رؤيا يوحنا – الإصحاح ٤
أمام عرش الله
أولًا. الانتقال إلى الأصحاح الرابع من سِفر الرؤيا
أ ) عند أخذ الآية في سفر الرؤيا ١٩:١ كمخطط تمهيدي للسفر، يشكل الأصحاح الرابع بداية الجزء الثالث من السفر: أي الأمور التي سوف تحصل بعد ذلك.
- مصطلح “بعد ذلك” (في اليونانية القديمة meta tauta) في سفر الرؤيا ١٩:١ ورد ذكره مرتين في رؤيا ١:٤. وبالتأكيد فهذه نقطة بداية القسم الثالث لسفر الرؤيا ١٩:١.
ب) يبتدأ الأصحاح الرابع بنظرة سماوية نحو الأرض.
- يضم الكتاب المقدس إشارات مهمة أخرى إلى السماء، كسفر إِشعياء ١:٦-٨ وسفر حزقيال ١، وفي مقاطع تصف خيمة الاجتماع والتي ترمز إلى السماء (سفر الخروج ٢٥-٣٢ و٣٥-٤٠).
- يستخدم يوحنا الرموز في وصف الأمور السماويِّة. ولكن ليست جميع الأمور رمزية. فالكثير من التفاصيل، كما في الأمثال التي رواها المسيح، تصويريِّة فقط ولا تحمل بالضرورة معانٍ خاصة.
- كما ويجب أن نتذكر طبيعة نظام الرمزيِّة. فالرمز دائمًا أقل من الحقيقة. فحقيقة السماء أعظم من الوصف الذي نملكه لها.
- “لا نستطيع أن نعرف عن الحالة المستقبلية إلا القليل، ولكن يمكننا التأكد من أننا نعرف عنها القدر الكافي. إذ علينا أن نكون راضين عن الأمور غير المكشوفة بقدر رضانا عن الأمور المكشوفة. فإذا كانت مشيئة الله أن لا نعلم، علينا أن نرضى بذلك. فقد أخبرنا الله بكل الأمور المتعلقة بالسماء والضرورية لإيصالنا إلى هناك. وإن كان قد كشف المزيد، فذلك بهدف إرضاء فضولنا لا إكثارًا لنعمتنا.” سبيرجن (Spurgeon).
ج) يحتوي سفر الرؤيا من الأصحاح ٤ إلى الأصحاح ١٩ على جزء متعلق بدينونة الله للعالم في الفترة التي تسبق حكم المسيح على الأرض، وهذه الفترة معروفة باسم “الضيقة العظيمة.”
- تُستعلن دينونة الله من خلال السبعة أسفار المختومة، والأبواق السبعة، والعلامات السبع، والجامات السبع التي تسكب غضب الله.
- يعرفنا الأصحاح الرابع من سفر الرؤيا بالمكان الذي تأتي منه الدينونة: عرش الله في السماء.
ثانيًا. يوحنا يدخل إلى السماء
أ ) الآية (١): استدعاء يوحنا إلى السماء.
١بعْدَ هذَا نَظَرْتُ وَإِذَا بَابٌ مَفْتُوحٌ فِي السَّمَاءِ، وَالصَّوْتُ الأَوَّلُ الَّذِي سَمِعْتُهُ كَبُوق يَتَكَلَّمُ مَعِي قَائِلًا: «اصْعَدْ إِلَى هُنَا فَأُرِيَكَ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بَعْدَ هذَا»
- بعْدَ هذَا: خاطب الأصحاحان ٢ و٣ من سفر الرؤيا الكنائس السبع التي تمثل جميع الكنائس. وبعد أن فرغ المسيح من التكلم مع الكنائس، بعْدَ هذَا، اختبر يوحنا الرؤيا المذكورة في الأصحاح الرابع.
- وَالصَّوْتُ الأَوَّلُ الَّذِي سَمِعْتُهُ: إنَّ الصَّوْتُ الأَوَّلُ الذي تكلم مع يوحنا في رؤيا ١٠:١ هو ذاته الذي تكلم معه مرة أخرى هنا – صوت المسيح. فقد نادى المسيح يوحنا إلى السماء من خلال بَابٌ مَفْتُوحٌ فِي السَّمَاءِ.
- كَبُوق: تكلم الصوت بعلوٍ ووضوح إلى يوحنا. وكان كالبوق الذي جمع شعب إسرائيل معًا، أو كذاك الذي يجمع الجيش إلى المعركة.
- اصْعَدْ إِلَى هُنَا فَأُرِيَكَ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بَعْدَ هذَا: سيرى يوحنا أمورًا ذات علاقة بالمستقبل (مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بَعْدَ هذَا)، لا أمورًا تخص الحاضر.
