١ صموئيل ١٥
الله يرفض شاول ملكًا
أولًا. المعركة ضد عماليق
أ ) الآيات (١-٣): أمر واضح جذري: حرِّمْ عماليق.
١وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «إِيَّايَ أَرْسَلَ ٱلرَّبُّ لِمَسْحِكَ مَلِكًا عَلَى شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ. وَٱلْآنَ فَٱسْمَعْ صَوْتَ كَلَامِ ٱلرَّبِّ. ٢هَكَذَا يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ: إِنِّي قَدِ ٱفْتَقَدْتُ مَا عَمِلَ عَمَالِيقُ بِإِسْرَائِيلَ حِينَ وَقَفَ لَهُ فِي ٱلطَّرِيقِ عِنْدَ صُعُودِهِ مِنْ مِصْرَ. ٣فَٱلْآنَ ٱذْهَبْ وَٱضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلَا تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ ٱقْتُلْ رَجُلًا وَٱمْرَأَةً، طِفْلًا وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلًا وَحِمَارًا.”
١. وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: كانت هذه رسالة من قائد إسرائيل الروحي إلى قائد إسرائيل السياسي والعسكري. وكانت الرسالة واضحة: عاقبْ على مَا عَمِلَ عَمَالِيقُ بِإِسْرَائِيلَ… وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلَا تَعْفُ عَنْهُمْ. كان أمر الله لشاول واضحًا في أن يجلب دينونة كاملة على عماليق.
حَرِّمُوا: تُستخدم كلمة ’حرّم‘ Hehrim سبع مرات في هذه الرواية. فهنالك تشديد واضح على فكرة الدينونة الكاملة هنا.
٢. وَقَفَ لَهُ فِي ٱلطَّرِيقِ عِنْدَ صُعُودِهِ مِنْ مِصْرَ: يشرح هذا سبب وجود الحكم على عماليق بشكل كامل. وقبل قرون من هذا، كان عماليق أول شعب يهاجم بني إسرائيل بعد هروبهم من مصر (خروج ١٧).
قبل مئات السنين، قال الرب إنه سيجلب مثل هذا النوع من الدينونة على عماليق. “فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «ٱكْتُبْ هَذَا تَذْكَارًا فِي ٱلْكِتَابِ، وَضَعْهُ فِي مَسَامِعِ يَشُوعَ. فَإِنِّي سَوْفَ أَمْحُو ذِكْرَ عَمَالِيقَ مِنْ تَحْتِ ٱلسَّمَاءِ». فَبَنَى مُوسَى مَذْبَحًا وَدَعَا ٱسْمَهُ «يَهْوَهْ نِسِّي». وَقَالَ: «إِنَّ ٱلْيَدَ عَلَى كُرْسِيِّ ٱلرَّبِّ. لِلرَّبِّ حَرْبٌ مَعَ عَمَالِيقَ مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ” (خروج ١٧: ١٤-١٦). وتكرر تثنية ٢٥: ١٧-١٩ نفس الفكرة.
ارتكب عماليق خطية رهيبة ضد إسرائيل. فعندما كانت الأمة ضعيفة وقابلة للجَرح، هاجم عماليق أضعف أمّة (تثنية ٢٥: ١٨). ولم يفعلوا هذا إلا بدافع من الرغبة في العنف والجشع. ويُبغض الله أن يستغل الأقوياء الضعفاء، وبشكل خاص عندما يكون الضعفاء شعبه.
رغم أن هذا الهجوم حدث قبل ما يزيد عن أربعة قرون، إلا أن الله حمّل عماليق المسؤولية، لأن الزمن لا يمحو الخطية أمام الله. قد يفترض الناس أن الزمن يمحو الخطية وأن السنوات تجعلنا أكثر تسامحًا بعضنا مع بعض. لكن أمام الله، لا يكفّر الزمن عن الخطية. ودم المسيح وحده هو الذي يستطيع أن يغفر الخطية، لا الزمن. وفي واقع الأمر، أعطى الله في رحمته زمنًا طويلًا لعماليق ليتوبوا، فلم يفعلوا ذلك. فجعلت السنوات قلوبهم غير التوّابة أكثر، لا أقل ذنبًا.
٣. فَٱلْآنَ ٱذْهَبْ وَٱضْرِبْ عَمَالِيقَ: كان بإمكان الله أن يدين عماليق بشكل مباشر عندما فعل هذا مع مدينتي سدوم وعمورة. لكن كان لله قصد خاص في هذا من أجل أمته الخاصة، إسرائيل. أراد أن يستخدم عماليق كامتحان لطاعة شاول وإسرائيل كلها. وفضلًا عن ذلك، بما أن خطية عماليق كانت هجومًا عسكريًّا، أراد الله أن يجعل الدينونة تتناسب مع تلك الخطية.
هل سيدعو الله شعبه اليوم إلى خوض حرب دينونة كهذه؟ لدى الله دعوة مختلفة تمامًا للمؤمنين بالمسيح تحت العهد الجديد عن تلك التي وُجّهت إلى إسرائيل تحت العهد القديم (يوحنا ١٨: ٣٦).
رغم أن الله لم يَعُدْ يدعو شعبه إلى حمل السلاح كأدوات لدينونته، إلا أن هذا لا يعني أن الله توقّف عن إدانة الشعوب. “لكن لا نستطيع أن نفترض للحظة واحدة أن دينونة الشعوب على مدى التاريخ قد أُرجئت (عُيِّنتْ) إلى ذلك اليوم النهائي. كانت تقف الشعوب على مدى التاريخ أمام عصا الدينونة. إذ وقفت نينوى هناك، ووقفت بابل، واليونان، وروما، وإسبانيا، وفرنسا أمامه. وتقف الآن بريطانيا العظمى أمامه. وقد سمعت كل واحدة منها بعد الأخرى الكلمة النهائية: ارحلي. وقد تحوّلت إلى دمار رهيب.” ماير (Meyer)
ب) الآيات (٤-٦): شاول يستعد لمهاجمة عماليق.
