أعمال الرس الإصحاح ١٥
مجمع أورشليم
أولاً. نزاع قَوْمٌ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ مع بولس وبرنابا
أ ) الآية (١): قَوْمٌ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ يعرضون قضيتهم
١وَٱنْحَدَرَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ، وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ ٱلْإِخْوَةَ أَنَّهُ: «إِنْ لَمْ تَخْتَتِنُوا حَسَبَ عَادَةِ مُوسَى، لَا يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَخْلُصُوا».
- وَٱنْحَدَرَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ، وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ ٱلْإِخْوَةَ أَنَّهُ: «إِنْ لَمْ تَخْتَتِنُوا حَسَبَ عَادَةِ مُوسَى، لَا يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَخْلُصُوا»: جاء المؤمنون من أصل يهودي (المتهودون) إلى الكنيسة في أنطاكية وعلموا إمكانية خلاص الأمم ولكن ليس قبل أن يصبحوا يهوداً أولاً وأن يخضعوا للطقوس اليهودية بما في ذلك الختان.
- واجه بعض المؤمنون اليهود صعوبة في تقبل الأمم كأعضاء متساوون في الكنيسة دون حفظهم لناموس موسى. كتب ويليامز (Williams): “فمن جهة كان مقبولاً نوعاً ما دخول الأمم المتهودين إلى الكنيسة من حين لآخر (وهم ٱلْأُمَم الذين اعتنقوا الديانة اليهودية واحترموا الطقوس) أما من جهة أخرى كان الترحيب بالأعداد الهائلة من ٱلْأُمَم المؤمنين في الكنيسة الذين لم يحفظوا الناموس أمراً مختلفاً تماماً.”
- وَٱنْحَدَرَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ، وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ ٱلْإِخْوَةَ: شعر قَوْمٌ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ بالحاجة لتوصيل قناعاتهم الخاصة للمؤمنين الآخرين وقطعوا المسافة من اليهودية إلى أَنْطَاكِيَةَ لنقل هذه الرسالة إلى الإخوة.
- حكم هؤلاء الرجال مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ سلباً على كل المساعي الكرازية التي قام بها بولس وبرنابا. فقد أسس بولس ورنابا في رحلتهم التبشيرية الأخيرة كنائس بين الأمم دون أن يتهودوا أو يحفظوا ناموس موسى. قال هؤلاء الرجال مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ إن بولس وبرنابا كانا مخطئين في عملهم هذا.
- عندما وعظ بولس في مدينة أَنْطَاكِيَةِ بِيسِيدِيَّةَ هذه الرسالة: فَاعلَمُوا أيُّها الإخوَةُ أنَّنا نُنادِي لَكُمْ بِغُفرانِ الخَطايا مِنْ خِلالِ يَسُوعَ. لَقَدْ عَجِزَتْ شَرِيعَةُ مُوسَى أنْ تُحَرِّرَكُمْ مِنْ خَطاياكُمْ، أمّا كُلُّ مَنْ يُؤمِنُ بِيَسُوعَ فَإنَّهُ يَتَحَرَّرُ مِنْها (أعمال الرسل ٣٨:١٣-٣٩ الترجمة العربية المبسطة)، كان هؤلاء الرجال مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ سيعترضون قائلين: “صحيح حلصنا يسوع ولكن ليس قبل أن نتمم ناموس موسى.” ولكن علَمَ بولس أن الطريقة الوحيدة للتصالح مع الله مبنية فقط على أساس ما فعله يسوع على الصليب.
- لَا يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَخْلُصُوا: لم يكن هذا موضوعاً جانبياً بل كان له علاقة مباشرة بالخلاص نفسه وبكيفية تصالح الإنسان مع الله. لا يجوز أن يكون أمر الخلاص موضع خلاف بين المؤمنين. ولا يجوز أن يؤمن البعض بوجوب الخضوع للناموس وأن يقول الآخرين أنه أمر غير ضروري. كان هذا نزاع يتعلق بجوهر المسيحية وكان لا بد من حله.
- يمكننا أن نتخيل كيف سيستغل الشيطان هذا الوضع: سيرغب أولاً بنجاح التَعَالِيمَ المُضِلَّة التي تنادي الخلاص بالأعمال. وإن لم ينجح بذلك سيشعل حرب عقائدية شرسة تؤدي إلى انقسام الكنيسة وانتشار المرارة في صفوفها. كان هذا أكبر تهديد للخدمة شهده سفر أعمال الرسل.
ب) الآيات (٢-٤): رد بولس وبرنابا على تعليم هؤلاء الرجال من اليهودية
٢فَلَمَّا حَصَلَ لِبُولُسَ وَبَرْنَابَا مُنَازَعَةٌ وَمُبَاحَثَةٌ لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ مَعَهُمْ، رَتَّبُوا أَنْ يَصْعَدَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَأُنَاسٌ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِلَى ٱلرُّسُلِ وَٱلْمَشَايِخِ إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ ٱلْمَسْأَلَةِ. ٣فَهَؤُلَاءِ بَعْدَ مَا شَيَّعَتْهُمُ ٱلْكَنِيسَةُ ٱجْتَازُوا فِي فِينِيقِيَةَ وَٱلسَّامِرَةِ يُخْبِرُونَهُمْ بِرُجُوعِ ٱلْأُمَمِ، وَكَانُوا يُسَبِّبُونَ سُرُورًا عَظِيمًا لِجَمِيعِ ٱلْإِخْوَةِ. ٤وَلَمَّا حَضَرُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبِلَتْهُمُ ٱلْكَنِيسَةُ وَٱلرُّسُلُ وَٱلْمَشَايِخُ، فَأَخْبَرُوهُمْ بِكُلِّ مَا صَنَعَ ٱللهُ مَعَهُمْ.
- فَلَمَّا حَصَلَ لِبُولُسَ وَبَرْنَابَا مُنَازَعَةٌ وَمُبَاحَثَةٌ لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ مَعَهُمْ: كان ردهم الأول هو الإقناع (تقديم الحُجَّةَ والدَّليلَ). يبدو واضحاً أنه حدث مَعَهُمْ مُنَازَعَةٌ وَمُبَاحَثَةٌ لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ ولكن هذا لم يجعلهم يتخليا بسهولة عما اختبراه من عمل الرب العظيم بين الأمم.
