أخبار الأيام الثاني – الإصحاح ٣٥
فصح يوشيا
أولًا. فصح يوشيا العظيم
أ ) الآيات (١-٦): يوشيا يوجه الكهنة واللاويين للاحتفال بالفصح.
١وَعَمِلَ يُوشِيَّا فِي أُورُشَلِيمَ فِصْحًا لِلرَّبِّ، وَذَبَحُوا الْفِصْحَ فِي الرَّابعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأَوَّلِ. ٢وَأَقَامَ الْكَهَنَةَ عَلَى حِرَاسَاتِهِمْ وَشَدَّدَهُمْ لِخِدْمَةِ بَيْتِ الرَّبِّ. ٣وَقَالَ لِلاَّوِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يُعَلِّمُونَ كُلَّ إِسْرَائِيلَ، الَّذِينَ كَانُوا مُقَدَّسِينَ لِلرَّبِّ: «اجْعَلُوا تَابُوتَ الْقُدْسِ فِي الْبَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ. لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَحْمِلُوا عَلَى الأَكْتَافِ. الآنَ اخْدِمُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ وَشَعْبَهُ إِسْرَائِيلَ. ٤وَأَعِدُّوا بُيُوتَ آبَائِكُمْ حَسَبَ فِرَقِكُمْ، حَسَبَ كِتَابَةِ دَاوُدَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، وَحَسَبَ كِتَابَةِ سُلَيْمَانَ ابْنِهِ. ٥وَقَفُوا فِي الْقُدْسِ حَسَبَ أَقْسَامِ بُيُوتِ آبَاءِ إِخْوَتِكُمْ بَنِي الشَّعْبِ وَفِرَقِ بُيُوتِ آبَاءِ اللاَّوِيِّينَ، ٦وَاذْبَحُوا الْفِصْحَ وَتَقَدَّسُوا وَأَعِدُّوا إِخْوَتَكُمْ لِيَعْمَلُوا حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ عَنْ يَدِ مُوسَى».
١. وَذَبَحُوا ٱلْفِصْحَ فِي ٱلرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ ٱلشَّهْرِ ٱلْأَوَّلِ: احتفلت الأمة في الفصح في أيام حزقيا (٢ أخبار الأيام ٣٠: ١-٣). وقد اضطر إلى الاحتفال به في الشهر الثاني. لكن يوشيا استطاع أن يحتفل بهذا الفصح العظيم في الوقت المحدد، أي في الشهر الأول (سفر العدد ٩: ١-٥).
٢. وَأَقَامَ ٱلْكَهَنَةَ عَلَى حِرَاسَاتِهِمْ وَشَدَّدَهُمْ (وشجعهم) لِخِدْمَةِ بَيْتِ ٱلرَّبِّ: فهِم يوشيا أن الأمر يتطلب قدرًا هائلًا من التخطيط والعمل لإجراء الفصح على نحو سليم. فكان الكهنة محتاجين إلى الإعداد والتشجيع معًا.
• “إن أول شيء يتوجب أن تفعله هو أن تضع كل رجل في مكانه الصحيح. والشيء الثاني هو أن يتمتع كل رجل بروح عالية لكي يحتل تلك المكانة بجدارة.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. ٱجْعَلُوا تَابُوتَ ٱلْقُدْسِ فِي ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِي بَنَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ: تحت إشراف الملك يوشيا، وجد حلقيا الكاهن مؤخرًا نسخة من شريعة موسى في الهيكل. ونتعلم الآن أنه تحت إدارتي الملكين المارقين منسّى وآمون، نُقل التابوت من الهيكل على ما يظهر. وها هو الملك يوشيا يقدّم توجيهًا بإعادته إلى مكانه الشرعي.
• لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَحْمِلُوا (لن يكون عبئًا) عَلَى ٱلْأَكْتَافِ: نتعلم الآن أن التابوت لم يكن ’مرتاحًا‘ في المكان المقدس من الهيكل. وقد حان الوقت لإعادته إلى راحته.
• “يخبرنا العبرانيون أن الكهنة في تلك الأزمنة الوثنية أخرجوا التابوت من الهيكل لئلا يكون بين تلك الأوثان النجسة، وأنهم نقلوه إلى بيت شلّوم، عمّ النبي إرميا وزوج النبية خلدة.” تراب (Trapp)
٤. وَٱذْبَحُوا ٱلْفِصْحَ: كانت إحدى سمات احتفال الفصح ذبح حمل عن كل بيت (خروج ١٢: ٤٣-٤٩). فعنى هذا قدرًا كبيرًا من العمل للكهنة.
