رؤيا يوحنا – الإصحاح ٢٢
تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ
أولًا. داخل أورشليم الجديدة
أ ) الآية (١): نهر خارج من عرش الله.
١وَأَرَانِي نَهْرًا صَافِيًا مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ لاَمِعًا كَبَلُّورٍ، خَارِجًا مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ.
- نَهْرًا صَافِيًا مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ: لطالما استخدم أنبياء العهد القديم صورة النهر كتعبير عن الغنى وتدبير الله والسلام (إشعياء ١٨:٤٨، زكريا ٨:١٤، حزقيال ١:٤٧-٩).
- كما قال كاتب المزامير في مزمور ٤:٤٦-٥ “نَهْرٌ سَوَاقِيهِ تُفَرِّحُ مَدِينَةَ اللهِ، مَقْدَسَ مَسَاكِنِ الْعَلِيِّ. اللهُ فِي وَسَطِهَا فَلَنْ تَتَزَعْزَعَ. يُعِينُهَا اللهُ عِنْدَ إِقْبَالِ الصُّبْحِ.”
- “الماء من أمور هذه الخليقة التي تبعث على السعادة. فبالنسبة لعين وخيال سكان الشرق الصحراوي الجاف ليس هناك ما هو أغلى وأثمن من مورد وفير من الماء العذب النقي.” سييس (Seiss)
- كتب بوله (Poole) قائلًا إن الإشارة إلى النهر هنا كانت “لإخبارنا أنه في السماء لن يكون هناك حاجة لشيء يضيف لسعادة القديسين.”
- لاَمِعًا كَبَلُّورٍ: تدبير وعناية الله في أورشليم الجديدة يعبر عنه بهذه المياه النقية. “مياهها حقيقية، عذبة نقية كما المدينة الذهبية التي تنتمي إليها. فإنسان الأرض لم يرّ مثل هذه المياه على وجه الأرض لأنه لم يعرف أبدًا مثل هذه المدينة.” سييس (Seiss)
- خَارِجًا مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ: نهر عناية وتدبير الله هذا خارج من عرش الله. ولأن مصدره الله فلا يمكن إلا أن يكون نهرًا نقيًا فياضًا.
- رأى حزقيال نهرًا عظيمًا يتدفق من الهيكل في أورشليم إلى البحر (حزقيال ٤٧)، لكن هذا النهر كان في أرض الحكم الألفي، وربما كان هذا إشارة لهذا النهر السماوي، لكن هذا نهر أفضل بأشجار أفضل.
ب) الآية (٢): شجرة الحياة.
٢فِي وَسَطِ سُوقِهَا وَعَلَى النَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، شَجَرَةُ حَيَاةٍ تَصْنَعُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ثَمَرَةً، وَتُعْطِي كُلَّ شَهْرٍ ثَمَرَهَا، وَوَرَقُ الشَّجَرَةِ لِشِفَاءِ الأُمَمِ.
- شَجَرَةُ حَيَاةٍ: يُفتتح الكتاب المقدس بشجرة الحياة (التكوين ٢٢:٣-٢٤) والتي لم يُسمح للإنسان بالأكل منها بعد أن أخطأ وأكل من شجرة معرفة الخير والشر. والآن ها نحن نرى شجرة الحياة مرة أخرى.
- فِي وَسَطِ سُوقِهَا وَعَلَى النَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ: قد يصعب علينا تخيل هذا المشهد السماوي. فيوحنا ربما يصف شارعًا واسعًا يتدفق نهر في وسطه، مع شجرة كبيرة، أو أشجار كثيرة، على ضفتي النهر.
- هكذا تخيل جون والفورد (John Walvoord) المشهد: “يُصور لنا هنا نهر الحياة متدفقًا وسط المدينة وشجرة كبيرة تغطي النهر، ونهر في وسط الشارع والشجرة على جانبي النهر.”
- يرى آخرون أن كلمة شجرة تشير إلى صفوف الأشجار التي على جانبي النهر. “يبدو أن الصورة المعروضة لنا هنا هي لشارع عريض مع نهر يتدفق في الوسط مثل القنوات المائية التي في هولندا، مع أشجار من نفس النوع على كلا الجانبين، وجميعها لها اسم شجرة الحياة. ولا أعلم إن كان بإمكاننا أن نتخيل هذه الصورة بأي طريقة أخرى.” سبيرجن (Spurgeon)
- ظهور شجرة الحياة مرة أخرى يشير إلى عودة كل شيء إلى سابق عهده. “والآن أخيرًا بعد أن وصلت قصة الكتاب المقدس العظيمة إلى نهايتها تقريبًا صار للإنسان أن يستمتع بشكل شرعي بالبركة التي خسرها بسبب عصيانه.” بريستون/هانسون (Preston/Hanson)
- وَتُعْطِي كُلَّ شَهْرٍ ثَمَرَهَا: مع أن هذا وصف لعالم السماء الجديدة والأرض الجديدة إلا أن الشهر استخدم هنا كمقياس للزمن. إذ يبدو أن السماء لن تفقد عامل الوقت، لكن الوقت لن يكون بنفس الطريقة التي نستخدمه بها على هذه الأرض.