- يرى البعض أنَّ ما رآه يوحنا في الأصحاح ١٩ من سفر الرؤيا قد تحقق من خلال الأحداث التي جرت قبل زمن يوحنا، وخصوصًا في الغزو الروماني وتدمير أورشليم. فقد أخبر المسيح يوحنا بوضوح بأنه سيريه مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بَعْدَ هذَا.
- يفسر البعض أنَّ ما رآه يوحنا في الأصحاح ١٩ من سفر الرؤيا قد تُمم من خلال الأحداث التي جرت في الأيام التي تلت زمن يوحنا وسبقت يومنا الحاضر. ولكن هذه الأحداث سوف تُتمم بأي شكلٍ حرفي. ويمكن القول بأنه قد جرى تتميمها من خلال جعلها رموزًا. ولذلك، فنحن نعتبر بأنَّ ما سيريه المسيح ليوحنا في الأصحاحات اللاحقة من سفر الرؤيا يخص المستقبل، ويسبق مُلك المسيح على الأرض.
- كَبُوق… اصْعَدْ إِلَى هُنَا: يرى الكثيرون أنَّ صعود يوحنا إلى السماء يرمز إلى اختطاف الكنيسة. فقد تمَّ استدعاء يوحنا إلى السماء بصوتٍ كبوق، كما سيحدث مع الكنيسة وكما هو موضح في الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي ١٦:٤-١٧.
- النمط الذي نراه هنا مميز. فقد انتهى المسيح من حديثه مع الكنائس السبع في الأصحاحين ٢ و٣ من سفر الرؤيا، والتي تمثل الكنائس كافة. والآن، بعد أن فرغ من الكنيسة، نادى يسوع يوحنا إلى السماء، مكلمًا إياه بصوتٍ كَبُوق. وقد حدث هذا كله قبل الغضب العظيم والذي سيتم وصفه ابتداءً من الأصحاح ٦ من سفر الرؤيا. وبينما أخذت الدينونة العظيمة على الأرض بالحدوث، كان يوحنا، ممثلًا عن الكنيسة، ينظر إلى أسفل نحو الأرض.
- لا يوجد أي ذِكر لكلمة كنيسة في الأصحاحات التي تصف هذه الفترة من الدينونة على الأرض، حيث لم تُذكر في أي من الأصحاحات ٤ إلى ١٩ من سفر الرؤيا.
ب) الآية (٢أ): صعود يوحنا، فِي الرُّوحِ.
٢وَلِلْوَقْتِ صِرْتُ فِي الرُّوحِ…
- وَلِلْوَقْتِ صِرْتُ فِي الرُّوحِ: سبق وقال يوحنا بأنه كان في الروح في سفر الرؤيا ١٠:١. ولكنها تجرية مختلفة هذه المرة بمنظور سماوي إذ صعد يوحنا إلى السماء.
- فِي الرُّوحِ: أين كان جسده؟ أكان جسد يوحنا في السماء أيضًا؟ أم كان الأمر مقتصرًا على روحه فقط؟ من المستحيل معرفة ذلك. فعند خوض بولس لتجربته الروحية، لم يعلم إن كان في الجسد أم لا (رسالة كورنثوس الثانية ١:١٢-٤).
ثالثًا. السماء كما وصفها يوحنا
أ ) (٢ب): محور التركيز: عَرْشٌ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ.
٢… وَإِذَا عَرْشٌ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ، وَعَلَى الْعَرْشِ جَالِسٌ.
- وَإِذَا عَرْشٌ: كان الْعَرْشِ أول ما لفت أنظار يوحنا، إذ أنَّه محور رؤيا يوحنا. كان نظر يوحنا مركزًا على الْعَرْشِ وعلى الجالس عليه، ووصف كل الأمور الأخرى كان له علاقة بهذا الْعَرْشِ.
- يتمحور كل من الإلحاد والماديَّة حول فكرة عدم وجود عرش، فليس هناك مكان لسلطة أو لقوة يحتكم إليها الكون بأسره. أما الفكر الإنساني فيتمحور حول وجود عرش، لكن الإنسان هو من يجلس على هذا العرش.
- لا يستطيع الإنسان، بشكلٍ أساسي، العيش من دون مفهوم العرش، أو وجود حاكم أعلى. فإن أزال الانسان الله عن العرش، لا بد أن يضع نفسه أو شخص آخر على العرش، وقد يكون ذلك الشخص قائدًا سياسيًا، كما كان الأمر مع الدكتاتوريين أمثال لينين وستالين وماو.
- وَعَلَى الْعَرْشِ جَالِسٌ: العرش ليس خاليًا. فهناك من هو جَالِسٌ على هذا العرش السماوي العظيم. ففي العرش إعلانٌ قوي لا عن حضور الله فقط، بل عن سيادة وشرعية ملكه وحقه بأن يدين أيضًا.
