سفر أستير – الإصحاح ٢
اِختيار أسْتِيرَ مَلِكَةُ
أولًا. تجميع فَتَيَات عَذَارَى للملك أَحَشْوِيرُوش
أ ) الآيات (١-٤): البحث عن بديل للمَلِكَة وَشْتِي.
١بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ لَمَّا خَمِدَ غَضَبُ الْمَلِكِ أَحَشْوِيرُوشَ، ذَكَرَ وَشْتِي وَمَا عَمِلَتْهُ وَمَا حُتِمَ بِهِ عَلَيْهَا. ٢فَقَالَ غِلْمَانُ الْمَلِكِ الَّذِينَ يَخْدِمُونَهُ: «لِيُطْلَبْ لِلْمَلِكِ فَتَيَاتٌ عَذَارَى حَسَنَاتُ الْمَنْظَرِ، ٣وَلْيُوَكِّلِ الْمَلِكُ وُكَلاَءَ فِي كُلِّ بِلاَدِ مَمْلَكَتِهِ لِيَجْمَعُوا كُلَّ الْفَتَيَاتِ الْعَذَارَى الْحَسَنَاتِ الْمَنْظَرِ إِلَى شُوشَنَ الْقَصْرِ، إِلَى بَيْتِ النِّسَاءِ، إِلَى يَدِ هَيْجَايَ خَصِيِّ الْمَلِكِ حَارِسِ النِّسَاءِ، وَلْيُعْطَيْنَ أَدْهَانَ عِطْرِهِنَّ. ٤وَالْفَتَاةُ الَّتِي تَحْسُنُ فِي عَيْنَيِ الْمَلِكِ، فَلْتَمْلُكْ مَكَانَ وَشْتِي». فَحَسُنَ الْكَلاَمُ فِي عَيْنَيِ الْمَلِكِ، فَعَمِلَ هكَذَا.
١. بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ: تشير هذه الكلمات إلى ما هو أبعد من الأحداث الموصوفة في الإصحاح السابق. وينوه سفر ٢: ١٦ إلى وجود فترة زمنية مدتها أربع سنوات بين الإصحاحين الأول والثاني. وخلال هذه الفترة، قام الملك أَحَشْوِيرُوش بغزوه الكبير والفاشل لليونان. وعاد إلى وطنه مهزومًا، ساعيًا أن يُرَفّه عن نفسه بالانغماس في الشهوات والملذات.
٢. لِيُطْلَبْ لِلْمَلِكِ فَتَيَاتٌ عَذَارَى حَسَنَاتُ الْمَنْظَرِ: كانت الخطة هي تجميع أجمل الفتيات في المملكة وإحضارهن إلى بيت النساء في القصر، ومن بينهن، سيختار الملك مرشحته المفضلة لتكون هي الملكة. كان الأمر يشبه مسابقة ’ملكة جمال مملكة فارس،‘ والرابحة سوف تَمْلُكْ مَكَانَ وَشْتِي.
٣. فَحَسُنَ الْكَلاَمُ فِي عَيْنَيِ الْمَلِكِ، فَعَمِلَ هكَذَا: يقول المؤرخ اليهودي القديم يوسيفوس إن أَحَشْوِيرُوش كان يختار من بين ٤٠٠ فتاة.
ب) الآيات (٥-٧): أَسْتِير وعائلتها.
٥كَانَ فِي شُوشَنَ الْقَصْرِ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ اسْمُهُ مُرْدَخَايُ بْنُ يَائِيرَ بْنِ شَمْعِي بْنِ قَيْسٍ، رَجُلٌ يَمِينِيٌّ، ٦قَدْ سُبِيَ مِنْ أُورُشَلِيمَ مَعَ السَّبْيِ الَّذِي سُبِيَ مَعَ يَكُنْيَا مَلِكِ يَهُوذَا الَّذِي سَبَاهُ نَبُوخَذْنَصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ. ٧وَكَانَ مُرَبِّيًا لِهَدَسَّةَ أَيْ أَسْتِيرَ بِنْتِ عَمِّهِ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلاَ أُمٌّ. وَكَانَتِ الْفَتَاةُ جَمِيلَةَ الصُّورَةِ وَحَسَنَةَ الْمَنْظَرِ، وَعِنْدَ مَوْتِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا اتَّخَذَهَا مُرْدَخَايُ لِنَفْسِهِ ابْنَةً.
