رؤيا يوحنا – الإصحاح ١٦
الجامات
أولًا. الضربات الموجهة للظواهر الطبيعية
أ ) الآية (١): صوت من الهيكل.
١وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ الْهَيْكَلِ قَائِلًا لِلسَّبْعَةِ الْمَلاَئِكَةِ: امْضُوا وَاسْكُبُوا جَامَاتِ غَضَبِ اللهِ عَلَى الأَرْضِ.
- وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ الْهَيْكَلِ: بما أنه لم يمكن لأحد الدخول إلى الهيكل (رؤيا يوحنا ٨:١٥)، فلا بد أن هذا الصوت العظيم من الهيكل هو الله ذاته معلنًا ابتداء ضربات الدينونة المروعة.
- امْضُوا وَاسْكُبُوا جَامَاتِ غَضَبِ اللهِ عَلَى الأَرْضِ: جامات الدينونة هذه هي الويل الثالث الذي ذكر في سفر الرؤيا ١٤:١١. وكونها وصفت بأنها جَامَاتِ غَضَبِ اللهِ، فهي تأديب لأجل التوبة كما أنها عقاب الدينونة.
- لهذا فنحن نعتقد أن هذه ستحدث في نهاية فترة السبع سنوات قبل عودة يسوع مباشرة.
- الصور والإشارات لخروج شعب إسرائيل حاضرة في جامات الدينونة. ففي زمن موسى أرسل الله ضربات على مصر كان منها الدمامل (سفر الخروج ٨:٩-١٢)، وتحول الماء إلى دم (سفر الخروج ١٤:٧-٢٥)، والظلام الدامس (سفر الخروج ٢١:١٠-٢٩).
- هل الضربات المذكورة في هذا الأصحاح رمزية؟ ربما لا يمكننا تصور وفهم ما تعنيه هذه الكلمات، لكن مع ذلك علينا أن ندرك أن دينونة الله لهذا العالم لن تكون دينونة رمزية، وعلينا أن نتذكر أن الحقيقة أكثر واقعية من الرمز، وفي هذه الحالة أكثر رعبًا من الرمز نفسه.
- عَلَى الأَرْضِ: هذه النقطة تسبب إشكالًا لمن يؤمنون أن ما في سفر الرؤيا قد تحقق عبر التاريخ. ففي تفسير بوله (Poole) حول ما قد تشير له الأَرْضِ هنا تُظهر مدى صعوبة تفسير سفر الرؤيا بهذه الطريقة. فقال بوله إن الأَرْضِ قد تعني:
- بعض أجزاء من الأرض.
- عامة الناس.
- الإمبراطورية الرومانية.
- رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية.
- الكلام واضح هنا. فإن كانت الأَرْضِ لا تعني الأَرْضِ، فلا يمكن لأحد أن يفهم المعنى المقصود منها وما كان الله استخدم هذه الكلمة.
ب) الآية (٢): الجامة الأولى: دَمَامِلُ خَبِيثَةٌ وَرَدِيَّةٌ.
٢فَمَضَى الأَوَّلُ وَسَكَبَ جَامَهُ عَلَى الأَرْضِ، فَحَدَثَتْ دَمَامِلُ خَبِيثَةٌ وَرَدِيَّةٌ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ بِهِمْ سِمَةُ الْوَحْشِ وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لِصُورَتِهِ.
- فَحَدَثَتْ دَمَامِلُ خَبِيثَةٌ وَرَدِيَّةٌ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ بِهِمْ سِمَةُ الْوَحْشِ: ضربت الدمامل أولئك الذين عبدوا الوحش ونالوا سمته.
ج ) الآية (٣): الجامة الثانية: تحول البحر إلى دم.
٣ثُمَّ سَكَبَ الْمَلاَكُ الثَّانِي جَامَهُ عَلَى الْبَحْرِ، فَصَارَ دَمًا كَدَمِ مَيِّتٍ. وَكُلُّ نَفْسٍ حَيَّةٍ مَاتَتْ فِي الْبَحْرِ.