- عكست طريقة تجاوب بولس وبرنابا قلبهم الرعوي الصحيح: واجهوا وناقشوا الذين أصروا على تعزيز التَعَالِيمَ المُضِلَّةً في الكنيسة.
- رَتَّبُوا أَنْ يَصْعَدَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَأُنَاسٌ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِلَى ٱلرُّسُلِ وَٱلْمَشَايِخِ إِلَى أُورُشَلِيمَ: ذهب كل من بولس وبرنابا إلى أورشليم لِبَحثِ هذه المسألة مع ٱلرُّسُلِ وَٱلْمَشَايِخِ عندما فشلت كل المحاولات في إقناعهم. كان صعباً عليهم أن يتفقوا على ألا يتفقوا بشأن هذه المسألة لأنها كانت نقطة جوهرية.
- من هم الذين رَتَّبُوا أَنْ يَصْعَدَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا إلى أورشليم لِبَحثِ هَذِهِ المَسألَةِ؟ يبدو أن هذا يشير إلى الكنيسة في أنطاكية بشكل عام حيث انتشر هذا التعليم المُضل. وهذا ما تقترحه الجملة بَعْدَ مَا شَيَّعَتْهُمُ ٱلْكَنِيسَةُ.
- وَكَانُوا يُسَبِّبُونَ سُرُورًا عَظِيمًا لِجَمِيعِ ٱلْإِخْوَةِ: عندما ذهب بولس وبرنابا إلى أورشليم استقبل الكثير من الإخوة خبر خلاص الأمم بفرح شديد. وكان هذا على النقيض من ردة فعل الرجال من اليهودية.
ج ) الآية (٥): تأكيد الرجال من اليهودية على تعاليمهم
٥وَلَكِنْ قَامَ أُنَاسٌ مِنَ ٱلَّذِينَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا مِنْ مَذْهَبِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ، وَقَالُوا: «إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَنُوا، وَيُوصَوْا بِأَنْ يَحْفَظُوا نَامُوسَ مُوسَى».
- وَلَكِنْ قَامَ أُنَاسٌ مِنَ ٱلَّذِينَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا مِنْ مَذْهَبِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ: العديد من الذين قاوموا بولس وبرنابا كانوا من أتباع مَذْهَبِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ المعروفين باحترامهم الشديد للناموس ورغبتهم في تطبيقه بحذافيره.
- كان يؤمن الفريسيون بالتبرير بحفظ الناموس. ولكي يصبح الفريسي مؤمناً حقاً كان عليه أن يفعل أكثر من مجرد الاعتراف بأن يسوع هو المسيا المخلص، كان عليه أيضاً أن يتخلى عن كل المحاولات لتبرير نفسه بحفظ الناموس وأن يقبل عمل يسوع على الصليب كالأساس الوحيد لتبرير.
- رفض بولس وبرنابا في لسترة السماح للوثنيين بإضافة يسوع إلى عبادتهم للآلهة الرومانية وطالبوا أن يتركوا عبادتهم للآلهة الزائفة ويتمسكوا بالإله الحي الحقيقي (أعمال الرسل ١٤:١٤-١٥). وكان على هؤلاء الفريسيون الذين أصبحوا مسيحيين أن يفعلوا الشيء ذاته: أن يتخلوا عن جهودهم لكسب رضى الله من خلال حفظ الناموس وينظروا إلى يسوع. فلا يمكنك إضافة يسوع لمعتقداتك وتقول: “ساعدني يا يسوع كي أبرر نفسي من خلال حفظ الناموس.”
- كان بولس فريسياً (فيلبي ٥:٣) ثم أصبح مسيحياً مؤمناً وعرف مع الوقت أن يسوع لن يساعده ليصبح فريسياً أفضل بل سيجعله أفضل من ذلك بكثير. عرف أن يسوع هو خلاصه الوحيد وليس الطريق إلى الخلاص. كتب بولس: “إِذْ نَعْلَمُ أَنَّ ٱلْإِنْسَانَ لَا يَتَبَرَّرُ بِأَعْمَالِ ٱلنَّامُوسِ، بَلْ بِإِيمَانِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، آمَنَّا نَحْنُ أَيْضًا بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، لِنَتَبَرَّرَ بِإِيمَانِ يَسُوعَ لَا بِأَعْمَالِ ٱلنَّامُوسِ. لِأَنَّهُ بِأَعْمَالِ ٱلنَّامُوسِ لَا يَتَبَرَّرُ جَسَدٌ مَا” (غلاطية ١٦:٢).
- «إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَنُوا، وَيُوصَوْا بِأَنْ يَحْفَظُوا نَامُوسَ مُوسَى»: عَلَمَ هؤلاء الفريسيون أمرين. أولاً، على الأمم المتجددين أن يعتنقوا الديانة اليهودية عن طريق الختان. ثانياً، على الأمم المتجددين أن يَحْفَظُوا نَامُوسَ مُوسَى ويطبقونه حرفياً إن أرادوا التمتع بعلاقة حية مع الله ويكونوا جزءاً من المجتمع المسيحي.
- كان تعليمهم في الأساس كالتالي: “يستطيع الأمم الإيمان بيسوع ونحن نرحب بهم ونريدهم أن يفعلوا ذلك. ولكن عليهم أولاً حفظ الناموس حرفيًا قبل الدخول في الإيمان بيسوع. سمح بولس وبرنابا وآخرون للأمم أن يأتوا إلى يسوع دون ناموس موسى.”
- «إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَنُوا، وَيُوصَوْا بِأَنْ يَحْفَظُوا نَامُوسَ مُوسَى»: نستطيع أن نتخيل الحجة التي استخدموها من العهد القديم لدعم هذا التعليم. وربما قالوا أن شعب إسرائيل كان دائماً شعب الله المختار وعلى الأمم أن يصبحوا جزءً من شعب إسرائيل إن أرادوا أن يكونوا جزءً من شعب الله.
- قد تكون الآيات التي اقتبسها ٱلَّذِينَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا مِنْ مَذْهَبِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ لدعم موقفهم من سفر الخروج ٤٨:١٢-٤٩ وإشعياء ٦:٥٦. قد تستخدم هذه المقاطع للقول أن العهد الذي دعا للإنضمام الأمم كان عهد الختان.
