رؤيا يوحنا – الإصحاح ١١
الشاهدان
أولًا. هيكل الله
أ ) الآية (١): أمر يوحنا بقياس الهيكل والمذبح والساجدين فيه.
١ثُمَّ أُعْطِيتُ قَصَبَةً شِبْهَ عَصًا، وَوَقَفَ الْمَلاَكُ قَائِلًا لِي: قُمْ وَقِسْ هَيْكَلَ اللهِ وَالْمَذْبَحَ وَالسَّاجِدِينَ فِيهِ
- قَصَبَةً شِبْهَ عَصًا: في سفر حزقيال الأصحاحات ٤٠-٤٣ هناك نص مطول عن قياس الهيكل. وهذا الهيكل المذكور في سفر حزقيال يُفضل أن ينظر إليه على أنه هيكل الأرض المعاصرة بينما يبدو أن الهيكل في سفر الرؤيا ١١ أقدم من هيكل حزقيال. ومع ذلك، فهناك أوجه تشابه؛ فالهيكل في سفر حزقيال تم قياسه بالتدقيق، بما في ذلك الدار الخارجية (سفر حزقيال ١٧:٤٠-١٩).
- هناك بعض الأمثلة الكتابية الأخرى عن القياس. ففي سفر زكريا الأصحاح ٢ قام رجل بقياس أورشليم، في إشارة إلى دينونة الله القادمة على المدينة. وفي سفر الرؤيا ٢١ يتم قياس أورشليم الجديدة.
- قُمْ وَقِسْ هَيْكَلَ اللهِ: في بعض الأحيان في العهد القديم كانت عملية القياس تدل على ملكية شيء ما وحمايته وحفظه. فحين تنبأ حبقوق، وقف وقاس الأرض (سفر حبقوق ٦:٣)، في إشارة إلى أن الرب هو مالك الأرض ويمكنه أن يفعل بها ما يشاء. وحين يتم قياس هذا الهيكل فهذا يعني أن الله يعرف كل أبعاده وأنه هو المسيطر عليه.
- الله هو المسيطر. وهذه الفكرة هي من أمجد وأعظم ما نلمسه ونراه في سفر الرؤيا. فالآية في سفر الرؤيا ١٧:١١ تستخدم مرة أخرى وصف “الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.” والكلمة اليونانية التي استخدمت هنا هي ’pantokrate‘ والتي تصف الشخص الذي وضع يده (أو المسيطر) على كل شيء. وفي عشر مرات استخدمت فيها هذه الكلمة العهد الجديد، تسع منها كانت في سفر الرؤيا. فهذا الهيكل سيكون مسرحًا لأمور مرعبة ولأمور مجيدة أيضًا، ولكن الله هو المسيطر بينما يجازي الإنسان على خيره وعلى شره.
- هَيْكَلَ اللهِ: هوية هذا الهيكل تحمل أهمية كبيرة من ناحية التفسير، إذ يرى كثيرون أن هذا الهيكل هو رمز للكنيسة.
- وصف بولس الكنيسة بالهيكل: فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلًا، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلًا مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ. (رسالة أفسس ١٩:٢-٢١)
- وصف بطرس الكنيسة بالهيكل: كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. (بطرس الأولى ٥:٢)
- ومع ذلك، إن كان هذا الهيكل في رؤيا يوحنا ١١ رمزًا للكنيسة، فلماذا ينبغي قياسه؟ وما هي أهمية الدار الخارجية والمذبح؟ وإن كانت الكنيسة نفسها هي الهيكل فمن هم العابدون (السَّاجِدِينَ فِيهِ)؟ فلدينا هنا الكثير من التفاصيل التي يصعب توافقها مع الصورة العامة للكنيسة كهيكل لله.
- هَيْكَلَ اللهِ: من المرجح أن هذا هو الهيكل الذي يجب أن يكون على الأرض لتحقيق نبوات دانيال ويسوع وبولس عن رجسة الخراب.
