١ صموئيل ١٠
شاول يُمسَح ويعلَن ملكًا
أولًا. يُمسح شاول ملكًا على إسرائيل.
أ ) الآية (١): صموئيل يمسح شاول.
١فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ قِنِّينَةَ ٱلدُّهْنِ وَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَقَبَّلَهُ وَقَالَ: أَلَيْسَ لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ مَسَحَكَ عَلَى مِيرَاثِهِ رَئِيسًا.
١. فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ قِنِّينَةَ ٱلدُّهْنِ وَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ: كانت هذه مسحة حقيقية لشاول. وتعني كلمة ’يمسح‘ “أن يفرك سائلًا زيتيًّا على الرأس، أو أن يرش به عليه، أو أن يضع مرهمًا عليه.” مُسح شاول بالزيت عندما صَبَّ صموئيل الزيت عَلَى رَأْسِهِ.
لكن فكرة المسحة أكثر بكثير. إذ كان ما حدث لرأس شاول صورة لما فعله الله فيه روحيًّا. فكان الزيت المقدَّس يُسكب عليه مؤهِّلًا إياه لمَهَمّة الحكم كملك على إسرائيل.
لدينا نحن كمؤمنين بالمسيح، بموجب العهد الجديد، مسحة أيضًا. إذ لدينا مسحة من القدوس (١ يوحنا ٢: ٢٠). وبموجب العهد الجديد، تحمل المسحة فكرة الامتلاء بالروح القدس والمبارَكة منه. وهذا مشترك بين جميع المؤمنين. لكنه شيء يمكننا أن نخضع له أكثر ونُبدي استجابة أكثر له.
٢. وَقَبَّلَهُ: لم تكن هذه مجرد تحية. إذ كانت أيضًا علامة على دعم شخصي لشاول. فكان أمرًا مهمًّا أن يحس ملك إسرائيل بدعم رجل الله.
٣. أَلَيْسَ لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ مَسَحَكَ: مسح الرب شاول وكانت هناك جوانب عديدة لهذه المسحة لن ينساها شاول يومًا.
كانت مسحة سرّيّة، لأنه لم يحن الوقت بعد لإعلان شاول ملكًا على الأُمّة. ونحن كمؤمنين بالمسيح، غالبًا ما تأتي مسحتنا بطريقة خاصّة، وليس في احتفال مبهرج عام.
كانت مسحة واضحة لا تُنسى، لأن رأس شاول نُقِع في الزيت. وتصف مزمور ١٣٣: ٢ كيف يمكن أن تكون المسحة فوضوية، حيث تُغرق الرأس، وتنزل على الوجه لتبلل اللحية، وتنزل على أهداب الثوب. وكمؤمنين بالمسيح، ينبغي أن يكون امتلاؤنا بالروح القدس وتمكينه لنا واضحًا لا يُنسى. وكان بمقدور أن يسترجع هذا الحدث ويتذكر أن الله دعاه إلى شيء خاص كملك على إسرائيل.
٤. عَلَى مِيرَاثِهِ رَئِيسًا: ذكّر صموئيل شاول بأن إسرائيل تخص الرب، وبأنه ميراثه. وفي الوقت نفسه، كانت لدى شاول مهمة ينبغي القيام بها، لأن الله وضعه رئيسًا على ميراثه. إذ ينبغي أن يكون أفضل ملك حسب قدرته، لأن عليه أن يهتم بشعب يخص الرب.
ب) الآية (٢): صموئيل يخبر شاول عن علامة تثبّت مسحته كملك.
٢فِي ذَهَابِكَ ٱلْيَوْمَ مِنْ عِنْدِي تُصَادِفُ رَجُلَيْنِ عِنْدَ قَبْرِ رَاحِيلَ، فِي تُخْمِ بَنْيَامِينَ فِي صَلْصَحَ، فَيَقُولَانِ لَكَ: قَدْ وُجِدَتِ ٱلْأُتُنُ، ٱلَّتِي ذَهَبْتَ تُفَتِّشُ عَلَيْهَا، وَهُوَذَا أَبُوكَ قَدْ تَرَكَ أَمْرَ ٱلْأُتُنِ وَٱهْتَمَّ بِكُمَا قَائِلًا: مَاذَا أَصْنَعُ لِٱبْنِي.