ثانياً. مجلس أورشليم
أ ) الآيات (٦-١١): بطرس الرسول يقدم رأيه في خضم المباحثة الكثيرة
٦فَٱجْتَمَعَ ٱلرُّسُلُ وَٱلْمَشَايِخُ لِيَنْظُرُوا فِي هَذَا ٱلْأَمْرِ. ٧فَبَعْدَ مَا حَصَلَتْ مُبَاحَثَةٌ كَثِيرَةٌ قَامَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِخْوَةُ، أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنْذُ أَيَّامٍ قَدِيمَةٍ ٱخْتَارَ ٱللهُ بَيْنَنَا أَنَّهُ بِفَمِي يَسْمَعُ ٱلْأُمَمُ كَلِمَةَ ٱلْإِنْجِيلِ وَيُؤْمِنُونَ. ٨وَٱللهُ ٱلْعَارِفُ ٱلْقُلُوبَ، شَهِدَ لَهُمْ مُعْطِيًا لَهُمُ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ كَمَا لَنَا أَيْضًا. ٩وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِشَيْءٍ، إِذْ طَهَّرَ بِٱلْإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ. ١٠فَٱلْآنَ لِمَاذَا تُجَرِّبُونَ ٱللهَ بِوَضْعِ نِيرٍ عَلَى عُنُقِ ٱلتَّلَامِيذِ لَمْ يَسْتَطِعْ آبَاؤُنَا وَلَا نَحْنُ أَنْ نَحْمِلَهُ؟ ١١لَكِنْ بِنِعْمَةِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ نُؤْمِنُ أَنْ نَخْلُصَ كَمَا أُولَئِكَ أَيْضًا».
- فَٱجْتَمَعَ ٱلرُّسُلُ وَٱلْمَشَايِخُ لِيَنْظُرُوا فِي هَذَا ٱلْأَمْرِ: اجتمع القادة لحسم المسألة ولم يتجاهلوها ولم يتركوها لضمير كل مؤمن، كان ٱلْأَمْرِ أهم من أن يفعلوا ذلك.
- كان السؤال الذي طرحه مجلس أورشليم هام للغاية: هل يتصالح المؤمن مع الله بالإيمان فقط أم بمزيجٍ من الإيمان والطاعة لناموس موسى؟ هل عمل يسوع كافٍ لخلاص الشخص الذي يضع ثقته بيسوع أم علينا إضافة أعمالنا الصالحة لعمل يسوع لكي نتصالح مع الله؟
- بوجود العديد من القضايا العقائدية الكبيرة اليوم ربما هذا النوع من “المحاكمة” العامة للعقائد سيكون مفيداً للغاية.
- فَبَعْدَ مَا حَصَلَتْ مُبَاحَثَةٌ كَثِيرَةٌ: يا ليتنا كنا هناك لنرى هذا الأمر المدهش. من الرائع أن نرى مؤمنين يدخلون في مُبَاحَثَةٌ جادة لإثبات الحق! وبعد ما حصلت مباحثة كثيرة قَامَ بطرس بالتعبير عن رأيه بخصوص هذه المسألة باعتباره واحداً من الرسل الأوائل.
- أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِخْوَةُ، أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنْذُ أَيَّامٍ قَدِيمَةٍ: بدأ بطرس بدرس في التاريخ وسرد فيه عن عمل الله الذي سبق وفعله. وأشار إلى قبول ٱللهُ للأمم دون الحاجة إلى الختان (ٱللهُ ٱلْعَارِفُ ٱلْقُلُوبَ، شَهِدَ لَهُمْ مُعْطِيًا لَهُمُ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ كَمَا لَنَا أَيْضًا). فإن شَهِدَ (اعترف) الله أن هؤلاء الأمم شركاء بالكامل في عمله أفيجوز للكنيسة أن تعترض؟ إن قبلهم الله فعلى الكنيسة أن تقبلهم أيضاً.
- قدم بطرس ملاحظة هامة حينما قال: “وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ.” تعلم بطرس هذا المبدأ من الرؤيا التي شاهدها عن الحيوانات من كل نوع: وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَرَانِي ٱللهُ أَنْ لَا أَقُولَ عَنْ إِنْسَانٍ مَا إِنَّهُ دَنِسٌ أَوْ نَجِسٌ (أعمال الرسل ٢٨:١٠). اعتقد الفريسيين بأن الأمم كانوا أنجاساً بطبيعتهم (غير أنقياء) وعليهم أن يصبحوا أنقياء عن طريق حفظ الناموس.
- إِذْ طَهَّرَ بِٱلْإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ: وضح بطرس هنا أن القلب يتطهر بِٱلْإِيمَانِ وليس بحفظ الناموس. إِذْ طَهَّرَ الله قلوبهم بالإيمان فلا حاجة للتطهير (للتنقية) من خلال ممارسة الطقوس الموجودة في ناموس موسى. فالمؤمنون لم ينالوا الخلاص بالإيمان فحسب بل أصبحوا أبراراً بالإيمان أيضاً.
- لِمَاذَا تُجَرِّبُونَ ٱللهَ بِوَضْعِ نِيرٍ عَلَى عُنُقِ ٱلتَّلَامِيذِ لَمْ يَسْتَطِعْ آبَاؤُنَا وَلَا نَحْنُ أَنْ نَحْمِلَهُ؟: يرد بطرس هنا بحكمة على اعتراض آخر. قد يسأل البعض: “ما هي المشكلة في تطبيق الأمم للناموس؟” كان بطرس محقاً عندما قال أن الناموس نِيرٍ لَمْ يَسْتَطِعْ آبَاؤُنَا وَلَا نَحْنُ أَنْ نَحْمِلَهُ.
- نظرة سريعة على تاريخ شعب إسرائيل يبرهن هذا الكلام. فمنذ البداية وعند ولادة أمة إسرائيل في جبل سيناء نراهم يكسرون الناموس بعبادة العجل الذهبي. ونراهم في نهاية تاريخ العهد القديم يستمرون في كسر الوصايا بتجاهل السبت والزواج من الأجنبيات (سفر نحميا ١٣). فشعب إسرائيل من البداية وحتى النهاية لم يتمكن من حمل نِير الناموس.
- أولئك الذين كانوا قد آمنوا من الفريسيينَ ارتكبوا خطأً فادحاً. نظروا إلى تاريخ شعب إسرائيل تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ بحنين للماضي وليس بواقعية. ولكن إذا دققوا بعناية وبصدق في فشل إسرائيل تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ لما أسرعوا في وضع الأمم تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ أيضاً.