- يتساءل البعض عما إذا كنا سنأكل في السماء، وأفضل إجابة هي أنه سيكون بإمكاننا أن نأكل ولكننا لن نضطر لذلك. فقد تناول يسوع الطعام بجسده الـمُقام (لوقا ٤١:٢٤-٤٣، يوحنا ١٢:٢١-١٤) وأكلت الملائكة مع إبراهيم (تكوين ٦:١٨-٨). ويوصف الاتحاد السماوي العظيم ما بين يسوع وشعبه بأنه عشاء العرس (رؤيا يوحنا ٩:١٩). فعلى الرغم من أن الإنسان سقط بأكله من شجرة معرفة الخير والشر، إلا أن الله سيسمح لنا بأن نأكل في السماء.
- “كما كانت مائدة خبز الوجوه الذهبية قديمًا في خيمة الاجتماع وفي والهيكل ليأكل منها الكهنة، هكذا تقف شجرة الحياة في شوارع أورشليم الجديدة الذهبية بثمارها المتاحة لكهنة السماء الخالدين.” سييس (Seiss)
- وَوَرَقُ الشَّجَرَةِ لِشِفَاءِ الأُمَمِ: لماذا تحتاج الأمم إلى الشفاء؟ في اللغة اليونانية القديمة يمكن أن تعني كلمة الشفاء “تجدد الصحة” أيضًا وهو ما قد يكون المقصود هنا.
- “كلمة الشفاء هنا هي therapeian والتي اشتقت منها الكلمة الإنجليزية ’العلاجي‘ أيضًا، وبدلًا من أن تترجم إلى ’الشفاء‘ كان الأجدر أن تكون ’مصدر الصحة‘ لأن معنى جذر الكلمة يعني الخدمة والعناية.” والفورد (Walvoord)
- سُوقِهَا (الشارع)… النهر… الشجرة… الفاكهة… الورق: هل هذه الصور عن السماء حرفية أم رمزية؟ قد لا يكون بإمكاننا أن نصف بعدًا آخر كالسماء دون استخدام الرموز، لكن هذه الرموز ترتبط بالواقع. فما رآه يوحنا قد يكون أو لا يكون تمامًا مثل النهر الذي نعرفه على الأرض، لكنك إن رأيته فلربما ستسميه نهرًا أيضًا.
- رغم أن هذا الأصحاح العظيم من الكتاب المقدس يحدثنا عن السماء، إلا أن علينا أن نتأمل فيه ونحاول أن نفهم منه ما بإمكاننا الآن. “فلا يمكنك أن تطلق النار على هدف ما لم توجه نظرك إليه، ونحن لا يمكننا أن يكون طموحنا ورجاؤنا السماء ما لم تتجه أنظارنا إليها الآن.” سبيرجن (Spurgeon)
ج ) الآيات (٣-٥): كيف ستكون السماء وما يفعله القديسين.
٣وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ. وَعَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ يَكُونُ فِيهَا، وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ. ٤وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ، وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ. ٥وَلاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ، وَلاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى سِرَاجٍ أَوْ نُورِ شَمْسٍ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلهَ يُنِيرُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.
- وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ: في السماء ستتلاشى اللعنة. فمنذ السقوط، والإنسان والخليقة يعانيان من نتائج اللعنة التي ذكرت في سفر التكوين ١٦:٣-١٩… المعاناة والألم أثناء الولادة، والخصام بين الجنسين، وضرورة العمل الشاق لكسب القوت، والأهم من ذلك كله، الموت.
- بعض جوانب هذه اللعنة ستكون حاضرة خلال الحكم الألفي، رغم أنها ستُخفف إلى حد كبير تحت ظل حكم المسيح. تخبرنا الآية في إشعياء ٢٠:٦٥ أن الشكاية على المؤمن ستكون ممكنة على الأرض في الحكم الألفي. ولكن هذه كلها ستختفي إلى الأبد في السماء الجديدة والأرض الجديدة. وبدلًا من اللعنة، عَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ يَكُونُ فِيهَا. يا له من تبديل رائع.
- عَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ: “من الآن فصاعدًا عرش الله هو عرش الحمل، له كل المجد إلى الأبد. وهو عرش البر، كما هو عرش النعمة. وعلى عرش الله القدير تسود الرحمة. وستصدر قرارات ومراسيم ملكوت السموات بناء على استحقاق عمل الذبيحة واستحقاق تبريرنا. فالمذبح والعرش صارا واحدًا. ولن يكون هناك تأديب للمؤمن من هذا العرش فيما بعد لأنه عرش الحمل وعرش الله.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ: ستكون السماء مكان عمل وخدمة بالنسبة لشعب الله. ولكن هذه ستكون خدمة مباركة نقية، لا الكدح الشاق المشوب باللعنة.
- “ليست السماء مكانًا للترفيه والاسترخاء، لكنها مكان للخدمة التي مركزها الله.” موريس (L. Morris)
- وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ: ستكون السماء مكانًا حميمًا فيه شعب الله سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ في علاقة شركة مع الله. فموسى لم ينل امتياز رؤية الله وجهًا لوجه (خروج ٢٠:٣٣-٢٣)، ولكن كل من في السماء سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ.
- سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ: “أفهم شيئين من هذا: أولًا، أنهم سينظرون وجه يسوع فعليًا وجسديًا بأجسادهم المقامة؛ وثانيًا، أن قدراتهم العقلية سترتقي روحيًا ليمكنهم رؤية قلب المسيح وروحه وشخصه لكي يفهموه ويدركوا عمله ومحبته وكل ما فيه بطريقة لم تكن ممكنة قبلًا.” سبيرجن (Spurgeon)
- بفضل يسوع يمكننا أن نعرف شيئًا عن وجه الله في الوقت الحالي: “لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ «أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ»، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.” (كورنثوس الثانية ٦:٤).
- وتوقع بولس أيضًا أن نصل مستوى أعلى من الشبع والكفاية في رؤيتنا لوجه الله: “فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍ، لكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهًا لِوَجْهٍ. الآنَ أَعْرِفُ بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ، لكِنْ حِينَئِذٍ سَأَعْرِفُ كَمَا عُرِفْتُ.” (كورنثوس الأولى ١٢:١٣). ففي ذلك اليوم لن يكون هناك ما يحجب رؤيتنا ليسوع:
- سنرى يسوع بوضوح لأن الخطية قد غابت إلى الأبد.
- سنرى يسوع بوضوح لأن الهموم والقلق قد اختفيا إلى الأبد.
- سنرى يسوع بوضوح لأن الأوثان وأصنام حياتنا قد اختفت إلى الأبد.
- سيكون أعظم مجد في السماء أن تعرف الله وأن تعرف يسوع بشكل أكثر حميمية وجمالًا من أي وقت مضى على الأرض. “فهذه هي النعمة الأسمى في السماء وجوهر السماء وسماء السماء، أن يرى القديسون يسوع.” سبيرجن (Spurgeon)
- “النظر إلى وجه المسيح يعني أننا على معرفة جيدة بشخصه ومركزه وشخصيته وعمله. إذ سيعرف القديسون في السماء المسيح بشكل أعمق من أي مؤمن على الأرض. فكما قال أحدهم، فإن الطفل في المسيح في السماء سيعرف عن المسيح في ساعة واحدة أكثر مما تعرف كل الكنيسة على الأرض.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ: ستكون السماء مكانًا يُعرف فيه شعب الله إلى الأبد من خلال إلههم، إذ لن يكون هناك أي شك في أنهم ينتمون إليه.
- وَلاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ: ستكون السماء مكانًا يختفي فيه إلى الأبد ظلام هذا الزمان. والنور هناك ليس مصطنعًا، وليس مصدره الشمس حتى، لكن الله نفسه هو النور.
- وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ: ستكون السماء مكانًا يتمتع فيه شعب الله بحكم أبدي لا ينتهي، مقارنة بالمدة المحدودة للحكم الألفي.
- “يبدأ الكتاب المقدس بقصة ’الفردوس المفقود‘ ويختتم هنا بقصة ’الفردوس الـمُستعاد.‘” أردمان (Erdman). فنحن نرى عودة الفردوس في الإشارات إلى النهر وشجرة الحياة، وإبطال اللعنة واستعادة الشركة وعودة سيادة الله. إنه التحقيق الكامل:
وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ | الإصلاح الكامل |
وَعَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ يَكُونُ فِيهَا | الإدارة الكاملة |
وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ | الخضوع الكامل |
وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ | التحول الكامل |
وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ | تغير الهوية الكامل |
لأَنَّ الرَّبَّ الإِلهَ يُنِيرُ عَلَيْهِمْ | الإنارة الكاملة |
وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ | السيادة الكاملة |
ثانيًا. الكلمات الوداعية
أ ) الآيات (٦-٧): يسوع والملاك يصادقان على الكلمة.