٤فَٱسْتَحْضَرَ شَاوُلُ ٱلشَّعْبَ وَعَدَّهُ فِي طَلَايِمَ، مِئَتَيْ أَلْفِ رَاجِلٍ، وَعَشْرَةَ آلَافِ رَجُلٍ مِنْ يَهُوذَا. ٥ثُمَّ جَاءَ شَاوُلُ إِلَى مَدِينَةِ عَمَالِيقَ وَكَمَنَ فِي ٱلْوَادِي. ٦وَقَالَ شَاوُلُ لِلْقَيْنِيِّينَ: “ٱذْهَبُوا حِيدُوا ٱنْزِلُوا مِنْ وَسَطِ ٱلْعَمَالِقَةِ لِئَّلَا أُهْلِكَكُمْ مَعَهُمْ، وَأَنْتُمْ قَدْ فَعَلْتُمْ مَعْرُوفًا مَعَ جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ صُعُودِهِمْ مِنْ مِصْرَ”. فَحَادَ ٱلْقَيْنِيُّ مِنْ وَسَطِ عَمَالِيقَ.
١. فَٱسْتَحْضَرَ شَاوُلُ ٱلشَّعْبَ وَعَدَّهُ: من المؤكد أن شاول كان قائدًا عسكريًّا مقتدرًا. إذ كا بإمكانه أن يجمع وينظم جيشَا كبيرًا. وكان يعرف كيف يُوَقِّت هجومه – وَكَمَنَ فِي ٱلْوَادِي.
٢. وَقَالَ شَاوُلُ لِلْقَيْنِيِّينَ: ’ٱذْهَبُوا‘: هنا يُظهر شاول حكمة ورحمة في السماح للقينيين بالخروج من المنطقة. إذ لم تكن دينونة الله عليهم. ولهذا لم يُرِد أن يقضي عليهم مع عماليق.
ج) الآيات (٧-٩): شاول يهاجم عماليق.
٧وَضَرَبَ شَاوُلُ عَمَالِيقَ مِنْ حَوِيلَةَ حَتَّى مَجِيئِكَ إِلَى شُورَ ٱلَّتِي مُقَابِلَ مِصْرَ. ٨وَأَمْسَكَ أَجَاجَ مَلِكَ عَمَالِيقَ حَيًّا، وَحَرَّمَ جَمِيعَ ٱلشَّعْبِ بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ. ٩وَعَفَا شَاوُلُ وَٱلشَّعْبُ عَنْ أَجَاجَ وَعَنْ خِيَارِ ٱلْغَنَمِ وَٱلْبَقَرِ وَٱلثُّنْيَانِ وَٱلْخِرَافِ، وَعَنْ كُلِّ ٱلْجَيِّدِ، وَلَمْ يَرْضَوْا أَنْ يُحَرِّمُوهَا. وَكُلُّ ٱلْأَمْلَاكِ ٱلْمُحْتَقَرَةِ وَٱلْمَهْزُولَةِ حَرَّمُوهَا.
١. وَضَرَبَ شَاوُلُ عَمَالِيقَ: كان هذا أمرًا حسنًا وفي طاعة لأمر الرب. لكنها كانت طاعة انتقائية ناقصة. أولًا، أخذ أجاج حيًّا، وحرّم كل الشعب بحد السيف. وقد أمر الله بأن يحرّم الجميع بمن فيهم الملك أجاج.
لماذا أخذ شاول أجاج حيًّا؟ “أخذ شاول أجاج حيًّا إما بدافع من شفقة حمقاء لإظهار فضيلته وكرمه. ويضيف يوسيفوس، ’أو احترامًا للسلالة الملكية التي كان شاول مهتمًّا بالاحتفاظ بها كملك، أو من أجل مجد انتصاره.‘” بول (Poole)
“إذا عفا شاول عن أجاج، فسيكون لدى الشعب الحرية في العفو عن بعض الغنائم… فخطايا العظماء تفرض التقليد.” تراب (Trapp)
٢. وَعَفَا شَاوُلُ وَٱلشَّعْبُ عَنْ أَجَاجَ وَعَنْ خِيَارِ ٱلْغَنَمِ وَٱلْبَقَرِ وَٱلثُّنْيَانِ وَٱلْخِرَافِ، وَعَنْ كُلِّ ٱلْجَيِّدِ، وَلَمْ يَرْضَوْا أَنْ يُحَرِّمُوهَا: أمر الله بوضوح في ١ صموئيل ١٥: ٣ بأن يحرّموا “بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلًا وَحِمَارًا”. ولم يفعل شاول ذلك.
في الحروب العادية في العالم القديم، كان يُسمح للجيوش بنهب أعدائهم المهزومين. فكانت هذه هي الطريقة التي كانت تُدفع بها رواتب الجيش. لكن كان من الخطأ أن يستفيد أي شخص في إسرائيل من الحرب ضد عماليق، لأنها كانت دينونة معيّنة من الله. فكان هذا خطأ تمامًا مثل الجلاد الذي يُفرغ جيوب الرجل الذي أعدمه للتو بتهمة القتل.
٣. وَكُلُّ ٱلْأَمْلَاكِ ٱلْمُحْتَقَرَةِ وَٱلْمَهْزُولَةِ حَرَّمُوهَا: حرصوا على الاحتفاظ لأنفسهم بالأفضل. ويمكننا أن نتخيل أنهم كانوا سعداء بما كسبوه بعد المعركة.
ربما كان هذا هو أسوأ ما في الأمر، لأن إسرائيل لم تُظهر قلب الله في الدينونة. فقد رجعوا سعداء ومتحمسين لما ربحوه في المعركة. فكانوا بهذا يشيرون إلى أن هنالك شيئًا مفرحًا حول دينونة الله. وهذا أمر مهين لله الذي يجلب دينونته على مضض من دون متعة في تنفيذها، راغبًا في أن يتوب الناس بدلًا من ذلك.
