رؤيا يوحنا – الإصحاح ١٣
الوحشان
أولًا. الوحش الخارج من البحر
أ ) الآية (١): رؤيا يوحنا للوحش الطالع من البحر.
١ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى رَمْلِ الْبَحْرِ، فَرَأَيْتُ وَحْشًا طَالِعًا مِنَ الْبَحْرِ لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ، وَعَلَى قُرُونِهِ عَشَرَةُ تِيجَانٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ اسْمُ تَجْدِيفٍ.
- ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى رَمْلِ الْبَحْرِ: في رؤيا يوحنا ١٢ كان مركز رؤيا يوحنا هو السماء. ولكن الآن يتحول المشهد إلى الأرض وفي رؤياه كان يقف عَلَى رَمْلِ الْبَحْرِ.
- كثيرون في يومنا هذا يحبون البحر، لكن اليهود إجمالًا في العصور التوراتية كانوا يعتبرون البحر مكانًا موحشًا مخيفًا غير مأمون الجانب. وفي عهد سليمان كان لدولة إسرائيل جيش بحري، وكان حيرام ملك صور يزود الجيش بالبحارة (سفر ملوك الأول ٢٦:٩-٢٧).
- لأن إسرائيل القديمة كانت تخشى البحر، فقد كان البحر رمزًا للشر والفوضى التي تقاوم الله، رغم عدم جدوى المقاومة:
- وَاللهُ مَلِكِي مُنْذُ الْقِدَمِ، فَاعِلُ الْخَلاَصِ فِي وَسَطِ الأَرْضِ. أَنْتَ شَقَقْتَ الْبَحْرَ بِقُوَّتِكَ. كَسَرْتَ رُؤُوسَ التَّنَانِينِ عَلَى الْمِيَاه. (مزمور ١٢:٧٤-١٣)
- يَا رَبُّ إِلهَ الْجُنُودِ، مَنْ مِثْلُكَ؟ قَوِيٌّ، رَبٌّ، وَحَقُّكَ مِنْ حَوْلِكَ. أَنْتَ مُتَسَلِّطٌ عَلَى كِبْرِيَاءِ الْبَحْرِ. عِنْدَ ارْتِفَاعِ لُجَجِهِ أَنْتَ تُسَكِّنُهَا. (مزمور ٨:٨٩-٩)
- أَمَّا الأَشْرَارُ فَكَالْبَحْرِ الْمُضْطَرِبِ لأَنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْدَأَ، وَتَقْذِفُ مِيَاهُهُ حَمْأَةً وَطِينًا. (سفر إشعياء ٢٠:٥٧)
- فَرَأَيْتُ وَحْشًا طَالِعًا مِنَ الْبَحْرِ: من المكان الذي كان صورة للشر والفوضى ومقاومة الله يخرج وحش. والكلمة اليونانية القديمة المترجمة هنا إلى الوحش تعني حيوانًا بريًا وحشيًا خطيرًا. ولأن يوحنا يسميه هنا بالوحش وليس التنين (كما في رؤيا يوحنا ٣:١٢)، فهذا المخلوق يشير إلى شخصية غير الشيطان الذي مثّله بالتنين (رؤيا يوحنا ٩:١٢).
- لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ: رغم أن الوحش هنا يختلف عن التنين في رؤيا يوحنا ١٢، إلا أنه لا يزال على صلة وثيقة به. فهو ليس التنين، لكنه مثله، لأن التنين كان له أيضًا سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ (رؤيا يوحنا ٣:١١).
- من الصعب القضاء على أي مخلوق له سَبْعَةُ رُؤُوسٍ، لأنك إن أصبت رأسًا، فلا يزال هناك ستة رؤوس. وفي رموز تشبيهات الكتاب المقدس تعبر القرون عن القوة. فالثور ذو القرنين مخلوق قوي، لكن وحشًا لَهُ عَشَرَةُ قُرُونٍ يتمتع بقوة أكبر بكثير، كما التنين في رؤيا يوحنا ٣:١٢.
- هذا الشبه بالشيطان هو أحد الأشياء التي يشترك فيها هذا الوحش مع ما يعرف بضد المسيح. فكلمة ضد المسيح وردت في الكتاب المقدس خمس مرات فقط في أربع آيات (يوحنا الأولى ١٨:٢، ٢٢:٢، ٣:٤، ويوحنا الثانية ٧). ورسالة يوحنا الأولى ١٨:٢ مثال جيد: أَيُّهَا الأَوْلاَدُ هِيَ السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّ ضِدَّ الْمَسِيحِ يَأْتِي. وبهذا يشير يوحنا إلى شخص استحوذ على خيال كثيرين، بعضهم لا يعرف الكتاب المقدس حتى. لكن كثيرين أيضًا لا يعرفون شيئًا عن هذا الشخص المسمى ضد المسيح باستثناء ما تعلموه من الأفلام.
- يمكننا أن نبدأ الآن بفهم معنى اسم “ضد المسيح.” فكلمة ضد تعني أنه “عكس” أو “بدلًا من.” فضد المسيح هو “نقيض يسوع ” أو “بديل يسوع.” وقد ركز معظم الناس على فكرة “نقيض يسوع” ظانين أن ضد المسيح سيظهر في هيئة شخص شرير للغاية، تناقض الخير الذي فعله يسوع. فبقدر ما كانت شخصية يسوع جميلة وجذابة، فإن شخصية ضد المسيح ستكون قبيحة ومثيرة للاشمئزاز. وبقدر ما تكلم يسوع بالحق، فضد المسيح سيتكلم بالأكاذيب. ولكن هذا التصور عن “ضد المسيح” بعيدًا جدًا عن الحقيقة. فضد المسيح سيكون في الواقع بديلًا عن المسيح، إذ سيكون شخصًا رائعًا ساحرًا وناجحًا. وسيكون شخصًا متميزًا عن الآخرين وسيظهر كملاك من نور. ومن هذا نفهم أن ضد المسيح سيكون مسيحًا شيطانيًا، بدلًا من يسوع المسيح المسيّا الحقيقي.