- لا يمكننا التفكير بشكلٍ صحيح بشأن أي أمر حتى نعي في أذهاننا بأنَّ هناك عرشًا غير خالٍ في السماء، وبأنَّ إله الكتاب المقدس يحكم من العرش. “قد يكون هناك العديد من التفاسير المختلفة، ولكن الحقائق الأساسية بديهية. فالعرش غير الخالٍ هو محور كل شيء.” مورغان (Morgan)
ب) الآية (٣): ما رآه يوحنا في العرش السماوي.
٣وَكَانَ الْجَالِسُ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهَ حَجَرِ الْيَشْبِ وَالْعَقِيقِ، وَقَوْسُ قُزَحَ حَوْلَ الْعَرْشِ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهُ الزُّمُرُّدِ.
- وَكَانَ الْجَالِسُ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهَ: لم يصف يوحنا شكلًا محددًا عند وصفه للجالس على العرش. “ليس هناك أي وصف هنا للذات الإلهية يمكننا من الإشارة إلى أي تشابه أو شكل أو أبعاد. ويهدف الوصف بالأحرى إلى الإشارة إلى المجد والبهاء المحيطان بالشخص أكثر من إشارته لشخص الملك القدير.” كلارك (Clarke)
- شِبْهَ حَجَرِ الْيَشْبِ وَالْعَقِيقِ: وصف يوحنا، بدلًا من وصف شكلٍ محدد، انبعاثات الضوء المتلألئ باللونين الأبيض (قد يعني الْيَشْبِ “الألماس”) والأحمر (الْعَقِيقِ).
- قد يشير هذان اللونان إلى مجد القبر الفارغ (الأبيض، متى ١:٢٨-٣) والحب الكفاري الذي تجلى في الجلجثة (الأحمر، يشير إلى الدم). أو قد يرتبط هذان اللونان بالأحجار الكريمة الأولى والأخيرة في رداء رئيس الكهنة (سفر الخروج ٨:٣٩-١٣).
- وَقَوْسُ قُزَحَ حَوْلَ الْعَرْشِ: كان العرش محاطًا بقوس قزح أخضر (شِبْهُ الزُّمُرُّدِ). ويذكِّر قوس قزح بالتزام الله بعهده مع البشر (تكوين ١١:٩- ١٧).
- حول مشهد عرش الله، ذاك المشهد بكل ما فيه من سيادة وقوة وسُلطة ومجد، يذكِّر الله بوعده بعدم تدمير الأرض بطوفان مرة أخرى. ويشير هذا الوعد إلى سيادته غير النزوية والتي لا تخالف وعوده.
- يقول العرش: “أستطيع أن أفعل ما أريد، لأنني الحاكم المطلق على كل شيء.” يقول الوعد: “سأتمم وعدي لك، ولا أستطيع إلا أن أفعل ذلك.” وَقَوْسُ قُزَحَ حَوْلَ الْعَرْشِ هو أمرٌ رائع، إذ يبين أنَّ الله يحد دائمًا من نفسه من خلال وعوده.
- كتب تراب (Trapp) تعليقًا على ’قَوْسُ قُزَحَ‘ كالتالي: “علامة النعمة وعهد الرأفة، دائمًا ما يكون جديدًا وأخضرًا حول عرش نعمة المسيح.”
- يبتهج المؤمن بسيادة الله، لأنه يعلم أنَّ تلك السيادة تقف معه. وتعني أنَّ جميع مقاصد الله للمؤمن سوف تتحقق.
- “يا ابن الله! إنَّ لأبيك السماوي في سيادته الحق بأن يفعل بك ما يشاء، ولكنه لن يدع سيادته تتخطى حد عهده. كإله يتمتع بالسيادة، يمكنه أن يطرحك خارجًا، ولكنه قطع وعدًا بأن لا يفعل ذلك ولن يفعل. كإله يتمتع بالسيادة، قد يتركك للفناء، ولكنه قال، ’لا أتركك ولا أهملك.‘ كإله يتمتع بالسيادة، قد يسمح بأن تُجرّب فوق طاقتك، ولكنه وعد بأن لا تصيبك تجربة إلا بشرية إذ سيجعل مع التجربة المنفذ.” سبيرجن (Spurgeon)
ج ) الآية (٤): ما رآه يوحنا حول العرش: الأربعة وعشرون شيخًا.
٤وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشًا. وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخًا جَالِسِينَ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ.
- وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشًا: قبل أن يلحظ يوحنا الشيوخ، لفت انتباهه الأربعة وعشرين عرشًا التي كان يجلس عليها الشيوخ. جلس الأربعة وعشرون شيخًا على عروشٍ أصغر، حَوْلَ الْعَرْشِ. سيذكر يوحنا تسبيحتهم لاحقًا (سفر الرؤيا ١٠:٤-١١).
- وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخًا جَالِسِينَ: من هم الأربعة وعشرون شيخًا؟ يختلف المفسرون حول كونهم كائنات بشرية ممجدة أم مخلوقات ملائكية. وبعد أخذ جميع الأمور بعين الاعتبار، يبدو بالتأكيد أنَّ الشيوخ يمثلون شعب الله.
- يمثِّل الشيوخ شعب الله، خصوصًا في العهد القديم. إذ تمثِّل الأربعة وعشرين فرقة من الكهنة جميع الكهنة (أخبار الأيام الأول ٢٤)، ويمثل كل من الاثنا عشرة قبيلة والاثنا عشر تلميذًا جميع المؤمنين.
- رنِّم الأربعة وعشرون شيخًا ترنيمة مجدوا بها يسوع كما ورد في سفر الرؤيا ٩:٥-١٠، وصرخوا قائلين: لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ. وقد تكلم الأربعة وعشرون شيخًا بوضوح في ذلك المقطع كممثلين عن شعب الله كافة، أي جماعة المخلّصين.
- مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ: تشير الثياب البيض والأكاليل التي يرتديها الشيوخ إلى كونهم بشرًا ولكنهم في حالة المجد بالطبع.
- يتم وصف الملائكة أحيانًا بأنها لابسة حللًا أو أثوابًا بيضاء (مرقس ٥:١٦، يوحنا ١٢:٢٠، أعمال الرسل ١٠:١). ولكن القديسين يرتدون أيضًا أثوابًا بيضاء (سفر الرؤيا ١١:٦، ٩:٧، ١٣-١٤)، نسبةً إلى صلاحهم (سفر إشعياء ١٠:٦١، سفر الرؤيا ٥:٣- ١٨). ولكن الملائكة لن ترتدي الأكاليل أبدًا على عكس المؤمنين (كورنثوس الأولى ٢٥:٩، تيموثاوس الثانية ٨:٤، بطرس الأولى ٤:٥).
- ولذلك، يجلس البشر المخلصون الممجدون متوّجين مع يسوع على عروشٍ أصغر بالطبع ولكنها تبقى عروشًا بلا شك. فنحن وارثون مع المسيح (رومية ١٧:٨)، وسنملك معه (تيموثاوس الثانية ١٢:٢).
د ) الآية (٥): مشاهد مدهشة ومخيفة عند عرش الله.
٥وَمِنَ الْعَرْشِ يَخْرُجُ بُرُوقٌ وَرُعُودٌ وَأَصْوَاتٌ. وَأَمَامَ الْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ.
- وَمِنَ الْعَرْشِ يَخْرُجُ بُرُوقٌ وَرُعُودٌ وَأَصْوَاتٌ: إنَّ في البروق والرعود والأصوات والنار تذكير بحضور الله المهيب في جبل سيناء (سفر الخروج ١٦:١٩- ١٩ و١٨:٢٠- ١٩). ففيها الخشية المرتبطة بعرش الله.
- وَأَمَامَ الْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ: يشار إلى الروح القدس (سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ، كما في رؤيا ٤:١ وإِشعياء ٢:١١) بسبعة مَصَابِيحِ متقدة. ويشار إليه في مقاطع أخرى بالحمامة (متى ١٦:٣) أو بلهيب نار (أعمال الرسل ٣:٢).
- تكمن أهمية مصابيح النار في أنَّ الروح القدس ليس مرئيًا في العادة. ولكي يصبح مرئيًا، يظهِر الروح القدس نفسه بهيئة مادية على شكل حمامة أو لسان نار.
هـ) الآية (٦أ): بحر الزجاج أمام العرش.
٦وَقُدَّامَ الْعَرْشِ بَحْرُ زُجَاجٍ شِبْهُ الْبَلُّورِ…
- بَحْرُ زُجَاجٍ: هل هذا البحر مصنوع بالحقيقة من الزجاج، أم أنه يبدو كذلك فقط؟ ينقسم المفسرون في آرائهم حول هذا الأمر. فعلى سبيل المثال، يقول روبرتسون (Robertson): “بالشكل، لا المادة.” أما ألفورد (Alford) فيقول: “في المادة، لا الشكل.” وسواء كان يبدو كالزجاج أم كان مصنوعًا بالحقيقة من الزجاج، فهو أنقى زُجَاجٍ، شِبْهُ الْبَلُّورِ.
- بَحْرُ: يذكرنا المسطح المائي أمام العرش بالمراحيض في خيمة الاجتماع، وبغسل الماء بالكلمة (أفسس ٢٦:٥).
- “فالكلمة بالنسبة لنا زجاج نقي، إذ تعطينا أن ننظر بوجهٍ مكشوف نحو الله وأنفسنا، كورنثوس الثانية ١٨:٣؛ و يعقوب ٢٣:١.” تراب (Trapp)
و ) الآيات (٦ب- ٨أ): الحيوانات الأربعة حول العرش.