الطاعة الجزئية عصيان كامل. فقد أطاع شاول ورجالهم بقدر ما يناسبهم، أي أنهم لم يطيعوا الله على الإطلاق، بل أطاعوا ميولهم الخاصّة في العفو عما هو جيد وتحريم ما هو لا قيمة له. فقد حرّموا ما لا يستحق أن يحملوه معهم، لا بسبب الأمر، بل ليجنبوا أنفسهم مشقة لا ضرورة لها.” ماكلارين (Maclaren)
“من المؤكد أن العفو عما هو أفضل لدى عماليق يعادل العفو عن بعض جذور الشر، وبعض التساهل المعقول، وبعض الخطايا المفضّلة. وبالنسبة لنا، يمثل أجاج النزعة الشريرة الموجودة فينا جميعًا من أجل إرضاء الذات. وإنقاذ أجاج هو بمنزلة إظهار الرحمة مع أنفسنا الميالة للشر، وتبرير إخفاقاتنا، والتغاضي عن الخطية الملاصقة بنا.” ماير (Meyer)
د ) الآيات (١٠-١١): كلمة الله لصموئيل.
١٠وَكَانَ كَلَامُ ٱلرَّبِّ إِلَى صَمُوئِيلَ قَائِلًا: ١١«نَدِمْتُ عَلَى أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ شَاوُلَ مَلِكًا، لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ وَرَائِي وَلَمْ يُقِمْ كَلَامِي». فَٱغْتَاظَ صَمُوئِيلُ وَصَرَخَ إِلَى ٱلرَّبِّ ٱللَّيْلَ كُلَّهُ.
١. نَدِمْتُ (كثيرًا) عَلَى أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ شَاوُلَ مَلِكًا: انكسر قلب الله بسبب عصيان شاول. فهذا الرجل الذي ابتدأ متواضعًا ومستسلمًا لله، انتهى به الأمر إلى أن يمضي في طريقه الخاصة في العصيان.
نَدِمْتُ (كثيرًا): هذا مثل للتجسيم، حيث يعبّر الله عن نفسه للإنسان بمصطلحات بشرية لكي يكون للإنسان بعض الفهم لقلب الله. لقد عرف الله من البدء قلب شاول، وطرقه، ومصيره. واختار بالفعل لنفسه رجلًا حسب قلبه (١ صموئيل ١٣: ١٤). لكن عندما تَكَشَّف هذا كله، لم يكن قلب الله خاليًا من العاطفة. فلم يجلس في السماء مع دفتر ملاحظات يضع علامات إلى جانب بعض البنود قائلًا: ’تمّ هذا حسب الخطّة.‘ فعصيان الله يجرحه. وبما أننا لا نستطيع أن نستوعب كل ما في قلب الله، فإن أقرب ما يمكننا الوصول إلى فهمه هو تعبير الله عن نفسه بقوله: نَدِمْتُ (كثيرًا) عَلَى أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ شَاوُلَ مَلِكًا.
٢. فَٱغْتَاظَ صَمُوئِيلُ وَصَرَخَ إِلَى ٱلرَّبِّ ٱللَّيْلَ كُلَّهُ: كان لصموئيل قلب الله. لقد أحزن الله أن يرفض شاول، وأحزن صموئيل أن يرى شاول مرفوضًا. ونحن نكون قريبين من قلب الله عندما تحزننا الأشياء التي تحزنه وترضينا الأشياء التي ترضيه.
ه) الآيات (١٢-١٣): شاول يحيي صموئيل.
١٢فَبَكَّرَ صَمُوئِيلُ لِلِقَاءِ شَاوُلَ صَبَاحًا. فَأُخْبِرَ صَمُوئِيلُ وَقِيلَ لَهُ: «قَدْ جَاءَ شَاوُلُ إِلَى ٱلْكَرْمَلِ، وَهُوَذَا قَدْ نَصَبَ لِنَفْسِهِ نُصْبًا وَدَارَ وَعَبَرَ وَنَزَلَ إِلَى ٱلْجِلْجَالِ». ١٣وَلَمَّا جَاءَ صَمُوئِيلُ إِلَى شَاوُلَ قَالَ لَهُ شَاوُلُ: «مُبَارَكٌ أَنْتَ لِلرَّبِّ. قَدْ أَقَمْتُ كَلَامَ ٱلرَّبِّ.
١. فَبَكَّرَ صَمُوئِيلُ لِلِقَاءِ شَاوُلَ صَبَاحًا: والآن جاء صموئيل (الذي سبق أن مسح شاول ملكًا قبل سنوات) على مضض لتأديب الملك العاصي.
٢. نَصَبَ لِنَفْسِهِ نُصْبًا: لم يحزن شاول على خطيّته، بل كان راضيًا عن نفسه، من دون أن توجد فيه ذرة خجل أو خزي أو ذنب فيه، رغم أنه عصا الله بشكل مباشر.
سيقيم الله، في إصحاحات قادمة، رجلًا آخر ليحل محل شاول ملكًا. إذ كان داود، على نقيض شاول، معروفًا بكونه رجلًا حسب قلب الرب (١ صموئيل ١٣: ١٤). ورغم أن داود سيعصي الله، إلا أن الفرق بينه وبين وشاول كان كبيرًا. إذ كان داود يحس بالخجل والذنب اللذين يحس بهما المرء عندما يُخطئ. وأما شاول، فلم يحسّ بشيء من هذا. فكان ضميره ميّتًا بالنسبة للخزي، وكان قلبه ميتًا بالنسبة لله. كان قلبه ميّتًا إلى درجة أنه تمكّن من عصيان الله مباشرة. وأقام نصبًا تذكاريًّا لنفسه بهذه المناسبة.
٣. نَصَبَ لِنَفْسِهِ نُصْبًا: يبيّن هذا أن شاول ليس نفس الرجل الذي كان يتحلى بنظرة متواضعة إلى نفسه ذات يوم (١ صموئيل ٩: ٢١)، والذي اختبأ بين الأعتدة خجلًا (١ صموئيل ١٠: ٢٢). فقد كشفت السنوات، والانتصارات العسكرية، وهيبة عرش إسرائيل كبرياء قلبه.
