١ صموئيل ٦
إعادة تابوت العهد إلى إسرائيل
أولًا. كيف سيتخلص الفلسطيون من تابوت العهد؟
أ ) الآيات (١-٦): يقترح الكهنة الفلسطيون طريقة لإراحة أنفسهم من عبء التابوت.
١وَكَانَ تَابُوتُ ٱللهِ فِي بِلَادِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ. ٢فَدَعَا ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ ٱلْكَهَنَةَ وَٱلْعَرَّافِينَ قَائِلِينَ: «مَاذَا نَعْمَلُ بِتَابُوتِ ٱلرَّبِّ؟ أَخْبِرُونَا بِمَاذَا نُرْسِلُهُ إِلَى مَكَانِهِ». ٣فَقَالُوا: «إِذَا أَرْسَلْتُمْ تَابُوتَ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ، فَلَا تُرْسِلُوهُ فَارِغًا، بَلْ رُدُّوا لَهُ قُرْبَانَ إِثْمٍ. حِينَئِذٍ تَشْفَوْنَ وَيُعْلَمُ عِنْدَكُمْ لِمَاذَا لَا تَرْتَفِعُ يَدُهُ عَنْكُمْ». ٤فَقَالُوا: «وَمَا هُوَ قُرْبَانُ ٱلْإِثْمِ ٱلَّذِي نَرُدُّهُ لَهُ؟» فَقَالُوا: «حَسَبَ عَدَدِ أَقْطَابِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ: خَمْسَةَ بَوَاسِيرَ مِنْ ذَهَبٍ، وَخَمْسَةَ فِيرَانٍ مِنْ ذَهَبٍ. لِأَنَّ ٱلضَّرْبَةَ وَاحِدَةٌ عَلَيْكُمْ جَمِيعًا وَعَلَى أَقْطَابِكُمْ. ٥وَٱصْنَعُوا تَمَاثِيلَ بَوَاسِيرِكُمْ وَتَمَاثِيلَ فِيرَانِكُمُ ٱلَّتِي تُفْسِدُ ٱلْأَرْضَ، وَأَعْطُوا إِلَهَ إِسْرَائِيلَ مَجْدًا لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ يَدَهُ عَنْكُمْ وَعَنْ آلِهَتِكُمْ وَعَنْ أَرْضِكُمْ. ٦وَلِمَاذَا تُغْلِظُونَ قُلُوبَكُمْ كَمَا أَغْلَظَ ٱلْمِصْرِيُّونَ وَفِرْعَوْنُ قُلُوبَهُمْ؟ أَلَيْسَ عَلَى مَا فَعَلَ بِهِمْ أَطْلَقُوهُمْ فَذَهَبُوا؟
١. مَاذَا نَعْمَلُ بِتَابُوتِ ٱلرَّبِّ؟: عندما استولى الفلسطيون لأول مرة تابوت العهد، اعتقدوا أن هذا كان انتصارًا باهرًا. لكن، مع مرور الوقت، بدأوا ينظرون إليه كعبء، لا غنيمة.
لماذا احتفظوا به سبعة أشهر كاملة أصلًا؟ لأنهم كانوا مترددين في التخلي عن مثل هذه الغنيمة والنصب التذكاري لِما ظنوه في البداية انتصارًا عظيمًا على إله إسرائيل. وقد يستغرق الأمر وقتًا طويلًا قبل أن ندرك عدم جدوى مقاومة الله.
٢. إِذَا أَرْسَلْتُمْ تَابُوتَ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ… رُدُّوا لَهُ قُرْبَانَ إِثْمٍ: كان لدى الكهنة الفلسطيين إدراك كافٍ لمعرفة أنهم أهانوا الرب الإله، ولهذا عرفوا أن عليهم أن يفعلوا شيئًا للتعبير عن ندمهم وتوبتهم أمام الرب.
٣. خَمْسَةَ بَوَاسِيرَ مِنْ ذَهَبٍ، وَخَمْسَةَ فِيرَانٍ مِنْ ذَهَبٍ: تقر هذه التقدمة المحددة بأن الرب هو الذي جلب هذه الضربة على الفلسطيين، فقالوا: “نحن نعرف أن هذه الضربات لم تحدث صدفة. إذ نعرف أن الرب، إله إسرائيل، هو الذي تسبَّب فيها. فنحن نعتذر له ونطلب أن يصرف غضبه عنّا.”