- قدم بولس نفس الحجة في غلاطية ٢:٣-٣. إن كان الناموس لا يُخلص فلماذا نرجع إليه كالمبدأ الذي نعيش على أساسه؟ إن عودتنا للناموس يسيء إلى الله في ضوء عمل يسوع الكامل والنهائي على الصليب. لهذا سأل بطرس: “لِمَاذَا تُجَرِّبُونَ ٱللهَ؟”
- لَكِنْ بِنِعْمَةِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ نُؤْمِنُ أَنْ نَخْلُصَ كَمَا أُولَئِكَ أَيْضًا. اختتم بطرس كلامه بالقول أننا جميعاً (اليهود والأمم) خلُصنا بالنعمة وليس بطاعة الناموس. فإن تصالحنا مع الله بالنعمة إذاً نحن مخلصون بالنعمة فقط وليس بالنعمة وبحفظ الناموس.
- أصر بطرس أن هناك طريقة وحيدة للخلاص عندما قال: أَنْ نَخْلُصَ (أي اليهود) كَمَا أُولَئِكَ (أي الأمم) أَيْضًا. فالمؤمنين من أصل يهودي لم ينالوا الخلاص ولو جزئياً عن طريق حفظهم للناموس بل لأنهم تصالحوا مع الله كما تصالح الأمم مع الله: بِنِعْمَةِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.
- كتب بويس (Boice): “في الأوضاع الطبيعي سيقول بطرس اليهودي هذا الكلام ولكن بطريقة مختلفة. إن قال هذا الكلام كشخص يهودي تصبح الجملة كالتالي: نؤمن أنه بإمكانهم الخلاص بالنعمة بالإيمان وهكذا يصبحون مثلنا نحن اليهود المتمسكين بالناموس.‘” ولكن بطرس عكس الجملة وقال أن الجميع يخلصون بالنعمة وبالإيمان فقط اليهود والأمم.
ب) الآية (١٢): شارك بولس وبرنابا عن عمل الله بين الأمم وأكدا على كلام بطرس عن عمل الله بينهم
١٢فَسَكَتَ ٱلْجُمْهُورُ كُلُّهُ. وَكَانُوا يَسْمَعُونَ بَرْنَابَا وَبُولُسَ يُحَدِّثَانِ بِجَمِيعِ مَا صَنَعَ ٱللهُ مِنَ ٱلْآيَاتِ وَٱلْعَجَائِبِ فِي ٱلْأُمَمِ بِوَاسِطَتِهِمْ.
- فَسَكَتَ ٱلْجُمْهُورُ كُلُّهُ. وَكَانُوا يَسْمَعُونَ: هذا دليل على أن هؤلاء الرجال كانوا يملكون قلباً مستقيماً رغم الاختلافات. وكانت لديهم رغبة في الاستماع والاقتناع إن كانوا على خطأ.
- يُحَدِّثَانِ بِجَمِيعِ مَا صَنَعَ ٱللهُ مِنَ ٱلْآيَاتِ وَٱلْعَجَائِبِ فِي ٱلْأُمَمِ بِوَاسِطَتِهِمْ: أكد برنابا وبولس نقطة بطرس السابقة وقالوا: “إن قَبِلَ الله الأمم ألا ينبغي أن نقبلهم نحن أيضاً؟”
ج) الآيات (١٣-٢١): يعقوب أخو يسوع يدعم كلام بطرس وبولس
١٣وَبَعْدَمَا سَكَتَا أَجَابَ يَعْقُوبُ قَائِلًا: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِخْوَةُ، ٱسْمَعُونِي. ١٤سِمْعَانُ قَدْ أَخْبَرَ كَيْفَ ٱفْتَقَدَ ٱللهُ أَوَّلًا ٱلْأُمَمَ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ شَعْبًا عَلَى ٱسْمِهِ. ١٥وَهَذَا تُوافِقُهُ أَقْوَالُ ٱلْأَنْبِيَاءِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: ١٦سَأَرْجِعُ بَعْدَ هَذَا وَأَبْنِي أَيْضًا خَيْمَةَ دَاوُدَ ٱلسَّاقِطَةَ، وَأَبْنِي أَيْضًا رَدْمَهَا وَأُقِيمُهَا ثَانِيَةً، ١٧لِكَيْ يَطْلُبَ ٱلْبَاقُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ ٱلرَّبَّ، وَجَمِيعُ ٱلْأُمَمِ ٱلَّذِينَ دُعِيَ ٱسْمِي عَلَيْهِمْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلصَّانِعُ هَذَا كُلَّهُ. ١٨مَعْلُومَةٌ عِنْدَ ٱلرَّبِّ مُنْذُ ٱلْأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ. ١٩لِذَلِكَ أَنَا أَرَى أَنْ لَا يُثَقَّلَ عَلَى ٱلرَّاجِعِينَ إِلَى ٱللهِ مِنَ ٱلْأُمَمِ، ٢٠بَلْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ نَجَاسَاتِ ٱلْأَصْنَامِ، وَٱلزِّنَا، وَٱلْمَخْنُوقِ، وَٱلدَّمِ. ٢١لِأَنَّ مُوسَى مُنْذُ أَجْيَالٍ قَدِيمَةٍ، لَهُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ مَنْ يَكْرِزُ بِهِ، إِذْ يُقْرَأُ فِي ٱلْمَجَامِعِ كُلَّ سَبْتٍ».
- وَبَعْدَمَا سَكَتَا: وهذا دليل آخر على نقاء قلب هؤلاء الرجال الذين عارضوا بولس وبرنابا. كانوا على استعداد للإقْتِناع ولم يجادلوا بلا هدف بل أبدوا استعداداً للاعتراف بالذنب.
- أَجَابَ يَعْقُوبُ قَائِلًا: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِخْوَةُ، ٱسْمَعُونِي»: لم يكن هذا الرسول يعقوب الذي استشهد في أعمال الرسل ٢:١٢ بل يعقوب المعروف حسب التقاليد بالأخ غير الشقيق ليسوع (متى ٥٥:١٣) وبشقيق يهوذا (رسالة يهوذا ١) وكاتب رسالة يعقوب (١:١).
- علّقَ بروس (Bruce) على قيادة يعقوب: “استعداد الكنيسة للاعتراف بقيادة يعقوب كان يرجع لشخصيته وسمعته الطيبة أكثر من صلة القرابة التي تربطه بيسوع.”