- أخبرنا النبي دانيال أن ضد المسيح (الْمُخَرَّبِ) سوف ينقض عهده مع الشعب اليهودي، مبطلًا الذبيحة والتقدمة، وأنه سوف ينجس الهيكل بوضع شيء نجس هناك (سفر دانيال ٢٧:٩، ٣١:١١، ١١:١٢).
- وقد أخبرنا يسوع بأننا متى نظرنا رِجْسَةَ الْخَرَابِ الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ، فهذه ستكون علامة مهمة على أن وقت غضب الله قد حلّ على الأرض (إنجيل متى ١٥:٢٤-١٦ و ٢١:٢٤).
- أخبرنا بولس كذلك أن ضد المسيح (إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ) سيجلس في الهيكل كإله (تسالونيكي الثانية ٣:٢-٤).
- كثيرًا ما يتم تفسير فكرة “رِجْسَةَ الْخَرَابِ” روحيًا على أنها عبادة الوثن والأشياء في قلوب شعب الله (هيكله). ولكن كيف يمكن أن يكون الناس أو قلوبهم هيكلًا لله إن كانوا يعبدون ضد المسيح، الـمُرسل من الشيطان نفسه؟ فبالتأكيد هذا التفسير ليس الأكثر منطقية. لهذا فالتفسير الأبسط لكل هذه الأجزاء هو رؤيتنا لهيكل يهودي حقيقي يبنى قريبًا على جبل الهيكل في القدس (أورشليم).
- هَيْكَلَ اللهِ: وفي حقيقة الأمر هناك من اليهود اليوم من هم مهتمون جدًا بإعادة بناء الهيكل واستئناف تقديم الذبائح فيه، ويستعدون لهذا الأمر الآن.
- يمكنك اليوم زيارة معهد الهيكل في الحي اليهودي في المدينة القديمة في القدس. وهناك ستقابل بعضًا من اليهود الذين عقدوا العزم على إعادة بناء الهيكل والذين يحاولون تثقيف الجمهور وزيادة الوعي بأهمية بناء الهيكل من جديد. وهؤلاء يبذلون جهدهم في إعادة عمل كل ما كان في الهيكل، وصولًا إلى الأواني والمراحض التي كانت تستخدم في تقديم الذبائح.
- إسرائيل أصبحت أمّة من جديد، والجهود المبذولة لإعادة بناء الهيكل حقيقية. والمجموعة اليهودية الرئيسية التي تقود مهمة إعادة بناء الهيكل هي منظمة تدعى أمناء جبل الهيكل التي تعلن انها ستستمر في جهودها لإعادة بناء الهيكل اليهودي على الجبل. أحد قادة المجموعة يقول: “سنواصل سعينا حتى يرفرف العلم الإسرائيلي على قبة الصخرة.” وفي إسرائيل، هناك طلاب يتم تدريبهم على خدمة الكهنوت ويتعلمون طقوس تقديم الذبائح الحيوانية في الهيكل الذي سيعاد بناؤه.
- من المهم أن نفهم كذلك أن معظم اليهود، متدينين وعلمانيين، لا يهتمون البتة ببناء الهيكل. ولو تحقق بناء الهيكل فعلًا فسيكون تقديم الذبائح هناك صعبًا بوجود ضغوط نشطاء الدفاع عن حقوق الحيوانات. ولكن مع ذلك هناك مجموعة صغيرة وقوية ومصممة للغاية على إعادة بناء الهيكل الذي سوف تتحقق فيه النبوات.
- يتحمس المؤمنون لرؤية جهود إعادة بناء الهيكل. ولكن في نفس الوقت علينا أن نفهم أن الدافع الرئيسي من إعادة بناء الهيكل ليس خدمة الله على الإطلاق، لكنها الرغبة في استعادة مكان لتقديم ذبائح الخطية. ولكننا نحن كمؤمنين نؤمن اليوم بأن زمن ذبائح الخطية قد انتهى بذبيحة يسوع على الصليب، وأن أي ذبائح أخرى للتكفير عن الخطية هي إهانة في حق الله، لأنها تنكر عمل يسوع الكامل على الصليب.