١. تُصَادِفُ رَجُلَيْنِ عِنْدَ قَبْرِ رَاحِيلَ: أعطى صموئيل شاول كلمة نبوية محددة يمكن بها أن يثق بأن مسحته كانت من الله. فإذا لم تكن هنالك رجلان عند قبر راحيل، وإذا كان هنالك رجل واحد بدلًا من اثنين، فسيعرف أن صموئيل لم يتكلم من الله حقًّا.
ومع ذلك، ومن الناحية النظرية البحتة، كان من الممكن أن يكون هنالك ثلاثة رجال عند قبر راحيل، وستظل النبوة صحيحة. ولا يمكننا القول إن هنالك رجلين إن لم يكن إلا رجل واحد فقط. وعندما تكون الكلمة من الله، فإنها تتحقق دائمًا كما يقولها، لا كما نتوقعها نحن.
٢. فَيَقُولَانِ لَكَ: إذا لم يخبر الرجلان عند قبر راحيل شاول عن العثور على الحمير، كان بإمكان شاول أن يعرف أن صموئيل لم يكن نبيًّا. فقد أعطى الله هذه النبوة من أجل بناء الثقة في عمل الرب.
نحتاج إلى أن نثق بتثبيت الله على طول الطريق. إذ لم يُرِد الله أن يشك شاول في دعوته لاحقًا، ولهذا أعطاه تثبيتًا كثيرًا.
ج) الآيات (٣- ٤): صموئيل يخبر شاول بعلامة أخرى لتثبيت ما فعله الرب.
٣وَتَعْدُو مِنْ هُنَاكَ ذَاهِبًا حَتَّى تَأْتِيَ إِلَى بَلُّوطَةِ تَابُورَ، فَيُصَادِفُكَ هُنَاكَ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ صَاعِدُونَ إِلَى ٱللهِ إِلَى بَيْتِ إِيلٍ، وَاحِدٌ حَامِلٌ ثَلَاثَةَ جِدَاءٍ، وَوَاحِدٌ حَامِلٌ ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةِ خُبْزٍ، وَوَاحِدٌ حَامِلٌ زِقَّ خَمْرٍ. ٤فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْكَ وَيُعْطُونَكَ رَغِيفَيْ خُبْزٍ، فَتَأْخُذُ مِنْ يَدِهِمْ.
١. بَلُّوطَةِ تَابُورَ… ثَلَاثَةُ رِجَالٍ… ثَلَاثَةَ جِدَاءٍ… ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةِ خُبْزٍ… زِقَّ خَمْرٍ… وَيُعْطُونَكَ… فَتَأْخُذُ: مرة أخرى، يعطي صموئيل شاول توقعات محددة حتى يتحقق منها بدقة. ربما قد يستخدم الله كلمات عامة غامضة (مثل القول لجمهور من ٥٠٠ شخص: ’هنالك شخص يعاني من صداع‘)، لكن هذا ليس دليلًا مذهلًا على النبوة.
٢. فَتَأْخُذُ مِنْ يَدِهِمْ: سيكون من غير المعتاد أن يعطي أشخاص غريبًا مثل شاول رغيفي خبز. لكنه سيتلقى كملك في الغالب هدايا. فكانت هذه طريقة جيدة لتثبيت مسحته كملك.
رَغِيفَيْ خُبْزٍ: “كلما كانت الهدية أكثر غرابة، كانت أكثر ملاءمة كعلامة على عناية الله الاستثنائية في شؤون شاول.” بوله (Poole)
د ) الآيات (٥-٧): صموئيل يخبر شاول بعلامة ثالثة لأجل تثبيت ما فعله الرب.
٥بَعْدَ ذَلِكَ تَأْتِي إِلَى جِبْعَةِ ٱللهِ حَيْثُ أَنْصَابُ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَيَكُونُ عِنْدَ مَجِيئِكَ إِلَى هُنَاكَ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ أَنَّكَ تُصَادِفُ زُمْرَةً مِنَ ٱلْأَنْبِيَاءِ نَازِلِينَ مِنَ ٱلْمُرْتَفَعَةِ وَأَمَامَهُمْ رَبَابٌ وَدُفٌّ وَنَايٌ وَعُودٌ وَهُمْ يَتَنَبَّأُونَ. ٦فَيَحِلُّ عَلَيْكَ رُوحُ ٱلرَّبِّ فَتَتَنَبَّأُ مَعَهُمْ وَتَتَحَوَّلُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ. ٧وَإِذَا أَتَتْ هَذِهِ ٱلْآيَاتُ عَلَيْكَ، فَٱفْعَلْ مَا وَجَدَتْهُ يَدُكَ، لِأَنَّ ٱللهَ مَعَكَ.
