١ صموئيل ٤
الاستيلاء على تابوت العهد
أولًا. الفلسطيّون يستولون على تابوت العهد
أ ) الآيات (١-٢): هزيمة إسرائيل أمام الفلسطيين.
١كَانَ كَلَامُ صَمُوئِيلَ إِلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ. وَخَرَجَ إِسْرَائِيلُ لِلِقَاءِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ لِلْحَرْبِ، وَنَزَلُوا عِنْدَ حَجَرِ ٱلْمَعُونَةِ، وَأَمَّا ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ فَنَزَلُوا فِي أَفِيقَ. ٢وَٱصْطَفَّ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ لِلِقَاءِ إِسْرَائِيلَ، وَٱشْتَبَكَتِ ٱلْحَرْبُ فَٱنْكَسَرَ إِسْرَائِيلُ أَمَامَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَضَرَبُوا مِنَ ٱلصَّفِّ فِي ٱلْحَقْلِ نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلَافِ رَجُلٍ.
١. وَخَرَجَ إِسْرَائِيلُ لِلِقَاءِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ لِلْحَرْبِ: أثناء ذلك الوقت، لم تكن هنالك قوة عالمية (مثل مصر وأشور) تسعى إلى الهيمنة على المنطقة، ولهذا كانت المعارك التي واجهتها إسرائيل من جيرانها مثل الموآبيين والعمّونيين أو ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ في هذه الحالة.
كانت إسرائيل ندًّا لموآب وعمّون، لكن كانت لدى الفلسطيين أسلحة عسكرية يونانية (مثل الخُوَذ، والتروس، والدروع ذات السلاسل، والسيوف والرماح)، ما جعل الفلسطيين خصومًا أكثر مناعة. وكان الفلسطيون أول شعب في كنعان يعالجون الحديد. وقد استغلوا هذا إلى أقصى حد.
كان الفلسطيون شعبًا مهاجرًا من الطبقة الأرستقراطية العسكرية من جزيرة كريت (عاموس ٩: ٧). كانوا موجودين بأعداد قليلة في زمن إبراهيم، لكن بأعداد أكبر بعد مجيء إسرائيل إلى كنعان من مصر. وكانوا منظّمين في خمس ولايات – مدن.
كانت تلك فترة صعبة لإسرائيل. “لم يبدُ وقت أكثر يأسًا من قيام صموئيل من هذا. سارع الفلسطيون الذين تقوّوا، لا بالتدفق المستمر للمهاجرين فحسب، بل أيضًا باستيراد أسلحة من اليونان أيضًا، إلى تقليص إسرائيل إلى حالة من العِرْق الخاضع.” سميث (Smith) من كتابه (Pulpit Commentary).
٢. كَانَ كَلَامُ صَمُوئِيلَ إِلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ …. وَٱصْطَفَّ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ لِلِقَاءِ إِسْرَائِيلَ: لا يعني هذا إن صموئيل هو الذي بادر إلى الحرب. إذ توضح بعض التقاليد المخطوطية (كما هو واضح في الترجمة السبعينية) أن الفلسطينيين هم الذين بدأوا الصراع. غير أن المعركة انتهت بهزيمة إِسْرَائِيلُ أَمَامَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَضَرَبُوا مِنَ ٱلصَّفِّ فِي ٱلْحَقْلِ نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلَافِ رَجُلٍ.
لا يبدو أن الآية الأولى، ’كَانَ كَلَامُ صَمُوئِيلَ إِلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ‘ تنتمي إلى هذا السياق. بل تنتمي بشكل أفضل وطبيعي إلى نهاية الإصحاح الثالث، حيث يعلن الله نفسه لصموئيل. والفكرة في الآية هنا هي أن صموئيل كان ينقل كلام الرب إلى جميع إسرائيل، ربما من خلال تنقلاته بين المدن والقرى الإسرائيلية. ولا علاقة لصموئيل بالحرب.