- يعتقد اليهود الأرثوذكس (المتشددين) أن المسيح هو من سيعيد بناء الهيكل؛ لكن الشخص الذي قد يعلقون آمالهم عليه في تحقيق ذلك قد يكون في الواقع هو ضد المسيح نفسه: أَنَا قَدْ أَتَيْتُ بِاسْمِ أَبِي وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَنِي. إِنْ أَتَى آخَرُ بِاسْمِ نَفْسِهِ فَذلِكَ تَقْبَلُونَهُ. (إنجيل يوحنا ٤٣:٥)
ب) الآية (٢): الدار الخارجية (ساحة الهيكل الخارجية).
٢وَأَمَّا الدَّارُ الَّتِي هِيَ خَارِجَ الْهَيْكَلِ، فَاطْرَحْهَا خَارِجًا وَلاَ تَقِسْهَا، لأَنَّهَا قَدْ أُعْطِيَتْ لِلأُمَمِ، وَسَيَدُوسُونَ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا.
- وَأَمَّا الدَّارُ الَّتِي هِيَ خَارِجَ الْهَيْكَلِ، فَاطْرَحْهَا: لا يلزم أن تقيس الدار الخارجية لأَنَّهَا قَدْ أُعْطِيَتْ لِلأُمَمِ. وهذا ربما لأن الساحة الخارجية لهذا الهيكل الذي أعيد بناؤه تشمل قبة الصخرة الإسلامية الـمُقامة حاليًا على جبل الهيكل وتشكل نقطة خلاف وصراع كبير بين اليهود والمسلمين.
- عندما غزا الرومان القدس عام ٧٠ م قاموا بتدمير المدينة لدرجة صعُب معها العثور على أساسات الهيكل القديم. ولطالما اعتقد كثيرون أن قبة الصخرة بُنيت مكان ذلك الهيكل الأول. ولكن الأبحاث الجديدة تشير إلى أن الهيكل ربما كان إلى الشمال من قبة الصخرة، وأنه إذا تم فعلًا إعادة بناء الهيكل في مكانه القديم اليوم فستكون قبة الصخرة في الدار الخارجية. فإن صحّ هذا، (والأمر لم يحسم بعد بأي حال)، فسوف يفسر ذلك سبب قول الملاك ليوحنا: وَأَمَّا الدَّارُ الَّتِي هِيَ خَارِجَ الْهَيْكَلِ، فَاطْرَحْهَا خَارِجًا وَلاَ تَقِسْهَا، لأَنَّهَا قَدْ أُعْطِيَتْ لِلأُمَمِ.
- وَسَيَدُوسُونَ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ: المدينة المقدسة (أورشليم/القدس) ستداس بالأقدام مدة اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا، والتي تعادل ١٢٦٠ يومًا (أي ثلاث سنوات ونصف). وهذا الدوس لأورشليم من الأمم سيحدث ربما في النصف الأخير من فترة السنوات السبع الأخيرة التي ذكرت في سفر دانيال ٢٦:١١-٢٧ عندما يصبُ “ضد المسيح” جام غضبه على شعب إسرائيل، كما هو مذكور في رؤيا يوحنا ١٣:١٢-١٧ وإنجيل متى ١٥:٢٤-٢٨.
- وَسَيَدُوسُونَ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ: يقول روبرتسون (A.T. Robertson) إن الدوس بالأقدام يحمل معنى الازدراء أو التحقير.
ثانيًا. الشاهدان
أ ) الآيات (٣-٦): خدمة الشاهدين.
٣وَسَأُعْطِي لِشَاهِدَيَّ، فَيَتَنَبَّآنِ أَلْفًا وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْمًا، لاَبِسَيْنِ مُسُوحًا». ٤هذَانِ هُمَا الزَّيْتُونَتَانِ وَالْمَنَارَتَانِ الْقَائِمَتَانِ أَمَامَ رَبِّ الأَرْضِ. ٥وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا، تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ فَمِهِمَا وَتَأْكُلُ أَعْدَاءَهُمَا. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا، فَهكَذَا لاَ بُدَّ أَنَّهُ يُقْتَلُ. ٦هذَانِ لَهُمَا السُّلْطَانُ أَنْ يُغْلِقَا السَّمَاءَ حَتَّى لاَ تُمْطِرَ مَطَرًا فِي أَيَّامِ نُبُوَّتِهِمَا، وَلَهُمَا سُلْطَانٌ عَلَى الْمِيَاهِ أَنْ يُحَوِّلاَهَا إِلَى دَمٍ، وَأَنْ يَضْرِبَا الأَرْضَ بِكُلِّ ضَرْبَةٍ كُلَّمَا أَرَادَا.
