رؤيا يوحنا – الإصحاح ٧
الـ ١٤٤ ألفًا والجمع الكثير
أولًا. الـ ١٤٤ ألفًا
أ ) الآيات (١-٣): حجب الدينونة إلى حين ختم عبيد الله.
١وَبَعْدَ هذَا رَأَيْتُ أَرْبَعَةَ مَلاَئِكَةٍ وَاقِفِينَ عَلَى أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ، مُمْسِكِينَ أَرْبَعَ رِيَاحِ الأَرْضِ لِكَيْ لاَ تَهُبَّ رِيحٌ عَلَى الأَرْضِ، وَلاَ عَلَى الْبَحْرِ، وَلاَ عَلَى شَجَرَةٍ مَا. ٢وَرَأَيْتُ مَلاَكًا آخَرَ طَالِعًا مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ مَعَهُ خَتْمُ اللهِ الْحَيِّ، فَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ الأَرْبَعَةِ، الَّذِينَ أُعْطُوا أَنْ يَضُرُّوا الأَرْضَ وَالْبَحْرَ، ٣قَائِلًا: «لاَ تَضُرُّوا الأَرْضَ وَلاَ الْبَحْرَ وَلاَ الأَشْجَارَ، حَتَّى نَخْتِمَ عَبِيدَ إِلهِنَا عَلَى جِبَاهِهِمْ».
- أَرْبَعَةَ مَلاَئِكَةٍ وَاقِفِينَ عَلَى أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ: تعبير أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ مرادف قديم وحديث لفكرة “أربع اتجاهات البوصلة.” فتكمن الفكرة في أنَّ هذه الملائكة تؤثر على كامل الأرض.
- مُمْسِكِينَ أَرْبَعَ رِيَاحِ الأَرْضِ: هذه الرياح هي القوة المدمرة لدينونة الله، وذُكرت غالبًا في هذا السياق في العهد القديم.
- يعطي سفر هوشع ١٥:١٣ مثالًا على ذلك: وَإِنْ كَانَ مُثْمِرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ، تَأْتِي رِيحٌ شَرْقِيَّةٌ، رِيحُ الرَّبِّ طَالِعَةً مِنَ الْقَفْرِ فَتَجِفُّ عَيْنُهُ وَيَيْبَسُ يَنْبُوعُهُ.
- قد تشير أَرْبَعَ رِيَاحِ الأَرْضِ إلى الأربع راكبي الخيل في سفر الرؤيا ١:٦-٨، على غرار سفر زكريا ١:٦-٨. ففي ذلك المقطع، تنطلق أربع عربات بأحصنة لها ذات الألوان المذكورة في سفر الرؤيا ١:٦-٨ إلى كل الأرض، وتحمل اسم أربع أرواح السماء. وكلمة أرواح المذكورة في ذلك المقطع مأخوذة من الكلمة العبرية “ruach” والتي يمكن ترجمتها “رياح” أيضًا.
- مَلاَكًا آخَرَ طَالِعًا مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ مَعَهُ خَتْمُ اللهِ الْحَيِّ: وكان لملاك آخر خَتْمُ ، وقام بختم شعب الله. ففي العالم قديمًا، كانت هذه الختوم أمرًا مألوفًا. فقد كان الملك أو مُلاك العقار يستخدمون الختم إظهارًا للمُلكية أو إثباتًا للموثوقية.
- لاَ تَضُرُّوا الأَرْضَ وَلاَ الْبَحْرَ وَلاَ الأَشْجَارَ، حَتَّى نَخْتِمَ عَبِيدَ إِلهِنَا عَلَى جِبَاهِهِمْ: سيُعطى عبيد الله هؤلاء ختم حماية على جباههم، وسيحمل هذا الختم اسم الله بطريقة ما (سفر رؤيا ١:١٤).
- مُنح الأبرار ختم حماية مماثل في سفر حزقيال ٤:٩ قبل دينونة أورشليم.
- عَبِيدَ إِلهِنَا: لا يوجد ذِكر لطبيعة الخدمة، ولكن تمَّ ختم الـ ١٤٤.٠٠٠ لسبب محدد وفريد. ومع ذلك، فالفكرة الرئيسية من وراء الختم غير مقتصرة عليهم.