١. زُمْرَةً مِنَ ٱلْأَنْبِيَاءِ: على ما يبدو، كان هؤلاء يطلبون الرب ويعبدونه في مكان العبادة، المرتفعة، ولا يعني كونهم يتنبأون أنهم كانوا كلهم يتوقعون أحداثًا في المستقبل. لكنهم كانوا يتكلمون تحت وحي الروح القدس.
“غالبًا ما كان أفراد تلك الزمرة النبوية شبّانًا (٢ ملوك ٥: ٢٢؛ ٩: ٤)، وكثيرًا ما كانوا يعيشون معًا (٢ ملوك ٦: ١-٢)، ويأكلون معًا (٢ ملوك ٤: ٣٨)، وكانوا يتلقون دعمًا من إسرائيليين كرماء (٢ ملوك ٤: ٤٢-٤٣). وقد قدّم صموئيل إرشادًا وتوجيهًا لهذه الحركة في مراحلها المبكرة، كما سيفعل إيليا وأليشع لاحقًا.” يونغبلود (Youngblood)
٢. فَيَحِلُّ عَلَيْكَ رُوحُ ٱلرَّبِّ: كان قبول الروح القدس هو المسحة الحقيقية. فكان سكب الزيت على رأس شاول مجرد صورة لهذا. قد يُصَب جالون من الزيت على رأسه، لكن إن لم يحل الروح القدس عليه، فلن يعني هذا شيئًا.
لاحظ بوله (Poole) أن تعبير ’يحل عليك‘ هو حرفيًّا في النص العبري ’سيقفز عليك،‘ أو ’يندفع عليك‘ لفترة. وقد يتعارض هذا مع حلول (مكوث) الروح القدس على إنسان كما في عدد ١١: ٢٥؛ إشعياء ١١: ٢.
٣. فَتَتَنَبَّأُ مَعَهُمْ وَتَتَحَوَّلُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ: قبل هذا لم يكن شاول رجلًا روحيًّا على نحو مميز. وكان تنبُّؤه – أي التحدث بوحي من الرب، سواء أكان بتوقُّع لأحداث في المستقبل أم بتشجيع الآخرين، أو التحدث إلى الله – دليلًا حقيقيًّا على أنه تحوَّل إلى رجل آخر.
لكي يستخدم الله شاول على أكمل وجه، كان لا بد أن يحوّله إلى رجل آخر بملئه بالروح القدس.
٤. وَإِذَا أَتَتْ هَذِهِ ٱلْآيَاتُ عَلَيْكَ: رتَّب الله لأن يكون كل واحد من هذه الأحداث الثلاثة علامة نبوية لشاول. فالله يثبّت مسحته دائمًا.
هـ) الآية (٨): يأمر صموئيل شاول أن ينتظره في الجلجال.
٨وَتَنْزِلُ قُدَّامِي إِلَى ٱلْجِلْجَالِ، وَهُوَذَا أَنَا أَنْزِلُ إِلَيْكَ لِأُصْعِدَ مُحْرَقَاتٍ وَأَذْبَحَ ذَبَائِحَ سَلَامَةٍ. سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَلْبَثُ حَتَّى آتِيَ إِلَيْكَ وَأُعَلِّمَكَ مَاذَا تَفْعَلُ.
١. سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَلْبَثُ: كان هذا أمرًا مهمًّا. فالملوك، بحكم طبيعة منصبهم، لا ينتظرون أحدًا. . لكن صموئيل أمر شاول بأن ينتظره، لأن لدى نبي الله سلطة حقيقية أكبر من ملك إسرائيل. فكان على شاول أن يبيّن أنه خاضع للرب ولنبي الرب رغم أنه ملك. ومن شأن عدم انتظار صموئيل أن يورّطه في متاعب في المستقبل.
و ) الآيات (٩-١٣): مجيء العلامات.