- لِشَاهِدَيَّ: يقدم النص لنا الآن الشاهدين، وهما من أكثر الشخصيات إثارة للاهتمام في سفر الرؤيا. فطبيعة خدمتهما نبوية (فَيَتَنَبَّآنِ)؛ ويكرزان بالتوبة (لاَبِسَيْنِ مُسُوحًا)، وخدمتهما فعالة (لَهُمَا السُّلْطَانُ).
- خدم الشاهدان بسلطان حقيقي. “خدم الشاهدان بسلطان وقوة مكنتهما من أن يشهدا للعالم مدة ١٢٦٠ يومًا على الرغم من خصومة العالم لهما.” والفورد (Walvoord)
- هذَانِ هُمَا الزَّيْتُونَتَانِ وَالْمَنَارَتَانِ الْقَائِمَتَانِ: يتمتع الشاهدان بسلطان وتأييد فريد ومستمر من الروح القدس، كما يظهر في الإشارة هنا إلى صورة أشجار زيتون ومصابيح الزيت في سفر زكريا ٢:٤-٣ و١٤:٤.
- كان أول تجسيد فعلي لهذا المقطع من سفر زكريا في ذلك الزمان في رجلين هما يشوع وزربابل. “فكما أقيم هذان الشاهدان ليكونا منارتان تشهدان لله ويغذيهما زيت الزيتون الذي يشير لقوة الروح القدس، هكذا سيقوم الشاهدان في سفر الرؤيا ١١ بتأدية المهمات الموكولة إلى مركزهما النبوي.” والفورد (Walvoord)
- في تلك الصورة التي أوردها سفر زكريا كان يتم ملأ المصابيح بأنابيب تمُد المصابيح بالزيت مباشرة من أشجار الزيتون. وهذه صورة لإمدادات وفيرة لا تنقطع. وإن أردنا نحن أن نكون شهودًا فيجب أن يكون لدينا أولًا ما نشهد به، أي اختبارنا الشخصي ليسوع المسيح. ثم علينا أن نتمتع بقوة الروح القدس ليعلن من خلالنا قصتنا واختبارنا بفعالية.
- “يستعير الروح القدس في سفر الرؤيا كل أناقة وجمال قصة العهد القديم ليشكل قصة العهد الجديد التي للعصور التالية.” تراب (Trapp)
- وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا، تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ فَمِهِمَا وَتَأْكُلُ أَعْدَاءَهُمَا: يتمتع الشاهدان بحماية خاصة من الله كما كان لإيليا في ٢ ملوك ١.
- هذَانِ لَهُمَا السُّلْطَانُ أَنْ يُغْلِقَا السَّمَاءَ حَتَّى لاَ تُمْطِرَ مَطَرًا فِي أَيَّامِ نُبُوَّتِهِمَا، وَلَهُمَا سُلْطَانٌ عَلَى الْمِيَاهِ أَنْ يُحَوِّلاَهَا إِلَى دَمٍ، وَأَنْ يَضْرِبَا الأَرْضَ بِكُلِّ ضَرْبَةٍ كُلَّمَا أَرَادَا: للشاهدين القدرة على جلب الجفاف وضربات المرض، على غرار قوة إيليا (رسالة يعقوب ١٧:٥-١٨) وقوة موسى (سفر الخروج ٧-١٢).
- هذَانِ… هُمَا… لهُمَا: جميع الضمائر التي استخدمت في النص اليوناني الأصلي للإشارة إلى الشاهدين كانت في صيغة المذكر. فهذا الشاهدان رجلان بالتأكيد.
ب) الآيات (٧-١٠): موت الشاهدين.