ب) الآيات (٣-٤): يستجيب شيوخ إسرائيل بثقة خرافية بتابوت العهد.
٣فَجَاءَ الشَّعْبُ إِلَى الْمَحَلَّةِ. وَقَالَ شُيُوخُ إِسْرَائِيلَ: «لِمَاذَا كَسَّرَنَا الْيَوْمَ الرَّبُّ أَمَامَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ؟ لِنَأْخُذْ لأَنْفُسِنَا مِنْ شِيلُوهَ تَابُوتَ عَهْدِ الرَّبِّ فَيَدْخُلَ فِي وَسَطِنَا وَيُخَلِّصَنَا مِنْ يَدِ أَعْدَائِنَا». ٤فَأَرْسَلَ الشَّعْبُ إِلَى شِيلُوهَ وَحَمَلُوا مِنْ هُنَاكَ تَابُوتَ عَهْدِ رَبِّ الْجُنُودِ الْجَالِسِ عَلَى الْكَرُوبِيمِ. وَكَانَ هُنَاكَ ابْنَا عَالِي حُفْنِي وَفِينَحَاسُ مَعَ تَابُوتِ عَهْدِ اللهِ.
١. لِنَأْخُذْ لِأَنْفُسِنَا مِنْ شِيلُوهَ تَابُوتَ عَهْدِ ٱلرَّبِّ … وَيُخَلِّصَنَا مِنْ يَدِ أَعْدَائِنَا: قرر شيوخ إسرائيل بعد المعركة مع الفلسطيين أنه يمكن كسب المعركة التالية إذا أخذوا تابوت العهد مع جنودهم.
كان تابوت العهد تمثيلًا لعرش الله في إسرائيل. ولأنه كان محفوظًا في قدس الأقداس في خيمة الاجتماع، لم يره الشعب قط. وكان رئيس الكهنة يدخل ويراه مرة واحدة في السنة. فأراد شيوخ إسرائيل تمثيل عرش الله هذا من قدس الأقداس (كان يمكن نقله مع نقل خيمة الاجتماع)، ويغطوه، ويُحضروه إلى المعركة معهم. وكانوا يأملون أن يمنحهم الثقة بأن الله معهم حقًّا.
دخل تابوت العهد المعركة من قبل. تقدَّم تابوت العهد الذين أحاطوا بمدينة أريحا (يشوع ٦: ٦-٨)، وطلب موسى من الكهنة أن يقودوا تابوت العهد إلى معركة ضد المديانيين (سفر العدد ٣١: ٦). وفي وقت لاحق، جلب شاول تابوت العهد إلى المعركة (١ صموئيل ١٤: ١٨)، كذلك فعل داود أيضًا (٢ صموئيل ١١:١١).
٢. وَيُخَلِّصَنَا مِنْ يَدِ أَعْدَائِنَا: كان شيوخ إسرائيل على حق عندما شعروا بحاجتهم لمعونة الرب للفوز في المعركة. لكنهم أخطأوا هنا في الطريقة التي طلبوا بها العون. فبدلًا من أن يتواضعوا، ويتوبوا، ويطلبوا وجه الله، لجأوا إلى أساليب لم يصادق عليها الله قط. كان هدفهم الفوز فقط.
اعتقدوا أن وجود التابوت سيجعل الله يعمل من أجلهم. “كانت الفكرة هي أن الله سيُجبر على القتال من أجلهم. فإن لم يكن مستعدًّا للقيام بهذا من أجلهم، فسيضطر إلى القيام به من أجل كرامته.” آليسون (Ellison)
لا شك أن هذا بدا اقتراحًا عبقريًّا، ويرجح أنهم سرّوا بالوصول إلى مثل هذا الحل.
٣. وَيُخَلِّصَنَا (التابوت) مِنْ يَدِ أَعْدَائِنَا: عدّوا تابوت العهد ’تعويذة حظ‘ مطلقة، واعتقدوا أنهم لن يخسروا بوجودها. وتطلّعوا إلى تابوت الرب، لا إلى رب التابوت.