٦ثُمَّ قَالَ لِي: «هذِهِ الأَقْوَالُ أَمِينَةٌ وَصَادِقَةٌ. وَالرَّبُّ إِلهُ الأَنْبِيَاءِ الْقِدِّيسِينَ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَرِيعًا». ٧«هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا. طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ».
- ثُمَّ قَالَ لِي: في هذه الآيات من سفر الرؤيا نرى كلمات وداعية من بعض الأشخاص. وليس من السهل دائمًا تحديد هوية المتحدث، لكن فحوى الرسالة يبدو منطقيًا بغض النظر عن المتحدث: فهناك مصادقة، ودعوة، وتحذير.
- هذِهِ الأَقْوَالُ أَمِينَةٌ وَصَادِقَةٌ: الملاك الذي أرى يوحنا كل هذا يذكره بأن ما رآه سيكون حقيقة واقعة، ويؤكد له أن هذِهِ الأَقْوَالُ أَمِينَةٌ وَصَادِقَةٌ.
- لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَرِيعًا. هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا: بينما يذكرنا يوحنا بأن هذه الأحداث ستأتي فجأة، يتدخل يسوع بنفسه ليذكرنا ويقول هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا! ولكن لماذا يبدو لنا أنه قد مضى وقت طويل على ذلك؟ هل كان يسوع مخطئًا هنا؟
- كلمة سَرِيعًا في اليونانية القديمة لا تعني ما تعنيه الكلمة في لغتنا الآن. “لكنها تحمل معنى الحدث الفجائي أكثر.” مورجان (Morgan)
- مع ذلك توقعت الكنيسة الأولى عودة المسيح بسرعة، فهل كانوا على خطأ أم أن عبارة المسيح ضللتهم؟ كلا على الاطلاق؛ فالله يريد أن تكون جميع الأجيال في انتظار وشوق واستعداد لعودته.
- نحن لا نسير مندفعين بسرعة نحو حافة بعيدة ستتحقق عندها كل هذه الأشياء، لكننا نسير في توازٍ مع المسار المرسوم الذي ابتدأ منذ زمن الرسل.
- طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: تذكرنا هذه البركة أن النبوة تقدم لنا كلمات لنحفظها، وليست مجرد مادة للمناقشات والمناظرات. فالهدف الرئيسي من النبوة هو أن تقودنا إلى أن نثق بالله ونطيعه ونطبق حقّه في حياتنا.
ب) الآيات (٨-٩): تصويب سجود يوحنا للملاك مرة ثانية.
٨وَأَنَا يُوحَنَّا الَّذِي كَانَ يَنْظُرُ وَيَسْمَعُ هذَا. وَحِينَ سَمِعْتُ وَنَظَرْتُ، خَرَرْتُ لأَسْجُدَ أَمَامَ رِجْلَيِ الْمَلاَكِ الَّذِي كَانَ يُرِينِي هذَا. ٩فَقَالَ لِيَ: «انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ! لأَنِّي عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ الأَنْبِيَاءِ، وَالَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَقْوَالَ هذَا الْكِتَابِ. اسْجُدْ للهِ!».
- خَرَرْتُ لأَسْجُدَ أَمَامَ رِجْلَيِ الْمَلاَكِ: كما حدث في رؤيا يوحنا ١٠:١٩، غمرت المشاعر يوحنا فانحنى ليسجد للملاك. وبنفس الطريقة ذكّر الملاك يوحنا أن السجود يكون لله وحده، وأنهما الاثنان لهما ذات المكانة، مثل الَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَقْوَالَ هذَا الْكِتَابِ.
- لا يجب السجود أبدًا لكائن مخلوق. على عكس يسوع الذي قبل سجود الملائكة (عبرانيين ٦:١) والناس (متى ٢:٨، ٢٢:١٤، يوحنا ٣٨:٩).
- “إن كان من الخطأ السجود لهذا الرسول السماوي المجيد الذي حمل صوت يسوع ذاته، فكيف يكون من الصواب أن نسجد ونصلي لمريم العذراء التي ليس لها ذات المركز السماوي؟ قد يكون الدافع والنية سليمين؛ لكنه خطأ كبير.” سييس (Seiss)
- انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ: من المدهش أنه يقع شخص تلقى كل هذه الرؤى في هذا الخطأ. فالرؤى والإعلانات لا تعني أن الشخص على صواب في عقيدته أو تعاليمه أو ممارساته.