- تحدث يوحنا في رسالته الأولى ١٨:٢ عن ضد المسيح وعن أضداد للمسيح. فهناك “روح” ضد المسيح، وهذه “الروح” ستجد ضالتها المنشودة في ضد المسيح الذي سيقود البشرية آخر الأيام في التمرد على الله. وبكلمات أخرى، فعلى الرغم من أن العالم لا يزال ينتظر ظهور ضد المسيح، فهناك بعض “العينات” من هذا الرجل ومهمته القادمة. وهؤلاء هم أضداد المسيح.
- على الرغم من أننا نسمي هذا القائد العالمي القادم ضد المسيح، فإن الكتاب المقدس يسميه بأسماء وألقاب أخرى مثل:
- القرن الصغير في سفر دانيال ٨:٧.
- المَلِكٌ جَافِي الْوَجْهِ في سفر دانيال ٢٣:٨.
- الرئيس الذي سيأتي في سفر دانيال ٢٦:٩.
- الملك المتعظم ذو الإرادة في سفر دانيال ٣٦:١١-٤٥.
- الشخص الذي سيأتي باسم نفسه في إنجيل يوحنا ٤٣:٥ الذي ستقبله إسرائيل كالمسيّا.
- إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ، في رسالة تسالونيكي الثانية ٣:٢.
- وَعَلَى قُرُونِهِ عَشَرَةُ تِيجَانٍ: وهذا اختلاف في الوحش، مقارنة بالتنين في رؤيا يوحنا ٣:١٢ الذي له سبعة تيجان على رأسه. فالتيجان السبعة للتنين كانت تعبّر عن قوته لأن الرقم ٧ يرتبط بالقوة والكمال. أما العشرة تيجان التي للوحش فتشير إلى حكمه لمجموعة من عشر دول.
- يعتقد معظم المفسرين أن القرون العشرة موزعة على الرؤوس السبعة، لكن ديفيد هوكينج (David Hocking) يرى أن القرون العشرة ستكون على أحد الرؤوس فقط. وصورة العشرة قرون تربط هذا الوحش بالوحش في سفر دانيال ٧:٧ الذي يمثل الإمبراطورية العالمية الأخيرة التي لضد المسيح والتي سوف يغلبها المسيح في النهاية: بَعْدَ هذَا كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا بِحَيَوَانٍ رَابعٍ هَائِل وَقَوِيٍّ وَشَدِيدٍ جِدًّا، وَلَهُ أَسْنَانٌ مِنْ حَدِيدٍ كَبِيرَةٌ. أَكَلَ وَسَحَقَ وَدَاسَ الْبَاقِيَ بِرِجْلَيْهِ. وَكَانَ مُخَالِفًا لِكُلِّ الْحَيَوَانَاتِ الَّذِينَ قَبْلَهُ، وَلَهُ عَشَرَةُ قُرُونٍ. (سفر دانيال ٧:٧)
- في رؤيا دانيال كانت القرون العشرة تمثل عشر ممالك سيكون هذا الحاكم العالمي متسلطًا عليها (سفر دانيال ٢٤:٧). وفي رؤيا يوحنا تؤكد التيجان العشرة على القرون العشرة هذه الفكرة.
- تربط الرؤى في سفر دانيال الأصحاح ٧ والأصحاح ٢ الحكومات الممثلة بالتيجان العشرة بالإمبراطورية الرومانية القديمة أيضًا. ففي تلك الرؤى رأى دانيال ثلاث إمبراطوريات عالمية متوالية، خلفت كل واحدة منها الإمبراطورية الرابعة – نفهم من سياق الرؤى بوضوح أنها الإمبراطورية الرومانية. وفي أيام تلك الإمبراطورية الرابعة سيأتي المسيّا ليمحو كل حكم أرضي وليسود على الأرض. وبما أننا لا نرى حكم يسوع على الأرض بالطريقة التي تنبأ بها دانيال يمكننا أن نرى أن الإمبراطورية الرومانية “ستعود” بطريقة ما يعبر عنها هنا بهذه العشرة تيجان.
- وَعَلَى رُؤُوسِهِ اسْمُ تَجْدِيفٍ: تعلن رؤوس الوحش السبعة تجديفها على الله، وهذا لا يرينا فقط ما يضمره هذا الوحش؛ لكنه يتحدث عن شخصيته أيضًا. فهو مجدف يجاهر بعداوته الله (كما في سفر دانيال ٢٥:٧).
ب) الآية (٢): وصف لوحش البحر يربطه مرة أخرى بالصور في سفر دانيال ٧.
٧وَالْوَحْشُ الَّذِي رَأَيْتُهُ كَانَ شِبْهَ نَمِرٍ، وَقَوَائِمُهُ كَقَوَائِمِ دُبٍّ، وَفَمُهُ كَفَمِ أَسَدٍ. وَأَعْطَاهُ التِّنِّينُ قُدْرَتَهُ وَعَرْشَهُ وَسُلْطَانًا عَظِيمًا.
- شِبْهَ نَمِرٍ… كَقَوَائِمِ دُبٍّ…كَفَمِ أَسَدٍ: استخدم الله في هذه الرؤيا صورًا من رؤيا دانيال في سفر دانيال ٧ ليتحدث عن هوية وطبيعة هذا الْوَحْش. فقد استخدم دانيال أربعة حيوانات (وحوش) لوصف تعاقب الحكومات من وقت دانيال حتى زمن سيادة يسوع النهائي على هذه الأرض.
- الحيوانات الثلاثة الأولى هي أَسَدٍ (يرمز في سفر دانيال للإمبراطورية البابلية)، ودُبٍّ (صورة للإمبراطورية الفارسية)، ونَمِرٍ (صورة للإمبراطورية اليونانية). أما الحيوان الرابع فكان وحشًا مريعًا تشمل صفاته أكثر صفات الوحوش السابقة رعبًا، ويمثل الإمبراطورية العالمية الأخيرة التي ستكون تحت حكم دكتاتور شيطاني (سفر دانيال ٧:٧-٨).
- يشير يوحنا إلى هذا الْوَحْش كامتداد للوحش الرابع في سفر دانيال ٧ ويربط إمبراطوريته بصفات الإمبراطوريات العظيمة الماضية. فهذه الإمبراطورية العالمية الأخيرة سيكون لها يقظة النمر، وقوة الدب الفتاكة، وسلطان الأسد وشراسته.
