رؤيا يوحنا – الإصحاح ٥
الأسد والحمل والسِفر
أولًا. المستحق أن يأخذ السِفر
أ ) الآية (١): العرش والسِفر.
١وَرَأَيْتُ عَلَى يَمِينِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ سِفْرًا مَكْتُوبًا مِنْ دَاخِل وَمِنْ وَرَاءٍ، مَخْتُومًا بِسَبْعَةِ خُتُومٍ.
- وَرَأَيْتُ عَلَى يَمِينِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ سِفْرًا: ركّز الأصحاح الرابع من سِفر الرؤيا عَلَى الْعَرْشِ. ويبتدأ يوحنا هنا بالإشارة إلى العرش، ولكنه يحوِّل تركيزه إلى السِفر الذي في يد الرب الجالس على العرش.
- مَكْتُوبًا مِنْ دَاخِل وَمِنْ وَرَاءٍ: يعني هذا الوصف أنَّ هذا السِفر ليس سِفرًا عاديًا. فلم تكن الكتابة على وجهي السفِر عادةً رائجة. ويعني هذا أنَّ كمية المعلومات التي كانت مكتوبة على السِفر كانت كبيرة – وتكاد تكون أكثر من سعة السِفر الملفوف.
- كانت الأسفار القديمة تُقرأ أفقيًا لا عاموديًا. وكانت لفات السِفر على جهتي اليسار واليمين، أما الكتابة فكانت مرصوفة على شكل أعمدة ضيقة بعرض ٣ إنشات (٨ سنتمترات) على مادة أشبه بالورق البني. وكان السِفر يُحمَل باليد اليسرى ويُفتح باستخدام اليد اليمنى، وكان يتم إعادة لف الجزء المقروء بعد الإنتهاء من قراءته. قياسًا بسِفر تقليدي، كان سِفر الرؤيا ليملأ سِفرًا بطول ١٥ قدم (٤.٥ متر).
- مَخْتُومًا بِسَبْعَةِ خُتُومٍ: عند الانتهاء من قراءة سِفرٍ ما، كان يتم تثبيته بأوتار مختومة بشمع عند العُقَد. وكان السِفر مَخْتُومًا بِسَبْعَةِ خُتُومٍ، وكانت هناك سبعة حبال دقيقة حول السِفر، وكل حبل منها مختوم بالشمع.
- لم تكن هناك سبع كتابات مختومة كلًا على حدة، بل سبعة ختوم على السِفر نفسه. ولقراءة السِفر، يجب فك جميع الختوم أولًا.
- سِفْرًا مَكْتُوبًا: اقترح المفسرون عبر القرون الماضية أفكارًا مختلفة لماهية هذا السِفر، وما كان مكتوبًا عليه. ومن المهم تذكُّر أنَّه بغض النظر عن محتوى السِفر، فلا أحد سوى يسوع كان (وما يزال) مستحقًا أن يفتحه. (رؤيا يوحنا ٣:٥-٤).