ب) الآيات (٧-٩): توفير حملان لذبيحة الفصح.
٧وَأَعْطَى يُوشِيَّا لِبَنِي الشَّعْبِ غَنَمًا، حُمْلاَنًا وَجِدَاءً، جَمِيعَ ذلِكَ لِلْفِصْحِ لِكُلِّ الْمَوْجُودِينَ إِلَى عَدَدِ ثَلاَثِينَ أَلْفًا وَثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِنَ الْبَقَرِ. هذِهِ مِنْ مَالِ الْمَلِكِ. ٨وَرُؤَسَاؤُهُ قَدَّمُوا تَبَرُّعًا لِلشَّعْبِ وَالْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ حِلْقِيَا وَزَكَرِيَّا وَيَحْيِئِيلَ رُؤَسَاءِ بَيْتِ اللهِ. أَعْطَوْا الْكَهَنَةَ لِلْفِصْحِ أَلْفَيْنِ وَسِتَّ مِئَةٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ ثَلاَثَ مِئَةٍ. ٩وَكُونَنْيَا وَشِمْعِيَا وَنِثْنِئِيلُ أَخَوَاهُ وَحَشَبْيَا وَيَعِيئِيلُ وَيُوزَابَادُ رُؤَسَاءُ اللاَّوِيِّينَ قَدَّمُوا لِلاَوِيِّينَ لِلْفِصْحِ خَمْسَةَ آلاَفٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ خَمْسَ مِئَةٍ.
١. وَأَعْطَى يُوشِيَّا لِبَنِي ٱلشَّعْبِ غَنَمًا، حُمْلَانًا وَجِدَاءً: كان هذا كرمًا مذهلًا من جانب الملك يوشيا. فقد قدّم غنمًا، وحملانًا، وجداء، وثلاثة وثلاثين ألفًا من البقر. ويبيّن هذا مدى حماسته للاحتفال بالفصح واستعداده لتحمُّل التكلفة.
• “كان العدد الإجمالي للقرابين أكثر من ضعفي ما كان عليه في فصح حزقيا (٢ أخبار الأيام ٣٠: ٢٤). وهذه إشارة أخرى إلى سخاء وأهمية أكبر لهذه المناسبة.” سيلمان (Selman)
٢. وَرُؤَسَاؤُهُ قَدَّمُوا تَبَرُّعًا لِلشَّعْبِ: وكما هي العادة في كثير من الأحيان، فإن كرم القائد (الملك يوشيا هنا) دفع الآخرين إلى إظهار الكرم.
ج) الآيات (١٠-١٤): ذبح حملان الفصح والوجبة الذبيحية.
١٠فَتَهَيَّأَتِ الْخِدْمَةُ، وَقَامَ الْكَهَنَةُ فِي مَقَامِهِمْ وَاللاَّوِيُّونَ فِي فِرَقِهِمْ حَسَبَ أَمْرِ الْمَلِكِ، ١١وَذَبَحُوا الْفِصْحَ. وَرَشَّ الْكَهَنَةُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَأَمَّا اللاَّوِيُّونَ فَكَانُوا يَسْلَخُونَ. ١٢وَرَفَعُوا الْمُحْرَقَةَ لِيُعْطُوا حَسَبَ أَقْسَامِ بُيُوتِ الآبَاءِ لِبَنِي الشَّعْبِ، لِيُقَرِّبُوا لِلرَّبِّ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ مُوسَى. وَهكَذَا بِالْبَقَرِ. ١٣وَشَوَوْا الْفِصْحَ بِالنَّارِ كَالْمَرْسُومِ. وَأَمَّا الأَقْدَاسُ فَطَبَخُوهَا فِي الْقُدُورِ وَالْمَرَاجِلِ وَالصِّحَافِ، وَبَادَرُوا بِهَا إِلَى جَمِيعِ بَنِي الشَّعْبِ. ١٤وَبَعْدُ أَعَدُّوا لأَنْفُسِهِمْ وَلِلْكَهَنَةِ، لأَنَّ الْكَهَنَةَ بَنِي هَارُونَ كَانُوا عَلَى إِصْعَادِ الْمُحْرَقَةِ وَالشَّحْمِ إِلَى اللَّيْلِ. فَأَعَدَّ اللاَّوِيُّونَ لأَنْفُسِهِمْ وَلِلْكَهَنَةِ بَنِي هَارُونَ.