“بدلًا من أن يصححوا علاقتهم بالله، شرع هؤلاء الإسرائيليون في ابتكار وسائل خرافية ليضمنوا الانتصار على أعدائهم. وفي هذا الصدد، قلّدهم معظمنا. إذ نحن نفكر في ألف اختراع، لكننا نهمل ذلك الشيء الوحيد الضروري (الحاجة هي إلى واحد)، وننسى الأمر الأساسي، وهو تتويج الله على حياتنا، والسعي إلى فعل إرادته بالإيمان بيسوع المسيح.” سبيرجن (Spurgeon)
“هنالك مؤمنون كثيرون، مثل هؤلاء الشيوخ، يجدون أنفسهم مهزومين من العالم وإبليس، فيحيّرون عقولهم باختراع كل أنواع الأسباب التي جعلت الله يضربهم، باستثناء السبب الوحيد الصحيح، وهو ابتعادهم عن الرب.” ماكلارين (Maclaren)
٤. وَكَانَ هُنَاكَ ٱبْنَا عَالِي حُفْنِي وَفِينَحَاسُ مَعَ تَابُوتِ عَهْدِ ٱللهِ: بدلًا من أن يضعوا ثقتهم في تابوت العهد، كان ينبغي لهم أن يكونوا أكثر قلقًا من أن الكهنة الذين خدموا التابوت وحملوه تركوا الرب.
ج) الآية (٥): ثقة إسرائيل بتابوت العهد.
٥وَكَانَ عِنْدَ دُخُولِ تَابُوتِ عَهْدِ ٱلرَّبِّ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ أَنَّ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ هَتَفُوا هُتَافًا عَظِيمًا حَتَّى ٱرْتَجَّتِ ٱلْأَرْضُ.
١. جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ هَتَفُوا هُتَافًا عَظِيمًا حَتَّى ٱرْتَجَّتِ ٱلْأَرْضُ: قد يظن شخص مارٌّ بجانب معسكر إسرائيل أن شيئًا عظيمًا يحدث هناك. ومن المؤكد أن هذه ستكون خدمة كنسية عظيمة. وسيعتقد كثيرون أن إسرائيل كانت تثق بالرب حقًّا. لكن رغم كل هذه المظاهر، لم يكن شيئًا في حقيقة الأمر. إذ لم يعنِ كل الضجيج والإثارة شيئًا لأنه لم يرتكز على الحق الإلهي.
يرجح أن الإسرائيليين أحسّوا بأنهم أفضل من الفلسطيين، لأن هؤلاء وثنيون يعبدون آلهة زائفة. لكن الإسرائيليين كانوا يفكرون ويتصرفون مثل الوثنيين، معتقدين أن بإمكانهم أن يتلاعبوا بالله وإجباره على فعل شيء يريدونه.
“لو أنهم تواضعوا وصلّوا بإخلاص ولجاجة من أجل النجاح، لكان الله قد سمعهم وأنقذهم. لكن أَثبت صراخهم خواءهم وتفاهتهم وعدم تقواهم.” كلارك (Clarke)
٢. ٱرْتَجَّتِ ٱلْأَرْضُ: “والآن، أيها الأحباء، عندما تعبدون الله، اهتفوا كما لو أنكم ممتلئون بسرور مقدس. فإن كان هتافكم صادرًا عن القلب، فلن أطلب منكم أن تكبحوه. وحاشا لي أن أحكم على عبادة أي شخص. لكن لا تكونوا من الغباء بحيث تفترضون أن الضجيج لا بد أن يكون إيمانًا. فالإيمان ماء ساكن، ويتدفق عميقًا. قد يتجلى الإيمان الحقيقي بالله بالقفز والهتاف – وسيكون هذا شيئًا سعيدًا عندما يحدث – لكنه يمكن أن يهدأ أمام الرب، وربما يكون هذا أكثر سعادة.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (٦-٩): خوف الفلسطيين من تابوت العهد.