- بما أن الوحوش في سفر دانيال ٧ تشير إلى إمبراطوريات أكثر مما تشير إلى أشخاص محددين، فقد رأى البعض أن الْوَحْش في رؤيا يوحنا ١٣ ليس شخصًا بل حكومة أو نظام اجتماعي. وكثيرون يعتقدون أن الوحش هو صورة لحكومات الدول الشمولية في القرن العشرين. فعلى سبيل المثال يقول ماونس (Mounce): “كان الوحش ولا يزال تجسيدًا لتأليه السلطة العلمانية.” ولكن آخرين يرون الْوَحْش كشخص، وبالذات “ضد المسيح” – أي الدكتاتور الشيطاني الذي سيقود العالم في تمرده على الله. والبعض مثل ديفيد هوكينج (David Hocking) يوفقون بين هذه الآراء ويقولون إن الوحش هو حكومة شمولية عالمية حديثة، ولكن الرأس الذي بعشرة قرون هو ضد المسيح – أي قائد هذه الدكتاتورية الشيطانية الأخيرة. ولكن في حالة أي إمبراطورية، خاصة الإمبراطوريات ذات العمر القصير، تكون الحكومات عادة مرتبطة تمامًا بالحاكم. فعندما نستذكر ألمانيا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي نرى أن شخصية أدولف هتلر كفرد ودولة ألمانيا النازية كانا وجهان لعملة واحدة تقريبًا.
- وَالْوَحْشُ الَّذِي رَأَيْتُهُ: كل الدلائل في سفر الرؤيا ١٣ تشير إلى أن الْوَحْش رجل، رغم أنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بحكومته التي تهيمن على العالم.
- “يمكن أن يُعبد الوحش كإله، لكن الناس لا يعبدون إمبراطورية بنفس الطريقة؛ ولا يجعلون من تعاقب الأباطرة الحكام موضعًا لعبادتهم. فعبادة الملوك كانت أمرًا شائعًا في تاريخ العالم، لكنها كانت دائمًا تقدم للأفراد.” سييس (Seiss)
- سيطلب من العالم لاحقًا أن يعبد صورة للوحش، وهذا ممكن منطقيًا إن كان الْوَحْش شخصًا وليس إمبراطورية أو حكومة. فعبر التاريخ لطالما انحنى الرجال أمام صور حكام سياسيين.
- “لهذا الوحش أيضًا اسم يرتبط برقم يعبر عن هذا الرجل دون غيره.” سييس (Seiss)
- “هذا الوحش سيُلعن في النهاية وسيطرح للهلاك في بحيرة النار حيث سيستمر وجوده وعذابه بعد مغادرته الأرض (رؤيا يوحنا ١١:١٧ و ١٠:٢٠)، وهذا لا يمكن أن ينطبق على الحكومات.” سييس (Seiss)
- يُدعى ضد المسيح أيضًا ابن الهلاك ( رسالة تسالونيكي الثانية ٣:٢) كما دُعي يهوذا (إنجيل يوحنا ١٢:١٧). ويهوذا كان رجلًا وليس نظامًا أو حكومة، وبالتالي فضد المسيح سيكون رجلًا أيضًا.
- وبوضع كل هذا في الاعتبار فنحن نتفق مع سييس (Seiss) حين يقول: “سنبتعد كثيرًا عن وحي الكتاب المقدس وعن إيمان وتعليم الكنيسة الأولى إن أخفقنا في أن نرى أن هذا الوحش شخص حقيقي، على الرغم من تمركز القوة السياسية في العالم في شخصه.”
- وَأَعْطَاهُ التِّنِّينُ قُدْرَتَهُ وَعَرْشَهُ وَسُلْطَانًا عَظِيمًا: سيتمتع هذا الزعيم العالمي بدعم الشيطان. إذ سيكون هذا الرجل أداة للتعبير عن رغبات وسلطة الشيطان. وفي هذا نرى أن الْوَحْش قد ارتضى لنفسه العرض الذي رفضه يسوع (إنجيل متى ٨:٤-١٠).
- ليس الْوَحْش رجلًا عاديًا. فهو الْوَحْشُ الصَّاعِدُ مِنَ الْهَاوِيَةِ (رؤيا يوحنا ٧:١١، ٨:١٧)، والرجال العاديون لا يأتون من هناك. “فالشخص الآتي من هناك لا بد أن يكون إما رجلًا ميتًا يعود إلينا من الموت أو روحًا شريرة سكنت في رجل حي… وفي كلتا الحالتين، فهذا الوحش هو شخص فوق طبيعي وغير عادي.” سييس (Seiss)
- من المحتمل أن يتقمص الشيطان نفسه هذا الرجل، مما يجعله شخصًا استثنائيًا. فهذا ما حدث مع يهوذا الذي تملكه الشيطان (إنجيل يوحنا ٢٧:١٣).
ج ) الآية (٣): الوحش وجرحه.
٣وَرَأَيْتُ وَاحِدًا مِنْ رُؤُوسِهِ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ لِلْمَوْتِ، وَجُرْحُهُ الْمُمِيتُ قَدْ شُفِيَ. وَتَعَجَّبَتْ كُلُّ الأَرْضِ وَرَاءَ الْوَحْشِ.
- وَرَأَيْتُ وَاحِدًا مِنْ رُؤُوسِهِ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ لِلْمَوْتِ: وهذا جرح أو قطع مميت، وليس إصابة سطحية. وقد يكون هذا نتيجة دينونة الله للوحش.
- وَجُرْحُهُ الْمُمِيتُ قَدْ شُفِيَ: شفاء الوحش يزيد من شهرته وسلطته (وَتَعَجَّبَتْ كُلُّ الأَرْضِ وَرَاءَ الْوَحْشِ). فمرتين بعد ذلك (رؤيا يوحنا ١٢:١٣ و١٤:١٣) يذكر هذا الشفاء وارتباطه بعبادة العالم وتكريسه لهذا الوحش.
