أخبار الأيام الثاني – الإصحاح ٣٣
حُكْما منسى وآمون
أولًا. حكم منسى بن حزقيا
أ ) الآيات (١-٢): ملخّص لحكم منسّى – ٥٥ عامًا من الحكم الشرير.
١كَانَ مَنَسَّى ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. ٢وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ رَجَاسَاتِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
١. كَانَ مَنَسَّى ٱبْنَ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ: يعني هذا أنه وُلد في الخمس عشرة سنة الأخيرة من حياة حزقيا، أي السنوات الخمس عشرة التي أضافها الله إلى عمره عندما صلّى (٢ ملوك ٢٠: ٦). وقد جلبت السنوات المضافة هذه واحدًا من أسوأ ملوكها.
• “لو كان بمقدور هذا الملك الصالح أن يتنبّأ بشرور ابنه غير الجدير، لَما رغب على نحو مؤكد في التعافي من مرضه. فالموت أفضل من إنجاب ابن مثل منسّى.” ناب (Knapp)
٢. وَمَلَكَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ: كان هذا عهدًا طويلًا وشريرًا بشكل ملحوظ. فطول العمر أو المنصب ليس بالضرورة دليلًا على نعمة الله ورضاه.
• “كان ابن داود، لكنه كان نقيض ذلك الملك دائم الإخلاص في ولائه لإله إسرائيل الأوحد والوحيد. كان دم داود يجري في عروقه، لكن طرق داود لم تكن في قلبه. فقد كان نبتة برية منحطة من كرمة نبيلة.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. حَسَبَ رَجَاسَاتِ ٱلْأُمَمِ ٱلَّذِينَ طَرَدَهُمُ ٱلرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: تمثَّل منسّى بخطايا كل من الكنعانيين والإسرائيليين في المملكة الشمالية (٢ ملوك ١٦: ٣). وبما أن الله دان هذه المجموعات على خطاياها وطردها من أرضها، فإن من المتوقع مجيء دينونة مماثلة على يهوذا غير التائبة.
ب) الآيات (٣-٩): خطايا منسّى المعيّنة.
٣وَعَادَ فَبَنَى الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي هَدَمَهَا حَزَقِيَّا أَبُوهُ، وَأَقَامَ مَذَابحَ لِلْبَعْلِيمِ، وَعَمِلَ سَوَارِيَ وَسَجَدَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ وَعَبَدَهَا. ٤وَبَنَى مَذَابحَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ الَّذِي قَالَ عَنْهُ الرَّبُّ: «فِي أُورُشَلِيمَ يَكُونُ اسْمِي إِلَى الأَبَدِ». ٥وَبَنَى مَذَابحَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ فِي دَارَيْ بَيْتِ الرَّبِّ. ٦وَعَبَّرَ بَنِيهِ فِي النَّارِ فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ، وَعَافَ وَتَفَاءَلَ وَسَحَرَ، وَاسْتَخْدَمَ جَانًّا وَتَابِعَةً، وَأَكْثَرَ عَمَلَ الشَّرِّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ لإِغَاظَتِهِ. ٧وَوَضَعَ تِمْثَالَ الشَّكْلِ الَّذِي عَمِلَهُ فِي بَيْتِ اللهِ الَّذِي قَالَ اللهُ عَنْهُ لِدَاوُدَ وَلِسُلَيْمَانَ ابْنِهِ: «فِي هذَا الْبَيْتِ وَفِي أُورُشَلِيمَ الَّتِي اخْتَرْتُ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ أَضَعُ اسْمِي إِلَى الأَبَدِ. ٨وَلاَ أَعُودُ أُزَحْزِحُ رِجْلَ إِسْرَائِيلَ عَنِ الأَرْضِ الَّتِي عَيَّنْتُ لآبَائِهِمْ، وَذلِكَ إِذَا حَفِظُوا وَعَمِلُوا كُلَّ مَا أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ، كُلَّ الشَّرِيعَةِ وَالْفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ عَنْ يَدِ مُوسَى». ٩وَلكِنْ مَنَسَّى أَضَلَّ يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ لِيَعْمَلُوا أَشَرَّ مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
١. وَعَادَ فَبَنَى ٱلْمُرْتَفَعَاتِ ٱلَّتِي هَدَمَهَا حَزَقِيَّا أَبُوهُ: عارض منسّى إصلاحات أبيه حزقيا، وأرجع يهوذا إلى عبادة الأوثان الفظيعة.