١. كَانَ فِي شُوشَنَ الْقَصْرِ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ اسْمُهُ مُرْدَخَايُ: كان مُرْدَخَاي هو ابن عم أَسْتِير، وقد جاء إلى مملكة فارس في إحدى موجات السبي التي تعرضت لها يهوذا من البابليين عندما احتلوا تلك الأرض.
٢. وَكَانَ مُرَبِّيًا لِهَدَسَّةَ أَيْ أَسْتِيرَ بِنْتِ عَمِّهِ: كانت أَسْتِير (واسمها العبري هَدَسَّةَ ومعناه ’الريحان/نبات الآس،‘ واسمها الفارسي أَسْتِير ومعناه ’نجمة‘) قد تربت على يد ابن عمها مُرْدَخَاي منذ موت أبيها وأمها.
• “في الرمزية النبوية، يأتي نبات الآس/الريحان عوضًا عن الورد البرّيّ وأشواك الصحراء، وبالتالي فهذا التعويض يصوّر غفران الرب وقبوله لشعبه. (إشعياء ٤١: ١٩؛ ٥٥: ١٣؛ راجع أيضًا زكريا ١: ٨).” بولدوين (Baldwin)
• لقد كانوا جزءًا من المجتمع اليهودي الأكبر الذي اضطر إلى ترك يَهُوذَا ولكنه رفض العودة مع عزرا. لقد كانت أرض يَهُوذَا في أيام مُرْدَخَاي وأَسْتِير تعتبر مكانًا بريًا ومتخلفًا.
٣. وَكَانَتِ الْفَتَاةُ جَمِيلَةَ الصُّورَةِ وَحَسَنَةَ الْمَنْظَرِ: إن المعنى الحرفي في اللغة العبرية (كما هو في العربية): جَمِيلَةَ الصُّورَةِ وَحَسَنَةَ الْمَنْظَرِ. أو كما ترجمت في النسخة الدولية الجديدة للعام ٢٠١١، كان لديها قوام فَتّان وكانت جميلة.
• نحن نرى أن الكتاب المقدس غالبًا ما يستخدم تصريحات متحفِّظة؛ فعندما يصف أَسْتِير بأنها جَمِيلَةَ الصُّورَةِ وَحَسَنَةَ الْمَنْظَرِ، فإننا نثق أنه لم يكن يبالغ.
ج) الآية (٨): أَسْتِير تؤخذ إلى بيت نساء الملك.
٨فَلَمَّا سُمِعَ كَلاَمُ الْمَلِكِ وَأَمْرُهُ، وَجُمِعَتْ فَتَيَاتٌ كَثِيرَاتٌ إِلَى شُوشَنَ الْقَصْرِ إِلَى يَدِ هَيْجَايَ، أُخِذَتْ أَسْتِيرُ إِلَى بَيْتِ الْمَلِكِ إِلَى يَدِ هَيْجَايَ حَارِسِ النِّسَاءِ.
١. أُخِذَتْ أَسْتِيرُ إِلَى بَيْتِ الْمَلِكِ: يبدو أن أَسْتِير لم يكن لديها أي رأي في هذا الشأن.
٢. إِلَى يَدِ هَيْجَايَ حَارِسِ النِّسَاءِ: كان هَيْجَاي خَصِيِّ (خادم) الْمَلِكِ (أستير ٢: ٣)، ومكلفًا بالإشراف على نساء الملك، لأسباب واضحة.
• وفقًا لبولدوين (Baldwin)، ذكر المؤرخ اليوناني هيرودوتس هَيْجَاي تحديدًا وبأنه كان أحد المسؤولين في قصر الملك أَحَشْوِيرُوش.
ثانيًا. أَسْتِير في بيت الملك
أ ) الآية (٩): أَسْتِير تتلقى معاملة متميزة في القصر.