- كتب بويس (Boice): “من المثير للإهتمام أن يعقوب كان هو رئيس المجلس وليس بطرس.”
- كَيْفَ ٱفْتَقَدَ ٱللهُ أَوَّلًا ٱلْأُمَمَ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ شَعْبًا عَلَى ٱسْمِهِ: بدأ يعقوب بالتأكيد على فكرة أن لله شَعْبًا بين الأمم. وهذا من شأنه أن يدهش معظم اليهود المتزمتين في ذلك الوقت.
- الكلمة اليونانية القديمة ٱلْأُمَمَ هي إثن (ethne) والكلمة اليونانية القديمة شَعْبًا في هذا المقطع هي لاوس (laos). اعتبر اليهود أنفسهم لاوس الله (شعب الله) وليس إثن (الأمم). كانت هذه الكلمات بالنسبة لهم شيئان متناقضان. لهذا كان تحدياً بالنسبة لهم أن يسمعوا أن الله ٱفْتَقَدَ أَوَّلًا ٱلْأُمَمَ (إثنِ ethne) لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ شَعْبًا (لاوس laos).
- كتب مارشال (Marshall): “المفارقة الجوهرية بين الكلمتين (الأمم) و(الشعب) مدهشة. كانت الأخيرة تستخدم كثيراً للإشارة إلى اليهود كشعب الله على النقيض من الأمم. شعب الله مُطالب الآن أن يشمل الأمم معه.”
- وَهَذَا تُوافِقُهُ أَقْوَالُ ٱلْأَنْبِيَاءِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: قيَّمَ يعقوب هذه الخدمة الجديدة بنفس الطريقة التي ينبغي أن نقيَّمَ فيها أي خدمة جديدة. فتش الكتب المقدسة: كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ.
- وَجَمِيعُ ٱلْأُمَمِ ٱلَّذِينَ دُعِيَ ٱسْمِي عَلَيْهِمْ: يوضح النص الذي اقتبسه يعقوب من سفر عاموس ١١:٩-١٢ في الواقع أن الخلاص قادم للأمم. وهذا برهان على أن ما فعله الله بين الأمم كان له أساس كتابي.
- العديد من الأشياء تعتبر اليوم كتابية إن كانت ببساطة لا تتعارض مع الكتاب المقدس رغم عدم وجود أي أساس كتابي لها. كانت السلطة الخارجية بالنسبة ليعقوب والبقية ستحل هذا الجدل وهذه السلطة الخارجية هي كلمة الله.
- كتب ستوت (Stott): “ليس لمجالس الكنيسة أي سلطة على الكنيسة إلا إذا كانت استنتاجاتهم تتناغم مع الكتاب المقدس.”
- سَأَرْجِعُ بَعْدَ هَذَا وَأَبْنِي أَيْضًا خَيْمَةَ دَاوُدَ ٱلسَّاقِطَةَ: عندما اقتبس يعقوب نبوة عاموس ١١:٩-١٢ عن إعادة بناء خيمة داود الساقطة تذكر أن اليهودية قد سقطت في زمنه أي أنها رفضت المسيا. ويريد الله الآن إعادة بناء هذا العمل بالتركيز على كنيسة مكونة من اليهود والأمم معاً.
- وَجَمِيعُ ٱلْأُمَمِ ٱلَّذِينَ دُعِيَ ٱسْمِي عَلَيْهِمْ: أكد الله عندما قال أنه يوجد أمم دُعِيَ ٱسْمِه عَلَيْهِمْ على حقيقة أنهم لا زالوا من الأمم ولم يصبحوا يهوداً. وبالتالي لا يحتاج الأمم أن يصبحوا يهوداً وأن يحفظوا الناموس لكي يتصالحوا مع الله.
- لِذَلِكَ أَنَا أَرَى: تُبين صيغة الجملة هنا أن يعقوب يملك سلطة عليا في الكنيسة وكان يحظى باحترام خاص كالقائد أو كالراعي الرئيسي في كنيسة أورشليم.
- يأتي تعبير اللغة اليونانية القديمة أكثر قوة هنا: “اتخذت قراري” أو “عقدت العزم” (المفسر Expositor’s). وعلاوة على ذلك وعندما أعلن يعقوب قراره كان نتيجة لإتفاق الجميع (أعمال ٢٥:١٥ رَأَيْنَا وَقَدْ صِرْنَا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ). من الواضح أن قيادة يعقوب أيدها جميع الحاضرين.
- كتب كلارك (Clarke): “تجادل الآخرون حول الموضوع أو قدموا آرائهم أما يعقوب فأعلن القرار النهائي.”
- أَنْ لَا يُثَقَّلَ عَلَى ٱلرَّاجِعِينَ إِلَى ٱللهِ مِنَ ٱلْأُمَمِ: وكأنه يقول: “دعوهم وشأنهم. لَا ينبغي أَنْ نُصَعِّبَ الْأُمُورَ على الأمم الَّذِينَ يَرْجِعُونَ إِلَى اللهِ.” قرر يعقوب في الخلاصة أن ما فعله كل من بطرس وبرنابا وبولس كان صحيحاً وأن المُؤمِنِينَ المُنتَمِينَ إلَى جَماعَةِ الفِرِّيْسِيِّينَ كانوا على خطأ.
- كتب بويس (Boice): “أشار الإصلاحيون البروتستانت بحكمة وبصرامة إلى أن المجالس تخطئ عادة وستظل تخطئ. أخطأوا عبر التاريخ وما زالوا يرتكبون الأخطاء اليوم… ومع ذلك يأمر الله بالبركة وهذا ما يفعله مراراً وتكراراً كلما اجتمع البشر الخطاة طلباً مشورته حول أمر ما.”
- بَلْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ نَجَاسَاتِ ٱلْأَصْنَامِ، وَٱلزِّنَا، وَٱلْمَخْنُوقِ، وَٱلدَّمِ: رافق قرار يعقوب بعض التعليمات العملية بشأن عدم وجوب حفظ الأمم للناموس، وركز على أهمية عدم تصرف الأمم بطريقة تسيء للمجتمع اليهودي فِي كُلِّ مَدِينَةٍ وبدورها تدمر شهادة الكنيسة بين اليهود.