ج ) الآيات (١٠-١١): تحذير، قدمه إما يسوع أو الملاك.
١٠وَقَالَ لِي: «لاَ تَخْتِمْ عَلَى أَقْوَالِ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ. ١١مَنْ يَظْلِمْ فَلْيَظْلِمْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ نَجِسٌ فَلْيَتَنَجَّسْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ بَارٌّ فَلْيَتَبَرَّرْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ مُقَدَّسٌ فَلْيَتَقَدَّسْ بَعْدُ».
- لاَ تَخْتِمْ عَلَى أَقْوَالِ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ: لأن الْوَقْتَ قَرِيبٌ، ولأن التاريخ يسير نحو تتميم كل شيء، فهذا الكتاب (السفر) لم يختم بعد. بعكس نبوءات العهد القديم (دانيال ٢٦:٨)؛ فإن ختم الإنسان على سفر الرؤيا هو تحدٍ لأمر الله.
- مَنْ يَظْلِمْ فَلْيَظْلِمْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ نَجِسٌ فَلْيَتَنَجَّسْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ بَارٌّ فَلْيَتَبَرَّرْ بَعْدُ: قد يكون المقصود هنا “بما أن يسوع سيأتي فجأة، فلن يكون هناك وقت للتغيير.” إذ لن يكون هناك وقت لتوبة اللحظة الأخيرة، لكن الوقت متاح الآن. وإن لم يغيرك ما قرأته في سفر الرؤيا، فلا أمل منك!
- “هذا تصوير للحالة النهائية للأشرار الميؤوس منهم. فقد تم الفصل بين الشر والخير إلى الأبد، وليس هناك ’فرصة ثانية‘ فيما بعد.” روبرتسون (Robertson)
- “إن لم تكن تحذيرات هذا السِفر كافية، فليس لدى الله ما يقوله غير ذلك.” والفورد (Walvoord)
د ) الآيات (١٢-١٣): يسوع يعلن: هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا.
١٢«وَهَا أَنَا آتِي سَرِيعًا وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ. ١٣أَنَا الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ وَالآخِرُ».
- وَهَا أَنَا آتِي سَرِيعًا: لا يمكن أبدًا أن تفوتنا نبرة الاستعجال والتحذير في كل ما يخبرنا به يسوع عن مجيئه. فرسالته لنا أن نكون مستعدين دائمًا! (متى ٤٤:٢٤)
- وَأُجْرَتِي مَعِي: إن كان يسوع سيجازي كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ، فهل هذا يعني أننا نخلص بأعمالنا؟ كلا، لكنه يرينا أن الإيمان الحي تصاحبه الأعمال (يعقوب ٢٠:٢، تيطس ٨:٣).
- “مستوى حياة الإنسان يدل على ما يؤمن به حقًا.” ماونس (Mounce)
- أَنَا الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ وَالآخِرُ: كحافز إضافي لنا لنفعل الصواب ولنكون مستعدين لعودة يسوع يذكرنا يسوع بحقيقته وهويته. فإن عرفنا وفهمنا حقًا من هو يسوع فلن نواجه مشكلة في الاستعداد لعودته.
- يطلق وصف الأَلِفُ وَالْيَاءُ على الله في رؤيا يوحنا ٨:١ و ٦:٢١؛ بينما هنا يشار به للمسيح ليتوج هذا السفر الأدلة على ألوهية المسيح.” روبرتسون (Robertson)
- وصف الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ هو أيضًا دليل لا يدحض على أن يسوع هو يهوه: أَنَا الرَّبُّ الأَوَّلُ، وَمَعَ الآخِرِينَ أَنَا هُوَ. (إشعياء ٤:٤١)
- هذه الألقاب أو الأوصاف مجتمعة تعني أن يسوع هو البداية والوسط والنهاية للمؤمن. “فإن كنت تؤمن بالأرثوذكسية أو بأي من المعتقدات التقليدية وكان المسيح خارج دائرة إيمانك، فأنت قد أغفلت المنّ النازل من السماء، والماء المتفجر من الصخر، والملجأ وقت العاصفة، وشافي المرضى ومحيي الموتى. إن تجاهلت المسيح فأنت تتجاهل شمس النهار وقمر الليل، وتتجاهل مياه البحر، وتتجاهل الروح التي في الجسد، وتتجاهل أفراح السماء. فليس هناك إنجيل يستحق الاهتمام به، ناهيك عن الكرازة به، إن أهملت يسوع.” سبيرجن (Spurgeon)
هـ) الآيات (١٤-١٥): بركة ولعنة من على فم شخص (ربما يوحنا، أو الملاك، أو يسوع نفسه).