- الْبَحْرِ، فَصَارَ دَمًا: تصف الآية في رؤيا يوحنا ٨:٨-٩ تلوثًا جزئيًا للبحر. وهنا يكتمل التلوث (وَكُلُّ نَفْسٍ حَيَّةٍ مَاتَتْ فِي الْبَحْرِ).
- دَمًا كَدَمِ مَيِّتٍ: البحر لا يتحول بالضرورة إلى دم، لكنه يصبح كَدَمِ مَيِّتٍ. سوف يشبه مظهر وصفات دم الجثة الميتة بشكل مقزز.
د ) الآية (٤): الجامة الثالث: تلوث المياه العذبة.
٤ثُمَّ سَكَبَ الْمَلاَكُ الثَّالِثُ جَامَهُ عَلَى الأَنْهَارِ وَعَلَى يَنَابِيعِ الْمِيَاهِ، فَصَارَتْ دَمًا.
- عَلَى الأَنْهَارِ وَعَلَى يَنَابِيعِ الْمِيَاهِ، فَصَارَتْ دَمًا: هذا هو التلوث الكامل، مقارنة بالتلوث الجزئي (ثُلث) للمياه العذبة في رؤيا يوحنا ١٠:٨-١١.
- فَصَارَتْ دَمًا: عندما تأتي هذه الضربات فلا بد أن وقت عودة يسوع سيكون وشيكًا جدًا، لأنه مع كارثة بيئية مثل هذه لا يمكن للجنس البشري أن يعيش طويلًا.
- “كانوا متعطشين للدماء فقتلوا قديسي الله، والآن ليس لهم إلا الدم ليشربوه!” كلارك (Clarke)
هـ) الآيات (٥-٧): عدالة دينونة الله.
٥وَسَمِعْتُ مَلاَكَ الْمِيَاهِ يَقُولُ: «عَادِلٌ أَنْتَ أَيُّهَا الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَكُونُ، لأَنَّكَ حَكَمْتَ هكَذَا. ٦لأَنَّهُمْ سَفَكُوا دَمَ قِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَاءَ، فَأَعْطَيْتَهُمْ دَمًا لِيَشْرَبُوا. لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ!» ٧وَسَمِعْتُ آخَرَ مِنَ الْمَذْبَحِ قَائِلًا: «نَعَمْ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! حَقٌ وَعَادِلَةٌ هِيَ أَحْكَامُكَ».
- عَادِلٌ أَنْتَ… لأَنَّهُمْ سَفَكُوا دَمَ قِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَاءَ، فَأَعْطَيْتَهُمْ دَمًا لِيَشْرَبُوا: من منتهى العدل أن يضطر أولئك الذين طاب لهم سفك دماء القديسين إلى شرب الدم الآن. فقد رفضوا الماء الحي والآن سيشربون الموت.
- عَادِلٌ أَنْتَ أَيُّهَا الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَكُونُ: حتى في خضم الدينونة، من اللائق أن يعلن الملاك هذا. فعدل الله ليس منصفًا فقط، لكنه نقي وحقّ. فعدالة الله ليس عدالة مزاجية عشوائية.
- وَسَمِعْتُ آخَرَ مِنَ الْمَذْبَحِ قَائِلًا: هذا الصوت هو إما صوت ملاك يتكلم من الْمَذْبَحِ، أو أن الْمَذْبَحِ أخذ هيئة إنسان وتكلم بصوت الشهداء (رؤيا يوحنا ٩:٦) وصلوات القديسين (رؤيا يوحنا ٣:٨-٥).
- قد يكون هذا الْمَذْبَحِ الناطق هو مذبح الله، أو الصليب الذي قُدمت عليه الذبيحة العظمى والذي يشهد أيضًا عن عدالة دينونته، في الماضي وفيما هو وشيك. فهذا هو المذبح الذي قدم عليه الله بمحبته وسيلة لنا للخلاص من الدينونة.
و ) الآيات (٨-٩): الجامة الرابع: إحراق الشمس للناس.