- يعتقد البعض أنَّ السِفر هو العهد القديم، أو العهدين القديم والجديد معًا، أو نبوءة قد تمت. ولكن هذه الأفكار تنظر إلى الوراء، لا إلى الأمام، فقد كتب يوحنا عن أمورٍ مرتبطة بأمورٍ يجب أن تتحقق في المستقبل (رؤيا يوحنا ١:٤). بالإضافة إلى ذلك، إذا كان السِفر هو العهد القديم أو الجديد، فمن هو غير المستحق أن يفتح السِفر؟
- يعتقد البعض أنَّ السِفر هو إعلان الله لانفصاله عن شعب إسرائيل، ولكن ليس هناك دليل كتابي كافٍ لدعم لهذه الفكرة، ومن هو غير المستحق أن يفتح ذاك السِفر؟
- يعتقد البعض أنَّ السِفر هو إعلان دينونة وعقاب الله لأعداء الكنيسة. وربما يكون هذا صحيحًا، ولكن بشكلٍ غير مباشر فقط، من هو غير المستحق أن يفتح ذاك السِفر؟
- يعتقد البعض أنَّ السِفر هو نص سِفر الرؤيا، أو الفصول القليلة القادمة. ولكن هذا الاحتمال ضعيف عند الأخذ بعين الاعتبار فكرة ورسالة السِفر، ومن هو غير المستحق أن يفتح ذاك السِفر؟
- يعتقد البعض أنَّ السِفر هو صك ملكية كوكب الأرض. وهذه فكرة جذابة، خصوصًا لأنَّ الضيقة القادمة سوف تنتهي بقدوم المسيح وحكمه على الأرض. ولكن من الصعب تأكيد هذا الاحتمال. وأفضل ربط لهذه الفكرة نجده في سفر إرميا ٦:٣٢-١٥ الذي يصف صكوك الملكية اليهودية بأنها مختومة. ولكن ليس هناك أدنى شك بأنَّ الأرض للرب (مزمور ١:٢٤)، بالرغم من انتماء حكومات هذا العالم إلى الشيطان (لوقا ٥:٤-٨). وإذا كان يتوجب على الله استرجاع صك الملكية، فمتى “خسر” الله صك ملكية كوكب الأرض؟ والحقيقة هي أنَّ الله كان ممسكًا بالسِفر- فالسفر ليس مفقودًا. ولكن على السِفر أن يُفتح ويُكشف.
- سِفْرًا مَكْتُوبًا: أفضل حل هو رؤية السِفر: “وصية الله، أو حله الأخير لأمور هذا الكون.” باركلي (Barclay). وهذا مبني على عادة ختم الوصايا بسبعة ختوم، حيث يختم كل شاهد على هذه الوصية بختم لإثبات شرعية الوصية بحسب القانون الروماني.
- “أمر القانون الروماني بختم الوصايا سبع مرات، كما جاء موضحًا في الوصايا التي تركها أغسطس وفسبازيان لمن سيخلفهم.” والفورد (Walvoord)
- “ربما يحوي الكتاب مقاصد الله وخططه بخصوص حكمه على العالم والكنيسة؛ ولكننا نحن التراب، الذين لا نعلم أي شيء عن هذه الأمور، مصممون على التخمين.” كلارك (Clarke)
- “الكتاب المختوم بسبعة ختوم إذًا، هو برنامج الله الكامل الذي يبلغ أوجه في مجيء المسيح الثاني.” والفورد (Walvoord)
- “كتاب المشورة والمراسيم ومقاصد الله نحو كنيسته، والأمور المذهلة الأخرى المزمعة أن تحدث في نهاية العالم؛ هو الكتاب الذي كان بين يدي الآب.” بوله (Poole)
- تتمحور الفكرة هنا بامتلاك الله لكتاب كُتب فيه تاريخ العالم. فقد كتب الله تاريخ العالم مسبقًا. وهو يحمل في يده مسبقًا هذا التاريخ، ويأخذ مبادرة إتمام التاريخ بأكمله. فقط الله هو من يستطيع حمل هذا السِفر.
- عَلَى يَمِينِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ سِفْرًا: تذكر أنَّ التركيز لا يقع على محتوى السِفر، بل على الختوم وعلى من هو مستحق أن يأخذه.
ب) الآيات (٢-٤): من هو المستحق أن يفتح السِفر؟
٢وَرَأَيْتُ مَلاَكًا قَوِيًّا يُنَادِي بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مَنْ هُوَ مُسْتَحِقٌ أَنْ يَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ؟» ٣فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ فِي السَّمَاءِ وَلاَ عَلَى الأَرْضِ وَلاَ تَحْتَ الأَرْضِ أَنْ يَفْتَحَ السِّفْرَ وَلاَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ. ٤فَصِرْتُ أَنَا أَبْكِي كَثِيرًا، لأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مُسْتَحِقًّا أَنْ يَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَقْرَأَهُ وَلاَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ.