نعلم أن الضربة تضمنت أورامًا (١ صموئيل ٥: ٦، ٩، ١٢)، ولم تذكر ١ صموئيل ٥ أن الضربة تضمنت جرذانًا أو فئرانًا. ويعتقد بعضهم أن الأورام جاءت نتيجة للطاعون الدبلي الذي تحمله الجرذان. ويعتقد آخرون أن الجرذان كانت جزءًا من ضربة أو مصيبة أخرى مذكورة في ١ صموئيل ٥: ١١: “وَأَرْسَلُوا وَجَمَعُوا كُلَّ أَقْطَابِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ وَقَالُوا: «أَرْسِلُوا تَابُوتَ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ فَيَرْجِعَ إِلَى مَكَانِهِ وَلَا يُمِيتَنَا نَحْنُ وَشَعْبَنَا». لِأَنَّ ٱضْطِرَابَ ٱلْمَوْتِ كَانَ فِي كُلِّ ٱلْمَدِينَةِ. يَدُ ٱللهِ كَانَتْ ثَقِيلَةً جِدًّا هُنَاكَ.”
٤. وَأَعْطُوا إِلَهَ إِسْرَائِيلَ مَجْدًا: الإقرار بدينونة إله إسرائيل طريقة من طرق تمجيده. وغالبًا ما لا نعطي الله المجد لأننا نتجاهل دينونته، أو نشطبها على أنها قدَر أو حظ سيئ.
٥. لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ يَدَهُ عَنْكُمْ وَعَنْ آلِهَتِكُمْ وَعَنْ أَرْضِكُمْ: اعترف الفلسطيون بأن إله إسرائيل دان آلهتهم، وأن لديه سلطة على أراضيهم. وأقرّوا بأنه الإله العليّ، لكنهم لم يعبدوه بدلًا من آلهتهم.
٦. وَلِمَاذَا تُغْلِظُونَ قُلُوبَكُمْ كَمَا أَغْلَظَ ٱلْمِصْرِيُّونَ وَفِرْعَوْنُ قُلُوبَهُمْ؟ أَلَيْسَ عَلَى مَا فَعَلَ بِهِمْ أَطْلَقُوهُمْ فَذَهَبُوا: كانوا على دراية برواية الخروج، فاستنتجوا بحق أنه لا يأتي أي خير من قساوة القلب ضد الرب. وحتى من منظور المصلحة الشخصية البحتة، ليس من الذكاء أن تقسّي قلبك ضد الرب.
ب) الآيات (٧-٩): يقرر الفلسطيون كيفية إرجاع التابوت وإجراء اختبار نهائي إن كانت الدينونة من الله أم أنها جاءت صدفة.
٧فَٱلْآنَ خُذُوا وَٱعْمَلُوا عَجَلَةً وَاحِدَةً جَدِيدَةً وَبَقَرَتَيْنِ مُرْضِعَتَيْنِ لَمْ يَعْلُهُمَا نِيرٌ، وَٱرْبِطُوا ٱلْبَقَرَتَيْنِ إِلَى ٱلْعَجَلَةِ، وَأَرْجِعُوا وَلَدَيْهِمَا عَنْهُمَا إِلَى ٱلْبَيْتِ. ٨وَخُذُوا تَابُوتَ ٱلرَّبِّ وَٱجْعَلُوهُ عَلَى ٱلْعَجَلَةِ، وَضَعُوا أَمْتِعَةَ ٱلذَّهَبِ ٱلَّتِي تَرُدُّونَهَا لَهُ قُرْبَانَ إِثْمٍ فِي صُنْدُوقٍ بِجَانِبِهِ وَأَطْلِقُوهُ فَيَذْهَبَ. ٩وَٱنْظُرُوا، فَإِنْ صَعِدَ فِي طَرِيقِ تُخْمِهِ إِلَى بَيْتَشَمْسَ فَإِنَّهُ هُوَ ٱلَّذِي فَعَلَ بِنَا هَذَا ٱلشَّرَّ ٱلْعَظِيمَ. وَإِلَّا فَنَعْلَمُ أَنْ يَدَهُ لَمْ تَضْرِبْنَا. كَانَ ذَلِكَ عَلَيْنَا عَرَضًا.