- بعض من يرون أن الوحش ليس إنسانًا بل حكومة يرون أن هذا يشير لعودة الإمبراطورية الرومانية في تحقيق لسفر دانيال ٧. وبناء على هذا فإن العالم سيعجب بعودة الإمبراطورية الرومانية للحياة. ولكن الطريقة الأكثر منطقية لفهم كلمات يوحنا في الرؤيا هي كونه يتحدث عن رجل قَدْ شُفِيَ بعد أن ذبح لِلْمَوْتِ. وهذا الرجل سيقود الإمبراطورية الرومانية التي سيعاد إحياؤها، وستهيمن شخصيته عليها، لكنه هو والإمبراطورية ليسا الأمر ذاته.
- وَجُرْحُهُ الْمُمِيتُ قَدْ شُفِيَ: هذا الشخص هو فعلًا ضد المسيح الذي يقلد يسوع حتى في موته وقيامته. والعالم سيصدق هذا، وسيضيف هذا بشكل كبير إلى شهرته وقوته.
د ) الآية (٤): سلطة وشعبية الوحش.
٤وَسَجَدُوا لِلتِّنِّينِ الَّذِي أَعْطَى السُّلْطَانَ لِلْوَحْشِ، وَسَجَدُوا لِلْوَحْشِ قَائِلِينَ: مَنْ هُوَ مِثْلُ الْوَحْشِ؟ مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَارِبَهُ؟
- وَسَجَدُوا لِلتِّنِّينِ الَّذِي أَعْطَى السُّلْطَانَ لِلْوَحْشِ: قد لا يدرك الناس في عبادتهم لهذا الوحش وخضوعهم لحكمه أنهم يركعون للشيطان نفسه؛ لكن هذا لا ينفي أنها عبادة للشيطان. فهم سيعبدون الوحش والتنين، لكن عبادتهم للتنين قد تكون دون إدراك منهم.
- على الرغم من أن طقوس عبادة الشيطان تزداد انتشارًا كل عام، إلا أن هؤلاء لا يشكلون إلا بعض من يعبدون الشيطان علانية. وهذا لأن كثيرين يظنون أن مظهر الشيطان قبيح ومرعب، لكن هذا خطأ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ! فَلَيْسَ عَظِيمًا إِنْ كَانَ خُدَّامُهُ أَيْضًا يُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ كَخُدَّامٍ لِلْبِرِّ. الَّذِينَ نِهَايَتُهُمْ تَكُونُ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ… (رسالة كورنثوس الثانية ١٤:١١-١٥)
- مَنْ هُوَ مِثْلُ الْوَحْشِ؟ مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَارِبَهُ؟ سيكون العالم معجبًا بقوة الوحش وسيعتقد أنه لا يمكن التغلب عليه. ولبعض الوقت سيكون الوحش سيد المشهد. وفي تجديفه على يسوع واضطهاده لشعب الله سيبدو يسوع وشعبه لبرهة وكأنهم الخاسرون.
- سيعبدون الوحش والتنين الذي وراء الوحش بسبب قوة هذا الوحش. “فعبادة الشيطان وممثله ستكون قائمة على قوتهما وجبروتهما.” روبرتسون (Robertson)
هـ) الآيات (٥-٦): تجديف الوحش.
٥وَأُعْطِيَ فَمًا يَتَكَلَّمُ بِعَظَائِمَ وَتَجَادِيفَ، وَأُعْطِيَ سُلْطَانًا أَنْ يَفْعَلَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا. ٦فَفَتَحَ فَمَهُ بِالتَّجْدِيفِ عَلَى اللهِ، لِيُجَدِّفَ عَلَى اسْمِهِ، وَعَلَى مَسْكَنِهِ، وَعَلَى السَّاكِنِينَ فِي السَّمَاءِ.
- يَتَكَلَّمُ بِعَظَائِمَ وَتَجَادِيفَ: قد يكون اسم “المجدف” اسمًا أكثر دقة من “ضد المسيح” لدكتاتور آخر الأيام. فهذا الوحش هو رجل يجاهر بعداوته لله ولكل ما يمثله الله (لِيُجَدِّفَ عَلَى اسْمِهِ، وَعَلَى مَسْكَنِهِ، وَعَلَى السَّاكِنِينَ فِي السَّمَاءِ).
- جدف بعض الأباطرة الرومان على الله بهذه الطريقة لكن لم تتحقق فيهم النبوءات حتى وإن فعلوا ما تحدثت به هذه النبوة.
- وَأُعْطِيَ سُلْطَانًا أَنْ يَفْعَلَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا: سيستمر الوحش في تجديفه دون أن يردعه الله مدة اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا، أي السنوات الثلاث والنصف التي نعرفها. ومدة هذه الفترة تدل على أن الوحش سيكون صاحب الحكم المطلق في النصف الأول من السنوات السبع الأخيرة، ولكنه طوال هذا الوقت سيكون تحت سلطان الله.
- لماذا يفتح الوحش فَمَهُ بِالتَّجْدِيفِ عَلَى اللهِ… وَعَلَى السَّاكِنِينَ فِي السَّمَاءِ؟ هذا يعني أنه يجدف ضد أولئك الذين أخذوا في الاختطاف وباتوا بعيدين عن قبضته.
و ) الآيات (٧-٨): الوحش يشن حربًا على القديسين.
٧وَأُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَيَغْلِبَهُمْ، وَأُعْطِيَ سُلْطَانًا عَلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَأُمَّةٍ. ٨فَسَيَسْجُدُ لَهُ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ، الَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ فِي سِفْرِ حَيَاةِ الْخَرُوفِ الَّذِي ذُبِحَ.
- وَأُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ الْقِدِّيسِينَ: وصف سفر الرؤيا الأصحاح ١٢ الاضطهاد الشيطاني الواسع خلال فترة الضيقة. والآن يتم الكشف عن كيف سيتم هذا الاضطهاد: فحكومة الوحش ستضطهد وتقتل كل من سيرفض السجود للوحش.
- وَيَغْلِبَهُمْ: ولا يعني هذا أن الوحش سيتغلب على إيمان القديسين، لكنه يتحدث عن قدرته على إنهاء حياتهم الجسدية ليبدو كما لو أنه قد قضى على إيمان شعب الله على هذه الأرض.