- تمَّ ختم يسوع؛ لأَنَّ هذَا اللهُ الآبُ قَدْ خَتَمَهُ. (إنجيل يوحنا ٢٧:٦)
- نحن مختومون بالروح القدس كعربون لخلاصنا الكلي والنهائي. كتب بولس الرسول: هُوَ اللهُ، الَّذِي خَتَمَنَا أَيْضًا، وَأَعْطَى عَرْبُونَ الرُّوحِ فِي قُلُوبِنَا. (كورنثوس الثانية ٢١:١-٢٢)
- يصبح ختم الروح القدس نصيب كل مؤمن عند خلاصه: إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ الْمَوْعِدِ الْقُدُّوسِ. (رسالة أفسس ١٣:١)
- إنَّ ختم الروح القدس هو بمثابة راحة وتحدٍ لنا على حد سواء. فنحن مطمئنون لأنَّ فيه تأكيد على انتمائنا إليه. وفيه تحدٍ لنا لتجنب كلِّ شر وتحديد هويتنا بمن له انتماؤنا: وَلكِنَّ أَسَاسَ اللهِ الرَّاسِخَ قَدْ ثَبَتَ، إِذْ لَهُ هذَا الْخَتْمُ: «يَعْلَمُ الرَّبُّ الَّذِينَ هُمْ لَهُ». وَ« لْيَتَجَنَّبِ الإِثْمَ كُلُّ مَنْ يُسَمِّي اسْمَ الْمَسِيحِ». (تيموثاوس الثانية ١٩:٢) وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ. (رسالة أفسس ٣٠:٤)
ب) الآيات (٤-٨): عدد الذين خُتموا.
٤وَسَمِعْتُ عَدَدَ الْمَخْتُومِينَ مِئَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا، مَخْتُومِينَ مِنْ كُلِّ سِبْطٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ٥مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ رَأُوبِينَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ جَادَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. ٦مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ نَفْتَالِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ مَنَسَّى اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. ٧مِنْ سِبْطِ شَمْعُونَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ لاَوِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ يَسَّاكَرَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. ٨مِنْ سِبْطِ زَبُولُونَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ يُوسُفَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ.
- مِئَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا، مَخْتُومِينَ مِنْ كُلِّ سِبْطٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: هذه هي هويتهم العامة، فجميعهم من أسباط بَنِي إِسْرَائِيلَ. فهم عرقيًا من اليهود، وهناك ١٤٤.٠٠٠ من المختارين.
- مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ: هذه هي هويتهم الخاصة، فالـ ١٤٤.٠٠٠ مقسمين على أسباط بني إسرائيل الاثني عشر. فمع أنَّ الله وحده يعلم بأصل هذه الأسباط، هناك ١٢.٠٠٠ من كل سبط.
- منْ سِبْطِ: لا يوجد ذِكر لسبط دان في قائمة الأسباط المذكورة. يرى البعض أنَّ ذلك يعود إلى كونه سبط ضد المسيح، وفقًا لسفر دانيال ٣٧:١١ وسفر إرميا ١٦:٨. وقد يكون أو لا يكون هذا هو السبب، ولكن سبط دان بلا شك هو الذي أدخل عبادة الأوثان إلى شعب إسرائيل (سفر التكوين ١٧:٤٩، سفر القضاة ٣٠:١٨).
- هناك خلاص رائع لسبط دان. فهو السبط الأول المذكور في قائمة الأسباط الألفية التي ذكرها حزقيال (سفر حزقيال ٤٨).
- منْ سِبْطِ: هناك أمر مثير للاهتمام أيضًا في طريقة الإشارة غير المباشرة إلى سبط افرايم. فهناك ذكر لسبط يوسف، ولكن يوسف ممثَّل بسبطين: افرايم ومنسى. وبما أنَّ هناك ذكر لسبط منسى، فلا بدَّ أنَّ سبط يوسف يعني سبط افرايم الذي شملته القائمة من دون ذكر الاسم.
- ربما تمَّ إهمال افرايم بسبب علاقة هذا السبط بالزنى العظيم (سفر هوشع ١٧:٤).
- منْ سِبْطِ: هناك اعتقاد برمزية هذه القائمة لأنها تختلف عن الذكر المنتظم المعروف، ولكن ما هو الذكر المنتظم لقائمة الأسباط؟
- ذكرت أسماء أسباط بني إسرائيل بأكثر من عشرين طريقة مختلفة في العهد القديم، إحداها أهملت ذكر سبط دان تمامًا (أخبار الأيام الأول ٤-٧).