- إذا كان القرار: لا يتوجب على المرء أن يتهود كي يصبح مؤمناً مسيحياً فلا بد أنه قال بوضوح أيضاً: لا يتوجب على المرء التخلي عن ناموس موسى كي يصبح مؤمناً مسيحياً.
- أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ نَجَاسَاتِ ٱلْأَصْنَامِ… وَٱلْمَخْنُوقِ، وَٱلدَّمِ: تتعلق هذه الوصايا الثلاثة بعادات الأكل عند المؤمنين الأمم. وعلى الرغم من أنهم كانوا غير ملزمين بموجب ناموس موسى إلا أنهم ملزمين بموجب ناموس المحبة. يطلب ناموس المحبة منهم: “ألا يخاصموا جيرانهم اليهود دون سبب داخل وخارج الكنيسة.”
- أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ… ٱلزِّنَا: عندما أعلن يعقوب أن على المؤمنين الأمم أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ… ٱلزِّنَا لم يعني ببساطة الجنس خارج إطار الزواج لأنه أمر يتفق عليه كل المؤمنين (يهود وأمم). بل طلب من هؤلاء الأمم الذين يعيشون بشراكة وثيقة مع المؤمنين اليهود أن يلاحظوا أنظمة الزواج المحددة المذكورة في سفر اللاويين الأصحاح ١٨ والتي تمنع ارتباط أفراد العائلة الواحدة بالزواج. كان هذا الأمر يسيء لليهود ولكنه عادي بالنسبة للأمم.
- أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ: كان “يحق” للمؤمنين الأمم أن يأكلوا اللحوم التي تذبح للأوثان وأن يستمروا بعاداتهم فيما يتعلق بالزواج وأن يأكلوا ما يحلو لهم من الطعام لأنها أمور تتعلق بناموس موسى الذي لا يعيشون بموجبه. ومع ذلك شجعهم يعقوب (ولم يأمرهم) أن يتنازلوا قليلاً عن “حقهم” فيما يتعلق بهذه الأمور كطريقة لإظهار المحبة نحو إخوتهم اليهود.
- كتب ستوت (Stott): “تتعلق كل هذه الممنوعات بالشعائر الدينية اليهودية المذكورة في سفر اللاويين الأصحاحات ١٧ و١٨. وتتعلق ثلاثة منها تتعلق بقوانين الطعام التي يمكن أن تمنع تناول وجبات مشتركة مع الأمم.”
د ) الآية (٢٢): أرسلوا بولس وبرنابا ويهوذا وسيلا حاملين قرار المجلس
٢٢حِينَئِذٍ رَأَى ٱلرُّسُلُ وَٱلْمَشَايِخُ مَعَ كُلِّ ٱلْكَنِيسَةِ أَنْ يَخْتَارُوا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ، فَيُرْسِلُوهُمَا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ مَعَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا: يَهُوذَا ٱلْمُلَقَّبَ بَرْسَابَا، وَسِيلَا، رَجُلَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي ٱلْإِخْوَةِ.
- حِينَئِذٍ رَأَى ٱلرُّسُلُ وَٱلْمَشَايِخُ مَعَ كُلِّ ٱلْكَنِيسَةِ: يعود الفضل للقَوْم المذكورين في أعمال الرسل ١:١٥ الذين سمحوا لأنفسهم أن يقتنعوا بالدليل والحجة من الكتب المقدسة وبتأكيد الروح القدس. والنتيجة: حَصَلَ اِتِّفَاقٌ بينهم!
- يمكننا أن نُعجب نوعاً ما بالقوم المذكورين في أعمال الرسل ١:١٥ لأنهم عرضوا قناعاتهم بجراءة رغم عدم صحتها. ولكن ما يثير الإعجاب حقاً هو قبولهم للتعلم واعترافهم بالخطأ. فالروح القابلة للتعلم هي شيء ثمين جداً.
- أَنْ يَخْتَارُوا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ، فَيُرْسِلُوهُمَا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ: أرسل مجلس أورشليم بحكمة رجلين منهم (مؤمنين من أصل يهودي) مع بولس وبرنابا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، المكان الذي نشأ فيه النزاع كله.
هـ) الآيات (٢٣-٢٩): كتبوا رسالة بالقرار
٢٣وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ هَكَذَا: «اَلرُّسُلُ وَٱلْمَشَايِخُ وَٱلْإِخْوَةُ يُهْدُونَ سَلَامًا إِلَى ٱلْإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْأُمَمِ فِي أَنْطَاكِيَةَ وَسُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ: ٢٤إِذْ قَدْ سَمِعْنَا أَنَّ أُنَاسًا خَارِجِينَ مِنْ عِنْدِنَا أَزْعَجُوكُمْ بِأَقْوَالٍ، مُقَلِّبِينَ أَنْفُسَكُمْ، وَقَائِلِينَ أَنْ تَخْتَتِنُوا وَتَحْفَظُوا ٱلنَّامُوسَ، ٱلَّذِينَ نَحْنُ لَمْ نَأْمُرْهُمْ. ٢٥رَأَيْنَا وَقَدْ صِرْنَا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ أَنْ نَخْتَارَ رَجُلَيْنِ وَنُرْسِلَهُمَا إِلَيْكُمْ مَعَ حَبِيبَيْنَا بَرْنَابَا وَبُولُسَ، ٢٦رَجُلَيْنِ قَدْ بَذَلَا نَفْسَيْهِمَا لِأَجْلِ ٱسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. ٢٧فَقَدْ أَرْسَلْنَا يَهُوذَا وَسِيلَا، وَهُمَا يُخْبِرَانِكُمْ بِنَفْسِ ٱلْأُمُورِ شِفَاهًا. ٢٨لِأَنَّهُ قَدْ رَأَى ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ وَنَحْنُ، أَنْ لَا نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلًا أَكْثَرَ، غَيْرَ هَذِهِ ٱلْأَشْيَاءِ ٱلْوَاجِبَةِ: ٢٩أَنْ تَمْتَنِعُوا عَمَّا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ، وَعَنِ ٱلدَّمِ، وَٱلْمَخْنُوقِ، وَٱلزِّنَا، ٱلَّتِي إِنْ حَفِظْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مِنْهَا فَنِعِمَّا تَفْعَلُونَ. كُونُوا مُعَافَيْنَ».