١. فَتَهَيَّأَتِ ٱلْخِدْمَةُ: “’تَهَيَّأَتِ ٱلْخِدْمَة‘ عبارة نادرة لكن مهمة لا تَرِد في العهد القديم إلا هنا وفي ٢ أخبار الأيام ٨: ١٦ و ٢٩: ٣٥. وتعني أن كل شيء تم حسب طلب الله.” سيلمان (Selman)
٢. وَذَبَحُوا ٱلْفِصْحَ: يبدو أنه في هذا الفصح كان الكهنة هم الذين قاموا بذبح الذبائح بشكل مباشر. فلم يسمحوا لرب كل بيت بإجراء عملية الذبح بشكل فردي.
• “على نقيض ممارسة حزقيا والتضمينات المترتبة حسب شريعة موسى (تثنية ١٦: ٥-٦؛ ٢ أخبار الأيام ٣: ١٧)، كان اللاويون يقومون بذبح حملان الفصح.” سيلمان (Selman)
• كان لكلارك (Clarke) رأي آخر: “يمكن للشعب أنفسهم أن يذبحوا حملان فصحهم، ثم يقدموا الدم للكهنة ليرشوه أمام المذبح. وكان اللاويون يسلخونها ويهيئونها للتتبيل.”
٣. وَشَوَوْا ٱلْفِصْحَ بِٱلنَّارِ كَٱلْمَرْسُومِ: كان هذا هو الجانب الثاني من احتفال الفصح، وهو وجبة احتفالية تتمتع بها الأمة كلها في كل بيت.
• وَشَوَوْا ٱلْفِصْحَ بِٱلنَّارِ: “يعلن هذا أن المسيح شُوِيَ بنار غضب الله الشديد.” تراب (Trapp)
• “في حين أن قطعان الغنم والجداء قُدمت كحملان للفصح، لا بد أن الأبقار قدِّمت كقرابين سلامة من أجل الأكل طوال أيام الفطير التي أعقبت الفصح.” باين (Payne)
٤. وَبَعْدُ أَعَدُّوا لِأَنْفُسِهِمْ وَلِلْكَهَنَةِ: كان هذا هو الترتيب الصحيح. أولًا، خُدِم الشعب، ثم الكهنة واللاويون.
د ) الآيات (١٥-١٩): عظمة فصح يوشيا.
١٥وَالْمُغَنُّونَ بَنُو آسَافَ كَانُوا فِي مَقَامِهِمْ حَسَبَ أَمْرِ دَاوُدَ وَآسَافَ وَهَيْمَانَ وَيَدُوثُونَ رَائِي الْمَلِكِ. وَالْبَوَّابُونَ عَلَى بَابٍ فَبَابٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَحِيدُوا عَنْ خِدْمَتِهِمْ، لأَنَّ إِخْوَتَهُمُ اللاَّوِيِّينَ أَعَدُّوا لَهُمْ. ١٦فَتَهَيَّأَ كُلُّ خَدَمَةِ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ لِعَمَلِ الْفِصْحِ وَإِصْعَادِ الْمُحْرَقَاتِ عَلَى مَذْبَحِ الرَّبِّ حَسَبَ أَمْرِ الْمَلِكِ يُوشِيَّا. ١٧وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْمَوْجُودُونَ الْفِصْحَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ، وَعِيدَ الْفَطِيرِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. ١٨وَلَمْ يُعْمَلْ فِصْحٌ مِثْلُهُ فِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَيَّامِ صَمُوئِيلَ النَّبِيِّ. وَكُلُّ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ لَمْ يَعْمَلُوا كَالْفِصْحِ الَّذِي عَمِلَهُ يُوشِيَّا وَالْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ وَكُلُّ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ الْمَوْجُودِينَ وَسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ. ١٩فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ لِمُلْكِ يُوشِيَّا عُمِلَ هذَا الْفِصْحُ.
١. وَٱلْمُغَنُّونَ بَنُو آسَافَ كَانُوا فِي مَقَامِهِمْ: لم يكن في شريعة موسى ما يوجّه الغناء أو العبادة الجماعية بالترنيم في احتفال الفصح. ولهذا تجاوز يوشيا الوصية ليجعل هذه المناسبة ذات مغزى خاص فلا تُنسى.