- مَلاَكًا قَوِيًّا: لا نعلم من هو هذا الملاك. اقترح كثيرون أنه الملاك جبرائيل، ولكننا لا نعلم فعلًا. ولكن هذا الملاك طرح بسؤاله تحديًا للخليقة جمعاء: «مَنْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ أَنْ يَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ؟». وفي هذا تحدٍّ لا يستطيع أي مخلوق خوضه لأنه لا يوجد من هو مستحق أن يفتح هذا السِفر بالذات.
- فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ فِي السَّمَاءِ وَلاَ عَلَى الأَرْضِ وَلاَ تَحْتَ الأَرْضِ أَنْ يَفْتَحَ السِّفْرَ وَلاَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ: ليس هناك أبلغ وأقوى من كلام يوحنا هنا. إذ بدا وكأنَّ هذا الملاك القوي بحث في الكون بأكمله ليجد من هو مستحق، ولكنه لم يجد من هو مستحق أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ حتى.
- لم تكن هناك أي إجابة على التحدي الذي طرحه الملاك القوي لأنَّ الخليقة غير قادرة بتاتًا على حسم أو التأثير على مصيرها. فيجب على من هو أعلى مرتبة من الكائنات الحية أن يحدد مسار التاريخ – فالله فقط هو من يستطيع كشف هذه الخطة.
- فَصِرْتُ أَنَا أَبْكِي كَثِيرًا: بكى يوحنا إما بسبب كون الوعد السابق بأن يرى المستقبل قد أصبح مرفوضًا الآن (رؤيا يوحنا ١:٤)، أو، على الأغلب، بسبب كون تحقيق التاريخ سيصبح مؤجلًا الآن إلى أجلٍ غير مسمى.
- لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مُسْتَحِقًّا أَنْ يَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَقْرَأَهُ وَلاَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ: يجب أن يكون للشخص الحق بأن يفتح السِفر ويمتلكه حتى يستطيع النظر إليه، ولكن لم يوجد بين الكائنات من هو مستحق.
ج ) الآيات (٥-٧): الأسد الذي من سبط يهوذا مستحق أن يفتح السِفر.
٥فَقَالَ لِي وَاحِدٌ مِنَ الشُّيُوخِ: «لاَ تَبْكِ. هُوَذَا قَدْ غَلَبَ الأَسَدُ الَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا، أَصْلُ دَاوُدَ، لِيَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ السَّبْعَةَ». ٦وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ. ٧فَأَتَى وَأَخَذَ السِّفْرَ مِنْ يَمِينِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ.
- هُوَذَا الأَسَدُ الَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا: انتشل أحد الشُّيُوخِ (لا الملائكة) يوحنا من حزنه، وأراه من غلب ليفتح السِفر. وكان هذا الشخص الرمز الرئيسي في نبوءة للعهد القديم: الأَسَدُ الَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا، أَصْلُ دَاوُدَ، مسيح إسرائيل والأمم.
- يأتي هذا اللقب ’الأَسَدُ الَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا‘ الذي يشير إلى المسيح، من سفر التكوين ٩:٤٩-١٠، وسفر إشعياء ٤:٣١، وسفر هوشع ١٠:١١. ويأتي لقب ’أَصْلُ دَاوُدَ‘ من سفر إشعياء ١٠:١١، وقد تمّ ذكره أيضًا في سفر الرؤيا ١٦:٢٢.
- يقول تراب (Trapp) إنَّ الأسد صورة تليق بمسيحنا، “أولًا، لامتياز قوته. ثانيًا، لبسالة روحه. ثالثًا، لمقامه، فالأسد هو ملك الوحوش. رابعًا، ليقظته، فالأسد ينام وعيناه مفتوحتان.”
