رؤيا يوحنا – الإصحاح ١٩
المسيح يعود كالرب المنتصر
أولًا. تسبيحٌ في السماء
أ ) الآيات (١-٥): تسبيح لدينونة بابل.
١وَبَعْدَ هذَا سَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ فِي السَّمَاءِ قَائِلًا: «هَلِّلُويَا! الْخَلاَصُ وَالْمَجْدُ وَالْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ لِلرَّبِّ إِلهِنَا، ٢لأَنَّ أَحْكَامَهُ حَقٌ وَعَادِلَةٌ، إِذْ قَدْ دَانَ الزَّانِيَةَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي أَفْسَدَتِ الأَرْضَ بِزِنَاهَا، وَانْتَقَمَ لِدَمِ عَبِيدِهِ مِنْ يَدِهَا». ٣وَقَالُوا ثَانِيَةً: «هَلِّلُويَا! وَدُخَانُهَا يَصْعَدُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ». ٤وَخَرَّ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا وَالأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتِ وَسَجَدُوا للهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ قَائِلِينَ: «آمِينَ! هَلِّلُويَا!». ٥وَخَرَجَ مِنَ الْعَرْشِ صَوْتٌ قَائِلًا: «سَبِّحُوا لإِلهِنَا يَا جَمِيعَ عَبِيدِهِ، الْخَائِفِيهِ، الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ!».
- جَمْعٍ كَثِيرٍ فِي السَّمَاءِ: رأينا في سفر الرؤيا ٩:٧-١٤ جمعًا كثيرًا يُنقذ من الضيقة العظيمة، متجهزين لنهاية نظام العالم وحكم ضد المسيح على الأرض. وهنا، يشترك جَمْعٍ كَثِيرٍ والأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا وَالأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتِ، بالاحتفال بسقوط ضد المسيح ونظام العالم الداعم له.
- صرخ جزءٌ من الجمع الكثير – القديسون الشهداء الذين قُتلوا على يد ضد المسيح خلال الضيقة العظيمة – طالبين دينونة الله العادلة في رؤيا يوحنا ١٠:٦. فأخيرًا قد استجيبت صلواتهم.
- هَلِّلُويَا… هَلِّلُويَا… هَلِّلُويَا: ترِد هذه الكلمة الرائعة، المأخوذة من اللغة العبرية، أربع مرات في الأصحاح ١٩ من سِفر الرؤيا، ولكنها غير موجودة في العهد الجديد. فمكانها هنا – لأنَّ شعب الله يفرحون بلا أي تحفظ بانتصاره على بابل.
- هَلِّلُويَا كلمة عبرية تعني “سبحوا الرب،” وهي بصيغة الأمر. ففيها تشجيع وحث على تسبيح الرب!
- يبدو أنَّ البعض يخشون قول هَلِّلُويَا، ولكننا جميعًا سنقولها في السماء. إنها كلمة رائعة لا يجدر بنا أبدًا استخدامها من دون تفكير.
- “يعتبر انسلم (Anselm)، أسقف مدينة كانتربري الأنجليزية، أنها كلمة ملائكية، ولا يمكن أن تكون نتاج أي لغة بشرية. متفقًا مع أغسطينوس في أنَّ قولها والشعور بها يجسد جميع نِعَم السماء.” سييس (Seiss)
- لأَنَّ أَحْكَامَهُ حَقٌّ وَعَادِلَةٌ: توجد ذروة الأصحاح ١٨ من سِفر الرؤيا في هذا المقطع. ففي الأصحاح ١٨، يرثي أصدقاء بابل سقوطها، ولكن شعب الله يحتفل بهذا السقوط.
- قَدْ دَانَ الزَّانِيَةَ الْعَظِيمَةَ… وَانْتَقَمَ لِدَمِ عَبِيدِهِ مِنْ يَدِهَا: تركز العبادة هنا على أعمال الله العظيمة، وخصوصًا عمل الدينونة العادل.
- وَخَرَجَ مِنَ الْعَرْشِ صَوْتٌ: قد يكون الصوت الخارج من عرش الله هو صوت المسيح، ولكنه على الأغلب صوت أحد الملائكة القائمة على خدمة عرش الله.
ب) الآيات (٦-٩): تسبيح عرس الخروف.