- إنَّ كون القائمة مختلفة، لا يعني أنها خيالية ورمزية. فمن المناسب الاعتراف بصحة هذه القوائم، وأنَّ نعتبر أن كل اختلاف يخدم غرض معين ويؤكد أمر ما.
ج ) من هؤلاء الـ ١٤٤.٠٠٠؟
- زعمت جماعات عدة بأنها الـ ١٤٤.٠٠٠ المقصودة. فعلى سبيل المثال، قال شهود يهوه بأنهم هم المقصودون، حتى فاق عددهم الـ ١٤٤.٠٠٠. والآن أصبحوا يقولون أنَّ الـ ١٤٤.٠٠٠ تمثل جماعة مختارة منهم ستذهب إلى السماء.
- يعتبر معظم اللاهوتيون بأنَّ الـ ١٤٤.٠٠٠ تمثل إما الكنيسة أو اليهود المؤمنين بالمسيح، والذين ما زالوا يُعتبرون اسرائيليين بشكلٍ ما.
- هذا موضوع مهم. فإذا كان هذا العدد يرمز إلى الكنيسة، فالكنيسة ستختبر حتمًا الضيقة العظيمة، ولكنها مختومة بالحفظ خلال هذه الضيقة.
- تعطينا بعض الحقائق من الأصحاحين ٧ و١٤ من سِفر الرؤيا دلائل على هوية الـ ١٤٤.٠٠٠.
- يدعون بني إسرائيل (رؤيا يوحنا ٤:٧).
- انتمائهم إلى اسباطهم محدَد (رؤيا يوحنا ٤:٧-٨).
- محميون ومنتصرون خلال فترة غضب الله، وسيلتقون مع المسيح على جبل صهيون عند عودته (رؤيا يوحنا ١:١٤).
- هم أطهار (رؤيا يوحنا ٤:١٤).
- هم بداية لحصاد أعظم (رؤيا يوحنا ٤:١٤).
- يُعرفون بالاستقامة والأمانة (رؤيا يوحنا ٥:١٤).
- تجعل هذه الحقائق المذكورة القول بأنَّ الـ ١٤٤.٠٠٠ صورة رمزية عن الكنيسة أمرًا صعبًا.
- لم يُطلق على الكنيسة اسم إسرائيل أبدًا في العهد الجديد، ولم يستخدمه أي مسيحي حتى عام ١٦٠ بعد الميلاد.
- انتماءاتهم إلى أسباطهم مؤكدة ومعروفة لدى الله. وحتى إن كان الله هو العالِم بها فقط، فليس هناك أي سبب لاعتبار أنَّ هذه الانتماءات رمزية، وليست حرفية.
- من الصعب تخيل أنَّ الكنيسة بأكملها ستنجو من دون أي استشهاد وستبقى طاهرة خلال فترة الضيقة. وهو ما لم يكن مطلوبًا أبدًا من الكنيسة ككل (كورنثوس الأولى ١:٧-٦).
- إذا كان الـ ١٤٤،٠٠٠ رمزًا للكنيسة جمعاء، فما هو الحصاد الأعظم هذا الذي يمثلون بدايته؟
- من الأفضل اعتبار أنَّ الـ ١٤٤،٠٠٠ هم جماعة مختارة من اليهود الذين آمنوا بالمسيح، وخُتموا بالحماية طول فترة الضيقة كعلامة.
- هم مبتدأ حصاد خلاص إسرائيل (رسالة رومية ١:١١، ٢٦، إنجيل متى ٣٧:٢٣- ٣٩).
- “هم ليسوا جزءًا من الكنيسة الأصل، لأنَّ توبتهم أتت متأخرة. ولكنهم إضافة إلى الكنيسة، أي جسد تكميلي، قريب وثمين بالنسبة للمسيح، ولكنه تكوَّن بعد أن أنهت الكنيسة الأصل سيرها.” سييس (Seiss)
ثانيًا. الجمع الكثير
أ ) الآيات (٩-١٠): المزيد من العبادة عند عرش الله.
٩بَعْدَ هذَا نَظَرْتُ وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ، وَاقِفُونَ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الْخَرُوفِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ النَّخْلِ ١٠وَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: «الْخَلاَصُ لإِلهِنَا الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ».
- جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ: إنَّ التنوع هنا دليلٌ على تتميم المأمورية العظمى قبل النهاية، كما وعد يسوع (إنجيل متى ١٤:٢٤).
- وبسبب معرفة يوحنا أنهم جاءوا مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ، نعلم الآن أنه ستكون هناك اختلافات بين البشر في السماء، كما هو الأمر على الأرض. فلن نكون متشابهين، بل أفرادًا مختلفين.