٦فَسَمِعَ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ صَوْتَ ٱلْهُتَافِ فَقَالُوا: «مَا هُوَ صَوْتُ هَذَا ٱلْهُتَافِ ٱلْعَظِيمِ فِي مَحَلَّةِ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ؟» وَعَلِمُوا أَنَّ تَابُوتَ ٱلرَّبِّ جَاءَ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ. ٧فَخَافَ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: «قَدْ جَاءَ ٱللهُ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ». وَقَالُوا: «وَيْلٌ لَنَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِثْلُ هَذَا مُنْذُ أَمْسِ وَلَا مَا قَبْلَهُ! ٨وَيْلٌ لَنَا! مَنْ يُنْقِذُنَا مِنْ يَدِ هَؤُلَاءِ ٱلْآلِهَةِ ٱلْقَادِرِينَ؟ هَؤُلَاءِ هُمُ ٱلْآلِهَةُ ٱلَّذِينَ ضَرَبُوا مِصْرَ بِجَمِيعِ ٱلضَّرَبَاتِ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ. ٩تَشَدَّدُوا وَكُونُوا رِجَالًا أَيُّهَا ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ لِئَّلَا تُسْتَعْبَدُوا لِلْعِبْرَانِيِّينَ كَمَا ٱسْتُعْبِدُوا هُمْ لَكُمْ. فَكُونُوا رِجَالًا وَحَارِبُوا.
١. قَدْ جَاءَ ٱللهُ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ: ينبغي أن نمتدح الفلسطيين على فهمهم أن تابوت العهد يمثل حضور الله، وعلى معرفتهم بتاريخ إسرائيل.
عرفوا أنه من غير المعتاد – بل إنه شيء لم يُسمع به قط – أن يجلب الإسرائيليون التابوت إلى المعركة (لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِثْلُ هَذَا مُنْذُ أَمْسِ وَلَا مَا قَبْلَهُ)، وعرفوا أن إله إسرائيل هزم المصريين (هَؤُلَاءِ هُمُ ٱلْآلِهَةُ ٱلَّذِينَ ضَرَبُوا مِصْرَ بِجَمِيعِ ٱلضَّرَبَاتِ).
٢. هَؤُلَاءِ ٱلْآلِهَةِ ٱلْقَادِرِينَ: رغم أن الفلسطيين لم يعرفوا الكثير عن الله، إلا أنهم أقروا بتفوق إله إسرائيل. غير أنهم لم يخضعوا له، بل قرروا أن يحاربوه بإصرار أكبر. ولو اعتقدوا أن آلهتهم أقوى من إله إسرائيل، لما كان هنالك ما يقلقون بشأنه. لكن ما دام قد اعتقدوا أن إله إسرائيل أقوى، كان يفترض فيهم أن يخضعوا له.
غالبًا ما نعرف مثلهم أن الله أعظم وأنه مستحق للخضوع، غير أننا نقاومه بدلًا من الاستسلام له. فلم تكن المعرفة مشكلتهم، بل الخضوع.
٣. تَشَدَّدُوا وَكُونُوا رِجَالًا أَيُّهَا ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ: لم يدفع وجود التابوت الفلسطيين إلى اليأس، بل جعلهم أكثر إصرارًا على المواجهة والتغلب على الصعاب أمامهم. فكانوا يتمتعون بشجاعة الرجال اليائسين.
يمكن أن يعلّمنا الفلسطيون الوثنيون درسًا. إذ ينبغي للمؤمنين بالمسيح أن يُظهروا مثل هذه الشجاعة. وبدلًا من اليأس عندما تسوء الأمور، ينبغي أن نثق بالرب ونحارب بإصرار أقوى ونقرر ألّا نستسلم. فالشجاعة والمثابرة تكسبان معارك كثيرة، حتى بالنسبة للجانب الخطأ أحيانًا.