“لكن الحقيقة هي أنه كان غيورًا على كرامته ومصلحته، لكن فاترًا نحو الله وأموره.” بوله (Poole)
٤. قَالَ لَهُ شَاوُلُ: “مُبَارَكٌ أَنْتَ لِلرَّبِّ. قَدْ أَقَمْتُ كَلَامَ ٱلرَّبِّ”: أمْكن لشاول أن يأتي إلى نبي الله بمثل هذه الجسارة متفاخرًا بطاعته بسبب كبريائه. وشاول مخدوع الذات، وربما صدّق ما قاله لصموئيل: “قَدْ أَقَمْتُ كَلَامَ ٱلرَّبِّ.” فالكبرياء تقودنا إلى خداع الذات.
قدّم ماكلارين (Maclaren) تعليقًا بالتبصر العميق حول كلام شاول، قَدْ أَقَمْتُ كَلَامَ ٱلرَّبِّ. “إنها أكثر من طاعة حقيقية أن تسارع إلى القول بهذا. فلو فعل شاول هذا، لكان أبطأ في التباهي بهذا.”
و ) الآيات (١٤-١٦): يشرح شاول خطيته لصموئيل.
١٤فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «وَمَا هُوَ صَوْتُ ٱلْغَنَمِ هَذَا فِي أُذُنَيَّ، وَصَوْتُ ٱلْبَقَرِ ٱلَّذِي أَنَا سَامِعٌ؟» ١٥فَقَالَ شَاوُلُ: «مِنَ ٱلْعَمَالِقَةِ، قَدْ أَتَوْا بِهَا، لِأَنَّ ٱلشَّعْبَ قَدْ عَفَا عَنْ خِيَارِ ٱلْغَنَمِ وَٱلْبَقَرِ لِأَجْلِ ٱلذَّبْحِ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ. وَأَمَّا ٱلْبَاقِي فَقَدْ حَرَّمْنَاهُ». ١٦فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «كُفَّ فَأُخْبِرَكَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ إِلَيَّ هَذِهِ ٱللَّيْلَةَ». فَقَالَ لَهُ: “تَكَلَّمْ.”
١. وَمَا هُوَ صَوْتُ ٱلْغَنَمِ هَذَا فِي أُذُنَيَّ، وَصَوْتُ ٱلْبَقَرِ ٱلَّذِي أَنَا سَامِعٌ؟: كان يمكن للمواشي التي أمر الله بوضوح بقتلها أن تشَمّ وتُسمع وتُرى، رغم أن شاول زعم: “قَدْ أَقَمْتُ كَلَامَ ٱلرَّبِّ.”
يجعلنا العصيان والكبرياء عُميًا وصُمًّا عن الخطية. فما كان واضحًا لصموئيل كان غير منظور لشاول. ونحن نعاني جميعًا من نقط عمياء من الخطية في حياتنا. وعلينا أن نطلب بإخلاص واستمرار أن يرينا إياها. نحن نحتاج إلى أن نصلي بإخلاص صلاة مزمور ١٣٩: ٢٣-٢٤: “ٱخْتَبِرْنِي يَا ٱللهُ وَٱعْرِفْ قَلْبِي. ٱمْتَحِنِّي وَٱعْرِفْ أَفْكَارِي. وَٱنْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَٱهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا.”
٢. قَدْ أَتَوْا بِهَا، لِأَنَّ ٱلشَّعْبَ قَدْ عَفَا عَنْ خِيَارِ ٱلْغَنَمِ وَٱلْبَقَرِ: هذا أول عذر في سلسلة من أعذار يقدمها شاول، حيث يبدأ بلوم الشعب، لا نفسه. ثانيًا، شمل نفسه في الطاعة (وَأَمَّا ٱلْبَاقِي فَقَدْ حَرَّمْنَاهُ). ثالثًا، برّر ما احتفظ به بسبب جودته (خِيَارِ ٱلْغَنَمِ وَٱلْبَقَرِ). رابعًا، ادّعى أنه فعل هذا لسبب روحي (لِأَجْلِ ٱلذَّبْحِ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ).
كان هذا منطقيًّا لشاول في كبريائه وخداعه لذاته. لكن هذا لم يعنِ شيئًا لله ولصموئيل. وفي واقع الأمر، كان هذا أسوأ ما يمكن أن يفعله شاول. إذ أظهر أنه يحاول باستماتة أن يبرر خطيته بالتلاعب بالكلمات وأنصاف الحقائق.
كشف شاول في تبريره هذا مشكلته الحقيقية، وهي أن علاقته بالله سيئة. لاحظْ كيف تكلم عن الله لصموئيل: “لِأَجْلِ ٱلذَّبْحِ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ”. فلم يكن الله إله شاول. إذ كان شاول إله نفسه. فكان الله إله صموئيل، لا شاول الذي أزاح الرب عن عرش قلبه.
“أيها الخطاة، أنتم تخطئون في التقدير عندما تقدمون لخدام الله مثل هذه التفسيرات الزائفة لخطاياكم.” بلايكي (Blaikie)
٣. وَأَمَّا ٱلْبَاقِي فَقَدْ حَرَّمْنَاهُ: وكما اتضح الأمر، لم يكن حتى هذا صحيحًا. إذ كان ما زال هنالك عماليق أحياء. وكان على داود أن يتعامل مع عماليق لاحقًا (١ صموئيل ٢٧: ٨؛ ٣٠: ١؛ ٢ صموئيل ٨: ١٢). وكان هامان، ذلك الرجل الشرير الذي حاول أن يقضي على الشعب اليهودي بأكمله في أيام أستير، من نسل أجاج (أستير ٣: ١). ومن السخرية الأدبية في هذا الأمر أنه عندما قُتل شاول في ميدان المعركة، ادعى عماليقي أنه وجّه الضربة القاتلة لشاول بسيفه (٢ صموئيل ١: ٨-١٠). فعندما لا نطيع الله بشكل كامل، فإن القِسم “الباقي” يرتد علينا ويزعجنا، إن لم يقتلنا.
٤. فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: “كُفَّ”: ضاق صموئيل ذِرعًا بكلام شاول وأعذاره. فلم يرغب في الاستماع إلى المزيد منه. فالعذر الذي قدّمه كان واهيًا. والآن، حان أن يصمت، وأن يستمع إلى كلام الرب على لسان صموئيل.