٨ثُمَّ سَكَبَ الْمَلاَكُ الرَّابعُ جَامَهُ عَلَى الشَّمْسِ، فَأُعْطِيَتْ أَنْ تُحْرِقَ النَّاسَ بِنَارٍ، ٩فَاحْتَرَقَ النَّاسُ احْتِرَاقًا عَظِيمًا، وَجَدَّفُوا عَلَى اسْمِ اللهِ الَّذِي لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى هذِهِ الضَّرَبَاتِ، وَلَمْ يَتُوبُوا لِيُعْطُوهُ مَجْدًا.
- ثُمَّ سَكَبَ الْمَلاَكُ الرَّابعُ جَامَهُ عَلَى الشَّمْسِ، فَأُعْطِيَتْ أَنْ تُحْرِقَ النَّاسَ بِنَارٍ: دفء الشمس المشرقة الذي يُعتبر نعمة صار الآن لعنة.
- وَلَمْ يَتُوبُوا لِيُعْطُوهُ مَجْدًا: رفض البشر للتوبة يثبت أن معرفة البشر بحقيقة الدينونة أو حتى تعرضهم لها لن يغير حالة الإنسان الخاطئة. فمن لن ينالوا الخلاص بالنعمة لن ينالوا الخلاص أبدًا.
- “اعتقاد البعض بأن الناس قد يتوبوا لو فهموا وأدركوا عظمة وعدالة دينونة الله سوف يتم دحضه في هذا الأصحاح بالتحدث مرارًا عن قساوة قلب الإنسان رغم كل هذا التأديب الإلهي.” والفورد (Walvoord)
ثانيًا. الجامات الموجهة ضد الوحش وحكومته
أ ) الآيات (١٠-١١): الجامة الخامسة: ضربة الظلام.
١٠ثُمَّ سَكَبَ الْمَلاَكُ الخَامِسُ جَامَهُ عَلَى عَرْشِ الْوَحْشِ، فَصَارَتْ مَمْلَكَتُهُ مُظْلِمَةً. وَكَانُوا يَعَضُّونَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الْوَجَعِ. ١١وَجَدَّفُوا عَلَى إِلهِ السَّمَاءِ مِنْ أَوْجَاعِهِمْ وَمِنْ قُرُوحِهِمْ، وَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ أَعْمَالِهِمْ.
- فَصَارَتْ مَمْلَكَتُهُ مُظْلِمَةً: يرى البعض أن هذه ظلمة رمزية. إذ وصف كيرد (Caird) الضربات الثلاث الأخيرة بأنها “ثلاث كوارث سياسية” مثل الفوضى الداخلية والغزو والانهيار الذي لا يمكن إصلاحه.
- لكن ليس من الضروري أن نفسر هذه الظلمة كظلام سياسي. فالضربة التاسعة على أرض مصر كانت ظلمة حرفية ذات معانٍ روحية يمكن الشعور بها كما ذكر في سفر الخروج ٢١:١٠-٢٢.
- وَكَانُوا يَعَضُّونَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الْوَجَعِ: ظلام الجامة الخامسة هو عينة لعذاب الجحيم الذي وصفه يسوع بالظلمة الخارجية (إنجيل متى ٣٠:٢٥). فهؤلاء من سيذوقون هذه الجامة الخامسة يقفون على أطراف بحيرة النار.
- وَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ أَعْمَالِهِمْ: طبيعة الإنسان الخاطئة تجعله يزيد من خطيته وهو تحت دينونة الله في الوقت الذي عليه فيه أن يتوب عن خطيته.