١٤طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ لِكَيْ يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ عَلَى شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَيَدْخُلُوا مِنَ الأَبْوَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ، ١٥لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ وَالْقَتَلَةَ وَعَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِبًا.
- طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ: صنعنا لوصاياه لا يضمن لنا الحياة الأبدية ولكنه دليل على أننا قد نلنا الحياة الأبدية. كما أن هناك بركة متأصلة في طاعة وصاياه لأنها صالحة لنا.
- بعض الترجمات تورد وصف ’من غسلوا ثيابهم‘ بدلًا من ’لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ‘ لأن الفرق طفيف بين الكلمتين اليونانيتين الأصليتين:
- من غسلوا ثيابهم: HOIPLUNONTESTASSTOLAS
- لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ: HOIPOIOUNTESTASENTOLAS
- هذا مثال جيد على الكيفية التي يمكن بها لخطأ الناسخ أن يشوش المعنى المقصود دون التأثير على المعنى الأساسي للمقطع. فحتى مع وجود بعض المقاطع المختلف عليها يمكننا أن نثق بكتبنا المقدسة.
- بعض الترجمات تورد وصف ’من غسلوا ثيابهم‘ بدلًا من ’لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ‘ لأن الفرق طفيف بين الكلمتين اليونانيتين الأصليتين:
- لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ وَالْقَتَلَةَ: ماذا عن أولئك الذين في الخارج؟ علينا ألاّ نظن أن هؤلاء ينتظرون خارج أسوار السماء في شوق للدخول. “فالآية لا تعلمنا أنه في الأبدية سيعيش الأشرار خارج المدينة السماوية، لكنها ببساطة تصف لنا المستقبل باستخدام تصوير معاصر.” ماونس (Mounce)
و) الآية (١٦): شهادة يسوع.
١٦أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ. أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ.
- أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ: بهذه الكلمات الجليلة يصادق يسوع على كامل هذا السفر. فمع أن ما في سفر الرؤيا قد يبدو خيالًا أو أمنيات إلا أن كله صحيح.
- “ها إله الوحي وإله كل من أوحي إليهم يؤكد ويصادق على كل ما هو مكتوب هنا. فأما أن يكون هذا السفر ليس إلا تزويرًا وتأليفًا لا يستحق أن نعيره اهتمامًا، ناهيك عن أن يكون جزءًا من الأسفار القانونية، أو أنه أكثر سفر نرى فيه الوحي والإعلان المباشر.” سييس (Seiss)
- لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ: ليس سفر الرؤيا شأنًا خاصًا لا يعرفه إلا النخبة، لكنه سفر كُتب لجميع المؤمنين في الْكَنَائِسِ. ومن الجدير بالذكر أيضًا أن هذه هي الإشارة الأولى للكنيسة بعد ذكر الرسائل إلى الكنائس السبع في سفر الرؤيا الأصحاحات ٢-٣.
- أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ: هذا لقب غالٍ للمسيح (إشعياء ١:١١) يبين أن يسوع هو خالق الملك داود كما أنه من نسله. وقد ذكر يسوع ذات الفكرة في متى ٤١:٢٢-٤٦.
- كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ: وهذا لقب آخر للمسيح من العهد القديم (سفر العدد ١٧:٢٤) والعهد الجديد (رؤيا ٢٨:٢). فكما يضيء كَوْكَبُ الصُّبْحِ (الذي يعتقد أن المقصود به هو كوكب الزهرة) مُرحبًا باليوم الجديد، هكذا يفعل يسوع.
ز ) الآية (١٧): الروح والعروس يقولان للجميع: تَعَالَ!
١٧وَالرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: تَعَالَ! وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: تَعَالَ! وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا.
- وَالرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: تَعَالَ! هل هذه الدعوة موجهة ليسوع لتطلب منه العودة؟ أم أنها دعوة للعطاش روحيًا ليقبلوا إلى يسوع؟ الاحتمالان صحيحان بالتأكيد.
- تَعَالَ! من الذي يمكنه أن يأتي؟ مَنْ يَسْمَعْ يمكنه أن يأتي إلى يسوع، لكنهم لن يأتوا ما لم يسمعوا. وَمَنْ يَعْطَشْ يمكنه أن يأتي إلى يسوع، لكنهم لن يأتوا إن لم يشعروا بعطشهم. وَمَنْ يُرِدْ يمكنه أن يأتي، لكنهم لن يأتوا ما لم يعمل الله في قلوبهم ليسعوا إليه.