لكن حتى في هذا لا يستطيع شاول أن يصمت. فهو يُظهر رغبته المتسمة بالكبرياء في الاحتفاظ ببعض السيطرة بقوله: ’تكلَّمْ!‘ كما لو أن صموئيل محتاج إلى سماح منه ليتكلم. وسيتكلم النبي، لا لأن شاول سمح له بالكلام، بل سيتكلم لأنه رسول من الله.
ثانيًا. يُرفض شاول ملكًا.
أ ) الآيات (١٧-٢١): التهمة الموجهة لشاول ودفاعه الهزيل.
١٧فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «أَلَيْسَ إِذْ كُنْتَ صَغِيرًا فِي عَيْنَيْكَ صِرْتَ رَأْسَ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ وَمَسَحَكَ ٱلرَّبُّ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، ١٨وَأَرْسَلَكَ ٱلرَّبُّ فِي طَرِيقٍ وَقَالَ: ٱذْهَبْ وَحَرِّمِ ٱلْخُطَاةَ عَمَالِيقَ وَحَارِبْهُمْ حَتَّى يَفْنَوْا؟ ١٩فَلِمَاذَا لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ، بَلْ ثُرْتَ عَلَى ٱلْغَنِيمَةِ وَعَمِلْتَ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ؟». ٢٠فَقَالَ شَاوُلُ لِصَمُوئِيلَ: «إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ وَذَهَبْتُ فِي ٱلطَّرِيقِ ٱلَّتِي أَرْسَلَنِي فِيهَا ٱلرَّبُّ وَأَتَيْتُ بِأَجَاجَ مَلِكِ عَمَالِيقَ وَحَرَّمْتُ عَمَالِيقَ. ٢١فَأَخَذَ ٱلشَّعْبُ مِنَ ٱلْغَنِيمَةِ غَنَمًا وَبَقَرًا، أَوَائِلَ ٱلْحَرَامِ لِأَجْلِ ٱلذَّبْحِ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ فِي ٱلْجِلْجَالِ.
١. وَأَرْسَلَكَ ٱلرَّبُّ فِي طَرِيقٍ (مَهَمَّة) … فَلِمَاذَا لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ: كانت هذه أكثر خطايا شاول وضوحًا. فالله أعطاه أمرًا محددًا فعصاه.
إلا أن جذر العصيان كان أسوأ بكثير، وهو الكبرياء. ويشير صموئيل إلى هذا عندما يتذكر أشياء مختلفة عن شاول أَلَيْسَ (إِذْ كُنْتَ صَغِيرًا فِي عَيْنَيْكَ صِرْتَ رَأْسَ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ). ولم يعد ممكنًا القول عن شاول إنه صغير في عيني نفسه. إذ كان كبيرًا في عيني نفسه، الأمر الذي جعل الله صغيرًا في عينيه.
٢. يصر شاول على أنه بريء في خداعه لذاته حين يقول: قَدْ أَقَمْتُ كَلَامَ ٱلرَّبِّ. ويصف بعد ذلك مباشرة كيف أنه لم يطع صوت الرب قائلًا إنه جلب أجاج، ملك عماليق.
إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ: إن ادعاء شاول أنه جرّم عماليق دليل واضح على قوة خداع النفس وعمقه. إذ كان أمام عينيه عماليقي لم يُقضَ عليه.
٣. فَأَخَذَ ٱلشَّعْبُ مِنَ ٱلْغَنِيمَةِ: بعد إصرار شاول على براءته، لام الشعب على خطيته. فكان تصريحه يمثل نصف الحقيقة، ويعني أنها كانت كذبة كاملة. صحيح أن الشعب أخذ الغنيمة، لكنهم فعلوا هذا متّبعين مثال شاول (الذي عفا عن أجاج، ملك عماليق) وبسماح منه، لأنه لم يفعل شيئًا ليمنعهم من فعل ذلك.
من المؤكد أن شاول كان متحمسًا لدى توجيهه أوامره لجيشه عندما كان الأمر يلائمه. ففي الإصحاح السابق أصدر حكمًا بالموت على أي شخص أكل شيئًا في يوم المعركة. وكان على استعداد لقتل ابنه بسبب حرصه على طاعة أوامره. كان شاول ممتلئًا بالنار والحماسة عندما يتعلق الأمر بمشيئه الخاصة، لا بمشيئة الرب.
ب) الآيات (٢٢-٢٣): يتنبّأ صموئيل بدينونة الله على الملك شاول.
٢٢فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «هَلْ مَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِٱلْمُحْرَقَاتِ وَٱلذَّبَائِحِ كَمَا بِٱسْتِمَاعِ صَوْتِ ٱلرَّبِّ؟ هُوَذَا ٱلِٱسْتِمَاعُ أَفْضَلُ مِنَ ٱلذَّبِيحَةِ، وَٱلْإِصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ ٱلْكِبَاشِ. ٢٣لِأَنَّ ٱلتَّمَرُّدَ كَخَطِيَّةِ ٱلْعِرَافَةِ، وَٱلْعِنَادُ كَٱلْوَثَنِ وَٱلتَّرَافِيمِ. لِأَنَّكَ رَفَضْتَ كَلَامَ ٱلرَّبِّ رَفَضَكَ مِنَ ٱلْمُلْكِ.”
١. هَلْ مَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِٱلْمُحْرَقَاتِ وَٱلذَّبَائِحِ كَمَا بِٱسْتِمَاعِ صَوْتِ ٱلرَّبِّ؟ هُوَذَا ٱلِٱسْتِمَاعُ أَفْضَلُ مِنَ ٱلذَّبِيحَةِ، وَٱلْإِصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ ٱلْكِبَاشِ: الممارسات الدينية من دون طاعة هي فارغة من المعنى أمام الله. وأفضل ذبيحة يمكننا أن نقدمها لله هو القلب التوّاب (مزمور ٥١: ١٦-١٧) وتقديم أجسادنا لخدمته في طاعة (رومية ١٢: ١).