- “الدينونة قد تؤدي إلى التوبة الجسدية، أي توبة الجسد النابعة من طبيعة الإنسان الشريرة. ففي هذه التوبة يبقى فساد القلب في جوهره كما هو على الرغم من تغيّر مظهره، إذ يتغير مظهر الإنسان دون أن يغير الخلاص داخله، ويصبح إنسانًا مختلفًا، لكن ليس إنسانًا جديدًا. فذات الخطيئة تحكمه، لكن تحت اسم آخر وفي ثوب آخر. فالقلب الحجري اتخذ شكلًا آخر لكنه لم يغدُ قلبًا لحميًا بعد. والحديد قد سبك في شكل آخر، لكنه لم يتحول إلى ذهب. لأن التوبة الجسدية سببها الخوف. ألا يتوب كل لص عن السرقة حين يتم الإيقاع به ويلقى في السجن؟ ألا يتوب كل قاتل عن جريمته وهو يقف على منصة الإعدام؟” سبيرجن (Spurgeon)
- “التوبة الحقيقية هي حين يعطي الإنسان المجد لعدالة الله رغم أنها تدينه شخصيًا. فهل تتوب بهذه الطريقة أيها السامع؟ فهل تبدو الخطية خطية بالنسبة لك؟ هل ترى جحيمها؟ إذا لم يكن الأمر كذلك فتوبتك تحتاج إلى التوبة.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (١٢-١٦): الجامة السادس: اجتماع الجيوش لمعركة عظيمة.
١٢ثُمَّ سَكَبَ الْمَلاَكُ السَّادِسُ جَامَهُ عَلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ الْفُرَاتِ، فَنَشِفَ مَاؤُهُ لِكَيْ يُعَدَّ طَرِيقُ الْمُلُوكِ الَّذِينَ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ. ١٣وَرَأَيْتُ مِنْ فَمِ التِّنِّينِ، وَمِنْ فَمِ الْوَحْشِ، وَمِنْ فَمِ النَّبِيِّ الْكَذَّابِ، ثَلاَثَةَ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ شِبْهَ ضَفَادِعَ، ١٤فَإِنَّهُمْ أَرْوَاحُ شَيَاطِينَ صَانِعَةٌ آيَاتٍ، تَخْرُجُ عَلَى مُلُوكِ الْعَالَمِ وَكُلِّ الْمَسْكُونَةِ، لِتَجْمَعَهُمْ لِقِتَالِ ذلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، يَوْمِ اللهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. ١٥«هَا أَنَا آتِي كَلِصٍّ! طُوبَى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَلاَ يَمْشِيَ عُرْيَانًا فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ». ١٦فَجَمَعَهُمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُدْعَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ «هَرْمَجَدُّونَ».
- النَّهْرِ الْكَبِيرِ الْفُرَاتِ: اعتبر الرومان نهر الْفُرَاتِ حاجزًا آمنًا من غزو إمبراطوريات الشرق. ففي تلك الأيام كان طوله ١٨٠٠ ميل (٢٩٠٠ كيلومتر) وعرضه نحو ٣٠٠-١٢٠٠ ياردة (٢٧٥-١١٠٠ متر).
- فَنَشِفَ مَاؤُهُ لِكَيْ يُعَدَّ طَرِيقُ الْمُلُوكِ: إذا جف نهر الفرات وتحول إلى طريق فسيمكن للجيوش الضخمة من الشرق من دول مثل الصين والهند واليابان أن تتحرك غربًا بسهولة.
- يتكهن البعض بالأسباب التي قد تدعو جيوش الشرق هذه للتوجه غربًا. يعتقد البعض أنها ستهدف للقضاء على إسرائيل أو مقاومة زعيم عالمي يتخذ من أوروبا مقرًا له (ضد المسيح). لكنهم في نهاية المطاف سيأتون لمحاربة الله ومسيحه (مزمور ٢).
- وَرَأَيْتُ مِنْ فَمِ التِّنِّينِ… ثَلاَثَةَ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ شِبْهَ ضَفَادِعَ: هذه الأرواح شِبْهَ ضَفَادِعَ في شكلها. إذ كان الشعب اليهودي القديم يعتبر الضفادع نجسة ومقززة، أما المصريون فكانوا يقدسون إلهة الضفادع.
