنُ شُهُودٌ لَهُ بِهَذِهِ ٱلْأُمُورِ، وَٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ أَيْضًا: كانت تلك شهادة موثوقة لأنها كانت تستند على شهود العيان كما وأكد عليها الله نفسه.
ب) الآية (٣٣): ردة فعل ٱلْمَجْمَعِ العنيفة
٣٣فَلَمَّا سَمِعُوا حَنِقُوا، وَجَعَلُوا يَتَشَاوَرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُمْ.
- فَلَمَّا سَمِعُوا حَنِقُوا: قدم بطرس والرُسل باختصار توضيحاً للأفكار الرئيسية عن يسوع وماذا فعل من أجلنا جميعاً على الصليب وكيف يجب أن نتجاوب معه ومع ما فعله لأجلنا ولكنهم اشتَعَلَوا غَضَباً: فَلَمَّا سَمِعُوا حَنِقُوا.
- كتب وليامز (Williams): “وصفهم لوقا بصورة معبرة وكأنه يقول أنهم نشروا بالمنشار (في القلب).”
- يمكننا أن نتخيل ماذا دار في ذهنهم. “من أنتم لتطلبوا منا التوبة؟ فنحن لسنا بحاجة لهذا الغفران. لا تلومونا على موت يسوع. ألا تعلمون من نكون؟”
- وَجَعَلُوا يَتَشَاوَرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُمْ: أصدروا حكمهم على الرُسل في تلك اللحظة. لم نقرأ قبلاً أنهم تشاوروا أَنْ يَقْتُلُوهُمْ ولكن الأمر بدى جلياً الآن.
- كتب بويس (Boice): “بما أنهم لم يتمكنوا من دحض الحق الذي أعلنه التلاميذ لجأووا إلى استخدام سلطتهم المجردة. أولاً التهديد وثانياً الضرب. وفي النهاية القتل.”
ج ) الآيات (٣٣-٣٩): نصيحة غَمَالَائِيلُ للسنهدريم
٣٤فَقَامَ فِي ٱلْمَجْمَعِ رَجُلٌ فَرِّيسِيٌّ ٱسْمُهُ غَمَالَائِيلُ، مُعَلِّمٌ لِلنَّامُوسِ، مُكَرَّمٌ عِنْدَ جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ، وَأَمَرَ أَنْ يُخْرَجَ ٱلرُّسُلُ قَلِيلًا. ٣٥ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِسْرَائِيلِيُّونَ، ٱحْتَرِزُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ جِهَةِ هَؤُلَاءِ ٱلنَّاسِ فِي مَا أَنْتُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ تَفْعَلُوا. ٣٦لِأَنَّهُ قَبْلَ هَذِهِ ٱلْأَيَّامِ قَامَ ثُودَاسُ قَائِلًا عَنْ نَفْسِهِ: إِنَّهُ شَيْءٌ، ٱلَّذِي ٱلْتَصَقَ بِهِ عَدَدٌ مِنَ ٱلرِّجَالِ نَحْوُ أَرْبَعِمِئَةٍ، ٱلَّذِي قُتِلَ، وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ ٱنْقَادُوا إِلَيْهِ تَبَدَّدُوا وَصَارُوا لَا شَيْءَ. ٣٧بَعْدَ هَذَا قَامَ يَهُوذَا ٱلْجَلِيلِيُّ فِي أَيَّامِ ٱلِٱكْتِتَابِ، وَأَزَاغَ وَرَاءَهُ شَعْبًا غَفِيرًا. فَذَاكَ أَيْضًا هَلَكَ، وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ ٱنْقَادُوا إِلَيْهِ تَشَتَّتُوا. ٣٨وَٱلْآنَ أَقُولُ لَكُمْ: تَنَحَّوْا عَنْ هَؤُلَاءِ ٱلنَّاسِ وَٱتْرُكُوهُمْ! لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ هَذَا ٱلرَّأْيُ أَوْ هَذَا ٱلْعَمَلُ مِنَ ٱلنَّاسِ فَسَوْفَ يَنْتَقِضُ، ٣٩وَإِنْ كَانَ مِنَ ٱللهِ فَلَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْقُضُوهُ، لِئَلَّا تُوجَدُوا مُحَارِبِينَ لِلهِ أَيْضًا».
- رَجُلٌ فَرِّيسِيٌّ ٱسْمُهُ غَمَالَائِيلُ: كان غمالائيل حفيد هليل المعلم اليهودي الموقر وهو مؤسس أشهر مدرسة في إسرائيل لتعليم الناموس. لُقب غَمَالَائِيل بلقب Rabban (أي معلمنا) وهي مرتبة أعلى من لقب Rab(أي المعلم) أو Rabbi (أي مُعلمي).
- نقرأ في المشناه (Mishnah) عن غمالائيل: “منذ أن مات المعلم غمالائيل العظيم لم نعد نحترم الناموس ومات معه الطهر والنقاء أيضاً.”
- من المهم أن نلاحظ أن غمالائيل كان فَرِّيسِياً. كان الصدوقيون يتمتعون بسلطة سياسية أكبر (أعمال الرسل ١٧:٥) ولكن كان من الحماقة سياسياً أن يطلبوا من الرومان إعدام الرُسل دون دعم من الفريسيين.