١. خُذُوا وَٱعْمَلُوا عَجَلَةً وَاحِدَةً جَدِيدَةً وَبَقَرَتَيْنِ مُرْضِعَتَيْنِ لَمْ يَعْلُهُمَا نِيرٌ: هنا أجرى الفلسطيون تجربة. اعتقدوا أن الضربات التي حلّت بهم كانت من الرب، إله إسرائيل. لكنهم لم يكونوا متأكدين بنسبة مئة بالمئة. فابتكروا اختبارًا آخر. ويتردد الناس دائمًا تقريبًا في التوبة، وهم يحترسون منها بلا داعٍ.
كان الامتحان بسيطًا وموجَّهًا نحو الرب. فبالطبيعة، فإن البقرتين المرضعتين اللتين لم تعرفا النير قط لن تجرّا عربة على الإطلاق. بل ستقاومان النير. وفضلًا عن ذلك، قرروا أن يأخذوا عجولهما منهما إلى البيت بعيدًا عنهما. وستجذبهما غريزة الأمومة إلى بيتهما وعجولهما، لا إلى أرض إسرائيل. وهكذا ابتكر القلسطيون اختبارًا ’أجبر‘ إله إسرائيل على فعل شيء معجزي ليُظهر أنه كان وراء تلك الضربات.
٢. وَخُذُوا تَابُوتَ ٱلرَّبِّ وَٱجْعَلُوهُ عَلَى ٱلْعَجَلَةِ: لم يرغب الله قط في أن يُنقل التابوت على عربة. إذ أراد أن يحمل بعصيّ (أعمدة) في حلقات على جانبي التابوت (عدد ٤: ١٥).
لم يكن للتابوت ’مقابض،‘ ولم يكن مفترضًا أن يُحمل برفعه بالأيدي مباشرة. إذ كان ينبغي حمله عن طريق إدخال أعمدة خشبية مغشّاة بالذهب في حلقات ذهبية في كل زاوية من زوايا التابوت. وكان يُفترض أن تبقى تلك الأعمدة الخشبية موضوعة في الحلقات، وأن تكون مصدر الاتصال بالتابوت. وبعيدًا عن لمس الأعمدة، كان ممنوعًا أن يُلمس تابوت العهد (خروج ٢٥: ١٢-١٥).
رغم أن هذه الطريقة في نقل التابوت كانت ممنوعة حسب الشريعة، إلا أن الله عذَرَهم بسبب جهلهم بشريعته. “لقد غضّ الله عن هذا الأمر لسببين – لأنهما كانوا يجهلون شريعة الله، ولأنهم لم يكن هنالك لاويون ليحملوه على أكتافهم.” بوله (Poole)
٣. وَضَعُوا أَمْتِعَةَ ٱلذَّهَبِ ٱلَّتِي تَرُدُّونَهَا لَهُ قُرْبَانَ إِثْمٍ فِي صُنْدُوقٍ بِجَانِبِهِ: كان الفلسطيون حكماء بما يكفي لعدم فتح تابوت العهد ووضْع قطع الذهب داخل التابوت نفسه. ومن المؤكد أنهم كانوا فضوليين بشأن ما كان في التابوت، لكنهم لم يدعوا فضولهم يقودهم إلى الخطية.
٤. وَإِلَّا فَنَعْلَمُ أَنْ يَدَهُ لَمْ تَضْرِبْنَا. كَانَ ذَلِكَ عَلَيْنَا عَرَضًا: هل كان ممكنًا أن تكون الأورام والدينونات قد جاءت صدفة (عَرَضًا)؟
يعتقد كثيرون أن الأشياء تحدث صدفة. ويقول بعضهم إن العالم خُلق صدفة. ويقع كثيرون في هذا الوهم. كتب جاك مونو، وهو عالم في الكيمياء الحيوية: “الصدفة هي مصدر كل ابتكار، وكل خلْق في المحيط الحيوي. إنها صدفة خالصة حرة بشكل مطلق، لكن عمياء في جذور صرْح التطور الهائل.”