- وَرَأَيْتُ فَإِذَا… خَرُوفٌ قَائِمٌ: توقع يوحنا بأن يرى أسدًا بسبب إعلان الشيوخ، ولكنه عوضًا عن ذلك رأى خروفًا. وقد استخدم يوحنا كلمة خاصة لوصفه معناها: الخروف الصغير، “تعطي كلمة يوحنا معنى الخروف الصغير أو الوديع.” كلارك (Clarke)
- يتم تقديم الخروف بطريقة تحتمل الوداعة والقوة في الوقت نفسه. فهو حي (خَرُوفٌ قَائِمٌ)، ولكنه ما يزال يحمل آثار كونه ذبيحة سابقة (كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ).
- عندما يريد البشر استخدام رموز توحي بالقوة، فإنهم يستحضرون الوحوش والطيور الجارحة، كتلك المستخدمة للإشارة إلى الدول والأندية الرياضية. ولكن من يمثل مملكة السماء هو خَرُوف، بكل ما يحمله من تواضع، ووداعة، وحب مضحٍّ.
- يبدو خَرُوف وكأنه مذبوح. يصعب وصف ما رآه يوحنا، ولكن يبدو على هذا الخروف آثار كونه ذبيحة. فالدينونة القادمة، كما نراها في الأصحاح ٦، هي بأمر وإدارة الخروف الذي سبق وقدَّم مخرجًا للدينونة من خلال أخذه هو للدينونة. وستأتي الدينونة على عالمٍ كارهٍ للخروف وكل ما يمثله، وسيرفض العالم عرضه للخلاص.
- كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ: تتمحور الفكرة في كون تضحية المسيح ما تزال جديدة وقائمة أمام الله الآب. فليس هناك شيء قديم أو بالٍ في عمل المسيح على الصليب. وما يزال عمله جديدًا كاليوم الذي مات فيه على الصليب، حتى بعد مرور آلاف السنين.
- “تبين صياغة الكلام هذه استمرارية ثمر موت المسيح وفعاليتها أبديًا أمام الله، حيث اشترى مرة واحدة وإلى الأبد فداءً أبديًا.” تراب (Trapp)
- كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ: “وكأنه الآن يتم التضحية به. وهذا أمرٌ جدير بالملاحظة. فتضحية المسيح الكفاريَّة مهمة جدًا في نظر الله إذ ما يزال يُصور وهو يسفك دماءه عن خطايا البشر. وهذا يعطي ميزة كبيرة للإيمان، فعندما تتقدم أي نفس إلى عرش النعمة، تجد ذبيحة مقدمة بدلًا عنها إلى الله. وهكذا، تجد جميع الأجيال اللاحقة ذبيحة مستمرة جاهزة، ودم مسفوك حديثًا للتقديم.” كلارك (Clarke)
- لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ: رغم وضوح علامات تضحيته، لا يتم الإشارة للخروف هنا كشيءٍ نشفق عليه. فهو يحمل أيضًا علامات كونه كليّ القدرة (سَبْعَةُ قُرُونٍ)، وكونه كليّ المعرفة (سَبْعُ أَعْيُنٍ). يا له من شخصية! خروف مذبوح يملك علامات تدل على كونه كليّ القدرة والمعرفة!
- لطالما كانت العيون تشير إلى المعرفة والحكمة، والقرون إلى القوة في الكتاب المقدس. فللخروف كل المعرفة وكل الحكمة وكل القوة: لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ.
- هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ: ليس الروح القدس هو روح الله فقط (أي بمعنى كونه “روح الآب”)، ولكنه أيضًا روح المسيح (أنظر أعمال الرسل ٧:١٦ ورومية ٩:٨).
- السبع أعين الرب هي صورة للمعرفة غير المحدودة، وهي مأخوذة من النبي زكريا (سفرزكريا ١٠:٤ و٩:٣).
- فَأَتَى وَأَخَذَ السِّفْرَ: لم يوجد أي مخلوق مستحقًا أن يأخذ السِفر، ولكن الخروف يستطيع أن يأخذه. فقد برهن عن مركزه، وشخصيته، وقدرته على أخذ وفتح السِفر (وبالتالي حسم مصير الخليقة) بشكلٍ دائم بواسطة عمله على الصليب.