ه) الآيات (١٠-١١): يدخل التابوت المعركة، وتُمْنى إسرائيل بهزيمة أكبر من ذي قبل.
١٠فَحَارَبَ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ، وَٱنْكَسَرَ إِسْرَائِيلُ وَهَرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ. وَكَانَتِ ٱلضَّرْبَةُ عَظِيمَةً جِدًّا، وَسَقَطَ مِنْ إِسْرَائِيلَ ثَلَاثُونَ أَلْفَ رَاجِلٍ. ١١وَأُخِذَ تَابُوتُ ٱللهِ، وَمَاتَ ٱبْنَا عَالِي حُفْنِي وَفِينَحَاسُ.
١. وَٱنْكَسَرَ إِسْرَائِيلُ: كانت هنالك ثلاثة أسباب وراء هزيمة إسرائيل. أولًا، حارب الفلسطيون بشجاعة الرجال اليائسين. ثانيًا، شعر الإسرائيليون بأن المعركة ستكون سهلة مع وجود التابوت، فلم يبذلوا جهدًا كافيًا. ثالثًا وأخيرًا، لم يبارك الله اعتقاد الإسرائيليين الخرافي بقوة التابوت بدلًا من قوة الرب.
غالبًا ما نرتكب الخطأ نفسه عندما نعتقد أنه إن كان الله معنا، فلا يلزم أن نبذل جهدًا كبيرًا. فإذا اعتقدنا أن الله إلى جانبنا، وظننا أن العمل سيكون سهلًا، ربما لا يكون هذا أمرًا صحيحًا على الإطلاق.
كما تَكَشّفت الأمور، لم يرَ الله أنه ملزم بمباركة الإسرائيليين لمجرد أنهم أخذوا التابوت إلى المعركة. ولن يسمح الله لأحد بأن يلوي ذراعه بخرافات إسرائيلية. فالله شخص وليس جِنّيًّا يُستَدعى بإرادة الإنسان.
٢. وَسَقَطَ مِنْ إِسْرَائِيلَ ثَلَاثُونَ أَلْفَ رَاجِلٍ: لم تُهزم إسرائيل فحسب، بل كانت هزيمتها أسوأ بكثير مما كانت عندما لم يجلبوا التابوت معهم. وقد أدت الهزيمة الثانية إلى أسر التابوت (وَأُخِذَ تَابُوتُ ٱللهِ) وقتل حوالي أربعة آلاف رجل إسرائيلي (١ صموئيل ٤ :٢)، وفي وجود التابوت، كانت الخسائر البشرية أكثر من ما يزيد عن سبعة أضعاف.
في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، عُثر على نقش من خمسة أسطر على صومعة حبوب في ’عزبة سارته.‘ وعندما تم تفكيك الشفرة، وُجد أنه يحتوي على رواية فلسطيّة لهذه المعركة، وأسر التابوت مع ذكر الكاهن حفني. وهذه أقدم إشارة من خارج الكتاب المقدس إلى حدث في العهد القديم.
٣. وَأُخِذَ تَابُوتُ ٱللهِ: كان هذا أسوأ بكثير من مجرد خسارة معركة. فالشيء الذي اعتقد الإسرائيليون أنه هو الذي سيربح المعركة لهم أُسِر. لقد جعلت إسرائيل من التابوت وثنًا. وغالبًا ما يتعامل الله مع عبادة الأوثان بانتزاع الوثن.
يمكننا أن نجعل الأشياء الجيدة أوثانًا. لم يكن هنالك عيب في التابوت نفسه. إذ أمر الله بصنعه، وكان مهمًّا لإسرائيل، وطلب الله منهم أن يضعوا فيه لوحي الشهادة، وقِسْط المنّ، وعصا هارون التي أفرخت. لكن يمكن حتى لأي شيء جيد مثل التابوت أن يصبح وثنًا. ولا يتسامح الله مع أصنامنا.
