سفر أستير – الإصحاح ٦
إكْرامُ مُرْدَخاي
أولًا. اِستِفسار الملك
أ ) الآيات (١-٣): ليلة من الأرق.
١فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ طَارَ نَوْمُ الْمَلِكِ، فَأَمَرَ بِأَنْ يُؤْتَى بِسِفْرِ تَذْكَارِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ فَقُرِئَتْ أَمَامَ الْمَلِكِ. ٢فَوُجِدَ مَكْتُوبًا مَا أَخْبَرَ بِهِ مُرْدَخَايُ عَنْ بِغْثَانَا وَتَرَشَ خَصِيَّيِ الْمَلِكِ حَارِسَيِ الْبَابِ، اللَّذَيْنِ طَلَبَا أَنْ يَمُدَّا أَيْدِيَهُمَا إِلَى الْمَلِكِ أَحَشْوِيرُوشَ. ٣فَقَالَ الْمَلِكُ: «أَيَّةُ كَرَامَةٍ وَعَظَمَةٍ عُمِلَتْ لِمُرْدَخَايَ لأَجْلِ هذَا؟» فَقَالَ غِلْمَانُ الْمَلِكِ الَّذِينَ يَخْدِمُونَهُ: «لَمْ يُعْمَلْ مَعَهُ شَيْءٌ».
١. فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ طَارَ نَوْمُ الْمَلِكِ، فَأَمَرَ بِأَنْ يُؤْتَى بِسِفْرِ تَذْكَارِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ: فعل الملك أَحَشْوِيرُوش، تمامًا كما يفعل الكثيرون من الأشخاص الذين لا يستطيعون النوم. أخرج كتابًا (سِفْر) ليشغل نفسه في وقت أرقه، على أمل أن القراءة قد تجعله يشعر بالنعاس من جديد.
• “كان أَحَشْوِيرُوش يَحْكُم على مئة وسبع وعشرين مقاطعة، لكنه لم يستطع أن يَحْكُم على عشر دقائق من النوم.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. فَوُجِدَ مَكْتُوبًا: كان هذا نموذج مذهل للعناية الإلهية العاملة. ففي هذه الليلة يجد الملك أَحَشْوِيرُوش نفسه غير قادر على النوم. وعلى الرغم من توفر العديد من عوامل الإلهاء المتاحة التي يمكن أن يختار الملك من بينها ليقضي ليلته، إلا أنه أمر بأن يُحضر له سِفْرًا ليُقرأ له. لقد كان من الممكن للشخص الذي أُمِرَ بإحضار السِفر أن يأتي بأي سفر من أسفار تَذْكَارِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ، ولكنه أتى بسِفرٍ محدد. وكان من الممكن أيضًا أن يُفتَح السِفر على أي صفحة، لكنه فُتح على الصفحة المحددة التي تروي قصة مردخاي وكيف أنه أنقذ الملك من محاولة اغتيال. لقد قاد الله كل خطوة من سلسلة الأحداث هذه.
• وكما كان عند الملك أَحَشْوِيرُوش سِفْرِ تَذْكَارِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ (وترجمته حرفيًا سِفْرِ تَذْكَرَةٍ)، كذلك عند الله سِفْر تَذْكَرَةٍ: حِينَئِذٍ كَلَّمَ مُتَّقُو الرَّبِّ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ، وَالرَّبُّ أَصْغَى وَسَمِعَ، وَكُتِبَ أَمَامَهُ سِفْرُ تَذْكَرَةٍ لِلَّذِينَ اتَّقُوا الرَّبَّ وَلِلْمُفَكِّرِينَ فِي اسْمِهِ. (ملاخي ١٦:٣)
٣. أَيَّةُ كَرَامَةٍ وَعَظَمَةٍ عُمِلَتْ لِمُرْدَخَايَ لأَجْلِ هذَا: أظهر الملك أَحَشْوِيرُوش اهتمامًا نادرًا بشخص عادي من رعاياه، عندما فكر في مكافأة مُرْدَخَاي.
ب) الآيات (٤-٥): هَامَان في دار بيت الملك.
٤فَقَالَ الْمَلِكُ: «مَنْ في الدَّارِ؟» وَكَانَ هَامَانُ قَدْ دَخَلَ دَارَ بَيْتِ الْمَلِكِ الْخَارِجِيَّةَ لِكَيْ يُقُول لِلْمَلِكَ أَنْ يُصْلَبَ مُرْدَخَايُ عَلَى الْخَشَبَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا لَهُ. ٥فَقَالَ غِلْمَانُ الْمَلِكِ لَهُ: «هُوَذَا هَامَانُ وَاقِفٌ فِي الدَّارِ». فَقَالَ الْمَلِكُ: «لِيَدْخُلْ».