٧وَمَتَى تَمَّمَا شَهَادَتَهُمَا، فَالْوَحْشُ الصَّاعِدُ مِنَ الْهَاوِيَةِ سَيَصْنَعُ مَعَهُمَا حَرْبًا وَيَغْلِبُهُمَا وَيَقْتُلُهُمَا. ٨وَتَكُونُ جُثَّتَاهُمَا عَلَى شَارِعِ الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تُدْعَى رُوحِيًّا سَدُومَ وَمِصْرَ، حَيْثُ صُلِبَ رَبُّنَا أَيْضًا. ٩وَيَنْظُرُ أُنَاسٌ مِنَ الشُّعُوبِ وَالْقَبَائِلِ وَالأَلْسِنَةِ وَالأُمَمِ جُثَّتَيْهِمَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَنِصْفًا، وَلاَ يَدَعُونَ جُثَّتَيْهِمَا تُوضَعَانِ فِي قُبُورٍ. ١٠وَيَشْمَتُ بِهِمَا السَّاكِنُونَ عَلَى الأَرْضِ وَيَتَهَلَّلُونَ، وَيُرْسِلُونَ هَدَايَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لأَنَّ هذَيْنِ النَّبِيَّيْنِ كَانَا قَدْ عَذَّبَا السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ.
- سَيَصْنَعُ مَعَهُمَا حَرْبًا وَيَغْلِبُهُمَا وَيَقْتُلُهُمَا: سيقتلُ الشاهدان على يد الْوَحْشُ الصَّاعِدُ مِنَ الْهَاوِيَةِ (الذي رأيناه أولًا في سفر الرؤيا ١١:٩، والذي من المرجح أن يكون الشيطان نفسه) لكن خدمتهما لم تتوقف قبل الأوان. فقد أنجزا مهمتهما بالكامل (وَمَتَى تَمَّمَا شَهَادَتَهُمَا).
- شكرًا لله لأننا لن نؤخذ من هذه الأرض قبل أن نتمم شهادتنا. فالشيطان ليس لديه سلطان على حياتنا. فنحن شهود إلهنا الذي سيحمينا إلى أن ينتهي أوان شهادتنا.
- يوضح هذا المقطع الفرق بين أن تكون شاهدًا وبين تقديم الشهادة. فكونك شاهدًا هو وصف لك ولطبيعتك، وليس لشيء تفعله. اما إعطاء الشهادة فهو ما يفعله الشاهد.
- وَتَكُونُ جُثَّتَاهُمَا عَلَى شَارِعِ الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تُدْعَى رُوحِيًّا سَدُومَ وَمِصْرَ، حَيْثُ صُلِبَ رَبُّنَا أَيْضًا: سيقتل الشاهدان في مدينة أورشليم التي يشار لها هنا بثلاثة أسماء ذات مغزى.
- سَدُومَ، التي تشير إلى الفجور.
- مِصْرَ، التي تشير إلى الاضطهاد والعبودية.
- الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ، وهو وصف كان يطلق غالبًا على مدينة بابل التي هي مقرّ ضد المسيح (رؤيا يوحنا ١٩:١٦، ١٨:١٧، ١٠:١٨، ١٦:١٨، ١٨:١٨، ١٩:١٨، ٢١:١٨).
- إن كان قادة أورشليم متواطئين مع ضد المسيح في السنوات الثلاث والنصف الأولى فمن السهل أن نرى واقعية هذه الأسماء. فأي مدينة تقع في حب ضد المسيح أو تدخل في عهد معه يمكن أن تصبح سَدُومَ وَمِصْرَ وبابل.
- وَيَشْمَتُ بِهِمَا السَّاكِنُونَ عَلَى الأَرْضِ وَيَتَهَلَّلُونَ، وَيُرْسِلُونَ هَدَايَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ها الأرض تفرح لرؤية مقتل الشاهدين. وحقيقة أن شيئًا كهذا سيراه أُنَاسٌ مِنَ الشُّعُوبِ وَالْقَبَائِلِ وَالأَلْسِنَةِ وَالأُمَمِ ربما يمثل نبوءة عن وسائل الإعلام الحديثة.