٦… وَفِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ مَمْلُوَّةٌ عُيُونًا مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ وَرَاءٍ: ٧وَالْحَيَوَانُ الأَوَّلُ شِبْهُ أَسَدٍ، وَالْحَيَوَانُ الثَّانِي شِبْهُ عِجْل، وَالْحَيَوَانُ الثَّالِثُ لَهُ وَجْهٌ مِثْلُ وَجْهِ إِنْسَانٍ، وَالْحَيَوَانُ الرَّابِعُ شِبْهُ نَسْرٍ طَائِرٍ. ٨وَالأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ حَوْلَهَا، وَمِنْ دَاخِل مَمْلُوَّةٌ عُيُونًا…
- أَرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ مَمْلُوَّةٌ عُيُونًا: نستنتج من المقارنة مع سفر حزقيال ٤:١-١٤ و ٢٠:١٠-٢٢، بأنَّ هذه الحيوانات هي الكروبيم، تلك الملائكة المبهرة التي تحيط بعرش الله. وقد كان الشيطان في السابق واحدًا من هذه المخلوقات الملائكية رفيعة المقام، بحسب سفر حزقيال ١٤:٢٨.
- كانت ملائكة الكروبيم بارزة في تصميم خيمة الاجتماع، وتحديدًا في قدس الأقداس (سفر الخروج ١٧:٢٥-٢٢ و١:٢٦-٣١). وتشير الأسفار المقدسة إلى كون خيمة الاجتماع نموذجًا لعرش الله بطريقةٍ ما (سفرالخروج ٨:٢٥-٩).
- مَمْلُوَّةٌ عُيُونًا مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ وَرَاءٍ:… وَمِنْ دَاخِل مَمْلُوَّةٌ عُيُونًا: تشير كثرة العيون إلى أنَّ هذه الْحَيَوَانَاتُ الأَرْبَعَةُ (وليس “الوحوش” كما في ترجمة نسخة الملك جيمس) ليست الآت عمياء. فهي تعرف وتفهم، ولديها بصيرة وإدراك أكثر من أي إنسان.
- هذه المخلوقات فائقة الذكاء والفهم تحيا لتعبد الله. وكأنه يقول إن كل فشل في تقديم العبادة الحقيقية يعود إلى قصورٍ في الرؤية والفهم.
- تذكرنا الطريقة التي تعبد بها هذه المخلوقات فائقة الذكاء الله بأنَّ علينا تقديم العبادة بطريقة ذكية أيضًا. “عبادتنا يجب أن تكون لا عن تسرع، بل تعقل، رسالة رومية ١:١٢، ولأجل هذا نستطيع أن نقدم سببًا. إذ يكره الله التضحية العمياء، كتعبد السامريين، عندما نسجد لما لا نعلم، يوحنا ٢٢:٤.” تراب (Trapp)
- “من غير المناسب استخدام كلمة وحش هنا أو أي مكان آخر في هذا الوصف. فقد استخدمها ويكليف أولًا وتبعه المترجمون عامةً في هذا الاستخدام غير المناسب.” كلارك (Clarke)
- شِبْهُ أَسَدٍ… شِبْهُ عِجْل… مِثْلُ وَجْهِ إِنْسَانٍ… شِبْهُ نَسْرٍ طَائِرٍ: وصف يوحنا كائنات الكروبيم الأربعة بالإشارة إلى وجوهها المختلفة. نرى بالمقارنة مع سفر حزقيال ٦:١-١٠ أنَّ لكل كروبيم أربعة وجوه، وقد رأى يوحنا في تلك اللحظة الوجوه الأربعة المختلفة المتطلعة نحوه. وأما دلالات الوجوه الأربعة فقد تمَّ تفسيرها بطرقٍ عدة.
- يقول البعض إنَّ الوجوه الأربعة تمثل العناصر والفضائل الجوهرية، وقدرات وقوة النفس البشرية، والكنائس البطريركية، والرسل العظماء، ورُتب رجال الدين، والملائكة، وهكذا.
- يقول البعض الآخر إنَّ هذه المخلوقات الأربعة تمثل رايات الأسباط الأربعة الرئيسية، عندما كان شعب اسرائيل يخيمون ضمن أربع مجموعات حول خيمة الاجتماع في البرية. يذكر سفر العدد ٣:٢، و١٠:٢، و١٨:٢، و٢٥:٢ ترتيب الأسباط تحت هذه الرايات الأربعة، ولكنه لا يعين الرموز لكل سباط. ويفسِّر بوله (Poole): “هذه هي المخلوقات الأربعة التي كانت صورها على الرايات الأربع التي حملها شعب اسرائيل بينما كانوا يتوزعون ضمن أربع مجموعات، كل مجموعة تحتوي على ٣ أسباط. احتوت راية سبط يهوذا على أسد في ألوانها بحسب نبوءة يعقوب في سفرالتكوين ٩:٤٩، واحتوت راية سبط أفرايم على ثور، وسبط رأوبين على إنسان، وسبط دان على نسر. وهذا يثبته المتعلمون من قوم مدين من معلمي اليهود، الذين يعود لهم الفضل في هذا.