• يبيّن هذا أن التوبة، والإصلاح، والانتعاش ليست حالات دائمة. فما يمكن أن يُنجَز في وقت ما يمكن معارضته والرجوع عنه في وقت لاحق.
٢. وَأَقَامَ مَذَابِحَ لِلْبَعْلِيمِ، وَعَمِلَ سَوَارِيَ: لم يُرِد منسّى أن يتمثّل بأبيه التقي. بل تمثّل بواحد من أسوأ ملوك يهوذا على الإطلاق، وهو أخآب. إذ تبَنّى نفس عبادة البعل والسواري (عشيرة، التي كانت تُكرَم بتمثال منحوت – تِمْثَالَ الشَّكْلِ) التي رعتها الدولة، والتي ميّزت حكم أخآب.
٣. وَبَنَى مَذَابِحَ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ: كان من السوء بمكان أن يسمح منسّى بدخول عبادة الأوثان إلى يهوذا، لكنه فعل ما هو أسوأ، حيث أفسد عبادة الإله الحقيقي في الهيكل، وجعل هيكل الرب مكانًا لمذابح الأوثان، بما في ذلك عبادة النجوم (وَبَنَى مَذَابِحَ لِكُلِّ جُنْدِ ٱلسَّمَاءِ).
٤. وَبَنَى مَذَابِحَ لِكُلِّ جُنْدِ ٱلسَّمَاءِ فِي دَارَيْ بَيْتِ ٱلرَّبِّ: لم يكتفِ منسّى بإرجاع أشكال عبادة الأوثان القديمة. إذ أدخل أشكالًا جديدة من عبادة الأوثان إلى يهوذا. وفي ذلك الوقت، كان النفوذ البابلي آخذًا في النمو. وكان البابليون مولعين بعبادة النجوم على نحو خاص. ويرجّح أن منسّى قلّد هذا الأمر.
• “كانت لعبادة الملك المارق لجند السماء سوابق شريرة تعود إلى زمن موسى (تثنية ٤: ١٩)؛ أعمال الرسل ٧: ٤٢). لكن ممارسات كهذه كانت تميّز الأشوريين والبابليين الذين أدمنوا فن التنجيم.” باين (Payne)
• “لكن منسى هذا سعى لنفسه وراء خطايا استثنائية ودخيلة. ومع أن أخآب كان شريرًا للغاية، إلا أنه لم يعبد جند السماء. فكانت هذ عبادة أشورية، ولا بد أن هذا الرجل استورد عبادة أشور وبابل التي كانت جديدة تمامًا.” سبيرجن (Spurgeon)
٥. وَعَبَّرَ بَنِيهِ فِي ٱلنَّارِ: ضحّى منسى بأبنائه للإله الكنعاني مولك الذي كان يُعبَد بحرق الأطفال.
٦. وَعَافَ وَتَفَاءَلَ وَسَحَرَ، وَٱسْتَخْدَمَ جَانًّا وَتَابِعَةً: دعا منسّى إلى التأثير الشيطاني المباشر من خلال مصادقته على فنون السحر والتنجيم وإدخالها إلى يهوذا.
• يعني جذر الكلمة العبرية (yiddeoni) ’التابعة‘ أو ’العارفة.‘ وكانت الكلمة تشير في الأصل إلى الأشباح (الأرواح) التي كان يفترض أنها تمتلك معرفة خارقة. لكنها طُبِّقت على النساء اللواتي زعمن بأنهن كن يمتلكن القوة على استحضارها، أي الساحرات.” باين (Payne)
٧. وَوَضَعَ تِمْثَالَ ٱلشَّكْلِ ٱلَّذِي عَمِلَهُ فِي بَيْتِ ٱللهِ: يبدو أن كاتب أخبار الأيام كان أكثر أدبًا من أن يقولها صراحة. لكن ٢ ملوك ٢١: ٧ تخبرنا أن الوثن كان عشيرة (سواري)، إلهة الخصب الكنعانية. كانت هذه الإلهة تُعبَد من خلال طقوس الدعارة. ويعني هذا أن منسّى جعل هيكل الرب بيت دعارة وثنيًّا مكرَّسًا لعشيرة.