- إِلَى ٱلْإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْأُمَمِ فِي أَنْطَاكِيَةَ وَسُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ: وجهت هذه الرسالة تحديداً إلى الكنائس التي يندمج فيها اليهود والأمم وإمكانية التوتر والنزاع واردة جداً. لم تكن الرسالة موجهة لكل الكنائس الأممية.
- لِأَنَّهُ قَدْ رَأَى ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ وَنَحْنُ: أَعْرَبَ يعقوب عن قرار المجلس (أعمال الرسل ١٩:١٥) ولكن الوحدة وراء هذا القرار كانت بسبب عمل ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ الواضح. تكلم الروح القدس من خلال يعقوب وأكد الأمر من خلال الآخرين.
- نستطيع القول أن القرار تم بالتعاون مع الروح القدس – لِأَنَّهُ قَدْ رَأَى ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ وَنَحْنُ. كتب بيرسون (Pierson): “اعتبروا الروح القدس واحداً منهم وكأنه الصديق المُشير الذي توحد معهم في الإعلان عن قرار مشترك؛ كما لو أن روح الله جلس معهم في مداولاتهم.”
- كُونُوا مُعَافَيْنَ: وبالتالي تم حسم المسألة منذ بداية المسيحية وهذا الحل ينطبق على كل العصور: بالنعمة نحن مخلصون بالإيمان بيسوع المسيح لا بطاعة الناموس وتأتي هذه الطاعة نتيجة للإيمان الحقيقي بعد الخلاص.
- كتب بيرسون (Pierson): “نرى هنا الصفات الحقيقية التي يجب أن تتوفر في مجالس الكنيسة وما فعلوه كان درساً قيّم لكل العصور. ففي كثير من الأحيان تشبه اجتماعات المجالس كاجتماعات غير المؤمنين ويمكننا القول أيضاً أنها تشبه أكثر ’مَجْمَعِ الشيطان.‘
ثالثاً. عودة بولس وبرنابا إلى أَنْطَاكِيَةَ
أ ) الآيات (٣٠-٣١): فرح المؤمنين الأمم في كنيسة أنطاكية برسالة المجلس.
٣٠فَهَؤُلَاءِ لَمَّا أُطْلِقُوا جَاءُوا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، وَجَمَعُوا ٱلْجُمْهُورَ وَدَفَعُوا ٱلرِّسَالَةَ. ٣١فَلَمَّا قَرَأُوهَا فَرِحُوا لِسَبَبِ ٱلتَّعْزِيَةِ.
- وَجَمَعُوا ٱلْجُمْهُورَ وَدَفَعُوا ٱلرِّسَالَةَ: يمكننا أن نتخيل كيف شعر هؤلاء المؤمنون الأمم وهم يتساءلون عما حدث وما هو القرار النهائي. فهل سيقرر المجلس في أورشليم أنهم غير مُخلصين لأنهم لم يحفظوا ناموس موسى ولم يختتنوا؟
- فَلَمَّا قَرَأُوهَا فَرِحُوا لِسَبَبِ ٱلتَّعْزِيَةِ: لا بد وأنهم شعروا بالراحة لأن المجلس حافظ على مبدأ النعمة وتمسك به. عرفوا أنهم مُخلصون ويتمتعون بعلاقة حية حقيقة مع الله بالرغم من كل ما حدث.
ب) الآيات (٣٢-٣٥): استمرار الخدمة في أنطاكية
٣٢وَيَهُوذَا وَسِيلَا، إِذْ كَانَا هُمَا أَيْضًا نَبِيَّيْنِ، وَعَظَا ٱلْإِخْوَةَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ وَشَدَّدَاهُمْ. ٣٣ثُمَّ بَعْدَ مَا صَرَفَا زَمَانًا أُطْلِقَا بِسَلَامٍ مِنَ ٱلْإِخْوَةِ إِلَى ٱلرُّسُلِ. ٣٤وَلَكِنَّ سِيلَا رَأَى أَنْ يَلْبَثَ هُنَاكَ. ٣٥أَمَّا بُولُسُ وَبَرْنَابَا فَأَقَامَا فِي أَنْطَاكِيَةَ يُعَلِّمَانِ وَيُبَشِّرَانِ مَعَ آخَرِينَ كَثِيرِينَ أَيْضًا بِكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ.
- وَيَهُوذَا وَسِيلَا: خدم هذان الاثنان بشكل رائع في أنطاكية كخدام زائرين من أورشليم. ثم عاد يَهُوذَا تاركاً سِيلَا وراءه في أنطاكية للقيام بمزيد من الخدمة.
- يُعَلِّمَانِ وَيُبَشِّرَانِ مَعَ آخَرِينَ كَثِيرِينَ أَيْضًا بِكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ: كان بإمكان القوم الذين انحدروا من اليهودية (أعمال الرسل ١:١٥) أن يدمروا عمل الله في أنطاكية والمدن المحيطة. ولكن لأن المسألة حُسمت بطريقة صحيحة تشجع الأخوة واستمرت كلمة الرب في الانتشار.
رابعاً. الخلاف حول يُوحَنَّا ٱلَّذِي يُدْعَى مَرْقُسَ
أ ) الآية (٣٦): اقترح بولس عودته مع برنابا إلى كل المدن التي زرعوا فيها كنائس في رحلتهم التبشيرية الأولى
٣٦ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ قَالَ بُولُسُ لِبَرْنَابَا: «لِنَرْجِعْ وَنَفْتَقِدْ إِخْوَتَنَا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ نَادَيْنَا فِيهَا بِكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ، كَيْفَ هُمْ».
- لِنَرْجِعْ وَنَفْتَقِدْ إِخْوَتَنَا: قام بولس بالكثير من الأعمال الرياديّة في خدمته حيث كرز في الأماكن التي لم يكن فيها مجتمع مسيحي بعد. ومع ذلك فَهِمَ أهمية تشجيع وتقوية المؤمنين الموجودين. وكان هذا هو الدافع الرئيسي لرحلته التبشيرية الثانية.
- كان بولس يملك قلباً كطبيب للتوليد (جلب الناس إلى جسد المسيح) وقلباً كطبيب للأطفال (يعمل على تنمية الناس في جسد المسيح).
- كَيْفَ هُمْ (وَلْنَرَ أحوالَهُمْ): وهذا يدل على أن بولس كان له قلب الراعي الحقيقي. فلم يكتفي بمجرد زرع الكنائس دون التأكد من رعايتهم ونموهم في الإيمان.