- يتم اعتبار الوجوه الأربعة المختلفة للكروبيم في الغالب رموزًا للمسيح كما هو موضح في كل من الأناجيل الأربعة. ويتم تكرار هذه “الشخصيات” الأربع غالبًا كعنصرٍ دال على السماء والأناجيل الأربعة في فن عمارة الكنائس التقليدية.رأى الكثيرون في متى إنجيل “الأسد،” إذ يظهر المسيح كأسد سبط يهوذا. ورأوا في مرقس إنجيل “الثور،” إذ يظهر المسيح كخادم وعامل متواضع. ورأوا في لوقا إنجيل “الإنسان،” إذ يظهر المسيح كالإنسان المثالي، آدم الثاني. ورأوا في يوحنا إنجيل “النسر،” إذ يظهر المسيح كإنسانٍ من الفردوس، السماء. ومع ذلك، فإنَّ لهذه المقاربة تفسيرات أخرى.
فيكتورينوس | إيرينيوس | أغسطينوس | كلارك | التقاليد | |
متى | الإنسان | الأنسان | الأسد | الإنسان | الأسد |
مرقس | الأسد | النسر | الإنسان | الأسد | الثور |
لوقا | الثور | الثور | الثور | الثور | الإنسان |
يوحنا | النسر | الأسد | النسر | النسر | النسر |
-
- ربما من الأسلم القول أنَّ الأربعة وجوه مهمة لأنها تمثل المخلوقات الحيوية في أوج قوتها. فالأسد أعظم الحيوانات البرية، والثور أقوى الحيوانات الأليفة، والنسر ملك الطيور، بينما الإنسان أعظم المخلوقات جميعها. وفي سفر شموت رباه ١٢٢:٢٣، ٤. يقول المُعلم أبين: “أربعة تعد الأعظم في هذا العالم: الإنسان كـالأعظم بين المخلوقات العاقلة، والنسر كالأعظم بين الطيور، والثور كالأعظم بين المواشي، والأسد كالأعظم بين الحيوانات البرية. ولكل منها مملكة وقدر من البهاء وجميعها تقع أسفل عرش المجد، سفر حزقيال ١٠:١، في إشارة إلى عدم تمجيد أي مخلوق لنفسه في هذا العالم، فمملكة الله تسود فوق الجميع. ويمكن اعتبار أنَّ المخلوقات الأربعة هذه تمثل الخليقة جمعاء.” كلارك (Clarke)
- مخلوقات الكروبيم هذه “تمتلك جميع المواهب الضرورية للقيام بواجباتها، فالجسارة للأسود، والتسبب بالألم كالثيران، وامتلاك العقل كالإنسان، والاستمتاع بالتحليق عاليًا كالنسور.” تراب (Trapp)
- ومن الجدير بالذكر أنَّ الكتاب المقدس يربط ما بين الوجه والكينونة (أخبار الأيام الأول ٨:١٢، أخبار الأيام الثاني ٦:٢٩، إشعياء ١٥:٣، ٨:١٣). فلدينا هنا كائنات فردية بأربعة وجوه. ويبدو من الممكن وجود كائنات يمكنها أن تكون أكثر من شخص واحد. كما أنَّ إلهنا إله واحد بثلاثة أقانيم.
- ويقول بوله (Poole) أنَّ هذه الوجوه الأربعة توضح الشخصيات المختلفة التي يمتلكها خدام الله: “تبين الوجوه الأربعة المواهب المختلفة التي ينعم بها الله على خدامه، فيعطي البعض مقدارًا أكثر من الشجاعة والثبات فيشابهون الأسد، ويعطي البعض الآخر المزيد من اللطف والوداعة فيشابهون الثيران أو العجول، وآخرون المزيد من الحكمة والتعقل وهي الصفات التي تزين الإنسان. ويعطي البعض بصيرة ثاقبة أكثر من غيرهم لأسرار مملكوت الله، مما يجعلهم كالنسور.
رابعًا. وصف يوحنا لما يحدث عند عرش الله
أ ) الآية (٨ب): الحيوانات الأربعة تعبد الله باستمرار.
٨… وَلاَ تَزَالُ نَهَارًا وَلَيْلًا قَائِلَةً: “قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي كَانَ وَالْكَائِنُ وَالَّذِي يَأْتِي!”