أُخذ تابوت الرب، لكن رب التابوت كان ما زال على العرش في السماء يوجه الظروف هذه لمجده. ظنت إسرائيل أنه يمكنها أن تتجاهل إله التابوت وتجد خلاصًا في تابوته. فأظهر الله أنه أعظم من التابوت.
٤. وَمَاتَ ٱبْنَا عَالِي حُفْنِي وَفِينَحَاسُ: قُتل الكاهنان اللذان يفترض أنهما كانا يشرفان عليه في المعركة. وسمح الله بأن يموت ابنا عالي في اليوم نفسه كإثبات على دينونته النهائية على بيت عالي (١ صموئيل ٢: ٣٤). والآن جاء الإثبات.
ثانيًا. عذاب إسرائيل العظيم بسبب فقدان التابوت.
أ ) الآيات (١٢-١٨): يسمع عالي بفقدان تابوت العهد ويموت.
١٢فَرَكَضَ رَجُلٌ مِنْ بَنْيَامِينَ مِنَ ٱلصَّفِّ وَجَاءَ إِلَى شِيلُوهَ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ وَثِيَابُهُ مُمَزَّقَةٌ وَتُرَابٌ عَلَى رَأْسِهِ. ١٣وَلَمَّا جَاءَ، فَإِذَا عَالِي جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بِجَانِبِ ٱلطَّرِيقِ يُرَاقِبُ، لِأَنَّ قَلْبَهُ كَانَ مُضْطَرِبًا لِأَجْلِ تَابُوتِ ٱللهِ. وَلَمَّا جَاءَ ٱلرَّجُلُ لِيُخْبِرَ فِي ٱلْمَدِينَةِ صَرَخَتِ ٱلْمَدِينَةُ كُلُّهَا. ١٤فَسَمِعَ عَالِي صَوْتَ ٱلصُّرَاخِ فَقَالَ: «مَا هُوَ صَوْتُ ٱلضَّجِيجِ هَذَا؟» فَأَسْرَعَ ٱلرَّجُلُ وَأَخْبَرَ عَالِيَ. ١٥وَكَانَ عَالِي ٱبْنَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَقَامَتْ عَيْنَاهُ وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُبْصِرَ. ١٦فَقَالَ ٱلرَّجُلُ لِعَالِي: «أَنَا جِئْتُ مِنَ ٱلصَّفِّ، وَأَنَا هَرَبْتُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلصَّفِّ». فَقَالَ: «كَيْفَ كَانَ ٱلْأَمْرُ يَا ٱبْنِي؟» ١٧فَأَجَابَ ٱلْمُخَبِّرُ وَقَالَ: «هَرَبَ إِسْرَائِيلُ أَمَامَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ وَكَانَتْ أَيْضًا كَسْرَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ٱلشَّعْبِ، وَمَاتَ أَيْضًا ٱبْنَاكَ حُفْنِي وَفِينَحَاسُ، وَأُخِذَ تَابُوتُ ٱللهِ». ١٨وَكَانَ لَمَّا ذَكَرَ تَابُوتَ ٱللهِ، أَنَّهُ سَقَطَ عَنِ ٱلْكُرْسِيِّ إِلَى ٱلْوَرَاءِ إِلَى جَانِبِ ٱلْبَابِ، فَٱنْكَسَرَتْ رَقَبَتُهُ وَمَاتَ، لِأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا شَيْخًا وَثَقِيلًا. وَقَدْ قَضَى لِإِسْرَائِيلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
١. فَرَكَضَ رَجُلٌ مِنْ بَنْيَامِينَ مِنَ ٱلصَّفِّ وَجَاءَ إِلَى شِيلُوهَ: دارت المعركة قرب أفيق (١ صموئيل ٤: ١) على بعد عشرين ميلًا من شيلوه. وكان أمام الرسول طريق طويل ليقطعه، وكان الطريق صعودًا وشاقًّا في الغالب، وكان يحمل أخبارًا سيّئة.