- لِأَنَّهُ قَبْلَ هَذِهِ ٱلْأَيَّامِ قَامَ ثُودَاسُ: ذكر يوسيفوس المؤرخ اليهودي شخصية تُدعى ثُودَاسُ الذي قاد عصياناً يوماً ولكن قبل تلك الأيام بكثير. ومن المحتمل أن تكون التواريخ مختلطة عند يوسيفوس أو أن هذا كان ثُودَاسُ مختلف (حيث كان الاسم شائعاً حينها). أما وصف يوسيفوس عن يَهُوذَا ٱلْجَلِيلِيُّ (حسب كتب التاريخ اليهودي (Antiquities, ١٨.١.١,٢,٦ and ٢٠.٥.٢ يشير إلى أنه قد يكون نفس الشخصية المذكورة هنا.
- لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ هَذَا ٱلرَّأْيُ أَوْ هَذَا ٱلْعَمَلُ مِنَ ٱلنَّاسِ فَسَوْفَ يَنْتَقِضُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ ٱللهِ فَلَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْقُضُوهُ، لِئَلَّا تُوجَدُوا مُحَارِبِينَ لِلهِ أَيْضًا: تكلم غمالائيل نيابة عن نفسه وليس نيابة عن الله. فهناك العديد من الحركات التي يمكن اعتبارها ناجحة من وجهة نظر بشرية ولكنها في الحقيقة تعمل ضد الحق الإلهي. فالنجاح ليس هو المقياس النهائي.
- كان غمالائيل محايداً وطلب منهم أن ينتظروا إن كان يسوع والرسل حقاً من الله. ولكن هل كان يحتاج أن يسمع شهادة أعظم من قيامة يسوع ومعجزات الرُسل؟ اتخذ غمالائيل موقف “الانتظار والترقب” بينما كان هناك الكثير من الأدلة.
- اقترح غمالائيل اختبار الزمن وهذا اختبار هامٌ طبعاً ولكن اختبار الأبدية أهم بكثير من اختبار الزمن.
- كتب ستوت (Stott): “لا ينبغي أن نسرع في مدح غمالائيل لأنه قدم مبدأ ثابت. فمبدأ غمالائيل ليس مؤشراً يمكن الاعتماد عليه لتحديد ما هو من الله وما هو ليس كذلك.”
هـ) الآيات (٤٠-٤٢): يستأنف الرُسل خدمتهم بفرح حتى بعد تعرضهم للجلد
٤٠فَٱنْقَادُوا إِلَيْهِ. وَدَعَوْا ٱلرُّسُلَ وَجَلَدُوهُمْ، وَأَوْصَوْهُمْ أَنْ لَا يَتَكَلَّمُوا بِٱسْمِ يَسُوعَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمْ.٤١وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ ٱلْمَجْمَعِ، لِأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ ٱسْمِهِ. ٤٢وَكَانُوا لَا يَزَالُونَ كُلَّ يَوْمٍ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَفِي ٱلْبُيُوتِ مُعَلِّمِينَ وَمُبَشِّرِينَ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.
- وَدَعَوْا ٱلرُّسُلَ وَجَلَدُوهُمْ: اعتقد القادة أن بإمكانهم أن يرهبوا الرُسل بالجلد. ولكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً فمضوا من أمامهم فَرِحِينَ. لم يكونوا فَرِحِينَ لأنهم تألموا ولكن لِأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ ٱسْمِهِ. يا له من شرف عظيم أن تُحسب مع يسوع بأي ظرف من الظروف حتى وإن تعرضت للإهانة مِنْ أَجْلِ ٱسْمِهِ.
- كتب مارشال (Marshall) تعليقاً على كلمة جَلَدُوهُمْ كما يلي: “لم يكن ذلك عقاباً بسيطاً فقد مات البعض نتيجة الجلد أحياناً. كان المقصود من عقوبة الجلد تعليم الجناة درساً قاسياً.”
- كتب هيوز (Hughes): “تم التوصل إلى حل وسط بسبب عقلانية غمالائيل وأطلق سراح الرسل بكل سهولة. ولكنه لم يكن من السهل تلقي ٣٩ جلدة.”
- وَكَانُوا لَا يَزَالُونَ كُلَّ يَوْمٍ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَفِي ٱلْبُيُوتِ مُعَلِّمِينَ وَمُبَشِّرِينَ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ: أياً كانت الجلدات والإهانات التي تلقوها من السنهدريم فلم تنفع شيئاً على الإطلاق واستمر الرُسل في الكرازة ولم يتوقفوا للحظة.
- ما حدث يضع تحدي أمام كل تابع ليسوع. فقد استمر الرُسل من حيث كنا سنتوقف نحن. كثيراً ما نشعر بالتهديد من الرفض الاجتماعي مما يدفعنا إلى السكوت وعدم المشاركة عن يسوع وما فعله لأجلنا. نحن بحاجة للتحلي بشجاعة الرُسل والعزم على الوقوف بثبات ليسوع المسيح.
- تكلم سبيرجن (Spurgeon) عن القلب الجريء: “اشجع كل مؤمن على التكلم بجرأة باسم المسيح كلما سنحت له الفرصة وأن يتخلص من الشعور الطبيعي بالخوف الذي يدفعنا كي نعمل بجهد لتخليص أنفسنا من المتاعب. لا تخافوا؛ تشجعوا بالمسيح. عيشوا بشجاعة من أجل ذاك الذي مات بدافع محبته لكم.”
- وتحدى سبيرجن القلب الجبان: “أنت جبان. ستشعر حتماً بالخجل الشديد إن دعاك أحدهم بالجبان رغم أنك لا تشعر بالخجل في الحديث عن أي موضوع آخر. يا له من أمر مخجل أن تكون جريئاً في كل شيء ما عدا شهادتك عن يسوع المسيح. فلا تكون شجاعاً بما يتعلق بأمور العالم وجباناً فيما يتعلق بأمور يسوع.”