• “من الواضح أن عشيرة (سواري) لم تكن إلا كوكب الزهرة، فينوس. وطبيعة عبادتها واضحة بما يكفي من خلال ذكر العاهرين والعاهرات في معبدها.” كلارك (Clarke)
• “كرر منسّى هذه الخطايا وبالغ فيها كل مرة. فبعد تكريس وثن معبود محظور، كان ينصب وثنًا أكثر بشاعة. وبعد بناء مذابح في دارَي (ساحتَي) الهيكل، تجاسر على فعل المزيد… فكدّس معاصيه وضاعف استفزازاته.” سبيرجن (Spurgeon)
٨. وَلَكِنْ مَنَسَّى أَضَلَّ يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ لِيَعْمَلُوا أَشَرَّ مِنَ ٱلْأُمَمِ ٱلَّذِينَ طَرَدَهُمُ ٱلرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: تخبرنا ٢ ملوك ٢١: ٩ عن نظرة الشعب: ’فلم يسمعوا (لم يأبهوا).‘ ويصف هذا النظرة الأساسية لشعب يهوذا أثناء الخمس والخمسين سنة لحكم منسّى. لم يهتموا لوعود الله السخية لشعبه في حالة طاعتهم له. وفضلًا عن ذلك، أغواهم شر منسّى عن طيب خاطر، فانجذبوا إلى فعل المزيد من الشر.
• “فعل كل ما بوسعه لإفساد الطبيعة الأخلاقية لشعبه والقضاء التام على عبادة الإله الحقيقي. ونجح في ذلك.” كلارك (Clarke)
• “كان امتثال الأمّة لإصلاحات حزقيا سطحيًّا للغاية! فمن دون قائد روحي قوي، تحوَّل الشعب الآثمين بسرعة إلى مكائدهم الشريرة. ولا يمكن أن تكون دينونة الله بعيدة.” باترسون (Patterson) وأوستيل (Austel)
• كان هذا تحولًا من شيء يُكرم الله عمومًا إلى ثقافة تمجّد عبادة الأوثان والفجور. وبشكل عام، يمكننا القول إن هذا حدث لأن الشعب أراد حدوث ذلك. فلم يأبهوا لتحويل ثقافتهم.
ثانيًا. توبة منسّى
أ ) الآيات (١٠-١١): تأديب الله لمنسّى.
١٠وَكَلَّمَ الرَّبُّ مَنَسَّى وَشَعْبَهُ فَلَمْ يُصْغُوا. ١١فَجَلَبَ الرَّبُّ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ الجُنْدِ الَّذِينَ لِمَلِكِ أَشُّورَ، فَأَخَذُوا مَنَسَّى بِخِزَامَةٍ وَقَيَّدُوهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى بَابِلَ.
١. وَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ مَنَسَّى وَشَعْبَهُ: كانت هذه رحمة عظيمة من الله. فلم يكن الرب ملزمًا بأي حال من الأحوال بتحذيرهم وتقويمهم. ولو مارس الله دينونته فورًا، لكان مبررًا تمامًا. وبدلًا من ذلك، تكلم الرب إلى مَنَسَّى وَشَعْبَهُ.
• تخبرنا ٢ ملوك ٢١: ١٠-١٥ المزيد حول تلك التحذيرات المعينة على أفواه الأنبياء.
٢. فَلَمْ يُصْغُوا: رغم تحذيرات الله الكريمة، لم يصغِ لها الشعب أو الملك. فوجد الله طرقًا أكثر إقناعًا للتحدث إلى يهوذا وشعبها.