يمكن للمرء أن يقدم ألف ذبيحة لله، وأن يعمل ألف ساعة لأجل خدمته، أو أن يعطي ملايين الدولارات لأجل عمله. لكن هذه كلها تعني القليل إذا لم يكن هنالك قلب مستسلم لله يعكس هذا الاستسلام في طاعة بسيطة واضحة.
في الذبيحة يقدَّم لحم مخلوق آخر. وفي الطاعة تقدَّم إرادتنا لله. قال لوثر: “أفضّل أن أكون مطيعًا على أن أكون قادرًا على عمل المعجزات.” تراب (Trapp)
٢. لِأَنَّ ٱلتَّمَرُّدَ كَخَطِيَّةِ ٱلْعِرَافَةِ، وَٱلْعِنَادُ كَٱلْوَثَنِ وَٱلتَّرَافِيمِ: من المؤكد أن القلب المتمرد العنيد يرفض الله كما يرفض شخص الله بممارساته السحرية وعباداته الوثنية.
لم تكن مشكلة شاول مجرد إهماله بعض الشعائر. هكذا فكّر شاول في طاعة الله. وفي عالم اليوم، يمكن أن يقول المرء: “ماذا؟ هل يريد الله أن أذهب إلى الكنيسة مرات أكثر؟ حسنًا. سأذهب.” لكن الممارسات الدينية لم تكن مشكلة شاول. إذ كانت المشكلة أن قلبه صار متمردًا وعنيدًا تجاه الله. فإن لم تساعد هذه الممارسات في هذه المشكلة، فإنها بلا فائدة.
سيكون سهلًا على شاول أن يشير بإصبعه إلى العمالقة أو الفلسطيين ويقول: “انظروا إلى عبّاد الأوثان غير الأتقياء. إنهم لا يعبدون الإله الحقيقي كما أفعل.” لكن شاول لم يكن يعبد الإله الحقيقي، لأن العبادة الحقيقية لله تبدأ بالاستسلام له.
“كل عصيان واعٍ هو في الواقع عبادة وثنية، لأنه يجعل إرادة الإنسان إلهًا.” كيل وديلتزتش (Keil and Delitszch)
٣. لِأَنَّكَ رَفَضْتَ كَلَامَ ٱلرَّبِّ رَفَضَكَ مِنَ ٱلْمُلْكِ: رفض شاول كلام الله في ممارساته الدينية الفارغة، وتمرده، وعناد قلبه تجاه الله. فرفضه الله بحق ملكًا على إسرائيل.
سيكون من السهل أن نقول: ماذا؟ هل سيُرفض شاول ملكًا لأنه عفا عن ملك وبعض الغنائم والبقر؟ لقد فعل ملوك لاحقون لإسرائيل ما هو أسوأ، لكنهم لم يُرفَضوا كملوك. فلماذا يكون الله قاسيًا إلى هذا الحد مع شاول.” لكن الله رأى قلب شاول ومدى عصيانه وعناده. كانت حالة شاول مثل جبل جليدي مغمور تحت البحر ولا يظهر منه إلا رأسه الصغير الذي يبدو التعامل معه والتحكم فيه أمرًا ممكنًا. لكن يوجد تحت السطح أكثر بكثير مما لا يمكن رؤيته، غير أن الله كان قادرًا على رؤية هذا.
وهكذا رُفض شاول ملكًا، لكنْ ستمُر ٢٥ عامًا قبل أن يقوم ملك آخر على إسرائيل. كان رفض شاول نهائيًّا، لكن ليس فوريًّا. وسيستخدم الله هذه السنوات الخمس والعشرين في تدريب البديل الملائم لشاول.
ج) الآيات ( ٢٤-٢٥): محاولات شاول الضعيفة للتوبة.
٢٤فَقَالَ شَاوُلُ لِصَمُوئِيلَ: «أَخْطَأْتُ لِأَنِّي تَعَدَّيْتُ قَوْلَ ٱلرَّبِّ وَكَلَامَكَ، لِأَنِّي خِفْتُ مِنَ ٱلشَّعْبِ وَسَمِعْتُ لِصَوْتِهِمْ. ٢٥وَٱلْآنَ فَٱغْفِرْ خَطِيَّتِي وَٱرْجِعْ مَعِي فَأَسْجُدَ لِلرَّبِّ.
١. أَخْطَأْتُ لِأَنِّي تَعَدَّيْتُ قَوْلَ ٱلرَّبِّ وَكَلَامَكَ: تبدأ عبارة شاول وكأنها اعتراف حقيقي. لكن هذا يتغير عندما يواصل كلامه “لِأَنِّي خِفْتُ مِنَ ٱلشَّعْبِ وَسَمِعْتُ لِصَوْتِهِمْ.” رفض شاول الاعتراف بمسؤوليته عن خطيته. وبدلًا من ذلك، لام الشعب الذين ’أجبروه‘ على فِعل ما فعله.
“عندما لم يَعُد يقوى على الإنكار، قدّم اعترافًا قسريًّا ومزيّفًا مدفوعًا بالخطر والضرر اللذين تسببت فيهما خطيته، لا ببشاعة الخطية نفسها، محاولًا الحصول على الأفضل من مسألة سيئة.” تراب (Trapp)
يحاول شاول بقوله “لِأَنِّي خِفْتُ مِنَ ٱلشَّعْبِ وَسَمِعْتُ لِصَوْتِهِمْ” أن يبرر خطية بخطية أخرى. “ولو أنه خشي الله أكثر، لَقَلَّ خوفه من الشعب.” كلارك (Clarke)
٢. وَٱلْآنَ فَٱغْفِرْ خَطِيَّتِي وَٱرْجِعْ مَعِي فَأَسْجُدَ لِلرَّبِّ: بدلًا من أن يتعامل شاول مع مشكلة قلبه العميقة المتمثّلة في التمرد على الله وعناده تجاهه، ظنّ أن كلمة من صموئيل يمكن أن تصلح الأمور كلها. لكن كلمة من صموئيل لن تقدر أن تغيّر من طبيعة قلب شاول المستقرة.