ولأن الأخبار كانت سيّئة للغاية، مزّق الرسول ثيابه ووضع ترابًا على رأسه. فكانت هذه من العلامات التقليدية للحداد. فكان مظهره يعكس ماهية الأخبار.
وفقًا لتقليد يهودي لا أساس له، كان هذا الرسول شابًّا من سبط بنيامين اسمه شاول.
٢. فَإِذَا عَالِي جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بِجَانِبِ ٱلطَّرِيقِ يُرَاقِبُ، لِأَنَّ قَلْبَهُ كَانَ مُضْطَرِبًا لِأَجْلِ تَابُوتِ ٱللهِ: انتظر عالي بفارغ الصبر في خيمة الاجتماع لسماع أخبار المعركة. كان عالي قلقًا أكثر على مصير الفلك من مصير أبنائه.
لماذا كان عالي متوتّرًا إلى هذا الحد؟ لقد عرف أنه ترك التابوت يذهب في مهمة خرافية غير حكيمة، وجعله ضميره يخشى أن ينتهي الأمر بكارثة.
٣. سَقَطَ عَنِ ٱلْكُرْسِيِّ إِلَى ٱلْوَرَاءِ إِلَى جَانِبِ ٱلْبَابِ، فَٱنْكَسَرَتْ رَقَبَتُهُ وَمَاتَ: سقط عالي عن الكرسي ومات فور سماعه أخبار الفلك. (لَمَّا ذَكَرَ تَابُوتَ ٱللهِ). لم تكن أخبار هزيمة إسرائيل في المعركة، أو ذبْح الجيش، أو حتى موت ابنيه سبب موته. فخبر أسر تابوت عهد الله هو الذي قتله.
“ما كان لفلسطيّ أن يقتل عالي بعنف أشد من هذا. ولا يمكنك القول إن كان قد كُسر قلبه قبل كسر رقبته.” تراب (Trapp)
وعد الرب بأن ابنَي عالي سيموتان في اليوم نفسه كعلامة دينونة على بيته (١ صموئيل ٢: ٣٤). ولم يعلن الله أن عالي سيموت في اليوم نفسه معهما. يخبرنا الله الكثير في النبوات، لكنه لا يخبرنا كل شيء. فلا نرى بعض التفاصيل إلا بعد التحقيق الكامل للنبوة.
وحسب نصوص أخرى، بعد أن هزم الفلسطيون الجيش الإسرائيلي، مضوا قُدُمًا ليدمّروا مدينة شيلوه نفسها (مزمور ٧٨: ٦٠-٦٤؛ إرميا ٧: ١٢ و٢٦: ٩).
ب) الآيات (١٩-٢٢): مأساة أخرى في بيت عالي.
١٩وَكَنَّتُهُ ٱمْرَأَةُ فِينَحَاسَ كَانَتْ حُبْلَى تَكَادُ تَلِدُ. فَلَمَّا سَمِعَتْ خَبَرَ أَخْذِ تَابُوتِ ٱللهِ وَمَوْتَ حَمِيهَا وَرَجُلِهَا، رَكَعَتْ وَوَلَدَتْ، لِأَنَّ مَخَاضَهَا ٱنْقَلَبَ عَلَيْهَا. ٢٠وَعِنْدَ ٱحْتِضَارِهَا قَالَتْ لَهَا ٱلْوَاقِفَاتُ عِنْدَهَا: «لَا تَخَافِي لِأَنَّكِ قَدْ وَلَدْتِ ٱبْنًا». فَلَمْ تُجِبْ وَلَمْ يُبَالِ قَلْبُهَا. ٢١فَدَعَتِ ٱلصَّبِيَّ «إِيخَابُودَ» قَائِلَةً: «قَدْ زَالَ ٱلْمَجْدُ مِنْ إِسْرَائِيلَ». لِأَنَّ تَابُوتَ ٱللهِ قَدْ أُخِذَ وَلِأَجْلِ حَمِيهَا وَرَجُلِهَا. ٢٢فَقَالَتْ: “زَالَ ٱلْمَجْدُ مِنْ إِسْرَائِيلَ لِأَنَّ تَابُوتَ ٱللهِ قَدْ أُخِذَ.”