• تخبرنا ٢ ملوك ٢١: ١٦ عن المدى الرهيب لخطية منسّى: “وَسَفَكَ أَيْضًا مَنَسَّى دَمًا بَرِيًّا كَثِيرًا جِدًّا حَتَّى مَلَأَ أُورُشَلِيمَ مِنَ ٱلْجَانِبِ إِلَى ٱلْجَانِبِ، فَضْلًا عَنْ خَطِيَّتِهِ ٱلَّتِي بِهَا جَعَلَ يَهُوذَا يُخْطِئُ بِعَمَلِ ٱلشَّرِّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ.”
• “لا يمكننا أن نؤكد التقليد القائل إن إشعياء أُعدم عن طريق نشره إلى نصفين. ومع فظاعة هذه الأسطورة، إلا أنها ليست بعيدة الاحتمال على الإطلاق.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. فَجَلَبَ ٱلرَّبُّ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ الجُنْدِ ٱلَّذِينَ لِمَلِكِ أَشُّورَ: سمح الله بأن يُؤخذ منسى أسيرًا ويُجَر إلى بابل، على غرار كونه أسيرًا وعبدًا لنمط خطيته.
• “أرسله الله إلى الزنزانة ليتوب، كما أرسل داود إلى الغمر (الأعماق)، ويونان إلى بطن الحوت ليصلي. لقد قادت الشدائد نفوسًا كثيرة إلى السماء، بينما كان يمكن أن يوصلها النجاح إلى الجحيم.” تراب (Trapp)
• “لم يَرِد ذِكْر لسبي منسّى في مصادر أشورية، رغم أنه قد يظهر في حوليات أسرحدون (٦٨٠-٦٦٩ ب. م.) وأحسوربانيبال (٦٦٨-٦٢٦ ب. م.) باعتباره تابعًا رغم أنفه، حيث أُجبِر على توفير إمدادات لمشروعات إنشائية وعسكرية لأشور. ومن المحتمل جدًّا أنه تمرد في مرحلة ما على الأعباء الثقيلة المفروضة عليه.” سيلمان (Selman)
• “ليس وجود منسى في بابل أمرًا مفاجئًا، حيث كان لأشور اهتمام قديم ببابل التي كانت تحت السيطرة المباشرة لحكم أسرحدون بعد زوال شمش – شوم – أونكين.” سيلمان (Selman)
ب) الآيات (١٢-١٣): توبة منسّى المذهلة.
١٢وَلَمَّا تَضَايَقَ طَلَبَ وَجْهَ الرَّبِّ إِلهِهِ، وَتَوَاضَعَ جِدًّا أَمَامَ إِلهِ آبَائِهِ، ١٣وَصَلَّى إِلَيْهِ فَاسْتَجَابَ لَهُ وَسَمِعَ تَضَرُّعَهُ، وَرَدَّهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى مَمْلَكَتِهِ. فَعَلِمَ مَنَسَّى أَنَّ الرَّبَّ هُوَ اللهُ.
١. وَلَمَّا تَضَايَقَ طَلَبَ وَجْهَ ٱلرَّبِّ إِلَهِهِ: لم يكن منسّى أول (ولا آخر) من عاد إلى الرب بعد موسم قاسٍ من المحنة. فقد قيل إن الله يكلّمنا في ملذاتنا، وينادينا في أوجاعنا. وأخيرًا، سمع حزقيا صوت الله من خلال المحنة.
• “عُرف الشعب الأشوري بشراستهم. وبعد استفزازات منسّى لهم، أحسوا بما يمكن للغضب أن يخلقه من سخط واستهزاء وقسوة. فصار الذي اتكل على الأوثان عبدًا لشعب وثني. وصار الذي سفك دمًا كثيرًا عُرضة لإراقة دمه. وصار الذي أهان الرب موضع إهانة دائمة الآن.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. وَتَوَاضَعَ جِدًّا أَمَامَ إِلَهِ آبَائِهِ: تذكّرنا كلمة ’تَوَاضَعَ‘ بأن جوهر خطية منسّى هي الكبرياء. ويذكّرنا تعبير ’إِلَهِ آبَائِهِ‘ أن منسّى رجع إلى الميراث التقي الذي تلقّاه من أبيه حزقيا.