ثانيًا. حمد وتسبيح لمن هو مستحق
أ ) الآيات (٨-١٠): ترنيمة الشيوخ والكروبيم.
٨وَلَمَّا أَخَذَ السِّفْرَ خَرَّتِ الأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا أَمَامَ الْخَروفِ، وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُورًا هِيَ صَلَوَاتُ الْقِدِّيسِينَ. ٩وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: «مُسْتَحِقٌ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، ١٠وَجَعَلْتَنَا لإِلهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ».
- خَرَّتِ الأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا أَمَامَ الْخَروفِ: بمجرد أخذ الخروف للسِفر، أصبحت الاستجابة فورية. فانضمت الملائكة عالية المقام إلى جماعة المخَلصين وأخذوا يعبدون الخروف.
- وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ: إنَّ القيثارة هي “آلة موسيقية تشبه الجيتار، ويُعزف عليها باستخدام اليد أو الريشة.” ألفورد (Alford). فالعبادة في السماء مقرونة بالموسيقى. وكما قد يتوقع المرء، فهذا هو المقطع الذي أتى بفكرة وجود القيثارات في السماء.
- وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُورًا هِيَ صَلَوَاتُ الْقِدِّيسِينَ: قدَّم الشيوخ بطريقة رمزية صلوات القديسين وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُورًا. ولكنهم لم يتشفعوا للقديسين، أو يقوموا بدور الوسيط لشعب الله.
- يتم تذكيرنا بأنَّ هناك إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس، وهو الإنسان يسوع المسيح (تيموثاوس الأولى ٥:٢). فلم يصلِ هؤلاء الشيوخ للقديسين، وهذا لا يبرر بأي حال من الأحوال ممارسة الروم الكاثوليك بالصلاة إلى القديسين، والطلب منهم بأن يصلوا لأجلنا.
- “من الممكن أيضًا أن تمثل هذه الصلوات الصلاة المعروفة لشعب الله، “ليأتِ ملكوتك.” هوكنج (Hocking)
- جَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُورًا: نرى هنا كم أنَّ صلوات القديسين ثمينة بالنسبة لله. فهو يعتبرها كالبخور طيب الرائحة، كما لو أنها موضوعة في جَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ غالية الثمن.
- يظهر مزمور ٢:١٤١ الارتباط بين الصلاة والبخور: “لِتَسْتَقِمْ صَلاَتِي كَالْبَخُورِ قُدَّامَكَ. لِيَكُنْ رَفْعُ يَدَيَّ كَذَبِيحَةٍ مَسَائِيَّةٍ.” فللبخور رائحة طيبة، وهذه الرائحة تصعد إلى السماء، كما يحتاج البخور أيضًا إلى النار ليصبح صالحًا للاستخدام.
- وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً: رنم الشيوخ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً، عن المراحم الجديدة إلى الأبد.
- “قد يُفهم مصطلح ’ترنيمة جديدة‘ بأنه إما ترنيمة ممتازة (فالترانيم الجديدة كانت عادة ذات القيمة الأعلى)، أو (التي تسرِّني بأفضل شكل) أي جديدة في موضوعها؛ فخدام الله في العهد القديم لم يستطيعوا حمد الله وشكره على الخلاص بواسطة دم المسيح، بل كانوا يبتهجون على أمل الخلاص يومًا ما، محتضنين الوعود المستقبلية بالخلاص بعين الإيمان.” بوله (Poole)
- “إنه لأمر جديد أن يصبح ابن الله انسانًا، وأن نصعد إلى السماء بجسد. إنه لأمر جديد أن تُغفر خطايا البشر، وأن يُختم الانسان بالروح القدس. إنه لأمر جديد أن يصير لنا حق الكهنوت، وأن ننتظر ملكوتًا فيه مواعيد لا حصر لها.” فيكتورنس (Victorinus)
- مُسْتَحِق أَنْتَ: في أيام الرسول يوحنا، كان يتم الاحتفاء بالأباطرة الرومان عند قدومهم باستخدام التعبير اللاتيني (vere dignus) والذي ترجمته ’مُسْتَحِق أَنْتَ.‘ وهنا يتم تكريم سيد العالم الحقيقي.
- لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لإِلهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ: في تسبيحة سِفر الرؤيا ١١:٤، هناك تركيز على عمل الله في الخلق. بينما يقع التركيز هنا على عمله في الفداء.
- تكرم الترنيمة ثمن الفداء: لأَنَّكَ ذُبِحْتَ.
- تكرم الترنيمة فاعل الفداء: وَاشْتَرَيْتَنَا.
- تكرم الترنيمة وجهة الفداء: وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ.
- تكرم الترنيمة جزاء الفداء: بِدَمِكَ.
- تكرم الترنيمة النطاق الذي شمله الفداء: مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ.
- تكرم الترنيمة المدى الذي وصل إليه الفداء: وَجَعَلْتَنَا لإِلهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً.
- تكرم الترنيمة نتيجة الفداء: فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ.
- لإِلهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً: يعد المؤمنون مُلُوكًا نسبةً إلى ميلادهم الملكي ومصيرهم بأن يحكموا مع يسوع. وهم كَهَنَةً لأنهم لا يحتاجون إلى أي وسيط آخر عدا يسوع نفسه.
- “عندما يتقدم شخص مرتديًا ملابس غريبة، ويقول أنه كاهن. قد يقول مؤمن بسيط: ’ابتعد عني، ولا تتدخل بمركزي، فأنا أعلم أني كاهن، ولكني لا أعلم ما تكونه أنت. لا بد وأنك كاهن للبعل. فالذِكر الوحيد ’للرداء الكهنوتي‘ في الكتاب المقدس مرتبط عادة بهيكل البعل.‘ فالكهنوت يخص جميع القديسين.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (١١-١٢): مشاركة عدد لا يُحصى من الملائكة في التسبيح، معلنين أنَّ الخروف مستحِق بسبب الفداء الذي حققه.
١١وَنَظَرْتُ وَسَمِعْتُ صَوْتَ مَلاَئِكَةٍ كَثِيرِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالشُّيُوخِ، وَكَانَ عَدَدُهُمْ رَبَوَاتِ رَبَوَاتٍ وَأُلُوفَ أُلُوفٍ، ١٢قَائِلِينَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مُسْتَحِقٌ هُوَ الْخَروُفُ الْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ وَالْبَرَكَةَ!».
- وَسَمِعْتُ صَوْتَ مَلاَئِكَةٍ كَثِيرِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ: خرَّ الملائكة والشيوخ معًا أمام الخروف (رؤيا ٨:٥). ولكن يبدو أنَّ الشيوخ وحدهم رنموا ترنيمة المخلَصين (رؤيا ٩:٥-١٠)، فلا يخبرنا الكتاب المقدَّس أبدًا عن خلاص الملائكة. ومن ثم، ارتفع صَوْتَ مَلاَئِكَةٍ كَثِيرِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ ممجِدين الفادي العظيم.
- في سفرالرؤيا ٩:٤-١٠، حثت الملائكة الشيوخ على العبادة. ولكن هنا، يبدو أنَّ الشيوخ هم من يحثون الملائكة. إنها حلقة رائعة في السماء، حيث يشجع الملائكة والشيوخ بعضهم بعضًا لتقديم التمجيد أكثر فأكثر.
- وَكَانَ عَدَدُهُمْ رَبَوَاتِ رَبَوَاتٍ وَأُلُوفَ أُلُوفٍ: هناك عدد لا يُحصى من الملائكة.