- من هم هؤلاء الْقِدِّيسِينَ الذين يَغْلِبَهُمْ الوحش؟ وجهات النظر المختلفة حول توقيت الاختطاف ستحدد من هم هؤلاء المضطهدين. فمن يؤمنون بالاختطاف قبل الضيقة يرون بأن هؤلاء القديسين هم شعب الله الذين أتوا إلى المسيح بعد اختطاف الكنيسة. ومن يؤمنون بالاختطاف بعد الضيقة يرون أن هؤلاء القديسين هم شعب الله الذين سيكونون على الأرض قبل الاختطاف، بمن في ذلك “الكنيسة” الحالية.
- قال يسوع عن الكنيسة إن أبواب الجحيم لن تقوى عليها (إنجيل متى ١٨:١٦). ولكن إن تم التغلب على هؤلاء القديسين (وهذا مصطلح لا ينطبق حصريًا على كنيسة العهد الجديد) من قبل الشيطان، فربما هؤلاء ليسوا كنيسة العهد الجديد التي تكلم عنها يسوع.
- فَسَيَسْجُدُ لَهُ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ: سيطلب هذا الدكتاتور العالمي من كل سكان الأَرْضِ عبادته. ولكن من يَسْجُدُ لَهُ سيدفع الثمن: الَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ فِي سِفْرِ حَيَاةِ الْخَرُوفِ.
- كيف سَيَسْجُدُ لَهُ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ؟ ربما سيكون هذا على نمط العبادة التي طلبها الأباطرة الرومان أيام الكنيسة الأولى حين طُلب من جميع سكان الإمبراطورية حرق البخور أمام تمثال قيصر مع إعلانهم أن قيصر هو الرب. وقد رفض المسيحيون القيام بهذا وتعرضوا للاضطهاد بسبب ذلك. فالرومان اعتبروا هذا العمل تعبيرًا عن الولاء السياسي، أما المسيحيين فاعتبروه عبادة. وبعد أن رأينا حكامًا استبداديين في القرن العشرين مثل لينين وستالين وهتلر وماو، فليس من المستبعد أن نرى زعيمًا عالميًا مهيمنًا يطالب بمثل هذا الإعلان عن الولاء الذي يقترب من العبادة.
- يحتوي سِفْرِ حَيَاةِ الْخَرُوفِ على أسماء الذين افتداهم لله (رؤيا يوحنا ١٥:٢٠). فعبادة الوحش ووجود اسمك في سفر الحياة أمران لا يلتقيان.
- مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ فِي سِفْرِ حَيَاةِ الْخَرُوفِ الَّذِي ذُبِحَ: يذكرنا هذا الاسم ذو المعنى العميق ليسوع بأن خطة الله للفداء قد وضعت قبل أن يخلق البشر الذين سيفتدون. فالله لم يفاجأ بسقوط آدم أو بأي علامة آخر على الطبيعة الساقطة للإنسان. فالله لا يتصرف بحسب ما يتأتى من ظروف، لكن كل شيء يسير بحسب خطة.
- كان الله الابن في محبة وشركة مع الله الآب قبل تأسيس العالم (إنجيل يوحنا ٢٤:١٧).
- عمل يسوع كان محددًا قبل تأسيس العالم (رسالة بطرس الأولى ٢٠:١).
- اختار الله المخَلصين قبل تأسيس العالم (رسالة أفسس ٤:١).
- أسماء المخَلصين مكتوبة في سفر الحياة قبل تأسيس العالم (رؤيا يوحنا ٨:١٧).
- ملكوت السماوات معدّ للمخلَصين قبل تأسيس العالم (إنجيل متى ٣٤:٢٥).
ز ) الآيات (٩-١٠): تحذير للجميع.
٩مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ! ١٠إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَجْمَعُ سَبْيًا، فَإِلَى السَّبْيِ يَذْهَبُ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَقْتُلُ بِالسَّيْفِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ بِالسَّيْفِ. هُنَا صَبْرُ الْقِدِّيسِينَ وَإِيمَانُهُمْ.
- مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ: وهذه عبارة تحذيرية تهدف إلى جذب انتباه جميع من يسمعون.
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَجْمَعُ سَبْيًا، فَإِلَى السَّبْيِ يَذْهَبُ: وهذا يعني أن من يستخدمهم الوحش ليسوا بلا ذنب. فعلى الرغم من أن هذه الأمور قد تُنبئ بها وهي جزء من خطة الله المحددة مسبقًا، إلا أنها لا تقلل بأي شكل من الأشكال مسؤولية الإنسان الشخصية. فإن كنت تعمل لصالح الوحش وتقود الآخرين للسبي، فَإِلَى السَّبْيِ ستذهب أنت أيضًا. فالله سيجازيك بحسب ما فعلت بالآخرين.
- قد يكون لهذ العبارة معنى آخر: أنه ليس هناك أمل من مقاومة ضد المسيح وأن السبيل الوحيد للانتصار هو الثبات في الإيمان بيسوع المسيح.
- هُنَا صَبْرُ الْقِدِّيسِينَ وَإِيمَانُهُمْ: على الرغم من تعرضهم لهجوم شرس من قبل ضد المسيح وأتباعه، على القديسين الثبات في إيمانهم بعدل الله الذي سينتقم من مضطهديهم.
ثانيًا. الوحش الطالع من الأرض
أ ) الآية (١١): وصف يوحنا لهذا الوحش الثاني.
١١ثُمَّ رَأَيْتُ وَحْشًا آخَرَ طَالِعًا مِنَ الأَرْضِ، وَكَانَ لَهُ قَرْنَانِ شِبْهُ خَرُوفٍ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ كَتِنِّينٍ.
- ثُمَّ رَأَيْتُ وَحْشًا آخَرَ: يمثل هذا المخلوق شخصًا مثل الوحش الطالع من البحر، لأن ذات كلمة الوحش استخدمت لوصفهما. لكن هذا الوحش مختلف.
- أصلهما مختلف، لأن أحدها يخرج من البحر والآخر خرج مِنَ الأَرْضِ.