- إنه لأمر مدهش، لكن ليس بعيد الاحتمال، أن نرى بثًا مباشرًا من أورشليم لجميع أنحاء العالم على كل القنوات وعبر الإنترنت لمتابعة المشهد المدهش الموصوف هنا.
- يشير النص أيضًا إلى أن العالم سيعامل هذين الشاهدين بطريقة مهينة. “عرض جسده الميت ليراه الجميع كان أسوأ إهانة يمكن أن توجه لشخص من قبل أعدائه.” جونسون (Johnson)
- وَيَتَهَلَّلُونَ، وَيُرْسِلُونَ هَدَايَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: روى دونالد جراي بارنهاوس (Donald Grey Barnhouse) أنه شاهد بطاقة لعيد الميلاد عليها هذه الآية من سفر الرؤيا ١٠:١١، في اقتباس خاطئ شنيع للكتاب المقدس!
- أَنَّ هذَيْنِ النَّبِيَّيْنِ كَانَا قَدْ عَذَّبَا السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ: كانت شهادة وتوبيخ هذين الشاهدين ودعوتهما إلى التوبة عذابًا بالنسبة لكثيرين لم يطيقوا سماع الحق.
ج ) الآيات (١١-١٤): إحياء الشاهدين.
١١ثُمَّ بَعْدَ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ وَالنِّصْفِ، دَخَلَ فِيهِمَا رُوحُ حَيَاةٍ مِنَ اللهِ، فَوَقَفَا عَلَى أَرْجُلِهِمَا. وَوَقَعَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى الَّذِينَ كَانُوا يَنْظُرُونَهُمَا. ١٢وَسَمِعُوا صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا لَهُمَا: «اصْعَدَا إِلَى ههُنَا». فَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ فِي السَّحَابَةِ، وَنَظَرَهُمَا أَعْدَاؤُهُمَا. ١٣وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ حَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ، فَسَقَطَ عُشْرُ الْمَدِينَةِ، وَقُتِلَ بِالزَّلْزَلَةِ أَسْمَاءٌ مِنَ النَّاسِ: سَبْعَةُ آلاَفٍ. وَصَارَ الْبَاقُونَ فِي رَعْبَةٍ، وَأَعْطَوْا مَجْدًا لإِلهِ السَّمَاءِ. ١٤الْوَيْلُ الثَّانِي مَضَى وَهُوَذَا الْوَيْلُ الثَّالِثُ يَأْتِي سَرِيعًا.
- فَوَقَفَا عَلَى أَرْجُلِهِمَا. وَوَقَعَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى الَّذِينَ كَانُوا يَنْظُرُونَهُمَا: بما أن هذا كان يحدث أمام أعين باقي العالم فقد كان أعداء هذين الشاهدين في رعب ودهشة.
- اصْعَدَا إِلَى ههُنَا: لم تكن الأرض جديرة بهذين الشاهدين، فدعاهما الله للعودة لبيتهما، فَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ فِي السَّحَابَةِ.
- وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ حَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ: الزلزال يجلب الدينونة ويدفع كثيرين لتقديم المجد لله. ولكن يبقى أن يصبح هذا توبة حقيقية تقود للخلاص.
د ) هوية الشاهدين.
- يرى العديد من المفسرين أن الشاهدين يرمزان للكنيسة بأكملها في فترة الضيقة أو يرمزان للناموس والأنبياء. ولكن كيف يمكننا التوفيق بين تفاصيل خدمتهما وبين مثل هذا التفسير الرمزي؟
- التفسير المباشر الأكثر منطقية هو اعتبارهما كأفراد حقيقيين غير رمزيين.
- للأسف، تطول قائمة بعض المخبولين الذي ظنوا أنهم أحد هذين الشاهدين. وأعتقد أنك إن جمعت عددهم فسيبلغ نحو ١٤٤٠٠٠!
- هوية الشاهدين ليست أمرًا مهمًا للغاية، فلو كانت كذلك لأعلنها لنا الكتاب!