١. فَلَمَّا سَمِعَتْ خَبَرَ: يا لزوجة فينحاس المسكينة! كانت حبلى عندما سمعت بموت زوجها وسِلْفها وحميها، والمذبحة التي جرت بين جنود إسرائيل، والمعركة الخاسرة، وأسْر تابوت العهد كل هذا في يوم واحد! كان العذاب عظيمًا جدًّا فجاءها المخاض.
٢. فَدَعَتِ ٱلصَّبِيَّ ’إِيخَابُودَ‘: بالنسبة لامرأة يهودية، كانت ولادة ابن خبرًا سارًّا جدًّا، لكن هذا لم ينطبق على زوجة فينحاس في ذلك اليوم. وفي تأمُّلها في عذابها وفي المأساة الوطنية التي حلّت بأمتها، سمّت الطفل “إيخابود،” أي ’زَالَ ٱلْمَجْدُ مِنْ إِسْرَائِيلَ.‘
فَلَمْ تُجِبْ وَلَمْ يُبَالِ قَلْبُهَا: كانت فجيعتها عظيمة جدًّا بحيث تغلّب على فرح الأمومة لولادة ابنها. فبالنسبة لها، كانت الخسارة كلية إلى درجة أنها فقدت الرغبة في الحياة.
٣. زَالَ ٱلْمَجْدُ: زال من إسرائيل مجد الله الذي أظهره تابوت العهد. واحتفظ به الفلسطيّون.
“زال مجد الله بمعنى ما. لكن المجد زال عندما توقفت إسرائيل عن التوبة والاتكال على الله وبدأت تتكل بشكل خرافي على التابوت نفسه. لقد زال مجد الله حقًّا، لكن ليس بسبب أسْر تابوت العهد. لقد أُسر التابوت لأن المجد سبق أن زال بالفعل.” أليسون (Ellison)
كيف أَمكن لله أن يسمح بهذا الشيء الفظيع؟ أولًا، سمح به كدينونة عادلة على إسرائيل وعائلة عالي. وببساطة، حصلوا على ما كانوا يستحقونه. ثانيًا، سمح بهذا كتقويم للأمة لئلا تتكل على تابوت العهد، بل على إله التابوت. وأخيرًا، رغم أن هذا بدا أمرًا فظيعًا للإنسان، فهل كان هذا كذلك لله؟ في تلك اللحظة، هل عصَرَ الله في السماء يديه قلقًا كيف يمكن أن تؤول الأمور؟ هل كان قلقًا حول سمعته؟ هل كان قلقًا حول الفلسطيين وآلهتهم؟ إذا نظرنا إلى الأمور من هذه الزوايا، لم يُزَل مجد الله على الإطلاق. بل كان الله قد بدا للتو في إظهار مجده.
يستخدم الله ظروفًا كثيرة نعدّها مصيبة بطريقة عجيبة ليمجد نفسه. كانت إسرائيل محقة في حزنها على الخسائر البشرية وفقدان التابوت في ذلك اليوم. لكن كان عليها أن تكون واثقة بالرب، عالمة أن الله يستطيع أن يهتم بنفسه جيدًا.
“وهكذا، بما أن الله لم يكن الخاسر في هذا الحدث، لم يكن الفلسطيون الجانب الرابح فيه. وعند أخذ كل الأمور في الاعتبار، فإن إسرائيل نالت خيرًا أكثر من الأذى بهذا الحدث، كما سنرى.” بوله (Poole)