- “أتوقع أنه استطاع معرفة أصلهم بمجرد النظر إليهم. فهناك فردية في السماء. ستعطي كل بذرة ثمرها. فلن يجلس في السماء ثلاثة آباء مجهولين، ولكن هناك إبراهيم، وستعرفه؛ واسحق، وستعرفه؛ ويعقوب، وستعرفه. لن يكون هناك في السماء مجموعة أشخاص متشابهين لدرجة أنك لن تستطيع تمييز الواحد عن الآخر، ولكنهم سيكونون من كل أمة، وقبيلة، وشعب، ولسان.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَاقِفُونَ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الْخَرُوفِ: ومرةً أخرى، كل ما رآه يوحنا في السماء كان له علاقة بعرش الله. “هذا موضوع فرحهم الخاص؛ لله عرش، ووهو يجلس عليه، ويحكم كل شيء، والكل تطيعه. فالفكرة المركزية في السماء هي السيادة الإلهية.” سبيرجن (Spurgeon)
- مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ: لا تذكرنا هذه الثياب بغطاء بر المسيح فقط، ولكن بالخدمة الكهنوتية أيضًا. “فهم متسربلون استعدادًا للخدمة المقدسة، إذ يلبسون ثيابًا بيض تليق بخدمتهم الكهنوتية.” سبيرجن (Spurgeon)
- سَعَفُ النَّخْلِ: تذكرنا هذه السعف بدخول يسوع الانتصاري إلى أورشليم (إنجيل يوحنا ١٢:١٢-١٦)، حيث تمَّ تمجيد يسوع كمخلص وملك. فكلمة أوصنا تعني “خلِّص الآن!”
- كانت سَعَفُ النَّخْلِ إشارة النصر. فهي تبين احتفال الجمع الكثير بنصر عظيم. “يشير النخل، أي إشارة النصر، إلى الحرب والانتصار. فكما لا يُعطى النخل إلا في حالة الفوز هنا على الأرض، فلن يعطي الرب الجائزة لو لم تكن هناك حرب دائرة انتهت بالنصر… ومن حقيقة أنَّ المبجلين هم من يحملون النخل، نستنتج أنهم لم يأتوا من خلفية متراخية، أو رغيدة، أو مطمئنة، ولكنهم تحملوا المشقات وكانوا رجال حرب.” سبيرجن (Spurgeon)
- الْخَلاَصُ لإِلهِنَا الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ: لهم راية البر (بِثِيَابٍ بِيضٍ)، إذ يعبدون الله الذي يمنح الْخَلاَص. فهم يدركون أنَّ الله وحده هو مصدر الخلاص. ليس الخلاص شيئًا نكتسبه باستحقاق، ولكنه مُعطًا من قِبل الله.
- يعتبر المؤمنون على الأرض أحيانًا بأنَّ خلاصهم هو تحصيل حاصل. على عكس الجمع الكثير هذا في السماء.
ب) الآيات (١١-١٢): المخلوقات السماوية جميعها تشترك في السجود.
١١وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ كَانُوا وَاقِفِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ، وَالشُّيُوخِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ، وَخَرُّوا أَمَامَ الْعَرْشِ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَسَجَدُوا للهِ ١٢قَائِلِينَ: «آمِينَ! الْبَرَكَةُ وَالْمَجْدُ وَالْحِكْمَةُ وَالشُّكْرُ وَالْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالْقُوَّةُ لإِلهِنَا إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ!»
- وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ… وَالشُّيُوخِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ… سَجَدُوا ِللهِ: بينما سجد الجمع الكثير لله، اشترك جميع من في السماء معهم في التسبيح. واشتركت جميع المخلوقات حول العرش في التسبيح.
- الْبَرَكَةُ وَالْمَجْدُ وَالْحِكْمَةُ، وَالشُّكْرُ وَالْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالْقُوَّةُ: أدركت المخلوقات السماوية قوة وحكمة ومجد الله أثناء استماعها للعبادة التي كان الجمع الكثير يقدمها إلى الله. فكانوا يعبدون الله بشكل أكبر إذ رأوا الخلاص الذي جلبه إلى الجمع الكثير.
ج ) الآيات (١٣-١٤): هوية الجمع الكثير.