٩وَكَانَ عِنْدَمَا أَدَارَ كَتِفَهُ لِكَيْ يَذْهَبَ مِنْ عِنْدِ صَمُوئِيلَ أَنَّ ٱللهَ أَعْطَاهُ قَلْبًا آخَرَ، وَأَتَتْ جَمِيعُ هَذِهِ ٱلْآيَاتِ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ. ١٠وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى هُنَاكَ إِلَى جِبْعَةَ، إِذَا بِزُمْرَةٍ مِنَ ٱلْأَنْبِيَاءِ لَقِيَتْهُ، فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ ٱللهِ فَتَنَبَّأَ فِي وَسَطِهِمْ. ١١وَلَمَّا رَآهُ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ عَرَفُوهُ مُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ أَنَّهُ يَتَنَبَّأُ مَعَ ٱلْأَنْبِيَاءِ، قَالَ ٱلشَّعْبُ، ٱلْوَاحِدُ لِصَاحِبِهِ: «مَاذَا صَارَ لِٱبْنِ قَيْسٍ؟ أَشَاوُلُ أَيْضًا بَيْنَ ٱلْأَنْبِيَاءِ؟» ١٢فَأَجَابَ رَجُلٌ مِنْ هُنَاكَ وَقَالَ: «وَمَنْ هُوَ أَبُوهُمْ؟». وَلِذَلِكَ ذَهَبَ مَثَلًا: «أَشَاوُلُ أَيْضًا بَيْنَ ٱلْأَنْبِيَاءِ؟». ١٣وَلَمَّا ٱنْتَهَى مِنَ ٱلتَّنَبِّي جَاءَ إِلَى ٱلْمُرْتَفَعَةِ.
١. وَكَانَ عِنْدَمَا أَدَارَ كَتِفَهُ لِكَيْ يَذْهَبَ مِنْ عِنْدِ صَمُوئِيلَ أَنَّ ٱللهَ أَعْطَاهُ قَلْبًا آخَرَ: لم يكن باستطاعة صموئيل أن يعطي شاول قلبًا جديدًا. فروح الرب هو وحده القادر على فعل ذلك. ولكي يبيّن الله هذا، لم يمنح تغيير القلب هذا لشاول إلا بعد أن غادر محضر صموئيل. لقد أراد لشاول أن يكرم صموئيل، لكن ليس في مكان الرب.
ٱللهَ أَعْطَاهُ قَلْبًا آخَرَ: لم يعطه صموئيل هذا القلب الجديد ولم يحصل شاول عليه بنفسه. فكان القلب الجديد هبة من الرب. ويمكن أن نحصل نحن أيضًا على قلب آخر من الرب. لكن يتوجب علينا أن نقبله منه. ولا نستطيع أن نقبله من أي شخص آخر غيره. ولا نستطيع أن نضع قلبًا جديدًا في أي شخص آخر.
٢. أَشَاوُلُ أَيْضًا بَيْنَ ٱلْأَنْبِيَاءِ؟: صارت هذه العبارة مثلًا يصف دهشة المر لصيرورة شخص شديد التدين. وكما يقولون، ’هل صار متعلقًا بالدين؟‘ لم يكن شاول رجلًا روحيًّا، لكنه صار روحيًّا عندما حلّ روح الرب عليه.
٣. وَمَنْ هُوَ أَبُوهُمْ؟ يعني هذا السؤال: ’من هو مصدر الوحي الذي جاء إلى هؤلاء الأنبياء.‘ فإن كان الله هو مصدر وحيهم، فليس غريبًا أن الرب ألْهَم (أعطى وحيًا) شخصًا غير محتمل مثل شاول.
٤. وَلَمَّا ٱنْتَهَى مِنَ ٱلتَّنَبِّي: تنبّأ شاول من دون أن يُعترف به كنبي يومًا. ويبيّن هذا أن شخصًا ما يمكن أن يتلقى نبوة كعطية من الروح القدس من دون أن يكون نبيًّا بمعنى أن يكون له هذا المنصب أو اللقب.
ز ) الآيات (١٤-١٦): يخفي شاول خبرته عن عائلته.
١٤فَقَالَ عَمُّ شَاوُلَ لَهُ وَلِغُلَامِهِ: «إِلَى أَيْنَ ذَهَبْتُمَا؟» فَقَالَ: «لِكَيْ نُفَتِّشَ عَلَى ٱلْأُتُنِ. وَلَمَّا رَأَيْنَا أَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ جِئْنَا إِلَى صَمُوئِيلَ». ١٥فَقَالَ عَمُّ شَاوُلَ: «أَخْبِرْنِي مَاذَا قَالَ لَكُمَا صَمُوئِيلُ؟». ١٦فَقَالَ شَاوُلُ لِعَمِّهِ: «أَخْبَرَنَا بِأَنَّ ٱلْأُتُنَ قَدْ وُجِدَتْ». وَلَكِنَّهُ لَمْ يُخْبِرْهُ بِأَمْرِ ٱلْمَمْلَكَةِ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ صَمُوئِيلُ.