- “يمكننا فقط أن نفسر التشبيه بالضفادع بالنجاسة وبالضوضاء الصادرة عنها.” الفورد (Alford)
- “كان المسيح يطرد الأرواح النجسة أما أعداؤه فكانوا يرسلونها.” سويت (Swete)
- الضفادع هي “تجسيد لضعف الشر. إذ يخشى البشر هذا الكائن الذي يبدو قويًا متربصًا بهم، لكنها ليست إلا مخلوقات ليل متكاثرة مقرفة.” لوف (Love)
- هؤلاء الشياطين مثل روح الكذب التي قادت أخآب إلى المعركة (ملوك الأول ١٩:٢٢-٢٣).
- فَإِنَّهُمْ أَرْوَاحُ شَيَاطِينَ صَانِعَةٌ آيَاتٍ: مرة أخرى نقول إن الشياطين تستخدم المعجزات والعجائب كأدوات للخداع. والنَّبِيِّ الْكَذَّابِ هنا هو الوحش الثاني في سفر الرؤيا ١٣.
- لِتَجْمَعَهُمْ لِقِتَالِ: هذه المعركة ليست حرب أمة ضد أمة بل حرب الأمم ضد الله (مزمور ٢:٢). وهذه واحدة من المعارك الثلاث الهامة المذكورة في النبوات.
- معركة جوج وماجوج وحلفاؤها ضد إسرائيل (سفر حزقيال ٣٨ و٣٩).
- معركة هرمجدون، التي سيقود فيها ضد المسيح النظام العالمي ضد يسوع الآتي ثانية (رؤيا يوحنا ١٢:١٧-١٦، ١٤:١٧، ١٩:١٩).
- المعركة النهائية التي يحارب فيها الشيطان وحلفاؤه الله بعد الحكم الألفي (رؤيا يوحنا ٧:٢٠-١٠).
- ذلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ: المنتصر في هذه المعركة واضح. فهو ذلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، يَوْمِ اللهِ، وليس يوم الإنسان العظيم، وليس يوم ضد المسيح العظيم، وليس يوم التنين العظيم.
- هَا أَنَا آتِي كَلِصٍّ! طُوبَى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَّلاَ يَمْشِيَ عُرْيَانًا فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ: في وسط هذا الوصف للمعركة القادمة هناك تحذير لنا على الرغم من انتصار يسوع المؤكد.
- الملابس (ثِيَابَهُ) هي صورة للبر الروحي والعملي. فقد منحنا يسوع ثياب البر (غلاطية ٢٧:٣)، ولكننا مدعوون أيضًا لأن ’نلبس‘ الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ (أفسس ٢٠:٤-٢٤). فقبل كل شيء علينا ألا نكون ’عراة‘ أي بدون ستر، أو نحاول أن نستر أنفسنا مثل آدم وحواء (التكوين ٧:٣) بثياب كثوب عدّة في نظر الله (إشعياء ٦:٦٤).
- فَجَمَعَهُمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُدْعَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ «هَرْمَجَدُّونَ»: ستقع هذه المعركة العظيمة في مكان يسمى هرمجدون (Har-Megiddo).
- يواجه من يعتقدون أن سفر الرؤيا قد تحقق في التاريخ معضلة مع هذه المعركة. “فالبعض يقول إن هذا المكان هو وادي المسيسيبي العظيم، ومنذ بضع سنوات قال البعض إنها حرب شبه جزيرة القرم. ويعتقد البعض الآخر أنها فرنسا. وكثيرون آخرين يعتبرونه مجرد مكان مثالي للتجمع وليس مكانًا حقيقيًا. وهذه المفاهيم الغريبة والمتناقضة والضارة أحيانًا هي ما يُضِل البشر حين يبتعدون عن نص الكلمة المكتوبة.” سييس (Seiss)
- نظرًا لعدم وجود جبل معين اسمه Har، لأن Megiddo تعني الوادي، يرى الكثيرون أنه جبل رمزي أو إشارة لساحة الحرب. لكن سييس (Seiss) يشير إلى نقطة جيدة حين يقول: “سواء فهمناه كجبل أو وادٍ، فلا فرق، لأن الجبل والوادي واحد وكل منهما ينتمي للآخر.”