• هذا مثلٌ رائع للمبدأ القائل: “رَبِّ ٱلْوَلَدَ فِي طَرِيقِهِ، فَمَتَى شَاخَ أَيْضًا لَا يَحِيدُ عَنْهُ” (أمثال ٢٢: ٦). لقد تربّى منسّى على يد أب تقي، لكنه عاش في تحدٍّ لإيمان أبيه مُعْظم حياته. ومع ذلك، تاب في نهاية أيامه وخدم الرب.
٣. فَٱسْتَجَابَ لَهُ وَسَمِعَ تَضَرُّعَهُ، وَرَدَّهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى مَمْلَكَتِهِ: استرد الله في لطفه منسى الذي تاب في آخر حياته. وكانت هذه الاستجابة الكريمة لمنسى هي الخطوة الأخيرة في عودته إلى الرب (فَعَلِمَ مَنَسَّى أَنَّ ٱلرَّبَّ هُوَ ٱللهُ).
• “أقنعته خبرته الخاصة بقوة الله، وعدله، وصلاحه. وأدرك أن الرب هو وحده الإله الحقيقي، وليست تلك الأوثان التي سبّبت له أذى عظيمًا، لا خيرًا.” بوله (Poole)
• “من الواضح أن توبة منسّى كانت الموضوع الرئيسي في ذهن كاتب أخبار الأيام. ففي حين أنه يتم رسم خطاياه بأمانة وكشْفها بكل بشاعتها، تصبح هذه كلها خلفية تندفع نحو توبة منسّى الأصيلة واستجابة الله الكريمة والفورية.” مورجان (Morgan)
• تخيّل سبيرجن (Spurgeon) في عظته بعنوان ’الابن الضال في العهد القديم‘ كيفية استجابة البقية المؤمنة في أورشليم لدى سماعهم خبر عودة منسّى من بابل. لقد تنفّسوا الصعداء لفترة وجيزة من الاضطهاد الذي عانوا منه على يد الملك الشرير، أو على الأقل من التباطؤ في التعزيز الرسمي لعبادة الأوثان. وعندما سمعوا برجوعه، سجدوا على ركبهم متضرعين إلى الله أن يرحمهم مرة أخرى. ثم تخيّلوا دهشتهم عندما وجدوا أن الملك منسّى عاد رجلًا تائبًا ومجدَّدًا.
• “يا الله! لا أتعجب من خطية منسّى بقدر ما أتعجب من رحمة الله.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (١٤-١٧): أعمال منسّى الأخيرة.
١٤وَبَعْدَ ذلِكَ بَنَى سُورًا خَارِجَ مَدِينَةِ دَاوُدَ غَرْبًا إِلَى جِيحُونَ فِي الْوَادِي، وَإِلَى مَدْخَلِ بَابِ السَّمَكِ، وَحَوَّطَ الأَكَمَةَ بِسُورٍ وَعَلاَّهُ جِدًّا. وَوَضَعَ رُؤَسَاءَ جُيُوشٍ فِي جَمِيعِ الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ فِي يَهُوذَا. ١٥وَأَزَالَ الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ وَالأَشْبَاهَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ، وَجَمِيعَ الْمَذَابِحِ الَّتِي بَنَاهَا فِي جَبَلِ بَيْتِ الرَّبِّ وَفِي أُورُشَلِيمَ، وَطَرَحَهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ. ١٦وَرَمَّمَ مَذْبَحَ الرَّبِّ وَذَبَحَ عَلَيْهِ ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ وَشُكْرٍ، وَأَمَرَ يَهُوذَا أَنْ يَعْبُدُوا الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ. ١٧إِلاَّ أَنَّ الشَّعْبَ كَانُوا بَعْدُ يَذْبَحُونَ عَلَى الْمُرْتَفَعَاتِ، إِنَّمَا لِلرَّبِّ إِلهِهِمْ.
١. وَبَعْدَ ذَلِكَ بَنَى سُورًا: قبل أن يتواضع منسّى ويتوب، لم يهتم كثيرًا بدفاع أورشليم ويهوذا. والآن، ومن منظور أكثر تقوى، بدأ يهتم بعمق بأمان شعب الله ومملكة يهوذا.