٢. وَٱلْبَوَّابُونَ عَلَى بَابٍ فَبَابٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَحِيدُوا عَنْ خِدْمَتِهِمْ: يبيّن هذا أن يوشيا كان مدركًا لأمان المملكة وقوتها حتى أثناء هذا الاحتفال العظيم. إذ بقي الحراس جاهزين، وخصص اللاويون حصصًا للبوابين الشاكرين.
٣. فَتَهَيَّأَ كُلُّ خَدَمَةِ ٱلرَّبِّ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ: بفضل التخطيط والتنظيم والعمل الجاد الذي قام به الملك والكهنة واللاويون، تمّ إعداد هذه الكمية الهائلة من الذبائح والوجبات الاحتفالية في اليوم نفسه. ولم يفعلوا هذا عن إكراه، بل في محاولة منهم لطاعة أمر موسى (سفر العدد ٩: ١-٥).
٤. وَلَمْ يُعْمَلْ فِصْحٌ مِثْلُهُ فِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَيَّامِ صَمُوئِيلَ ٱلنَّبِيِّ: كان الاحتفال بالفصح هذا مهمًّا للغاية لدرجة أنه كان على المرء أن يعود إلى ما قبل زمن داود وسليمان ليجد أن الفصح تمّ بتنظيم حسن وبفرح.
• كان هذا الفصح متميّزًا لعدة أسباب.
كان متميّزًا في ضخامة الاحتفال به، حيث شمل الحضور بقية أسباط الشمال الذين جاءوا إلى أورشليم لهذا الغرض. “يشمل ’كُلُّ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ‘ أشخاصًا من الشمال والجنوب، ما يوحي بحضور أكبر من فصح حزقيا (انظر ٢ أخبار الأيام ٣٠: ٢٥).” سيلمان (Selman)
كان متميّزًا في صرامة طاعته لشريعة موسى.
كان متميّزًا بالطريقة التي لمع بها في وسط هذه السنوات المظلمة من تاريخ يهوذا.
• “لا، لم يحدث هذا في أيام حزقيا، لأن الجماعة في عيد الفصح لم تكن عظيمة، ولم تكن مهيّأة إلى هذا الحد، ولم يكن اللاويون والمغنون في تنظيم حسن هكذا، ولم تكن الذبائح بهذه الكثرة.” تراب (Trapp)
• “كان فصح يوشيا ضخمًا ونادرًا في نجاحه بفضل القدر الهائل من الاستعدادات السابقة، كما هو مذكور في هذا الإصحاح.” ماير (Meyer)
ثانيًا. موت الملك يوشيا
أ ) الآيات (٢٠-٢٢): يوشيا يذهب إلى الحرب متجاهلًا تحذير الرب.
٢٠بَعْدَ كُلِّ هذَا حِينَ هَيَّأَ يُوشِيَّا الْبَيْتَ، صَعِدَ نَخُوُ مَلِكُ مِصْرَ إِلَى كَرْكَمِيشَ لِيُحَارِبَ عِنْدَ الْفُرَاتِ. فَخَرَجَ يُوشِيَّا لِلِقَائِهِ. ٢١فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رُسُلًا يَقُولُ: «مَا لِي وَلَكَ يَا مَلِكَ يَهُوذَا! لَسْتُ عَلَيْكَ أَنْتَ الْيَوْمَ، وَلكِنْ عَلَى بَيْتِ حَرْبِي، وَاللهُ أَمَرَ بِإِسْرَاعِي. فَكُفَّ عَنِ اللهِ الَّذِي مَعِي فَلاَ يُهْلِكَكَ». ٢٢وَلَمْ يُحَوِّلْ يُوشِيَّا وَجْهَهُ عَنْهُ بَلْ تَنَكَّرَ لِمُقَاتَلَتِهِ، وَلَمْ يَسْمَعْ لِكَلاَمِ نَخُوٍ مِنْ فَمِ اللهِ، بَلْ جَاءَ لِيُحَارِبَ فِي بُقْعَةِ مَجِدُّو.
١. صَعِدَ نَخْوُ مَلِكُ مِصْرَ إِلَى كَرْكَمِيشَ لِيُحَارِبَ عِنْدَ ٱلْفُرَاتِ: كان هذا جزءًا من الصراع الجيوسياسي بين الإمبراطورية الأشورية الآخذة في التضعضع والإمبراطورية البابلية الناشئة، حيث تحالف الأشوريون مع المصريين للحماية من قوة البابليين المتزايدة.