إن فكرة نسبة مثل هذه القوة إلى ’الصدفة‘ فكرة جنونية، لأنه ليست للصدفة أية قوة. فعلى سبيل المثال، عندما تُقذف عملة معدنية في الهواء، فإن فرصة سقوطها على الصورة هي خمسون بالمئة. لكن الصدفة لا تجعل العملة المعدنية تقع على الصورة. وسواء أكانت وقعت على الصورة أم الكتابة، فإن هذا يرجع إلى قوة القذف وضغط الهواء أثناء تحليقها في الهواء، حيث تُلتقط في الهواء إذا انقلبت مرة واحدة عندما يُمسك بها. فالفرصة لا تفعل أي شيء غير وصف احتمال ما. ونحن نعيش في عالم سببٍ ونتيجة (علّة وتأثير)، لكن الله هو السبب النهائي.
- قدّم كارل ساجان (Carl Sagan) التماسًا للحكومة الفيدرالية للحصول على منحة للبحث عن حياة ذكية في الفضاء الخارجي. كان يأمل أن يعثر عليها باستخدام أداة فائقة الحساسية لالتقاط إشارات لاسلكية من الفضاء البعيد. وعندما تلقّى تلك الإشارات اللاسلكية، بحث عن نظام ونمط يمكن أن يدل على أن الإشارات مرسلة من حياة ذكية. وبنفس الطريقة، فإن نظام الكون بأكمله ونمطه يظهران بأنه قد تمّ تشكيله من حياة ذكية، لا من صدفة. يتحرّى العلماء “الصدفة” في إشارات لاسلكية باستمرار (في شكل ثابت غير مقيَّد)، لكنها لا تخبرهم شيئًا.
لا ينبغي أن يدفعنا إدراكنا أنه لا شيء يحدث بالصدفة إلى الاعتقاد أن كل حدثٍ ممتلئ بمعنى مهم من الله. فهنالك أشياء تحدث من دون أن يكون لها قصد أبدي عظيم يمكن أن نميّزه. ويمكن أن يخرج المؤمنون عن المسار الصحيح بمحاولة رؤية رسالة من الله في كل شيء. لكن لا يحدث شيء بالصدفة. فنحن نعيش في عالم سببٍ ونتيجة. “لكن الرجال الأشرار مستعدون لأن يؤمنوا سريعًا بأكثر الأشياء سخافة والتباسًا من الإظهارات المرئية لقوة الله ورعايته.” بوله (Poole)
ج) الآيات (١٠-١٢): ضد كل التوقعات، تتجه البقرتان إلى أرض إسرائيل.
١٠فَفَعَلَ ٱلرِّجَالُ كَذَلِكَ، وَأَخَذُوا بَقَرَتَيْنِ مُرْضِعَتَيْنِ وَرَبَطُوهُمَا إِلَى ٱلْعَجَلَةِ، وَحَبَسُوا وَلَدَيْهِمَا فِي ٱلْبَيْتِ، ١١وَوَضَعُوا تَابُوتَ ٱلرَّبِّ عَلَى ٱلْعَجَلَةِ مَعَ ٱلصُّنْدُوقِ وَفِيرَانِ ٱلذَّهَبِ وَتَمَاثِيلِ بَوَاسِيرِهِمْ. ١٢فَٱسْتَقَامَتِ ٱلْبَقَرَتَانِ فِي ٱلطَّرِيقِ إِلَى طَرِيقِ بَيْتَشَمْسَ، وَكَانَتَا تَسِيرَانِ فِي سِكَّةٍ وَاحِدَةٍ وَتَجْأَرَانِ، وَلَمْ تَمِيلَا يَمِينًا وَلَا شِمَالًا، وَأَقْطَابُ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ يَسِيرُونَ وَرَاءَهُمَا إِلَى تُخْمِ بَيْتَشَمْسَ.