١٣وَأجَابَ وَاحِدٌ مِنَ الشُّيُوخِ قَائِلًا لِي: «هؤُلاَءِ الْمُتَسَرْبِلُونَ بِالثِّيَابِ الْبِيضِ، مَنْ هُمْ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَتَوْا؟» ١٤فَقُلْتُ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، أَنْتَ تَعْلَمُ». فَقَالَ لِي: «هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ أَتَوْا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْخَرُوفِ.
- أجَابَ وَاحِدٌ مِنَ الشُّيُوخِ: كان من المهم أن يعرف يوحنا هوية الجمع الكثير هذا. ولكنه لم يعرف أنَّ عليه المبادرة بالسؤال، فقام وَاحِدٌ مِنَ الشُّيُوخِ بحثه على ذلك.
- هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ أَتَوْا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ: يمثِّل هذا الجمع الغفير، من كل قبيلة ولسان وأمة، الذين تم إنقاذهم لمملكة الله في فترة الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ.
- عانى هؤلاء من المصاعب على الأرض خلال الضيقة العظيمة. فطبقًا لقواعد اللغة اليونانية القديمة في هذا المقطع، أداة التعريف “ال” معطوفة. فكان هذا وقت ضِّيقَةِ عَظِيمَةِ لهذا الجمع الكثير. ويدفع هذا الكثير للاعتقاد أنَّ هذا الجمع في معظمه إن لم يكن بأكمله هو من الشهداء في فترة الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ.
- إنَّ وجود عدد كبير من قديسي فترة الضيقة تعبيرٌ قوي عن نعمة الله ورحمته. فبالرغم من كونه وقت دينونة وغضب على الأرض، إلا أنَّ الكثيرين سيخلصون.
- بسبب ذِكر الجمع الكثير مباشرةً بعد الـ ١٤٤.٠٠٠، يظن الكثيرون بأنهم ولو جزئيًا حصيلة خدمة الـ ١٤٤.٠٠٠ خادم. فربما يكون هؤلاء الـ ١٤٤.٠٠٠ مبشرين ممن يساعدون في جني هذا الحصاد الكثير لمملكة الله خلال الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ.
- غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْخَرُوفِ: إنَّ خلاص هؤلاء في فترة الضيقة العظيمة مشابه لخلاص غيرهم من البشر، فالخلاص هو بدَمِ الْخَرُوفِ. فموتهم، وإن كانوا شهداء، لن يخلصهم. عمل المسيح وحده يستطيع أن يطهِّر ويخلِّص.
- “غسلوا ثيابهم وبيضوها في دم الخروف. لم يتطهر أحدٌ منهم من خلال دموع توبته، أو من خلال سفك دم ثيران وجداء. فالجميع بحاجة لذبيحة كفارية، ولم توجد أي ذبيحة كافية لأيٍّ منهم، إلا موت الرب يسوع المسيح. فلم يغسلوا ثيابهم إلا في دم الخروف.” سبيرجن (Spurgeon)
- إنَّ تعبير ’وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْخَرُوفِ‘ مثير للاهتمام: فنحن لا نفكر بتبييض الأشياء من خلال وضعها في الدم. ولكنَّ دم المسيح يطهرنا. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ. (سفر إِشعياء ١٨:١)
د ) الآيات (١٥-١٧): ماذا يفعل الجمع الكثير، وكيف تتم مباركته.
١٥مِنْ أَجْلِ ذلِكَ هُمْ أَمَامَ عَرْشِ اللهِ، وَيَخْدِمُونَهُ نَهَارًا وَلَيْلًا فِي هَيْكَلِهِ، وَالْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ. ١٦لَنْ يَجُوعُوا بَعْدُ، وَلَنْ يَعْطَشُوا بَعْدُ، وَلاَ تَقَعُ عَلَيْهِمِ الشَّمْسُ وَلاَ شَيْءٌ مِنَ الْحَرِّ، ١٧لأَنَّ الْخَرُوفَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ، وَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ».
- هُمْ أَمَامَ عَرْشِ اللهِ: يستمتع المخلصون في السماء بحضور الله المباشر. فيستطيعون الدخول مباشرة إلى غرفة العرش والمثول أمام الله. فلا توجد أي حواجز أو لوائح انتظار.