٩وَحَسُنَتِ الْفَتَاةُ فِي عَيْنَيْهِ وَنَالَتْ نِعْمَةً بَيْنَ يَدَيْهِ، فَبَادَرَ بِأَدْهَانِ عِطْرِهَا وَأَنْصِبَتِهَا لِيَعْطِيَهَا إِيَّاهَا مَعَ السَّبْعِ الْفَتَيَاتِ الْمُخْتَارَاتِ لِتُعْطَى لَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ، وَنَقَلَهَا مَعَ فَتَيَاتِهَا إِلَى أَحْسَنِ مَكَانٍ فِي بَيْتِ النِّسَاءِ.
١. وَحَسُنَتِ الْفَتَاةُ فِي عَيْنَيْهِ وَنَالَتْ نِعْمَةً بَيْنَ يَدَيْهِ: وجدت أَسْتِير نِعْمَةً في عيني هَيْجَاي، الرجل الذي يملك السلطة عليها. وفي هذا، حققت تقواها ما جاء في أمثال ٣: ٣-٤ “لاَ تَدَعِ الرَّحْمَةَ وَالْحَقَّ يَتْرُكَانِكَ. تَقَلَّدْهُمَا عَلَى عُنُقِكَ. اُكْتُبْهُمَا عَلَى لَوْحِ قَلْبِكَ، فَتَجِدَ نِعْمَةً وَفِطْنَةً صَالِحَةً فِي أَعْيُنِ اللهِ وَالنَّاسِ.”
٢. فَبَادَرَ بِأَدْهَانِ عِطْرِهَا وَأَنْصِبَتِهَا لِيَعْطِيَهَا إِيَّاهَا: بسبب هذه النعمة والاستحسان، أعطى هَيْجاي أَسْتِير مستحضرات خاصة، فوق أَنْصِبَتِهَا. وعيّن لَها أفضل سبع مرافقات (السَّبْعِ الْفَتَيَاتِ الْمُخْتَارَاتِ) للعناية بجمالها.
• أَسْتِير كانت جميلة من البداية بطبيعتها؛ الآن بدت وكأنها عارضة أزياء، وهكذا كانت دائمًا تظهر بهذا الشكل.
• “إن الكلمة العبرية القديمة ’أَدْهَانِ عِطْرِهَا‘ تأتي من جذر كلمة ” تَلمِيع، صقل.” هيوي (Huey)
ب) الآيات (١٠-١١): أَسْتِير تخفي هويتها اليهودية.
١٠وَلَمْ تُخْبِرْ أَسْتِيرُ عَنْ شَعْبِهَا وَجِنْسِهَا لأَنَّ مُرْدَخَايَ أَوْصَاهَا أَنْ لاَ تُخْبِرَ. ١١وَكَانَ مُرْدَخَايُ يَتَمَشَّى يَوْمًا فَيَوْمًا أَمَامَ دَارِ بَيْتِ النِّسَاءِ، لِيَسْتَعْلِمَ عَنْ سَلاَمَةِ أَسْتِيرَ وَعَمَّا يُصْنَعُ بِهَا.
١. وَلَمْ تُخْبِرْ أَسْتِيرُ عَنْ شَعْبِهَا وَجِنْسِهَا: ليس هناك سبب وجيه عادة، لإخفاء حقيقة أننا مؤمنون. فالكثير من المؤمنين يتصرفون وكأنهم “عملاء سريون” – وهم دائمًا يخفون هويتهم الحقيقية في الرب.
• علينا أن نعتبر بجدية التحذير الذي قدمه يسوع في متى ٣٢:١٠-٣٣ “فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، وَلكِنْ مَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.” لا يمكننا أن نعيش حياة الإنكار، ونتوقع من الله أن يعترف بنا.
٢. لأَنَّ مُرْدَخَايَ أَوْصَاهَا أَنْ لاَ تُخْبِرَ: ومع ذلك، نحن ندرك بأن هناك حالات يمكن أن يرشدنا فيها الله إلى التكتم بشأن هويتنا المسيحية – ليس بنية إخفاءها بشكل دائم، بل انتظار اللحظة المناسبة للكشف عنها. ومن الواضح هنا أن مُرْدَخَاي شعر أن هذا هو التصرف السليم في هذا الوضع بالذات، وقد وافقت أَسْتِير على ذلك.