• “ربما كان هذا موقعًا ضعيفًا فحصّنه، أو جزءًا من سور هدمه الأشوريون فقام بترميمه.” كلارك (Clarke)
٢. وَأَزَالَ ٱلْآلِهَةَ ٱلْغَرِيبَةَ وَٱلْأَشْبَاهَ مِنْ بَيْتِ ٱلرَّبِّ: قبل تواضعه وتوبته، كان يشجع على عبادة الأوثان. وها هو الآن يقضي عليها، ويشجع على عبادة الرب إله إسرائيل وحده، حتى أنه أمر شعب يهوذا بأن يخدموا الرب (وَأَمَرَ يَهُوذَا أَنْ يَعْبُدُوا الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ).
• “مثّلت إصلاحات منسّى الدينية نقيضًا مباشرًا للسياسات السابقة التي انتهجها (الآيات ٢-٩)، حيث تمت إزالة كل بند من هذه البنود في الآية ١٥ المذكورة في الآيتين ٣ و٧.” سيلمان (Selman)
• “ارجعْ إليه بانكسار الروح، ولن يغفر لك فحسب، بل سيخرجك من محنتك أيضًا. وسيعطيك، كما أعطى منسّى، فرصة للتراجع عن الأمور الشريرة التي شوّهت ماضيك.” ماير (Meyer)
٣. إِلَّا أَنَّ ٱلشَّعْبَ كَانُوا بَعْدُ يَذْبَحُونَ عَلَى ٱلْمُرْتَفَعَاتِ، إِنَّمَا لِلرَّبِّ إِلَهِهِمْ: يذكّرنا هذا بضرورة التمييز بين نوعين من المرتفعات. إذ كان بعضها مذابح لأوثان، وبعضها الآخر مذابح غير مرخص بها للإله الحقيقي. فأوقف منسّى كل عبادة وثنية، لكن العبادة غير المرخّص بها (خارج الهيكل) استمرت.
• “لا يمكن إبطال نصف قرن من الوثنية بستة أعوام من الإصلاح.” باين (Payne)
• “في حين أن التوبة عن الخطايا الشخصية تجلب الغفران الفوري، فإن من المرجح جدًّا أن يبقى تأثير هذه الخطايا.” مورجان (Morgan)
د ) الآيات (١٨-٢٠): موت منسّى ودفنه.
١٨وَبَقِيَّةُ أُمُورِ مَنَسَّى وَصَلاَتُهُ إِلَى إِلهِهِ، وَكَلاَمُ الرَّائِينَ الَّذِينَ كَلَّمُوهُ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ، هَا هِيَ فِي أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. ١٩وَصَلاَتُهُ وَالاسْتِجَابَةُ لَهُ، وَكُلُّ خَطَايَاهُ وَخِيَانَتُهُ وَالأَمَاكِنُ الَّتِي بَنَى فِيهَا مُرْتَفَعَاتٍ وَأَقَامَ سَوَارِيَ وَتَمَاثِيلَ قَبْلَ تَوَاضُعِهِ، هَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي أَخْبَارِ الرَّائِينَ. ٢٠ثُمَّ اضْطَجَعَ مَنَسَّى مَعَ آبَائِهِ فَدَفَنُوهُ فِي بَيْتِهِ، وَمَلَكَ آمُونُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ.
١. وَبَقِيَّةُ أُمُورِ مَنَسَّى: لا بد أن كاتب أخبار الأيام يشير إلى وثاثق تتضمن معلومات أكبر من نص ملوك الثاني. فلا يذكر نص ملوك الثاني توبة منسّى، ولا يخبرنا أي شيء يختلف جوهريًّا عما قرأناه في ٢ أخبار الأيام.