١. فَٱسْتَقَامَتِ ٱلْبَقَرَتَانِ فِي ٱلطَّرِيقِ إِلَى طَرِيقِ بَيْتَشَمْسَ: ما كان يُفترض أن يحدث هذا. إذ كان يفترض أن تقاوم البقرتان النير لأنهما لم تُلجما من قبل. كان ينبغي أن تذهبا إلى بيتهما في الأراضي الفلسطية بدافع من اهتمامهما بعجوليهما. لكنهما توجّهتا رأسًا إِلَى تُخْمِ بَيْتَشَمْسَ. فلم يترك الرب هذا الأمر للصدفة.
لم يقتصر الأمر على توجههما مباشرة إلى الطريق، بل لم تلتفتا شمالًا أو يمينًا. فلم تتحوّلا عن الطريق، وذهبتا إلى حيث كان يُفترض أن تذهبا.
كانت هذه معجزة مذهلة – كانتا بقرتين لم تجرّا عربة من قبل، سواء أكانت كل واحدة بمفردها أم معًا. ولم يقدهما سائق. غير أنهما تركتا بيتهما، وسارتا حوالي عشرة أميال إلى مدينة لم تذهبا إليها قط، تاركتين عجولهما وراءهما، وسارتا في طريق مستقيم من دون منعطف خطأ، ومن دون توقف، ومن دون تَلّفُّت إلى اليمين أو الشمال، أو من دون التوقف جانبًا لتأكلا من الحقول، ومن دون العودة لإطعام عجولهما.
بينما كانت البقرتان ماضيتين إلى إسرائيل، يمكننا أن نتخيل الإسرائيليين وهم يندبون فقدان التابوت. ربما صرخوا في تلك النقطة إلى الله متفجّعين لأنهم اعتقدوا أن المجد قد غادر أو زال. لكن مجد الله لم يغادر إلى أي مكان. لقد قاوم كل من الإسرائيليين والفلسطيين الرب، ولهذا وجد الله بقرتين لتُظهرا مجده.
٢. وَتَجْأَرَانِ: يعني هذا أن الأبقار لم تكن راضية. فعلوا مشيئة الله رغم اشتياقهم إلى عجولهم في البيت.
يعلّق ’كتاب عمل اللاهوت للعهد القديم‘ على الكلمة العبريةga-ah المترجمة إلى ’تجأر‘: “يشير هذا الجذر إلى نفور شديد يعبَّر عنه في الغالب في عمل عقابي أو مناوئ.”
عندما لا يؤمن الناس بأن هنالك إلهًا محبًّا يجلس على عرش السماء، وأن لديه خطة صالحة لحياتنا، لا نستطيع أن نلومهم على خوفهم، أو تَكَبُّرهم، أو تعاستهم. لكن بالنسبة للذين يؤمنون بإله الكتاب المقدس، فإنه لا يوجد عذر للخوف، أو التكبّر، أو التعاسة. فالله ما زال على العرش! “عندما نخرج إلى العالم، دعنا نؤمن بأن حركة الأشياء هي نحو تحقيق قصد الله.” ماير (Meyer)
ثانيًا. التابوت في بيتشمس
أ ) الآيات (١٣-١٥): استقبال التابوت بالتكريم والفرح في بيتشمس.
١٣وَكَانَ أَهْلُ بَيْتَشَمْسَ يَحْصُدُونَ حَصَادَ ٱلْحِنْطَةِ فِي ٱلْوَادِي، فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَرَأَوْا ٱلتَّابُوتَ وَفَرِحُوا بِرُؤْيَتِهِ. ١٤فَأَتَتِ ٱلْعَجَلَةُ إِلَى حَقْلِ يَهُوشَعَ ٱلْبَيْتَشَمْسِيِّ وَوَقَفَتْ هُنَاكَ. وَهُنَاكَ حَجَرٌ كَبِيرٌ. فَشَقَّقُوا خَشَبَ ٱلْعَجَلَةِ وَأَصْعَدُوا ٱلْبَقَرَتَيْنِ مُحْرَقَةً لِلرَّبِّ. ١٥فَأَنْزَلَ ٱللَّاوِيُّونَ تَابُوتَ ٱلرَّبِّ وَٱلصُّنْدُوقَ ٱلَّذِي مَعَهُ ٱلَّذِي فِيهِ أَمْتِعَةُ ٱلذَّهَبِ وَوَضَعُوهُمَا عَلَى ٱلْحَجَرِ ٱلْكَبِيرِ. وَأَصْعَدَ أَهْلُ بَيْتَشَمْسَ مُحْرَقَاتٍ وَذَبَحُوا ذَبَائِحَ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ لِلرَّبِّ.