٢. فَخَرَجَ يُوشِيَّا لِلِقَائِهِ: من المؤسف أن يوشيا تجاهل مشورة جيدة مقدَّمة من نَخُو عندما قال له: مَا لِي وَلَكَ يَا مَلِكَ يَهُوذَا! لَسْتُ عَلَيْكَ أَنْتَ ٱلْيَوْمَ. إذ رفض يوشيا بعناد سماع هذا التحذير (الذي كان في الواقع من الله).
• كان يوشيا في خطية، لأن هجومه على المصريين جاء دعمًا للإمبراطورية الأشورية، ولم يكن له أن يتدخل ويدعمها. “لا بد أن السبب الوحيد الذي دفعه إلى هذا هو بعض المزايا السياسية المفترضة. وقد كان الأنبياء يحذّرون الملوك باستمرار من هذا النوع من العمل. وللرسالة التي تدعي أنها من الله وتحرّم ما كان محرّمًا بالفعل وزن أخلاقي يكاد يصل إلى اليقين.” مورجان (Morgan)
• من المثير للاهتمام أن نَخُو قال: وَٱللهُ أَمَرَ بِإِسْرَاعِي. فَكُفَّ عَنِ ٱللهِ ٱلَّذِي مَعِي فَلَا يُهْلِكَكَ. من غير المحتمل أن يكون نَخُو قد فهم وعنى أنه كان في الواقع وسيطًا لإله إسرائيل. ويرجح أنه قال وعنى هذا من منظور آلهته وفهمه الخطأ لله. ومع ذلك، كانت نبوة إلهية لم يدركها قائلها، شأنها شأن كلمات قيافا حول موت يسوع (يوحنا ١١: ٤٩-٥٢).
• “ومع ذلك، أعتقد أنه كان عليه أن يضع هذا الكلام في اعتباره ويستفسر من الله حوله، وهو أمر تجاهله. ولا يمكن أن يكون معذورًا في هذا. ولهذا دفع ضريبة ذلك.” بوله (Poole)
• “لا يوجد تحديد للكيفية التي كان يفترض بها أن يدرك يوشيا أن هذا كان إرشادًا من الله، رغم أن الفطرة السليمة كانت يمكن أن تؤدي إلى التجاوب المناسب.” سيلمان (Selman)
• “يفترض أن تستوقفنا قصة كهذه على الأقل، وتجعلنا نستفسر عن مدى كوننا مبررين في رفض اعتبار كلمة تدّعي أنها رسالة من الله، حتى عندما تأتي من مصدر غير متوقع على الأقل.” مورجان (Morgan)
٣. وَلَمْ يُحَوِّلْ يُوشِيَّا وَجْهَهُ عَنْهُ: اعتقد يوشيا أنه بإمكانه الهروب من نبوة نَخُو بالتنكر في المعركة، غير أنه أُصيب بسهم من الرماة فمات. فكانت هذه نهاية حزينة لأحد أعظم ملوك يهوذا.
• “لم يكن هذا من الإيمان، وإلاّ لماذا تنكَّر؟ ولا يوجد سجل لأية صلاة رفعها قبل المعركة، كما في حالة أسلاف أتقياء كثيرين. ويبدو أن عمل يوشيا المتهور غير خاضع للمساءلة.” ناب (Knapp)
• “يبدو أن المكان المحدد للمعركة كان هَدَدْرِمُّون في وادي مجدّو، لأن زكريا (زكريا ١٢: ١١) يخبرنا أنه كانت هنالك مناحة عظيمة على يوشيا في ذلك المكان.” كلارك (Clarke)
• “تثبّت الآثار حقيقة هذه الموقعة في مجدو من أنقاض موقع (Stratum) الثاني.” باين (Payne)
ب) الآيات (٢٣-٢٥): موت يوشيا ودفنه.
٢٣وَأَصَابَ الرُّمَاةُ الْمَلِكَ يُوشِيَّا، فَقَالَ الْمَلِكُ لِعَبِيدِهِ: «انْقُلُونِي لأَنِّي جُرِحْتُ جِدًّا». ٢٤فَنَقَلَهُ عَبِيدُهُ مِنَ الْمَرْكَبَةِ وَأَرْكَبُوهُ عَلَى الْمَرْكَبَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي لَهُ، وَسَارُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ فَمَاتَ وَدُفِنَ فِي قُبُورِ آبَائِهِ. وَكَانَ كُلُّ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ يَنُوحُونَ عَلَى يُوشِيَّا. ٢٥وَرَثَى إِرْمِيَا يُوشِيَّا. وَكَانَ جَمِيعُ الْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَنْدُبُونَ يُوشِيَّا فِي مَرَاثِيهِمْ إِلَى الْيَوْمِ، وَجَعَلُوهَا فَرِيضَةً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَهَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي الْمَرَاثِي.