- اختبر هؤلاء القديسون المصاعب على الأرض، وانتصروا عليها. ولكن لم تكن مصاعبهم من ضَمَن لهم الخلاص، بل يسوع وعلاقة الإيمان به. “المصاعب بحد ذاتها لا تطهر أحدًا، بل العكس. أنا أؤمن في المصاعب الطاهرة، لا المصاعب التي تمنح التطهير.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَيَخْدِمُونَهُ نَهَارًا وَلَيْلًا: يخدم المخلصون الله في السماء. لا نعلم كيف يتم ذلك على وجه التحديد، ولكنه يحدث على أية حال. “ليست السماء مكان راحة من تعب الحياة فقط، ولكنها أيضًا مكان لخدمة مميزة.” والفورد (Walvoord)
- وَالْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ: سيسكن الله مع شعبه في السماء. وهذه تحقيق كامل لرغبة قلب الملك داود في مزمور ٤:٢٧ “وَاحِدَةً سَأَلْتُ مِنَ الرَّبِّ وَإِيَّاهَا أَلْتَمِسُ: أَنْ أَسْكُنَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى جَمَالِ الرَّبِّ، وَأَتَفَرَّسَ فِي هَيْكَلِهِ.”
- الْخَرُوفَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ: سيدرك المخلصون في السماء لطف محبة ورعاية مخلصهم. فهو سيحميهم من كل محنة (لَنْ يَجُوعُوا بَعْدُ، وَلَنْ يَعْطَشُوا بَعْدُ، وَلاَ تَقَعُ عَلَيْهِمِ الشَّمْسُ وَلاَ شَيْءٌ مِنَ الْحَرِّ). وسيلبي جميع احتياجاتهم (وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ).
- إنَّ المسيح يرعانا الآن، فهو بقربنا ويهتم بنا الآن. ولكنه سيفعل ذلك أكثر جدًا في السماء. “إنَّ الحياة المسيحية الحقيقية عندما نعيش قرب الله، ما هي إلا نموذج أولي لما سيكون بشكل ٍكاملٍ في السماء. وكما يفعل الفنان، فهو يرسم بقلم الرصاص أو الفحم رسمًا أوليًا لصورته. ولكننا نستطيع من هذا الرسم البسيط أن نخمن ما ستكون عليه الصورة النهائية.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ: لن يعاني المخلصون في السماء من أي حزن أو ألم. فمعاناة وألم هذه الحياة الأرضية زائل، والدموع أصبحت من الماضي، لأنَّ الله سيمسح كُلَّ دَمْعَةٍ.
- يا لرقة هذه المحبة! لنتخيل يد أم حنونة تمسح الدموع من على وجه طفلها. فالله يحبنا بنفس هذه الطريقة.
- وندرك أيضًا أنَّ كُلَّ دَمْعَةٍ ستُمسح في السماء فقط. ولكننا سنتحمل نصيبنا من الألم والدموع على هذه الأرض ونجلبها أمام الله. فهو يُظهر محبته الآن بمواساتنا وإمدادنا بالقوة لمواجهة دموعنا. ولكن يومًا ما في السماء، وليس الآن، سيمسح هذه الدموع إلى الأبد.
- لا تحمل هذه الفقرة فكرة أننا في السماء سنبكي على حياتنا الضائعة أو الخطية غير المعترف بها، ولكن الله سيمسح هذه الدموع. قد تكون هذه الفكرة قوية وقادرة على جعلنا نشعر بالذنب، ولكن لا علاقة لها بمعنى هذه الآية. “سيزول الحزن ودموع الماضي التي تتحدث عن مصاعب فترة الضيقة عندما نذهب إلى السماء… فسيمسح الله كل دمعة سببتها المعاناة على الأرض.” والفورد (Walvoord)
- قد يتساءل البعض، “كيف يمكن ألّا يكون للحزن وجود في السماء إذا كان لنا أقارب أو أحباء هالكون في الجحيم؟ ألن نشعر بالحزن من أجلهم؟” أجاب سبيرجن (Spurgeon) عن هذا السؤال بطريقة جيدة: “والآن كيف يكون هذا؟ إذا أخبرتني عن الإجابة، فسأكون مسرورًا، لأنني لا أعرف الإجابة. ولكني لا أعتقد أننا سنكون أقل محبة وعطفًا وودًا، بل أعتقد أن هذه ستزيد، لكن هذه المشاعر ستكون نقية وطاهرة. فبينما نتعاطف مع المعذبين، فكرهنا للخطية سيوازن الأمور. وقد يكون خضوعنا التام لإرادة الله هو السر لذلك، ولكن ليس من شأني أن أخمن، فلست أعلم أي منديل سيستخدمه الرب ولكنني أعلم أنه سيمسح كل دمعة على وجوههم، بما فيها تلك الدموع.”