• على سبيل المثال، في بعض المواقف، قد تتصرف في البداية كما لو كنت لا تعرف شيئًا عندما يقترب منك أحد من طائفة المورمون أو شهود يهوه، وأنت لا تفعل ذلك لإنكار يسوع، بل لاغتنام الفرصة المناسبة.
٣. وَكَانَ مُرْدَخَايُ يَتَمَشَّى يَوْمًا فَيَوْمًا أَمَامَ دَارِ بَيْتِ النِّسَاءِ، لِيَسْتَعْلِمَ عَنْ سَلاَمَةِ أَسْتِير: إن اهتمام مُرْدَخَاي الكبير بسلامة أَسْتِير يظهر محبته واهتمامه بها في مثل هذا المكان الذي يحُتمل أن يكون شديد الخطورة عليها.
ج) الآيات (١٢-١٤): تحديد الطريقة التي تُعد بها الفتيات وكيفية تقديمهن أمام الملك.
١٢وَلَمَّا بَلَغَتْ نَوْبَةُ فَتَاةٍ فَفَتَاةٍ لِلدُّخُولِ إِلَى الْمَلِكِ أَحَشْوِيرُوشَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لَهَا حَسَبَ سُنَّةِ النِّسَاءِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، لأَنَّهُ هكَذَا كَانَتْ تُكْمَلُ أَيَّامُ تَعَطُّرِهِنَّ، سِتَّةَ أَشْهُرٍ بِزَيْتِ الْمُرِّ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ بِالأَطْيَابِ وَأَدْهَانِ تَعَطُّرِ النِّسَاءِ. ١٣وَهكَذَا كَانَتَ كُلُّ فَتَاةٍ تَدْخُلُ إِلَى الْمَلِكِ. وَكُلُّ مَا قَالَتْ عَنْهُ أُعْطِيَ لَهَا لِلدُّخُولِ مَعَهَا مِنْ بَيْتِ النِّسَاءِ إِلَى بَيْتِ الْمَلِكِ. ١٤فِي الْمَسَاءِ دَخَلَتْ وَفِي الصَّبَاحِ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِ النِّسَاءِ الثَّانِي إِلَى يَدِ شَعَشْغَازَ خَصِيِّ الْمَلِكِ حَارِسِ السَّرَارِيِّ. لَمْ تَعُدْ تَدْخُلْ إِلَى الْمَلِكِ إِلاَّ إِذَا سُرَّ بِهَا الْمَلِكُ وَدُعِيَتْ بِاسْمِهَا.
١. بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لَهَا حَسَبَ سُنَّةِ النِّسَاءِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا: كانت بلاد فارس من البلدان الكثيرة التي اشتهرت بالعطور والتقاليد العريقة لتجهيز العرائس، بما في ذلك الحمامات الطقسية، وتقليم الحواجب، وتزيين اليدين والقدمين بالحناء، والمكياج، ووضع مساحيق تجميل على كافة أنحاء الجسم لتفتيح لون البشرة وإزالة البقع والعيوب.
• أحد الأسباب وراء طول فترة التحضير هو معرفة ما إذا كانت النساء حوامل عند دخولهن بيت النساء في القصر، حتى لا يُتهم الملك زورًا بإنجاب طفل ليس له.
• وفقًا لماثيو بول (Matthew Poole)، كان استخدام الزيوت والعطور ضروريًا لأن “أجساد الرجال والنساء في تلك البلدان الحارة كانت تنتج روائح كريهة للغاية، إذا لم يتم معالجتها وتأهيلها بمهارة.”