عرف الله أن قلب شاول ممتلئ بالتمرد والعناد، وأن حالته هذه مستقرة. وهذا أمر لا يستطيع أن يعرفه أحد على وجه اليقين، لأنه ينظر من الخارج. لكن الله عرف ذلك وأخبر صموئيل. ولن تنفع عبارة بسيطة مثل ’ٱغْفِرْ خَطِيَّتِي‘ ما دام القلب مستقرًّا في الخطية والتمرد على الله.
د ) الآيات (٢٦-٣١): رفْض الله لشاول ملكًا على إسرائيل أمر نهائي.
٢٦فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «لَا أَرْجِعُ مَعَكَ لِأَنَّكَ رَفَضْتَ كَلَامَ ٱلرَّبِّ، فَرَفَضَكَ ٱلرَّبُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ». ٢٧وَدَارَ صَمُوئِيلُ لِيَمْضِيَ، فَأَمْسَكَ بِذَيْلِ جُبَّتِهِ فَٱنْمَزَقَ. ٢٨فَقَالَ لَهُ صَمُوئِيلُ: «يُمَزِّقُ ٱلرَّبُّ مَمْلَكَةَ إِسْرَائِيلَ عَنْكَ ٱلْيَوْمَ وَيُعْطِيهَا لِصَاحِبِكَ ٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ. ٢٩وَأَيْضًا نَصِيحُ إِسْرَائِيلَ لَا يَكْذِبُ وَلَا يَنْدَمُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانًا لِيَنْدَمَ». ٣٠فَقَالَ: “قَدْ أَخْطَأْتُ. وَٱلْآنَ فَأَكْرِمْنِي أَمَامَ شُيُوخِ شَعْبِي وَأَمَامَ إِسْرَائِيلَ، وَٱرْجِعْ مَعِي فَأَسْجُدَ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ.” ٣١فَرَجَعَ صَمُوئِيلُ وَرَاءَ شَاوُلَ، وَسَجَدَ شَاوُلُ لِلرَّبِّ.
١. لَا أَرْجِعُ مَعَكَ لِأَنَّكَ رَفَضْتَ كَلَامَ ٱلرَّبِّ، فَرَفَضَكَ ٱلرَّبُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ: لم يعد لدى صموئيل ما يقوله حول هذا الأمر غير ما قاله الرب لشاول من خلاله (١ صموئيل ١٥: ٢٣). ولم يعد هنالك ما يمكن الحديث عنه.
ما الذي يدفع صموئيل إلى القول ’لَا أَرْجِعُ مَعَكَ‘ بينما أراد شاول أن يعبد الرب معه؟ لأن تلك العبادة ستشمل بلا شك بعض الذبائح والتقدمات التي غنمها شاول في شره من عماليق.
٢. فَأَمْسَكَ بِذَيْلِ جُبَّتِهِ فَٱنْمَزَقَ. فَقَالَ لَهُ صَمُوئِيلُ: يُمَزِّقُ ٱلرَّبُّ مَمْلَكَةَ إِسْرَائِيلَ عَنْكَ ٱلْيَوْمَ: يقدّم عمل شاول اليائس درسًا موضوعيًّا حيًّا حول الكيفية التي ستمزَّق بها المملكة منه.
بقدر ما كانت قطعة الثوب الممزقة كانت بلا فائدة، فإن قيادة شاول للأمة الآن غير مجدية. وهو الآن يملك بطريقة مضادة لله، لا من أجله. وكما تمزق الثوب عندما أمسك به شاول بقوة، كذلك فإن قبضته الشديدة على كبريائه وعناده عنت أن المملكة ستُنزع منه. وفي هذا الصدد، كان شاول نقيض يسوع الذي قيل عنه: “ٱلَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ ٱللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا لِلهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ” (فيلبي ٢: ٦-٧). كان يسوع مستعدًّا للتخلي عن كل هذه الامتيازات، لكن شاول أصر على التمسك بكل شيء. ولهذ خسر شاول كل شيء، بينما ربح يسوع كل شيء.
٣. نَصِيحُ (قوة) إِسْرَائِيلَ لَا يَكْذِبُ وَلَا يَنْدَمُ: ظن شاول أن هنالك طريقة للخروج من هذا الوضع. وتساءل عما يمكن أن يفعله لكي ’يصلح‘ هذا الأمر. فأخبره صموئيل أنه لا يوجد ما يمكن القيام به. إذ كان قضاء الله نهائيًّا ودائمًا.
يستخدم صموئيل لقبًا لله لا يوجد في الكتاب المقدس إلا هنا: وهو قوّة إسرائيل. ومن شأن هذا أن يذكّر شاول أن الرب مصمم على قصده، وأنه قوي في إرادته. ولن يكون هنالك أي تغيير.
كان لقب ’قوة إسرائيل‘ مهمًّا أيضًا، لأنه في ذلك الوقت ربما ظن شاول أنه هو قوة إسرائيل. لكن الرب هو قوة إسرائيل، واحتاج شاول إلى أن يسمع هذه الحقيقة.
٤. قَدْ أَخْطَأْتُ. وَٱلْآنَ فَأَكْرِمْنِي أَمَامَ شُيُوخِ شَعْبِي وَأَمَامَ إِسْرَائِيلَ: يُظهر شاول في توسُّله المستميت هذا أعماق كبريائه. فهو أكثر اهتمامً بصورته أمام الآخرين من اهتمامه بروحه.
“يكشف هنا نفاقه ودافعه الحقيقي لهذا الاعتراف والاعتراف السابق. لم يكن حريصًا على رضا الله، بل على كرامته وقوته في إسرائيل.” بوله (Poole)
٥. فَرَجَعَ صَمُوئِيلُ وَرَاءَ شَاوُلَ، وَسَجَدَ شَاوُلُ لِلرَّبِّ: لم يَقُدْ صموئيل تمردًا على شاول، لأن الله لم يُقم بديلًا لشاول بعد. وكان وجود شاول أفضل من فوضى يمكن أن تنتج عن عدم وجود ملك.