ب) الآيات (٣٧-٤١): الانقسام الذي حدث بين بولس وبرنابا حول مسألة أخذ يوحنا مرقس معهم
٣٧فَأَشَارَ بَرْنَابَا أَنْ يَأْخُذَا مَعَهُمَا أَيْضًا يُوحَنَّا ٱلَّذِي يُدْعَى مَرْقُسَ، ٣٨وَأَمَّا بُولُسُ فَكَانَ يَسْتَحْسِنُ أَنَّ ٱلَّذِي فَارَقَهُمَا مِنْ بَمْفِيلِيَّةَ وَلَمْ يَذْهَبْ مَعَهُمَا لِلْعَمَلِ، لَا يَأْخُذَانِهِ مَعَهُمَا. ٣٩فَحَصَلَ بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ حَتَّى فَارَقَ أَحَدُهُمَا ٱلْآخَرَ. وَبَرْنَابَا أَخَذَ مَرْقُسَ وَسَافَرَ فِي ٱلْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ. ٤٠وَأَمَّا بُولُسُ فَٱخْتَارَ سِيلَا وَخَرَجَ مُسْتَوْدَعًا مِنَ ٱلْإِخْوَةِ إِلَى نِعْمَةِ ٱللهِ. ٤١فَٱجْتَازَ فِي سُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ يُشَدِّدُ ٱلْكَنَائِسَ.
- يُوحَنَّا ٱلَّذِي يُدْعَى مَرْقُسَ: ترك يوحنا مرقس فريق الخدمة من قبل بسبب ظروف ليست قهرية (أعمال الرسل ١٣:١٣) مما جعل بولس غير قادر على الثقة به للقيام بخدمة مستقبلية.
- فَأَشَارَ بَرْنَابَا… وَأَمَّا بُولُسُ فَكَانَ يَسْتَحْسِنُ: لم يعطينا لوقا أي فكرة عن من كان على حق ومن كان مخطئاً في هذا النزاع بين بولس وبرنابا. لكن وبشكل عام ليس جيداً أبداً أن يكون هناك خلافات شخصية بين العاملين في الخدمة.
- فَحَصَلَ بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ: أينما كان هناك خلافٌ حاد (مُشَاجَرَةٌ) يعني أن شخص ما على خطأ وعادة ما يكون هناك خطأ من الطرفين. من المستحيل أن بولس وبرنابا كانا يتصرفان تحت قيادة الروح فيما يتعلق بهذه المسألة.
- الخلاف الذي وقع في بداية هذا الأصحاح والجَدَل الكَبِير (أعمال الرسل ٢:١٥) وَالمُباحَثَة الطَوِيلَة (أعمال الرسل ٧:١٥) كان حول مسألة لاهوتية هامة. ولهذا يبدو أن الخلاف هنا كان أقل أهمية وأكثر شخصية.
- لعل العلاقة بين بولس وبرنابا قد توترت أيضاً عندما انحاز برنابا إلى رأي المتهودين في أنطاكية أثناء زيارة بطرس (غلاطية ١٣:٢).
- وَبَرْنَابَا أَخَذَ مَرْقُسَ وَسَافَرَ فِي ٱلْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ: بما أن برنابا كان خال مرقس يوحنا (كولوسي ١٠:٤) ولأنه يملك شخصية مشجعة بطبيعته وقلب كبير (أعمال الرسل ٣٦:٤، ٢٦:٩-٢٧) فمن السهل أن نراه أكثر تفهماً لوضع يوحنا مرقس.
- حَتَّى فَارَقَ أَحَدُهُمَا ٱلْآخَرَ: وهكذا افترق بولس (برفقته سيلا) عن برنابا (برفقته يوحنا مرقس) متجهين إلى حقول مختلفة في الخدمة.
- لا نعرف ما إذا استمر التوتر بينهما لفترة طويلة. ولكننا مطالبون كمؤمنين أن نحل مشاكلنا مع الآخرين قبل أن نقوم بأي خدمة للرب (متى ٢٣:٥-٢٤). ومن الخطأ أن ندوس على أحد باسم الخدمة وعندما يحدث ذلك يجب تصحيح الأمر مباشرة.
- لا شك أن الله استخدم هذا الانقسام للخير ولكننا لا نستطيع أن نستخدم ما حدث كذريعة للانقسام غير الروحي. الله قادر على تحويل الشر إلى الخير ولكننا جميعاً نتحمل مسؤولية الشر الذي نفعله حتى لو كانت النتيجة الخير الذي يجلبه الله من الشر. كان على بولس أو برنابا – أو ربما كليهما – تصحيح هذا الأمر مع الله ومع بعضهم البعض.
- كتب ستوت (Stott): “لا يجوز لهذا المثال عن العناية الإلهية أن تصبح ذريعة للمشاجرة مع المؤمنين الآخرين.”
- خدم بولس بعد فترة من الوقت مع مَرْقُسَ وقدر مساهمته في عمل الله (كولوسي ١٠:٤، فليمون ٢٤:٤، >تيموثاوس الثانية ١١:٤). لا نعرف ما إذا كان مَرْقُسَ قد تغير أم بُولُس، كل ما نعرفه أن الله كان يعمل في قلبيهما على حد سواء!
- وَأَمَّا بُولُسُ فَٱخْتَارَ سِيلَا: أصبح سيلا (ويدعى سِلْوَانُسَ في مقاطع أخرى) جزءً هاماً من فريق بولس للخدمة.
- اعترفوا أن سِيلَا كان متقدماً بين ٱلْإِخْوَةِ (أعمال الرسل ٢٢:١٥).
- كان سِيلَا نبياً (أعمال الرسل ٣٢:١٥).
- كان سِيلَا مواطناً رومانياً (أعمال الرسل ٣٧:١٦).
- ربما تكلم اللغة اليونانية (قارن مع أعمال الرسل ٢٢:١٥، ٣٢:١٥).
- كتب سِيلَا واحدة من رسائل بطرس (بطرس الأولى ١٢:٥) وربما بعضٌ من رسائل بولس (تسالونيكي الأولى ١:١، تسالونيكي الثانية ١:٢).
- يُشَدِّدُ ٱلْكَنَائِسَ: كانت خدمة بولس تشديد الكنائس بالإضافة إلى الكرازة بالإنجيل. كان المؤمنون الجدد يحتاجون لكنائس قوية للنمو والنضج.