- يختلفان في الرتبة، لأن الثاني تابع للأول (يَجْعَلُ الأَرْضَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا يَسْجُدُونَ لِلْوَحْشِ الأَوَّلِ، رؤيا يوحنا ١٢:١٣).
- يختلفان في المظهر، لأن الثاني يشبه الخروف.
- وَكَانَ لَهُ قَرْنَانِ شِبْهُ خَرُوفٍ: قد يشير القرنان إلى أن هذا الوحش له سلطان في مجالين، مثل السلطة الدينية والسلطة السياسية. أو أن القرنين ببساطة هما ما للخروف من قرون (وَكَانَ لَهُ قَرْنَانِ شِبْهُ خَرُوفٍ).
- وَكَانَ يَتَكَلَّمُ كَتِنِّينٍ: على الرغم من مظهره الذي يشبه الخروف، فإن رسالة الوحش الثاني هي ذات رسالة الوحش الأول.
- يُطلق على هذا الوحش الثاني اسم النبي الكذاب (رؤيا يوحنا ١٣:١٦، ٢٠:١٩، ١٠:٢٠)، لتمييزه عن الوحش الأول (ضد المسيح) والتنين (الشيطان).
- بوجود التنين، والوحش الطالع من البحر، والوحش الطالع من الأرض، صار لدينا ثالوث نجس. فالتنين هو ضد الآب، والوحش الطالع من البحر هو ضد المسيح، والوحش الطالع من الأرض هو ضد الروح القدس.
ب) الآيات (١٢-١٥): وظيفة الوحش الثاني.
١٢وَيَعْمَلُ بِكُلِّ سُلْطَانِ الْوَحْشِ الأَوَّلِ أَمَامَهُ، وَيَجْعَلُ الأَرْضَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا يَسْجُدُونَ لِلْوَحْشِ الأَوَّلِ الَّذِي شُفِيَ جُرْحُهُ الْمُمِيتُ، ١٣وَيَصْنَعُ آيَاتٍ عَظِيمَةً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْعَلُ نَارًا تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ قُدَّامَ النَّاسِ، ١٤وَيُضِلُّ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ بِالآيَاتِ الَّتِي أُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَهَا أَمَامَ الْوَحْشِ، قَائِلًا لِلسَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَصْنَعُوا صُورَةً لِلْوَحْشِ الَّذِي كَانَ بِهِ جُرْحُ السَّيْفِ وَعَاشَ. ١٥وَأُعْطِيَ أَنْ يُعْطِيَ رُوحًا لِصُورَةِ الْوَحْشِ، حَتَّى تَتَكَلَّمَ صُورَةُ الْوَحْشِ، وَيَجْعَلَ جَمِيعَ الَّذِينَ لاَ يَسْجُدُونَ لِصُورَةِ الْوَحْشِ يُقْتَلُونَ.
- وَيَعْمَلُ بِكُلِّ سُلْطَانِ الْوَحْشِ الأَوَّلِ أَمَامَهُ: الوحش الطالع من الأرض هو في الحقيقة نبي شيطاني سيقود العالم إلى عبادة الوحش والتنين (يَسْجُدُونَ).
- قد يبدو غريبًا للبعض أن يُقاد العالم إلى عبادة رجل وعبادة شيطان. ولكن الإنسان بطبيعته فيه وازع ديني لا يمكن إنكاره، وفي الإنسان طبيعة التمرد على الله أيضًا. فالبشر لا يريدون غياب الدين، لكنهم يريدون دينًا بحسب رغباتهم. فهم يقولون إنهم يريدون الملكوت، لكنهم لا يريدون الله فيه.
- وَيَصْنَعُ آيَاتٍ عَظِيمَةً: سيصنع الوحش الطالع من البحر “آيات وعجائب” تؤيد تعاليمه المضلة. ويتم هنا وصف معجزة محددة لهذا النبي الكاذب: إِنَّهُ يَجْعَلُ نَارًا تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ قُدَّامَ النَّاسِ. ومن المهم أن يوحنا ذَكر هذه المعجزة، لأنه في نظر العالم المخدوع ستكون هذه المعجزة ردًا على معجزة الشاهدين اللذين سيكرزان خلال هذه الفترة وسيتم اضطهادهما من قبل ضد المسيح والنبي الكذاب (رؤيا يوحنا ٥:١١). وبالنسبة للعالم المخدوع، سيجعل هذا النبي المزيف في مكانة النبي إيليا (سفر ملوك الأول ١٨). ويمكننا أن نتخيل النبي الكذاب وهو يقول: “فليستجب الله الحقيقي بالنار،” ومن ثم يقوم بمعجزته المضللة.
- “هناك قوة فوق طبيعية تعمل ضد الله وضد الحق، وهناك مثلها تعمل مع الله والحق. فالمعجزة كعمل عجيب بحد ذاته لا يعني أنه من الله بالضرورة. فلطالما كان هناك معجزات شيطانية في هذا العالم تعمل جنبًا إلى جنب مع معجزات النعمة الإلهية والخلاص.” سييس (Seiss)
- في سفر الخروج صنع هارون معجزات رُد عليها بواحدة من قبل سحرة مصر (سفر الخروج ٧-٩).
- في سفر التثنية ١:١٣-٥ يتكلم الله عن معجزات سيصنعها أنبياء كذبة للأوثان ويحث شعبه على الحكم على هؤلاء من رسالتهم لا من خلال المعجزات فقط.
- قال يسوع إن بعض من سيصنعون المعجزات باسمه هم أتباع مزيفين وسيهلكون في الجحيم (إنجيل متى ٢٢:٧-٢٣).
- قال الرب يسوع إنه في آخر الأيام سيظهر أنبياء كذبة يصنعون آيات وعجائب يضلون بها آخرين (إنجيل متى ٢٤:٢٤).
- قال الرسول بولس أن ضد المسيح سيأتي بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ (رسالة تسالونيكي الثانية ٩:٢).