٦. فَرَجَعَ صَمُوئِيلُ وَرَاءَ شَاوُلَ، وَسَجَدَ شَاوُلُ لِلرَّبِّ: هل نفع هذا شاول؟ لم يفعل هذا خيرًا في استرداد المملكة لشاول. فالقرار الذي اتخذه الله كان نهائيًّا لا رجعة عنه. لكن ربما فعل فائدة في تقريب قلب شاول المتكبر العنيد إلى الله من أجل خلاص نفسه. وعلى الأقل، كانت لديه الفرصة لهذا، ولهذا سمح صموئيل له بأن يأتي معه ويعبد الرب.
هـ) الآيات (٣٢-٣٣): صموئيل ينفذ إرادة الله.
٣٢وَقَالَ صَمُوئِيلُ: «قَدِّمُوا إِلَيَّ أَجَاجَ مَلِكَ عَمَالِيقَ». فَذَهَبَ إِلَيْهِ أَجَاجُ فَرِحًا. وَقَالَ أَجَاجُ: «حَقًّا قَدْ زَالَتْ مَرَارَةُ ٱلْمَوْتِ». ٣٣فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «كَمَا أَثْكَلَ سَيْفُكَ ٱلنِّسَاءَ، كَذَلِكَ تُثْكَلُ أُمُّكَ بَيْنَ ٱلنِّسَاءِ». فَقَطَعَ صَمُوئِيلُ أَجَاجَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ فِي ٱلْجِلْجَالِ.
١. وَقَالَ صَمُوئِيلُ: “قَدِّمُوا إِلَيَّ أَجَاجَ مَلِكَ عَمَالِيقَ”: لم تُحسم المسألة بالنسبة لصموئيل. إذ كانت هنالك مسألة طاعة شاول الناقصة. فقد أمره الله بتحريم كل عماليقي، حتى ولو لم يطعه شاول.
٢. وَقَالَ أَجَاجُ: “حَقًّا قَدْ زَالَتْ مَرَارَةُ ٱلْمَوْتِ”: عندما جاء أجاج إلى النبي العجوز، اعتقد: “عفا الله عما مضى! أعتقد أن هذا النبي العجوز سيسمح لي بالعودة إلى بيتي الآن.” تقول إحدى الترجمات التفسيرية: “وصل أجاج ممتلئًا بالبسمات، لأنه ظن: “من المؤكد أن الأسوأ قد مضى، وقد نجوت.”
“لقد نجوت من يدي رئيس محارب في غمرة المعركة. ومن المؤكد أنني لن أموت على يد نبي عجوز في وقت سلام.” بول (Poole)
٣. كَمَا أَثْكَلَ سَيْفُكَ ٱلنِّسَاءَ، كَذَلِكَ تُثْكَلُ أُمُّكَ بَيْنَ ٱلنِّسَاءِ: يوضح صموئيل أن أجاج لم يكن متفرجًا بريئًا في ما يتعلق بالفظائع التي ارتكبها عماليق بحق إسرائيل. فكان أجاج القائد الشرير العنيف لشعب شرير عنيف. فكانت دينونة الله عادلة.
٤. فَقَطَعَ صَمُوئِيلُ أَجَاجَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ فِي ٱلْجِلْجَالِ: كان صموئيل كاهنًا أشرف على مئات الذبائح الحيوانية، وعرف شعور الألم عندما يقطع حد السيف اللحم. لكن لم يسبق له أن قتل شخصًا آخر. والآن، يرفع هذا النبي العجوز سيفًا أو سكينًا ضخمة من دون تردد، كما كان يفعل عند تقديم الذبائح، وأهواها على هذا الملك المتكبر العنيف. فَقَطَعَ صَمُوئِيلُ أَجَاجَ.
من الملاحظ هنا أن صموئيل فعل هذا أمام الرب. لم يفعله أمام شاول ليبيّن له مدى ضعفه وكبريائه. ولم يفعله أمام إسرائيل ليبيّن قوة صموئيل وصلابته. بل فعله أمام الرب في طاعة قاسية له. لا بد أن هذا المشهد قلَبَ أمعاء المراقبين. غير أنه فعل هذا أمام الرب.
“لكن ليست هذه سوابق لأشخاص ينفّذون العدالة بأيديهم. إذ يتوجب علينا أن نعيش وفقًا لشرائع الله، وليس وفقًا لأمثلة استثنائية.” بوله (Poole)
و ) الآيات (٣٤-٣٥) الانقسام المأساوي بين صموئيل وشاول.
٣٤وَذَهَبَ صَمُوئِيلُ إِلَى ٱلرَّامَةِ، وَأَمَّا شَاوُلُ فَصَعِدَ إِلَى بَيْتِهِ فِي جِبْعَةِ شَاوُلَ. ٣٥وَلَمْ يَعُدْ صَمُوئِيلُ لِرُؤْيَةِ شَاوُلَ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهِ، لِأَنَّ صَمُوئِيلَ نَاحَ عَلَى شَاوُلَ. وَٱلرَّبُّ نَدِمَ لِأَنَّهُ مَلَّكَ شَاوُلَ عَلَى إِسْرَائِيلَ.
١. وَلَمْ يَعُدْ صَمُوئِيلُ لِرُؤْيَةِ شَاوُلَ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهِ: عرف صموئيل أنه ليس ملائمًا له أن يرى شاول. بل كان من الملائم والمفترض أن يأتي شاول إلى صموئيل بتواضع وتوبة أمام الرب. ومن المرجح أن هذا لن يعيد المملكة إلى شاول، لكنه سيرد قلبه إلى الله. ومن المؤسف أن شاول لم يذهب لرؤية صموئيل. كانت المسافة بيت الرامة وجبعة أقل من عشرة أميال، لكن لم يرَ أحدهما الآخر بعد ذلك.
“لكننا نقرأ في ١٩: ٢٢-٢٤ أن شاول ذهب ليرى صموئيل في نايوت، لكن هذا لا يؤثر في ما يقال هنا. فمن ذلك الوقت، لم تكن لصموئيل صلة بشاول، ولم يعد يقر به كملك. وناح عليه، وصلى من أجله.” كلارك (Clarke)