١. إِلَى أَيْنَ ذَهَبْتُمَا: ربما كان هذا سؤالًا بسيطًا منطقيًّا، أو ربما رغب عم شاول في معرفة لماذا كان شعر صموئيل لامعًا زيتيًّا للغاية.
٢. لَمْ يُخْبِرْهُ بِأَمْرِ ٱلْمَمْلَكَةِ: يبدو غريبًا أن شاول لم يخبره بما اختبره، أو ربما كان شاول حكيمًا، عالمًا أن الرب سيعلنه ملكًا على إسرائيل. فما الفكرة من وراء قوله، “أنا الملك الآن” قبل أن يعلن الله ذلك؟ أو ربما اختبر شاول ما يفعله كثيرون بعد مواجهة قوية مع الرب، أي هجومًا من العدو جاعلًا إياهم خائفين مترددين في إخبار الآخرين بما فعله الرب.
ثانيًا. إعلان شاول ملكًا
أ ) الآيات (١٧-١٩): خطاب صموئيل للأمّة قبل تعيين ملك.
١٧ٱسْتَدْعَى صَمُوئِيلُ ٱلشَّعْبَ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلَى ٱلْمِصْفَاةِ، ١٨وَقَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: «هَكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: إِنِّي أَصْعَدْتُ إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ وَأَنْقَذْتُكُمْ مِنْ يَدِ ٱلْمِصْرِيِّينَ وَمِنْ يَدِ جَمِيعِ ٱلْمَمَالِكِ ٱلَّتِي ضَايَقَتْكُمْ. ١٩وَأَنْتُمْ قَدْ رَفَضْتُمُ ٱلْيَوْمَ إِلَهَكُمُ ٱلَّذِي هُوَ مُخَلِّصُكُمْ مِنْ جَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيُضَايِقُونَكُمْ، وَقُلْتُمْ لَهُ: بَلْ تَجْعَلُ عَلَيْنَا مَلِكًا. فَٱلْآنَ ٱمْثُلُوا أَمَامَ ٱلرَّبِّ حَسَبَ أَسْبَاطِكُمْ وَأُلُوفِكُمْ.
١. إِنِّي أَصْعَدْتُ إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ: قبل أن يعيّن الله ملكًا عليهم، ذكّرهم بما فعله من أجلهم، وبأنه ما زال مؤهّلًا تمامًا لأن يكون ملكهم، وبأن رفْضهم له يرجع إلى عيب فيهم لا في الرب.
٢. قَدْ رَفَضْتُمُ ٱلْيَوْمَ إِلَهَكُمُ ٱلَّذِي هُوَ مُخَلِّصُكُمْ مِنْ جَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيُضَايِقُونَكُمْ: بيّن الله لإسرائيل، على لسان صموئيل، كيف أن رفضهم له لم يكن منطقيًّا. فليس منطقيًّا أن يرفضوا “ٱلَّذِي هُوَ مُخَلِّصُكُمْ مِنْ جَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيُضَايِقُونَكُمْ.“
ب) الآيات (٢٠-٢١أ): اختيار شاول بالقرعة.
٢٠فَقَدَّمَ صَمُوئِيلُ جَمِيعَ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ، فَأُخِذَ سِبْطُ بَنْيَامِينَ. ٢١ثُمَّ قَدَّمَ سِبْطَ بَنْيَامِينَ حَسَبَ عَشَائِرِهِ، فَأُخِذَتْ عَشِيرَةُ مَطْرِي، وَأُخِذَ شَاوُلُ بْنُ قَيْسَ.
١. وَأُخِذَ (اختير) شَاوُلُ بْنُ قَيْسَ: سبق أن اختير شاول ملكًا على إسرائيل، لكن فعل هذا (إجراء القرعة) ليبيّن لإسرائيل كلها أن شاول هو الرجل المناسب. وقد بيّن هذا أن الله، لا إنسان، هو الذي اختار شاول.