٦وَسَمِعْتُ كَصَوْتِ جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَكَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَكَصَوْتِ رُعُودٍ شَدِيدَةٍ قَائِلَةً: «هَلِّلُويَا! فَإِنَّهُ قَدْ مَلَكَ الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. ٧لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ! لأَنَّ عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا. ٨وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ». ٩وَقَالَ لِيَ: «اكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ!». وَقَالَ: «هذِهِ هِيَ أَقْوَالُ اللهِ الصَّادِقَةُ».
- كَصَوْتِ جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَكَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَكَصَوْتِ رُعُودٍ شَدِيدَةٍ: إنَّ قمة التسبيح على الأرض ما هي إلا ظل خافت لما تصفه هذه الآيات. وفي هذه النقطة، يصل سِفر الرؤيا إلى تتميم خطة الله للتاريخ بأكمله. ونصل جميعنا أيضًا إلى قمة التسبيح.
- من الواضح أنه تسبيح صاخب وحماسي. وبينما من الممكن أن نجعل من التسبيح والعبادة أمرًا ذاتي التركيز على مشاعرنا أو تعبيرًا جسديًا، فلا يوجد أي خطب في التسبيح الصاخب والحماسي. ومع خصوصية وجمال أوقات الخلوة الهادئة التي لا بديل عنها مع الله، فهناك أيضًا أمرٌ رائع في وجود عدد كبير من المسيحين الذين يعبدون الله بحماسٍ صادق.
- “علينا ألا نعبد الله بفتور، وكأنه واجبٌ علينا أن نمجد الله، وأن نشعر بأنه أمرٌ متعب، فنسعى لإنجازه بأسرع وقت ممكن، وكلما أسرعنا بذلك، كلما كان ذلك أفضل. لا، لا؛ ’كُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ.‘ استيقظ يا قلبي، واستجمع قواك! فالعبادة الظاهرية سهلة، ولكنها بلا قيمة. استيقظي يا نفسي، استيقظي!” سبيرجن (Spurgeon)
- “يجب على المؤمن أن يفعل كل شيء بفرح، وخصوصًا تسبيح الرب. كنت بين جماعة مصلين حيث كان الترنيم كئيبًا لدرجة كبيرة، وحيث مضى الوقت بطيئًا لدرجة جعلتنا نتساءل إن كانوا سينتهون من قراءة مزمور ١١٩، أو – إن استخدمنا تعبير وات (Watt) – إذا كانت الأبدية كافية لجعلهم ينتهون منه. كما وكانت أرواح الناس كئيبة وثقيلة وميتة، بحيث ظننا أنهم اجتمعوا لحضور عملية إعدام، لا لتمجيد الله.” سبيرجن (Spurgeon)
- “السماء ستبقى السماء دائمًا، فهي مليئة بالنعم بشكلٍ لا يوصف. ولكن للسماء أيضًا أيام فرحها، وللبركات أيضًا فيضها. وفي ذلك اليوم عند مجيء فيض السعادة غير المحدود، لك أن تتخيل كم السرور الذي سيغمر نفوس الأرواح الممجدة… لا نعرف بعد، أيها الأحباء، مقدار السعادة التي نستطيع تحملها.” سبيرجن (Spurgeon)
- عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ: إحدى الأسباب التي جعلت هذا الجمع الكثير يمتلئ بالتسبيح هو حلول الوقت الذي سيجتمع فيه خروف الله مع شعبه، فهو اتحادٌ حميم بحيث يُقارن بزواج الرجل من المرأة.
- إنَّ عرس الخروف، الذي هو المسيح، عبارة عن صورة كثيرة الاستخدام في الأسفار المقدسة. ففي العهد القديم، تُقدَم اسرائيل بصفتها عروس لله، التي غالبًا ما تكون غير وفية لزوجها (هوشع ١٩:٢-٢٠،إِشعياء ٥:٥٤، حزقيال ١٦). وفي العهد الجديد، تُقدَم الكنيسة بصفتها عروس المسيح، التي تنتظر يوم عرسها (كورنثوس الثانية ٢:١١، رسالة أفسس ٢٥:٥-٣٢).