- وَلاَ تَزَالُ نَهَارًا وَلَيْلًا قَائِلَةً: “قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ”: تكرر ملائكة الكروبيم عبارة قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ باستمرار. فطبيعة الله وشخصيته المقدسة معلنة ويتم التشديد على ذلك بتكرارها ثلاث مرات.
- “يعطي تكرار كلمة معينة مرتين معنى التوكيد في اللغة العبرية، بينما تكرار الكلمة ثلاث مرات أمرٌ نادر ويعطي معنى التفضيل ويسلط الضوء على قداسة الله غير المحدودة.” جونسون (Johnson)
- وَلاَ تَزَالُ نَهَارًا وَلَيْلً (لَا تَتَوَقَّفُ عَنِ التَّسبِيحِ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا): “لا تعرف هذه الكائنات الراحة، ولكنها لا تعرف القلق أيضًا. فهم قانعون ومكتفون بعملهم الدائم وخدمتهم، ومن السهل تصديق ذلك.” تراب (Trapp)
- الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ: أعلنت كائنات الكروبيم أنَّ الرَّبُّ الإِلهُ قَادِر عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. فالكلمة اليونانية القديمة المستخدمة بحسب سفر الرؤيا ٨:١ هي pantokrator، وتحاكي فكرة الشخص الذي بيديه كل شيء.
- الَّذِي كَانَ وَالْكَائِنُ وَالَّذِي يَأْتِي: هنا تكرار لفكرة أخرى من سفر الرؤيا ٨:١، إذ تشير إلى كيان الله السرمدي. وهي تترجم الفكرة الكامنة خلف معنى اسم “يهوه.”
ب) الآيات (٩-١١): الشيوخ الأربعة والعشرين يعبدون الله الجالس على العرش.
٩وَحِينَمَا تُعْطِي الْحَيَوَانَاتُ مَجْدًا وَكَرَامَةً وَشُكْرًا لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، الْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، ١٠يَخِرُّ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا قُدَّامَ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، وَيَسْجُدُونَ لِلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، وَيَطْرَحُونَ أَكَالِيلَهُمْ أَمَامَ الْعَرْشِ قَائِلِينَ: ١١«أَنْتَ مُسْتَحِقٌ أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ».
- وَحِينَمَا تُعْطِي الْحَيَوَانَاتُ مَجْدًا… يَخِرُّ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا قُدَّامَ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ: يشجع الكروبيم عبادة الأربعة والعشرون شيخًا. فبما أنَّ كائنات الكروبيم تعبد الله نهارًا وليلًا، كذلك يفعل الشيوخ.
- معرفة أنَّ الملائكة تعبد الله يجب أن تشجعنا على العبادة أيضًا. فهل لدينا أي سبب حتى نمجده أو نشكره بشكل أقل؟ “هل نترنم كما تفعل الطيور؟ ورغم ذلك، ماذا تملك الطيور حتى تترنم من أجله بالمقارنة بنا؟ هل نترنم بالقدر الذي تترنم به الملائكة؟ مع أنهم غير مخلصين بدم المسيح. هل ستتفوق علي طيور السماء وتسبقني الملائكة؟ قد تكون فعلت هذا، ولكنني أنوي مضاهاتها، إذ أسكب روحي ليلة وراء ليلة ويومًا وراء يوم في أغنية مقدسة.” سبيرجن (Spurgeon)
- “لو استطعنا وضع أرواحنا كلؤلؤة في حلقة الجمهور السماوي الملتف حول عرش الحمل، دعنا نمجد الله كما يفعلون.” تراب (Trapp)
- يَخِرُّ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا قُدَّامَ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، وَيَسْجُدُونَ لِلْحَيِّ: يسجد الشيوخ الأربعة والعشرون لله(أي يقدمون الاستحقاق اللائق له). أعطى الشيوخ الفضل لله في أعمالهم ومكافآتهم، وفعلوا ذلك بينما كانوا يطرحون أكاليلهم أمام العرش. أدرك هؤلاء الشيوخ أنَّ الله هو المستحق، لا أنفسهم.
- طرحهم للأكاليل يبيّن إعلانهم واعترافهم. أَنْتَ مُسْتَحِقٌ أَيُّهَا الرَّبُّ، أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ. إن كان الله مستحقًا للمجد والكرامة والقدرة، فيجب عليه إذًا أن يحصل على الإكليل.