- بشكل عام، إن كان هذان الشاهدان من الماضي، فأغلب الظن أنهما سيكونا إيليا أو موسى أو أخنوخ، أو أنهما مجرد شخصين مؤمنين يخدمان بروح هؤلاء الرجال العظماء وقوتهم كما كان يوحنا المعمدان يكرز بقوة وروح إيليا (إنجيل لوقا ١٧:١، إنجيل متى ١٢:٧-١٣).
- يعتقد البعض أن أخنوخ أحد الشاهدين لأن الله أخذه إلى السماء (سفر التكوين ٢٥:٥).
- يعتقد البعض أن إيليا أحد الشاهدين:
- لأن خدمته تتشابه مع خدمة هذين الشاهدين (سفر ملوك الثاني ١، رسالة يعقوب ١٧:٥-١٨).
- لأنه ارتفع إلى السماء (سفر ملوك الثاني ١١:٢).
- لأن أعداء إيليا هلكوا بالنار (سفر ملوك الثاني ١).
- لأن هناك نبوة واضحة بعودة إيليا قبل آخر الأيام (سفر ملاخي ٥:٤-٦).
- لأن إيليا كان مع المسيح على جبل التجلي (إنجيل متى ١:١٧-٦).
- يعتقد البعض أن موسى أحد الشاهدين:
- لأن خدمته تتشابه مع خدمة هذين الشاهدين (سفر الخروج ٢٠:٧-٢١).
- لأنه بدا أن لدى الله خطة لجسد موسى الذي أراد الشيطان أن يهزمه (رسالة يهوذا ٩).
- لأن أعداء موسى هلكوا بالنار (سفر العدد ٣٥:١٦).
- لأن موسى كان مع المسيح على جبل التجلي (إنجيل متى ١:١٧-٦).
- يعتقد البعض أن الشاهدين لا بد أن يكونا أخنوخ وإيليا لأن كلاهما لم يموتا موتًا طبيعيًا بل انتقلا إلى السماء، والكتاب في الرسالة إلى العبرانيين ٢٧:٩ يقول إنه: وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ الدَّيْنُونَةُ – لذلك لا بد أن يعود أخنوخ وإيليا ليموتا على الأرض. ولكن هذا سوء فهم للنص في رسالة العبرانيين ٢٧:٩ الذي يورد لنا مبدًا وليس قانونًا مطلقًا غير قابل للتغيير. فعلى سبيل المثال قام لعازر وآخرون من الأموات ثم ماتوا ثانية، أي أنهم ماتوا مرتين – مع أن هذا لا يناقض رسالة العبرانيين ٢٧:٩. والكنيسة كذلك لن تموت بأكملها وقت الاختطاف، لكنها سترتفع للسموات. فالآية في رسالة العبرانيين ٢٧:٩ مجرد مبدأ، مع وجود بعض الاستثناءات الواضحة التي تدعم المبدأ نفسه كذلك ولا تناقضه. وقد تكون هناك أسباب منطقية لاعتبار أن أخنوخ وإيليا هما الشاهدين، لكن المبدأ الوارد في رسالة العبرانيين ٢٧:٩ ليس من بين تلك الأسباب.
ثالثًا. البوق السابع
أ ) الآية (١٥): وأخيرًا، البوق السابع.
١٥ثُمَّ بَوَّقَ الْمَلاَكُ السَّابِعُ، فَحَدَثَتْ أَصْوَاتٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ قَائِلَةً: قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ الْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، فَسَيَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.
- ثُمَّ بَوَّقَ الْمَلاَكُ السَّابِعُ: أدى الختم السابع إلى صمت عميق (رؤيا يوحنا ١:٨) أما البوق السابع فقد كان سببًا في إعلان الفرح بإعلان النهاية المحتومة. فليس هناك إعلان أمجد من هذا: قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ الْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، فَسَيَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.
- قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ الْعَالَمِ لِرَبِّنَا: تشير صيغة الفعل المستخدمة هنا في قواعد اللغة اليونانية القديمة إلى اليقين المطلق بمجيء يسوع وحكمه، حتى قبل تحقق الفعل ذاته.
- فَسَيَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ: لماذا كل هذا الفرح والملِك لم يملُك بالكامل بعد؟ ينتشر الفرح في مقر الحملة الانتخابية الناجحة ليلة الانتخابات حين يفوز ذلك المرُشح، على الرغم من أن تنصيب المرشح في منصبه الرسمي قد يستغرق بعض الوقت. فالفرح هو بتوقع نتيجة معينة.
ب) الآيات (١٦-١٨): أربعة وعشرون شيخًا يسجدون لله.
١٦وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا الْجَالِسُونَ أَمَامَ اللهِ عَلَى عُرُوشِهِمْ، خَرُّوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَسَجَدُوا لله ١٧قَائِلِينَ: «نَشْكُرُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، لأَنَّكَ أَخَذْتَ قُدْرَتَكَ الْعَظِيمَةَ وَمَلَكْتَ. ١٨وَغَضِبَتِ الأُمَمُ، فَأَتَى غَضَبُكَ وَزَمَانُ الأَمْوَاتِ لِيُدَانُوا، وَلِتُعْطَى الأُجْرَةُ لِعَبِيدِكَ الأَنْبِيَاءِ وَالْقِدِّيسِينَ وَالْخَائِفِينَ اسْمَكَ، الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، وَلِيُهْلَكَ الَّذِينَ كَانُوا يُهْلِكُونَ الأَرْضَ».
- نشْكُرُكَ: هذا الشكر لله ليس بسبب ما قد صنع، لكن لأن الساعة قد أزفت لإكمال العمل الذي ابتدأ ولاستمراره أبدًا.
- “شكرهم هذا هو لابتداء ما هو عتيد أن يكون من أحداث وشيكة سيتم وصفها بشكل كامل لاحقًا.” مورجان (Morgan). فالآن هو وقت الدينونة وإعطاء الأجرة والهلاك.
- وَغَضِبَتِ الأُمَمُ، فَأَتَى غَضَبُكَ: عقوبة الله هي بقدر الجريمة؛ وليس فيها أي تعسف. فالأمم غاضبة من الله، وهو يستجيب بالغضب كذلك. وسوف يهْلَكَ الَّذِينَ كَانُوا يُهْلِكُونَ الأَرْضَ.
- وَغَضِبَتِ الأُمَمُ: الأمم غاضبة لأن الله قد جاء ليحكم ويسود. فالعالم لا يريد حكم الله، كما ورد في مثل يسوع: لاَ نُرِيدُ أَنَّ هذَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا (إنجيل لوقا ١٤:١٩).
- “الديانة مقبولة مبدئيًا، لكن الاستسلام لله أمر لا يطاق لأمم هذا العالم.” نيويل (Newell)
ج ) الآية (١٩): فتح هيكل الله في السماء.
١٩وَانْفَتَحَ هَيْكَلُ اللهِ فِي السَّمَاءِ، وَظَهَرَ تَابُوتُ عَهْدِهِ فِي هَيْكَلِهِ، وَحَدَثَتْ بُرُوقٌ وَأَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَزَلْزَلَةٌ وَبَرَدٌ عَظِيمٌ.
- وَظَهَرَ تَابُوتُ عَهْدِهِ فِي هَيْكَلِهِ: تابوت العهد يشير إلى عرش الله، أي مكان صدور الأمر الذي ذكر في النص السابق.
- وَظَهَرَ تَابُوتُ عَهْدِهِ فِي هَيْكَلِهِ: تابوت عهده هو الذي كان في العهد القديم بمثابة الرمز الأرضي لعرش الله ورمزًا لأمانته.
- تابوت العهد هو “رمز لأمانة الله في إسباغ نعمته على شعبه والانتقام من أعداء شعبه.” الفورد (Alford)
- وَحَدَثَتْ بُرُوقٌ وَأَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَزَلْزَلَةٌ وَبَرَدٌ عَظِيمٌ: هذه الظاهرة العظيمة والرائعة التي تجلت عند افتتاح الهيكل وعند الكشف عن فُلك نوح تبين وجود الرب في المكان؛ وهي تذكير أيضًا بنزول الله في جبل سيناء (سفر الخروج ١٦:١٩-١٩).