- “كان الزواج يتألف من حدثين رئيسين في أيام الكتاب المقدس، الخطوبة والعرس. وكان يفصل بينهما في العادة فترة زمنية يُعتبر فيها الاثنان زوجًا وزوجة ويلتزمان بالوفاء لبعضهما البعض. يبدأ العرس بموكبٍ متوجه إلى بيت العروس، ويُتبع بالرجوع إلى بيت العريس حيث وليمة العرس. وبالمقارنة، تزوجت الكنيسة المسيح بالإيمان، وتنتظر الآن مجيء العريس السماوي ليأخذ عروسه ويعود إلى السماء حيث وليمة العرس التي ستدوم إلى الأبد.” مونس (Mounce)
- وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا: “ماذا نفعل لنهيئ أنفسنا للعرس؟ هناك الكثير لنفعله، ولكنه في النهاية عمل يفعله الله فينا (أفسس ٢٥:٥-٢٧). وتأكدت هذه النقطة عندما قال يوحنا: وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا.
- في هذا الاتحاد المثالي مع المسيح، سيكون شعبه نقيًا بهيًا أمامه. “يعكس النقاء (katharos) الطهارة والولاء والأمانة، صفات أورشليم الجديدة… أما البهاء (lampros) فهو لون الأبيض المشع الذي يصف التمجيد.” جونسون (Johnson)
- لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ: خُلق المؤمنون لأعمالٍ صالحة سبق الله فأعدها. وهذه (التَبَرُّرَاتُ) هي ما يملأ صندوق هدايا عروس المسيح.
- تكلم بولس عن شهوة قلبه بأن يعاين المؤمنون الرب وهم بحالة الطهارة: “فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُل وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ” (كورنثوس الثانية ٢:١١). وهذا يجب أن يكون اشتهاء قلب كل خادم مسيحي.
- طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ: طوبى لهم بالفعل، فالمسيح نفسه متشوق لعشاء هذا العرس. وقد تكلم بشوق عن اليوم الذي يشرب فيه ثانيةً مع تلاميذه من نتاج الكرمة في الملكوت السماوي (إنجيل متى ٢٩:٢٦).
- وفقًا للثقافة اليهودية، كان عشاء العرس أفضل مأدبة أو حفل عرفه الناس. فدائمًا ما كانت هذه المناسبة تجلب الفرح الكثير. ووفقًا للتعاليم التقليدية لمعلمي اليهود، كانت طاعة الوصايا تُعلَّق خلال الاحتفال بالعرس إذا ما أصبحت سببًا في التقليل من بهجة المناسبة.
- سيرى الجميع الكنيسة بصورتها الحقيقية: كعروس المسيح الثمينة. “إنَّ عروس المسيح هي سندريلا اليوم، الجالسة بين الرماد. فهي مثل سيدها، ’مرفوضة ومكروهة من الناس‘ ومضروبة من الحراس الذين ينتزعون خمارها منها، لأنهم لا يعرفون من هي، كما لم يعرفوا سيدها من قبلها. ولكن عندما يظهر، ستظهر هي أيضًا، وفي تجليه الممجد، ستسطع هي أيضًا سطوع الشمس في مملكة الآب.” سبيرجن (Spurgeon)
- هذِهِ هِيَ أَقْوَالُ اللهِ الصَّادِقَةُ: هذه الملاحظة كفيلة بأن تطمئننا. فهذا التتميم المنتظر سيحدث، ورغم أنه أمرٌ صعب التصديق، إلا أنه سيحدث.
ج ) الآية (١٠): سجود يوحنا للملاك، وتصحيح سلوكه.
١٠فَخَرَرْتُ أَمَامَ رِجْلَيْهِ لأَسْجُدَ لَهُ، فَقَالَ لِيَ: «انْظُرْ! لاَ تَفْعَلْ! أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ. اسْجُدْ ِللهِ! فَإِنَّ شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النُّبُوَّةِ».
- فَخَرَرْتُ أَمَامَ رِجْلَيْهِ لأَسْجُدَ لَهُ: كيف يرتكب رجل تقي كيوحنا خطًا فادحًا كهذا؟ “قد يكون يوحنا قد أحس بأنَّ الملاك يُمثِل الله، أو أنه كان بجواره في خضم الحماس بالتتميم الممجد.” روبرتسون (Robertson)
- انْظُرْ! لاَ تَفْعَلْ!: لا يجوز أن يُسجد لأي مخلوق. بعكس المسيح، الذي قبل سجود الملائكة (عبرانيين ٦:١) والبشر (متى ٢:٨، ٣٣:١٤، يوحنا ٣٨:٩).
- أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ: هناك فروقات هامة بين البشر والملائكة، ولكن كلاهما يخدمان السيد نفسه.
- فَإِنَّ شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النُّبُوَّةِ: دائمًا ما تُظهِر روح النبوة الحقيقية نفسها في الشهادة للمسيح. “فأي تعليم أو نبوة تأخذ أذهاننا وقلوبنا بعيدًا عنه، هي غير صحيحة.” هوكنج (Hocking)
- “يعني هذا بأنَّ النبوة في جوهرها مصممة لكشف جمال وسحر مخلصنا وربنا يسوع المسيح.” والفورد (Walvoord)
ثانيًا. عودة يسوع المسيح إلى أرض عدوانية
أ ) الآيات (١١-١٦): عودة المسيح إلى الأرض مع جيش من السماء.
١١ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِينًا وَصَادِقًا، وَبِالْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ. ١٢وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ، وَلَهُ اسْمٌ مَكْتُوبٌ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إِّلاَ هُوَ. ١٣وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى اسْمُهُ «كَلِمَةَ اللهِ». ١٤وَالأَجْنَادُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ عَلَى خَيْل بِيضٍ، لاَبِسِينَ بَزًّا أَبْيَضَ وَنَقِيًّا. ١٥وَمِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ لِكَيْ يَضْرِبَ بِهِ الأُمَمَ. وَهُوَ سَيَرْعَاهُمْ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ، وَهُوَ يَدُوسُ مَعْصَرَةَ خَمْرِ سَخَطِ وَغَضَبِ اللهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. ١٦وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ اسْمٌ مَكْتُوبٌ: «مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ».
- ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا: كان كل ما سبق في سِفر الرؤيا بمثابة المقدمة لإعلان (ظهور) المسيح يسوع. إذ أنه يعود الآن إلى الأرض بمجدٍ وقوة.
- وفقًا للآية في زكريا ٣:١٤-٤، ستطأ قدما المسيح أرض جبل الزيتون في أورشليم أولًا عند عودته. وفي هذا تتميم لمناجاة النبي إشعياء ١:٦٤-٢ “لَيْتَكَ تَشُقُّ السَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ! مِنْ حَضْرَتِكَ تَتَزَلْزَلُ الْجِبَالُ. كَمَا تُشْعِلُ النَّارُ الْهَشِيمَ، وَتَجْعَلُ النَّارُ الْمِيَاهَ تَغْلِي، لِتُعَرِّفَ أَعْدَاءَكَ اسْمَكَ، لِتَرْتَعِدَ الأُمَمُ مِنْ حَضْرَتِكَ.”
- “إنَّ صلاة الخلاص هذه ستتلوها شفاه الشعب اليهودي وهم يحاولون النجاة في فترة الضيقة العظيمة. وعلى عكس ما يبدو الآن، سيصرخون إلى مسيحهم يسوع طالبين النجاة، وسيقبلون كشعب المسيح مخلصًا لهم. كما قال يسوع في إنجيل متى ٣٩:٢٣ “لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَني مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!” سترجع اسرائيل كأمة بقلبها إلى المسيح، بعد أن تعاني بشدة من اضطهاد ضد المسيح المريع لهم. وسيخلصهم المسيح في الهزيع الرابع.
- سيأتي المسيح عند عودته إلى الأرض ممتطيًا فرسًا أبيضًا. كان معظم الجنود وخصوصًا في اسرائيل جنودًا مُشاة في زمن الكتاب المقدس. وكان يُعد امتلاك فرس في المعركة ميزة كبيرة. فالفرس رمز للشرف والقوة والسرعة. أما لون هذا الفرس فيدل على النصر.
- أَمِينًا وَصَادِقًا: يبين هذا العنوان المجيد أنَّ المسيح هو حافظ الوعود، بما فيها تلك الوعود التي تخص الدينونة.
- بِالْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ: يأتي المسيح كقاضٍ وقائد ليعلن الحرب. والعالم الذي رفضه قبلًا يعود ويرفضه أيضًا، ولكن هذه المرة، يدين المسيح من يرفضه.