١. وَفَرِحُوا بِرُؤْيَتِهِ: كان شعورهم ممائلًا لشعور التلاميذ عندما رأوا يسوع المُقام، لأنهم أحسوا بأنهم يستقبلون الله راجعًا من بين الأموات. وفي ذلك الوقت، عندما كانوا يَحْصُدُونَ حَصَادَ ٱلْحِنْطَةِ (بين أيّار وحزيران)، عرفوا أن إله إسرائيل حي.
وبطبيعة الحال، لم يمت الله قط، ولم يتركهم على الإطلاق. لكن الإسرائيليين أحسوا كما لو أن الله مات. فكانوا يائسين ومحبطين ومكتبئين كما لو أنه مات بالفعل. وحسب مشاعرهم، فإن الرب إله إسرائيل قد قام من بين الأموات.
٢. فَأَتَتِ ٱلْعَجَلَةُ إِلَى حَقْلِ يَهُوشَعَ ٱلْبَيْتَشَمْسِيِّ وَوَقَفَتْ هُنَاكَ: بعد أن اقتيد التابوت لمسافة حوالي عشرة أميال من المدينة الفلسطية من دون توقف أو انحراف شمالًا أو يمينًا، توقف في أرض إسرائيلية في حقل رجل مختار.
٣. فَشَقَّقُوا خَشَبَ ٱلْعَجَلَةِ وَأَصْعَدُوا ٱلْبَقَرَتَيْنِ مُحْرَقَةً لِلرَّبِّ: عرفوا أن هذا هو الشيء الملائم الذي ينبغي أن يفعلوه إكرامًا للرب. لكن هذا كلّفهم شيئًا حقًّا. فالأبقار والعربات كانت ممتلكات ثمينة جدًّا.
بالمعنى الدقيق للكلمة، كان قربانهم مخالفًا للشريعة الموسوية. أولًا، قدموا بقرتين (لا ثورين)، وهو أمر محظور حسب لاويين ١: ٣ و٢٢: ١٩). ثانيًا، قدّموا محرقة للرب بعيدًا عن خيمة الاجتماع، وهذا انتهاك للوصية في ١٢: ٥-٦. لكن الرب عرف قلوبهم والظروف الاستثنائية، وأنه أُكرِم بهذا.
٤. فَأَنْزَلَ ٱللَّاوِيُّونَ تَابُوتَ ٱلرَّبِّ: حرص الإسرائيليون على ترك اللاويين يتعاملون مع التابوت حسب الشريعة (عدد ٤: ١-٦،
١٥). وكانت بيتشمس مدينة كهنوتية (يشوع ٢١: ١٦)، ولهذا كان هنالك لاويون فيها.
ب) الآيات (١٦-١٨): ما قدّمه الفلسطيون مع التابوت كقربان.
١٦فَرَأَى أَقْطَابُ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ ٱلْخَمْسَةُ وَرَجَعُوا إِلَى عَقْرُونَ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ. ١٧وَهَذِهِ هِيَ بَوَاسِيرُ ٱلذَّهَبِ ٱلَّتِي رَدَّهَا ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ قُرْبَانَ إِثْمٍ لِلرَّبِّ: وَاحِدٌ لِأَشْدُودَ، وَوَاحِدٌ لِغَزَّةَ، وَوَاحِدٌ لِأَشْقَلُونَ، وَوَاحِدٌ لِجَتَّ، وَوَاحِدٌ لِعَقْرُونَ. ١٨وَفِيرَانُ ٱلذَّهَبِ بِعَدَدِ جَمِيعِ مُدُنِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ لِلْخَمْسَةِ ٱلْأَقْطَابِ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْمُحَصَّنَةِ إِلَى قَرْيَةِ ٱلصَّحْرَاءِ. وَشَاهِدٌ هُوَ ٱلْحَجَرُ ٱلْكَبِيرُ ٱلَّذِي وَضَعُوا عَلَيْهِ تَابُوتَ ٱلرَّبِّ. هُوَ إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ فِي حَقْلِ يَهُوشَعَ ٱلْبَيْتِشَمْسِيِّ.