١. وَكَانَ هَامَانُ قَدْ دَخَلَ دَارَ بَيْتِ الْمَلِكِ الْخَارِجِيَّةَ: لم يكن من قبيل الصدفة أن يدخل هَامَان بيت الملك في تلك اللحظة بالتحديد؛ ولم يكن أيضًا من الصدفة أن يأتي هَامَان في تلك اللحظة ليطلب أن يُصلب مُرْدَخَاي على الخشبة. كما لم يكن من الصدفة أن يريد الملك أَحَشْوِيرُوش تكريم مُرْدَخَاي في تلك اللحظة بالذات.
٢. هُوَذَا هَامَانُ وَاقِفٌ فِي الدَّارِ: إذا كان لسفر أَسْتِير أن يبين لنا شيء، فهو أن الله يدير شئون البشر حتى من دون علمهم. الله يعلم ماذا يفعل، وفي الدَّارِ السماوية ليس هناك مجالًا للصُدف أو المفاجآت.
• لم يكن اختيار أَسْتِير لمنصب الملكة مجرد حظ، ولم يكن سماع مُرْدَخَاي بمؤامرة الاغتيال حظًا، كما لم يكن تواجد هَامَان في دار بيت الملك بهذا الوقت وبهذه النية بسبب الحظ أو الصدفة. لقد كانت كل هذه الأحداث من تدبير الله وليس عن طريق الحظ والصدفة.
• يصبح الأمر صعبًا علينا عندما نواجه أمور سيئة. فمن السهل أن نرى إدارة الرب لكل الأمور عندما تحدث أشياء جيدة لنا. ولكن ماذا عن الأشياء السيئة؟ يجب علينا، حتى في تلك المواقف، أن نثق في خطة الله الكاملة، وندرك أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ (رومية ٨: ٢٨). نحن نفهم تأكيد بولس على أن كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا؛ فقد تبدو أن الأحداث ليس لها معنى، إذا ما نظرنا إليها بطريقة فردية، ولكن عندما نرى كل الأشياء تعمل معًا فعندئذ نرى الحكمة المطلقة لخطة الله.
ج) الآية (٦): الملك أَحَشْوِيرُوش يطرح سؤالًا على هَامَان.
٦وَلَمَّا دَخَلَ هَامَانُ قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «مَاذَا يُعْمَلُ لِرَجُل يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ؟» فَقَالَ هَامَانُ فِي قَلْبِهِ: «مَنْ يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ أَكْثَرَ مِنِّي؟»
١. مَاذَا يُعْمَلُ لِرَجُل يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ؟: لقد رتّب الله كل الأشياء، ليس فقط لحماية كل اليهود في نهاية المطاف، ولكن أيضًا حتى ينال كل من مُرْدَخَاي وهَامَان ما يستحقانه.
٢. مَنْ يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ أَكْثَرَ مِنِّي؟: كثيرًا ما يسمح الله للرجل المتكبّر أن يسقط في فخه (أمثال ٢٦: ٢٧). وفي هذا الموقف، رتّب الله أن يكون كبرياء هَامَان وغطرسته سببًا لإذلاله التام.
د ) الآيات (٧-٩): إجابة هَامَان عن كيفية إكرام الملك للرجل الذي سُرّ به.
٧فَقَالَ هَامَانُ لِلْمَلِكِ: «إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ ٨يَأْتُونَ بِاللِّبَاسِ السُّلْطَانِيِّ الَّذِي يَلْبَسُهُ الْمَلِكُ، وَبِالْفَرَسِ الَّذِي يَرْكَبُهُ الْمَلِكُ، وَبِتَاجِ الْمُلْكِ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، ٩وَيُدْفَعُ اللِّبَاسُ وَالْفَرَسُ لِرَجُل مِنْ رُؤَسَاءِ الْمَلِكِ الأَشْرَافِ، وَيُلْبِسُونَ الرَّجُلَ الَّذِي سُرَّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ وَيُرَكِّبُونَهُ عَلَى الْفَرَسِ فِي سَاحَةِ الْمَدِينَةِ، وَيُنَادُونَ قُدَّامَهُ: هكَذَا يُصْنَعُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ».
١. إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ يَأْتُونَ بِاللِّبَاسِ السُّلْطَانِيِّ الَّذِي يَلْبَسُهُ الْمَلِكُ: ها هو هَامَان، مدفوعًا برغبته الطفولية إلى الثناء والتقدير من الجميع، طلب أشياء هي حقًا قليلة الأهمية، ولا تهدف إلا لتعزيز كبريائه فقط.