٢. وَهكَذَا كَانَتَ كُلُّ فَتَاةٍ تَدْخُلُ إِلَى الْمَلِكِ: إن الأمر يبدو رائعًا – عام كامل من العلاجات في المنتجع. ومع ذلك، ينبغي أن نفكر أيضًا في المصير الذي ينتظر هؤلاء النساء: إنه قضاء أمسية واحدة مع الملك. فإن تم اختيار فتاة من بين الأربعمائة لتكون ملكة له، فستصبح شريكته (إلى أن تغضبه أو لا تُسِره). أما بالنسبة للـ ٣٩٩ الأخريات اللاتي خسرن، فيتم نفيهن ليعشن في بيت النساء في القصر حيث زوجات الملك غير الشرعيات أو جواريه. ونادرًا، إن لم يكن أبدًا، ما يرون الملك فيما بعد ذلك. وعلاوة على ذلك، لم يكن لهن مطلق الحرية في الزواج من رجل آخر، وكنّ يعشن أساسًا كأرامل إلى الأبد.
د ) الآيات (١٥-١٨): اختيار أَسْتِير لتكون الملكة.
١٥وَلَمَّا بَلَغَتْ نَوْبَةُ أَسْتِيرَ ابْنَةِ أَبَيِحَائِلَ عَمِّ مُرْدَخَايَ الَّذِي اتَّخَذَهَا لِنَفْسِهِ ابْنَةً لِلدُّخُولِ إِلَى الْمَلِكِ، لَمْ تَطْلُبْ شَيْئًا إِلاَّ مَا قَالَ عَنْهُ هَيْجَايُ خَصِيُّ الْمَلِكِ حَارِسُ النِّسَاءِ. وَكَانَتْ أَسْتِيرُ تَنَالُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْ كُلِّ مَنْ رَآهَا. ١٦وَأُخِذَتْ أَسْتِيرُ إِلَى الْمَلِكِ أَحَشْوِيرُوشَ إِلَى بَيْتِ مُلْكِهِ فِي الشَّهْرِ الْعَاشِرِ، هُوَ شَهْرُ طِيبِيتَ، فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ لِمُلْكِهِ. ١٧فَأَحَبَّ الْمَلِكُ أَسْتِيرَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النِّسَاءِ، وَوَجَدَتْ نِعْمَةً وَإِحْسَانًا قُدَّامَهُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الْعَذَارَى، فَوَضَعَ تَاجَ الْمُلْكِ عَلَى رَأْسِهَا وَمَلَّكَهَا مَكَانَ وَشْتِي. ١٨وَعَمِلَ الْمَلِكُ وَلِيمَةً عَظِيمَةً لِجَمِيعِ رُؤَسَائِهِ وَعَبِيدِهِ، وَلِيمَةَ أَسْتِيرَ. وَعَمِلَ رَاحَةً لِلْبِلاَدِ وَأَعْطَى عَطَايَا حَسَبَ كَرَمِ الْمَلِكِ.
١. لَمْ تَطْلُبْ شَيْئًا إِلاَّ مَا قَالَ عَنْهُ هَيْجَايُ خَصِيُّ الْمَلِكِ حَارِسُ النِّسَاءِ: لقد ظهرت حكمة أَسْتِير المتواضعة في الطريقة التي سمحت بها لهَيْجَاي حَارِسُ النِّسَاءِ أن يساعدها في التحضيرات للمثول أمام الملك.
٢. وَكَانَتْ أَسْتِيرُ تَنَالُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْ كُلِّ مَنْ رَآهَا: كان هذا بسبب تقوى أَسْتِير وجمالها معًا.
• غالبًا ما يكسب الجمال (خاصة جمال النساء) استحسان الآخرين. وهذه حقيقة يجب على المؤمنين قبولها، ليُعلموا بحكمة أولادهم عما هو مهم حقًا، ويرفضوا الاعتماد الكبير على الجمال في تقييم الناس.
٣. وَوَجَدَتْ نِعْمَةً وَإِحْسَانًا قُدَّامَهُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الْعَذَارَى: ولأنها حظيت بنعمة كبيرة عند الملك، تم اختيرت أَسْتِير لتكون الملكة زوجة الْمَلِكِ أَحَشْوِيرُوش.
• كانت حياة أَسْتِير استثنائية حتى الآن. فقد وُلدت لأبوين يهود في السبي، لكنّهما ماتا؛ تربت على يد ابن عمها في أرض غريبة تتسم بالعداء؛ أخذت قسرًا إلى بيت النساء في القصر؛ وجدت نعمة في أعين كل من رآها؛ تم اختيارها أخيرًا لتكون الملكة الجديدة على كل المملكة.