- “يحب العالم الديانة المعتدلة المسالمة، ولهذا نجده دائمًا على استعداد لتبجيل صورة جليليّة شاحبة عن المسيح، مسيح هزيل، وإعطائه جرعة محدودة ومنطقية من الإجلال.” تورانس (Torrance)
- “أي تصور عن الله يعمل على إزالة الدينونة وكرهه للخطيئة لمصلحة عقيدة ضعيفة تعتمد على التأثير العاطفي، لن يكون له مكان في واقعية وقوة آخر الأيام.” مونس (Mounce)
- هذا مسيح لا يمكن التحكم به. فهنا نرى يسوع كشخص يريد اهتمامنا، ولكن خضوعنا أيضًا.
- من الجيد أن نتذكر بأنَّ ظهور الدينونة بشكل منظور يأتي بعد وقتٍ طويل من النعمة وطول الأناة والرحمة. فلم تأتِ الدينونة على عجل. فقد أظهر المسيح جانب الرحمة والغفران والنعمة تجاه هذا العالم الساقط. وهو يأتي الآن ليدين هذا العالم القاسي والمنجرف في عصيانه له.
- “تشير هذه المقاطع جميعها إلى الاستنتاج المحزن بأنَّ الأوان سيكون قد فات لقبول رحمة الله يوم الدينونة. فلا يوجد شيء أكثر قسوةً من الدينونة الإلهية بعد أن توقف زمن النعمة. إذ يتعارض مشهد الدينونة الفظيع هذا مع وجهة النظر الحديثة التي ترى الله فقط من خلال صفة محبته (وتهمل الصفات الأخرى).” والفورد (Walvoord)
- تذكر بأنه يفعل هذا كله بحسب عدله وبره. “فالحروب التي يشنها لم تكن وليدة الطموح، أو اشتهاء السلطة، أو امتدادًا لغزو واستيطان. فهي عادلة بالمبدأ والهدف. وهذا ما لا يستطيع أي ملك أرضي قوله.” كلارك (Clarke)
- “إنَّ يسوع هو الملك الوحيد الذي يحارب دائمًا بهذه الطريقة. هناك استثناءات للقاعدة العامة، ولكن الحرب لطالما كانت مخادعة ودمويَّة، وكلمات الدبلوماسيين ما هي إلا مجموعة من الأكاذيب. فما الحرب إلا قضية تخلو من الصدق، فهي أمرٌ بغيض مُحِب للكذب وكارهٍ للعدل. ولكن بالنسبة لملكنا، فهو يدين ويشن الحرب بالعدل. ومملكة المسيح لا تحتاج إلى غش: فأسلحة حربنا هي الكلام الصريح والحقيقة الخالصة.” سبيرجن (Spurgeon)
- عَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ: “لماذا كانت عيناه كلهيب نار؟ أولًا، لتمييز أسرار القلوب. فلا توجد هنا أي أسرار لا يستطيع المسيح رؤيتها. ولا يوجد أي فكر بذيء أو شك، لا يستطيع المسيح معرفته. ولا يوجد أي رياء أو تمسك بالقشور أو غش، لا يستطيع كشفه بسهولة كما يقرأ البشر صفحة من كتاب. فعيناه كلهيب نار ليعرفنا ويكشف أعماق أرواحنا.” سبيرجن (Spurgeon)
- عَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ: كان يسوع متوجًا بتاج من الشوك في آخر مرة كان فيها على الأرض، ولكن ليس في سفر الرؤيا ١٩. والآن، هو متوج بتِيجَان كَثِيرَة. إنَّ الكلمة اليونانية القديمة المستخدمة للإشارة إلى التيجان هنا هي diadema، تاج الملكية والسلطة، وليس التاج الذي ناله استفانوس، تاج إتمام السعي.
- وجود التيجان الكثيرة يعني أنَّ يسوع هو صاحب السُلطة الملكيَّة والقدرة المطلقة. وهذا تعبير مرئي لما نعنيه عندما نقول مَلِكُ الْمُلُوكِ. فهو تعبير عن سيادة غير محدودة.
- هُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ: ثوبه مَغْمُوس (أو مرشوش) بالدم. يختلف اللاهوتيون حول مصدر هذا الدم. فهو إما أن يكون دمه (مذكرًا إيانا بالصليب)، أو دم أعداءه. والاحتمالان ممكنان.
- الأَجْنَادُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ: هؤلاء هم شعب الرب (رؤيا يوحنا ١٤:١٧، يهوذا ١٤-١٥). فهناك القليل من الشك حول مرافقة الملائكة للمسيح وشعبه. ولكن الفكرة الرئيسية هي أنَّ ابن الله سيقود شعب الله من السماء تجاه الأرض.
- لا يوجد ذِكر لأي نوع من الذخيرة أو السلاح بحوزة أي جندي في الجيش العظيم الذي يتبع المسيح. فالذخيرة أو السلاح الوحيد بحوزتهم هو بالضبط ما يحتاجونه: لاَبِسِينَ بَزًّا أَبْيَضَ وَنَقِيًّا.
- مِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ: لا يعني هذا بأنَّ المسيح يحمل سيفًا في فمه كالقرصان أو أنه ’يبصق السيوف.‘ فهذه طريقة درامية للإشارة إلى قوة كلمته. “يغلب المسيح بقوة كلمته” جونسون (Johnson). يشدد يوحنا خمس مراتٍ في سِفر الرؤيا على أنَّ سيف المسيح خارجٌ مِنْ فَمِهِ.
- هُوَ سَيَرْعَاهُمْ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ: سيملك المسيح ويحكم بغلبة، وسيحكم الأمم بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ كما تنبأ مزمور ٢. فيأتي كملك الملوك حالًا محل كل ملكٍ حاكمٍ على الأرض.
- “لا يعني هذا إدخال المبادئ المسيحية إلى الحكومات الحالية، أو التحول الروحي للدول والإمبراطوريات، والإبقاء عليهم مع جعلهم مؤمنين لإظهار جزءٍ من روح المسيح في حكمهم. ولكنه يعني الإزاحة التامة لجميع السلطات والحكومات الأرضية، وانتزاع كل سيادة وسلطة من أيديهم، ووضعها بين يدي المسيح، الملك الحقيقي والوحيد للعالم.” سييس (Seiss)
- لَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ اسْمٌ مَكْتُوبٌ: «مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ»: الاسم مكتوب على فَخْذِهِ بهدف إبرازه، فيمكن رؤيته بسهولة عند امتطائه للفرس. وفي الوقت نفسه، لم يعرف أحدًا (الاسم) إلا هو، أي لا يستطيع أحد فهمه تمامًا.
- يعتقد كلارك (Clarke) وغيره بأنَّ الاسم المكتوب ولم يعرفه أحد غيره هو الأربعة حروف التي تؤلف اسم يهوه، اسم الله المقدس.
ب) الآيات (١٧-١٨): دعوة العشاء العظيم.
١٧وَرَأَيْتُ مَلاَكًا وَاحِدًا وَاقِفًا فِي الشَّمْسِ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلًا لِجَمِيعِ الطُّيُورِ الطَّائِرَةِ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ: «هَلُمَّ اجْتَمِعِي إِلَى عَشَاءِ الإِلهِ الْعَظِيمِ، ١٨لِكَيْ تَأْكُلِي لُحُومَ مُلُوكٍ، وَلُحُومَ قُوَّادٍ، وَلُحُومَ أَقْوِيَاءَ، وَلُحُومَ خَيْل وَالْجَالِسِينَ عَلَيْهَا، وَلُحُومَ الْكُلِّ: حُرًّا وَعَبْدًا، صَغِيرًا وَكَبِيرًا».
- مَلاَكًا وَاحِدًا وَاقِفًا فِي الشَّمْسِ: يبين هذا مقدار لمعان هذا الملاك جراء مجد الرب. ويمكن رؤية الملاك مع أنه واقف أمام الشمس. “يقف هذا الملاك في ضوء الشمس، ومن المحتمل أنَّ هذا الملاك يشع أكثر من الشمس.” والفورد (Walvoord)
- قَائِلًا لِجَمِيعِ الطُّيُورِ الطَّائِرَةِ: هذا تحضير لحرب هرمجدون الدموية، “في تصوير واقعي مخيف.” اردمان (Erdman)
- لُحُومَ مُلُوكٍ، وَلُحُومَ قُوَّادٍ: إنَّ تكرار كلمة لُحُوم (خمس مرات) له دلالة. “دخل الجنس البشري في عداوة مع الله، إذ عاشوا بحسب شهوات الجسد، وقد نفدت الآن أيام صبره.” بارنهاوس (Barnhouse)
- ويبين هذا أيضًا بأنَّ الدينونة ستشمل الجميع على اختلاف مراكزهم. فستتم إدانة القاصي والداني معًا، إذا ما استمروا برفض المسيح. “إنَّ الدينونة الإلهية للأشرار لا تميِّز بين الأشخاص أو المراكز، فهي تساوي بين الجميع.” والفورد (Walvoord)
- اجْتَمِعِي إِلَى عَشَاءِ الإِلهِ الْعَظِيمِ: يشير نيويل (Newell) إلى أربع مناسبات عشاء مختلفة مذكورة في الكتاب المقدس.