٢. وَأُخِذَ (اختير): إنه لأمر مهم أن نعرف أن شاول لم يصبح ملكًا بسبب اختياره بالقرعة. فبدلًا من ذلك، اختير ملكًا بسبب كلمة الله إلى النبي صموئيل. فكان الاختيار بالقرعة مجرد تثبيت لكلمة الله على لسان صموئيل.
ج) الآيات (٢١ب-٢٤): إعلان شاول ملكًا.
٢١فَفَتَّشُوا عَلَيْهِ فَلَمْ يُوجَدْ. ٢٢فَسَأَلُوا أَيْضًا مِنَ ٱلرَّبِّ: «هَلْ يَأْتِي ٱلرَّجُلُ أَيْضًا إِلَى هُنَا؟» فَقَالَ ٱلرَّبُّ: «هُوَذَا قَدِ ٱخْتَبَأَ بَيْنَ ٱلْأَمْتِعَةِ». ٢٣فَرَكَضُوا وَأَخَذُوهُ مِنْ هُنَاكَ، فَوَقَفَ بَيْنَ ٱلشَّعْبِ، فَكَانَ أَطْوَلَ مِنْ كُلِّ ٱلشَّعْبِ مِنْ كَتِفِهِ فَمَا فَوْقُ. ٢٤فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ: «أَرَأَيْتُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَارَهُ ٱلرَّبُّ، أَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ؟» فَهَتَفَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ وَقَالُوا: “لِيَحْيَ ٱلْمَلِكُ.”
١. قَدِ ٱخْتَبَأَ بَيْنَ ٱلْأَمْتِعَةِ: أظهر شاول هنا ارتباكًا صحيًّا وتواضعًا. إذ لم يتطلّع أن يكون في منتصف المسرح أمام الأمّة. إذ بدا أنه يخشى ذلك. ولم يُجعل شاول ملكًا بسبب طموحه الشخصي أو في رغبته في أن يكون محط الأنظار.
يبيّن سبيرجن في عظة له بعنوان ’الاختباء بين الأمتعة‘ كيف يُخفي ويتجنب مؤمنون وغير مؤمنين تاجهم. “ربما يكون هنالك بعض منكم يفعلون نفس ما فعله شاول، لكنهم يفعلونه بشكل أكثر غباءً مما فعل شاول. فقد اختبأ شاول من تاج أرضي، لكن هؤلاء يختبئون من تاج سماوي.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. فَكَانَ أَطْوَلَ مِنْ كُلِّ ٱلشَّعْبِ مِنْ كَتِفِهِ فَمَا فَوْقُ: يبيّن الوصف الجسدي لشاول أنه كان بالضبط ما أراده الشعب.. ملكًا ذا صورة حسنة أمام الشعوب الأخرى. فأعطاهم الله الملك ’من القالب المركزي.‘
٣. لِيَحْيَ ٱلْمَلِكُ: تاقت إسرائيل في رغبتها في الحصول على صورة ملك بشري ذي أُبّهة إلى أن تطلق هذه الصيحة من وقت طويل. وعرفت أن لدى الشعوب الأخرى مراسم ووظائف ملكية. وهم الآن يريدون هذا كله أيضًا.
٤. لَيْسَ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ: ربما قال صموئيل هذا بنغمة من السخرية في صوته. أراد أن ترى الأمّة الملك. وحسب ما يرونه، كان ملكًا عظيمًا. لكن ربما عرف صموئيل شاول جيدًا من محادثته الطويلة معه (١ صموئيل ٩: ٢٥-٢٦) بما يكفي ليعني شيئًا آخر عندما قال، ’لَيْسَ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ.‘
د ) الآيات (٢٥-٢٧): تأسيس النظام الملكي.
٢٥فَكَلَّمَ صَمُوئِيلُ ٱلشَّعْبَ بِقَضَاءِ ٱلْمَمْلَكَةِ، وَكَتَبَهُ فِي ٱلسِّفْرِ وَوَضَعَهُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ. ثُمَّ أَطْلَقَ صَمُوئِيلُ جَمِيعَ ٱلشَّعْبِ كُلَّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ. ٢٦وَشَاوُلُ أَيْضًا ذَهَبَ إِلَى بَيْتِهِ إِلَى جِبْعَةَ، وَذَهَبَ مَعَهُ ٱلْجَمَاعَةُ ٱلَّتِي مَسَّ ٱللهُ قَلْبَهَا. ٢٧وَأَمَّا بَنُو بَلِيَّعَالَ فَقَالُوا: «كَيْفَ يُخَلِّصُنَا هَذَا؟». فَٱحْتَقَرُوهُ وَلَمْ يُقَدِّمُوا لَهُ هَدِيَّةً. فَكَانَ كَأَصَمَّ.