- وكوننا نعرف كل هذا، فانجرار بعض المؤمنين وراء الآيات والمعجزات أمر مخيف. فالبعض يقولون أو يعتقدون أنه “يمكنك أن ترى الله وقوته من خلال الآيات والمعجزات.” والتفكير بهذه الطريقة يجعلك هدفًا يسهل خداعه. فمنذ سنوات كان هناك مؤتمر كبير لطوائف متعددة يجمع أشخاصًا يؤمنون بهذا، وكان شعارهم على لافتة ضخمة على منصة المؤتمر يقول “متحدون تحت لواء الآيات والمعجزات.” وهذه وحدة يمكن للشيطان وضد المسيح والنبي الكاذب الانضمام إليها. فالمعجزات والعجائب ستوجد بين المؤمنين، لكن المؤشرات الحقيقية على عمل الله هي المحبة والحق.
- وَأُعْطِيَ أَنْ يُعْطِيَ رُوحًا لِصُورَةِ الْوَحْشِ، حَتَّى تَتَكَلَّمَ صُورَةُ الْوَحْشِ، وَيَجْعَلَ جَمِيعَ الَّذِينَ لاَ يَسْجُدُونَ لِصُورَةِ الْوَحْشِ يُقْتَلُون: الوحش الطالع من الأرض سيستخدم صورة متحركة خادعة ستكون محور عبادة الوحش.
- قد يبدو غريبًا بالنسبة لنا أن نرى العالم أجمع يقدم هذا النوع من العبادة لصورة رجل، لكن عبادة الفرد في دول أنظمة الحكم الشمولية في القرن العشرين تقدم لنا مثالًا جيدًا على هذا النوع من العبادة. فكل ما علينا هو تذكر الدول الاستبدادية مثل الاتحاد السوفيتي أو الصين الشيوعية وصور ستالين أو ماو المنتشرة في كل مكان لنرى النمط الذي سيتّبعه ضد المسيح.
- صورة الوحش ستكون صورة متحركة بطريقة ما، يُعْطِيَ رُوحًا لِصُورَةِ الْوَحْشِ، حَتَّى تَتَكَلَّمَ. ولا نعلم إن كانت الصورة ستتحرك بفعل التكنولوجيا أو بشكل معجزي، لكن النتيجة ستكون مدهشة. فقد سخر كاتب المزامير من عبدة الأوثان لأن أَصْنَامُ الأُمَمِ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي النَّاسِ. لهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ (مزمور ١٥:١٣٥-١٦). لكن صورة ضد المسيح ستكون وثنًا من نوع مختلف، إذ تَتَكَلَّمَ صُورَةُ الْوَحْشِ، وَيَجْعَلَ جَمِيعَ الَّذِينَ لاَ يَسْجُدُونَ لِصُورَةِ الْوَحْشِ يُقْتَلُون.
- صورة الوثن هذه هي ما وصفه يسوع ودانيال وبولس برجسة الخراب (سفر دانيال ٢٧:٩، إنجيل متى ١٥:٢٤، رسالة تسالونيكي الثانية ٣:٢-٤). فهي صورة للوثن ستقام في قُدس الهيكل الذي سيعاد بناؤه؛ وهي رجسة بمعنى أنها عبادة للوثن، وتأتي بالخراب لأنها ستجلب الدينونة التي تحدثت عنها الختوم والأبواق والجامات.
- هذه خلاصة قوة ضد المسيح الذي ينتهي سلطانه بعد اثنين وأربعين شهرًا (رؤيا يوحنا ٥:١٣). أي نقطة المنتصف في السنوات السبع الأخيرة من حكم الإنسان لهذا الكوكب. فقوة ضد المسيح ستنتهي بمجرد أن تصل إلى ذروتها.
- هذا ليس تفسيرًا حديثًا لهذا المقطع. فأول تفسير لدينا لسفر الرؤيا والذي كتبه فكتورينوس أيام الكنيسة الأولى يقول ما يلي عن الآية في رؤيا يوحنا ١٥:١٣ “يتحدث النص عن وضع صورة ذهبية لضد المسيح الدجال في الهيكل في أورشليم، وظهور الملاك الساقط ونطقه بأصوات وصنعه لمعجزات.”
ج ) الآيات (١٦-١٧): الخطة الاقتصادية للوحش الأول والوحش الثاني.
١٦وَيَجْعَلَ الْجَمِيعَ: الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ، وَالأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ، وَالأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ، تُصْنَعُ لَهُمْ سِمَةٌ عَلَى يَدِهِمِ الْيُمْنَى أَوْ عَلَى جَبْهَتِهِمْ، ١٧وَأَنْ لاَ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ، إِّلاَّ مَنْ لَهُ السِّمَةُ أَوِ اسْمُ الْوَحْشِ أَوْ عَدَدُ اسْمِهِ.
- وَيَجْعَلَ الْجَمِيعَ… تُصْنَعُ لَهُمْ سِمَة: في ظل حكومة الوحش وشريكه، سيكون للجميع سِمَة (أو عَلَامَة)، ودون هذه السمة لن يتمكن الشخص من المشاركة في الاقتصاد (وَأَنْ لاَ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ، إِّلاَّ مَنْ لَهُ السِّمَةُ أَوِ اسْمُ الْوَحْشِ أَوْ عَدَدُ اسْمِهِ).
- نظرًا لأن الكلمة اليونانية القديمة لكلمة السمة (charagma) لا يتم استخدامها على البشر عمومًا، فقد اعتبرها البعض علامة رمزية. ولكن استخدام سمة حقيقية أو علامة لتمكين الشراء أو البيع أمر ممكن بالتأكيد.
- تتوفر الآن تكنولوجيا لإعطاء الناس علامة تمكنهم من البيع والشراء في الاقتصاد الإلكتروني. وهناك طرق مختلفة لتحقيق ذلك، ويتم اقتراح مثل هذه البرامج وتجربتها باستمرار.
- سِمَةٌ عَلَى يَدِهِمِ الْيُمْنَى أَوْ عَلَى جَبْهَتِهِمْ: الشيطان ليس كائنًا مبدعًا، فكل ما يستطيع فعله هو تقليد الله. ولا يفاجئنا أن هذا سيكون محاكاة شيطانية لشيء سيفعله الله وهو ختم الله على شعبه (رؤيا يوحنا ٣:٧-٤).