• لم يكن هذا التسلسل الرائع للأحداث مجرد صدفة؛ ولم يكن فقط بسبب الحظ أو النصيب أو جمال أَسْتِير أو شخصيتها المتألقة. لقد كان لدى الله خطة، وكانت أَسْتِير جزءًا منها. وكما قال كاتب المزمور ٧٥: ٦-٧ لِلْمُفْتَخِرِين: “لأَنَّهُ لاَ مِنَ الْمَشْرِقِ وَلاَ مِنَ الْمَغْرِبِ وَلاَ مِنْ بَرِّيَّةِ الْجِبَالِ. وَلكِنَّ اللهَ هُوَ الْقَاضِي. هذَا يَضَعُهُ وَهذَا يَرْفَعُهُ.”
• وعلى نحوٍ مماثل، كل واحد منا لديه دور في خطة الله. وأيًا كانت ظروفك، فللرب غرض منها – ربما يكون غرض قريب أو غرض بعيد، وربما يكون غرض كبير أو صغير، لكن في النهاية، لله سبب وغرض.
• حتى هذه المرحلة، توضح رواية أَسْتِير أيضًا أن الله قد يستخدم شر الإنسان ليتمم خطته. فالله لم يُجبر أَحَشْوِيرُوش على أن يسكر، أو أن يطلب من ملكته أن تستعرض نفسها بطريقة غير محتشمة أمام شرفاء البلدان ورؤساؤها. ولكن الله سمح أن يحقق عمل الإنسان الشرير غرضًا في خطته الأعظم. ونجد الطمأنينة في اليقين بأنه لا يمكن لأي إنسان، مهما كان شريرًا، أن يُبطل خطة الله لحياتنا، مهما فعل ذلك الإنسان بنا أو مهما سيفعل.
ثالثًا. مُرْدَخَاي يُنقذ حياة الملك
أ ) الآيات (١٩-٢٠): مُرْدَخَاي يتبوّأ مكان الصدارة وأَسْتِير تستمر في إخفاء هويتها اليهودية.
١٩وَلَمَّا جُمِعَتِ الْعَذَارَى ثَانِيَةً كَانَ مُرْدَخَايُ جَالِسًا بِبَابِ الْمَلِكِ. ٢٠وَلَمْ تَكُنْ أَسْتِيرُ أَخْبَرَتْ عَنْ جِنْسِهَا وَشَعْبِهَا كَمَا أَوْصَاهَا مُرْدَخَايُ. وَكَانَتْ أَسْتِيرُ تَعْمَلُ حَسَبَ قَوْلِ مُرْدَخَايَ كَمَا كَانَتْ فِي تَرْبِيَتِهَا عِنْدَهُ.
١. كَانَ مُرْدَخَايُ جَالِسًا بِبَابِ الْمَلِكِ: يشير جلوس مُرْدَخَاي عند باب الملك إلى ارتباطه بصُنّاع القرار وأصحاب النفوذ في المملكة.
٢. وَلَمْ تَكُنْ أَسْتِيرُ أَخْبَرَتْ عَنْ جِنْسِهَا وَشَعْبِهَا كَمَا أَوْصَاهَا مُرْدَخَايُ: يرى البعض أن سفر أَسْتِير قد بالغ قليلًا في فكرة الإخفاء هذه. وقد تعرض هذا السِفر لعدة انتقادات لأنه لا يذكر اسم الله صراحة (وهي خاصية يشترك فيها مع سفر نشيد الأنشاد).
• يقول بعضهم إلى أن حذف اسم الله من سفر أستير يرتبط باحتفالات عيد الفوريم (وهو ذكرى لخلاص اليهود من مجزرة هامان)، حيث كان من الشائع أن يسكر الناس. وبحسب هيوي (Huey)، علّم أحد المعلمين اليهود ما مفاده: “يجب على المرء أن يشرب في عيد الفوريم حتى لا يستطيع التمييز بين ’مباركٌ أنت يا مردخاي‘ و ’ملعونٌ أنت يا هامان.‘” ولذلك فالبعض يستنكر تدنيس اسم الله بسهولة في مثل هذه الأجواء، إذا ما تم قراءته بصوت عالٍ أثناء الاحتفال بهذا العيد.