- كيف يمكنك أن تعرف إن كان الله قد عمل في قلبك؟ راجع ما قيل للتو. هل سمعت؟ هل لديك عطش لله وللحياة الأبدية؟ هل تريده؟ إذًا تَعَالَ!
- وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا: هذه دعوة مفتوحة لقبول خلاص المسيح. فهو لن يرد أي شخص يأتي إليه. والدعوة فرصة ومسؤولية. فإن رفضنا الدعوة، فليس لنا أن نلوم إلا أنفسنا.
- “هناك دعوة مماثلة في سفر إشعياء ١:٥٥ قدمت في صيغة أمر عاجل بالاستجابة قبل فوات الأوان. الآن هو زمن النعمة. وساعة الدينونة وشيكة.” والفورد (Walvoord)
- وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا: إنها دعوة عظيمة مجيدة، إذ يمكن لأي راغب في الخلاص بيسوع المسيح أن يأتي إليه لْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا.
- يمكن للمرء أن يقول: “أنا لا أفهم العقيدة واللاهوت المسيحي” – لكنه يقول لك تعال على أي حال، لأنه لا يدعو الفاهمين فقط ليأخذوا ماء الحياة مجانًا.
- يمكن للمرء أن يقول: “لا يمكنني أن أتوب توبة صحيحة. فقلبي صار قاسيًا ولا أشعر حتى بالندم على خطاياي” – لكنه يقول لك تعال على أي حال، لأنه لا يدعوك بناء على مشاعرك.
- يمكن للمرء أن يقول: “لا أظن أن بإمكاني أن أعيش الحياة المسيحية بالطريقة المثلى” – لكنه يقول لك تعال على أي حال، لأنه لا يدعوك بناء على قدراتك.
- يمكن للمرء أن يقول: “لا أشعر بأني أستحق الحياة المسيحية” – لكنه يقول لك تعال على أي حال، لأنه لا يدعوك بناء على استحقاقك.
- “انتبه لكلمة ’مَن‘ أيها الخاطئ، فهو يقول كل من يرد. يا لها من كلمة كبيرة! كل مَن! فهو لا يحدد أي مواصفات، لكنه يقول الخطاة الصغار والخطاة الكبار، الخطاة السود والخطاة البيض، الخطاة القدامى والخطاة الجدد، والخطاة الذين ارتكبوا كل خطية ممكنة. كل مَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ.” سبيرجن (Spurgeon)
- الأمر بهذه البساطة حقًا: هل تريد يسوع وخلاصه؟ إذًا تعال. هل يمكنك أن تقول: “أريد أن أخلص الآن يا رب، أعطني قلبًا جديدًا. أريد أن اتوب عن خطاياي وأريد أن أكون مسيحيًا حقيقيًا يؤمن ويطيع، لكن ليست لدي القوة لهذا. لدي الرغبة، فأعطني انت القوة.” إن كانت هذه رغبة قلبك، فأنت من المدعوين. إذ ليس هناك ما يقف بينك وبين يسوع سوى عنادك.
- وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا: عندما تريد، ستأتي، وستأخذ. كل أديان هذا العالم تقوم على فكرة أنك يجب أن تقدم شيئًا لإلهك. أما جوهر المسيحية فهو أن الله يدعونا لنَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا. فأنت من ذاتك لا يمكنك أن تقدم أي شيء يخلصك أو يبررك أمام الله، لكن يمكنك أن تقبل وتأخذ الخلاص الذي يقدمه لك.
- وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا: من المناسب أن تختتم هذه الدعوة العظيمة سفر الرؤيا والكتاب المقدس. “فجميع أنبياء الكتاب المقدس، وجميع الرسل، وكل وصايا الكتاب المقدس، وكل وعود الكتاب المقدس، كلها اجتمعت ليقولوا لك: تعال إلى يسوع لتأخذ ماء حياة مجانًا.” سبيرجن (Spurgeon)
ح) الآيات (١٨-١٩): شخص ما يحذر، إما يسوع أو ملاك أو يوحنا.
١٨لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. ١٩وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ.
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ: هذا جزء آخر في نهاية سفر الرؤيا يصعب علينا فيه معرفة هوية المتحدث. ففي معظم الترجمات تكون هذه الكلمات باللون الأسود، مما يعني أن المترجمين يعتقدون أن هذه ليست كلمات يسوع. ولكن قد يكون هناك ما يدعونا للاعتقاد بأن يسوع هو من يوجه هذا التحذير.