٢. هكَذَا يُصْنَعُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ: لم تكن شخصية هَامَان المأساوية لتصدق أنه قام بعمل جيد إلا إذا سمع تصفيق موجهًا له. إنه أمر جيد ومناسب أحيانًا أن يجد المرء التصفيق هنا على الأرض، لكن الأمر يصبح مأساويًا إن كنت تعيش حياتك باحثًا عن هذا التصفيق. وعلينا، بدلًا من ذلك، أن نسعى إلى التصفيق السماوي ونجد فيه كل الرضا والكفاية.
ثانيًا. أَمْر الملك
أ ) الآيات (١٠-١١): على هَامَان أن يقود جوقة التكريم الخاصة بمُرْدَخَاي.
١٠فَقَالَ الْمَلِكُ لِهَامَانَ: «أَسْرِعْ وَخُذِ اللِّبَاسَ وَالْفَرَسَ كَمَا تَكَلَّمْتَ، وَافْعَلْ هكَذَا لِمُرْدَخَايَ الْيَهُودِيِّ الْجَالِسِ فِي بَابِ الْمَلِكِ. لاَ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ جَمِيعِ مَا قُلْتَهُ». ١١فَأَخَذَ هَامَانُ اللِّبَاسَ وَالْفَرَسَ وَأَلْبَسَ مُرْدَخَايَ وَأَرْكَبَهُ فِي سَاحَةِ الْمَدِينَةِ، وَنَادَى قُدَّامَهُ: «هكَذَا يُصْنَعُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ».
١. أَسْرِعْ وَخُذِ اللِّبَاسَ وَالْفَرَسَ كَمَا تَكَلَّمْتَ، وَافْعَلْ هكَذَا لِمُرْدَخَايَ الْيَهُودِيِّ: يا ليتنا نستطيع أن نرى وجه هَامَان في تلك اللحظة – وأن نرى الملك يأخذ بنصيحته كاملة، ولكنه يعطي هذا الإكرام لعدوه اللدود، وهو الرجل الذي سعى هَامَان إلى إعدامه بصلبه على خشبة.
٢. فَأَخَذَ هَامَانُ اللِّبَاسَ وَالْفَرَسَ وَأَلْبَسَ مُرْدَخَايَ وَأَرْكَبَهُ فِي سَاحَةِ الْمَدِينَةِ: كان الإذلال الحقيقي بالنسبة لهَامَان هو تكريم مُرْدَخَاي بهذه الطريقة العلنية؛ إن الإذلال يكون حقيقيًا فقط عندما يكون علنيًا.
ب) الآيات (١٢-١٤): نواح، وتحذير، واِنصِراف سريع إلى وليمة أَسْتِير.
١٢وَرَجَعَ مُرْدَخَايُ إِلَى بَابِ الْمَلِكِ. وَأَمَّا هَامَانُ فَأَسْرَعَ إِلَى بَيْتِهِ نَائِحًا وَمُغَطَّى الرَّأْسِ. ١٣وَقَصَّ هَامَانُ عَلَى زَرَشَ زَوْجَتِهِ وَجَمِيعِ أَحِبَّائِهِ كُلَّ مَا أَصَابَهُ. فَقَالَ لَهُ حُكَمَاؤُهُ وَزَرَشُ زَوْجَتُهُ: «إِذَا كَانَ مُرْدَخَايُ الَّذِي ابْتَدَأْتَ تَسْقُطُ قُدَّامَهُ مِنْ نَسْلِ الْيَهُودِ، فَلاَ تَقْدِرُ عَلَيْهِ، بَلْ تَسْقُطُ قُدَّامَهُ سُقُوطًا». ١٤وَفِيمَا هُمْ يُكَلِّمُونَهُ وَصَلَ خِصْيَانُ الْمَلِكِ وَأَسْرَعُوا لِلإِتْيَانِ بِهَامَانَ إِلَى الْوَلِيمَةِ الَّتِي عَمِلَتْهَا أَسْتِيرُ.
١. نَائِحًا وَمُغَطَّى الرَّأْسِ: تعبر هذه الكلمات على أن تصرف هَامَان كان وكأنه فقد أحد أحباءه. في الواقع، لقد تلقى كبريائه الضربة القاضية.
٢. فَلاَ تَقْدِرُ عَلَيْهِ، بَلْ تَسْقُطُ قُدَّامَهُ سُقُوطًا: لقد استطاعت زوجة هَامَان وحُكَمَاؤُه رؤية المستقبل رؤية واضحة: لن يسود هَامَان على مُرْدَخَاي، بل سيسود مُرْدَخَاي على هَامَان.