- مُسْتَحِقٌّ هُوَ الْخَروُفُ الْمَذْبُوحُ: في ترنيمتهم، لم يقدِّم الملائكة التمجيد لخلاصهم. وهذا بسبب أنَّ الملائكة ليسوا موضوع هذا الخلاص (على حد علمنا)، ولكنهم مراقبين متنبهين له. ولذلك فهم قادرون على تمجيد الله بسبب هذا الخلاص. (بطرس الأولى ١٢:١ وأفسس ١٠:٣).
- تستطيع الملائكة أن ترى بوضوح عظمة عمل الله في خلاص البشر، واستجابةً لذلك فهم يدينون بالْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ وَالْبَرَكَةَ إلى الخروف. وبالطريقة نفسها، نستطيع تمجيد الله بسبب الطريقة التي يعمل فيها في حياة الآخرين.
ج ) الآيات (١٣-١٤): كل الخليقة تمجد الآب والخروف.
١٣وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ وَتَحْتَ الأَرْضِ، وَمَا عَلَى الْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: «لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ الْبَرَكَةُ وَالْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ». ١٤وَكَانَتِ الْحَيَوَانَاتُ الأَرْبَعَةُ تَقُولُ: «آمِينَ». وَالشُّيُوخُ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ خَرُّوا وَسَجَدُوا لِلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.
- وكُلُّ خَلِيقَةٍ: ليس هناك أكثر اكتمالًا من وصف يوحنا. فبالحقيقة، هذه هي كل الخليقة – مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ وَتَحْتَ الأَرْضِ، وَمَا عَلَى الْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا.
- لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ الْبَرَكَةُ وَالْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ: هذه العبادة المشتركة المقدَمَة إلى الآب والخروف هي شهادة قوية لألوهية يسوع. “لا يوجد هناك أدنى شك بأنَّ الخروف هو بمقام الله وهو الله.” موريس (L. Morris)
- “إن لم يكن يسوع المسيح هو الله فهذا سيكون عبادة للوثن، وسيبدو وكأننا نعطي المخلوق ما يخص الخالق.” كلارك (Clarke)
- “ثق بهذا أيها السامع، لن تذهب إلى السماء إلا إذا كنت مستعدًا أن تعبد يسوع المسيح كالرب الإله. فهذا ما يفعله الجميع هناك: يجب أن تعي ذلك، واذا اقتنعت بفكرة أنه مجرد إنسان، أو أنه أقل من الله، فيتوجب عليك البداية من الصفر وأن تتعلم ماذا تعني العبادة الحقيقية. فعبادتك له كمجرد إنسا، هو أساس ضعيف للاستناد عليه. فأنا لا أستطيع أن أضع روحي بين يدي إنسان، أو أؤمن بكفارة مصدرها إنسان عادي: يجب أن أرى الله بنفسه يضع يده في عمل عظيم كهذا.” سبيرجن (Spurgeon)
- خَرُّوا وَسَجَدُوا لِلْحَيِّ: إنَّ الكلمة اليونانية القديمة ’سَجَدُوا‘ تعني حرفيًا ’الانبطاح‘ أي طرح النفس أمام الآخر بخضوع كامل. “قد يبدو المشهد وكأنَّ الشيوخ خَرُّوا على ركبهم، ومن ثم طرحوا أنفسهم أمام الْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. فهذا التعبير يدل على خضوعهم وعبادتهم التامتين.
- “هذه هي الطريقة الشرقية للتعبير عن الإجلال: أولًا، يخرَّ الشخص الذي يقدم العبادة على ركبتيه، ومن ثم ينحني ويلامس الأرض بجبهته. كان العمل الأخير سجودًا.” كلارك (Clarke)
- إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ… سَجَدُوا لِلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ: يحكم الإله الحي إلى أبد الآبدين. القياصرة يأتون ويذهبون، ومن ضمنهم من اضطهدوا شعب الله. ولكن الرب الإله حَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ وهو مستحق كل حمدنا وشكرنا.