١. وَأَصَابَ ٱلرُّمَاةُ ٱلْمَلِكَ يُوشِيَّا: رغم أنه تَنَكّر، إلا أنه جُرح ومات. يمكننا أن نُعجب بشجاعة يوشيا، لكن ليس بإصراره العنيد على تجاهل تحذيرات من الله ودخول المعركة.
• “لا شك أنه ندم وتاب عند موته على تهوّره.” تراب (Trapp)
• “يفسَّر أسلوب موت يوشيا أيضًا بشكل ساخر من خلال كونه موازيًا لموت أخآب (انظر ٢ أخبار الأيام ١٨: ٢٩-٣٤). فالصلات بين الروايتين واضحة تمامًا. فقد قام الرعاة بتسديد الضربة القاتلة. واعترف كل ملك منهما بأنه أُصيب. واستند كل منهما إلى مركبته قبل موته. وتنطوي القصة على مفارقة، وهي أنه رغم سجل يوشيا السابق، إلا أنه مات بنفس الطريقة التي مات بها شخص عُرف عنه بأنه ’يبغض الرب‘ (٢ أخبار الأيام ١٩: ٢).” سيلمان (Selman)
٢. وَكَانَ جَمِيعُ ٱلْمُغَنِّينَ وَٱلْمُغَنِّيَاتِ يَنْدُبُونَ يُوشِيَّا فِي مَرَاثِيهِمْ إِلَى ٱلْيَوْمِ: تخبرنا زكريا ١٢: ١١ عن هذه المناحة العظيمة، مستخدمة إياها كتشبيه للنواح العظيم الذي سيقوم به الشعب اليهودي عندما يلجؤون إلى المسيّا الذين رفضوه ذات يوم: فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ يَعْظُمُ ٱلنَّوْحُ فِي أُورُشَلِيمَ كَنَوْحِ هَدَدْرِمُّونَ فِي بُقْعَةِ مَجِدُّونَ.
• “قيلت هذه الأغاني ثم كُتِبت في ’مراثيهم.‘ وهذا كتاب لم يعد موجودًا. ويخلط بعضهم بينه وبين مراثي إرميا اللاحقة على أبناء يوشيا (إرميا ٢٢: ١٠، ٢٢-٣٠)، أو على سقوط أورشليم (مراثي إرميا).” باين (Payne)
• “لم يكن كاتب أخبار الأيام مُحْرَجًا بسبب نبوّة النبية خلدة، ولهذا حاول جهده أن يؤكد أن الله حفظ وعوده حول دفن يوشيا السلمي والتأخير المستمر للسبي، رغم غباوة يوشيا وموته العنيف.” سيلمان (Selman)
ج) الآيات (٢٦-٢٧): ملخص لحكم الملك يوشيا الصالح.
٢٦وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يُوشِيَّا وَمَرَاحِمُهُ حَسْبَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ. ٢٧وَأُمُورُهُ الأُولَى وَالأَخِيرَةُ، هَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا.
١. وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يُوشِيَّا وَمَرَاحِمُهُ (وصلاحه): يبدو أن الناس كانوا يتذكرون حكم يوشيا بإعزاز خاص، ربما لأنه كان آخر ملوك يهوذا الصالحين.
• غير أن شعب المملكة انقلب على الله بسرعة بعد حكم يوشيا. “من الواضح أن يوشيا جعل نفسه محبوبًا بشكل كبيرًا من الشعب. ومن المحتمل أن الإصلاحات التي أجراها كانت قائمة على هذا الحب، لا على عودة حقيقية من الشعب إلى التكريس لله.” مورجان (Morgan)
• “رغم ذلك، أزال موت يوشيا آخر عقبة أمام الكارثة القادمة.” سيلمان (Selman)
٢. حَسْبَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ ٱلرَّبِّ: هذا هو ما جعل يوشيا ملكًا صالحًا ورجلًا صالحًا. إذ كان لديه اهتمام كبير بما هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ ٱلرَّبِّ وطاعة له.