١. فَرَأَى أَقْطَابُ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ ٱلْخَمْسَةُ: تساءلوا بينما كان التابوت في حوزتهم إن كان ما حدث بينهم صدفة. ولذلك أجروا امتحانًا معقّدًا وصعبًا لكي يلبّيه الله. كانوا يراقبون عن كثب ليروا إن كان الرب سيلبي هذا الامتحان. ولا نجد هنا تسجيلًا لرد فعلهم، لكن لا بد أنهم اقتنعوا تمامًا.
ج) الآية (١٩): تدنيس بيتشمس قداسة الرب.
١٩وَضَرَبَ أَهْلَ بَيْتَشَمْسَ لِأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى تَابُوتِ ٱلرَّبِّ. وَضَرَبَ مِنَ ٱلشَّعْبِ خَمْسِينَ أَلْفَ رَجُلٍ وَسَبْعِينَ رَجُلًا. فَنَاحَ ٱلشَّعْبُ لِأَنَّ ٱلرَّبَّ ضَرَبَ ٱلشَّعْبَ ضَرْبَةً عَظِيمَةً.
١. وَضَرَبَ أَهْلَ بَيْتَشَمْسَ لِأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى تَابُوتِ ٱلرَّبِّ: كان من المفترض أن يُلمَس ويحمل فقط من لاويين معيّنين من عائلة قهات وحدهم. وحتى هؤلاء كانوا مأمورين بأن لا يلمسوا التابوت نفسه (سفر العدد ٤: ١٥). لقد أخطأ رجال بيتشمس لا في لمس التابوت فحسب، بل في النظر إلى داخله.
ومرة أخرى، نرى كيف أن الرب تعامل مع الإسرائيليين بقسوة أكبر من تلك التي تعامل بها مع الفلسطيين، لأنه كانت لديهم شريعة الرب، فكان ينبغي أن يتصرفوا على نحو أفضل حسب معرفتهم الأفضل. وإنه لأمر محزن أن الفلسطيين أظهروا إكرامًا أكثر لقداسة الله من الإسرائيليين.
٢. لِأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى تَابُوتِ ٱلرَّبِّ: بسبب كرامة الرب ومجده، فإن هنالك أشياء يختار أن يبقيها مخفية. ومن الخطأ أن نتطفل على أسرار الله هذه.
تبيّن إشعياء ٥٥: ٨-٩ هذه الفكرة: “لِأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلَا طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. لِأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ عَنِ ٱلْأَرْضِ، هَكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ.” ينبغي لنا أن نحترم حقيقة أن الله هو الله وأننا لسنا الله، وأن هنالك أشياء لن نعرفها، ولا ينبغي أن نعرفها.
٣. وَضَرَبَ مِنَ ٱلشَّعْبِ خَمْسِينَ أَلْفَ رَجُلٍ وَسَبْعِينَ رَجُلًا: الأدلة المخطوطية واضحة على أن العدد المدون في النص كان سبعين، وليس: خَمْسِينَ أَلْفَ رَجُلٍ وَسَبْعِينَ رَجُلًا. ويظل موت سبعين شخصًا في هذه الحادثة مذبحة عظيمة.
في الأساس، يمكن أن تعني القواعد العبرية أنه من بين خمسين ألف شخص، مات سبعون رجلًا. “لا يمكننا التوصل إلى استنتاج آخر غير أن الرقم ٥٠.٠٠٠ ليس صحيحًا أو أصيلًا، لكنه كان ملاحظة هامشية زحفت إلى النص من خلال الإهمال.” كيل (Keil) و ديلتزتش (Delitszch).