- ترتبط منطقة مَجِدُّو بشكل مستمر بالمعارك الحاسمة: معركة دبورة ضد سيسرا (القضاة ١٩:٥)؛ وجدعون ضد المديانيين (سفر القضاة ٧)؛ وفرعون ضد يوشيا (ملوك الثاني ٢٩:٢٣؛أخبار الأيام الثاني ٢٢:٣٥). كما أنها مكان حِداد ونوح في آخر الأيام (زكريا ١١:١٢).
- شهد وادي مَجِدُّو الشاسع معارك هائلة عبر الزمان. فقد تم خوض أكثر من ٢٠٠ معركة في هذه المنطقة منذ عام ١٤٦٨ قبل الميلاد (مع الفرعون تحتمس الثالث) وحتى عام ١٩١٧ (مع القائد العسكري الإنجليزي اللنبي).
- من الأفضل أن تعتبر المكان مكانًا حرفيًا مثل منطقة مَجِدُّو ووادي اسدرليون (مرج ابن عامر). فسفر الرؤيا ١٤:١٦، ١٤:١٧ و ١٩:١٩ يصف معركة عظيمة سيكون مركزها في مكان ما، حتى وإن امتدت إلى أبعد من ذلك بكثير.
- “لكن ما هي معركة هرمجدون؟ وما مدى سخافة تخمينات البشر وتصوراتهم عن هذه المعركة! فبحسب من يظنون أنفسهم أنبياء ومفسرين تم خوض هذه المعركة في أماكن مختلفة خلال السنوات العشرين الماضية! فمرة هي معركة أوسترليتز، ومرة هي معركة موسكو، ومرة أخرى هي معركة واترلو! ومرة تلو المرة سيستمر هؤلاء في ارتباكهم وحيرتهم!” كلارك (Clarke)
ج ) الآيات (١٧-٢١): الجامة السابعة: الضربات الأخيرة.
١٧ثُمَّ سَكَبَ الْمَلاَكُ السَّابعُ جَامَهُ عَلَى الْهَوَاءِ، فَخَرَجَ صَوْتٌ عَظِيمٌ مِنْ هَيْكَلِ السَّمَاءِ مِنَ الْعَرْشِ قَائِلًا: «قَدْ تَمَّ!» ١٨فَحَدَثَتْ أَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَبُرُوقٌ. وَحَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ، لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُهَا مُنْذُ صَارَ النَّاسُ عَلَى الأَرْضِ، زَلْزَلَةٌ بِمِقْدَارِهَا عَظِيمَةٌ هكَذَا. ١٩وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ، وَمُدُنُ الأُمَمِ سَقَطَتْ، وَبَابِلُ الْعَظِيمَةُ ذُكِرَتْ أَمَامَ اللهِ لِيُعْطِيَهَا كَأْسَ خَمْرِ سَخَطِ غَضَبِهِ. ٢٠وَكُلُّ جَزِيرَةٍ هَرَبَتْ، وَجِبَالٌ لَمْ تُوجَدْ. ٢١وَبَرَدٌ عَظِيمٌ، نَحْوُ ثِقَلِ وَزْنَةٍ، نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى النَّاسِ. فَجَدَّفَ النَّاسُ عَلَى اللهِ مِنْ ضَرْبَةِ الْبَرَدِ، لأَنَّ ضَرْبَتَهُ عَظِيمَةٌ جِدًّا.
- قَدْ تَمَّ: هذا الإعلان من الجالس على العرش يخبرنا أنه لا انتظار فيما بعد. فقد وصلت رحمة الله وطول انتظاره إلى أقصى حدها. فقد تلت الأبواق الختوم، وتلت الجامات الأبواق، لكن لن يكون هناك ضربات أخرى على الأرض فيما بعد، فكل شيء قَدْ تَمَّ.
- سَكَبَ الْمَلاَكُ السَّابعُ جَامَهُ عَلَى الْهَوَاءِ: قد يشير سكب الجامة في الهواء إلى أن هذه الضربة موجهة إلى رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ (أفسس ٢:٢) وأعوانه.
- وَحَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ، لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُهَا مُنْذُ صَارَ النَّاسُ عَلَى الأَرْضِ: في هذه الجامة الأخيرة يضرب الله الأرض بزلزال هائل، وهو ما ورد في رسالة العبرانيين ٢٦:١٢ أيضًا “وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَعَدَ قَائِلًا: إِنِّي مَرَّةً أَيْضًا أُزَلْزِلُ لاَ الأَرْضَ فَقَطْ بَلِ السَّمَاءَ أَيْضًا.” ولكن ما لا يمكن زلزلته سيبقى.٤. وَبَابِلُ الْعَظِيمَةُ ذُكِرَتْ أَمَامَ اللهِ لِيُعْطِيَهَا كَأْسَ خَمْرِ سَخَطِ غَضَبِهِ: تم وصف سقوط بابل (الْمَدِينَة الْعَظِيمَة) بشكل أوضح في رؤيا يوحنا ١٧ و١٨. أما هنا فتكفي الإشارة إلى أن الله يُعْطِيَهَا كَأْسَ خَمْرِ سَخَطِ غَضَبِهِ (والكلمة اليونانية القديمة thymos تصف نوبة غضب عاطفي، وكلمة orge اليونانية القديمة تصف حالة الغضب القائمة المستمرة).
- “الجمع هنا بين كلمتين تصفان الغضب يشير إلى انصباب أشد أشكال الدينونة الإلهية.” والفورد (Walvoord)
- وَبَرَدٌ عَظِيمٌ، نَحْوُ ثِقَلِ وَزْنَةٍ، نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى النَّاسِ: البَرَد العملاق الذي يصل وزنه إلى نحو ١٠٠ رطل (٤٥ كجم) يتساقط، لكن ردة فعل البشر هي الاستمرار في العصيان ورفض التوبة (فَجَدَّفَ النَّاسُ عَلَى اللهِ مِنْ ضَرْبَةِ الْبَرَدِ).
- كثيرًا ما كان البرد أداة لدينونة أعداء الله، كما مع المصريين (سفر الخروج ٢٤:٩) والكنعانيين (سفر يشوع ١١:١٠) وشعب إسرائيل الضال (سفر إشعياء ٢:٢٨) وجوج وماجوج (سفر حزقيال ٢٢:٣٨).
- في كل حالة من هذه الحالات أمطرت السماء البرد كعقاب ودينونة، وليس كتأديب لأبناء الله.
- على الرغم من كل هذا العذاب لا يزال كثيرون يرفضون التوبة. “ولطالما سمعت من يقولون: ’إذا ابتليت، فسأتوب. وإن مرضت فلربما أخلُص.‘ إياك أن تفكر بهذه الطريقة! فالمرض والألم لن يقودانك إلى الخلاص. والمعاناة والفقر والأمراض والقنوط ليسوا رسلًا يكرزون لك بالخلاص. انظر إلى الهالكين في الجحيم. فكل أشكال المعاناة لم تفلح معهم، فمن كان فاسدًا هنا سيكون فاسدًا هناك، ومن كان ضالًا هنا سيبقى ضالًا في الأبدية. فلا شيء من الألم والمعاناة سيقودك إلى البر.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) يمكننا أن نقول إن رؤيا يوحنا ١٦ أصحاح “عظيم.”
- فهو يصف شرًا عظيمًا: مدينة عظيمة، بابل العظيمة (رؤيا يوحنا ١٩:١٦).
- ويصف ضربات عظيمة: حرارة عظيمة (رؤيا يوحنا ٩:١٦)، جفاف نهر عظيم (رؤيا يوحنا ١٢:١٦)، زلزال عظيم (رؤيا يوحنا ١٨:١٦)، برد عظيم وأوبئة عظيمة (رؤيا يوحنا ٢١:١٦).
- يصف الله العظيم: صوت العظيم (الآيات ١ و١٧) والْيَوْمِ الْعَظِيمِ، يَوْمِ اللهِ (رؤيا يوحنا ١٤:١٦).