• “توضّح قصة منسّى أحد الموضوعات الرئيسية في أخبار الأيام، وهو أن الله يستطيع أن يفي بوعده بالاسترداد المذكور في ٢ أخبار الأيام ٧: ١٢-١٦ للتائبين حتى في أكثر الظروف قسوة.” سيلمان (Selman)
• “أما بالنسبة لليأس، فإنه أمر فظيع. وفي حين أن قصة منسّى ما زالت مدونة، فإنه لا يوجد لدى أي إنسان عذر مقبول للهلاك في اليأس. فما من إنسان مبرر في قوله: ’لن يغفر الله لي أبدًا.‘ اقرأ قصة منسّى مرة أخرى، وانظر إلى شوط الخطية البعيد الذي قطعه، وإلى الارتفاعات الشاهقة للشر التي تسلَّقها. ثم قل لنفسك: ’هل وصلت إليه رحمة الله السيادية؟ فإن كان الجواب هو بالإيجاب، فإنها يمكن أن تصل إليك أنت أيضًا.‘” سبيرجن (Spurgeon)
٢. ثُمَّ ٱضْطَجَعَ مَنَسَّى مَعَ آبَائِهِ: كان ملكًا شريرًا، لكنه تاب حقًّا وخدم الله في نهاية أيامه. وهكذا يمكننا القول إنه كان صحيحًا تمامًا أنه ٱضْطَجَعَ (ارتاح) مَنَسَّى مَعَ آبَائِهِ.
• “يساعد اهتداء منسّى في تفسير مشكلة مزمنة في الملوك، وهي سبب وقوع السبي أثناء حكم منسّى إذا كانت خطاياه خطيرة جدًّا إلى هذا الحد.” سيلمان (Selman)
• غير أن توبته كانت متأخرة جدًّا بحيث لم تستطع أن تغيّر الأمّة. “ربما وفّرت الثورات واسعة النطاق في عهد أشورنابيبال مناسبة لاستدعاء منسّى إلى بابل وسجنه هناك. فإذا كان الأمر كذلك، فقد فات الأوان، على ما يبدو، على أن يؤثر إطلاق سراح منسّى وإصلاحه اللاحقان تأثيرًا كبيرًا في الأشخاص الذين ارتدوا بعناد.” باترسون (Patterson) وأوستيل (Austel)
• ولم يكن سريعًا بحيث يغيّر مصير المملكة. “وبعد سنوات، عندما سقطت أورشليم في أيدي البابليين، سيلقي كاتب أخبار الأيام اللوم على خطايا منسى في مسألة عقاب يهوذا (٢ ملوك ٢٤: ٣-٤).” ديلداي (Dilday)
• “كان منسّى، أكثر من أي شخص آخر، مسؤولًا عن الدمار النهائي لمملكة يهوذا (٢ ملوك ٢٣: ٢٦؛ ٢٤: ٣؛ إرميا ١٥: ٤).” باين (Payne)
ثالثًا. حكم آمون بن منسّى
أ ) الآيات (٢١-٢٣): حُكم شرير لعامين.
٢١كَانَ آمُونُ ابْنَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ سَنَتَيْنِ فِي أُورُشَلِيمَ. ٢٢وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ كَمَا عَمِلَ مَنَسَّى أَبُوهُ، وَذَبَحَ آمُونُ لِجَمِيعِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي عَمِلَ مَنَسَّى أَبُوهُ وَعَبَدَهَا. ٢٣وَلَمْ يَتَوَاضَعْ أَمَامَ الرَّبِّ كَمَا تَوَاضَعَ مَنَسَّى أَبُوهُ، بَلِ ازْدَادَ آمُونُ إِثْمًا.
١. وَمَلَكَ سَنَتَيْنِ فِي أُورُشَلِيمَ: هذا الحكم القصير على نحو غير عادي مؤشر على أن بركة الله لم تكن على عهد آمون.
٢. وَعَمِلَ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ كَمَا عَمِلَ مَنَسَّى أَبُوهُ… وَلَمْ يَتَوَاضَعْ أَمَامَ ٱلرَّبِّ كَمَا تَوَاضَعَ مَنَسَّى أَبُوهُ: أخطأ آمون كما سبق أن فعل أبوه منسّى من دون أن يتوب كما تاب أبوه. ومن المحتمل أن واحدًا من أحزان منسّى التائب هو أن أبناءه الذين تأثروا بخطاياه لم يتوبوا أيضًا.