- عشاء الخلاص، المذكور في المثل الذي قاله يسوع (لوقا ١٦:١٤-٢٤).
- عشاء الرب، احياءً لذكرى صلب المسيح.
- عشاء عرس الخروف.
- عشاء الله العظيم.
- إذا رفضت العشاء الأول، لن يعني لك العشاء الثاني شيئًا. ولن تكون حاضرًا في العشاء الثالث، ولكن ستكون حاضرًا في العشاء الرابع. فسيتاح للجميع الاشتراك في عشاءٍ واحدٍ على الأقل، ولكن البعض سيأكل وآخرون ابتدأوا الأكل في مناسبات العشاء هذه.
ج ) الآيات (١٩-٢١): حرب وانتصار يسوع المسيح.
١٩وَرَأَيْتُ الْوَحْشَ وَمُلُوكَ الأَرْضِ وَأَجْنَادَهُمْ مُجْتَمِعِينَ لِيَصْنَعُوا حَرْبًا مَعَ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ وَمَعَ جُنْدِهِ. ٢٠فَقُبِضَ عَلَى الْوَحْشِ وَالنَّبِيِّ الْكَذَّابِ مَعَهُ، الصَّانِعِ قُدَّامَهُ الآيَاتِ الَّتِي بِهَا أَضَلَّ الَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ الْوَحْشِ وَالَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِهِ. وَطُرِحَ الاثْنَانِ حَيَّيْنِ إِلَى بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ. ٢١وَالْبَاقُونَ قُتِلُوا بِسَيْفِ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ الْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ، وَجَمِيعُ الطُّيُورِ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ.
- أجْنَادَهُمْ مُجْتَمِعِينَ لِيَصْنَعُوا حَرْبًا مَعَ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ: يواجه البعض صعوبة في فهم حماقة الإنسان في محاولته شن حرب ضارية لإبعاد المسيح والجيش السماوي عن الأرض. فيطنون بأنَّ هذه الجيوش اجتمعت أولًا لتقاتل بعضها بعضًا، ومن ثم حولت غضبها نحو المسيح العائد. وقد تكون هذه هي الحال، ولكن لا يجب علينا أن نقلل من حماقة الإنسان وكرهه لله.
- “هذه هي حماقة الخطية المستعصية، التي تحارب برغم الهزائم المتكررة، ضد الله القدوس.” نيويل (Newell)
- لِيَصْنَعُوا حَرْبًا ضده: هذا امتداد لحرب الإنسان المتواصلة ضد الله منذ السقوط. وقد أصبحت قابلة للتصديق كفكرة أنَّ الله أتى إلى الأرض وقتله البشر.
- لِيَصْنَعُوا حَرْبًا: لم يكتب يوحنا وصفًا للمعركة. فهذه مسألة من طرفٍ واحد، وهي عبارة عن عمل دينونة بسيط أكثر من كونها معركة أو حربًا ممتدة. “إنَّ معركة هرمجدون هي سخرية الله من غطرسة الإنسان في أوجها.” بارنهاوس (Barnhouse)
- فَقُبِضَ عَلَى الْوَحْشِ وَالنَّبِيِّ الْكَذَّابِ مَعَهُ: يلاقي الْوَحْشِ وَالنَّبِيِّ الْكَذَّابِ معاملة خاصة. إذ يلقيان أحياء في بحيرة النار قبل أن تبدأ دينونة العرش الأبيض العظيم (رؤيا يوحنا ١١:٢٠-١٥).
- “إنَّ بحيرة متقدة بالكبريت لن تكون شديدة السخونة فقط، بل نتنة وكريهة الرائحة أيضًا.” مونس (Mounce)
- إنَّ بحيرة النار هي ما نعتبره عادةً جهنم. وهو مكان حقيقي، ولا يوجد ما هو أهم من تجنبه.