• ويرى آخرون أن اسم يهوه (YHWH) مخفي في التنظيم الأبجديّ (الأكروستيك)، استنادًا إلى الأحرف الأولى والأخيرة من الكلمات المتتالية في أستير ١: ٢٠، ٥: ٤، ٥: ١٣، و٧: ٧. وفي بعض المخطوطات، تُكتب تلك الحروف في هذه الكلمات أكبر قليلًا لمنحهم مكانة بارزة.
• الاحتمال الآخر لعدم احتواء سفر أستير على اسم الله هو أنه كتب خلال فترة الحكم الفارسي، وكان السفر مخصصًا للتوزيع داخل الإمبراطورية الفارسية.
• على الأرجح أن سفر أستير لا يحمل اسم الله لأنه يوضح كيف يعمل الله من خلف الستار. فحضور الله وتدخله واضحان في كل سِفر أستير رغم وجوده في الخلفية.
ب) الآيات (٢١-٢٣): يسمع مُرْدَخَاي عن مؤامرة الاغتيال، فيبلغ الملك وينقذ حياته.
٢١فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، بَيْنَمَا كَانَ مُرْدَخَايُ جَالِسًا فِي بَابِ الْمَلِكِ، غَضِبَ بِغْثَانُ وَتَرَشُ خَصِيَّا الْمَلِكِ حَارِسَا الْبَابِ، وَطَلَبَا أَنْ يَمُدَّا أَيْدِيَهُمَا إِلَى الْمَلِكِ أَحَشْوِيرُوشَ. ٢٢فَعُلِمَ الأَمْرُ عِنْدَ مُرْدَخَايَ، فَأَخْبَرَ أَسْتِيرَ الْمَلِكَةَ، فَأَخْبَرَتْ أَسْتِيرُ الْمَلِكَ بِاسْمِ مُرْدَخَايَ. ٢٣فَفُحِصَ عَنِ الأَمْرِ وَوُجِدَ، فَصُلِبَا كِلاَهُمَا عَلَى خَشَبَةٍ، وَكُتِبَ ذلِكَ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ أَمَامَ الْمَلِكِ.
١. فَعُلِمَ الأَمْرُ عِنْدَ مُرْدَخَايَ، فَأَخْبَرَ أَسْتِيرَ الْمَلِكَةَ، فَأَخْبَرَتْ أَسْتِيرُ الْمَلِكَ: لم يكن اتجاه مُرْدَخَاي في التفكير هو: “أنا رجل يهودي في السبي، وتحت حكم ملك وثني، فأنا لا أكترث إن قُتل؟” بل بدلًا من ذلك توقّع مُرْدَخَاي فكر بطرس الوارد في ١ بطرس ٢: ١٧ قبل أن يكتبه بطرس حين قال: “خَافُوا اللهَ. أَكْرِمُوا الْمَلِكَ.”
• كان هذا التهديد بالاغتيال حقيقيًا. وقد قُتل أحشويروش في النهاية على يد رئيس وزرائه، الذي وضع أرتحشستا الأول على العرش.
٢. فَصُلِبَا كِلاَهُمَا عَلَى خَشَبَةٍ: كلمة ’خَشَبَةٍ‘ هي حرفيًا شجرة. إن فكرة أنهما صُلِبَا كِلاَهُمَا عَلَى خَشَبَةٍ ربما لا تشير إلى تعليقهم بحبل حول الرقبة، بل إلى تعليقهم على وتد، تمامًا مثل الصلب.
• “تتضمن العقوبة غرس وتد مدبب في الأرض، ثم وضع الجاني على النقطة الحادة وسحبه إلى الأسفل من أرجله حتى يخترق الوتد الجسم ويخرج من الرقبة. إنه شكل مروع من العقاب، حيث يمكن للانتقام والقسوة إرضاء رغباتهم الخبيثة. تتحمل الضحية عذابًا مؤلمًا لفترة طويلة.” كلارك (Clarke)