- عَدَدُ اسْمِهِ: كان هذا مفهومًا شائعًا في العالم القديم. ففي اللغة اليونانية والعبرية أيضًا يتم تعيين قيمة عددية للحروف، كأن يُمثل حرف الألِف بالرقم ١ والباء بالرقم ٢، وهكذا دواليك. فعلى سبيل المثال هناك كتابة على الجدران في أنقاض بومبي تقول “أحب التي عددها ٥٤٥.”
د ) الآية (١٨): عدد الوحش.
١٨هُنَا الْحِكْمَةُ! مَنْ لَهُ فَهْمٌ فَلْيَحْسُبْ عَدَدَ الْوَحْشِ، فَإِنَّهُ عَدَدُ إِنْسَانٍ، وَعَدَدُهُ: سِتُّمِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ.
- وَعَدَدُهُ: سِتُّمِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ: هل يمكننا تحديد هوية الوحش من خلال تحديد القيمة العددية لاسم ما لنرى إن كانت تساوي ٦٦٦؟ فقد تم بهذه الطريقة اقتراح أسماء شخصيات عديدة ظُن أنها ضد المسيح، مثل البابا أو البابوية، وجون نوكس، ومارتن لوثر، ونابليون، وهتلر، وموسوليني، وستالين، وغيرهم. لكن محاولات فك شيفرة عَدَدَ الْوَحْشِ مربكة ولا تتوقف.
- “كما أن الرقم ١٢، رقم الله، هو الجذر التربيعي لـ ١٤٤، فكذلك ٢٥ هو الجذر التربيعي لرقم ضد المسيح ٦٦٦، وهذا التعبير الغامض يعلمنا أن ضد المسيح لا بد أن يكون هيئة سياسية لها علاقة بالرقم ١٥ كما أن الله وكنيسته على علاقة بالرقم ١٢.” بوله (Poole)
- “يؤكد البعض أن سنة خراب روما كانت ١٦٦٦. وفي هذا يقول البعض إن الأمر بسيط، إذ أن الشيطان سيُربط ألف سنة، و٦٦٦ هو عدد الوحش. فضد المسيح سيحكم لمدة طويلة؛ مجموع الرقمين سيأتينا بهذا الرقم.” تراب (Trapp)
- “هذا هو حل اللغز لمن يحب حل مثل هذه الألغاز. فالمملكة التي يساوي اسمها الرقم ٦٦٦ على وجه التحديد، ستكون هي اسم الوحش. فاسم الوحش إذًا هو H Latinh basileia، أي المملكة اللاتينية.” كلارك (Clarke)
- يرى بعض المفسرين أنك إن جمعت ستة أرقام رومانية (I و V و X و L و C و D) يكون الناتج ٦٦٦. وفي هذا يقول البعض إن ضد المسيح سيكون رومانيًا. كما يشيرون إلى أن مجموع الأرقام من ١ إلى ٣٦ يساوي ٦٦٦. وكلمة الوحش وردت ٣٦ مرة في الكتاب المقدس.
- فَإِنَّهُ عَدَدُ إِنْسَانٍ: كان هناك رأي صارم أيام الكنيسة الأولى يرى أن رقم ضد المسيح يشير إلى القيصر نيرون. لكن لمطابقة اسم القيصر نيرون مع الرقم يجب على المرء استخدام إملاءً مختلفًا بالشكل اليوناني لهذا الاسم اللاتيني وترجمته إلى حروف عبرية.
- فَإِنَّهُ عَدَدُ إِنْسَانٍ: مجموع حروف اسم “يسوع” باليونانية يساوي ٨٨٨. والرقم ٦٦٦ قد يكون نظيرًا شيطانيًا لاسم يسوع أو قد يكون تقييم الله لهذا النظير الشيطاني الذي لا يصل لقامة المسيح.
- مقارنة بالرقم ٨٨٨، قد يشير الرقم ٦٦٦ إلى ثالوث (أنجس) غير مقدس. وقد يكون نظيرًا إنسانيًا وشيطانيًا لله قاصر بطبيعته عن الثالوث الكامل والحقيقي. فالرقم سبعة هو عدد الكمال، بينما الرقم ٦ قاصر عن هذا.
- وَعَدَدُهُ: سِتُّمِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ: قد يشير الرقم ٦٦٦ كذلك إلى ما جمعه سليمان من ذهب في سنة واحدة في سفر ملوك الأول ١٤:١٠. حيث يقول إن وَزْنُ الذَّهَبِ الَّذِي أَتَى سُلَيْمَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ سِتَّ مِئَةٍ وَسِتًّا وَسِتِّينَ وَزْنَةَ ذَهَبٍ. ولعل هذا يشير إلى أن ضد المسيح، كما سليمان، كان صالحًا ثم فسد.
- التفسيرات الحديثة لفكرة ضد المسيح تحفل بفكرة الطفل الشيطان الذي يتميز بالشر الواضح منذ ولادته، كما في سلسلة أفلام Omen. ولكن ضد المسيح قد يكون شخصًا لا يُرى شره إلا بعد وصوله إلى السلطة.
- وَعَدَدُهُ: سِتُّمِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ: على المؤمنين ألّا يخشوا الرقم ٦٦٦ والخرافات التي يمثلها. ولكن من المثير للاهتمام أن نرى الطريقة التي يتعلق بها العالم بهذا الرقم، حتى في أمور مثل صنع دواء للسعال تحت اسم ٦٦٦.
هـ) الوحشان نظيران شيطانيان. إذ نرى “مسيحًا” مزيفًا و”يوحنا المعمدان” المزيف يروجان للإله المُزيف. فالشيطان لا يمكنه أنه يخلق أو يبتكر، لكنه يخدع من خلال التزييف.
- “كان للتزييف والتقليد أثر خطير في تاريخ الكنيسة والعالم، وسيكون التزييف هو المحاولة الأخيرة للشيطان للفوز بالحكم.” مورجان (Morgan)
- الزيف ينجح لأنه يشابه الأصل. فلو كان مختلفًا لأمكننا تمييز الفرق. لهذا علينا أن نكون حذرين وأن نعرف الأصل.
- بدلًا من أن نهتم بالمزيف ونخشاه (ضد المسيح) علينا بالأحرى أن نهتم بالأصل: يسوع المسيح.