١. فَكَلَّمَ صَمُوئِيلُ ٱلشَّعْبَ بِقَضَاءِ ٱلْمَمْلَكَةِ: علّمهم صموئيل الخطوط الإرشادية لكل من الحكام والرعايا، ربما مستخدمًا تثنية ١٧: ١٤-٢٠.
٢. وَكَتَبَهُ فِي ٱلسِّفْرِ وَوَضَعَهُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ: لا يبدو أن الكتاب المتضمن الذي كتبه صموئيل متضمن في أي سفر من أسفار الكتاب المقدس. ولا يعني هذا أن هنالك شيئًا مفقودًا من كتابنا المقدس. بل يعني أن الله لم يُرِد أن يُحفظ هذا السفر في كلمته الأبدية.
٣. وَشَاوُلُ أَيْضًا ذَهَبَ إِلَى بَيْتِهِ إِلَى جِبْعَةَ: في ذلك الوقت لم يكن هنالك قصر أو عاصمة، ولذلك مشى شاول إلى بيته مع قادته المستقبليين، الرجال الشجعان الذين ذهبوا معه.
دعا الله شاول إلى أن يكون الملك ويقود الأمّة، لكن لم يكن هذا شيئًا يمكنه أن يفعله وحده. إذ احتاج إلى رجال شجعان حوله، جماعة مَسَّ ٱللهُ قَلْبَهَا.
٤. فَٱحْتَقَرُوهُ … فَكَانَ كَأَصَمَّ: لم تدعم كل إسرائيل شاول بعد. فلأنه لم يكن لها ملك من قبل، فمن غير المرجح أن يختاروا أي رجل يمكن أن تُجْمِع الأمة على دعمه فورًا. أبدى شاول استجابة حكيمة (فَكَانَ كَأَصَمَّ). ففي هذه المرحلة، قد يشعر القائد غير الآمِن أو غير الحكيم بالحاجة إلى ’سحق‘ أية معارضة تنشأ، حيث يَعُدّ المعارضين أعداء. فلم يفعل شاول لا هذا ولا ذاك، مدركًا أنه قد يستغرق كسب المشككين بعض الوقت.
“تقول بعض الترجمات: ’فلم يُبالِ شاول.‘ لكن الأصل العبري (كما هو في النرجمة العربية) يقول: ’فَكَانَ كَأَصَمَّ،‘ أي أنه تظاهر بأنه لم يسمع شيئًا. لكنه سمع، وقد اخترقت كل كلمة نفسه، لكنه قرر أن يتصرف كما لو أنه كان أصم. إنها قوة عظيمة يُبديها الإنسان عندما يتصرف كأصم أمام الافتراءات، وأصمّ أمام التحقير، وأصم أمام الكلام القاسي وغير الطيب، ويتعامل معها كما لو أنها لم تخرج من أفواه أصحابها، متحوِّلًا عن الناس ملتجئًا إلى الله، تاركًا له الانتقام، مؤمنًا بأن الله سيمنحه، عاجلًا أم آجلًا، الفرصة ليبيّن حقيقته وطبيعته.” ماير (Meyer)
نرى من هذا أن شاول بدأ بداية واعدة. إذ:
ü اختيرَ ومُسِح من الله.
ü امتلأ بالروح القدس.
ü حصل على دعم رجل الله العظيم (صموئيل).
ü أُعطي مواهب ملائمة للمنصب الملكي.
ü دُعِم بحماسة من معظم الشعب.
ü أحاط به رجال شجعان مسّ الله قلوبهم.
ü كان حكيمًا بما يكفي لعدم اعتبار كل متشكك أو ناقد عدوًّا.
رغم كل هذه الميزات، أَمْكَن لشاول أن ينهي حكمه بشكل سيئ. كان عليه أن يسلك في الميزات التي أعطاها الله له وأن يختار أن يتبع طرقه. وتبيّن بقية سفر صموئيل الأول كيفية تعامل شاول مع هذا الخيار.