• “لا توجد بقعة مضيئة واحدة في المعدن الأخلاقي لهذا الملك لتخفف قتام سجل حياته القصيرة.” ناب (Knapp)
• “يقول جليكاس إن آمون قسّى نفسه في الخطية بمثال أبيه الذي أخذ حريته في الخطية، مع أنه تاب في نهاية الأمر. ولذلك فكّر: ’سأفعل كما فعل أبي.‘ وسرعان ما أُخرِج من العالم من أجل تجاسره، فمات في خطاياه، كما تبيّن ٢ أخبار الأيام ٣٣: ٢٣.” تراب (Trapp)
• “يبيّن منسّى وآمون في طرقهما المتناقضة أن النظرة القدرية في وجه دينونة الله غير مبررة على الإطلاق.” سيلمان (Selman)
ب) الآيات (٢٤-٢٥): اغتيال آمون.
٢٤وَفَتَنَ عَلَيْهِ عَبِيدُهُ وَقَتَلُوهُ فِي بَيْتِهِ. ٢٥وَقَتَلَ شَعْبُ الأَرْضِ جَمِيعَ الْفَاتِنِينَ عَلَى الْمَلِكِ آمُونَ، وَمَلَّكَ شَعْبُ الأَرْضِ يُوشِيَّا ابْنَهُ عِوَضًا عَنْهُ.
١. وَفَتَنَ عَلَيْهِ عَبِيدُهُ وَقَتَلُوهُ فِي بَيْتِهِ: يبدو أن قصص التآمر والاغتيال تخص ملوك إسرائيل، لا يهوذا. لكن عندما ابتدأ ملوك يهوذا وشعبها بالاقتداء بخطايا جيرانهم الشماليين اللذين هُزِموا، انزلقوا إلى نفس الفوضى التي ميّزت فترة تاريخ إسرائيل.
• “رغم أن كلمة الله لا تعطي أي سبب لهذا التآمر، إلا أنه قد يكمن في شبكة الثورات المتشابكة التي قمعها أشوربانيبال من ٦٤٢ إلى ٦٣٩ قبل الميلاد، والتي دفعته إلى الاهتمام غربًا. وبالتالي، قد يعكس موت آمون صراعًا بين أولئك الذين رغبوا في البقاء مخْلِصين للتاج الأشوري، وأولئك الذين تطلّعوا إلى ربط مصير يهوذا بالنجم الصاعد، بسماتيك (٦٦٤-٦٠٩ ق. م.) من السلالة السادسة والعشرين في مصر.” باترسون (Patterson) وأوستيل (Austel)
٢. وَقَتَلَ شَعْبُ ٱلْأَرْضِ جَمِيعَ ٱلْفَاتِنِينَ عَلَى ٱلْمَلِكِ آمُونَ: كانت هذه علامة تبعث على الأمل. فحتى تلك اللحظة، كان شعب يهوذا قد تحمَّل إلى حد كبير حوالي ٥٧ سنة من الملوك الأشرار الذين قادوا الأمة في طريق الشر. ويبدو أنهم أرادوا الآن البر والعدالة بدلًا من الشر الذي عاشوا فيه فترة طويلة.
• بطريقة ما، يمكن القول إن شعب يهوذا حصلوا على مثل هؤلاء الملوك الأشرار لأنهم أرادوا ذلك. فقد أعطاهم الله الملوك الذين أرادوهم واستحقّوهم. ولأن الشعب طلب التقوى والبر، أعطاهم الله ملكًا أفضل.
٣. وَمَلَّكَ شَعْبُ ٱلْأَرْضِ يُوشِيَّا ٱبْنَهُ عِوَضًا عَنْهُ: رغم اغتيال آمون، لم يسمح الله بأن تنزلق يهوذا إلى نفس حفرة الفوضى التي غرقت فيها مملكة إسرائيل. وبسبب عمل شَعْبُ ٱلْأَرْضِ البار، لم يكن هنالك تغيير في السلالة الحاكمة. إذ اعتلى عرش يهوذا الابن الشرعي وريث داود.
• “كانت المساهمة الإيجابية الوحيدة التي قدّمها آمون في تاريخ يهوذا هي إنجاب واحد من أفضل الملوك الذين سيملكون في أورشليم.” ديلداي (Dilday)