- هناك إشارة إلى تقليد كان يمارس زمن الإمبراطورية الرومانية. فقد حكم إمبراطور روما ملوكًا أقل شأنًا منه، وكان يُطلب من هؤلاء الملوك أحيانًا المثول أمام الإمبراطور لإلقاء تيجانهم أمامه إجلالًا له. وبعدها يقوم الإمبراطور بإعادة التيجان إلى الملوك، إشارةً إلى أنَّه هو مصدر تيجانهم وحقهم في الحكم وانتصاراتهم. “في هذا إشارة إلى تقليد السجود في الشرق، والإجلال المُقدم من الملوك الصغار اعترافًا منهم بسيادة الإمبراطور.” كلارك (Clarke)
- إنَّ الأكاليل المذكورة في سفر الرؤيا ١٠:٤ هي أكاليل الانتصار، لا الأكاليل الملكية. فهي أكاليل الإنجاز التي كان يتوج بها الرياضي الفائز في الألعاب الأولمبية قديمًا. وقد ألقى الشيوخ الأربعة والعشرون، الذين يمثلون جماعة الله المخلصة، بكل تيجان انجازاتهم التي حصلوا عليها وأعادوها إلى الله، لأنهم علموا وأعلنوا أن الرب مُسْتَحِقٌ… أَنْ يأخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ.
- “يقول النص الذي بين أيدينا أن الجميع ألقوا بأكاليلهم أمام العرش. فليس هناك آراء منقسمة في السماء ولا طوائف وأحزاب ولا انشقاقات، فالجميع على وفاق وتناغم تام. وما يفعله الواحد، يفعله الجميع. ألقى الجميع بأكاليلهم أمام العرش من دون استثناء. دعونا نبدأ بممارسة هذا الإجماع هنا. وكمؤمنين، دعونا نتخلص من كل ما يمكن أن يفرقنا عن بعضنا بعضًا أو يفصلنا عن الرب. لا أقرأ عن شيخٍ واحدٍ حسد أخاه على إكليله وقال، ’أتمنى لو كنت مكانه وحظيت بإكليله.‘ ولا أقرأ أنَّ أحدهم وجد علة في إكليل أخيه وقال، ’قد تكون جواهره براقة، ولكن لجواهري لون مميز وهي ذات جودة أعلى.‘ ولا أقرأ عن أي شقاق، فقد أجمع الجميع على طرح أكاليلهم أمام أقدام المسيح. لقد أجمع الجميع على تمجيد الله.” سبيرجن (Spurgeon)
- لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ: سجد الشيوخ الأربعة والعشرون لله بسبب قوته وعظمته. فحقيقة أنَّ الله خالق تعطيه كل حق واستحقاق في كل شيء، كما للفخاري كل حق وتصرف في الخزف (رومية ٢١:٩).
- حق الله علينا كخالق هو حقيقة يمكن أن تُقبل وبسرور أو تُرفض مؤديةً إلى الإحباط. فهناك قيمة بالغة الأهمية في إدراكنا “لطبيعتنا المخلوقة” أمام الله.
- “قدرة الله المتجلية في الخليقة وتسيير الكون مذكورة هنا مرتين كقدرة لا يمكن إيفاؤها حقها من التقدير والإعجاب.” تراب (Trapp)
- نعترف بإعجابنا بالترجمة المستخدمة في نسخة الملك جيمس لسفر الرؤيا ١١:٤ “أنت مستحق أيها الرب، أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة لأنك خلقت كل الأشياء، وهي بإرادتك كائنة وخُلقت.” يذكرنا المقطع الجميل، وهي بإرادتك كائنة وخُلقت، أنَّنا نوجد لنعطي مجدًا وكرامة لله. وحتى نفعل ذلك، فنحن لا نتمم الهدف الذي خُلقنا من أجله.
- لأنهم يمثلون شعب الله بأكمله، فالسجود والأكاليل والأثواب وقلوب الشيوخ الأربعة والعشرين تخصنا نحن أيضًا. “هناك عرشٌ في السماء لا يستطيع أحد الجلوس عليه إلا أنت وحدك، وهناك إكليل في السماء لا يستطيع أحد وضعه على رأسه إلا أنت، وهناك مقطع من ترنيمة أبدية لا يستطيع أي صوت بلوغه إلا أنت، وهناك مجدٌ لله كان سيكون مفقودًا لولا أنك جئت وأعدته، وهناك جزء من مجد وعظمة غير محدودين لا يمكن أبدًأ عكسه لولا وجودك أنت لعمل ذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
- يعني هذا أيضًا أنَّ علينا التحضير مسبقًا لذلك اليوم العظيم. “لو ذهبنا أنا وأنت إلى كاتدرائية عظيمة وكانوا هناك يترنمون، وسألنا أن يأذنوا لنا بالاشتراك في الترنيم مع الجوقة، فسيسألوننا إن سبق لنا وتعلمنا اللحن ولن يسمحوا لنا بالمشاركة حتى نتعلم اللحن. ولا يمكن أن نتوقع السماح للأصوات غير المدربة بالانضمام إلى تلك الجوقة. والآن أيها الأخوة والأخوات، هل تعلمتم طرح أكاليلكم عند أقدام المخلص؟” سبيرجن (Spurgeon)