د ) الآيات (٢٠-٢١): ناشد أهل بيتشمس رجال قرية يعاريم أن يأخذوا التابوت عنهم.
٢٠وَقَالَ أَهْلُ بَيْتَشَمْسَ: «مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ ٱلْإِلَهِ ٱلْقُدُّوسِ هَذَا؟ وَإِلَى مَنْ يَصْعَدُ عَنَّا؟» ٢١وَأَرْسَلُوا رُسُلًا إِلَى سُكَّانِ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ قَائِلِينَ: «قَدْ رَدَّ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ تَابُوتَ ٱلرَّبِّ، فَٱنْزِلُوا وَأَصْعِدُوهُ إِلَيْكُمْ.
١. مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ ٱلْإِلَهِ ٱلْقُدُّوسِ هَذَا؟: أساء رجال بيتشمس في عدم احترامهم للرب إلى قداسته. والآن عرفوا أن الرب قدوس. لكن هذا لم يجعلهم أقرب إليه، بل أرادوا أن ينأوا بأنفسهم عنه.
ليست الفكرة الرئيسية وراء القداسة هي الطهارة الأخلاقية (رغم أن هذه متضمنة)، لكن الفكرة الرئيسية هي الانفصال – فالله منفصل ومختلف عن كل خليقته في كل من طبيعته الجوهرية وكمال صفاته.
عندما يواجه البشر قداسة الله، فإنهم لا ينجذبون إليها بالضرورة. فعندما رأى بطرس قوة يسوع المقدسة قال: ’ٱخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَارَبُّ، لِأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ!‘ (لوقا ٥: ٨) وفي مناسبة أخرى، عندما رأى التلاميذ يسوع القدوس وهو يتجلّى، خافوا كثيرًا (متى ١٧: ٦). وعندما نقابل الله القدوس، فإننا نشعر بالإثارة والخوف في الوقت معًا. ويشبه الأمر الصعود على الأفعوانية، فأنت تريد ولا تريد أن تكون هنالك في الوقت نفسه. وإن كثيرًا من الملذات الساعية إلى الإثارة في عالمنا مجرد محاولات ضعيقة لتقليد التحقيق أو الاكتفاء الذي لا يمكننا أن نجده إلا بلقاء إلهنا القدوس.
٢. مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ ٱلْإِلَهِ ٱلْقُدُّوسِ هَذَا: بمعنى ما، أظهر رجال بيتشمس قلبًا سيئًا في طرح هذا السؤال. إذ صوّر سؤالهم الله على أنه قاسٍ بدلًا من أن يُظهروا أنفسهم كعُصاة للغاية.
“يبدو أنهم غاضبون وأنهم يلومون الله على معاناتهم لكونه مفرطًا في قداسته وصرامته. ولا يتحدثون شيئًا عن خطاياهم التي هي السبب الحقيقي. وهم يحرصون على التخلي عن التابوت بينما كان ينبغي أن يحتفظوا به بوقار.” تراب (Trapp)
٣. مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ ٱلْإِلَهِ ٱلْقُدُّوسِ هَذَا؟: وبمعنى ما، فإن رجال بيتشمس طرحوا سؤالًا. والله هو القدوس، وهو القادر بالفعل.
لا تتحقق القداسة كثيرًا من خلال جهودنا الخاصة، لكننا نتلقّاها كأشخاص جدد في يسوع. والقداسة جزء من الخليقة الجديدة في يسوع (أفسس ٤: ٢٤). ونحن مدعوون إلى أن نكون شركاء في قداسة يسوع (عبرانيين ١٢: ١٠).
رغم أن الله قدوس، ورغم أنه منفصل عنّا، فإنه يدعونا إلى أن نشارك في قداسته، بدلًا من أن يبني جدارًا حول انفصاله. وكما تقول ١ بطرس ١: ١٦، فإن الله يدعونا إلى أن نكون قديسين (مقدسين) لأن الله قدوس. وليست القداسة شيئًا نمتلكه، بل شيء يمتلكنا.