- “جدية وصرامة الأمر تشير إلى أن المتكلم هو المسيح نفسه.” ماونس (Mounce)
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ… وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ: هذا يعني أن هناك ثمنًا باهظًا سيدفعه من يفكر بالعبث بكلمات سفر الرؤيا على وجه التحديد، وبالكتاب المقدس بشكل عام.
- “يا له من تحذير جاد ورسمي لنقاد نصوص الكتاب المتغطرسين الذين عدّلوا أجزاء من هذا السفر وأجزاء أخرى من الكتاب المقدس ظانين أنهم أكفاء فكريًا وروحيًا لتحديد ما هو صحيح وما هو غير صحيح في كلمة الله.” والفورد (Walvoord)
- يشير هذا الوعد أيضًا إلى أن سفر الرؤيا قابل للفهم. وإلا فلماذا يوجه الله مثل هذا التحذير والنهي الصارم عن إضافة أو حذف كلمات منه إن كان فهم السفر أمرًا عسيرًا؟
- “يتوسع اللاهوتيون بشكل عام في تفسير مقصد هاتين الآيتين، ربما لكونهما تشكلان الجزء الأخير من الكتاب المقدس، ليس من ناحية ترتيب السفر فقط، بل لكون السفر آخر ما كتب أيضًا. إذ يعتبرون هذه الآيات بمثابة ختم المصادقة على كل الكتاب المقدس، وأن الله هنا ينذر باللعنة أولئك من يحاولون إضافة أي إعلان إلهي جديد، أو أولئك من ينكرون أو يغيرون أو يحذفون أي جزء منه.” بوله (Poole)
ط) الآيات (٢٠-٢١) الكلمات الختامية.
٢٠يَقُولُ الشَّاهِدُ بِهذَا: «نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعًا». آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ. ٢١نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ.
- نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعًا: حتى النهاية لا زال سفر الرؤيا يحثنا على الاستعداد واليقظة. فإن فاتنا الدرس الذي لنا أن نتعلمه من سفر الرؤيا، درس الاستعداد، فقد فاتنا جوهر رسالة سفر الرؤيا.
- إن لم تكن عبارة ’أَنَا آتِي سَرِيعًا‘ كافية، فها يسوع يؤكدها ثانية بقوله ’نَعَمْ! قبلها، وآمِينَ‘ بعدها.
- تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ! استخدم يوحنا في هذه العبارة تعبيرًا أراميًا معروفًا للكنيسة القديمة: ماران آثا!
- يتناول سفر الرؤيا الكثير من الأحداث النبوية، لكن السفر يُختتم بأشواق يوحنا لعودة المسيح لشعبه لاختطاف الكنيسة.
- “أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ لاستعلان أبناء الله، فكم تكون أشواق أبناء الله أنفسهم!” سييس (Seiss)
- “يختتم السفر بالاعتراف بأن حلول مشاكل الحياة لا تكمن في قدرة الإنسان على خلق عالم أفضل، لكنها في عودة الشخص الوحيد الذي بسلطانه الكلي يتحكم في مسار البشرية كلها.” ماونس (Mounce)
- نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ: يُختتم السفر (والكتاب المقدس) بكلمات نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. وقد استخدم بولس هذه العبارة أيضًا في ختام بعض رسائله (كورنثوس الأولى ٢٣:١٦، كورنثوس الثانية ١٤:١٣، تسالونيكي الأولى ٢٨:٥، تسالونيكي الثانية ١٨:٣). وفي رسالة تسالونيكي الثانية ١٧:٣-١٨، أشار بولس إلى أن هذا التوقيع، الذي كان ولا بد مكتوبًا بخط بيده، هو العلامة بأن الرسالة كانت منه فعلًا.
- “هذه كلمات مناسبة لختام الصورة الرائعة التي رُسمت لعناية الله واهتمامه بشعبه في الأرض والسماء.” روبرتسون (Robertson)
- “مهما كان ينقصكم، فلتكن نعمة ربنا يسوع المسيح دائمًا معكم. ومهما كان فشل أي منا، عسى أن لا تغيب عنا أبدًا نعمة ربنا يسوع المسيح.” سبيرجن (Spurgeon)
- هناك لعنة في الآية الأخيرة من العهد القديم: “لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ” (ملاخي ٦:٤). أما الكلمات الأخيرة من العهد الجديد فتبشر بالنعمة، لأن النعمة هي عنوان تعاملات الله مع الإنسان على أساس العهد الجديد.